بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين ، وبعـــد :
فلقد وقعت على بعض الكتابات والقصاصات والمقالات والردود التي كتبها بعض مراهقة الفكر الجامي المدخلي بل وبعض من يدعي العلم ويوسم بالمشيخة من أطفالهم الكسالى وشيوخهم المرضى فلم أسمح لنفسي أو أرضى لشخصي أن أرد عليهم بأسمائهم كي لا أرفعهم عن قدرهم الذي ارتضوه لأنفسهم .
وإنني منذ أن كتبت في الجامية المداخلة منذ عام 1418 هـ في الرد على عبد الله السبت في الكويت ثم فضية أتباعهم وضحاياهم في الجزيرة ونار الحقد والضغينة والكذب لم تهدأ وإذ لم يجد هؤلاء بدا من المواجهة والرد والإقناع تحولوا إلى السب والتجريح والردود الشخصية التي تنبئك عن ضعف كاتبها وضحالة فكره وقلة بضاعته ولما رأيت هذا الفكر قد عاود الظهور مرة أخرى واستشرى في الأمة رغبت أن أبرز للأمة هذه المقالات والتي كانت ردودا على أحد رواد المدرسة الجامية المدخلية التي كتبتها عام 1418 ردا على عبد الله السبت في الكويت لما نشر مقالا بعنوان خوارج العصر وعنى به شباب الجهاد والصحوة المباركة فجاء هذا الرد بحلته الجديدة وثوبه القشيب لينفع الله به الأمة ويزيل عنها ما تركه الجامية والمداخلة من الغمة .
قبل ثلاث سنين أطل على الناس عبد الله السبت وهو أحد منظري الفكر الجامي المدخلي في الكويت وكال سيلا من التهم والأحكام على شباب الصحوة إذ سماهم خوارج هذا العصر وجعل يأصل مسائل الجهاد والأمر بالمعروف والنصيحة للحاكم والحاكمية حسب اجتهاده على أنها حكم الله المنزل الذي لا يجوز العدول عنه وقد لا أحتاج إلى مزيد من تفصيل عن المقال السابق في بيان إسقاطات السبت وأنه يطلق الأحكام الشرعية دونما قيد أو شرط ، ومن ذلك أنه وصف في مقاله الأخير من حكم على ( من لم يحكم بما أنزل الله بالكفر ) أنه من الخوارج ، وأنا أعرف جيدا أن هذه المسألة ليست وليدة اليوم أو الأمس ، كما أنها ليست حكرا في فهمها على مشايخ جمعية إحياء التراث الذين خطأوا وخرجوا وضللوا كل من خالفهم الرأي في مسألة للعلماء فيها قولان منذ القدم بل صرح محمد الحمود في محاضرته فتنة التكفير بأن من حكم بالكفر على الحاكم التارك لحكم الله فهو مفتر على الله ولا يقول بذلك إلا الخوارج وردد هذه الوتيرة تلميذهم صالح الغانم في مقاله في جريدة الوطن في 10/3/98 ، ومثله داود العسعوسي في محاضرته عن فتنة التكفير وتبعهم كاتب الأنباء عبد العزيز الهدة في محاضرته الاثنين 23/3/98 حول فتنة الخوارج الجدد .
وقد أحسنوا جميعا جزاهم الله خيرا في التحذير من إلقاء الحكم جزافا بغير دليل أو بينة ، ولكنهم أخطأوا في تدليسهم على الأمة واحتكروا الحق في رأيهم وكأنه حكم الله الذي ليس في المسألة غيره وهذا مما لا ينبغي من طلبة العلم فضلا عن المشايخ ، كما أن القضية يجب أن تطرح بغير تشنج أو تأزم نفسي أو انفعال تجاه حدث في الجزائر أو حادثة في مصر ، لأنه لا يجوز للقاضي أن يقضي وهو غضبان . والله يقول : (( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون )) المائدة ـ 8 .
وأود أن أجمل المسألة قبل تفصيلها وهي قضية الحاكمية وهو الحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله .
قال الشيخ صالح آل الشيخ في شرطه السادس من شرح الأصول الثلاثة شارحا هذه القضية عند كلامه عن نواقض لا إله إلا الله قال ( ومن حكم بغير ما أنزل اله ) الحكم بغير ما أنزل الله فيه تفصيل :
1 ـ إذا حكم بغير ما أنزل الله معتقدا أن حكمه جائز وأن له أن يحكم وحكم قرين لحكم الله أو مساو لحكم الله أو أفضل من حكم الله أو نحو ذلك فإن هذا يعد طاغوتا .
2 ـ أما إن حكم بغير ما أنزل الله وهو يعلم أنه عاص بحكمه وأن حكم الله جل وعلا أفضل وأن حكم الله جل وعلا هو المتعين ولكم غلبته نفسه وشهوته بأن حكم بغير ما أنزل الله في بعض المسائل كما يحصل لبعض المفتونين من القضاة أنهم يحكمون في مسائل بشهوتهم كما كان يحدث في نجد من قرون قبل الدعوة … وهذا النوع فعلهم معصية وفيهم حديث ( القضاة ثلاثة ، قاضيان في النار وقاض في الجنة ) ، فهذا النوع حكم لأجل ما أو حكم لأجل رشوة .
3 ـ وهناك نوع آخر حدث في هذا الزمن وهو تحكيم القوانين أن يستبدل الشرع بقوانين وضعية يستبدل الشرع استبدالا بقوانين يأتي بها الحكام من عند غير الله ورسوله ، ويترك الدين ويأتي بتلك القوانين ، فهذه كما يقول الشيخ رحمه الله محمد بن إبراهيم في أول رسالته ـ تحكيم القوانين ( إن من الكفر الأكبر المستبين تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الوحي الأمين على قلب سيد المرسلين ، بالحكم به بين العالمين وللرد إليه عند تنازع المتخاصمين ، معاندة ومكابرة … ) .
وهذه المسألة هي مسألة الخلاف التي أغفلها السبت ومشايخ جمعية إحياء التراث فكلما تطرقوا لها قلبوها من قضية شرعية تكلم العلماء فيها في القديم والجديد إلى قضية ثورة وخروج هجوم على الحكم وإشاعة الفتنة ، ولقد عجبت منهم والله ! أيكتم حكم الله ويدلس على الأمة ويقول السلف ما لم يقولوا وتكتم أقوالهم بحجة أن ما عندك حق وما عند غيرك باطل .
إن المنهج العلمي يجب أن يورد فيه كلا طرفي الخلاف ثم تحرر ما تراه راجحا ومع كل ذلك فلا أحد من السلف ممن قال بكفر من يحكم بغير ما أنزل الله استحل أو لم يستحل أو من لم يقل بذلك فلا أحد منهم يرى جواز إنزال الأحكام على الأعيان وإنما ذلك التوصيف للعلماء ، سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين حفظه الله : هل يجوز إطلاق الكفر على الشخص المعين إذا ارتكب مكفرا ؟ فأجاب قائلا : ( إذا تمت شروط التكفير في حقه جاز إطلاق الكفر عليه بعينه ولو لم نقل بذلك ما انطبق وصف الردة على أحد ) فتاوى ابن عثيمين (2/125 ) ، كما أنهم لا يرون جواز الخروج وإراقة الدماء إلا وفق الضوابط الشرعية الواردة في بابها .
وأود أن أذكر من هم الخوارج الذين حكم عليهم الشبت وحمد الحمود وصالح الغنم وداود العسعوسي وحاي الحاي لأنهم كفروا من يحكم بغير ما أنزل الله لأبين مدى الخلل العلمي في من يطلب بل يجب فيه الإنصاف .
1 ـ فأول الخوارج في نظر السبت الشيخ صالح آل الشيخ حيث قال : ( إن تحكيم القوانين كفر أكبر بالله لأنه استبدال شيعة مكان شريعة ، يأتون بشريعة فرنسا أو شريعة أوروبا أو شريعة إنكلترا أو شريعة أمريكا هذا استبدال ، فإذا كان الحكم به غالبا صار تحكيمها ، يعني صار الحكم لأكثر أمور الشريعة بهذه الأحكام والقوانين القانونية ، صار استبدالا فمتى يكون كفرا ؟ إذا صار استبدالا . ومتى يكون استبدالا ؟ إذا كان تحكيم القوانين غالبا كما ذكر الشيخ محمد بن إبراهيم في فتاويه ( 6/198 ) ولما سئل متى يكون الحكم بالقانون كفرا ؟ قال : ( إذا كان غالبا فاشيا ) لأنه استبدل شريعة مكان شريعة ، فإذا غلب ذلك استبدالا وهذا قيد مهم وهذه المسألة يكثر فيه الكلام في هذا العصر بين كلام لمتعلمين وعلى سبيل تعلم وبين كلام جهال وقل من يحرر الكلام فيها على النحو ما بين العلماء بدقة . الشريط ( 6 ) من شرح الأصول الثلاثة .
2 ـ ومن الخوارج على رأي السبت الإمام إسحاق بن راهويه الذي حكى الإجماع على كفر من ترك الشريعة إن لم يستحل كما في التمهيد لبن عبد البر ( 4/226 ) .
قال : ( وقد أجمع العلماء أن من سب الله عز وجل أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم أو دفع شيئا أنزله الله أو قتل نبيا من أنبياء الله وهو مع ذلك مقر بما أنزل الله أنه كافر ) .
3 ـ ومن الخوارج عند السبت الشيخ محمود شاكر في تعليقه على الطبري ( 10/348 ) حيث يقول ك ( مما احتج به مبتدعة زماننا من القضاء في الأموال والأعراض والدماء بقانون مخالف لشريعة أهل الإسلام بالاحتكام إلى حكم غير حكم الله في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم … فهذا الفعل إعراض عن حكم الله ورغبة عن دينه وإيثار أحكام الكفر على حكم الله سبحانه وتعالى . وهذا كفر لا يشك أحد من أهل القبلة على اختلافهم في تكفير القائل به والداعي إليه . سيأتي مزيد تفصيل لقوله .
4 ـ ومن الخوارج عند السبت ، الإمام محمد بن عبد الوهاب الذي قال في كتاب كشف الشبهات : ( لا خلاف أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل ، فإن اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلما فإن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند كفرعون وإبليس .
5 ـ ومن الخوارج : العالم الجليل الشيخ محمد بن إبراهيم حيث قال في رسالة تحكيم القوانين : ( إن من الكفر الأكبر المستبين تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الروح الأمين على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين في الحكم به بين العالمين والرد إليه عند تنازع المتنازعين مناقضة ومعاندة لقول الله عز وجل ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ) …. [ رسالة تحكيم القوانين ص : 5 ] .
ويقول أيضا في الرسالة نفسها : ( فهذه المحاكم الآن في كثير من أمصار الإسلام مهيأة مكملة مفتوحة الأبواب والناس إليها أسراب إثر أسراب يحكم حكامها بينهم بما يخالف حكم السنة والكتاب من أحكام ذلك القانون وتلزمهم به وتقرهم عليه وتحتمله عليهم ، فأي كفر فوق هذا الكفر وأي مناقضة للشهادة بأن محمدا رسول الله بعد هذه المناقضة . [ المصدر السابق ص 20ـ 21 ] .
6 ـ ومنهم الشيخ أحمد شاكر حيث يقول تعليقا على كلام ابن كثير حول الياسق الذي كان يتحاكم إليه التتار : (( أفرأيتم هذا الوصف القوي من الحافظ ابن كثير ـ في القرن الثامن ـ لذاك القانون الوضعي الذي صنعه عدو الإسلام جنكز خان ؟ ألستم ترونه يصف حال المسلمين في هذا العصر في القرن الرابع عشر ؟ إلا في فرق واحد أشرنا إليه آنفا : أن ذلك كان في طبقة خاصة من الحكام أتى عليها الزمان سريعا فاندمجت في الأمة الإسلامية وزال أثر ما صنعت ، ثم كان المسلمون الآن أسوأ حالا وأشد ظلما منهم لأن أكثر الأمم الإسلامية الآن تكاد تندمج في هذه القوانين المخالفة للشريعة والتي هي أشبه شيء بذاك الياسق الذي اصطنعه رجل كافر ظاهر الكفر …
إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس هي كفر بواح لا خفاء فيه ولا مداورة ولا عذر لأحد ممن ينتسب للإسلام كائنا من كان في العمل بها أو الخضوع لها أو إقرارها فليحذر امرؤ لنفسه وكل امرئ حسيب نفسه … )) . [ عمدة التفسير 4/173 ـ 174 ] .
7 ـ ومنهم الشيخ محمد الأمين الشنقيطي حيث يقول في أضواء البيان ( 4/ 92 ) عند الحديث عن قوله تعالى : (( ولا يشرك في حكمه أحدا )) الكهف: 26 . قال بعد أن ذكر طائفة من الآيات الدالة على أن التشريع من دون الله كفر : ( وبهذه النصوص السماوية التي ذكرنا يظهر غاية الظهور أن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله جل وعلا على ألسنة رسله صلى الله عليهم وسلم أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله على بصيرته وأعماه عن نور الوحي مثلهم )) .
8 ـ ومنهم الشيخ صالح بن إبراهيم البليهي حيث يقول في حاشيته على زاد المستقنع المسماة بالسلسبيل في معرفة الدليل : ( … فالحكم بالقوانين الوضعية المخالفة للشريعة الإسلامية إلحاد وكفر وفساد وظلم للعباد ، فلا يسود الأمن ولا تحفظ الحقوق الشرعية إلا بالعمل بشريعة الإسلام كلها عقيدة وعبادة وأحكاما وسلوكا ونظاما ، فالحكم بغير ما أنزل الله هو حكم بعمل مخلوق لمخلوق مثله ، هو حكم بأحكام طاغوتية … ولا فلاق بين الأحوال الشخصية والعامة والخاصة فمن فرق بينها في الحكم فهو ملحد زنديق كافر بالله العظيم )) . [ السلسبيل 2/384 ] .
9 ـ ومنهم الشيخ عبد العزيز بن باز حيث يقول في رسالة ( نقد القومية العربية ) : (( الوجه الرابع من الوجوه الدالة على بطلان الدعوة إلى القومية العربية أن يقال إن الدعوة إليها والتكتل حول رايتها يفضي بالمجتمع ولا بج إلى رفض حكم القرآن لأن القوميين من غير المسلمين لن يرضوا تحكيم القرآن حتى يستوي مجتمع القومية في تلك الأحكام وقد صرح الكثير منهم بذلك كما سلف ، وهذا هو الفساد العظيم والكفر المستبين والردة السافرة … )) .
[ مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز 1/309 ] .
10 ـ منهم الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله حيث يقول : (( من أصدر تشريعا عاما ملزما للناس يتعارض مع حكم الله فهذا يخرج من الملة كافرا )) أ.هـ [ انظر عن كتاب أهمية الجهاد في نشر الدعوة لعلي بن نافع العلياني ص 196 ] .
11 ـ ومنهم الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله حيث ذكر في تعليقه على كتاب فتح المجيد ( ص 275 ـ 276 ) : (( الذي يستخلص من كلام السلف رضي الله عنهم أن الطاغوت كل ما صرف العبد وصده عن عبادة الله وإخلاص الدين والطاعة لله ولرسوله … ويدخل في ذلك ولا شك الحكم بالقوانين الأجنبية عن الإسلام وشرائعه وغيرها من كل ما وضعه الإنسان ليحكم به في الدماء والفروج والأموال وليبطل بها شرائع الله من إقامة الحدود وتحريم الربا والزنا والخمر ونحو ذلك مما أخذت هذه القوانين تحللها تحميها بنفوذها ومنفذيها ، والقوانين والدساتير الوضعية نفسها طواغيت وواضعوها طواغيت ومروجوها طواغيت … )) .
وقال في المصدر نفسه ( ص 387 ) تعليقا على كلام ابن كثير في ياسق التتار : (( ومثل هذا وشر منه من اتخذ كلام الفرنجة قوانين يتحاكم إليها في الدماء والفروج والأموال ويقدمها على ما علم وتمين له من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهو بلا شك كافر مرتد إذا أصر عليها ولم يرجع إلى الحكم بما أنزل الله ولا ينفعه أي اسم تسمى به ولا أي عمل من ظواهر أعمال الصلاة والصيام ونحوها … )) .
12 ـ ومنهم الشيخ محمد بن صالح العثيمين ، حيث قال : (( من لم يحكم بما أنزل الله استخفافا به أو احتقارا له أو اعتقادا أن غيره أصلح منه وأنفع للخلق فهو كافر كفرا مخرجا عن الملة ، ومن هؤلاء من يصنعون للناس تشريعات تخالف التشريعات التشريعات الإسلامية ، لتكون منهاجا يسير عليه الناس ، فإنهم لم يصنعوا تلك التشريعات المخالفة للشريعة الإسلامية إلا وهم يعتقدون أنها أصلح وأنفع للخلق ، إذ من المعلوم بالضرورة العقلية والجبلة الفطرية أن الإنسان لا يعدل عن منهاج إلى منهاج يخالفه إلا وهو يعتقد فضل ما عدل إليه ونقص ما عدل عنه )) . [ مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين 2/143 ] .
وقال تعليقا على شريط للشيخ الألباني قرر فيه أنه لا يحكم بكفر الحاكم الذي لا يحكم بما أنزل الله إلا إذا اعتقد حل ذلك ، قال : ( … ولكننا قد نخالفه في مسألة أنه لا يحكم بكفرهم إلا إذا اعتقدوا حل ذلك ، هذه المسألة تحتاج إلى نظر لأننا نقول من اعتقد حل ذلك ، حتى لو حكم بحكم الله ـ وهو يعتقد أن حكم غير الله أولى ـ فهو كافر كفر عقيدة ، لكن كلامنا على العمل ، وفي ظني أنه لا يمكن لأحد أن يطبق قانونا مخالفا للشرع يحكم فيه بعباد الله إلا وهو يستحله ويعتقد أنه خير من قانون الشرع هذا هو الظاهر ن وإلا فما الذي حمله على ذلك ؟ قد يكون الذي يحمله على ذلك خوف من أناس آخرين أقوى منه إذا لم يطبقه ، فيكون هنا مداهنا لهم ، فحينئذ نقول هذا كافر كالمداهن في بقية المعاصي )) . [ من كتاب فتنة التكفير للعلامة الألباني مع تعليقات للشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين هامش ص 28 ] .
13 ـ ومنهم الشيخ صالح الفوزان حيث ذكر في كتابه الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد ( 1/ 72 ) : (( فمن احتكم إلى غير شرع الله من سائر الأنظمة والقوانين البشرية فقد اتخذ واضعي تلك القوانين والحاكمين بها شركاء لله في تشريعه ـ قال تعالى : (( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله )) . وقال : (( وإن أطعتموهم إنكم لمشركون )) …
وقال في الكتاب نفسه ( 1 / 74 ) بعد نقله لكلام ابن كثير حول الياسق : ( ومثل القانون الذي ذكره عن التتار وحكم بكفر من جعله بديلا عن الشرعة الإسلامية مثله القوانين الوضعية التي جعلت اليوم في كثير من الدول هي مصادر الأحكام وألغيت من أجلها الشريعة الإسلامية إلا في ما يسمونه بالأحوال الشخصية … ) .
وبعد هذا النقل لأقوال العلماء واسقاط الصفات التي ذكرها عبد الله السبت عن الخواج على من سبق ذكرهم نبين أن القضية ليست كما عرضها السبت ولا الأخوة الافاضل طلاب العلم فإن تحرير مسألة الحاكمية لا يكون على وجه قضم النصوص وإغفال أقوال العلماء ، كيف لا وهي قضية خطيرة تناولها العلماء بالبحث التفصيل .
وإذ عجز الأخوة عن البحث العلمي في تحرير المسائل فما عليهم إلا الرجوع لكتاب د. عمر الأشقر ( الشريعة الإلهية لا القوانين الوضعية ) لمعرفة الأسلوب العلمي الأمثل في عرض قضية شرعية خطيرة . ومن أراد مزيد بيان حول مسألة الكفر بالحكم بغير ما أنزل الله بمجرد حمل الناس عليه وهو الاستحلال العملي دون الحاج إلى الاستحلال باللسان فاسمع إلى قول شيخ الإسلام في الصارم المسلول ( 32 ) عند قوه تعالى : (( ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب )) قال : ( فهؤلاء لما تنقصوا النبي حيث عابوه والعلماء من أصحابه واستهانوا بخبره أخبر أنهم كفروا بذلك وإن قالوه استهزاء فكيف بما هو أغلظ من ذلك ) .
وختاما إليك أخي القارئ سردا سريعا لأقوال سلف الأمة الذي اتهمهم السبت بأنهم خوارج وذكر حكمهم في أن أفعال الكفر لا يشترط فيها ولا لها الاستحلال .
قال ابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (2/ 930 ) :
( قال اسحاق ـ هو ابن راهويه ـ ومما أجمعوا على تكفيره ، وحكموا عليه كما حكموا على الجاحد ، فالمؤمن الذي آمن بالله تعالى ، وبما جاء من عنده ، ثم قتل نبيا أو أعان على قبله ، وإن كان مقرا ويقول : قتل أنبياء محرم ، فهو كافر ـ، وكذلك من شتم نبيا أو رد عليه من غير تقية ولا خوف ) .
يقول شيخ الإسلام في منهاج السنة ( 5/251 ) :
(( ولا ريب أن الكفر متعلق بالرسالة فتكذيب الرسول كفر وبغه وسبه وعداوته مع العلم بصدقه في الباطن كفر عند الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة العلم إلا الجهم ومن وافقه كالصالحي والأشعري وغيرهم )) أ. هـ .
ويقول في الصارم المسلول في معرض رده على بعض المتكلمين ص 516 ) :
( إن اعتقاد حل السب كفر سواء اقترن به وجود السب أو لم يقترن فإذا لا أثر للسب في التكفير وجودا وعدما وإنما المؤثر هو الاعتقاد وهو خلاف ما أجمع عليه ) أ.هـ وقد تقدم قول ابن القيم في مفتاح دار السعادة فانظر ( ص12 ) .
وقد نقل الإجماع على كفر شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم ـ لشتمه ـ ابن سحنون وابن راهويه وابن حزم والقاضي عياض والفارسي الشافعي والمرداوي وغيرهم .
ويقول ابن خزم في الفصل ( 241 / 3 ) :
( وأما قولهم أن إخبار الله تعالى بأن هؤلاء كلهم كفار دليل على أن في قلوبهم كفرا وان شتم الله تعالى ليس كفرا ولكنه دليل على أن في القلب كفرا وان كان كافرا ( فهو ) لم يعرف الله تعالى قط .
فهذه دعوى كاذبة مفتراة لا دليل لهم عليها ولا برهان لا من نص ولا سنة صحيح ولا سقيمة ولا من حجة عل أصلا ولا من اجماع ولا من قياس ولا من قول أحد من السلف قبل اللعين جهم بن صفوان وما كان هكذا فهو باطل وإفك وزور ) أ.هـ .
وأقال أهل العلم في هذا كثيرة وفي ما سبق كفاية واله الهادي والموفق .
قال صاحب كتاب براءة أهل السنة ـ السبيعي ص ( 24 ) : اعلم حفظك الله أن قول هؤلاء مآله إلى هدم الدين وتعطيل شريعة من أهم شرائعه وهي وجوب الكفر بالطاغوت ومجاهدته وقبل أن نتعرض لهذه المسألة نسألهم سؤالا :
ما ضابط هذه الأقوال والأفعال التي تتضمن التكذيب ضرورة وقطعا كما تزعمون ؟
وختاما اسمع لما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية لتعرف من هم خوارج العصر ومرجئة الدهر .
يقول شيخ الإسلام في الفتاوى ( 621/7 ) :
( وقد تبين أن الدين لا بد فيه من قول وعمل وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمنا بالله ورسوله بقلبه ولسانه ولم يؤد واجبا ظاهرا ولا صلاة ولا زكاة ولا صياما ولا غير ذلك من الواجبات ) .
ثم قال : ( ومن قال بحصول الإيمان الواجب بدون فعل شيء من الواجبات سواء جعل فعل تلك الواجبات لازما له أو جزءا منه ـ فهذا نزاع لفظي ـ كان مخطئا خطئا بينا وهذه بدعة الإرجاء التي أعظم السلف والأئمة الكلام في أهلها وقالوا فيها المقالات الغليظة ما هو معروف ، والصلاة أعظمها وأعمها وأولها وأجلها ) أ.هـ
وقال ابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة ( 2/924 ) :
( حدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا معقل بن عبيد الله جزري قال قلت لنافع : رجل أقر بما أنزل لله تعالى وبما بين نبي الله صلى الله عليه وسلم ثم قال اترك الصلاة وأنا أعرف أنها حق من الله تعالى ، قال : ذاك كافر ثم انتزع يده من يدي غضبان موليا ) أ.هـ . قلت : وهذا سند حيد وقد ذكرها شيخ الإسلام عن نافع في قصة طويلة في الفتاوى ( 7/205) وفيها قلت : أنهم يقولون : نحن نقر بأن الصلاة فرض ولا نصلي وبأن الخمر حرام ونشربها وأن نكاح الأمهات حرام ونحن ننكح فنثر يده من يدي وقال :/ من فعل هذا فهو كافر ) أ.هـ
فهل من عودة إلى الحق أو إنصاف أهله يامشايخ .
كتبه / طارق الطواري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق