الجمعة، 14 يونيو 2019

اقتلوا المصلحين بدولتكم.. إنَّهم أناسٌ يتطهَّرون

مصعب الاحرار
"فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ" ليس بغريب في دنيا البشر أن تكون التهمة هي التطهُر وأن تكون الجريمة هي الشرف وأن تكون الجناية هي السعي لكرامة الأمم ورفعة الشعوب وأن تكون أعظم الجرائم أن تكون في زمرة الطاهرين الصادقين العفيفين، فكيف لا وهم البشر الضالون الحائرون الذين عربد فيهم الظلم والاستبداد.

لقد ظلت سنة التدافع تحكم هذا الوجود البشري منذ القِدم وأعظم نعمة علينا هي كتابُ الله تعالى الذي وضح لنا مسيرة الامم والشعوب وأن الحق دائماً ينتصر ولو بعد حين؛ وأن ما تشهده أمتنا الإسلامية اليوم من ظلم وتنكيل بخيرة رجال امتها من العلماء والمتطهرين ليس أمراً جديداً في سير البشر وخطوهم وفي طريق الدعوة ومسيرتها؛ إنه امتداد لصنعة إبراهيم عليه السلام في الثورة على الوثن أيّاً كان. وقد صدق الله بقوله: "الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ" (الحج 40).

إن الله الذي طهر الكعبة من وثن الأصنام الحجرية في القلوب قادر على تطهير القلوب من وثن الاستبداد السياسي وكهنوت الملك متى ما عربد؛ وقد قضى الله أن يمتد كفاح هذه الأمة بعلمائها ومؤمنيها إلى يوم القيامة لا ريب فيه؛ ومسيرة الفداء ممتدة طوال الزمان ما دام في الأرض ظلم وعدل والخوف أبداً لا يكون على أهل الإيمان فهم على ثقة من طريقهم؛ وكما عبّر عن خلود الكفاح الشاعر والفيلسوف محمد إقبال قائلاً:

ألفُ إبراهيم في النار إغتدى
لسراجٍ يرتجى من أحمدا
الشيخ سلمان العودة والمفكر والداعية علي العمري وأمثالهم كثيرون هم نموذج لامتداد سنة إبراهيم الخليل في مقاومة الأوثان والظالمين في الأرض والجبارين فيها؛ إنه لا خوف عليهم كما لم نخاف على مصير سيدنا الخليل
وكما عبّر عن ثقة المؤمنين شهيد الظلال سيد قطب قائلا في قصيدته الشهيرة:

وإني على ثقة من طريقي
إلى الله ربي الثناء والشروقِ
فإن عافني السّوق او عاقني
فإني أمين لعهدِ الوثيقِ

إن الشيخ سلمان العودة والمفكر والداعية علي العمري وأمثالهم كثيرون هم نموذج لامتداد سنة إبراهيم الخليل في مقاومة الأوثان والظالمين في الأرض والجبارين فيها؛ إنه لا خوف عليهم كما لم نخاف على مصير سيدنا الخليل إبراهيم ولا مصير خاتم الأنبياء والمرسلين ولا مصير المؤمنين الذي قضوا نحبهم في الأرض سعياً ومجاهدة لخير البشرية في الأرض وتخليصها من أوثان الظلم وأوثان الخرافة وأوثان الاستبداد؛ والله يقول: "مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (الأحزاب 23)؛ ويقول أيضاً مبيناً أن الخوف لا يكون على المؤمنين فهم أولياء الله والله وليهم "أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" (يونس 62).

إن قوم لوطٍ لمّا كذبوا رسولهم وارادوا إخراجه والتنكيل به هو وآل لوط قدموا لهم تهمة هي شرف البشرية كلها ؛ لكنها عندهم أعظم تهمة وجريمة لان نفوسهم خبيثة لا تعرف الطُهر ولا تعرف الشرف؛ إنهم قالوا بلا خجل ولا وجل ولا فطرة: "فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ"(النمل 56).

أي ندالة وأي خيبة وأي قاع يصل له أمثال هؤلاء؛ كيف مرضت نفوسهم للحد الذي انقلبت فيه عندهم موازين الفطرة؛ وأي مستنقع آسن ودرك هابط وصولوا إليه؛ لكنها عادة الطغاة والمستكبرين ضيقي الأفق وماديي النظر وعمي البصيرة إلى يوم البعث؛ وكم صدق سيد قطب لما قال: "وبعض الحشرات يختنق برائحة الأزهار العبِقةِ ولا يستطيع العيش إلا في المقاذر؛ وكذلك المجرمون".

وهل يُنكل بسلمان العودة والعمري وأمثالهم في سجون القهر لشيء إلا لأنهم أطهارٌ في وسط خبثِ الاستبداد والظلم وكبت الحقوق الفطرية للبشر؛ وهل نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد؛ كلا بل الإيمان بالله عندهم هو أشد الجُرم والكفر بالمشاريع الصهيونية هو أعظم الكبائر؛ وحمل الخير للبشرية والعبادة هو أكبر الجنايات؛ ولا زال نص القرآن يسري في القلوب والآذان يقول "وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ ۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا" (الاسراء 17).

إن بلداننا العربية والإسلامية اليوم يُعد فيها الدفاع عن المظالم جريمة ويعد فيها الأمر بالمعروف شراً؛ بينما الشرف هو نشر الفجور والفِسق؛ والشرف هو معاضدة الظلم ودحر المظلومين ومعاونة بني صهيون على حق الإنسانية في الحرية والكرامة والعِز؛ هذا عند المستبدين في حواضر أوطاننا.
ا أرفع العودة لمّا قال مغرداً: "أيها الطاغيةُ أقصِر. فلن تكون أنت في كمال القوة ولن يكون خصمُك في كمال الضعف.. والدهر دول"
الجزيرة
 
إنّ عادة الطغاة هي العمى وفقدان البصيرة والوعي فهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ويحسبون أن قتل البشر قد ينجيهم ولا يستطيعون النظر أبعد مما يرون من تنكيل وتعذيب لقلة أفقهم ولبعدهم الشاسع عن معنى القرآن الذي يقرر أن الحياة ضئيلة في الأرض واسعة في الآخرة؛ فالظلمة لا يدركون هذا البعد العميق في الحياة البشريّة نسبة للغباء والتيه والغفلة والانغماس السحيق في شهوات الشيطان؛ فهم يرون الجرم في الطهارة ويرون الطاهرين العفيفين الصادقين أعظم المجرمين لأنهم تغطت عليهم معالم الرشد وكل ذلك ليهلكم الله هلاكاً شنيعاً ويستدرجهم من حيث لا يعلمون، كما قال الله: "قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ" (النحل 26).

ومن هنا فإن صراع الخير والشر سيظل ماضياً حتى يُجمع الأولين والآخرين في يوم الحساب ويوم الدين والإدانة؛ فالطغاة العمي وحدهم من يشعرون أن الأرض هي نهاية المطاف؛ أما المؤمنين فلهم حِسٌ فسيح نابع عن قناعة راسخة أنه لا مكان لدوام الظلم في الكون وأنه لابد لابد من يوم تعتلي فيه هامة الأحرار وتتنكس فيه أعلام الاستبداد؛ وكما قال الشاعر الجميل تميم البرغوثي:

لا بد يا مَن نجوا من ألفِ مذبحةٍ
أن تعتلوا كاهل الدنيا وتنتصروا

وكما قال العملاق والشهيد سيد قطب متحدثاً بلغةٍ رفيعة عن بعد الحياة الممتد أفسحُ من ضيق الأرض قائلا: "والموت ليس نهاية الرحلة، إنما هو مرحلةٌ في الطريق؛ وما يناله الإنسان من شيء في هذه الأرض ليس نصيبه كله، إنما هو قِسط من ذلك النصيب"، نعم نعم فالحياة ممتدة بعد الموت وهي اختبار للبشر وتصنيف لهم فكن في صف الاحرار والمصابرين ولا تكن في صف الطغاة المعاندين؛ وما أصدق وأرفع وأسمى قول الله حين قال: "وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا" (طه 111)؛ فالخيبة والخسارة لا ريب حالةٌ بالظالمين نكالاً في الدنيا والآخرة والدهر دول.

إن حكمة الله المكنونة لا تبدو لنظرِ البشر القاصرين؛ وإن هلاك الجبارين لهو أقرب مما نتصور لكنها العجلة عند البشر؛ أما المؤمن المطمئن لمصير الطغاة لهو بصير بالمشهد التدافعي مهما ظهرت من شواهد تدلُ على غلبةِ الباطل؛ إلا أنه انتفاش ظاهري مآله إلى الزوال والتقهر؛ وما أرفع العودة لمّا قال مغرداً: "أيها الطاغيةُ أقصِر. فلن تكون أنت في كمال القوة ولن يكون خصمُك في كمال الضعف.. والدهر دول". وما أرفع قولُ الله فوق ذلك كله لمّا قال: "بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ۚ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ" (الأنبياء 18).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق