كان الرئيس عبد السلام عارف ولا يزال نقطة مفصلية ( كامنة التمفصل ) في تاريخ العروبة والإسلام ، وعلى الرغم من أن عشاق الطغيان يصورون هذا الرجل رئيسا مفتقدا للكاريزما فإن الرئيس عبد السلام عارف كان بلا جدال أرفع العسكريين العرب ثقافة وفهما، وقد أتاح له هذا الفهم مروره بثلاث تجارب خاصة يندر اجتماعها في رئيس واحد.
التجربة الأولى : هي تجربة الغُربة المكتملة في المجتمع الألماني لمدة 5 سنوات (1951 ـ 1956) حيث عاش في ديسلدورف وتأثر ببيئتها وثقافتها وحضارتها التي تجمع بين الألمنة و الفرنسة كما تأثر بالسلوكيات الناشئة عن فلسفة الألمان المثالية وعملهم الجاد وإحاطتهم الواسعة بشئون الحياة، خاض الرئيس عبد السلام عارف هذه التجربة حين كانت ألمانيا تبني نفسها ولم تكن وصلت إلى أيه درجة من درجات التعالي على الأجانب ، بل ربما أن الوضع المالي للرئيس عبد السلام عارف في ذلك الوقت كان أفضل بكثير من الألمان بلا استثناء ، وهكذا فإنه تعلم و تثقف وتحضر من شرفة عالية ومن دون أن يُحس بأنه يخضع للغربيين أو باضطراره إلى تملقهم.
التجربة الثانية : هي تجربة السجن الجاد و الحقيقي وتحديد الإقامة والتعرض لحكم الإعدام وهي الفترة التي قضاها بعد أن كان قد أصبح الرجل الثاني في العراق ونائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للداخلية (1958) فإذا به بأوامر من عبد الكريم قاسم ينقل ليكون سفيرا في ألمانيا الغربية (1959) ويعود ليطمئن على والده فيُقبض عليه بتهمة تنظيم انقلاب ، ويصدر عليه حكم بالإعدام ثم يُخففه الرئيس قاسم إلى المؤبد ثم إلى تحديد الإقامة .
التجربة الثالثة : تتعلق بنقد الذات والنضج الانفعالي سنؤجل الحديث عنها إلى حينها لتأتي في سياقها من دون تأثير على الفهم التاريخي .
حدث الانقلاب البعثي - القومي على نظام عبد الكريم قاسم واستُدعى الرئيس عبد السلام عارف ليتولى رئاسة الجمهورية في 8 فبراير 1963 فيما اعتُبر انتصارا للبعث والقوميين المتحالفين معه تتوج بعد شهر بالضبط بانتصار آخر للبعث في سوريا فيما يُعرف بحركة 8 مارس 1963 التي جاء البعث من خلالها للسلطة في سوريا ولم يُغادرها منذ ذلك الوقت وإن حدثت انقلابات بعثية على البعث من داخل البعث نفسه كما هو معروف.
ها نحن في فبراير 1963 وقد أصبح للعراق رئيس جديد هو الرئيس عبد السلام عارف هو ثاني رؤسائها في عهد الجمهورية، وقد سبقه إلى رئاسة الجمهورية الفريق محمد نجيب الربيعي الذي كان يتولى هذه الرئاسة منذ نجح انقلاب عبد الكريم قاسم والرئيس عبد السلام عارف في 14 يوليو 1958 فقد كان عبد الكريم قاسم قائدا للثورة ولمجلسها ورئيسا للوزراء لكنه لم يكن رئيسا للجمهورية. وقد عقد البعثيون المعروفون براديكاليتهم الاستئصالية محاكمة فورية لعبد الكريم قاسم وأعدموه وكان هذا متوقعا نتيجة لعنفه معهم.
ومن المهم أن نبيّن للقارئ الذي لم يُعاصر تصنيفات الستينات ما أصبح واضحا لنا الآن من الاتجاهات التي اضطرب حكم العراق فيما بينها في العهد الجمهوري:
ــ والقومي العربي هو الرئيس عبد السلام عارف نائبه في 14 يوليو 1958 والذي أصبح رئيسا للعراق في 8 فبراير 1963 من خلال الانقلاب على عبد الكريم قاسم
ــ والبعثي هو أحمد حسن البكر رئيس الوزراء في عهد عبد السلام عارف، ثم نائب رئيس الجمهورية في عهده، ثم رئيس الجمهورية بعد ذلك وقد حاول البعثيون الانقلاب على الرئيس عبد السلام عارف أكثر من مرة لكن الرئيس عبد السلام عارف سبقهم (وهو رئيس) في الانقلاب عليهم ، ولأن انقلاب صاحب السلطة لا يُسمّى انقلابا وإنما يسمى حركة تصحيحية فإن هذا ما حدث حين قاد الرئيس عبد السلام عارف "حركة تصحيحية " ضد شركائه البعثيين في 18 نوفمبر 1963 أي بعد 250 يوما (ثمانية شهور وعشرة أيام) من وصوله للرئاسة وقد عزل في هذه الحركة الوزراء البعثيين في حكومته وكانوا 12 وزيرا وأحل محلهم 12 من الضباط العسكريين الموالين له كي يستطيع أن يُسيطر على الأوضاع ، ومع أنه أحالهم جميعا للتحقيق فإنه استثنى رئيس الوزراء أحمد حسن البكر نفسه الذي أصبح فيما بعد خلفا لخلفه أي خلفا لأخيه عبد الرحمن عارف الذي هو ثاني رؤساء العراق، وأحمد حسن البكر هو ثالث رؤساء العراق و هو الذي كان الرئيس صدام نائبا له حتى 1979. ومن الطريف أن الرئيس عبد السلام عارف كان قد عاد بعد فترة وأعاد البكر لمنصب نائب رئيس الجمهورية بعد ان كان عزله من رئاسة الوزارة.
أما التوجه الرابع وهو الناصري فيُمثله عارف عبد الرزاق رئيس الوزراء في عهد الرئيس عبد السلام عارف الذي حاول الانقلاب على الرئيس عبد السلام عارف بالتحديد في 15 سبتمبر 1965، (قبل سبع شهور من وفاة عارف) ومع أن محاولته فشلت فقد لجأ إلى مصر، ثم إن أجهزة مصرية حاولت مرة أخرى أن يكون هو خليفة للرئيس عبد السلام عارف حسبما روى أمين هويدي في كتبه ونقلنا عنه إلا أن العراقيين كانوا قد فضلوا عبد الرحمن عارف على مرشحهم الآخر وهو الدكتور عبد الرحمن البزاز العلامة المفكر الذي كان رئيسا للوزراء ولم يتح للعراق أن يستفيد منه في موقع رئيس الجمهورية.
هكذا يمكن لنا أن نقول بكل وضوح إنه منذ فبراير 1963 وحتى سقوط بغداد في عهد صدام بعد أربعين عاما 2003 بدأت مرحلة تم تداول السلطة فيها بين البعثيين في أغلب الفترة وبين القوميين العرب من ذوي التوجه القومي الذين لم يكونوا يملكون تنظيما بقوة البعث وسطوته. أما في سوريا فإن السلطة تنقلت من بعث إلى بعث منذ مارس 1963 (بعد شهر من العراق) وحتى الآن بعد 55 عاما.
و ببساطة شديدة فقد كان هذان الحدثان العراق في فبراير 1963 والسوري في مارس 1963 البداية الحقيقية ، وغير المعلنة حتى الآن ، للانحسار النهائي للفكرة الناصرية والمد الناصري، وكل ما جاء ما بعدها من وجود ناصري هنا أو هناك لم يكن إلا بمثابة شذرات الناصرية التي صعدت ثم بدأت الانحسار بانفصال سوريا (سبتمبر 1961) ثم بدأت الانحسار النهائي بانقلابي العراق وسوريا في فبراير 1963 ومارس 1963.
لم يكن الرئيس عبد السلام عارف بعثيا لكنه التقى مع البعث في مساحات كثيرة، ولم يكن أيضا ناصريا لكنه التقى مع عبد الناصر في مساحات كثيرة ، أما حقيقة الرئيس عبد السلام عارف التي فقد حياته بسببها فهي أنه كان أقرب الزعماء العرب إلى التوجهات الإسلامية الموضوعية إذا صح هذا التعبير.
ومن الطريف الذي يتعمد كثيرون أن يقفزوا عليه أن الرئيس عبد السلام عارف هو الذي توسط في 1964 للمفكر سيد قطب من تلقاء نفسه عند عبد الناصر ليخرجه من السجن فأخرجه ، حدث هذا في 1964 ولم يتحمل عبد الناصر ومن هم وراء عبد الناصر من القوى الكبرى أن يبقى سيد قطب حرا ولا حيا، فإذا به يُسجن مرة أخرى في 1965 مُتهما بمؤامرة ضُخّمت معالمها، وقبل أن يصل سيد قطب إلى مرحلة الحكم عليه بالإعدام كان الرئيس عبد السلام عارف نفسه قد لقي مصرعه في حادث طائرة مريب على نحو ما يلقى أمثاله نهايتهم في أحداث مريبة.
نقفز إلى السؤال التاريخي التقليدي: ماذا بقي من عبد السلام عارف!
المذهل أننا نجد الإجابة على هذا السؤال تقول إن ما بقي من الرئيس عبد السلام عارف (فبراير 1963 ـ أبريل 1966) أي في ثمانية وثلاثين شهرا يفوق ما بقي من صدام حسين في سنوات طوال. كما أننا نجد الرئيس عبد السلام عارف قد سبق الرئيس جمال عبد الناصر بخطوات واسعة في مجال التنمية حتى أنه في 1965 بعد عامين من مسئوليته كان قد حقق من المؤسسات والتوجهات أكثر مما حققه جمال عبد الناصر في 11 عاما (1954 ـ 1965) ، ومن المفهوم بالطبع أن الرئيس عبد السلام عارف قد استفاد من نتائج تجربة عبد الناصر الجاهزة بعد تصفيتها من العيوب والمحاولات الفاشلة، لكن الإنصاف يقتضينا أن نقول إن عزم الرئيس عبد السلام عارف وجديته كانا يفوقان عزم عبد الناصر وجديته بمراحل كثيرة حتى مع كل ما تمتع به عبد الناصر من حماس ونفوذ وطاعة ومعاونين.
إذا قارنت أي مجال من مجالات التنمية الاجتماعية والاقتصادية فستجد آثار الرئيس عبد السلام عارف تفوق آثار كل العسكريين العرب وليس عبد الناصر وحده وهنا نأتي إلى التجربة الثالثة التي أشرت إليها سريعا في البداية و أجلت الحديث عنها.
حين بدأ الرئيس عبد السلام عارف علاقته بالسلطة كنائب لعبد الكريم قاسم ووزير للداخلية 1958 استعار من التاريخ الإسلامي صورة حكام المسلمين الأوائل الذين يسيرون بين الناس بأمان، ويتصرفون على طبيعتهم ، ويُحاولون ممارسة كل شيء بأنفسهم فإذا تحدثوا كانوا صُرحاء فضلا عن أن يكونوا صادقين، وإذا انتقدوا كانوا مباشرين بدلا من أن يكونوا متلطفين ...... وهكذا جلب الرئيس عبد السلام عارف لنفسه كل الانتقادات المعهودة في انتقاد السلوك العفوي مهما كان صاحب السلوك صادقا ومخلصا.. ونحن نعرف أن الزمن وحده يتكفل بأن يتحول هذا الانتقاد إلى سخرية وإلى ما هو أصعب أثرا من السخرية.
ثم مرّ الرئيس عبد السلام عارف بتجربة السجن، والابتعاد عن السلطة ، ورأى بنفسه وسمع الانتقادات الموجهة إلى تصرفاته ورأى في هذه الانتقادات كثيرا من المعقولية والمنطقية فأعاد ضبط سلوكه وتصرفاته على نحو يليق بالبروتوكول لا بالفلكلور ، وهكذا أصبح من أول أيامه في فترة حكمه كرئيس (1963 ـ 1966) رجلا مختلفا تماما عن ذلك الثائر القديم الذي عرفه الناس وهو وزير و نائب لرئيس الوزراء (1958 ـ 1959).
و بالطبع فقد كانت الخلفيات السياسية للرئيس عبد السلام عارف سببا من أسباب نجاحه وفهمه فقد كان الرجل قد انضم منذ شبابه الباكر إلى تنظيم ثورة 1941 بقيادة رشيد عالي الكيلاني وهي الثورة التي تمكنت من الاستيلاء على السلطة ما بين فبراير ومارس 1941 ونصبت رشيد عالي الكيلاني رئيسا للوزراء بدلا من نوري السعيد.
وبهذه التجارب وبهذه الخبرة وبالمعرفة الألمانية التي تطعمت أيضا بزيارات فرنسية وبريطانية بدأ الرئيس عبد السلام عارف مشروعه الكبير للعراق وهو المشروع الذي لم يلق الإنصاف حتى الآن
وإذا كان من المهم أن نشير إلى بعض ملامح من هذا المشروع فإني أفضل ألا أنظمها بطريقة موضوعية وإنما أنطلق بها إلى آفاق معرفية وصحفية تعوّد القارئ المعاصر أن يفهم منها مدى نجاح السياسي ومدى قدرته على الاستمرار ومدى قدرته على النهوض بوطنه بصرف النظر عن قصر حياته وما قُدّر له من العمر أو فترة الحكم.
ولهذا فإني سأذكر هذه القبسات على هيئة فقرات متتالية ومنفصلة حتى يُمكن لمن يُراجعوها أن يُشيروا إليها من دون حاجة إلى تصنيف الإنجاز.
الرئيس عبد السلام عارف هو أنجح الرؤساء العراقيين في التعامل مع الأكراد كانوا يثقون به، وكان يسير معهم وبهم في الطريق الكفيل بحل كل معضلات الزمن التي تراكمت على قضاياهم، كان الضابط الكردي نور الدين محمود رئيسا للوزراء في عهده (1965) وكان رئيسا للأركان قبل ذلك.
وليس أدل على صدق مشاعره تجاه الأكراد من أنه أصدر أوامره بإيقاف جميع العمليات العسكرية التي تستهدف الأكراد، وهو ما حدث بالفعل.
اتفاق 10 أبريل 1964 مفخرة للرئيس عبد السلام عارف وللعراقيين.
الرئيس عبد السلام عارف هو رمز رفيع للعلاقة المُثلى مع الشيعة ، وصل به الأمر أن ضمت وزارة من وزارته تسعة وزراء شيعة (في حكومة طاهر يحيى) وهو ما لم يصل إليه أسلافه ولا خلفاؤه.
تأسس حزب الدعوة الإسلامي "الشيعي" والحزب الإسلامي العراقي في عهد عبد السلام عارف ، وقد حدث هذا بعد أن كان الخلاف بين عبد الكريم قاسم والشيعة قد وصل إلى حدود خطرة ولا نهائية، وكان الشيعة ينتقدون توجهات عبد الكريم قاسم الماركسية، و بعده عن تعاليم الإسلام ، بل إن الرئيس عبد السلام عارف تولى تقديم زعماء الشيعة العراقيين إلى جمال عبد الناصر ، ومع هذا فقد كان الرئيس عبد السلام عارف بكل وضوح ضد أي سلوك شيعي طائفي.
الرئيس عبد السلام عارف هو الذي أعطى الإمام الخميني حق اللجوء السياسي في العراق دون أن يأبه لغضب شاه إيران، ولم يكن أحد من خلفاء الرئيس عبد السلام عارف (بعد موته ) ولا من حلفائه ( في حياته) قادرا على مثل هذا القرار.
يمكن القول بأن الأثر الفكري الذي لم يصل إليه أحد من الرؤساء العرب قبل الرئيس عبد السلام عارف هو إيمانه العميق بفكرة الوحدة الوطنية وهو الإعلان الذي حكم موقفه من الأكراد والشيعة والأقليات على وجه العموم، وقد كان عارف منتبها إلى حقيقة أن الوحدة العربية لا تغني عن الوحدة الوطنية، بل كان مناديا بأن تحقيق الوحدة الوطنية يجب أن يسبق الدعوة إلى الوحدة العربية و يتسق معها، وهو المبدأ الذي نادى به من بعده المشير عبد الله السلال في اليمن دون أن يتمكن من تحقيق إنجاز فيه نظرا لما أصابه من الإبعاد عن السلطة.
الدولة الصاعدة في عهد الرئيس عبد السلام عارف
و ننتقل مع الرئيس عبد السلام عارف إلى مجموعة من النجاحات الذكية التي حققها في مجالات استراتيجية لم يستطع معاصروه أن يجاروه فيها على الرغم مما توافر لهم من أسباب النجاح :
نجح الرئيس عبد السلام عارف نجاحا ساحقا في سياسات التسليح سواء من ألمانيا الغربية أو من الاتحاد السوفييتي، وكان من أوائل الذين وظفوا علاقات البترول في خدمة إمكانات التسليح ، وقد سلح الجيش العراقي مبكرا بطائرات الميج 21.
