الاثنين، 31 أغسطس 2020

االفتاوى السياسية و"المدرسة السلفية السعودية" وفروعها - قديماً وحديثاً

 

االفتاوى السياسية



ااحترفت "المدرسة السلفية السعودية" وفروعها - قديماً وحديثاً - إصدار الفتاوى المتعلقة بـ "الأوضاع السياسية للأمة" حسب هوى "النظم السياسية"؛ فتدور معها حيث دارت.
والمتتبع لتاريخ الفتاوى السياسية يجدها:
-                 تدور مع الحُكام حيث داروا.
-                 التنقاض فيما بينها.
-                 التلاعب بالأحكام الشرعية.
-                 إظهار بعض الكتاب، وإخفاء البعض.
والمناسبة لهذه الكلمة، هو صدور الفتاوى من "السلفية السعودية، لتدين العدوان الروسي على سوريا، وتستخدم لغة "الخطاب الديني" لتثوير الأمة عاطفياً ودينياً.. ونحن لا شك نُدين العدوان الروسي، وندعو لجهاده، ولكن لا نقول هذه الإدانة دون أن نُبين للأمة الصورة من كافة أبعادها، ونضعها على الموقف الشرعي، والحقيقة كاملة، فلا نُميز بين الآكلين من لحم الأمة، والمتصارعين على قصعتنا، فالكل ينهش فيها بكل ما أوتي من قوة. فكما نُدين العدوان الروسي، فإننا نُدين من قبله العدوان الأمريكي والأوربي على الأمة كلها - عسكرياً واقتصادياً وسياسياً وثقافياً - ونُدين الطواغيت والطغاة أعوان أمريكا وروسيا..
ونقدم الفتوى والرأي الديني خالصاً تاماً لوجه الله الكريم، وابتغاء رضوانه.. من أجل صلاح الأمة المسلمة، وهدايتها ونصرتها، وليس من أجل رضى الحكام وإضفاء شرعية دينية على اختياره وطبيعة توازناته أو ما يُمليه عليه سيده المحتل.
ومن يريد أن يُميز "الفتاوى السياسية" التي تدور مع السلطان حيث دار، عليه فقط التركيز وعدم النسيان في قول ما يُسمى "كبار العلماء !" وكيف تتبدل أقوالهم حسب أهواء الطغاة..
فمثلاً: في تفجير مسجد القطيف بالسعودية، خرج شيخ على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدث: عن الأخوة، والأمان، واللحمة الوطنية، وكيد الأعداء، وحماية الأخوة الشيعة. ولما وقعت "حرب اليمن" وقف الشيخ على نفس المنبر، يتحدث عن مكر الرافضة، وتهديدهم لبلاد الحرمين، وبدعهم المُكفرة التي تستهدف بلاد التوحيد حماها الله... إلخ.
ومثلاً: قبل العدوان الروسي - وبعد الاتفاق النووي الإيراني - سارع النظام السعودي - وعلى أعلى المستويات الدبلوماسية - إلى روسيا ليُقيم معها علاقات عسكرية واقتصادية، وسارت وفود وزارية نحو موسكو، وفي هذا سيقول العلماء: ولاة الأمر أعلم بالسياسة، وجواز الاستعانة بالكافر، واحترام العهود والمواثيق... إلخ.
وبعد العدوان الروسي على سوريا - في صورة مُقلقة لأوضاع الأنظمة العربية والخليجية خصوصاً واختلال في توازن القوى - صدرت الفتاوى السياسية التي تُدين العدوان، وتدعو للجهاد وقتال "الصليبية الأرثوذكسية" ولا أدري بأي وجه سيغير "كبار العلماء !" فتاواهم عندما يرون استمرار العلاقات العسكرية والاقتصادية مع روسيا، والتحالف معها.
إن كبار العلماء ! - إلا من رحم ربي - لا يقولون الحق لوجه الله الكريم، هم يضعون بين يدي الطغاة والحكام جميع الأقوال: يجوز ولا يجوز، الشيعة إخوة.. الشيعة كفار، روسيا الصديقة.. روسيا الصليبية...إلخ، والحاكم يختار ويُظهر ما يريد من الفتاوى التي تتناسب مع الظرف السياسي.
فأصبح العلماء - إلا من رحم ربي - أصحاب "المطبخ الشرعي" الذي يُفصل للحاكم ما يريد من "مشروعية" لعمله ولنظامه.. تماماً كمثل "المطبخ السياسي" الذي يُهندس للحاكم قرارته وطريقة تنفيذها وإمرارها على المجتمع.
وللفتوى دور خطير جداً - لا سيما عندما تصدر عن أصحاب الألقاب الرنانة، والشهرة الواسعة، والهيئات الكبرى - فهي إما تأخذ الأمة في خدر عميق لا تستفيق منه، وإما تستيقظها، وترشدها إلى صراط الله المستقيم.. وما نال العلماء قيمة، وما اهتم بهم الطغاة إلا من أجل أن الأمة مازالت عاطفتها الدينية تنبض بدرجات متفاوتة، وأن الفتوى والرأي الديني يؤثر فيها، ويحرك اختياراتها، لذا وجد الطغاة والظلمة والمستبدون أن "المطبخ الشرعي" لا يقل أهمية عن "المطبخ السياسي" بل ربما يتفوق عليه أهمية كلما ازدادت عاطفة الأمة الدينية، واقترابها من دينها.
 بل اكتشف المحتل الصليبي - منذ سقوط الخلافة العثمانية - أهمية الفتوى الدينية، وعمل على مصادرة الفتوى، وجعل الفتوى أحد أسلحة الطغاة الذين يُبايعون المحتل على السمع والطاعة في المنشط والمكره، والعسر واليسر، وأثرة عليهم.. فالمحتل - بالنسبة لهم - هم "ولاة الأمر" وأصحاب القرار.
فصارت الفتاوى الرسمية تصدر بما يخدم مصالح المحتل الصليبي وأهدافه، وبما يعادي أي حركة أو مقاومة أو جهاد أو حتى فكر يحاول "تحرير الأمة" من المحتل والطغاة.
فصار العلماء - إلا من رحم ربي - على سنن الأحبار والرهبان حذو النعل بالنعل، يُحرفون الكلِم عن مواضعه، ويشترون بآيات الله ثمناً قليلاً، ويقولون هو من عند الله، وما هو من عند الله؛ فضلوا وأضلوا عن سبيل الله كثيرا.
وإن من شر البلاء أن مثل هؤلاء العلماء - قديماً وحديثاً - قد أعطوا "الشرعية الدينية" لنظم الطواغيت والطغاة - جند المحتل وأعوانه - فأتوا البلاء من قواعده، وأقاموا صرحه، وشيدوا بنيانه.. وما أن أخذت الأنظمة الباطلة الشرعية، وحمت نفسها بطبقة "الكهنة" حتى صار كل فعل - مهما بلغ فحشه - له شرعية إسلامية وحق ديني وسياسي !!.
وفي مثل هذه الفتاوى التي تصدر لصالح الطغاة والسلاطين.. إساءة للإسلام، واسترخاص للدين، واستهزاء بالقول.. وفيها - عند انكشاف الخديعة - تنفير للناس من الدين كله، وترسيخ مفهوم أن العلماء يُكرسون لـ "الاستبداد" ! وأن البديل هو فصل الدين عن السياسة، أي: العلمانية !.
*   *   *
ولقد أخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن افتراق الكتاب والسلطان، فقال: خُذُوا الْعَطَاءَ مَا دَامَ عَطَاءً، فَإِذَا صَارَ رِشْوَةً فِي الدِّينِ فَلا تَأْخُذُوهُ، وَلَسْتُمْ بِتَارِكِيهِ، يَمْنَعُكُمُ الْفَقْرَ وَالْحَاجَةَ، أَلا إِنَّ رَحَى الإِسْلامِ دَائِرَةٌ، فَدُورُوا مَعَ الْكِتَابِ حَيْثُ دَارَ، أَلا إِنَّ الْكِتَابَ وَالسُّلْطَانَ سَيَفْتَرِقَانِ، فَلا تُفَارِقُوا الْكِتَابَ، أَلا إِنَّهُ سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يَقْضُونَ لأَنْفُسِهِمْ مَا لا يَقْضُونَ لَكُمْ، إِنْ عَصَيْتُمُوهُمْ قَتَلُوكُمْ، وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ أَضَلُّوكُمْ "، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ نَصْنَعُ؟ قَالَ: " كَمَا صَنَعَ أَصْحَابُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، نُشِرُوا بِالْمَنَاشِيرِ، وَحُمِلُوا عَلَى الْخَشَبِ، مَوْتٌ فِي طَاعَةِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ حَيَاةٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ " [المعجم الكبير للطبراني / 172]
إن العالم الرباني: يدور مع الكتاب حيث دار، لا حسب أهواء شخص أو نظام أو جماعة أو حاكم أو حزب.
إن العالم الرباني: يقول الحق كاملاً، ولا يقول كلمة مبتورة، ناقصة.. تُستغل لصالح عدو آخر.
إن العالم الرباني: يقول الحق ابتغاء مرضاة الله، بصورة مجردة مستقلة خالصة لله وحده لا شريك له، ومن أجل الأمة المسلمة كلها.
إن العالم الرباني ليس له من سبيل سوى "التجرد الكلي الكامل" لله وحده لا شريك له؛ فنيته خالصة لله وحده، وعلمه ابتغاء مرضاة الله وحده، وبحثه واجتهاده من أجل الحق وحده، وكلمته وفتواه من أجل الله والدين والأمة، ثم هو بعد كل هذا الإخلاص والتجرد لا ينتظر جزاء مادي أو شكور معنوي، فهو غني بالله عن كل غيره.
لا ينتظر جزاء مادي، أو عطاء من سلطان، ولا ينتظر جزاء معنوي من رفع للذكر، وثناء على علم أو مكانة... إلخ، فهو في حالة تامة من "الاستقلالية" و"الحرية" الغير مرتبطة بحاكم أو حزب أو جماعة أو مذهب، ويجب أن يكون هذا حاله حتى ولو كان الحاكم عادلاً يقوم بالشرع والدين، فما بالنا إذا كانوا طغاة وطواغيت، تبيع الأمة كلها للعدو، وتكشف عورتها، وتسرق ثرواتها ؟!
ليس أمام أي عالم إلا قول الحق كاملاً خالصاً لوجه الله الكريم، وإن خاف البطش والعدوان فليس أقل من السكوت.. الذي هو أضعف الإيمان.
فأما من يلبس زي العلماء، ويمارس دور المُهرج على المسرح السياسي، فأولئك من أول من تُسعر بهم النار يوم القيامة، وقدر حذر منهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وكانوا أخشى ما يخافه النبي الكريم على أمته، فقال: " إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الأَئِمَّةُ الْمُضِلُّونَ " [مسند أبي داود الطيالسي / 1068] والأئمة هنا إما الإمامة في العلم والدين، أو الإمامة في الحكم والسلطان.
ألا فليلتجأ كل عالم إلى ركن الله المتين، لا ركن الطغاة والظالمين.. ويخلص علمه وعمله لوجه الله الكريم، ابتغاء رضوانه.. ويلتصق بالأمة المكلومة الحزينة، وصدق الله العظيم: { فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ [هود : 112، 113]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق