الأربعاء، 11 أبريل 2018

هل أسقط عُمر الإمبراطورية الكوردية أم الفارسية وهل ظلم شعوب المنطقة أم كان فاتحاً مبينا؟ .

كثيراً ما نرى من كتاب بني جلدتنا ومثقفينا يستنزفون طاقاتهم للتهجم على الاسلام والديانة الاسلامية بين الحين والآخر ويقوم بخلق فكر وتشكيل تصور في عقل المثقف الكوردي بحيث يجعله مصاباً بالانفصام الشخصي يعمل على جلد الذات باستمرار ويوحي من خلال أفكاره من حيث يدري ويعلم أو لا يهتم لذلك أن الكورد كفرد أو كمجتمع أو كآباء وأجداد يتميزون بالسذاجة والعاطفية العمياء وقد استطاع الآخر باستمالته والتحايل عليه في كل مرة وخاصة باسم الدين ؟

ويقوم البعض بقلب التاريخ رأساً على عقب حسب قناعاته وأهواءه ليقنع نفسه والآخر أن الإسلام جاء محتلاً للأراضي الكوردية غازيا غير فاتحاً وأن أموالهم قد نُهبت وأعراضهم قد هُتكت !!
وأنهم أُدخلوا في الاسلام عنوةً ؟
وأنهم كانوا ذو مستوى ثقافي لايُحسد عليه فكانوا يمتلكون أكبر مكتبة معرفية إلا أنَّ عمر بن الخطاب أمر بحرقها لأنهم عوضوا بالقرآن عندما استفسره سعد بن أبي وقاص في ذلك !!!
فآن للمجتمع الكوردي أن يتحرر من هذا الدين الظالم والمحتل لأراضيه ؟ والذي هو سبب تخلفهم وتأخرهم ( حسب مرادهم)؟؟
لا أدري من أين نبدأ أمام هذه الإتهامات لكن الذي أعلمه أن هذه الشبهات تتهم تفكير الآباء والأجداد أولاً باتهامهم جزافاً أنهم متخلفون لأنه تم إستمالتهم دينياً لكي تنتهك حقوقهم ؟ مع تناقضهم مع أنفسهم كونهم كانوا ذو مستوى ثقافي عالي بحيث كانوا يمتلكون أكبر مكتبة في المنطقة ؟ثم أنهم قاموا بتحريف التاريخ وقفزوا على التحليل المنطقي والعقلاني لكي ينسجم مع مرادهم
فمن مسلمات التاريخ أن الإسلام قام بحركة إستباقية لما كان يعلمه أن الامبراطورية الفارسية والبيزنطية عازمة بالانقضاض على هذه الثورة الفكرية والجيوسياسية في الجزيرة العربية لأنها ستسبب لها تقويضاً لمناطقها التي استعمروها وجعلوها مستعمرات تجني وراءها الخيرات وأصبحت هذه الاراضي الخصبة والغنية كأبقار حلوبة تغذي سلطتها في مراكزها وعواصمها
فالاستعمار هو استغلال مناطق بحيث يجعل من شعوب هذه المناطق عبيداً لهم وتحت إمرتهم بغية الاستغلال بينما الفتح الاسلامي كان يتضمن تحرير الشعوب من اضطهاد المستبدين وإعادة ثرواتها الى الشعوب وإدارتهم وفق مباديء الدين الجديد القائم على العدل والقسط و توافق العقل البشري أياً كان عرقه أو نسبه مع ظهور ذلك جلياً في أخلاق الفاتحين الذين حملوا الرسالة السماوية وأخلاقياتها في مختلف المجالات منها العسكرية وقوانينها التي لم يتعارف عليها الامم والحضارات وكذلك معايير العدل وحقوق الانسان بحيث جعل القبطي المسيحي يسافر من مصر الى المدينة لأن إبن والي مصر وفاتحها (عَمروبن العاص)ضرب إبنه ؟؟ويقتَصّ عُمر لإبنه من الوالي الذي دُعي الى المدينة قائلاً له قولته المشهورة
(متى استعبدتم الناس وقد ولدت أُمهاتهم أحراراً ) !!
كذلك قيم العدل في الإدارة وتوزيع الاراضي الذي سأبينها بالتفصيل ....
لذلك أقول بصراحة أن الفاتحين لم ينقلوا الاسلام الى الأُمم بل نقلوا الأُمم الى الاسلام وعدالته وقيٓ-;-مه السامية ولم يكونوا همجاً بحيث اذا مات قائدهم الذي كان يقود الجيوش كالقطيع بحيث اذا مات سيدهم يتمزق القطيع ويتلاشا كما حدث للغزات البدو عبر التاريخ أمثال الهون والجرمان والمغول وغيرهم المرتبطين بسيدهم منهم جنكيزخان أو اسطورة اسكندر المقدومي الذين زالت سلطتهم ونفوذهم وانحلوا بعد مماتهم ؟بل المسلمين كانوا يبادرون بانتخاب قائد جديد لهم
ودليل على أنهم اصحاب حضارة أنه حتى بعد زوال سلطتهم لاتزال باقية في كل بقعة على الارض وللعلم والتذكرة أن جيوش الروم والفرس كانت نسبة العرب داخل جيوشهم من الموالين لهم والذين كانوا يمثلون رعايهم مايقارب النصف !
* وضعية الكورد عند الفتح الاسلامي
إن ما يؤسفنا وما يحيرنا ونتعجب منه أن بعض المصابين بهستيرية تاريخية مع الدين والثقافة والاعراف يستنفرون بين الحين والآخر وكأن الاسلام هدم امبراطورية كوردية لافارسية ؟! والعجيب ان الفرس مع ذلك ولحد الآن يمجدون الاسلام ويجعلون فلسفتهم في بناء دولتهم إسلامية ثورية لا علمانية او الحادية او ما الى ذلك ونصب أعينهم الى مكة والمدينة المنورة ؟
فنظرة الى واقع المنطقة يتبين مايلي :
1- أغلب الكورد كانوا إبان الفتوحات تحت حكم أعتا قوة عالمية وهي الإمبراطورية الفارسية متمثلة بالحكم الساساني وكان الكورد بمثابة عبيد تحت سلطتهم بعد التدمير الذي شهده الامبراطورية الميدية السابقة وكان قسم أقل منهم تحت السطوة الرومانية ويشهد المؤرخون أن بعض المناطق التي تسكن فيها الكورد كانت تشهد ثورات بين الحين والآخر بسبب حقوقهم المهضومة من قبل الفرس لكنها كانت تجابه بالقمع والطمس .
2- كان معتقد الفرس تقسم العرق الفارسي الى سبع طبقات أعلاها طبقة الأكاسرة الحاكمين وكانوا يعتقدون أن روح الآلهة تجري في عروقهم ، وأدنا طبقات الشعب الذي كان يمثل 90٪-;- ؟ هم الادنى والطبقة المسحوقة التي كانت تسلسل في سلاسل أثناء الحروب كي لايستطيعون الهرب فما بالك بالكورد!!
3- أعتنق الكورد الزردشتية كباقي الأقليات عندما سيطر الحكم الفارسي في المنطقة عندماأعتنقت هذه الأمبراطورية الديانة الزرداشتية وفرضتها على إمبراطوريتها التي كان من معتقداتها أنها تؤمن بإلهين وهما إله الخير وإله الشر ولهم معتقدات لا يقبله الفطرة السليمة المجبولة على الطهارة فمن الأمثلة لإحدى معتقداتهم اذا وجب عليه التطهر فعليه بجلب بول لـ15 بقرة لكي يطهرنفسه بها ؟؟
فلا عجب ان يقبل الكورد الاسلام الذي يحث على الطهارة والخلق الرفيع وتوحيد الإله بدلاًمن فلسفة الإلهين ؟ بالإضافة الى أن الكورد أشتهروا بحسن الخلق وكانت تعاليم الإسلام تواءم ثقافتها لذلك أغلب المؤرخين بينوا هذا السبب في سهولة دخول الكورد في الاسلام !
يقول أ. د. عمر ميران / مواليد 1924بكالوريوس حقوق / كلية الحقوق / جامعة بغداد 1946الحاصل على شهادة الدكتوراه
عام 1952 م/ جامعة السوربون/ تخصص تاريخ شعوب الشرق الأوسط أستاذ التاريخ / في جامعات دول مختلفة
ان الشعب الكوردي كان بسيطاً ولم يكن بمستوى الشعوب المجاورة مثل الفرس والروم بسبب القمع المبرج لهم و حتى المناطق التي يسكنونها والذي نحن فيها كانت وعرة والحياة فيها قاسية وكان سَكنهم هذا منذ نزوحهم إليها لقربهم من أرض السواد- جنوب العراق الآن- التي كانت من أخصب اراضي الدنيا مصدر الحياة حينها فكانوا تحت حكم ظالم لايرحم والكل يدرك مدى عنجهية الساسانيين وكمصدر رعب للدول العظمى فما بالك بمن تحت أيديهم !!
فلماذا نبالغ بأنهم كانوا يمتلكون اكبر مكتبة وما الى ذلك؟
وهذا يذكرني بالقوميين العرب عندما كانوا يهمشون تاريخ اسلامهم ويؤكدون على خرافات مفاخرهم الجاهلية قبل الاسلام ؟
4- وهذا لاينافي أن اصل الكوردي ليس عريقاً
فالكورد (وليس الاكراد على وزن اعراب)؟
من القوميات العريقة ولايجوز لاحد التقليل من اصالتهم
فجذورها تتكون من الطبقة الاولى والمتمثلة ب شعوب “لولو، كوتي، كورتي، جوتي، جودي، كاساي، سوباري، خالدي، ميتاني، هوري أو حوري، نايري”، وهي كما يراها الأصل القديم جداً للشعب الكردي والطبقة الثانية: هي طبقة الشعوب الهندو-أوروبية التي هاجرت إلى كردستان في القرن العاشر قبل الميلاد، واستوطنت كردستان مع شعوبها الأصلية وهم ” الميديين والكاردوخيين“، وامتزجت مع شعوبها الأصلية ليشكلا معاً الأمة الكردية .
- والميديون الآريون هم أحد أهم جذور الشعب الكردي، كما يؤكده المؤرخ الكوردي محمد امين زكي في كتابه ( خلاصة تاريخ الكرد وكوردستان) وكونت الميديون امبراطورية ضخمة امتدت الى اذربيجان واواسط اسيا وافغانستالكن الفارسيون تمكنوا من هدم مملكتهم وبناء امبراطوريتهم الفارسية على انقاضها وكانت ذلك في القرن6قبل الميلاد
-مملكة كوردوخ هي ثاني كيان كردي مستقل بعدها سيطر عليها الأرمينيون، ثم الرومان عام 66 قبل الميلاد وحولوها إلى مقاطعة تابعة لهم،
ثم الفرس!!
- ثم دحض رواية كون الكورد كان لهم مكتبة عريقة أمر عمر بحرقها؟ هو عبقرية عمربن الخطاب في المحافظة على التراث الفارسي والقيام بقراءته واعجابه بكتاب الدواوين الذي كان بمثابة قانون محكم للقوانين العسكرية يبين فيها الرتب والاسماء والفصائل وتقسيمات الدروع وما الى ذلك فأمر بالاستفادة منها بل طبقها بحذافيرها على جيشه ولم يقل أنها بدعة من أهل الكفار ؟؟ فلماذا يحرق مكتبة كوردية مع انهم لم يكنوا بمستوى ذلك للنقاط التي بينت وهذا ليس عيباً ولا عاراً ولا تقليلاً فالفرس لم يجعلوا للطبقات الفارسية السفلى بالتعلم فكيف بغيرهم .
5- فلا عجب أن يدخلوا الاسلام سلماً سيما ان حقوقهم مصانة بل حرر أراضيهم المختصبة....
وأستطيع أن أبين ماقام به عمر بن الخطاب بشأن الاراضي التي اصبحت تحت امرته والذي وزعها على شعوب المنطقة وماعاناه لإقناع الصحابة الذي عارضوه في ذلك أشد المعارصة وقال بلسان الحال: لن اقبل ان تحتكروا أراضي لايجد ابناء هؤلاء الشعوب في المستقبل ارضاً لهم !!
وأتعجب من بعض الكورد الذين حاولوا تزوير التاريخ ليجعلوا من قاتل عمر ( أبو لؤلؤ الفيروزي) المجوسي كوردياً على أساس أن عمر قد ظلمهم ؟!
لكن تبين أن لهذا المجوسي له مزاراً في إيران يقدسه ذوي الأصول العرقية للفرس وقد أُعطيَ له صفة القدسية الدينية ؟
لذلك قررتُ بيان ما فعله عمر لكي يتبين للكورد والفرس أيضاً ما قدم لهم من خيرات في حكمه على الأراضي المفتوحة !!وعلى العكس من ذلك بيان ما أدعاه بعض المسلمون العلمانيون المتغربون !
أنه عطّل نصوصاً شرعياً وخالف صريح القرآن والسنة عاتبهُ الصحابة على ذلك ؟؟
* عُمر وتوزيع الأراضي المفتوحة عنوةً :
أولاً) رفض عمر - رضي الله عنه - لتقسيم الأراضي المفتوحة كان اجتهادا صائبا منه، بني على بعد نظر؛ لتكون تلك الأراضي وقفا للأجيال القادمة، يتوارثونها جيلا بعد جيل، ولو لم يفعل لما بقي لمن يأتي بعدهم شيء، وحتى لا يتجمع المال في أيدي فئة من المسلمين دون غيرهم.
فهل ظلم عُمر الشعوب الساكنة في المناطق المفتوحاً أم كان خير مُعينٍ ٍ لهم؟؟
ثانياً) عدم تقسيم الأراضي المفتوحة عنوة على الفاتحين: عاد على المسلمين بالعديد من المصالح الأمنية داخليا وخارجيا.
التفصيل:
أولا) رفض تقسيم الأراضي المفتوحة وصواب رأيه:
فلا شك أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - راعى عدة اعتبارات لما اتخذ قراره بمنع تقسيم الأراضي المفتوحة ورآها راجحة وتخدم مقصد الشارع الحكيم.
من تقسيم الأرض المفتوحة على الفاتحين المنتصرين من الصحابة، الذين طالبوه بتقسيمها عليهم باعتبارها غنيمة غنموها بسيوفهم، كما قسم النبي - صلى الله عليه وسلم - أرض خيبر على المقاتلين الذين فتحوها، وكان منهم عمر - رضي الله عنه - نفسه.
طالبوه بذلك عندما فتح سعد بن أبي وقاص فارس والعراق، وكانت أرضه تسمى "السواد"، من كثافتها وخضرتها، بحيث يراها الرائي من بعيد كأنها كتلة سوداء، وطالبوه بتقسيم الشام عندما فتحت الشام، وطالبوا قائده عمرو بن العاص، عندما فتح مصر أن يقسمها عليهم.
ولكن عمر - رضي الله عنه - أبي عليهم ذلك، ولم يستجب لمطالبتهم هذه، لاعتبارات أخرى رآها أقرب لمقاصد الشرع من التقسيم، الذي يعتبره المطالبون حقا لهم، أثبته لهم كتاب الله عزوجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فقد روى الإمام أبو عبيد في "الأموال" عن إبراهيم التيمي قال: لما فتح المسلمون السواد قالوا لعمر رضي الله عنه: اقسمه بيننا، فإنا افتتحناه عنوة، قال: فأبى، وقال: فما لمن جاء بعدكم من المسلمين؟ وأخاف إن قسمته أن تفاسدوا بينكم في المياه ولم يقسم بينهم.
وأيضا روى أبو عبيد عن ابن الماجشون قال: قال بلال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، في القرى التي افتتحها عنوة: اقسمها بيننا، وخذ خمسها، فقال عمر رضي الله عنه: لا، هذا عين المال، ولكني أحبسه فيما يجري عليهم وعلى المسلمين، فقال بلال وأصحابه: اقسمها بيننا، فقال عمر رضي الله عنه: اللهم اكفني بلالا وذويه. قال: فما حال الحول ومنهم عين تطرف.
ومعنى كلام عمر - رضي الله عنه - وتفسير أبي عبيد له: أنه يريد أن يكون وقفا على الأجيال القادمة، يتوارثونه جيلا عن جيل.
قال أبو عبيد: وحدثنا أبو الأسود عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب: أن عمر كتب إلى سعد بن أبي وقاص - يوم افتتح العراق -: "أما بعد، فقد بلغني كتابك: أن الناس قد سألوا أن تقسم بينهم غنائمهم، وما أفاء الله عليهم. فانظر ما أجلبوا عليك في العسكر، من كراع أو مال، فاقسمه بين من حضر من المسلمين، واترك الأرضين والأنهار لعمالها ليكون ذلك في أعطيات المسلمين. فإنا لو قسمناها بين من حضر لم يكن لمن بعدهم شيء".؟
وقد اتفق رأي عمر وعلي ومعاذ ومعهم عثمان وطلحة على عدم التقسيم، لما يترتب عليه من مفاسد، والنظر في أمر يسع أول الناس وآخرهم.
وهذا ما أكدته شتى الروايات عن عمر، فقد روى عنه أنه قال: تريدون أن يأتي آخر الناس، وليس لهم شيء؟!
ألم يكن عُمر وبركة على شعوب المنطقة وكان فاتحاً لهم لاغازياً ؟؟
نأتي الى النظر الى هذه الحادثة من زاوية أُخرى
والرد على من يقول أن عُمر عطّٓ-;-ل النصوص القطعية
أي يجوز لكل من كان له أية نية في أي شأن آخر أن يُعطل الأوامر القطعية !!!
لذلك بين فضيلة شيخ الدكتور القرضاوي قائلاً :
وقد استغل بعض المعاصرين - ممن لا يوقرون النصوص الشرعية، ولا يقدرونها حق قدرها - من العلمانيين والمغتربين: هذا الاجتهاد العمري، كما استغلوا أمثاله، ليصلوا من ورائه إلى مقولة خطيرة كل الخطر، وهي: جواز تعطيل النصوص القطعية بسبب المصالح الدنيوية !!
فإذا تعارض النص القطعي والمصلحة جمد النص، وقدمت المصلحة.
ادعوا أن عمر الفاروق - رضي الله عنه - هو الذي سن للمسلمين هذه السنة، وقد بنوا حجتهم في هذا الادعاء على دليلين:
1. قول الله عزوجل: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) (الأنفال: 41).
فهذه الآية توجب قسمة كل غنائم الحرب بين الغانمين الذين شاركوا في الحرب، سواء كانت عقارا أم منقولا، ولكن عمر ترك هذه الآية عمدا، ولم يعمل بمقتضاها، ولم يقسم الأرض المغنومة.
2. ما صح في السنة النبوية، وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين غزا خيبر وافتتحها عنوة، قسمها بين المسلمين الذين شاركوا معه في فتحها، ممن كانوا معه في الحديبية، وإن أشرك معهم بعض من كانوا هاجروا إلى الحبشة.
ولكن عمر - رضي الله عنه - ترك ما نص عليه في كتاب الله عزوجل، وفي سنة رسول صلى الله عليه وسلم، لاعتبارات مصلحية رآها، ولم يقسمها بين المسلمين الذين طالبوه صراحة بقسمتها بينهم، بل ألحوا عليه في ذلك وشددوا، ومنهم بلال على فضله وسابقته، ومعه من معه من الصحابة حتى إن عمر - رضي الله عنه - لجأ إلى الدعاء عليهم قائلا: اللهم اكفني بلالا وأصحابه، فما مر عليهم العام، وفيهم عين تطرف، أي ماتوا جميعا.
ولا نحسب أن عمر - رضي الله عنه - دعا عليهم بالموت، ولكن دعا الله أن يكفيه خصومتهم، فاختار القدر لهم ما اختار، ولا راد لما قضاه الله.
نظرة في فقه عمر رضي الله عنه:
والواجب علينا أن ننظر بعين الفقه فيما صنعه عمر رضي الله عنه: هل خالف فيه - كما يقول هؤلاء - نصا قطعي الثبوت والدلالة في القرآن والسنة؟
نظرة في آية الغنيمة:
أما ما ذكر من قوله عزوجل: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) (الأنفال: 41)، ومفهومها: أن الأربعة الأخماس الباقية للغانمين، فهذه الآية من كتاب الله لا شك أنها قطعية الثبوت، شأن كل القرآن، فهو ثابت بالتواتر اليقيني الذي لا ريب فيه، ولكن هل هي قطعية الدلالة على ما يدعون أنها تشمل كل ما غنم من منقول ومن عقار، حتى تشمل الأرضين والجبال والأنهار؟
لا يملك فقيه بصير بالقرآن وباللغة ودلالتها أن يزعم أن الآية الكريمة تدل على ذلك دلالة قطعية؛ لأن حقيقة ما يغنمه الإنسان في الحرب: ما يحوزه بالفعل، ويستولى عليه، وهذا معقول ومشاهد في السلاح والثياب والنقود، والأدوات، ونحوها، مما يمكن أخذه وحمله ونقله.
بخلاف الأراضي الشاسعة، والسهول الواسعة، والجبال الشامخة، والأنهار العظيمة، فمن ذا الذي يقول: إنه حازها واستولى عليها إلا بضرب من التجوز والتوسع في الاستعمال اللغوي، وليس على الحقيقة؟
فكأن عمر - رضي الله عنه - قال للصحابة الذين عارضوه، وطلبوا منه قسمتها عليهم: إنكم لم تغنموا هذه الأرض على وجه الحقيقة، فلا دليل لكم في آية الغنيمة؛ لأنها في المنقولات وما أشبهها.
نظرة أخرى في القسمة النبوية لخيبر:
وإذا كان عمر لم يخالف نصا قطعيا بتركه العمل بآية توزيع الغنيمة، فهو من باب أولى، لم يخالف نصا قطعيا؛ إذ لم يأخذ بالتقسيم النبوي لخيبر.
ولكن الذي نريد أن نوضحه هنا هو: دلالة الفعل النبوي، على وجوب قسمة الأرض المفتوحة، ودعوى قطعية هذه الدلالة، وأن ابن الخطاب - رضي الله عنه - خالف هذه القطعية، ويتضح ذلك فيما يأتي:
1. أن فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يدل - بذاته - على الوجوب، بل على مجرد المشروعية، وإن دل على الوجوب، فلا بد أن يكون بقرينة أخرى مصاحبة له، لا بذات الفعل.
ولهذا وسع عمر - رضي الله عنه - ومن وافقه وأشار عليه من فقهاء الصحابة - من أمثال علي ومعاذ - أن يخالفوه ظاهرا، وإن لم يخالفوه حقيقة.
2. أن كثيرا من هذه التصرفات النبوية التي تدخل في باب السياسة والإدارة والاقتصاد، هي - في الغالب - تصرفات بوصف الإمامة، لا بوصف التبليغ عن الله عزوجل، أي أن هذا قرار من قرارات السلطة السياسية أو الإدارية العليا، اتخذه الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - في ضوء المصلحة المرعية في وقته.
وهو بهذا يسن للأئمة من بعده أن يتصرفوا بهذه الصفة كما تصرف، وأن يتخذوا من المواقف والقرارات ما يرونه أصلح لزمانهم ومكانهم، وإن خالفوا في بعض الجزئيات بعض المواقف أو الآراء النبوية، فهم بهذا مطبقون للمنهج النبوي في رعاية المصالح، ودرء المفاسد حسب ظروف الزمان والمكان.
3. أن السنة النبوية ثبت فيها تقسيم الأرض، وترك تقسيم الأرض، وكلاهما سنة متبعة، فقد ثبت في السيرة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فتح مكة عنوة، ولو في جزء منها على الأقل. ومع هذا لم يقسم أرضها ولا دورها، بل تركها في أيدي أهلها، وهذا لا ينازع فيه منازع، وفي هذا متسع لاقتداء عمر - رضي الله عنه - به.
أما في غزوة خيبر فقد كان المسلمون بحاجة إلى ما يشد أزرهم، ويقوي ظهرهم، ويعوضهم عما فاتهم بسبب الجهاد المتواصل، وخصوصا بعد أن بايعوا على الموت في الحديبية، وكانت أرض خيبر، أرض بلدة أو منطقة محدودة، ليست كسواد العراق، أو بلاد الشام أو أرض مصر، وكان أهلها أصلا دخلاء على جزيرة العرب، وطالما أفسدوا فيها، وآن لهم أن يخرجوا منها. كل هذه الاعتبارات رجحت تقسيم أرضهم على المقاتلين المنتصرين.
بخلاف الأراضي التي رفض عمر - رضي الله عنه - تقسيمها، فهي ليست منطقة أو قرية أو مدينة، بل هي أراضي ممالك وأقطار كبيرة مثل مصر والشام والعراق، وملاكها ليسوا دخلاء عليها كاليهود على الجزيرة، وإجلاؤهم عنها غير وارد بل عاملوهم أحسن المعاملة وأبقوهم على أرضهم مع إعطاءهم حقوقهم المسلوبة منهم، يحيونها ويعمرونها ويعملون فيها، ويفرض عليها خراج يعود إلى الدولة بصفة دورية، يكون رصيدا للإنفاق على مصالح الأمة من بينهم سلامتهم وأمنهم من كل متربص وتلبية حاجاتها، وكذلك حماية الأمة وسد ثغراتها من حراس الدولة من العسكريين: كالجنود، والمدنيين: كالقضاة والفقهاء والمعلمين.
4. يؤكد هذا ما جاءت به بعض الروايات، وهي أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يقسم كل أرض خيبر، بل قسم بعضا، وترك بعضا لنوائبه وحاجاته، باعتباره مسئولا عن الأمة.
فقد ذكر ابن قدامة في "المغني": أن كلا الأمرين من القسمة وعدمها قد ثبت فيه حجة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن النبي قسم نصف خيبر، ووقف نصفها لنوائبه، وهو ما رواه أبو عبيد في "الأموال".
5. استناد عمر - رضي رالله عنه - إلى القرآن: ونضيف إلى ذلك كله: أن عمر احتج لما رآه بآيات في كتاب الله - عزوجل - من سورة الحشر، وجد فيها ضالته التي ينشدها، وهي المتعلقة بتوزيع الفيء، فقد وجد حجته في ترك الاراضي وعدم، تقسيمهافي قول الله عزوجل: (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا) (الحشر: 8)، فتلا عليهم حتى بلغ إلى قوله عزوجل: (والذين جاءوا من بعدهم) (الحشر: 10).
قال: فكيف أقسمه لكم، وأدع من يأتي بغير قسم؟ فأجمع على تركه، وجمع خراجه، وإقراره في أيدي أهله، ووضع الخراج على أيديهم، والجزية على رؤسهم .
وليس فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - براد لفعل عمر رضي الله عنه، ولكنه - صلى الله عليه وسلم - اتبع آية من كتاب الله - عزوجل - فعمل بها، واتبع عمر آية أخرى فعمل بها، وهما آيتان محكمتان فيما ينال المسلمون من أموال المشركين، فيصير غنيمة أو فيئاحسب الظرف الزماني والواقع والحال . قال الله عزوجل: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ) (الأنفال: 41)، فهذه آية الغنيمة، وهي لأهلها دون الناس وبها عمل النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال الله عزوجل: (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب (7) للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون (8) والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون (9) والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم (10) )(الحشر)، فهذه آية الفيء، وبها عمل عمر رضي الله عنه، وإياها تأول حين ذكر الأموال وأصنافها،
فاستوعبت هذه الآية الناس. وإلى هذه الآية ذهب علي، ومعاذ، حين أشارا عليه بما أشارا
وإذا أردنا أن نناقش موقف عمر - رضي الله عنه - ونثبت هل حالفه التوفيق فيه أم لا؟ نرى أن التوفيق حالفه بلا شك وهذا ما ذهب إليه الشيخ القرضاوي قائلا: "وأنا أرجح السياسة العمرية التي أيدها فقهاء الصحابة مثل: علي ومعاذ، وأرى أنها كانت توفيقا من الله لعمر وهي التي تؤدي إلى تحقيق العدل الذي دعا إليه الإسلام.
وملخص هذه السياسة: نقل ملكية رقبة هذه الأرض من الأفراد المالكين إلى مجموع الأمة الإسلامية كلها في سائر الأجيال؛ فليس ملكها لشخص أو أشخاص، بل هي للمسلمين جميعا؛ وذلك لما لملكية الأرض من أهمية اقتصادية وسياسية واجتماعية، ويجب أن نذكر أن توزيع تلك الأراضي في عصور الجاهلية كان في غالبه توزيعا ظالما، تختص فيه الأسر الحاكمة ومن يلوذ بها من الإقطاعيين وأمثالهم بصفوة الأرض، ويعيش الفلاحون فيها رقيقا أو كالرقيق.
وقد عبر الفقهاء عن حكم الإسلام فيها بأنه تصير وقفا للمسلمين، يضرب عليها خراج معلوم يؤخذ منها كل عام، ويقدر حسب طاقة الأرض، يكون أجرة لها، وتقر في أيدي أربابها ما داموا يؤدون خراجها، سواء أكانوا مسلمين أم من أهل الذمة. ولا يسقط خراجها بإسلام أربابها ولا بانتقالها إلى مسلم؛ لأنه بمنزلة أجرتها.
هذا ما صنعه عمر - رضي الله عنه - فيما افتتح في عهده من أرض العراق والشام، ولم يستجب لبلال ومن معه، الذين سألوه أن يقسم الأرض على الفاتحين، كما تقسم بينهم غنيمة العسكر، فأبى عمر ذلك، وتلا عليهم قوله عزوجل: (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم )(الحشر:7)، إلى آخر الآيات التي ذكرناها من قبل.
قال عمر رضي الله عنه: قد أشرك الله الذين يأتون من بعدكم في هذا الفيء، فلو قسمته لم يبق لمن بعدكم شيء، ولئن بقيت ليبلغن الراعي بصنعاء نصيبه من هذا الفيء ودمه في وجهه.
ومعنى "دمه في وجهه": أن كرامته مصونة؛ إذ يقال لمن يسأل الناس: أراق ماء وجهه.
وقد نبهت الآية الكريمة على حكمة توزيع هذا الفيء على الطبقات الضعيفة المحتاجة بهذه الكلمة الرائعة: (كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم) (الحشر: 7)، فسبقت بهذا المبدأ ما نادى به - بعد قرون طويلة - دعاة العدالة الاجتماعية وأنصار الاشتراكية.
وقررت الآيات توزيع عائد الفيء توزيعا عادلا، لا زال غرة في جبين الإنسانية، فجعلت نصيبا فيه للجيل الحاضر من المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم وصودرت ملكياتهم بغير حق إلا أن يقولوا: ربنا الله، ومن الأنصار الذين فتحوا صدورهم ودورهم لإخوانهم المهاجرين فآووا ونصروا، وآثروا على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.
وأشركت مع هذا الجيل الذي بذل وضحي أجيالا أخرى، عبر عنهم القرآن بقوله: (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا) (الحشر: 10)، وبهذا علمتنا الآيات الكريمة أن الأمة كلها وحدة متكاملة على اختلاف الأمكنة، وامتداد الأزمنة، وأنها - على مر العصور - حلقات متماسكة، يعمل أولها لخير آخرها، ويغرس سلفها ليجني خلفها، ثم يأتي الآخر فيكمل ما بدأه الأول، ويفخر الأحفاد بما فعله الأجداد، ويستغفر اللاحق للسابق، ولا يلعن آخر الأمة أولها.
وبهذا التوزيع العادل تفادى الإسلام خطأ الرأسمالية التي تؤثر مصلحة الجيل الحاضر ومنفعته، مغفلة - في الغالب - ما وراءه من الأجيال، كما تجنب خطأ الشيوعية التي تتطرف كثيرا إلى حد التضحية بجيل أو أجيال قائمة، في سبيل أجيال لم تطرق بعد أبواب الحياة.
وبناء على هذا البيان الذي أتحفنا به
د. القرضاوي يظهر أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لم يخطئ في رفض تقسيم الأراضي المفتوحة على المسلمين، ولم يعطل نصا شرعيا كما اعتقد المتوهمون.
إن مفهوم الغنيمة في سورة الأنفال: هو كل ما يغنم من أموال الذهب والفضة والجواهر والملابس، والمنقولات، وليس منه الأرض المفتوحة.
لكن ما هو حكم الأرض المفتوحة إذن؟ وهل تركها الإسلام بدون تشريع؟
وهل يمكن أن نتصور أن الإسلام يضع تشريعا للأموال والمنقولات ويترك الأرض المفتوحة دون أن يضع لها تشريعا؟
إن الإجابة عن هذه الأسئلة تكمن في طبيعة التشريع الإسلامي؛ لأننا نستطيع أن نلمح فيه، بصفة عامة - اتجاهين رئيسيين هما:
· أنه يضع تشريعات مفصلة منصوصا عليها بخصوصها، وهنا يجب الالتزام بهذه النصوص الخاصة ومن هذا النوع "الغنيمة"، بمعنى الأموال والمنقولات.
· أنه لا يشرع لبعض الأمور عن طريق النص المفصل الخاص، وإنما يتركها للمسلمين أنفسهم، ليضعوا لها التشريعات المناسبة لها بحسب اجتهادهم، وتحريهم الحق والصالح العام، كل في عصره، مع التزامهم في كل ذلك بالنصوص العامة التي قررت أسسا ومبادئ ومقولات، والتزامهم إلى جانب ذلك بالقياس على النمط العقلي المستنبط من النصوص الخاصة،
ولهذه الإحالة الملتزمة استحق التشريع الإسلامي وصف "الملائم لكل زمان ومكان وظروف"، ومن هنا يبدو واضحا أن مفهوم التشريع الإسلامي أشمل من أن يقتصر على ما نص على حكمه صراحة فحسب، فإنه يشمل أيضا ما أحيل الحكم فيه إلى الناس وقد كان واضحا في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث معاذ المشهور، الذي أوضح فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - في عصر الرسالة - الذي كان الوحي يتوالى فيه - أنه سوف تبقى أشياء تركت بدون نص صريح لاجتهاد الناس، وإذا كانت هذه الأشياء قد وجدت في عصر الرسالة والوحي، فما أكثرها بعد ذلك، لتغير ظروف الحياة والزمان والمكان، وتغير مصالح الناس وطبائعهم، تبعا لكل هذا.
كان أمر الأرض المفتوحة عنوة إذن مما أحيل إلى المسلمين، ليتفقوا فيه على رأي يحقق المصلحة العامة، ومن هنا ناقشهم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حتى اتفقوا على أن المصلحة العامة إنما يحققها العمل برأي الاغلبية.
*************** ******************* ******************
ثانياً ) ومن المصالح والمنافع العائدة على المسلمين وغير المسلمين في عدم تقسيم أراضي الخراج:
لبيان هذه المصالح العامة للمسلمين وغيرالمسلمين من أصحاب هذه الأراضي المفتوحة نعرض لرأي د. علي محمد محمد الصلابي في هذا الصنيع، حيث يقول: "هناك جملة من المصالح الأمنية التي استند إليها الخليفة - والذين وافقوه على رأيه - في اتخاذ هذا القرار يمكنني تصنيفها إلى صنفين:
· المصالح الداخلية: وأهمها سد الطرق على الخلاف والقتال بين المسلمين، وضمان توافر مصادر ثابتة لمعايش البلاد والعباد، وتوفير الحاجات المادية اللازمة للأجيال اللاحقة من المسلمين.
· المصالح الخارجية: والتي يتمثل أهمها في توفير ما يسد ثغور المسلمين، ويسد حاجتها من الرجال والمؤن، والقدرة على تجهيز الجيوش، بما يستلزمه ذلك من كفالة الرواتب، وإدرار العطاء، وتمويل الإنفاق على العتاد والسلاح، وترك بعض الأطراف؛ لتتولى مهام الدفاع عن حدود الدولة وأراضيها اعتمادا على ما لديها من خراج.
والذي يجب ملاحظته في هذه المصالح أن الخليفة أراد أن يضع بقراره دعائم ثابتة لأمن المجتمع السياسي ليس في عصره فقط، بل وفيما يليه من عصور بعده، وعباراته من مثل: "فكيف بمن يأتي من المسلمين"، و"كرهت أن يترك المسلمون"، التي توحي بنظرته المستقبلية لهذا الأمن الشامل تشهد على ذلك، وقد أثبت تطور الأحداث السياسية في عصر الخليفة الثاني صواب ما قرره وصدقه.
ويبقى القول أن ما حدث بصدور قرار عدم تقسيم الأراضي، يظل نموذجا عاليا سار عليه الصحابة في كيفية التعامل وفق آداب الحوار وأخلاقيات مناقشة القضايا، وتقليب أوجهها المختلفة، ابتداء بمرحلة التفكير في اتخاذ القرار بعدم تقسيم الأراضي - بصفة مباشرة، أو غير مباشرة - وعلى رأسهم الخليفة الذي لم يخرج عن هذه الآداب، رغم اختلاف اجتهاداتهم بشأنه؛ بل إن الفاروق - رضي الله عنه - بين بأن الحاكم مجرد فرد في هيئة الشورى، وأعلن الثقة في مجلس شورى الأمة، خالفته أو وافقته والرد إلى كتاب الله، فقد قال رضي الله عنه: إني واحد منكم كأحدكم، وأنتم اليوم تقرون بالحق، خالفني من خالفني، ووافقني من وافقني، ومعكم من الله كتاب ينطق بالحق.
أهم الآثار الدعوية لهذا القرار:
1. القضاء نهائيا على نظام الإقطاع:
فقد ألغى عمر - رضي الله عنه - كل الأوضاع الإقطاعية الظالمة التي احتكرت كل الأرض لصالحها واستعبدت الفلاحين لزراعتها مجانا، فقد ترك عمر - رضي الله عنه - أرض السواد في أيدي فلاحيها يزرعونها مقابل خراج عادل يطيقونه يدفعونه كل عام، وقد اغتبط الفلاحون بقرار عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بتمليكهم الأرض الزراعية يزرعونها مقابل دفع الخراج الذي يستطيعونه مما جعلهم يشعرون لأول مرة في حياتهم أنهم أصحاب الأرض الزراعية، وليسوا ملكا للإقطاعيين من الطبقة الحاكمة، وكان الفلاحون مجرد أجراء يزرعونها بدون مقابل، وكان تعبهم وكدهم يذهب إلى جيوب الطبقة الإقطاعية طبقة ملاك الأرض ولا يتركون لهم إلا الفتات.
2. قطع الطريق على دعوة جيوش الروم والفرس بعد طردهم:
لقد أدت سياسة عمر - رضي الله عنه - في تمليك الأرض المفتوحة عنوة لفلاحي الأمصار إلى شعورهم بالرضا التام، وهذا مما جعلهم يبغضون حكامهم من الفرس والروم، ولا يقدمون لهم أية مساعدات؛ بل كانوا على العكس من ذلك يقدمون المساعدات للمسلمين ضدهم، حتى إن رستم القائد الفارسي دعا أهل الحيرة فقال: يا أعداء الله، فرحتم بدخول العرب علينا بلادنا، وكنتم عيونا لهم علينا وقويتموهم بالأموال!
3. مسارعة أهل الأمصار المفتوحة إلى الدخول في الإسلام:
فقد ترتب على ما تقدم من تمليك الأرض للفلاحين أن سارعوا إلى الدخول في الإسلام، الذي انتشر بينهم بسرعة مدهشة لم يسبق لها مثيل، فقد لمسوا العدل وتبين لهم الحق، وأحسوا بكرامتهم الإنسانية من معاملة المسلمين لهم.
4. تدبير الأموال لحماية الثغور:
فقد امتدت الدولة الإسلامية صوب جهاتها الأربع وانتقلت أسماء الثغور إلى ما وراء حدود الدولة في عصورها الأولى ومن أهم هذه الثغور، ما كان يعرف بالثغور الفراتية والتي تمتد على طول خط استراتيجي يفصل ما بين الدولة الإسلامية والإمبراطورية البيزنطية.
وقد اتخذ عمر - رضي الله عنه - في كل مصر - على قدره - خيولا، وقد وصلت قوات الفرسان المرابطين في الأمصار إلى أكثر من ثلاثين ألف فارس، وهذا بخلاف قوات المشاة وأي قوات أخرى كالجمالة وخلافه وهذه خصصها عمر - رضي الله عنه - كجيش منظم لحماية ثغور المسلمين، وكفل أرزاقهم وصرفهم عن الاشتغال بأي شيء إلا بالجهاد في سبيل نشر الدعوة الإسلامية، فكان الخراج من الأسباب التي ساقها المولى - عزوجل - لتجهيز هذه القوات وكفالة أرزاق أجنادها.
إن الفاروق - رضي الله عنه - وضع قواعد نظام الخراج باعتباره موردا من الموارد المالية الهامة لخزينة الدولة، وكان يهدف من ورائه إلى أن يكون بيت المال قائما بما يجب عليه من تحقيق المصالح العامة للأمة وحفظ ثغورها وتأمين طرقها، ولا يتأتى ذلك إلا بإبقاء أصحاب الأرض التي تملكها المسلمون عنوة لقاء نسبة معينة مما تنتجه الأرض، وهذا أمر من شأنه أن يزيدهم حماسا في العمل ورغبة في الاستغلال والاستثمار، ومقارنة ذلك بما كانوا يرهقون به من الضرائب من طرف أولياء أمورهم قبل وصول المسلمين
مما سبق يتضح أن المصالح التي راعاها أمير المؤمنين - رضي الله عنه - مست المصالح الأمنية والمصالح الاقتصادية، وسعت إلى استقرار المسلمين في البلاد المفتوحة، وإقرار أعين أهل البلاد المفتوحة بأرضهم ووضع حد لنظام الإقطاع الرومي، وعمر - رضي الله عنه - في قراره هذا لم يخالف أبدا تشريع الإسلام.
الخلاصة:
· رفض عمر - رضي الله عنه - ومن معه من مجلس شورى المسلمين تقسيم الأراضي المفتوحة على المسلمين وموافقتهم تمليكها لأهله
الباحث 
.. هفال عارف برواري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق