الثلاثاء، 12 فبراير 2019

الرد على صاحب مقال "البخاري وحده لا شريك له "


*** 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وبعد...

قامت إحدى الجرائد الصفراء الخبيثة بنشر عدة مقالات لكاتب حاقد على الإسلام وأهله وإن كان يتسمى باسم من أسماء المسلمين، شنَّ هذا الحاقد حملة شعواء على بعض أصحاب النبي صَلَّى الله عليه وسلم المعروفين ثم لم يترك إمام الأئمة البخاريَّ رحمه الله تعالى إلا وأراد النيل منه والطعن في صحيحه الذي هو أصحُّ كتاب بين يدي المسلمين بعد كتاب الله تعالى!

لذا استعنتُ بالله تعالى وكتبت هذه الكلمات  للردِّ بين المسلمين راجيًا من الله تعالى حسن الفهم والقبول لهذه الردود حتى يكون المسلمون على بينة من أمرهم ومما يُكاد لهم ولدينهم وحتى يتمكنوا من الردِّ على مَن تلقَّفَ هذه المقالات الخبيثة بالقبول من المسلمين.

قمتُ في البداية بإدراج ترجمة موجزة للإمام البخاري رحمه الله تعالى متضمنةً شيئًا من حياته وحفظه وثناء العلماء عليه وعلى صحيحه حتى مماته رحمه الله تعالى رحمة واسعة وألحقنا به في جنات النعيم، آمين.
والترجمة المذكورة بالمرفقات.

ثم قمتُ بإدراج كلام هذا الحاقد مُصَدِّرًا إياه بكلمة (قال)، ثم عقَّبتُ عليه مُصَدِّرًا كلامي بكلمة (نقول).

ونشرع الآن بحول الله وقوته في الرد، نورد ما قاله بتصديره بكلمة (قال)، ثم نكتب التعقيب بتصديره بكلمة (نقول)، كما تم إمالة كلامه وتلوين الرد عليه بالأحمر للتميز.


قال: أكمِل القراءةَ قبل أن تتهمَني بشيءٍ.

نقول: كاد المريب أن يقول: خذوني!


قال: إذْ ليس محمد بن إسماعيل البخاري «13 من شوال 194 هـ- 1 من شوال 256 هـ» و«20 من يوليو 810 م- 1 من سبتمبر 870 م»، المعروف باسم الإمام البخاري إلهًا لأعبدَهُ، ولا نبيًّا لأهتدي بسنَّته، وأسلِّمَ بما جاء في كتابهِ المعرُوف باسم «صحيح البخاري»، وآخذ ما جاء فيه على أنهُ صحيحٌ، لم يدركْه خطأ أو باطلٌ في إحدى صفحاته.

نقول: ومَن قال إنَّ البخاريَّ إلهٌ؟! ومَن قال إنه نبيٌّ؟!

أمَّا مسألة أن تُسَلِّم بما جاء في صحيحه وأن تأخذ ما جاء فيه على أنه صحيح؛ فهذا ما عليه عمل الأئمة المعروفين من ذوي الشأن والمشهود لهم بالتقدم فيه، وصاحب الدار أعلم بما فيه كما هو معلوم.

فإذا كان هؤلاء قد قالوا كلمتهم في صحيح البخاري فلا اعتبار بغيرهم.

ألا ترى إلى أنَّ الإنسان –مطلق الإنسان- إذا أراد بناء بيتٍ عمد إلى مهندس بينما إذا مرض عمد إلى طبيب؟

كلُّ شخص هو ملك في تخصصه إلا إذا اعترض على عمله مَن هو مثله أو شخص متقدم عليه في فنه ومهنته، ولذلك أجمع أهل العلم بهذه الصناعة على تقدم صحيح البخاري على غيره من كتب الحديث المسموعة والمصنفة من الأئمة إلا أحرف يسيرة انتقدها بعض أهل هذا الشأن على الإمام البخاري؛ مثل الإمام الدارقطني وغيره، ولكن عند التحري والبحث من قِبَلِ أهل الشأن فإن البتَّ في هذه الأحاديث يكون على ضربين:

أحدهما: التسليم بقول الإمام البخاري لأنَّ اجتهاد غيره في التصحيح والتضعيف ليس أولى من اجتهاده هو، فيقدم قوله على قول غيره فيما فيه اعتراض.

الثاني: التوقف في بعضها الآخر المختلف فيه على أساس عدم تقديم أحد القولين على الآخر لأنهما إمامان مجتهدان.

قال: وما دام لي عقلٌ، علىَّ أن أسائلَ وأراجعَ وأصفِّى وأستقبلَ، ولا أتعامل كأعمى مع ما ورد في كتابه على أنه نصوصٌ صحيحةٌ أو مُنزَّلة.

نقول: إذا كان لك عقل –وهذا مع التنزل في الفرضية مع مثلك- فيجب أن يعقلك هذا العقل ويمنعك من أن تتعدى حدوده، والإنسان عدو ما جهل.
وإذا اتفق العقلاء جميعهم على وجوب الرجوع إلى ذوي الشأن في شأن، فلماذا تتحكم بعقلك فيما لم تتخصص فيه ولم يكن لك فيه باعٌ تضارع فيه أئمة هذا الشأن؟
ثم ما الذي يمنعك من التعامل مع ما ورد في صحيح الإمام البخاري على أنه نصوص صحيحة أو منزلة، وهي بالفعل كذلك؟
إذا رجعنا –بعقولنا- إلى ذوي الشأن لوجدناهم لم يقدموا الإمام البخاري على غيره إلا لعلَّة، فلماذا لم نسألهم عن هذه العلة وهذا السبب؟!
قالوا: إن أحاديثه صحيحة، فهل علمنا معنى كلمة (صحيحة)؟
الحديث الصحيح هو ما اتصل سنده بنقل العدل تام الضبط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة.
فهل عرف صاحب المقال معنى هذا التعريف؟
(اتصال السند) تعني أنَّ كلَّ راوٍ من الرواة –بما فيهم الإمام البخاري- سمع ممن فوقه، وإذا كان بعض الأئمة قد اكتفى بمعاصرة الراوي لشيخه لإثبات السماع فإنَّ الإمام البخاري لم يكتفِ بالمعاصرة وإنما اشترط دون غيره –حاشا الإمام المديني- اللقاء ولو مرة، فيبطل قولك –القادم- إنَّ الإمام البخاريَّ لم يعاصر الرسول صَلَّى الله عليه وسلم ولم يعايشه...الخ كلامك الذي ينفي وجود عقلٍ لك ونعرف من هذا الكلام أنك تهرف بما لا تعرف!(العدالة) –وهي الشرط الثاني في صحة الحديث؛ وتعني أنَّ كلَّ راوٍ –بما فيهم الإمام البخاري- ليس كافرًا ولا فاسقًا ولا كذابًا ولا متهمًا بالكذب، وبالجملة تعني أنَّ ليس فيه شيء (ظاهر) يخالف الشرع، وإذا ثبت فيه شيء من هذا لم يقبل العلماء حديثه ولا يضعه الإمام البخاري في صحيحه.(تمام الضبط) وهو الشرط الثالث في صحة الحديث؛ والمقصود به أنَّ كلَّ راوٍ –بما فيهم الإمام البخاري- يجب أن يكون متصفًا بصفة الحفظ التام الذي لا ينخرم مع مرور الوقت والزمن، وإذا حدث في حفظه شيء مع تغير الوقت أو مع كبر سنه توقف العلماء في روايته ولم يقبلوها، وهذا حصل بالفعل في عدد من الرواة ثبت تغير حفظهم مع مرور الوقت فأخذ العلماء بما رووه قبل التغير ولم يقبلوا ما بعد التغير، وكذا مَن كان يروي من كتبه وفقدها أو احترقت كتبه.
وأخذ بعض مصنفي الكتب المعتمدة –غير البخاري- بأحاديث رواها بعض مَن كان خفيف الضبط شريطة أن لا يصل خفة ضبطه إلى سوء الحفظ، فإن اتصف بسوء الحفظ تركوا الرواية عنه إلا أن تأتي رواية –أو روايات- أخرى تعضد روايته هذه فيقبلونها منه، غير أنَّ الإمام البخاري رحمه الله تعالى لم يأخذ بهذا المذهب واشترط الصحة العليا في صحيحه.
(انتفاء الشذوذ) وهو الشرط الرابع في صحة الحديث؛ ومعناه أن لا يروي الراوي حديثًا يخالف فيه مَن هو أولى منه بالقبول، فإن فعل تركوا روايته.(انتفاء العلة) وهو الشرط الخامس والأخير في صحة الحديث؛ وهو متعدد الأسباب التي يطول شرحها، ولكن تعريف العلة –كما قال أهل الحديث: هي سبب خفيٌّ يطعن في صحة الحديث مع أنَّ الظاهر السلامة منه.
باختصار شديد؛ إذا كان العلماء اشترطوا شروطًا لا يمكن لمثلك أن يفهمها فضلاً عن أن يعمل بها، فما بالك أن تقوم بالاعتراض على أحاديث اشترط صاحبها أعلى درجاتها؟!


قال: فلِمَ لا نتعامل مع كتاب البخاري على أنه عملٌ بشرىٌّ يحتملُ الصوابَ والخطأ؟

نقول: هو بالفعل عملٌ بشريٌّ يحتمل الصواب والخطأ، ولكن مَن الذي يمكنه تمييز الصواب من الخطأ في كل شأن؟ أليس أصحابَه أم الأعاجم؟
قال: إذْ هو لم يُعاصر الرسُول أو يُعايشه.

نقول: نعم، هو لم يعاصر أو يعايش الرسول صَلَّى الله عليه وسلم، لذا أخذ ممن أخذ ممن عايش الرسول صَلَّى الله عليه وسلم، فإذا أردتَ أن تعيب فليس العيب على البخاري ولا في صحيحه؛ إنما العيب الذي ترمي إليه وهو مقصدك هم أصحاب النبي صَلَّى الله عليه وسلم كما طعنت في أبي هريرة رضي الله عنه فيما يأتي من كلامك صراحةً!
قال: بل قرأ، واجتهد، وعاد إلى المراجع والمصادر وكُتب الأسلاف الأوائل ليأخذَ عنها، رغم أنَّ عددًا من هذه المصادر يعيشُ الشكُّ فيها، ولا تخلُو من تناقضٍ.

نقول: من فمك ندينك، وهل أخذ أحدنا عن أرشميدس أو أفلاطون أو أرسطو أو غيرهم أو حتى قابلنا أحدَهم؟ بل ليس بيننا وبينهم واسطة بإسناد صحيح ولا ضعيف إلا وجادة في كتبهم!
وهذه (الوجادة) جعلها الإمام البخاري وغيره من أهل هذا الشأن آخر وسائط تَلَقِّي الأحاديث!
قاموا بترتيب وسائط التلقي على درجات ثمانٍ؛ أولها السماع والتحديث وآخرها الوجادة، فأخذوا بالأعلى وأخذ أنت بالأسفل، وكلُّ إناء بما فيه ينضح، فظهر منهم الأعلى من الأخذ والعطاء وظهرت منك السفالة في الأخذ والعطاء.
مَن يمكنه إثبات كلام عن أرسطو وأفلاطون وأرشميدس إلا من خلال كتب عشَّش فيها الشكُّ وباض وكلها نظريات اعتمدها أهل شأنها وبنوا عليها حياتهم وحياتنا؟

قال: وبها كثيرٌ من نُصوصٍ لم يقُلها الرسول، ولا يعرف شيئًا عنها.

نقول: هذه الكتب التي تتحدث عنها لم يأخذ منها – ولا عنها- الإمام البخاري شيئًا؛ بل أخذ ممن قال: سمعت وحدثني، أما التي لم يقلها الرسول صَلَّى الله عليه وسلم ولا يعرف عنها شيئًا فكلامك هذا حجة عليك؛ إذ كيف قمت بالتفريق بين الصحيح والغث إلا بالاعتماد على أهل الشأن؟
وهؤلاء المعتمد عليهم في التمييز إما من شيوخ الإمام أو شيوخهم؛ كشعبة وابن المديني ويحيى بن معين، أو ممن تتلمذ عليه؛ كالترمذي وابن خزيمة وممن جاء بعدهم؛ كالدارقطني والحاكم والبيهقي، ثم مَن تلاهم ؛ كالنووي والمزِّي وابن حجر إلى عصرنا هذا؛ كالألباني وغيره ممن عليهم الاعتماد في التوثيق والتضعيف، وإلا فأخبرني بربِّك: إن لم نأخذ من هؤلاء فمن أين أتيت أنت بوجود الغث والسمين في الكتب المدعاة بنظرك؟!



قال: لقد قدَّسنا البخاري، حتى إننا لا نقولُ «غلطنا في الرسول» أو «غلطنا في ذاتِ الله»، وإنما نقول «إحنا غلطنا في البخاري»، حيث اكتسب قداسةً فاقت قداسة سِواه.

نقول: هذه مشكلة القائل لهذه الكلمة، وليست مشكلة البخاري.
ألا ترى أنَّ كثيرين يحلفون بالنبي صَلَّى الله عليه وسلم؟ وهذا من الشرك المحرم بالقطع، وهذا القسم يظهر منه –والله أعلم بالنوايا- تقديسهم النبي صَلَّى الله عليه وسلم ورفعهم إياه فوق مرتبته إلى مرتبة الله تعالى!
فهل معنى هذا أن لا نقول بنبوة النبي صَلَّى الله عليه وسلم أو أن نطعن فيه؟ أم يجب علينا تصحيح المفاهيم؟!
وإنما وقع هؤلاء –الذين يحلفون بالبخاري أو يقولون هذه المقالة- وقعوا في هذا بسبب جهلهم، فلماذا يتحمل الإمام البخاري جهل هؤلاء ويبوء بإثمهم؟
أترانا وقعنا فيما وقع فيه النصارى إذ يقولون بصلب المسيح صَلَّى الله عليه وسلم لرفع ما وقعت فيه البشرية من أخطاء؟!
ما ذنب المسيح صَلَّى الله عليه وسلم إذ يتحمل شركيات غيره وآثامهم؟!

قال: وأنا أقرأ كتابَ البخاري أو أيَّ كتابٍ آخر، أسألُ نفسىلماذا أكونُ مُقلِّدًا أو تابعًا أو سائرًا في قطيعٍ؟ لماذا لا أسألُ، كي أصلَ إلى المعرفة؟

نقول: صدقت، لماذا لا تسأل؟
قد أمرك الله في كتابه بسؤال أهل العلم؛ إذ قال تعالى (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)، فاشترط عند السؤال أن يكون المفتي من أهل الذكر العالمين بشأن مواضيعه.
فإن كان الأمر كذلك فلنتوجه لأهل الذكر ونسألهم:
كيف صحيح البخاري في الكتب المدونة في السنة؟
وكيف الإمام البخاري في الرجال؟
أمَّا أن نقول فيه بآرائنا، فهذا ليس من التوجه بالسؤال كما قلت بنفسك!

قال: لماذا لا أمنحُ العقلَ فرصةً ليرى ويُدقِّقَ وينخُلَ ويُصفِّى؟

نقول: ها قد عدنا القهقرى وارتددنا على أعقابنا بعد إذ هدانا الله!
كيف للعقل –غير المتخصص- أن يخبرنا أنَّ شعبة بن الحجاج ثقة أو غير ثقة؟ وكيف له أن يخبرنا أن عبد الله بن لهيعة احترقت كتبه فانتهى الناس عن الثقة بحديث إلا من رواية بعض الثقات عنه قبل احتراق الكتب؛ كقتيبة بن سعيد والليث بن سعد وابن المبارك؟ وكيف له أن يخبرنا أنَّ الحسن البصري وقتادة وسفيان الثوري مدلسون إلا فيما صرحوا فيه بالسماع بينما يردون الروايات عنهم أنفسهم إذا قالوا: عن؟ وكيف يخبرنا العقل بطبقات هؤلاء المحدثين؟ إلى غير ذلك الكثير والكثير مما لم نره واعتمدنا فيه على السماع لا العقل...

قال: وبدلا من أنْ أتخذَ «العنعنة» سبيلا لي، والنقل عن السَّلف طريقًا، علىَّ أن أحتكمَ إلى ما يتواءمُ مع ما أفقهُهُ.

نقول: فرق بين (العنعنة) والتحديث والسماع، فلا يقبل العلماء العنعنة إلا من الثقات غير المدلسين –كما تقدم- وهذه الكلمة –العنعنة- اتخذها البعض سبيلاً لتنفير الناس من كتب السلف؛ كتفسير الطبري وابن كثير وغيرهما بدعوى أننا لا نفهمها!
إذا استعصت هذه (العنعنة) على فهمك وثقلت عليك، فلا عليك إلا أن تأخذ من العلماء الذين فهموها واتركها لغيرك ليشرحها لك أو ليعلم منها صحة أو ضعف الحديث، ولستَ مكلَّفًا بها.
أنا أضغط على زر الكهرباء لإضاءة المصباح، وأدير المفتاح لتعمل السيارة وهكذا، فهل يلزمني أن أعلم كيفية كلِّ هذا؟ وإذا استعصى على فهمي هذه المعادلات التي استخدمها هؤلاء العلماء واللوغاريتمات التي اعتمدوها في صنعها، فهل أطعن فيها أم أستخدمها بالطريقة السهلة التي أوصلوها لي دون مشقة عليَّ؟
ثم إنَّ هذه (العنعنة) فائدتها إبلاغنا بأسماء الرواة الذين نتوصل بهم إلى متن الحديث، فمنها يعلم علماء هذا الشأن صحة الحديث من ضعفه، ويعلمون بها المدلس من غيره، ويعلمون بها الانقطاع من الاتصال؛ هذا إذا كنت تعلم معنى هذه المفردات، وإلا ... فلا عليك!

قال: وهل هناك شيءٌ مُتفقٌ عليه أو صحيحٌ في هذه الدنيا، قدَّمه فقيهٌ أو إمامٌ؟


نقول: لا، ولكن المتفق عليه والصحيح في هذه الدنا قدَّمه لنا فلاسفة ومتكلمون!
الإنسان أصله قرد!
الإنسان مخيَّر؟ الإنسان مسيَّر؟
العالم لا خالق له؟
أو قدَّمه لنا كفرة؛ كما قالت اليهود: عزيرٌ ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله!
لكنَّ الفقهاء والأئمة لم يقَدِّموا لنا شيئًا، فما لك ولهم؟!
اترك الأئمة والفقهاء لمَن يمكنه الانتفاع بهم، اتركهم لراجي عفو ربِّه الذي يعمل بأمر الله على نور من الله يرجو ثواب الله.
الفقيه –أو الإمام- لا يقدِّم شيئًا من أمور الدنيا، وإن كان يفهم فيها بالضرورة بقدر معيشته فيها، وإنما يقدِّم لنا ما يقربنا من ربِّنا ويباعدنا عن سخطه وغضبه...
هو يقدِّم لنا بيانًا عن الحرام والحلال؛ سواء في الاعتقاد أو العمل...
كيف نعلم أنَّ النية شرط أو ركن في صحة الصلاة؟ كيف نعلم أنَّ الإيمان يزيد وينقص؟ كيف نعلم مقدار الزكاة في كلِّ ما وجب علينا؟ كيف نعلم مبطلات الحج؟ هل ستقول: من القرآن؟ أم ستقول من القرآن والسنة؟
إذا اكتفيتَ بالقرآن فأنت ضالٌّ مُضلٌّ بلا شكٍّ، وإذا قلت: من القرآن والسنة قلنا لك: ومن أين لك معرفة الصحيح من السقيم إلا من الرجال الأحياء أو من كتب الرجال المتخصصة في هذا؛ وعلى رأسها (التاريخ الكبير) للإمام البخاري الذي تخصصتَ في الطعن فيه، ولا مناص من هذا بحالٍ.


قال: وهل كل من روَى حديثًا نبويًّا يُمكنُ لي أن أثقَ بروايته؟


نقول: لا؛ ليس كذلك، ومن أجل هذا وجب علينا الإنصات لأهل الذكر المتخصصين وليس إعمال العقل، أليس الأمر كذلك؟

قال: وهل إذا أعملتُ العقلَ -لا النقلَ- سأصيرُ خارجًا عن الدين؟


نقول: ومَن قال هذا؟ لكن للعقل حدود لفهم النص أو التعامل معه، وهذا أيضًا مقيد بالنصوص الشرعية.


ثم إذا كنتَ عبدًا لله، فلماذا لا تحكِّم النقل وتنحى منحى المعتزلة –بل أسوأ- بإعمالك العقل لا النقل؟ حتى المعتزلة يعملون النقل ولكنهم يقدمون العقل عليه، فما وافق العقلَ –من النقل- أخذوه، وما عارضه –بزعمهم- رفضوه!


قال: فقد اشتهرت بين الناس على مدى ألف سنة أو يزيد أحاديثُ صارت من فرط شُهرتها وتداولها مُسلَّمًا بها أنها صحيحةٌ، ويتم التعاملُ معها بشكلٍ مُقدَّسٍ، باعتبارها متْنًا دينيًّا، وليستْ حتَّى من السُّنة، أي من أقوالٍ وأفعالٍ وصفاتِ النبي، رغم أنَّها باطلةٌ ولا أصلَ لها، أو موضوعةٌ ولا سندَ لها.


لكن للأسف يتداولها، ويستشهد بها الخطباءُ والوعاظُ والمشايخُ قبل سائر الناسِ، وهى بعيدةٌ تمامًا عن الرسول، بل إنه مات دُون أن يعلمَ شيئًا عنها، ومشكوك في صحتها.

هي إذن أحاديثُ مُزوَّرةٌ ومكذُوبةٌ، ولم يقف لها أحدٌ على أصلٍ ثابتٍ شفهيًّا أو مكتُوبًا، لكنَّها للأسف وردتْ في بعض كُتب الأسلاف، الذين نقول عنهم دون تمحيصٍ أو تدقيقٍ أو مُراجعةٍ إنهم من الصالحين.

بل إن هناك أقوالًا لبعض السابقين الذين هُم ليسوا من الصحابة ولا من التابعين أو تابعي التابعين، وصار يتم التعامل معها على أنها أحاديثُ نبويةٌ صحيحةٌ، وهى منكُورةٌ لا تصح أصلا أن ترد على لسانِ عاقلٍ، لأنها باطلةٌ من جميع جهاتها.

نقول: هذه الأحاديث التي تتكلم عنها –وليست من الأحاديث في شيء- مَن ذا الذي أمرك أن تأخذ بها ومَن ذا الذي قال إنها من كلام أو فعل النبي؟ أليس الجهَّال أم العلماء؟

إن العلماء أمثال الإمام البخاري لم يألوا جهدًا في تبيان أمثال هذه الأحاديث، ولم يتبوأ الإمام البخاري ولا غيره هذه المكانة العظيمة إلا لأنهم أفنوا أعمارهم في توضيح الغث من السمين لأمثالي وأمثالك.

ثم على مدار هذه الألف سنة أو يزيد –كما تقول- لم يتفوه بمثل هذه الأباطيل إلا أنواع معينة من الناس:

- منهم مَن اتخذها حسبةً وتقربًا إلى الله –بزعمه- عندما رأى الناس قد انصرفوا إلى الفقه والسيرة وغيرها، فوضعها احتسابًا ليقرب الناس إلى السنة؛ وهذا جاهل لأن الله تعالى أكمل لهذه الأمة دينها وليس الدين في حاجة إلى أمثال هذا الجاهل لإكماله.



- ومنهم من اتخذها لغرض في نفسه لتقبيح –أو تحسين- مذهب غيره أو مذهبه، وهذا من قبيل العصبية الجاهلية التي لا تحل.

- ومنهم من اتخذها لغرض دنيوي بحت لينال من حطام الدنيا الفانية، وهذا أيضًا جاهل يبيع دينه بعرض من الدنيا.

- ومنهم الزاهد العابد الصالح الذي فيه غفلة الصالحين ولا يعلم الصحيح من غيره.

- ومنهم أشكال وأصناف لا يعلمها إلا الله، فما لنا ولهم؟

"تلك أمة قد خلت، لها ما كسبت ولكم ما كسبتم، ولا تُسألون عما كانوا يعملون"

ولقد قام العلماء قديمًا وحديثًا بالتصنيف للرد على مزاعم هؤلاء وتفنيدها وبيان عدم صحة أحاديثهم؛ من هؤلاء العلماء الأفذاذ:

شعبة بن الحجاج ويحيى بن معين وعليُّ بن المديني وأحمد ابن حنبل والبخاري والدارقطني والحاكم والبيهقي وابن تيمية وغيرهم...

ثم إنَّ بعض العلماء أفردوا مصنفاتٍ بأكملها لبيان هذه الأباطيل وبيان بطلانها بالتفصيل؛ منهم: محمد بن طاهر المقدسي 507هـ (تذكرة الموضوعات)، الحسين بن إبراهيم الجوزقاني 543 هـ(الموضوعات من الأحاديث المرفوعة)، أبو الفرج ابن الجوزي 597هـ(الموضوعات)، ضياء الدين عمر بن بدر الموصلي 622هـ(المغني عن حفظ الكتاب بقولهم: لم يصح شيء في هذا الباب)، ابن القيم 751هـ(المنار المنيف في الصحيح والضعيف)، السيوطي 911هـ(اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة)، الحافظ ابن عرَّاق 963هـ(تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة)، المحدث علي القاري الهروي 1014هـ (المصنوع في معرفة الحديث الموضوع)، الإمام الشوكاني 1255هـ (الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة)، ثم خاتمة السلسلة المباركة محدث الديار الشامية الإمام الألباني (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيء في الأمة).

وبالجملة فلم يترك الأئمة على مرِّ العصور والأزمنة حديثًا مكذوبًا أو غير صحيح إلا وتناولوه بالبحث والتمحيص، غير أنَّ ثمة أحاديث اختلف العلماء في توثيقها وتضعيفها بناءً على توثيقهم وتضعيفهم راويها؛ وهي أحاديث قليلة العدد بالنسبة إلى ما اتفقوا عليه من توثيق وتضعيف، فهم القوم لا يشقى بهم جليسُهم، ومَن اتَّبع خطاهم فقد رشد ومَن جانب طريقهم فقد ضلَّ وغوى.

وكون الخطباء والوعَّاظ يستشهدون بها فليس العيب إلا فيهم لكونهم لم يأتوا البيوت من أبوابها، فليس العيب في الإمام البخاري يا صاحب العقل!

أمَّا قولك إنها لم يقف لها أحدٌ على أصلٍ ثابت، فمَن هو هذا الذي تعنيه بأنه لم يقف لها.. الخ كلامك؟

هل هو العالم المتخصص أم العاقل من أمثالك؟

أمَّا العالم فقد أوردنا عددًا من العلماء كتبوا فيها ما علموه منها، وأمَّا غيرهم من أدعياء العقل فلا حاجة للدين بهم أصلاً، ولا ضير علينا إن وقفوا عليها أو قعدوا...

أمَّا مسألة بعض الأقاويل التي أتت على لسان أناسٍ ليسوا من الصحابة أو التابعين أو تابعيهم وهي منكورة ولا تثبت وباطلة من جميع جهاتها، فالرد من أوجه:

- هل العقل هو الذي قادك لتقول إنهم ليسوا من الصحابة أو التابعين أو تابعيهم أم النقل عن أمثال الإمام البخاري وغيره ممن لا ترضى عن متابعتهم وتوجب –بعقلك المريض- مجافاتهم ونبذ كتبهم؟!

- ثم قولك إنها باطلة من كل وجه؛ فهذا قمنا بالرد عليه فيما سبق من بيان أسماء بعض الكتب المصنفة فيها.

- أمَّا كونها باطلة من كل وجه ولا يصح أن ترد على لسان عاقلٍ، فليس كل حديث صحيح يمكن أن تقبله العقول المريضة؛ بل الشرع موجه لكل ذي عقل سليم وليس المريض، لأنَّ البعض قدح في أحاديث صحيح رأى بعقله المريض أنها تخالف العقل ومن ثَمَّ طعن في صحتها بدلاً من أن يسأل أهل العلم؛ وغيرها كـحديث الذبابة إذا وقعت في الطعام وغيره...

بل إن البعض رفض التسليم بآيات قرآنية لأنها لا توافق العقل بزعمه، فهل نطعن في القرآن أيضًا لأنَّ بعض عديمي العقول لا يرونه موافقًا لعقلهم المفقود؟!

وكيف لنا –بالعقل- يا صاحب العقل التفرقة بين الزواج الصحيح وبين الزنا لمجرد أنَّ الأول به أركان حددها الشرع والثاني افتقد هذه الأركـــان، أ بالعقل أم بالشرع؟

ومن أين لنا –بالعقل- يا صاحب العقل إيجاب الغسل بخروج المني (الطاهر) وإيجاب الوضوء فقط من خروج البول (النجس) إلا بالشرع؟

ثم –من وجه آخر- نفرق بين عدم صحة الحديث وبين الأخذ بمعناه، فليس معنى ضعف الحديث أن نترك معناه إذا كان معناه يوافق مقاصد شرعية أو قواعد كليَّة جاء بها الشرع.

وكيف لنا –بالعقل- يا صاحب العقل التفرقة بين الزواج الصحيح وبين الزنا لمجرد أنَّ الأول به أركان حددها الشرع والثاني افتقد هذه الأركـــان، أ بالعقل أم بالشرع؟

ومن أين لنا –بالعقل- يا صاحب العقل إيجاب الغسل بخروج المني (الطاهر) وإيجاب الوضوء فقط من خروج البول (النجس) إلا بالشرع؟

ثم –من وجه آخر- نفرق بين عدم صحة الحديث وبين الأخذ بمعناه، فليس معنى ضعف الحديث أن نترك معناه إذا كان معناه يوافق مقاصد شرعية أو قواعد كليَّة جاء بها الشرع.

قال: وحتى الصحابة ليسوا أنبياء ولا آلهة ولا مُنزَّهين عن السَّهو والخطأ أو الجهلِ بالشيءِ، بدليل أن أبا بكر الصديق، لم يفقه القول الإلهي (وفاكهة وأبَّا).

نقول: لم يصح هذا عن أبي بكر؛ وإنما صحَّ عن عمر بن الخطاب، قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره:

(وهذا محمولٌ على أنه أراد أن يعرف شكله وجنسه وعينه، وإلاَّ فهو وكلُّ مَن قرأ هذه الآية يعلم أنه من نبات الأرض).

وإذا كان عمر بن الخطاب لم يعلم هذا المسؤول عنه فلا ضير عليه؛ إذ لا يعلم كلَّ شيء إلا خالقه...

قال الإمام ابن القيم: والذين حُفِظَتْ عنهم الفتوى من أصحاب رسول الله مائة ونيف وثلاثون نفسًا ، ما بين رجل وامرأة، وكان المكـثرون منهم سبعة؛ عمر بن الخطاب وعليُّ بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعائشة أم المؤمنين وزيد بن ثابت وعبد الله ابن عباس وعبد الله بن عمر.

وإذا أمكننا أن نطعن في عمر لجهله بهذا المعنى ونترك فتواه وكلامه ومنقوله كلَّه عن النبي-وكذا كل الصحابة مثله- فمَن ذا الذي يروي لنا عن النبي وهو ثقة عندك يا صاحب العقل؟

هل نذهب بأنفسنا ونسمع من النبي أم نترك السنة بالكامل؟


قال: فهل من المعقول أن يروى عبدالله بن عباس «ولد سنة 618 أو 619 ميلادية، وتوفى سنة 68 هـ- 687 ميلادية بالطائف»، حوالى ألفيْ حديث، كلها وردت في صحيحيْ البخاري ومسْلِم، والذى كان عمره عشر سنوات أو أزيد قليلا عندما مات النبي، «يوم الاثنين، الثاني عشر من ربيع الأول من السنة الحادية عشرة للهجرة»، وهو المولود قبل هجرة الرسول بعامين. مثل هذا وغيره هل يُعدُّ مصدر ثقة لي، إذ لم ير الرسول سوى مرات معدودات؟

نقول: عبد الله بن عباس التشكيك فيه هو تشكيك في كلِّ أصحاب النبي الذين ارتضاهم الله تعالى لصحبة نبيه، وقد قال رسول الله: خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، فقد سبق لك التشكيك في علم وفقه عمر بن الخطاب، وها أنت ذا تشكك في عبد الله ابن عباس، ويأتي في كلامك التشكيك في أبي هريرة!

مَن مِن أصحاب النبي ترى أنه ثقة ثم مَن من التابعين تراه يصلح للنقل عن هذا الصحابي الثقة ولماذا هذا الاختيار؟ ثم اخترْ لنا ممن يليهم حتى نصل عصرنا هذا بحديث يخلو من اعتراضٍ عقليٍّ منك يا ذا العقل!

ثم الكلام عن عبد الله بن عباس نقول فيه:

ألـم تعـلم دعـاء النـبي له أن يعـلمه الله التـأويل ويفقهه في الدين؟

ثم نأتي إلى جزئية هامة تكون قاعدة لنا فيما بعد إن شاء الله تعالى؛ وهي:

ليس معنى كلمة (حديث) أن يقول الراوي: حدثنا فلان عن فلان...الخ فقط، ولكنَّ الحديث هو هذا القول بهذا الإسناد عن هؤلاء الرواة ثم يأتي الراوي نفسه فيروي نفس الحديث –بألفاظه أو بمعناه- عن رواة آخرين إلى منتهاه؛ بمعنى أن تتعدد طرق –يعني: أسانيد- الحديث الواحد فتكون اثنين أو أكثر ويكون بهذه الطريقة عدة أحاديث عن نفس الراوي (الصحابي)، وأيضًا ليس لفظ (الحديث) مقتصرًا على وروده النبي وإنما أيضًا يشمل ما يرد عن الصحابة من أقوالهم وأفعالهم، وبهذا يمكن القول إنه صحَّ عن النبي كذا ألف حديث بينما إذا حذفنا المكرر فلن يصل العدد إلى ربع هذا العدد...

وبهذا يمكن فهم كيف أنَّ (صحيح البخاري) به 7275 حديثًا بالمكرر، وبحذف المكرر يكون به 4000 حديثًا.

هذا نقوله للباحث عن الحق، أمَّا الطاعن في أصحاب النبي فلا حاجة لنا بالكلام معهم.



قال: فما يوافق عقلي وروحي وعرفي، ولا أراه من الخرافات والأساطير والمبالغات، سأعمل به وآخذه، أمَّا ما يُخالف ذلك، فسأعرض عنه، وقد ثبت بالفعل أنه غير صحيح، ولم يقل به أو يتبناه.

نقول: وهل تعريف (المسلم) هو أن يأخذ ما يوافق عقله وروحه وعرفه؟ أين نحن من قوله تعالى  ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮩ ﮪ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ؟!

هل قال لنا: اعرضوه على عقولكم وأرواحكم وأعرافكم؟

فكيف وقد علمنا بالضرورة اختلاف هذه العقول والأرواح والأعراف من شخص لشخص ومن زمن لزمن ومن مكان لآخر؟

فبأيِّ عقل وروح وعرف نأخذ؟

ولماذا نختار عقلاً على عقل أو روحًا على روح أو عرفًا على عرفٍ؟

مـا هي المقـاييـس التي نجــدها في القرآن، ولا نعلم من السنة شيئًا يصح؟!

أم يتحكم كل صاحب عقل في الآخرين بدعوى أن عقله هو الأفضل وكذا صاحب الروح والعرف؟!

أين تكون منَّا إذن سنة الرسول المأمورين بالأخذ بها، وما هو مقياسنا في الأخذ والرد منها؟

وما هو مقياسك يا صاحب العقل في المبالغات والخرافات؟ لا أراه يتفق مع مقياسي أو مقياس غيري، فالذي تراه مبالغًا فيه أراه عين العقل.

وأيُّ عقل يقول لي إنني أعيش في الجنة خالدًا فيها والكافر يعيش في النار خالدًا فيها بينما نعلم علم اليقين أنَّ الفناء نراه بأعيننا يوميًّا؟

وأيُّ عقـل يخبــرني بصفات الله الواجبة الإثبات والصفات الواجبة النفي؟

وأيُّ عقل يخبرني بالملائكة وصفاتهم وكذا سائر المغيبات؟

قال: إذ لم أعتد في حياتي تقديس شخصٍ مثلي يخطئ، ويصيب، حتى إذا قيل إنه فقيهٌ أو إمامٌ.
نقول: ما معنى كلمة (تقديس)؟

إذا كانت بمعنى (تنزيه عن الخطأ)، فهذا لا يكون إلا للأنبياء فقط وليس لغيرهم من البشر تقديس، وإذا كانت بمعنى (الانقياد فيما تخصص فيه وعدم مناقشته) فهذا معنى مطلوب بالضرورة في حياتنا ونراه يوميًّا في كل مناحي الحياة:

ألا ترى أنك تذهب للطبيب وتخضع له في كل ما يقوله وتقوم بتنفيذ أوامره بكل حذافيرها؟

ألا ترى إذا أردت بناء شقة –أو بيتٍ- تحضر مهندسًا متخصصًا وتقوم بتنفيذ كلامه حرفيًّا؟

لا يصلح أصلاً أن يتخصص شخص في شيء ثم يناقشه كلُّ فرد يتعامل معه أو يقول له: اقنعني أو يقول إنَّ كلامه لا فائدة منه وأنا أتحكم مكانه بعقلي، وهذا واضح وضوح الشمس، وإلا فلتتكرم بعلاج نفسك والبناء لنفسك وحياكة ملابسك بنفسك والخبز بنفسك، وهذا لا يمكنك حتى لو كان لديك الوقت والآلات والمواد، وإلا فأنت معاند ومخالف للواقع، وإلا فأيُّ فارق بين التخصص الديني والتخصص الدنيوي، إلا أنَّ التخصص الديني أفضل وأكرم عند الله لأنَّ الخطأ في الدنيا مؤداه على أقصى حدٍّ التسبب في الوفاة التي هي نهاية كل البشر، والخطأ في الدين يمكن بحسب خطورته التسبب في الخلود في النار .
قال: فهل يعقل أن يروي شخص واحد؛ هو أبو هريرة 19 «ق. هـ/ 599 م- 57 هـ/ 676 م» 5374 حديثا، وهو لم يرَ الرسول  إلا 11 شهرًا؟

نقول: إنَّ أبا هريرة رضي الله عنه لم يكن ذا تجارة تشغله ولا صناعة ولا حرفة ولا أرض، وإنما كان من أصحاب الصُّفَّةِ الذين يبيتون في المسجد ويقتاتون مما تجود به أنفس الأكارم من أصحاب النبي  عليهم.
وكان رضي الله عنه سريع الحفظ قويَّ الذاكرة لا تتفلت منه شاردة ولا واردة إلا وعاها، ولم يكن يفارق النبي  في سفر ولا حضر.
نعم، لم يكن يكتب وكان اعتماده في الحفظ على ذاكرته تلك التي وهبه الله إياها، والذاكرة القوية أمرٌ يهبه الله مَن شاء من عباده، وعلى مرِّ السنين رأينا وسمعنا العجب العجاب عن أصحاب الذاكرة القوية سواء من أئمة المسلمين أو من أفرادهم أو من الكفار، فالذاكرة القوية هي هبة من الله وهي أيضًا ابتلاء واختبار مثل الصحة والمال والرئاسة وغيرها من أعراض الدنيا.
استخدمها أبو هريرة رضي الله عنه في الخير؛ بل في أفضل وجوه الخير لحفظ سنة النبي  وإبلاغها الأمةَ من بعده...
ولقد ألقى أبو هريرة رضي الله عنه الضوء على هذه الظاهرة، وكأنه يدفع عن نفسه مغبة تلك الشكوك التي ساورت بعض أصحابه فقال: إنكم لتقولون: أكثر أبو هريرة في حديثه عن النبي ، وتقولون: إنََّ المهاجرين الذين سبقوه الى الاسلام لا يحدثون هذه الأحاديث..
ألا إن أصحابي من المهاجرين، كانت تشغلهم صفقاتهم بالسوق، وإن أصحابي من الأنصار كانت تشغلهم أرضهم..
وإني كنت مسكينًا، أكثر مجالسة رسول الله ، فأحضر إذ غابوا، وأحفظ إذا نسوا...
وإن النبي  حدثنا يومًا فقال: من يبسط رداءه حتى أفرغ من حديثي ثم يقبضه إليه فلا ينسى شيئا كان قد سمعه مني؟
فبسطت ثوبي فحدثني ثم ضممته إليَّ، فو الله ما كنت نسيت شيئًا سمعته منه..
وأيم والله، لولا آية في كتاب الله ما حدثتكم بشيء أبدًا، وهي: "إنَّ الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون" هكـذا يفســر أبو هريرة سر تفرّده بكثرة الرواية عن الرسول .
فهو أولاً: كان متفرغًا لصحبة النبي  أكثرَ من غيره..
وهو ثانيًا: كان يحمل ذاكرة قوية، باركها الرسول  فزادت قوة..
وهو ثالثًا: لا يحدّث رغبة في أن يحدّث، بل لأن إفشاء هذه الأحاديث مسؤولية دينه وحياته، وإلا كان كاتمًا للخير والحق، وكان مفرِّطًا ينتظره جزاء المفرّطين..
أراد مروان بن الحكم يومًا أن يبلو مقدرة أبي هريرة على الحفظ، فدعـاه اليه وأجلـسه معه، وطلب منه أن يحدثه عن رسول الله ، في حين أجلس كاتبه وراء حجاب، وأمره أن يكتب كل ما يقول أبو هريرة..
وبعد مرور عام، دعاه مروان بن الحكم مرة أخرى، أخذ يستقرئه نفس الأحاديث التي كان كاتبه قد سطرها، فما نسي أبو هريرة كلمة منها!!
وكان يقول عن نفسه:
(ما من أحد من أصحاب رسول الله  أكثر حديثًا عنه مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو بن العاص، فإنه كان يكتب، ولا أكتب).
وفي سبيل أن يتفرّغ لصحبة رسول الله  عانى من قسوة الجوع ما لم يكن أحدٌ من الصحابة يعانِي مثله..
وانه ليحدثنا كيف كان الجوع يعض أمعاءه فيشدّ على بطنه حجرًا ويعتصر كبده بيديه، ويسقط في المسجد وهو يتلوى حتى يظن بعض أصحابه أن به صرعًا وما هو بمصروع..!
هذا نقوله بتسـليم مكـث أبي هريرة رضي الله عنه مع النبي  أحد عشر شهرًا فقط، وهذا غير صحيح؛ إذ أنه قدِم على النبي  –وأسلم- عام خيبر سنة سبعٍ من الهجرة المباركـة ولازمه حتى وفاته، وبين خيبر ووفاة النبي  أربعة أعوام إلا شهرين، وهذه المدة ليست قليلة لمَن أوقف نفسه وحياته على حفظ السنة ولازم النبي  كما أسلفنا من قبل.
وقد أحصى بقيُّ بن مخلد –حافظ الأندلس- مرويات أبي هريرة رضي الله عنه فكانت 5374 حديثًا، اتفق البخاري ومسلم على 325 حديثًا، وانفرد البخاري بـ325 حديثًا، وانفرد مسلم بـ 189 حديثًا، فهل تريد أنت الطعن في أبي هريرة أم في البخاري أم في مسلم؟!
ثم نقول: هناك من الأحاديث –ليست بالقليلة- رواها أبو هريرة رضي الله عنه عــن بـعــض أصحـــاب النــبي ، وهــذه الطريــقة لا مطعن فيها واتفق العلمـاء كافَـّة على قبولـها وتسميـتها (مرسل الصحابيِّ)؛ ومعـناها أن لا يحـضر بعض الصحابة موقفًا أو مشهدًا مــع النبي  ثــم يـسـمــعــه مــن صحــابيٍّ آخــر ثــم يرويــه هو دون أن يذكـر اســم الصحــابيِّ الآخر ويـصرح بقولـه: قال رسول الله ، ولا يقول: سمعت رسول الله  حتى لا يقع في الكذب، فهذا (مرسل صحابيٍّ) أعدَّه العلماء كأنه سمعه بنفسه من النبي ، وبهذه الطريقة يكون أبو هريرة رضي الله عنه قد قام بجمع أحاديث هي مسموعة لغيره من الصحابة رضي الله عنهم بالإضافة لما لديه ففاقهم جميعًا فيما يرويه عن النبي .
أمرٌ آخر يوضح كثرة مروياته رضي الله عنه؛ وهو امتداد حياته بعد وفاة النبي ؛ إذ توفي عام 57 هـ -أو58هـ- فعاش بعد النبي  قرابة 47 سنة يروي فيها ما لم يروه الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم الذين انتـهت حيـاة آخـرهم عـام أربعين من الهجرة المباركة..
أيضًا كان انشغال هؤلاء الخلفاء رضي الله عنهم في مدد خلافتهم بما هو معروف؛ فأبو بكر رضي الله عنه انشغل بالخلافة بالإضافة لحروب الرِدَّة...
عمر رضي الله عنه انشغل بالخلافة واتساع رقعة الدولة الإسلامية وإنشاء الدواوين وتدبير هذه الرقعة الواسعة...
عثمان رضي الله عنه انشغل بالخلافة وما حدث في وقته من تأليب بعض الناس عليه حتى قتلوه...
عليٌّ رضي الله عنه انشغل بالخلافة ومشاكل مطالبة البعض إياه بدم عثمان رضي الله عنه وكذا بالخوارج وغيرها...
ثم إنَّ أبا هريـرة رضي الله عنه روى هـذه الأحاديـث عن النبي  دون واسطة –اللهم إلا ما رواه عن صحابيٍّ آخر سواء ذكره أو لم يذكره- فلا رجال في الإسناد يطول بهم، وإننا لنرى في عصورنا هذه المتأخرة مَن يحفظ من الأحاديث أضعاف ما حفظه أبو هريرة رضي الله عنه رغم طول الإسناد بينه وبين النبي  ولا يعاب هذا عليه ولا يطعن فيه؛ بل العكس!

قال: وقد قال عنه عليّ بن أبى طالب «13 من رجب 23 ق هـ/17 من مارس 599م- 21 من رمضان 40 هـ/ 27 من يناير 661 م» إنه أكذب الناس «أكذب الناس أبو هريرة الدوسي».

نقول: هذه الكلمة عن عليٍّ رضي الله عنه؛ إنما جاءت من رواية أبي جعفر الإسكافي دون غيره؛ وهو من المعتزلة وأيضًا من الشيعة المغالين في عليٍّ رضي الله عنه، وتفرَّد بهذه الرواية التي لم يروها سواه، ومن المعلوم في علم المصطلح أنه إذا كان للشيخ أصحاب كُثُرٌ وتفرد بالرواية عنه واحد دونهم فإنها لا تُقبل.

كيف وقد روى محمد بن عليِّ بن أبي طالب عن أبي هريرة؟ ومحمد هذا هو أبو جعفر الصادق!

فكيف أبوه يقول بتكذيب أبي هريرة ثم هو يروي عنه؟!

قال: كما أن عمر بن الخطاب «40 قبل الهجرةالموافق 584 ميلادية- 26 من ذي الحجة- 7 من نوفمبر 644 م» قال عنه إنه (عدو لله والإسلام، عدو لله وكتابه، سرقت مال الله، حين استعملتك على البحرين، وأنت بلا نعلين...)، إذ كان قد ولاه على البحرين سنة عشرين من الهجرة، وسرعان ما عزله. وضربه حتى أدماه، ومنعه من رواية الحديث، ولم يعد إلى الرواية إلا بعد وفاة عمر بن الخطاب، وهذا ما يقره أبو هريرة، حين يقول: (ما كنت أستطـيع أن أقول قـال رسـول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض «أي مات» عمر).

نقول: حين ولي أبو هريرة البحرين ادَّخر مالاً من مصادره الحلال، وعلم عمر فدعاه الى المدينة فقال له:
يا عدو الله وعدو كتابه، أسرقت مال الله..؟؟

قال: ما أنا بعدو لله ولا عدو لكتابه،.. لكني عدو من عاداهما، ولا أنا مَن يسرق مال الله..!قال عمر: فمن أين اجتمعت لك عشرة آلاف..؟؟
قال: خيل لي تناسلت، وعطايا تلاحقت..قال عمر: فادفعها إلى بيت مال المسلمين.
ودفع أبو هريرة المال إلى عمر ثم رفع يديه الى السماء وقال: اللهم اغفر لأمير المؤمنين.
وبعد حين دعا عمر أبا هريرة، وعرض عليه الولاية من جديد، فأباها واعتذر عنها..قال له عمر: ولماذا؟
قال أبو هــريــرة رضي الله عنه: حتى لا يُشْتَمَ عَرْضي، ويؤخذ مالي، ويُضْرَبَ ظهري..ثم قال: وأخاف أن أقضي بغير علم وأقول بغير حلم..

فإن لم يكن عمررضي الله عنه قد استأمنه، فلماذا عرضها عليه ثانيةً؟


وأمَّا ضرب عمر 
رضي الله عنه له وأنه أدماه من شدة الضرب فلا تصح فيها رواية أصلاً، وأمَّا تهديده له بالنفي إلى أرض دوس فهو ما روى السائب بن يزيد أنه سمع عمررضي الله عنه يقول لأبي هريرة رضي الله عنه: لتتركنَّ الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لألحقنَّك بأرض دوس، وقال لكعب: لتتركنَّ الحديث أو لألحقنَّك بأرض القردة، قال ابن كثيرٍ رحمه الله تعالى: وهذا محمول من عمر رضي الله عنه على أنه خشي من الأحاديث التي تضعها الناس على غير مواضعها، وأنهم يتكلون على ما فيها من أحاديث الرخص، وأنَّ الرجل إذا أكثر من الحديث ربما وقع في أحاديث بعض الغلط أو الخطأ، فيحملها الناس عنه.


وعلى الرغم من هذا إلا أنَّ عمر
 رضي الله عنه أذن لأبي هريرة رضي الله عنه بالتحديث فيما أورده ابن كثير رحمه الله تعالى في (البداية والنهاية) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بلغ عمرَ حديثي فأرسل إليَّ فقال: كنتَ معنا يوم كنَّا مع الرسولصلى الله عليه وسلم في بيت فلان؟ قلت: نعم، وقد علمتُ لأيِّ شيءٍ سألتني، قال: ولمَ سألتُك؟ قلت: إنَّ رسول اللهصلى الله عليه وسلم قال يومئذ: (مَن كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار)، قال: أما لا، فاذهب فحدِّث.


ومن هنا يظهر أنَّ المنع من عمرَ 
رضي الله عنه لأبي هريرة وغيره إنما كان من الخوف مما أوضحه الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره وسبق الكلام عنه...
وهذا يؤيده ما حدث في زمن النبي
صلى الله عليه وسلم وأمامـه فيما رواه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في الحديث الطويل الذي فيه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان في جماعة –منهم عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما- ثم قام فغاب فافتـقدوه فكـان أولُّ مَن لقيه أبا هريرة رضي الله عنه فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم نعليه وقال له: اذهب؛ فمنَ لقيته خلف هذا الجدار يشهد أن لا إله إلا الله فبشره بالجنة، فلقي عمرَ رضي الله عنه فأخبره الخبر فضربه عمرُ رضي الله عنه ضربة أوقعته على الأرض ثم ذهب خلفه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله فصَدَّقه النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنَّ عمرَ رضي الله عنه قال: خَلِّ الناس يعملون يا رسول الله ولا تبشرهم فيتكلوا، فقال صلى الله عليه وسلم: فخلِّهم.


فكانت غيرة عمرَ 
رضي الله عنه على الشرع واضحةً منذ وجود النبي صلى الله عليه وسلم، وظهرت معارضته للرواية بهذه الطريقة جلِيَّة ولم ينكرها عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فلماذا نعيب إنكاره على أبي هريرة رضي الله عنه وعلى غيره بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم؟


قال: لقد ورد في كتاب البخاري 2762 حديثا، تكثر فيها الروايـات المخالفــة لبعـضها البـعض حــد الـتـنـاقـض، ونـفي بعضها للآخر.

نقول: هذه دعاوَى، والدعاوَى يُحتج لها لا يُحتج بها، هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين.
ولقد صدق إمام الأئمة الإمام العظيم ابن خزيمة تلميذ الإمام البخاري حين قال: مَن رأى نصين متعارضين فليأتني أوفق له بينهما.

وإنمـا أوتـي الجاهـلُ مـن قِبَلِ جهلـه لا مـن تنـاقـض النصـوص؛ إذ قال الله تعالى: "ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا"، وإنما الكتاب والسنة وحيٌ من عند الله، فلا تعارض بينهما إذا صح الحديث.

قال: كما أن هناك «أحاديث» موضوعة أو مختلقة أو ضعيفة أو لا سند لها، لم يقلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومات دون أن يعرف شيئا عنها، لكنها نسبت إليه، وصارت شهيرة ومتداولة.


نقول: لا علينا من هذه الأحاديث مهما بلغت كثرتها، وقد أوردنا في مقدمة الرد عددًا من أسماء الكتب التي قام فيها علماء السنــة المعتبـرون ببيان هذه الأحاديث وبطلانها، فلا مطعن بحمد الله تعالى في الشرع بوجودها؛ بل وجودها نفسه دليل على صحة الشرع إذ تبيَّن للمسلمين الغث من السمين.
ولكن لنا وقفة مع هذا المتعالم الذي يدَّعي العقل، فنسأله:
هل عقلك هو الذي أعلمك أنَّ هذه الأحاديث باطلة أو ضعيفة أو لا سند لها أم هي جهود علماء الأحاديث –ومنهم الإمام البخاري- هي التي وضعت هذه القواعد المتينة المحكمة التي على أساسها ظهر بطلان هذه الأحاديث؟!
صدق الله: "فإنها لا تعمَى الأبصار ولكن تعمى القلوبُ التي في الصدور"

نأتي الآن إلى أحاديثَ أوردها ليستدل بها على وجود أحاديثَ باطلة وغير صحيحة وأنه يجب أن نحترس من وجود مثلها في صحيح البخاري، فنورد الحديث الذي أقامه حجَّةً ثم نكتب تحته درجته:


قال: هل خلق الله الدنيا في ستةِ أيامٍ؟ أم في سبعةِ أيامٍ؟
القرآنُ يقولُ: ستة أيامٍ: 


 بينما «صحيح مسلم» يقول: سبعة أيامٍ؟.
قـال أبـو هريرة: أخـذ رسـولُ الله صلى الله عليه وسلم، بيدي فقال: «خلق الله عزَّ وجلَّ التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الاثنين، وخلق المكرُوه يوم الثلاثاء، وخلق النُّور يوم الأربعاء، وبثَّ فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم عليه السلام بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل.
أنا كمُسلمٍ أصدِّقُ مَنْ؟
هنا الحديثُ تعارَضَ مع القرآن، لذا سآخذُ قُرآنِي، وسأقولُ إنَّ ما جاء في «صحيح» مُسلم ورواه أبو هريرة ليس صحيحًا.

نقول: قبل الشروع في الردِّ على كلامك وتخريفك هذا أقوم بتذكيرك أولاً بمسألتين:
إنك كتبتَ عنوانًا لمقالك (البخاري...إلخ)، وبما أنك تتكلم عن إمام الأئمة البخاريِّ رحمه الله تعالى فكان يجب عليك الالتزام بانتقاده وعدم الحيدة إلى انتقاد غيره، إلا إذا أردتَ انتقاد الإمام من كل جهة؛ سواء شيوخه أو تلاميذه!
وهذا أيضًا نعيبه عليك إذ تورد اسم الإمام أحمد ضمن ثقاتِ العلماء عندك بنفس مقالك هذا؛ وهو الشيخ المباشر للإمام البخاري...
أيضًا نُذَكِّرُكَ بما ورد في مقالك هذا نفسه أنك تحتج بالشيخ الألباني رحمه الله تعالى ونحن أيضًا نحتج به- فتورد اسمه ضمن ثقاتِ علماءِ عصرنا وإن كنَّا نخالفك في بعضهم لكننا نحتج بالشيخ لأنه متخصص في علمه ولأنه سلفيُّ العقيدة.
أنت قلتَ ضمن مقالك هذا ما نصه:

(وهناك أسماء أخرى موثُوقٌ في صدقها وعلمها مثل محمد عبده ومحمد رشيد رضا ومحمد الغزالي والألباني وسواهم من المعاصرين خلال القرن العشرين)، فأنت تحتج بالشيخ، ومن فمك ندينك، فنقول:
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في الردِّ عن هذه الشبهة بالذات تعليقًا على (مشكاة المصابيح) ما نصه:
(وليس بمخالف للقرآن بوجه من الوجوه، خلافًا لما توهمه بعضهم، فإن الحديث يُفَصِّلُ كيفية الخلق على الأرض وحدها، وأن ذلك كان في سبعة أيام، ونَصُّ القرآنِ على أنَّ خَلْقَ السماواتِ والأرضِ كان في ستةِ أيامٍ والأرضِ في يومين لا يعارض ذلك، لاحتمال أنَّ هذه الأيام الستةَ غيرُ الأيامِ السبعة المذكورة في الحديث، وأنه - أعني الحديث - تحدث عن مرحلة من مراحل تطور الخلق على وجه الأرض حتى صارت صالحة للسكنى، ويؤيده أن القرآن يذكر أن بعض الأيام عند الله تعالى كألف سنة، وبعضها مقداره خمسون ألف سنة، فما المانع أن تكون الأيام الستة من هذا القبيل؟ والأيام السبعة من أيامنا هذه كما هو صريح الحديث؟ وحينئذ فلا تعارض بينه وبين القرآن) انتهى بلفظه.



هل ستتراجع الآن عن توثيقك للشيخ الألباني أم سترجع عن طعنك في صحيح مسلم؟
والشيخ رحمه الله تعالى ضمن طائفة ذهبت إلى صحة الحديث المذكور وأنه لا تعارض بينه وبين القرآن الكريم كما نقلنا من قوله، بينما ذهبت طائفة أخرى؛ منهم الإمام يحيى بن معين والإمام عبد الرحمن بن مهدي وأيضًا الإمام البخاري الذي صرَّح في كتابه (التاريخ الكبير) أنَّ هذا الكلام من كلام كعب الأحبار؛ إذ أورد البخاريُّ- الحديث بإسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم (من طريق أبي هريرة رضي الله عنه) ثم قال:
وقال بعضهم: عن أبي هريرة عن كعب، وهو أصح.
فهل عندما جاء البخاريُّ بكلامٍ في مصلحتك ستقتنع أنه إمام أم الأخرى؟!

غير أنَّ بعض العلماء المعتبرين 
كالشيخ المُعَلِمِيِّ- لم يأخذ بطعن الإمام البخاريِّ في الرواية وكونها عن كعب الأحبار، واحتجَّ بأنَّ أهل الكتاب ومنهم كعب الأحبار قبل إسلامه- يقولون بابتداء الخلق يوم الأحد وعندهم اعتقاد استراحة الله يوم السبت، فكيف يقولون ببدء الخلق يوم السبت؟

ثم في الحديث نفسه ما ينفي أنَّ أبا هريرة رضي الله عنه أخذه عن كعب الأحبار، بدليل قوله (أخذ رسول الله 
صلى الله عليه وسلم بيدي)، فكيف يكون أَخَذَهُ عن كعب الأحبار أو غيره؟
على أنَّ الإمام مسلمًا رحمه الله تعالى لم ينفرد بهذه الرواية؛ بل رواها أيضًا الإمام ابن خزيمة رحمه الله تعالى في صحيحه.
فعليك أن لا تقف بالطعن في البخاري الذي تعديته إلى مسلمٍ؛ بل اقفز لابن خزيمة، والله أعلم على مَن يكون الدور!!!
فالصواب هو ما قاله الشيخ الألباني فيما نقلناه عنه، وفي هذا الكفاية لمَن كان يرجو التوفيق والهداية.

قال: إذن ليس علىَّ أو على غيرى حرجٌ أن ينفيَ حديثًا جاء في الصحيحين: البُخاري ومسلم لا يوافقُ العقل، ولا يتطابقُ مع النصِّ القرآنيِّ.

نقول: تعرضنا في الردِّ عليك بالجزء الأول إلى هذه النقطة بالتفصيل، ونزيدك هنا قول الله تعالى "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا"، فهل استثنى اللهُ تعالى ما يخالف العقل؟

ثم لماذا انتقاد أحاديث البخاري ومسلم بالذات، بينما غيرهما من الكتب المسندة تروي نفس الأحاديث التي –بزعمك- تخالف العقل؟

ها أنتَ سقتَ في مطلع مقالك حديثًا، وعندما سألنا أهل الذِّكر علمنا معناه وعدمَ مخالفته للقرآن الكريم، فالجمع بين الأدلة –وكلها من عند الله تعالى- أولى من طرح أحد الأدلة التي تتعارض مع عقلي.

ونعود فنسألك: هل كل القرآن لا يتعارض مع عقلك؟ أم أنت بدأتَ بالسنة والطعن فيها ثم ستعيد الكَرَّةَ وتنتقد القرآن كما فعل مبيد الأدب العربي طه حسين؟!

كيف بعقولنا نفهم ما في القرآن أنَّ الملائكة نزلت يوم بدرٍ تقاتل في صفوف المسلمين؟ وكيف يُعْقَلُ أنَّ الملائكة تصعد وتنزل؟ هل رأيتَ هذا أو سمعتَ أصواتهم أو لمستَ أحدَهم أو شممتَ رائحته أو تذوقتها؟

كيف بعقولنا نجمع بين قول الله تعالى (ألف سنة) وفي آية أخرى (خمسين ألف سنة)؟

كيف بعقولنا يكون (مالك) –وهو من الملائكة- خازنًا للنار ولا يحترق؟ فإن قلتَ: إنَّ الملائكة لا تحترق، قلنا: من أين علمتَ، هل من القرآن أم من السنة أم من العلماء؟

كيف بعقلنا نجمع بين "ما ضلَّ صاحبكم وما غوى" و "ووجدك ضالاً فهدى" ؟ نجد كلام العلماء يوضح هذا ويبين أنَّ معنى الأولى أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم معصوم من الكذب ومعصوم من الخطأ في تبليغ شرع الله تعالى، والثانية معناها مبين في قوله تعالى "ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان".

هل تفهم كيف يصلب فرعونُ السحرةَ المؤمنين (داخل) جذوع النخل التي وردت في قوله تعالى "ولأصلبنكم في جذوع النخل" ؟

أيضًا قول الله "الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهنَّ"، كيف تؤمن بهذه السموات ومثلها من الأرض وأنت تحتكم إلى عقلك؟
وغير هذا الكثير والكثير..
ونورد كلامه (مائلاً) باللون الأسود ثم التعقيب عليه بالخط المعتدل باللون الأحمر.
قال: فكُلُّ حديثٍ يخالفُ كتاب الله «القرآن» ويناقضُهُ لا يمكنُ القبول به.
نقول: إنما أوتيتَ من قِبَلِ عقلك القاصر، وكلامك هذا بوجود حديث يخالف القرآن هو ادِّعاءٌ باطل، وإلا فأتنا بحديث واحدٍ صحيحٍ يخالف آيةً.
ولقد قال الإمام ابن عبد البر: «أمرَ الله جلَّ وعزَّ بطاعته صلى الله عليه وسلم واتباعه، أمرًا مطلقًا مجملاً، لم يقيَّد بشيء، كما أمرنا باتباع كتاب الله، ولم يقل: وافق كتاب الله، كما قال بعض أهل الزيغ».
قال: ولا عصمة لأحدٍ من الرُّواة أو الفُقهاء أو من جامعي أو واضعي كُتب الحديث، سوى عصمةِ نبيِّ الله محمد.

نقول: ونحن لا نقول بعصمة بشرٍ إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وكلامك هذا تشويش فقط لا موقع له من الإعراب.
قال: وكوني أو غيرى يذكُرُ أن هناك أحاديثَ ضعيفةً في «صحيح» البُخاري أو «صحيح» مُسلم، لا يعني أنه قد عصى أو كفَرَ أو فسَقَ.
نقول: بل في الصحيحين أحاديث انتقدها عليهما بعض علماء هذا الشأن كالدارقطني وغيره كما فصَّلنا الكلام في الرد عـلى الجـزء الأول، وإنـما البـلاء فـي طـعـنـك في الكـتابين أو أحـدهـما- بغـير عـلم، فـهـذا هو الـفـسوق بمـعـنى الخـروج عن طاعة الله تعالى الذي عصم هذه الأمة أن تجتمع على ضلالة، وأنت تقول إنها باعتمادها الصحيحين قد ضلَّت طوال القرون السابقة.

قال: ومن الخطأ أن نقول إنَّ «صحيح» البخاري أصحُّ كتابٍ وأَسْلُمُ متْنٍ دينيٍّ بعد القرآن، لأننا بذلك نُضفِي قداسةً عليه من حيث ندري أو لا ندري.

نقول: هو أصحُّ كتابٍ وأَسْلَمُ مَتْنٍ دينيٍّ بعد القرآن ولا غضاضة ولا حرج في هذا وليس فيه إضفاء قداسة عليه، ولم يقل عالِمٌ إن صحيح البخاري من عند الله ولا قال عالِمٌ إنَّ القرآن من قول البشر...
القرآن كلام الله وهو صفة من صفاته وغير مخلوق، وصحيح البخاري هو جمع أحاديث للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وغيرهم، ويعتريه الخطأ الذي يعلمه أهل العلم...
بل نحن نستخدم هذه الطريقة في أعمالنا وبيوتنا دون حرج ودون إضفاء قداسة على أحدٍ؛ فنقول: في غياب الوالد عن المنزل فإنَّ الأم أو الأخ الكبير مثلاً- تحل محل الوالد، فهل الأم هنا تمتلك صفات أو قدرات أو حكمة الوالد أم هذا بحسب إمكانياتها؟ وكذا الإمام البخاري جمع ما علم أنه صحيح حسب قواعد أهل الشأن، وحتَّى إذا اعترضه معترض منهم وصحَّ قوله بتخطئة البخاري فليس عليك إلا قياس نسبة الخطأ إلى الموجود فيه لتعلم أنه أصحُّ من غيره.

قال: كأنَّ هناك قُرآنًا أولَّ، وقُرآناً ثانيًا.
نقول: هذا كلام لا خطام له ولا زمام!
منذ متى والعلماء الذين هم علماء بحقٍّ ينزلون البخاري منزلة القرآن؟
قال: لأنَّ الفُقهاء في بلادي وغيرها، صاروا يُنزِلُون البُخاري منزلةَ التقديسِ، وأنَّ الخطأ لا يدركُهُ من بين صفحاته.

نقول: على هؤلاء (الفقهاء) في بلادك وغيرها إن كان كلامك صحيحًا- أن يتعلموا من (الفقهاء) السابقين معنى قول عائشة رضي الله عنها: أُمِرْنا أن ننزل الناسَ منازلهم، فيعرفون لكل مخلوق قدره وأن لا يرفعوه فوق منزلته، ألا تعلم نهيَ النبي صلى الله عليه وسلم أُمَّتَه أن ترفعه فوق منزلته؟

ثم إذا كان هؤلاء (الفقهاء) كما تقول، فمَن ذا الذي قال إنهم (فقهاء)؟!
قال: رغم أن الأسبقين كالنووي، وابن الجوزي، قد انتقدوا أحاديثَ كثيرةً لمُخالفتها الواقع والتاريخ، وقالوا عن رُواتها: (... وَهْمٌ من بعضِ الرُواة لا شكَّ فيه ولا تردُّد).
نقول: الإمامان المذكوران هما من علماء الحديث، ولهما أن ينتقدا العلماء ولكن في حدود قواعد هذا العلم الشريف، أمَّا أنهما انتقدا أحاديث (كثيرة) فهذا من ضمن مبالغاتك وتهويلاتك، والحديث الذي تتكلم عنه معلوم معروف؛ وهو الحديث الذي رواه الإمام مسلم من طريق عكرمة بن عمار وفيه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أجاب أبا سفيان طلبَه في أن يتزوج صلى الله عليه وسلم أمَّ حبيبةَ بنتَ أبي سفيان، وكانت بالفعل تحت النبيصلى الله عليه وسلم، فكيف يتزوجها؟

والجواب الذي قاله الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى هو ما اعتمده الإمام ابن القيم وغيره من أنَّ عكرمة هذا وهم في الحديث، فما المشكلة؟
أحد الرواة الثقات وهم أو نسي أو أخطأ، فهل أحدٌ من البشر غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام- لا يصيبه هذا؟

ثم نعود ونسألك: كيف علمتَ بصحة نسبة هذه الأقوال إلى أصحابها الذين لم تقابلهم؟ هل من كتبهم أم بواسطة العنعنة؟ وكيفما كان الجواب لزمك مثله في اعتماد العلماء لكتب السنة.

ونحن نستحث إخواننا أن يتكرموا بنشر هذه الردود في كافة المنتديات والمواقع والفيس ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً

قال: قد أخرجَ البخاري أحاديثَ لبعضِ الكاذبين مثل إسماعيل بن أبى أويس، وقد وصفهُ النسائيُّ بأنه ضعيفٌ، وقال عنه يحيى بن معين: إنه لا يساوى فلسًا، وقال ثالثٌ: إنه وأباه يسرقان الحديثَ، وقال رابعٌ: إنه مخلط، يكذبُ، وليس بشيءٍ، وقال خامسٌ: كان مُغفَّلاً. وابن أبى أويس كان يقولُ: «رُبَّما أضعُ الحديثَ لأهلِ المدينةِ إذا اختلفُوا في شيءٍ فيما بينهم»، إذْ كانَ شخصًا ضعيفًا فيما روى، يتعمَّدُ الكذبَ على رسُول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ثَمَّ كان ينبغي تركُ رواياته، ومع ذلك أخرج له البخاري مع آخرين من المجهُولين والجُهال والضعفاء مثل أسباط أبو اليسع البصري.

نقول: أمَّا إسماعيل بن أبي أويس فننقل أقوال الأئمة المذكورين فيه؛ إذ ينحصر الكلام في الإمام النَّسَائي ويحيى بن معين وتجريحهما إياه، فنقول:
جاء قول ابنِ معينٍ فيه بتجريح وجاء أيضًا بتوثيق، أمَّا تجريحه فبناه على ما أخبرنا به الإمام النَّسَائيِّ أنَّ إسماعيلَ قال: (رُبَّما أضعُ الحديثَ لأهلِ المدينةِ إذا اختلفُوا في شيءٍ فيما بينهم)، فبنى ابن معين والنَّسَائيُّ التجريح على هذا القول.
ولقد أحسن الإمام ابن حجر العسقلاني صاحب (فتح الباري) حين قال:
(وهذا هو الذي بان للنَّسَائيِّ منه حتَّى تجنب حديثه وأطلق القول فيه بأنه ليس بثقة، ولعلَّ هذا كان من إسماعيل في شبيبته ثم انصلح).
فعلى هذا يصح توثيق ابن معين لإسماعيلَ.
على أنَّ الدكتور/ الأعظمي قال في معنى قول إسماعيل ابن أبي أويس (رُبَّما أضعُ الحديثَ لأهلِ المدينةِ إذا اختلفُوا في شيءٍ فيما بينهم):
"قصده: أضع لهم مصنفًا في ذلك، أو أضع الحديث بينهم؛ أي أخبرهم به". انتهى
وهذا من حسن الظن بالعلماء، لا إساءة الظن كما يفعل البعض ممن لا خلاق لهم!
نزيدك علمًا أنه لم يكن من رجال البخاريِّ وحده؛ بل روى له أيضًا الأئمة: مسلم وأبو داود والترمذي والقزويني والدارمي والفسوي وغيرهم، وكان ابن أخت الإمام مالكٍ إمام المدينة.
قال فيه الذهبي في (سير أعلام النبلاء): لا ريب أنه صاحب أفراد ومناكير تنغمر في سعة ما روى، فإنه من أوعية العلم.
على أنَّ مرويات إسماعيل بن أبي أويس في صحيح البخاري على أنواع ثلاثة:
  • الأول: موقوفات؛ يعني من كلام أو فعل الصحابة، وليست منسوبةً للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذه لا ينبني عليها عمل شرعيٌّ إلا الاستئناس بها فقط لا بناءَ أصلِ العمل عليها من حيث الوجوب والتحريم والثواب والعقاب وغيرها.
  • الثاني: متابعات وليست أصولاً، يعني أنَّ إسماعيل بن أبي أويس لا ينفرد بالرواية عن شيخه وإنما يروي البخاريُّ حديثه عنه وعن راوٍ آخرَ في نفس طبقته.
  • الثالث: روايات انفرد بها إسماعيل بن أبي أويس في صحيح البخاري ولها شواهد في كتب الحديث الأخرى.
أما طعنك في احتجاج الإمام البخاري بــ (أسباط أبو اليسع)، فنقول:
قال ابن حِبَّان: روى عن شعبةَ أشياءَ لم يتابع عليها.
قال الحافظ ابن حجر: روى عنه البخاري حديثًا واحدًا في البيوع من روايته عن هشام الدستوائي مقرونًا.
يعني أنَّه ليس له في صحيح البخاري ما يستدعي هذا التهويل، هذا على الرغم من عدم انفراده بالرواية بهذا الحديث الواحد!

====


قال: كما أنهُ أخرج أحاديثَ لرُواةٍ كانوا يأخذون أجرَهُم على رواياتهم، وهؤلاء يُمْنَعُ الأخذُ عنهم، إذ يُساء الظنُّ بهم، مثل يعقوب بن إبراهيم، وأبي نُعَيْمِ الفضل بن دُكَيْنٍ، وهشام بن عَمَّار، وعفَّان بن سالم، لأن هؤلاء يبيعون الحديثَ.
نقول: هل أتيتَ بهذا الفقه من عقلك أم اعتمادًا على كلام الإمام الحافظ ابن الصلاح؟
ها نحن نراك تركتَ –كالعادة- عقلك واعتمدتَ على كلام المحدثين حين تراه في صفك! ألا تستحي؟!
وكلام الإمام ابن الصلاح ننقله بكامله للمنصف؛ إذ يقول:
"من أخذ على التحديث أجراً منع ذلك من قبول روايته عند قوم من أئمة الحديث‏.‏ روينا عن ‏‏إسحاق بن إبراهيم‏‏ أنه سُئل عن المحدث يحدث بالأجر ‏؟‏ فقال‏:‏ لا يكتب عنه‏.‏ وعن ‏‏أحمد ابن حنبل‏ وأبي حاتم الرازي‏‏ نحو ذلك‏.‏ وترخص ‏أبو نعيم الفضل بن دكين‏‏ و‏‏علي بن عبد العزيز المكي‏، وآخرون، في أخذ العوض على التحديث‏.‏ وذلك شبيه بأخذ الأجرة على تعليم القرآن ونحوه‏.‏ غير أن في هذا من حيث العرف خرماً للمروءة، والظن يساء بفاعله، إلا أن يقترن ذلك بعذر ينفي ذلك عنه، كمثل ما حدثنيه الشيخ أبو المظفر، عن أبيه الحافظ أبي سعد السمعاني‏:‏ أن أبا الفضل محمد بن ناصر السلامي ذكر‏:‏ أن أبا الحسين بن النقور فعل ذلك، لأن الشيخ أبا إسحاق الشيرازي أفتاه بجواز أخذ الأجرة على التحديث، لأن أصحاب الحديث كانوا يمنعونه عن الكسب لعياله، والله أعلم‏.‏"انتهى كلام الإمام ابن الصلاح.

وهنا نرى أنَّ المسألة خلافية وليست كما عرضتها أنت كأنها مسلَّمات بديهيات!

ومع هذا فالكلام فيمن ذكرتَ أسماءهم لم تخرج مسألتهم عن كونهم ممن فيهم الخلاف المذكور في كلام ابن الصلاح، وهم أيضًا لم يخرجوا عن كونهم ثقاتٍ.

يؤيد هذا ما ذكره الحافظ السخاوي في "فتح المغيث" قال:
(قال الإمام أحمد: شيخان كان الناس يتكلمون فيهما ويذكرونهما وكنا نلقى من الناس في أمرهما ما الله به عليم، قاما لله بأمر لم يقم به أحد أو كبير أحد مثل ما قاما به؛ عفَّان وأبو نعيم).
ثم قال السخاوي: يعني بقيامهما: عدم الإجابة في المحنة، وبكلام الناس من أجل أنهما كانا يأخذان على التحديث، ووَصَفَ أحمدُ مع هذا عفَّانَ بالمتثبت، وقيل له: مَنْ تابع عفَّانَ على كذا؟ فقال: وعفَّانُ يحتاج إلى أن يتابعه أحدٌ؟ وأبا نعيمٍ –يعني وصفه الإمام أحمد بكونه- الحُجَّةَ الثبتَ، وقال مرة: إنه يُزَاحَمُ به ابنُ عيينة، وهو على قلة روايته أثبت من وكيع. إلـى غير ذلـك من الروايـات عنه؛ بل وعن أبي حاتم في توثيقه وإجلاله.
فيمكن الجمع بين هذا وإطلاقهما كما مضى أولاً عدمَ الكتابة بأن ذاك في حق من لم يبلغ هذه المرتبة في الثقة والتثبت أو الأخذ مختلف في الموضعين كما يشعر به بالسؤال لأحمد هناك).

فيظهر لنا من كلام الإمام أحمد توثيقٌ واضحٌ للإمامين: عفَّان ابن سالم وأبي نُعَيمٍ الفضل بن دُكَينٍ.

وأزيدك على ما سبق بيانًا من تصريح أبي نُعيم نفسه إذ يقول: (يلومونني على الأخذ، وفي بيتي ثلاثة عشر نفسًا، وما فيه رغيف)!
ونسألك أن تعطينا مثالاً واحدًا لمحدث كان يأخذ أجرة على التحديث بينما في بيته ما يكفيه!

ثم نعود إلى نقطة انطلاقك، ومن فمك ندينك:
من أين علمتَ أن هؤلاء كانوا يأخذون أجرة على الرواية؟ هل من عقلك أم اعتمادًا على (كتب) الأسلاف؟!
قال: كما أن البخاري أخرجَ أحاديثَ لرُواةٍ ممَّن عُرِفَ عنهم التدليسُ والخِداعُ وإخفاء العُيُوب.
نقول: سبق أثناء الرد على مقالك الأول بيان أنَّ العلماء لم يأخذوا عن المدلسين إلا ما صرَّحوا فيه بالتحديث، وما هو في الصحيحين (البخاري ومسلم) من قبولهما العنعنة من الموصوفين بالتدليس محمول على رواية المدلس للحديث نفسه في موضع آخر بالتحديث وليس بالعنعنة، أو أن يكون له متابع آخر من غير المعروفين بالتدليس، فكلامك هذا –كما يقولون- شنشنة أعرفها من أخزم؛ بمعنى أنك لم تأتِ بجديد وإنما هو (لف ودوران) دون طائل وإنما ليتوه الجاهل في ثنايا كلامك ويظنه موزونًا!
أمَّا مسألة أن يروي البخاري –أو مسلم- لراوٍ معروف بالخداع وإخفاء العيوب، فهذا هو نفس معنى التدليس، فلا داعي للمزايدة وكثرة الكلام في نفس المعنى.
قال: لقد تعرَّضَتْ- إذن- الأحاديثُ النبويةُ إلى هجماتٍ مُتعاقبةٍ على مرِّ الأزمان، حيثُ لعبت السياسةُ دورًا في الدسِّ على الرسُول ، ورُبَّما يكونُ الأُمَوِيُّون والعباسيون هُم مِن أكثر مَنْ دلَّسُوا ودسُّوا وكذبوا على الرسُول  في وضع أحاديث ونسبتها إلى النبي محمد ، لدعم حُكم بني أمية، وخدمة وتعضيد مُلكهم، حيث قامت كلُّ فرقةٍ بوضع أحاديث لصالحها تذُمُّ وتَسُبُّ الفرقةَ الأخرى وتنال منها، حيث كانت الدولة الأُمَوِيَّةُ مصدرَ فُرقة، إذْ انتشرت الخُصُومات والتصفيات الجسدية بين أصحاب المِللِ والنِّحَلِ.
نقول: لو أنك قرأتَ قليلاً في تاريخ العلماء الأثبات الذين عاصروا دولة بني أمية لم تتفوه بـهذه الكلمات التي تدلُّ على جهلٍ شديدٍ بمواقفَ لا ينساها التاريخ مهما حاول المبطلون إخفاءها...
انظر إلى الإمام الثبت محمد بن مسلم بن شهاب الزهري جبل الحفظ والإتقان وهو من التابعين الأعلام في هذه الواقعة كمثالٍ وليس للحصر:
سأل هشامٌ بن عبد الملك سليمانَ بنَ يسارٍ عن تفسير قوله تعالى "والذي تولى كِبْرَهُ منهم له عذابٌ عظيمٌ"، فقال هشام: مَن الذي تولَّى كِبْرَهُ فيه؟ قال سليمان: هو عبدُ الله بنُ أُبَيِّ بنِ سلول، فقال هشام: كذبتَ؛ إنما هو عليُّ بنُ أبي طالبٍ –يريد هشام أن يختبرهم في شدتهم في الحق- فقال سليمانُ بنُ يسار: أمير المؤمنين أعلم بما يقول، ثم وصل الإمام الزهري فسأله هشام نفس السؤال فأجابه الإمام الزهري بنفس الإجابة، فقال له هشام: كذبتَ؛ إنما هو عليُّ بنُ أبي طالبٍ، قال الإمام الزهري وقد امتلأ غضبًا: أنا أكذب؟ لا أبا لك! فو الله لو ناداني منادٍ من السماء أنَّ الله أحلَّ الكذب ما كذبتُ، حدثني عروةُ وسعيدٌ وعُبَيدُ اللهِ وعلقمةُ عن عائشةَ أنَّ الذي تولَّى كِبْرَهُ منهم هو عبدُ اللهِ بنُ أُبَيٍّ.

هذه الواقعة رواها الإمام الشافعي رحمه الله تعالى، وإلا فيلزمك تكذيب هذا الإمام العَلَمَ والظهور أمام الناس على حقيقتك!
وما من قصة ترويها في هذا الشأن إلا ويقف العلماء الربَّانيون لك بالمرصاد لتحقيق البهتان والكذب في دعواك، والدَّعَاوَى يُحتجُّ لها لا يُحْتجُّ بها.
أما انتشار الخصومات والتصفيات الجسدية بين أصحاب الملل والنِّحَلِ فهذا مما لا يخفى على مدار التاريخ الإنساني كله؛ يستوي في هذا الإسلام و النصرانية، ولا يخفى علينا (محاكم التفتيش) التي كان أصحاب السلطة الدينية النصرانية ينصبونها لمخالفيهم في المذهب، واقرؤوا في هذا
(دمِّروا الإسلام أبيدوا أهله) لمؤلفه/ جلال العالم.
ولدينا من الأحاديث الباطلة والموضوعة في ذمِّ أو مدح شيخ أو إمام أو عالِمٍ الكثير والكثير مما استفاض العلم ببطلانه.


نـقـول: حـسـنًا، ومـا دخل (صـحـيـح) الإمـام البـخـاري فـي الجدل الدائر هذا؟
هل أنت شيعيٌّ فلا تعترف بالثقة في علماء السنة؟ هل تتفضل وتَحُلُّ النزاع بين السنة والشيعة؟ أم لا نأخذ بالأحاديث إلى أن تنتهي المحكمة من البَتِّ في هذه القضية؟!

أو –لنستريح- نلقي بصحيح البخاري في البحر!

أيها المسلمون، خذوا بنصيحة هذا المشفق الجاهل:
لا تقرؤوا الفاتحة في الصلاة، ولا التشهد، ولا تسلموا عن اليمين أو اليسار، ولا تكبروا في بداية الصلاة؛ بل لا تُصَلُّوا أصلاً لأن عدد الركعات لا يثبت إلا بالسنة!
لا تأكلوا الكبد ولا الطحال ولا السمك أساسًا لأن الميتة كلها حرام ولا نعلم حِلَّ السمك إلا بالسنة... وهكذا.

لا تُخرِجُوا الزكاة بمقاديرها المعلومة، ولا تؤدوا مناسك الحج، ولكم أيها الرجال أن تجمعوا بين المرأة وعمتها في الزواج أو المرأة وخالتها...

وكل هذا لأنَّ الأحاديث التي تفيد هذا لا تثبت كما يقول هذا المشفق الجاهل!


قال: فقد روى الصحابةُ- وليس كلُّهم عُدُولاً أو ثُقاتٍ- الكثيرَ عن الأحاديث، ونسبُوها إلى الرسُول.


نقول: أُفٍّ ثم أُفٍّ لهذه العقول الخربة! الصحابة ليس (كلهم) عدولاً أو ثقاتٍ؟


مَن منهم إذاً تختاره ليكون عدلاً أو ثقةً؟


أراك اختصرتَ الطريق وتجاوزتَ البخاريَّ وقفزتَ إلى مأربك لتطعن في الصحابة كما ظهر هذا منك بمقالك الأول وتم الرد عليك فيه!


منهج أهل السنة والجماعة الذي هو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه القول بعدم عصمة أحدٍ من البشر إلا الأنبياء، والفارق كبير بين قولنا إنهم غير معصومين وبين قولنا إنهم غير ثقاتٍ أو غير عدول..


فالأول يعني إمكانية وقوع الخطأ من بعضهم ولو عن قصد، وهذا واضح من وقوع البعض في الزنا أو السرقة أو شرب الخمر، ولكنها ليست ظاهرة عامة في الصحابة، لذا هم أفضل جيل على الإطلاق من حيث الجملة.


والثاني يعني الطعن فيهم فيما ينقلونه من أمور الدين عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا المعنى مأثور عن الشيعة.


وقد قال ابن كثير: أهل السنة والجماعة يقولون في كل فعل وقول لم يثبت عن الصحابة: هو بدعة؛ لأنه لو كان خيرًا لسبقونا إليه، لأنهم لم يتركوا خصلة من خصال الخير إلا وقد بادروا إليها. انتهى.
وقال ابن القيِّم في (مفتاح دار السعادة): 
"قد يغلط في مسمى العدالة فيظن أن المراد بالعدل مَنْ لا ذنب له، وليس كذلك؛ بل هو عدل مؤتمن على الدين، وإن كان منه ما يتوب إلى الله منه، فإن هذا لا ينافي العدالة كما لا ينافي الإيمان والولاية" انتهى.
ومع ذلك فلا بدَّ من النظر في غرض من يُخطِّئُ أحدًا من الصحابة، فإن كان مراده ما سبق بيانه من نفي العصمة عن آحادهم، فهذا حق. وأمَّا إن اتُخِذ ذلك سبيلاً إلى سبهم والطعن فيهم أو انتقاصهم حقهم، فهذا من علامات أهل الشقاق والنفاق.

قال: فمع ظاهرة العنعنة، أي النقل عن فلان حتى تطولَ سلسلة (عن) جعل كثيرًا من الأحاديث منافية أو مجافية للعقلِ والنفس، وضعيفة، أو مشكوكًا في صحتها.


نقول: هذه الكلمات كلها وردت بمقالك الأول فلا داعي للإعادة، وليراجعها مشكورًا من أراد الإفادة.



قال: كما أنَّ البخاري يُثبتُ في «صحيحه» أن المُعوذتيْن (سُورتي الفلق والناس) ليستا من القرآن نقلاً عن عبد الله بن عباس: (قل أعوذ برب الفلق، من شر ما خلق، ومن شر غاسقٍ إذا وقب، ومن شر النفاثات في العقد، ومن شر حاسدٍ إذا حسد)، و(قل أعوذ برب الناس، ملك الناس، إله الناس، من شر الوسواس الخناس، الذي يوسوس في صدور الناس، من الجِنَّة والناس).


نقول: أولاً: لم ينقل الإمام البخاري عن (ابن عباس) وإنما عن (ابن مسعود)!


ثانيًا: فرق بين النقل وبين طعنك في صحة أحاديث صحيح البخاري؛ فالسؤال هو: هل الإسناد في صحيح البخاري إلى ابن مسعود صحيح أم غير صحيح؟


إن كان غير صحـيح فالـكلام هنا موجـه لصحيح البخاري، وإن كان صحيحًا فلا تثريب عليه، ومثال هذا أن تقول أنت في شهادتك: رأيتُ فلانًا يشرب خمرًا، فهل العيب عليك أم على فـلانٍ هذا؟ ليـس فـي شـهـادتـك طـعـنٌ فـي هـذه الـحـال، وكذا نقول في هذا الإسناد إنه صحَّ إلى ابن مسعود رضي الله عنه.


ثالثًا: هل أخطأ عبد الله بن مسعود أم أصاب؟


الجواب هو بالتفصيل:


عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ثبت عنه بالتواتر –يعني: بالقطع دون شكٍّ- القرآن بالكامل وفيه إثبات المعوذتين، وعنه نقل الإمام عاصم –بواسطة زِرِّ بنِ حُبَيشٍ- الذي أخذ منه الإمام حفصٌ القراءة.


فهو يثبتها قراءةً ولا يثبتها كتابةً في مصحفه، لماذا؟


أجاب أهل العلم أنَّ السبب يرجع إلى علمه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يُعَوِّذُ بهما الحسن والحسين رضي الله عنهما كدعاءٍ، فكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يظنهما ليستا من القرآن وبالتالي فإنه كان (يحكهما) –كما في البخاري- من مصحفه لأنه لا يجوز بعد نهي النبي صلى الله عليه وسلم كتابةُ شيءٍ غير القرآن مع القرآن في صحيفة واحدة.


ثم لَمَّا تبين له أنهما من القرآن قال بهما مثل سائر إخوانه من الصحابة رضي الله عنهم ولم يخالفهم.


وأزيدك هنا ما رواه الإمام الترمذي والطحاوي والحاكم في المستدرك وهو في مصنف ابن أبي شيبة وعند البزَّار وغيرهم عن عبد الله بن عمروِ بن العاصِ رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: 


"خذوا القرآن من أربعة؛ عبد الله بن مسعود وأُبَيِّ بنِ كعبٍ ومعاذ بنِ جبلٍ وسالمٍ مولى أبي حذيفة".


ولم أورد هنا روايةً في البخاري أو مسلم لاعتراضك عليهما.

قال: أذكر هنا أن كثيرينَ من الأسلافِ انتقدوا كتاب (صحيح البخاري)، ولم يرمهم أحدٌ بالكُفر والخرُوج من المِلَّة: الإمام أحمد بن حنبل، الإمام الشافعي، ابن تيمية، ابن القيم، الترمذي، النسائي، وابن الجوزي، ابن حزم، وأسماء كثيرة من العلماء الأوائل.
وهناك أسماء أخرى موثُوقٌ في صدقها وعلمها مثل محمد عبده ومحمد رشيد رضا ومحمد الغزالي والألباني وسواهم من المعاصرين خلال القرن العشرين.
نقول: شرُّ البلية ما يضحك!
الإمام أحمد بن حنبل هو شيخ الإمام البخاري، والإمام محمد بن إدريس الشافعي شيخُ الإمام أحمد شيخِ الإمام البخاري، فمن أين أدركا (صحيح البخاري) حتى يطعنا فيه؟!

وللتوضيح نقول: توفي الإمام الشافعي سنة 204 هـ وكان وقتها الإمام البخاري ابن 10 سنوات!
ولا توجد رواية صحيحة تفيد أنَّ البخاريَّ عرض صحيحه على شيخه الإمام أحمد، والقول بأنهما انتقداه يحتاج إلى إسناد صحيح إليهما، فهاتِه.

وأمَّا مَن ذكرتَهم من العلماء غير المعاصرين- فلا يقول أحدهم إنه أعلم من الإمام البخاري بالحديث، وقد أطبق هؤلاء وغيرهم على إمامته.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (ليس تحت أديم السماء كتاب أصح من البخاري ومسلم بعد القرآن).انتهى.


قال الحافظ ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه (الطرق الحكمية):
"وذَكَرَ البخاريُّ في تاريخه أن عبد الله بن الخليل لا يُتَابَعُ على هذا الحديث، وهذا يوافـق قول أحمد: إنه حديث منكر".
فانظر كيف يستشهد الإمام ابن القيم بكلامِ وحُكْمِ الإمام البخاري، فكيف ينتقد كتابه الصحيح؟!

أمَّا الترمذي فكثيرًا ما تجده يقول: وسألتُ عنه يعني حديثًا ما- محمدَ بن إسماعيل فقال: حسن، أو قال: حسن صحيح، أو قال غير ذلك، فيأخذ الترمذي من شيخه البخاري قوله ويعمل به، فمن أين أتيت بانتقاد الترمذي للبخاري؟

والإمام أبو الفرج ابن الجوزي ردَّ العلماء عليه أحاديثَ في البخاري أوردها هو في كتابه (الموضوعات)، مع حفظه وإتقانه رحمه الله تعالى.


والإمام الحافظ ابن حزم الأندلسي رحمه الله تعالى انتقد على الإمام البخاري حديثَ هشام بن عمَّار في تحريم المعازف، وسبب انتقاده إياه هو قول الإمام البخاري (قال هشام بن عمَّار) بدلاً من (حدثنا) أو (حدثني)، والعلماء لهم ردود على الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى، وقالوا بالتحقيق إنه أخطأ لأنَّ هشامًا هذا من شيوخ الإمام البخاري، وحتى الذين قالوا بأنَّ البخاريَّ لم يسمعه من هشام جزموا بصحته على أساس تعليق البخاري إياه بصيغة الجزم (قال هشام)، والحديث المعلق في البخاري بصيغة هو صحيح عنده إلى مَن علَّقه عليه.


ثم نأتي للمعاصرين، ونبدأ بالشيخ/ محمد رشيد رضا، فنقول:
إنَّ الشيخ رحمه الله تعالى- من أبرز تلاميذ المدرسة العقلانية التي أسسها جمال الدين الأفغاني ثم تلاه تلميذه محمد عبده الذي استقى منه الشيخ/ رشيد رضا رفضه لأي حديث يخالف العقل وهذا ينطبق أيضًا على الشيخ/ محمد الغزالي وسيأتي كلامه بما يدعم هذا- بل ذهب الشيخ/ رشيد لأبعد من هذا وقال بما لم يقل به المعتزلة الأوائل من تقديم العقل على النقل بهذه الطريقة؛ إذ يصرح في مجلته (المنار) بقوله هذا:
"وإن في البخاري أحاديث في أمور العادات والغرائز، ليست من أصول الدين ولا فروعه  وأنه ليست من أصول الإيمان، ولا من أركان الإسلام أن يؤمن المسلم بكل حديث رواه البخاري، مهما يكن موضوعه". كذا قال!


وهكذا يُخْرِجُ أفعالَ النبي صلى الله عليه وسلم من الدين، والله عز وجل يقول في كتابه "لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنةٌ"، وهذا نص عام، وقد كان الصحابة يقتدون بالنبي صلى الله عليه وسلم في عامة أحواله ، فلما وُضِعَ حيوان اسمه الضب على مائدته ولم يأكله تركوا الأكل حتى أخبرهم بعلة تركه، وهذا أنس بن مالك لم يزل يحب الدُّبَّاءَ منذ رأى النبي صلى الله عليه وسلم يحبه. 


ولم يقتصر كلام الشيخ/ رشيد رضا في وجوب مخالفة ونبذ الشرع الذي جاء بالأحاديث كما قد يتوهم البعض- بل تجاوزه إلى الطعن صراحةً في القرآن الكريم واعتبره حاجزًا يحول دون إقبال الكفار على الإيمان بهذا الدين العظيم، وانظر هذا في قوله في (تفسير المنار):
"ولولا حكاية القرآن لآيات الله التي أيد بها موسى وعيسى عليهما السلام، لكان إقبال الإفرنج عليه أكثر واهتداؤهم به أعم وأسرع"!
وهذا الكلام باختصار هدم للدين وإيغال في العقلانية والاعتزال بتقديمه العقل على النقل.
وقد نقل رشيد رضا في تفسير المنار عن شيخه محمد عبده قوله :
"وأما ما ورد في حديث مريم و عيسى، من أن الشيطان لم يلمسهما، وحديث إسلام شيطان النبي صلى الله عليه وسلم، وإزالة حظ الشيطان من قلبه صلى الله عليه وسلم، فهو من الأخبار الظنية، لأنه من رواية الآحاد، ولما كان موضوعُها عالَمَ الغيب من قـسـم العـقائـد، و هي لا يـؤخـذ فـيهـا بالـظـن، لـقـوله تعالى :«وإنَّ الظنَّ لا يغني من الحقِّ شيئًا»، فإننا غير مكلفين بالإيمان بمضمون تلك الأحاديث في عقائدنا"!
فهذا إنكار لثلاثة أحاديث صحيحة متفق عليها؛ اتفق أهل الصنعة على تصحيحها، وإنكار حديثٍ واحدٍ صحيحٍ بعد علمه بصحته هو كفرٌ بالله لتكذيبه النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف بإنكار عدد كبير من الأحاديث الصحيحة كما هو شأن محمد عبده وتلميذه محمد رشيد رضا؟ فإن كان عندهما علم فلا خير في علم لا يقود صاحبه إلى السنة، ويجعله جريئًا على أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حسبنا الله ونعم الوكيل، هكذا يكون اتِّباعُ خطوات الشيطان؛ من طعن في السنة إلى طعن في القرآن؛ بل إنه من المعروف لهذه المدرسة العقلانية إنكارها لواقعة سحر النبي صلى الله عليه وسلم، وإنكارها لخروج المهدي وغيرها من المسائل المتواترة عند أهل العلم!


ويجدر هنا الإشارة إلى شطحات الدكتور/ مصطفى محمود صاحب حلقات العلم والإيمان والتي ذهب فيها إلى إنكار الجنة والنار وعذاب القبر وغيرها صراحةً دون مواربة، وكلامه في هذه المسائل ثابت في كتبه المبثوثة والتي قام بالردِّ عليها بعض الشيوخ الأفاضل؛ ومنها كتاب
"شطحات الدكتور مصطفى محمود في تفسيراته العصرية للقرآن الكريم".


ثم نأتي للشيخ/ محمد الغزالي المعتزلي العقلاني الذي لهث محاولاً اللحاق بذيل هذا الركب الذي طعن في دين الله المتمثل في الكتاب والسنة، فتراه يصرح في مقدمة كتابه (فقه السيرة) بتحقيق الشيخ/ الألباني- بقوله:
"قد يختلف علماء السنة في تصحيح حديث أو تضعيفه، ويرى الشيخ ناصر بعد تمحيصه للأسانيد- أنَّ الحديث ضعيف، وللرجل من رسوخ قدمه في السنة ما يعطيه هذا الحق، أو قد يكون الحديثُ ضعيفًا عند جمهرة المحدثين، لكني أنا أنظر إلى متن الحديث فأجده متفقًا كلَّ الاتفاق مع آية من كتاب الله، أو أثرٍ من سنة صحيحة فلا أرى حرجًا من روايته، ولا أخشى ضيرًا من كتابته. إذ هو لم يأتِ بجديد في ميدان الأحكام والفضائل، ولم يزد أن يكون شرحًا لما تقرر من قبل في الأصول المتيقنة،... (ثم ساق الغزالي مثالاً لحديث قال الشيخ الألباني بتضعيفه رغم تحسين الترمذي له وتصحيح الحاكم إياه فقال الغزالي به لأنَّ الحديث موافق للشرع بصرف النظر عن ضعفه!
إلى أن قال: "وفي الوقت الذي فسحتُ فيه مكانًا لهذا الأثر على ما به- صددتُ عن إثبات رواية البخاري ومسلمٍ مثلاً للطريقة التي تمت بها غزوة بني المصطلق. فإن رواية الصحيحين تُشْعِرُ بأنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم باغت القوم وهم غارُّون يعني أخذهم على غِرَّة- ما عُرِضَتْ عليهم دعوةُ الإسلام، ولا بدا من جانبهم نكوصٌ، ولا عُرِفَ من أحوالهم ما يقلقُ.!.. إلى أن قال: "وسكنت نفسي إلى السياق الذي رواه ابن جرير، فهو على ضعفه الذي كشفه الأستاذ الشيخ/ ناصر- يتفق مع قواعد الإسلام المتيقنة، أنه لا عدوان إلا على الظالمين، أمَّا الغارُّون الوادعون فإنَّ اجتياحهم لا مساغ له... ثم ساق أمثلة أخرى يبين فيها سبب إعراضه عن أحاديث صحيحة ويعمل بالضعيف بدلاً منها.

نعود إلى كلامنا عن هذا الحديث الصحيح- الذي أعرض عنه الغزالي بمخالفته الشرع بزعمه- فنقول:
"بعد رجوع بني المصطلق من غزوةِ أحد فإنهم بدأوا يُجيِّشون الجيوش ضد الإسلام والمسلمين ولمدة عاميْنِ، واستعدوا للمعركة استعداداً كاملاً .. ولما وصل خبرهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قدَّر للموقف قدره، وجعل يفكّر في مواجهة هذه القبيلة، فبدأ بمراقبة حركات هذا العدو مراقبة شديدة، ثم أمر بريدة بن الحصيب بالذهاب إليهم ليعرف وجهتهم وقوَّتهم، فخرج مسرعًا حتى وصل عندهم فوجدهم قومًا مغرورين بأنفسهم وبما لديهم من القوة قد ألَّبُوا القبائل وجمعوا الجموع، فاتصل برئيسهم الحارث بن أبي ضرار، فسأله الحارث (ملك بني المصطلق): من الرجل؟ قال: رجل منكم، قدمت لما بلغني عن جمعكم لهذا الرجل - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم- فأسير في قومي ومن أطاعني، فتكون يدنا واحدة حتى نستأصله، فازداد فرح القوم بانضمام قوة جديدة إلى قوتهم، فقال له الحارث: فنحن على ذلك فعجّل علينا، قال بريدة: أركب الآن فآتيكم بجمع كثيف من قومي ومن أطاعني، فَسُرُّوا بذلك منه، فمضى إلى المدينة وأخبر المسلمين بأمرهم. انتهى من طبقات ابن سعد ومغازي الواقدي.

فليس الأمر كما زعم الزاعم، ولو أنَّه ردَّ الكلام إلى أولي العلم لاستفاد العلم الصحيح وما كان ليقع في هذا التخبط الذي دفعه دفعًا للإعراض عن السنة الصحيحة!
ومَن أراد الاستزادة حول بعض مواقف الشيخ/ الغزالي من السنة النبوية فليتفضل مشكورًا بقراءة كتاب الشيخ سلمان العودة واسمه
(حوار هادئ مع محمد الغزالي)، وفيه يردُّ على بعض ما أثاره الغزالي من شبهات حول السنة النبوية.

أمَّا الشيخ الإمام/ الألباني رحمه الله تعالى فليست له على الصحيحين أية انتقادات إلا كانتقادات مَن سبقه من العلماء أصحاب هذا الفن، وللعلماء أمثاله أن يأخذوا باجتهاداتهم دون تقليد غيرهم، ولذا نقول إنه لا يجوز انتقاد (صحيح البخاري) كما قلنا بالرد على مقالك الأول- إلا للعالم وليس للجاهل.
وإليكم البيان الأخير من الرد على الجزء الثاني من ثلاثية هذا المفتري الجاهل:

قال: يقول ابن الجوزي: وكل حديثٍ رأيته يخالفُ العقول، أو يُناقض الأصُول، فاعلم أنه موضوعٌ، فلا تتكلف اعتباره، أي: لا تعتبر رُواته، ولا تنظر في جرحهم
.
نقول: هذا الكلام موجه لأصحاب العقول السليمة التي انقادت للشرع، وليس للعقول الخربة التي تهاجم الشرع دون تثبت وليس لها من العلم أثارة وليس عندها مسكة من العقل، وهذا كما سبق من توضيح بعضٍ من مواقف محمد رشيد رضا ومحمد الغزالي السقا وغيرهما من السنة الصحيحة بمجرد أنهم يرون –عقلاً- عدمَ موافقتها للشرع!
والحديثُ المعتَرَضُ عليه في أول هذا المقال هو مثالٌ لما قصدنا قوله.
قال: وهنا أحاديث يعترفُ أهلُ السُّنة والجماعة بأنها من الأحاديثِ الموضوعةِ.
نقول: قبل الشروع في الكلام عن هذه الأحاديث يجب أن نبين أنَّ تعريف (أهل السنة والجماعة) ليس له دخل بالتصحيح والتضعيف ولكنه متعلق بالاعتقاد الصحيح؛ إذ قد يكون الرجل ليس منهم (أبو غُدَّة والغماري وأحمد عمر هاشم الصوفية) ولكنه ذو قدم راسخة في هذا العلم فيأخذ العلماء بقوله، وقد يكون من أهل السنة والجماعة وليس من أصحاب هذا الشأن فلا يلتفت العلماء إليه، فأهل مكة أدرى بشعابها.
والآن مع بيان درجة كلِّ حديث مما ساقه، ولا علاقة لهذه الأحاديث –إن صَحَّتِ النية- بانتقاد أحاديث البخاري، ولكنه يتكئ عليها لبيان أنه ثمة أحاديث غير صحيحة –كما في مقاله السابق- قد يقع البعض فيها ظانًّا صحتها، ولا يعلم المسكين أنَّ الله يقيض لهذه الأمة مَن يغربل وينقي ويفحص الغث من السمين، وإلا فليقل لنا من أين وصله علم أنها غير صحيحة، اللهم إلا أنه نقلها من كتاب (أحاديث لا تصح) لمؤلفه الشيخ/ سليمان بن صالح الخراشي، وهذا تقليد منه لناقلٍ عن (كتاب) من (كتب) السلف، فهو اعتمد على كتاب نقل عن كتب بينما رفض (صحيح البخاري) الذينقل تحديثًا وسماعًا، أفلا تعقلون؟!
أما الأحاديث التي ساقها، فإليكم بيان درجتها من الصحة أو الضعف كما وردت بكتب العلماء الأثبات سواء من المعاصرين أو القدامى، ونحن لا نقول من عندنا وإنما نسأل أهل الذِّكر كما أمرنا الله تعالى، فنورد كلَّ حديث ذكره في مقاله (بالخط المائل) ثم نضع حكم العلماء عليه تحته (بالخط القائم) ونصدره بقولنا (نقول).

يدعو الله الناس يوم القيامة بأمهاتهم سترًا من الله عليهم.

نقول: هذا الحديث منكر

ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا.

نقول: ضعيف

اتِّقِ شر من أحسنت إليه.

نقول: قال السخاوي: هو من كلام علي بن أبي طالب

أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار.

نقول: ضعيف

اقرأوا ياسين على موتاكم.

نقول: ضعيف

بَشِّرْ القاتل بالقتل ولو بعد حين.

نقول: قال السخاوي(وهو تلميذ ابن حجر العسقلاني): (لا أعرفه)

النظافة تدعو إلى الإيمان.

نقول: موضوع أو ضعيف جدًّا

جنِّبوا مساجدكم صبيانكم.

نقول: ضعيف جدًّا

الجنة تحت أقدام الأمهات.

نقول: اختلف فيه قول العلماء بين أنه موضوع أو لا أصل له أو ضعيف.

خذوا شَطْرَ دينكم عن هذه الحُمَيْرَاء.

نقول: موضوع.

ويحسن بنا هنا أن ننقل كلام الإمام الألباني الذي نأخذ به ويحتج به أيضًا صاحب هذه المقالات الذي يطعن في صحيح البخاري، يقول الشيخ الألباني رحمه الله تعالى ما نصه: 

"إننا بمثل هذا التخريج والتصفية نسد الطريق على بعض المبتدعة الضالة الجهلة الذين يحاربون الأحاديث النبوية وينكرون حجية السنة ويزعمون أن الإسلام ليس هو إلا القرآن ! ويسمون في بعض البلاد (القرآنيين). وليسوا من القرآن في شيء. ويلبسون على الجهال بقولهم : إن السنة غير محفوظة وإن بعضها ينقض بعضًا ويأتون على ذلك ببعض الأمثلة منها حديث: (خذوا شطر دينكم عن هذه الحميراء؛ يعني عائشة، ثم يعارضون به قوله  في النساء أنهن (ناقصات عقل ودين) ويقولون : انظروا كيف يصف النساء بالنقص في هذا الحديث ثم يأمر بأخذ شطر الدين من عائشة وهي متهمة في النقص! فإذا ما علم المسلم المتبصر في دينه أن الحديث الأول موضوع مكذوب على رسول الله  والحديث الآخر صحيح؛ زال التعارض المزعوم أولاً لأنه لا يصح في عقل عاقل -غير مجنون- معارضة الحديث الصحيح بالموضوع، وانكشف تلبيسهم وجهلهم وضلالهم. ثم إذا رجع إلى الحديث الآخر الصحيح ثانيًا وأخذه بتمامه من مصدره الموثوق به يتبين له أن النقص المذكور ليس إطلاقه كما يتعمد الدجالون أن يوهموا الناس وإسقاطًا منهم للسنة من قلوبهم زعموا وإنما هو أن المرأة لا تصلي ولا تصوم وهي حائض وأن شهادتها على النصف من شهادة الرجل؛ كما جاء تفسيره في الحديث نفسه في صحيح البخاري وغيره .)
 انتهى بلفظه للإفادة والردِّ على صاحب المقال.

خير الأمور أوسطها.

نقول: ضعيف

رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، قالوا: وما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد القلب.

نقول: لا أصل له؛ يعني ليس له إسناد صحيح

سيد القوم خادمهم.

نقول: ضعيف

الضرورات تبيح المحظورات.

نقول: هي قاعدة وليست حديثًا

كما تكونوا يولَّى عليكم.

نقول: ضعيف

كلمة حق أريد بها باطل.

نقول: هي من قول عليٍّ رضي الله عنه

لو أحسن أحدكم ظنه بحجر لنفعه.

نقول: موضوع

المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء.

نقول: لا أصل له، وإنما هو من كلام بعض الأطباء

من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدًا.

نقول: باطل

الناس على دين ملوكهم.

نقول: ليس بحديث

كان  يصافح النساء وعلى يده ثوب.

نقول: ضعيف

الدين المعاملة.

نقول: لا أصل له

لهم ما لنا وعليهم ما علينا؛ أي أهل الذمة.

نقول: باطل لا أصل له

نية المؤمن خير من عمله.

نقول: ضعيف

مَن حج ولم يزرني فقد جفاني.

مَن زار قبري وجبت له شفاعتي.
مَن زارني وزار إبراهيم في عام واحد دخل الجنة.
مَن حجّ حجة الإسلام وزار قبري، وغزا غزوة وصلى في بيت المقدس، لم يسأله الله عما افترض عليه.
نقول في هذه الأحاديث ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : 

(ليس في الأحاديث التي رويت بلفظ زيارة قبره حديث صحيح عند أهل المعرفة، ولم يخرج أرباب الصحيح شيئاً من ذلك، ولا أرباب السنن المعتمدة، كسنن أبي داود والنسائي والترمذي ونحوهم، ولا أهل المسانيد التي من هذا الجنس؛ كمسند أحمد وغيره، ولا في موطأ مالك، ولا مسند الشافعي ونحو ذلك شيء من ذلك، ولا احتج إمام من أئمة المسلمين -كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم- بحديث فيه ذكر زيارة قبره) انتهى كلامه رحمه الله تعالى، وبه نقول.


وإلى هنا بحمد الله تعالى ينتهي الردُّ على هذا الكاتب المغمور الذي طلب الشهرة بطعنه في شريعة الله تعالى، والله ليس بغافلٍ عنه.
وبإذن الله تعالى يكون الردُّ على الجزء الثالث –الأخير- من مقالاته هذه، سائلين اللهَ تعالى لنا وله الهداية والتوفيق.

الجزء الثالث من الرد 

هذا هو اللقاء الثالث والأخير- مع هذه المقالات الخبيثة التي أراد صاحبها الطعنَ في الإمام البخاري وصحيحه بكل الطرق.
وبإذن الله تعالى نقوم بالرد عليه في مقاله هذا بنفس الطريقة التي قمنا بها في مقاليه السابِقَيْنِ؛ فنُصَدِّر كلامه بكلمة (قال) وكلامنا في الرد عليه بكلمة (نقول)، وأيضًا من باب إحقاق الحق قمنا بإمالة كلامه إذ هو عن الحق مائل، وكتابة الردِّ عليه بالخط المعتدل القائم استبشارًا لعلنا نكون عند الله تعالى كذلك.
قال: ليس على قلبك قفل، ولستَ ناقصَ عقلٍ ولا دين، ولا تحتاج إلى مُرشدٍ أو مُعينٍ أو مُفْتٍ أو رجلٍ يصفونه بالفقيه أو العالم ليشرح لك دينك.
اذهبْ أنت مباشرةً إلى القرآن، فهو كتابك المُقدس الأول كمسلم. وأنت صاحبُ عقلٍ فلا تركنْه، ولا تتركْه يمشي في ركَابِ أحدٍ، وكما قال أبو العلاء المعرى: (فكلُّ عقلٍ نبيّ).

نقول: أمَّا أنه يجب على المسلم أن لا يكون على قلبه قُفْلٌ فهذا واجب ليستوعب أوامرَ ونواهيَ الله تعالى إليه ويعمل بها، ومسألة أنه ليس ناقصَ عقلٍ ولا دينٍ فهذه يشير بها إلى الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم والإمام أحمد وابن ماجه وغيرهم، وفي كلام صاحب المقال هذا إشارة إلى اعتماده الحديث وإن لم يقل إنه حديث، فانظر إلى كيفية أنه يكيل بمكيالين!
أمَّا أنَّ المسلم ليس في حاجة إلى مرشدٍ أو معينٍ أو مفتٍ أو فقيه أو عالِمٍ ليشرح له دينه، فهذا كلام ليس بكلام عاقلٍ أصلاً ويجب الإعراض عنه، إلا أننا مضطرون للكلام عنه لإيراده هنا، وإلا فقل لي بربِّكَ لماذا قال الله تعالى:(فاسألوا أهل الذِّكر إن كنتم لا تعلمون)؟
قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: هذه الآية وإن كان سببها خاصًّا بالسؤال عن حالة الرسل المتقدمين لأهل الذِّكر؛ وهم أهل العلم، فإنها عامة في كل مسألة من مسائل الدين؛ أصوله وفروعه إذا لم يكن عند الإنسان علمٌ منها أن يسأل مَن يعلمها، ففيه الأمر بالتعلم والسؤال لأهل العلم، وفي تخصيص السؤال بأهل الذِّكرِ والعلمِ نهيٌ عن سؤال المعروف بالجهل وعدم العلم، ونهيٌ له أن يتصدَّى لذلك. 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا سألوا إذ لم يعلموا؟ فإنما شفاء العِيِّ السؤالُ. رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه وصححه الشيخ الألباني رحمه الله تعالى.

وإذا كان من الممكن الاستغناء عن أهل العلم كما تزعم- فلماذا لا تستغنَى أنت بعقلك عن سؤال أهل الطبِّ إذا مرضتَ، ولماذا لا تستغنَى يا ذا العقل بعقلك هذا المزعوم عن سؤال أهل الهندسة إذا أردتَ تشييد بناية ونحوها؟ ولكنَّك ترى أنَّ الدِّين هو المطية السهلة!

ونصحك للمسلمين باقتحام كتاب الله تعالى دون شيء من معرفة بلغة عربية صحيحة أو شيء من علوم القرآن كالناسخ والمنسوخ و شيء من أصول الفقه للجمع أو الترجيح، وغيرها من علوم الآلة، فأرنا عالِمًا واحدًا سبقك إلى القول بهذا يا صاحبَ العقل، وإلا فأخبرني لماذا كان الصحابة يسألون النبي صلى الله عليه وسلم ولديهم اللغة العربية، ولماذا لم يكتفوا باللغة إلا إذا لم يكونوا استكملوا أدوات النظر في القرآن بأنفسهم؟

وأين نحن من قول الله تعالى (ولو ردُّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم)؟!
قال قتادة (الإمام التابعي) في تفسيرها: إلى علمائهم، ويقول الشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى: يعني: أهل العلم. ولم يخالف في هذا التفسير أحدٌ من أهل العلم.

ومن العجب استدلالك بكلامٍ لأبي العلاء المعري أعمى البصر والبصيرة، أليس هو القائل:
وإنِّي وإنْ كنتُ الأخيرَ زمانه *** لآتٍ بما لم تستطعهُ الأوائل؟
فيبدو أنك يا صاحب العقل- تريد من كل مسلمٍ أن يأتي بما لم يأتِ به الأوائل رضوان الله ورحمته عليهم من أهل السنة والجماعة، وأن يبتكر المسلم ويخترع في دين الله تعالى ما لم يُنَزِّل الله به سلطانًا!
أبو العلاء المعري هذا قال فيه أهل السنة وشبعوا، ولن أزيد هنا في استدلالي لِما أقول إلا باثنين من العلماء الذين أوردتَ أسماءهم في مقالك السابق مستدِلاًّ بهما؛ وهما: ابن الجوزي، وابن قيم الجوزية..
قال الإمام ابو الفرج ابن الجوزي في (تلبيس إبليس) في فصل أسماه (فيـمن لبَّس عليـهم إبليس حتى جحدوا البعث): وقـال أبو العـلاء المعري: حـيـــاة ثـم مـوت ثم بـعـث ... حـديـث خرافة يا أمَّ عمروٍ، وقال ابن الجوزي في موضع آخر: وأمَّا أبو العلاء المعري فأشعاره ظاهرة الإلحاد وكان يبالغ في عداوة الأنبياء، وقال في موضع ثالثٍ: ألا ترى إلى أول المعترضين وهو إبليس كيف ناظر فقال: أنا خيرٌ منه، وقول خليفته وهو أبو العلاء المعري: رأى منك ما لا يشتهي فتزندقا؟).
وقال الإمام ابن قيم الجوزية تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه (طريق الهجرتين): وممن كان على هذا المذهب أي الامتناع عن أكل الحيوان- أعمى البصر والبصيرة كلبُ مَعَرَّةِ النُّعمانِ المكنى بأبي العلاء المعري، فإنه امتنع من أكل الحيوان، زعم لظلمه بالإيلام والذبح!).

وأبو العلاء هذا نقرأ من شعره الكافر أنه يصرح بأن الحكم الأول والأخير يجب أن يكون للعقل فيقول :
جـاءت أحاديثُ إن صــحتْ فإن لها شـأنـًا ولـكن فيهـا ضـعـف إسنادِ
فشاور العقل واترك غيره هـــدرًا فالعقلُ خيرُ مشيٍر ضمّه النادي
أو قوله :
في كل أمرك تقليدٌ رضيتَ به حتى مقالك ربي واحدٌ أحدُ
وقــد أُمـرنـا بفـكـرٍ فـي بدائـعـه وإن تفكر فيه معشر لحدوا ؟


فهيَّا أيها المسلم كن كما يأمرك ويشير عليك صاحب هذا المقال كن- كأبي العلاء المعري وقم بتحكيم عقلك واترك شرع ربِّك!!

قال: عليكَ -إذن- أن تدقَّ الباب بيمينك، ولا تنتظرْ من أحدٍ أن يفعل ذلك بدلاً عنك، وأن تفتح الأبوابَ المغلقة، لتعرفَ ما الذى في الداخل، لابد أن تنكأ الجراح حتى لا تصبحَ عليلاً، لا تستطيعَ الحراك الجسدي أو العقلي أو النفسي.
نقول: إذا دققت يا هذا الباب بيمينك وأردتَ أن تفتح الأبواب المغلقة، فلا بُدَّ أن يكون دخولك صحيحًا وليس من التعدي ولا الجهل، والطريقة الصحيحة لذلك ليست إلا تحصيل أدوات العلم الصحيح والمعرفة بما هو لك وما هو عليك، أمَّا إذا دخلتَ البابَ وليست معك أدوات العلم فليس عليك إلا مراجعة الأسطر القليلة الماضية لتقرأ كيف دخل غيرك بهذه الطريقة ثم قال:
نـهـايـة إقـدام الـعـقـول عـقـال ****** وأكثر سعي العاملين ضلالُ
وأرواحنـا في وحشة من جسومـنا *** وحــاصـل دنـيــانـا أذىً ووبــالُ
ولم نستفدْ من بحثنا طول عمرنا *** سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا

فهذا حالُ مَنْ دخل الباب دون علمٍ ثم ضلَّ واعترف بذلك، فاحرص على ما ينفعك، وهل يُلامُ المسلم إذا سأل أهل الذِّكر؟!



قال: وكـلُّ هـذا وغيره، لا يتـأتّى إلا بإعمال العقل، والنظر عميقًا بقلب العـقل، ﭽ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ، فيما تركه لنا الأسلاف، لأنه اجتهادٌ بشري، وليس وحيًا مُوحَى لهم، هم مثلك يُخطئون ويصيبون، ولهم أجورهم من عند الله على ما اجتهدوا فيه.
نقول: إنَّ هذه الآية قولة حقٍّ أُرِيدَ بها باطلٌ، يريد أن يضرب كلام الله بعضه ببعض، والله يقول: ﭽ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ فكيف يأمرك الله تعالى بسؤال أهل الذِّكر والعمل بفتواهم به ثم هو يأمرك كما يزعم هذا- بالنظر فيما تركه لنا الأسلاف؟
هذا النظر والتعقيب والاستدراك لا يكون إلا للعلماء المحصلين لأدوات الاجتهاد والمعرفة، والذين عن طريقهم يتعلم الجاهل، وإلاَّ فكيف أنتقد شخصًا في تخصصه كالمهندس أو الطبيب أو غيرهما؟ أفلا نُعْمِل عقولنا في الهندسة والطب؟ وإلا فما وجه التفرقة وأكثرنا جاهل بالطب والهندسة والدين على حَدٍّ سواء؟
وهذا المتعالِمُ نفسه قال في مقاله السابق إنَّ الإمام الشافعيَّ انتقد صحيح البخاري، بينما أوضحنا أنَّ الإمام الشافعيَّ تُوفِّي وكان الإمام البخاري ابنَ عشر سنوات، أليس كلامه هذا بسبب اقتحامه الباب وكلامه فيما لا يحسنه؟!
وإذا كان هؤلاء الأسلاف بشرًا مثلَنا يخطئون ويصيبون ولا يُوحَى إليهم، فمَن قال بعصمتهم؟ هذا القول بعصمة الأئمة لا يقول به إلا الشيعة وليس أهل السنة.
وإذا كان ولا بُدَّ من انتقادٍ يوجهه أحدٌ إلى كتبهم وكتاباتهم، فليكن ممن هو على قدرهم وليس من آحاد الناس الذين لم يبلغوا قدرَهم وفضلَهم.
ألا ترى أنَّ الدكتور/ أحمد زويل على قدر علمه ومكانته- لا يمكنه بناء بيتٍ مكون من طابقٍ واحدٍ ولا يمكنه الاعتراض على هندسة هذا البيت؟
ألا ترى أن الدكتور الجرَّاح الشهير/ مجدي يعقوب لا يمكنه إصلاح سيارته؟

ألا ترى أنَّ الشيخ/ الشعراوي لم يكن ليتمكن من معالجة مرض بسيط، بينما يتمكن من ذلك أحدُ حديثي التخرج في كلية الطب؟

قال: لا بُدَّ من إعادة قراءة الإرث الذى تركه الأولون، وأن نسائله بموضوعيةٍ، وننقِّحَه مما شابَهُ، بعيدًا عن التقديس الذي صار احترافًا في حياتنا.
نقول: من الصحيح؛ بل الواجب علينا إعادة قراءة الإرث الذي تركه الأولون، ولكن ليس على جهة المساءلة والتنقيح وإنما على جهة الاستفادة والتصحيح لمسار هذه الأمة لأنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وكُلُّ خيرٍ في اتِّباع مَن سلف وكلُّ شرٍّ في ابتداع مَن خلف.


وليتنا بدلاً من التنادي بمساءلة عظمائنا الأوائل نقوم بالتنادي بمساءلة الفراعنة وتنقية عقيدة هذه الأمة الإسلامية مما حلَّ بها من مصيبة تقديس الفراعنة الذين صرنا ننتسب إليهم رغبةً ورهبةً!
(مصر الفرعونية) (فريق الكرة الفرعوني) ( أحمد برادة الفرعون الصغير) (حضارة الفراعنة)...إلخ


ما هو الشيء الذي لم نفتخر بفرعونيتنا فيه ونتطاول به على سائر الأمم؟!


إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما رأى أحدَ الأنصار ينادي: "يا للأنصار"، والآخر ينادي: "يا للمهاجرين"، قال: دعوها؛ فإنها منتنة، ألا ما بال دعوى الجاهلية؟


أطلق عليها (دعوى الجاهلية)، وهي دعوة المهاجرين والأنصار الذين كانوا في سبيل الله ولم يكونوا من الفراعنة، فاليوم تدعو لمحاكمة عظمائنا الأوائل في فكرهم وتراثهم الذي قامت على أساسه خيرُ أمَّةٍ في حين نتباهى بانتسابنا للكفر؟!


أيُّ تقديس يقول به علماء المسلمين لتراث الآباء؟ 
إنهم لا يتركون صغيرة ولا كبيرة إلا وبحثوا عنها بتفتيش دقيق ثم هم يضعونها في محلها من القبول أو الرفض، بينما أحفاد الفراعنة يُقَدِّسون أجدادهم وينصبون تماثيلهم في مختلف الميادين! فهل رأيتَ تمثالاً لأبي بكر أو عمر أو للتابعين أو لأحدٍ من الأئمة؟


نهى الأئمة الأربعة (أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل) أتباعَهم عن الأخذ بأقوالهم، وأمروهم بالأخذ بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وما تراه اليوم ومن زمن- من هؤلاء الأتباع من تعصبهم لأئمتهم فإنما هو عن جهل منهم ومخالفة لكلام هؤلاء الأئمة الأعلام، وما وقع فيه عالِمٌ من هؤلاء الأعلام من خطأ فله أجر واحد لمحاولته إصابة الحق، وليس لأحد أن يقلده في خطئه.
قال: إذ صار كل ما هو مأثور من المورُوث مقدَّسًا لا يأتيه باطلٌ ولا زللٌ ولا خطأ من أية ناحية، بسبب الذين نصبوا أنفسهم حراسًا للدين، وهم الأبعد عنه، أو على الأقل يُتاجرون أو يشتغلون به، هادفين مصالح شخصية وأيديولوجية، عينُها على السلطة والسلطان، والمكانة والمكان، لأنَّ الله سبحانه وتعالى يحفظ كتابه ﭽ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ، ولا يحتاج إلى وسطاء أو مستشارين أو مدافعين عنه أو عن كتابه المبين، ولا إلى سلطة دينية جائعة للسفك والقتل وإحلال الدم وتكفير المسلمين، تتعسَّف على الأرض بالبشر

.
نقول: إنَّ كلَّ مأثور موروث إذا كان هو كتابَ الله أو سنة النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة فهو بالفعل مقدَّسٌ ومنزه عن الخطأ ونحتج لذلك بالآية التي أوردتَها بنفسك من قوله تعالىﭽ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ، و (الذِّكرُ) هنا يشمل القرآن والسنة لأنَّ الله قال ﭽ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ، قال الثعالبي في تفسيره: (فما أحلَّ صلى الله عليه وسلم أو حرَّم ولم يوجد في القرآن نصًّا فهو مما بيَّن من مجمل القرآن)، وقال الشيخ الشعراوي: (أي أنَّ هناك من الأمور العقدية التي أنزلها الحقُّ مجملةً في القرآن وفصَّلها للمؤمنين رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بتكليف من الحق، وطاعةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم واجبة بنصِّ القرآن وهي ضمنُ طاعة الحقِّ سبحانه وتعالى). 
قال الإمام القرطبيُّ: (جعل اللهُ- إلى العلماء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم استنباطَ ما نبَّه على معانيه وأشار إلى أصوله ليتوصلوا بالاجتهاد فيه إلى علم المراد فيمتازوا بذلك عن غيرهم ويختصوا بثواب اجتهادهم). 
وقال أيضًا القرطبيُّ- في موضع آخر: (فبيَّن صلى الله عليه وسلم مواقيتَ الصلاةِ وعددَ الركعات والسجدات وصفةَ جميع الصلوات فرضَها وسننَها وما لا تصح الصلاةُ إلا به من الفرائضِ وما يستحبُّ فيها من السنن والفضائل). 

حتَّى رشيد رضا الذي يعجبك قولُه قال في تفسير هذه الآية بعكس قولك ورضاك؛ إذ قال: (إنَّ الله تعالى شرع لنا عبادةَ الصلاةِ وأمرنا بها، ولكنه لم يبين لنا في الكتاب كيفيتها وعدد ركعاتها ولا ركوعها وسجودها ولا تحديد أوقاتها، فبيَّنها الرسول H بأمره تعالى إيَّاه بذلك في مثل قوله ..... الآية المذكورة). 
وقال رشيد رضا في موضع آخر: (والجمهور يعني: أكثر العلماء- على أنَّ الأحكام الشرعية الواردةَ في السنة مُوحَى بها، وأنَّ الوحيَ ليس محصورًا في القرآن). 
وقال الشيخ المراغي: (واتِّباعُ الرسول صلى الله عليه وسلم فيما صحَّ عنه من بيان الدين داخلٌ في عموم ما أنزل إلينا على رسوله صلى الله عليه وسلم، لأنه تعالى أمرنا باتِّباعهِ وطاعتهِ وأخبرنا أنه مُبَيِّنٌ لما نُزِّلَ إليه)، ويطول بنا الأمر إذا ذهبنا نستقصي أقول العلماء في بيان أنَّ السنة هي المبينة للقرآن وأنَّ الواجب علينا أن نتبعها ونعمل بها. 

وإذا كان القرآن لا يحتاج لمستشارين أو مدافعين عنه كما تقول- فلماذا تتعب نفسك وتدافع بهذه الهِمَّةِ وتهاجم بهذه الشراسة؟ فاجلس في بيتك والله غنيٌُ عنك.

أمَّا أن تتهم الناس في نيَّاتهم وتقول إنهم يتاجرون بالدين ويبتغون المناصِبَ من وراء هذا، فالله أعلم بالنِّيَّاتِ ولم يجعل أحدًا من خلقه رقيبًا على أحدٍ، ونحن نعامل الناس بالظاهر والله يتولَّى السرائر، فاشغل نفسَكَ بنفسِكَ واجعل عملَك في مرضاةِ ربِّك، ونحن لسنا ولا نشجع- مَن يقوم بالقتل وسفك الدماء بغير حقٍّ، وهؤلاء حسابهم على الله وليس من شغلنا حسابهم.


قال: عندما أدعو إلى تجريد كتب الأحاديث، وتحديدًا (صحيحالبخاري، وتنقيته، وغربلته؛ لندرك النفيس الصحيح من الخبيث الخسيس، وعدم تقديسه، إذْ لا سلطة للفقهاء على من يقرأ ويبحث ويكشف ويتمثل ويفهم ويفقه، وأنا هنا -ودائمًا- لا أخلط بين دور الله ودور رسوله. ﭽ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮰ .
نقول: ليست هذه الدعوةُ من شأنِكَ، وليس هنا دعوةٌ أصلاً، وإنما يقوم العلماءُ الراسخون في العلم ببيان المقبول من المردود وليس على سبيل التظاهر في جماعات ولكنْ يقومون بها وقتما يظهر لهم ضعفٌ ما لحديثٍ معين، فليس المسألة مظاهرات ولا مطالبات لأنَّ هذا ليس من شأن الغوغاء ولا جماهير الشعب، فانتبه!
ومَن يبقى من الناس إذا قام العالِمُ والجاهلُ بالتنقية والتمحيص؟ الكُلُّ ينقي ويغربل، فمَن يبقى ليستفيد ويعلم؟ أليس هذا من التناقض؟

المفترض أن يقوم العلماء بهذا ثم يتعلم الجاهل ما وصلوا إليه من نتيجة، وليس عليه أكثر من هذا.

ثم انظر إلى التناقض بين قولك: (أدعو إلى .... لندرك النفيس.....) وقولك: (إذ لا سلطة للفقهاء على مَن يقرأ....)!!
مَن هو الذي تدعوه للتنقية؟ بالتأكيد تدعو العلماء.
مَن الذي تريد أن يدرك النفيس....إلخ؟ بالتأكيد الجُهَّال، أليس كذلك؟
إذًا سيكون بالضرورة هناك سلطة للفقهاء على مَن يقرأ ويبحث.. إلخ كلامك.

وأسألك سؤالاً هنا: إذا أردتَ أنت أو غيرك معرفة وتنقيح الصحيح من الضعيف في البخاري كما تزعم- أو غيره، فكيف ستعلم الصحة من الضعف؟ بالرجوع إلى كتب الرجال لتعرف الراوي الثقة من غير الثقة فيه كما تكلمنا عنه بمقالك السابق عن طعنك في الرجال.

بمعنىً أوضح: ستقوم بتقليد الحافظ ابن حجر العسقلاني أو مَن قبله من الحفاظ الأئمة كابن دقيق العيد أو العراقي أو مَن قبلهم كابن الصلاح أو النووي أو حتى تصل إلى الحافظ الدارقطني وقد تحتاج أن تصل إلى يحيى بن معين وعليِّ بن المديني...
بالضرورة لن تستغني عن تقليد شخص ما من الفقهاء هؤلاء الذين تدعو إلى الفرار من سيطرتهم، فكيف تنهى عن شيء وتأتي مثله؟!

والعجب من قولك: لا أخلط بين (دور الله) و (دور رسوله صلى الله عليه وسلم)، هل الله له دور ثم ينتهي؟ هذا من إساءة الأدب مع الله تعالى لجهلك بما يجب وما يستحيل في حقِّ الله تعالى، ومن إلحادك في صفات الله!

الله هو (القَيُّوم)، ومعناها: الذي لا زوال له وأنه القائم على كلِّ شيء، فكيف يكون له دور ثم ينتهي؟

أمَّا أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلمله دور، فدوره لا ينتهي بموته؛ بل يجب على المسلمين التحاكمُ إلى سنته صلى الله عليه وسلمبعد وفاته.
ومن الواضح بالأدلة التي سقناها وأقوال العلماء المستنبطة منها أنك تخلط ولا تفصل بين ما يجوز لله وما يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا لأنك أتيت الباب بالخطأ.

قال: لقد ظل المسلمون قرنًا من الزمان لا يكتبون أحاديث الرسول مكتفين بالقرآن (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَنَحْنُ نَكْتُبُ الأَحَادِيثَ، فَقَالَ: «مَا هَذَا الَّذِى تَكْتُبُونَ؟ قُلْنَا: أَحَادِيثَ نَسْمَعُهَا مِنْكَ، قَالَ: (كِتَابٌ غَيْرَ كِتَابِ اللَّهِ؟! أَتَدْرُونَ مَا ضَلَّ الأُمَمَ قَبْلَكُمْ؟ أَلا بِمَا اكْتَتَبُوا مِنَ الْكُتُبِ مَعَ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى). قُلْنَا: أَنُحَدِّثُ عَنْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (حَدِّثُوا عَنِّى وَلا حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ). قُلْنَا: فَنَتَحَدَّثُ عَنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: (حَدِّثُوا وَلا حَرَجَ، فَإِنَّكُمْ لَمْ تُحَدِّثُوا عَنْهُمْ بِشَيْءٍ إِلا وَقَدْ كَانَ فِيهِمْ أَعْجَبُ مِنْهُ). قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَجَمَعْنَاهَا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَأَلْقَيْنَاهَا فِي النَّارِ.
نقول: كلامك هذا غير صحيح بالمرة، وهذا يتضح بأنه كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كتابة من بعض أصحابه رضي الله عنهم، وثبت هذا في كتب السنة؛ فمن هذه الكتابات المعروفة:
(الصحيفة الصادقة) التي كتبها عبد الله بن عمرو بن العاصي، وقد انتقلت هذه الصحيفة إلى حفيده عمرو بن شُعَيبٍ، وأخرج الإمـام أحمد بن حنبل في مسنده من مسند عبد الله بن عمرو قسمًا كبيرًا من أحاديث هذه الصحيفة يرويها عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
(صحيفة عليِّ بن أبي طالبٍ) وهي صحيفة صغيرة تشتمل على العقل يعني: مقادير الدِّيَّات- وعلى أحكام فِكاكِ الأسير، وقد أخرج نبأها الإمام البخاري وغيره عن أبي جُحَيفةَ قال: قلتُ: هل عندكم كتاب؟ قال: لا، إلا كتاب الله، أو فَهْمٌ أعطيه رجلٌ مسلم أو ما في هذه الصحيفة، قلت: فما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل وفكاك الأسير وأن لا يُقْتَلَ مسلمٌ بكافرٍ.
(صحيفة سعد بن عبادة) فقد أخرج الترمذي في سننه عن ابن سعد بن عبادة قوله: وجدنا في كتاب سعدٍ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قضى بالشاهد واليمين.
(كتبه صلى الله عليه وسلم إلى عُمَّاله) فيما يتعلق بتدبير شئون الأقاليم الإسلامية وأحوالها وبيان أحكام الدين.
ثم أين أنت من حديث عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما إذ قال: كنتُ أكتب كلَّ شيءٍ أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أريد حفظه، فنهتني قريشٌ وقالوا: تكتب كلَّ شيء سمعتَه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشرٌ يتكلم بالغضب والرضا؟ فأمسكتُ عن الكتاب، فذكرتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأومأ بأصبعه إلى فيه وقال: اكتب، فو الذي نفسي بيده لا يخرج منه إلا الحق.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: اكتبوا لأبي شاة.
فهذه بعض الأحاديث التي تثبت وقوع الكتابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
ولا ننكر أنه ثمة أحاديث أخرى صحيحة وهذا شأن المنصف- أتت بمنعه صلى الله عليه وسلم أصحابَه من الكتابة كما ذكرتَ في احتجاجك من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وغيره من الصحابة.
ونذكر هنا كلام العلماء في التوفيق بين المنع والإباحة:
حكى الحافظ ابن حجر العسقلاني في (فتح الباري) أنَّ أحاديث الإباحة ناسخة لأحاديث المنع، وقال الإمام السيوطي: هذا منسوخ بالأحاديث الواردة في الإذن بالكتابة، وكان النهي حين خيف اختلاطه بالقرآن، فلما أُمِنَ ذلك أذن فيه، بينما ذهب غيرهما من العلماء كالإمام النووي وغيره إلى أنَّ النهي كان لمَن خيف اتِّكالُه على الكتاب وتفريطُه في الحفظ مع تمكنه منه، والإذن لمَن لا يتمكن من الحفظ، وذهب غيرهم من العلماء إلى أنَّ النهي متوجه إلى المنع من جمع القرآن والسنة في صحيفة واحدة.
والجمع بين الأحاديث المانعة والمبيحة- أولى من القول بأحدها دون الآخر، ومن هنا نرى أنه لا يثبت القول بالمنع وحده كما تقَدَّم.

وإنني بالفعل أتعجب من استدلالك بحديث لأبي هريرة رضي الله عنه بعد طعنك فيه وفي حفظه، اللهم إن كانت لك فيه حاجة!!

---


هناك 4 تعليقات:




  1. نعم البخاري ليس الها

    ولكن البخاري مجتهد

    و نحن لا نقول بان صحيحة

    صحيح بنسبة 100 في 100

    ولكنه اصح الكتب بعد

    كتاب الله المبارك

    وفي الدنيا لا توجد تجربة

    صحيحة 100 في 100

    ولكن نسبة الخطاء تكون صغيرة

    جدا 0.01 و كان كترت تصل 1

    طبعا في المئة

    ونحن لا نعبد البخاري و لا مسلم

    و لا نبي و لا ملك

    وانما نبعد الواحد القهار

    و البخاري هو اجتهد لكي

    يعطينا اصح اقوال النبي

    لكي نعبد الله عبادة صحيحة

    لا يعبد الا الله

    ولا يعبد الا بما شرعه

    -------

    ردحذف

  2. جزاك الله خيرا اخي
    فكما قال الإمام احمد : الذب عن السنة أعظم من الجهاد .
    فالبخاري ليس إلها ولا نبيا
    ولكنه رجل أقامه الله مع من أقام لحفظ دينه
    وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : لاتجتمع أمتي على ضلاله .
    فهذا المصنف العظيم قد أجمعت الأمة على صحته .

    ولكن من أراد الطعن في الدين لا يأتي مباشرة ولكن يقوم بالطعن في حملته
    فهذه هي خطتهم المفضوحة

    رفع الله قدر الإمام البخاري في أعلى عليين آمين

    ==

    ردحذف


  3. جزاك الله خيراً



    لقد والله كان ردك شافياً صافياً ضافياً كافياً وافياً.. أثلج صدري وسكب معينه على قلبي.. كم نحن نحتاج لإلقام الحجر والدمغ بالحجة على ما يكتب كل من يهرف بما لايعرف .. وليتهم كانوا ممن يعذر بالجهل فيُنبَّه ويتعلم ويرجع فيرضى ويتابع .. لكنّ الحاصل من كل ما يكتبون أنهم في الغالب يهرفون بما يهدفون به في النهاية إلى التشكيك في الحديث والزعم بأن دونهم القرآن فما وجدوا فيه من حلال استحلوه وما وجدوا فيه من حرام حرموه.. ومن وراء ذلك يريدون تشكيل تصور تاريخي للقرآن الكريم نفسه تنتهي أخباره وتتناهى أوامره وزواجره ويعتبر فيه بالمتشابه.. ثم يريدون البتّ المنبتّ الذي لا يقطعون به حكماً ولا يبقون به حكمة...



    والله المستعان ...








    ردحذف
  4. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    شكر الله لك أخي الفاضل نقلك ردودي الثلاثة على هذه المقالات الخبيثة، ولكن ألم يكن من الأفضل -لأمانة النقل- أن تعزوخا لصاحبها مشكورًا؟
    ثم إنني رأيت أنك في بعض المواضع منها لم تستكمل النقل، فرجاء التكرم مشكورًا بمراجعة المقال بالكامل لاستكماله.
    وبالنهاية أرجو أن تتكرم بحذف الارتباط التشعبي في بعض مواضع من هذه الردود؛ والتي هي غشارة لمكان نقلك من منتديات داماس.
    غفر الله لنا ولك وأحسن إلينا وإليك.
    محبك وأخوك في الله:
    يحيى صالح أبو أدهم
    ويمكنك تشريفي بصفحتي على الفيس بالاسم المذكور.
    وكذا يمكنك تشريفي بصفحتي على إسلام ويب باسم /يحيى صالح للاطلاع ععلى بعض شروحي الصوتية ونشرها هنا لنفع المسلمين:
    http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=lecview&sid=2107
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    ردحذف