نجح الرئيس عبد السلام عارف في سياسة تصنيع واسعة النطاق شملت الصناعة الكيماوية والغدائية والسجاد.
الرئيس عبد السلام عارف هو أول من أدخل الحاسب الآلي في البلاد العربية.
الرئيس عبد السلام عارف هو الذي أسس ثلاث جامعات : الجامعة المستنصرية، وجامعة المعاهد الفنية ، والجامعة التكنولوجية..
كان أنجح برامج التعريب هو البرنامج الناجح الذي أشرف عليه العلامة مصطفى جواد برعايته ، ويرتبط بهذا مشروعه الذي تم بالفعل بتوحيد المصطلحات العسكرية العربية.
نجاحه في استكمال مقومات الاستقلال
كان الرئيس عبد السلام عارف منتبها إلى استكمال مقومات الاستقلال بإقامة المؤسسات المتخصصة في كل مجال .
كان الرئيس عبد السلام عارف هو من أسس مؤسسة النفط العراقية قبل غيره من الدول، بل إنه هو من دعا إلى تأسيس منظمة الأوبك التي انعقدت لأول مرة في بغداد 1965.
الرئيس عبد السلام عارف هو من أسس الخطوط الجوية العراقية (1964)
الرئيس عبد السلام عارف هو من أسس المخابرات العراقية .
الرئيس عبد السلام عارف هو من أسس وكالة الأنباء العراقية
الرئيس عبد السلام عارف هو من أسس البطولات العربية الرياضية التي بدأت في بغداد على ملعب الشعب الدولي الذي بدأ بناءه في 1963، كما أنه أول من افتتح معارض الفن التشكيلي في العراق (1965) ويتصل بهذا ما عُرف عن استضافته الفرق الموسيقية والغنائية على نحو تذكاري وليس على نحو روتيني، وعلى سبيل المثال فإن السيدة أم كلثوم غنت لبغداد في عهده قصيدتين : أولاهما "بغداد يا قلعة الأسود"
كان الرئيس عبد السلام عارف إنشائيا من طراز متقدم ، فتأسس أكبر مساجد العراق وهو جامع أم الطبول في عهده (1966) وقد جعله نسخة من الجامع الأزهر من حيث الزخارف ومن العمارة وحجم البناء.
و الرئيس عبد السلام عارف هو من نظم تعداد السكان العراقي الحديث (1965)
مكانته في تاريخ الفكرتين الإسلامية و العروبية
كان الرئيس عبد السلام عارف ميالا إلى التوفيق بين الإسلام و نزعات العدالة الاجتماعية المعاصرة متمثلة في الاشتراكية ويذكر التاريخ له تأثيره الفكري المرتبط بإدخال الشريعة الإسلامية في التشريع وبالتأكيد على المعاني الاشتراكية في التشريع الإسلامي وهو الذي كلف خير الدين حسيب بالكتابة عن الاشتراكية الإسلامية فيما يعتبر من حيث المبدأ امتدادا لكتابات سيد قطب ومصطفى السباعي.
أما تأثيره العروبي فكان واضحا في مؤتمرات القمة العربية وفي دعم منظمة التحرير الفلسطينية و القضية الفلسطينية ، بل إنه هو صاحب مصطلح اتحاد الجمهوريات العربية قاصدا مصر وسوريا والعراق الذي تبلور في اتفاق 16 أكتوبر.
واتساقا مع هذا فإنه غيّر العلم العراقي ليكون كأعلام هذه الجمهوريات العربية، كما أنه خطا خطوات عربية واسعة في سبيل ما عُرف بعد ذلك بمعاهدة الدفاع العربي المُشترك ، محاولا إحياء الفكر الذي كان مسيطرا على النحاس باشا والجابري والعروبيين في عهدهما .
وليس سرا أن معاهدة الدفاع العربي المشترك كانت سندا لمصر وسوريا في حرب 1973 وأنها هي التي مكنت من اشتراك القوات العراقية في دعم القوات السورية أثناء تلك الحرب، على نمط غير مسبوق في التعاون العربي وقت الحرب.
وعلى الرغم من علاقة عبد السلام المتميزة بالرئيس جمال عبد الناصر والنظام الناصري ، فإنه كان متنبها تمام الانتباه للوقوف أمام العبث الناصري المعهود من خلال أجهزة سيادية مصرية وهو ما مكنه من مواجهة عارف عبد الرزاق وغيره ممن كان يتهمهم بالتبعية المباشرة لمصر لا الأخوة معها.
وقد كانت رجولة الرئيس عبد السلام عارف في تعامله مع مصر وعبد الناصر مضرب المثل في الاحترام المصري للعرب القادرين على استقلال الإرادة بعيدا عن موجات الناصرية، وهو ما ظهر بوضوح في التخليد الذي حظي به اسم الرئيس عبد السلام عارف في ميادين القاهرة وشوارعها بعد وفاته كما ظهر في حياته في دعوته إلى حفل السد العالي مع خروتشوف وعبد الناصر.
زيارة الكويت
ومما يُذكر للرئيس عبد السلام عارف أنه كان أول رئيس عراقي يزور الكويت، بل كان أول مسئول عراقي يزورها بعد أن كان الزعيم عبد الكريم قاسم قد تحرش بالكويت تحرشا تاريخيا معروفا .
دعم ثورة اليمن و نظام عبد الله السلال
قدم الرئيس عبد السلام عارف مساعدات هائلة لثورة اليمن ولنظام عبد الله السلال الذي هو في الأصل خريج المدرسة العراقية العسكرية، لكن كل هذا الإيمان العروبي تعرض للتشويه على يد البعث حين تمكن البعث من الانفراد بالسلطة فيما عُرف بحركة 17 يوليو 1968 ، وهي الحركة التي ظلت كما ذكرنا تحكم العراق من خلال الرئيسين البكر وصدام حتى سقوط بغداد في 2003
وعلى عادة أنظمة الحكم العربية فقد نشطت إدارات متخصصة للانتقاص من إنجازات الرئيس عبد السلام عارف وتوجهاته العربية والعراقية وإصلاحاته وهكذا اجتمع على الهجوم على الرئيس عبد السلام عارف في وقت من الأوقات كل من البعثيين والشيوعيين مع ما بينهما من خلاف، بيد أن المثقفين العرب وجدوا في تاريخ الرئيس عبد السلام عارف وتوجهاته حلا ينجيهم من مآزق البعث والشيوعيين على حد سواء.
ومع أن توجهات عارف لم تُعرف باسمه على نحو ما هو حادث مع غيره وعلى رأسهم عبد الناصر فإن في هذا دلالة على تميز توجهاته بأصولها العروبية والإسلامية والعراقية بعيدا عن أن تكون نزعات شخصانية، وهو ما حفظ للرئيس عبد السلام عارف حقه في أن يكون هو الممثل الطبيعي للفكر العربي القومي في السياسة بعيدا عن الصيغتين البعثية والشيوعية والتحويرات أو التشوهات الناصرية.
المفارقة في علاقته بعبدالكريم قاسم
بقيت جزئية من جزئيات مفارقات التاريخ التي تدل على أن إرادة الله غالبة على كل شيء، فقد كان عبد الكريم قاسم هو الذي ضم الرئيس عبد السلام عارف للتنظيم الذي قام بثورة العراق في 1958، ومع أن تقاليد هذا التنظيم كانت تستدعي تقييم المرشح للانضمام قبل الموافقة على ضمه، فإن عبد الكريم قاسم فاجأ زملاءه بزميلهم الجديد، فلما قامت الثورة وكان للرئيس عبد السلام عارف دور حركي كبير في نجاحها استحق من أجله أن يكون الرجل الثاني فيها بموافقة هؤلاء جميعا ثم حدث ما حدث من خلافه مع عبد الكريم قاسم والقبض عليه والحكم بإعدامه ثم تخفيف الحكم. ثم جاءت الثورة التي جاءت به رئيسا وحكم منفذوها بالإعدام على عبد الكريم قاسم منذ يومهم الأول، يروي كثيرون أن الرئيس عبد السلام عارف حاول وقف هذا الحكم فلم يستطع وأنه ذهب بنفسه لدار الإذاعة ليلتقي بعبد الكريم قاسم ويُعاتبه على ما كان منه ، وبينما هما في عتاب كان القرار بتوكيد حكم الإعدام وضرورة تنفيذه قد اتُخذ سواء وافق عليه الرئيس عبد السلام عارف أو لم يوافق. ومما هو جدير بالذكر أن الثأر بين الرجلين ظل قائما حتى تمكنت جماعة عبد الكريم قاسم من الانتقام من الرئيس عبد السلام عارف بقتل ابنته وزوجها وابنيها في 2004
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق