الأحد، 6 سبتمبر 2020

موقف الجاميّة المدخليّة من جماعة الإخوان المسلمين؟!

 

موقف الجاميّة المدخليّة من جماعة الإخوان المسلمين

وحين رفضت مصر الاعتراف بالمملكة السّعوديّة بعد نشأتها؛ كان الرّدّ السّعودي باستقبال الإمام حسن البنّا استقبال الرّؤساء وكان "المانشيت" العريض لصحيفة أمّ القرى يومها ""حسن البنّا..

 

"كلّنا إخوان" بهذه العبارة ردّ الملك المؤسّس عبد العزيز على الإمام حسن البنّا حين طلب منه فتح فرع لجماعة الإخوان المسلمين في السعوديّة.

وحين رفضت مصر الاعتراف بالمملكة السّعوديّة بعد نشأتها؛ كان الرّدّ السّعودي باستقبال الإمام حسن البنّا استقبال الرّؤساء وكان "المانشيت" العريض لصحيفة أمّ القرى يومها ""حسن البنّا.. على الرحب والسعة"

وبلغت العلاقة الوطيدة ذروتها بين الجماعة والنّظام السّعوديّ في عهد الملك فيصل الذي كان يرى في الجماعة أحد أهمّ وسائله في تحقيق مشروع المملكة المعلن تحت اسم "الوحدة الإسلاميّة" الذي رفعته في مواجهة المشروع القومي النّاصري.

ووصل الأمر بالعلاقة الوطيدة إلى أن تغدو المناهج التعليميّة والشرعيّة ـ وهي من أخطر القضايا التي تتعامل معها الدول بحساسية عالية ـ مناهج يعدّها كتّاب الجماعة ويشتركون في الإشراف عليها ومن أبرز هؤلاء المشرفين الأستاذ محمّد قطب شقيق الشّهيد سيّد قطب أحد أهمّ رموز جماعة الإخوان المسلمين.

شهدت العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين والنّظام الرّسمي في السعوديّة هزّات عنيفة كانت أقواها بعد انتصار الثّورة الإيرانيّة؛ إذ أعلنت الجماعة تأييدها ودعمها للثّورة وأرسلت وفدًا من قيادتها لتهنئة الخميني ممّا أثار غضب النّظام السعودي.

 كما تسببت حرب الخليج الثّانية بهزّة عنيفة بين النّظام السّعودي وجماعة الإخوان المسلمين؛ فالجماعة التي رفضت احتلال الكويت قد عبرن أيضًا في بيانات عدّة عن رفضها لاستقدام القوّات الأمريكيّة إلى منطقة الخليج والاستعانة بها في الحرب على العراق.

وكلّ هذه الهزّات لم تفصم عرى العلاقة بين النّظام السعودي وجماعة الإخوان المسلمين؛ غير أنَّ إجراءات الطلاق بدأت بعد الرّبيع العربيّ فعليًّا على يدي الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي شنّ حربًا ضروسًا على جماعة الإخوان المسلمين كي لا تفلح في الوصول إلى سدّة الحكم في بلاد الرّبيع العربيّ، وكانت المملكة هي التي تولّت كِبرَ الإطاحة بأوّل رئيس منتخب في مصر الشّهيد محمّد مرسي.

وعلى ما يبدو فإنَّ الموكّل بإعلان انتهاء العلاقة وتحوّلها من التّحالف إلى المعاداة هو وليّ العهد محمّد بن سلمان الذي أعلن بكلّ وضوح لوسائل الإعلام الأمريكيّة "بأن الإخوان هم دائمًا أساس الإرهاب" ووصل به الأمر إلى اتّهام جماعة الإخوان المسلمين باغتيال عمّه الملك فيصل!!

ولو تفرّسنا قليلًا في المشهد فسنجد أنّه ليس حالة تحوّل في الموقف من جماعة الإخوان المسلمين فقط بل إنَّ هذا التحوّل هو جزء من انتقال المملكة من طور "الوحدة الإسلاميّة" الذي رفعه الملك المؤسّس إلى طور "المشروع الإصلاحي" المنسلخ عن الهويّة السابقة للمملكة والذي يتبنّاه وليّ العهد محمد بن سلمان.

ومن الطبيعيّ جدًّا أن تتزامن هذه التحوّلات من النّظام السعودي تجاه جماعة الإخوان المسلمين مع تحركّ للجاميّة المدخليّة لمواجهة الجماعة وتحقيق رؤية "وليّ الأمر" الذي غدا يراها عبئًا ثمّ وصل به الأمر ليتّخذها عدوًّا.

جريمة "التحزّب" والسّعي للوصول إلى السّلطة

"أمّا السلفي فإنّه يوالي السّلفيين ويحب المنهج السّلفي ويكره الأحزابَ وأهلها"

هذا ما قاله الشيخ ربيع بن هادي المدخلي في سياق حديثه عن جماعة الإخوان المسلمين في محاضرته "الحثّ على المودّة والائتلاف والتحذير من الفرقة والاختلاف"

يرفع المداخلة عقيرتهم بالتحذير من وجود الجماعات، ولا تكاد تجد أحدًا منهم إلَّا ويحفظ عن ظهر قلب "كليشة" التحذير من التحزب والأحزاب والجماعات، وأنَّها من أخطر البدع على الإسلام.

وإنّك لتسمع دومًا صفة لا تنفكّ عن ألسنتهم إذا أرادوا وصف أيّ أحد من رموز أو علماء جماعة الإخوان المسلمين ابتداءً من مؤسسها الإمام البنّا إلى أيّ واحد في هذا العصر هي عبارة "متحزّب محترق"

وممّا يستنتجه المتتبّع لهجومهم العنيف على الجماعات والأحزاب هو أنَّ الغاية من ذلك هو شيطنة أيّة جهة يمكن أن تُقدِمَ على الانخراط في العمل السياسي والعمل العام منافِسَةً بذلك ولاة الأمر الذين ينبغي ألّا يقترب من حماهم مقترب.

ويفصح الجاميّة المدخليّة عن هذا الهدف في عباراتهم التي تشنّع على جماعة الإخوان المسلمين إيمانها بالعمل السياسي، ومن ذلك ما يقوله ربيع المدخلي في كتابه "جماعة واحد لا جماعات وصراط واحد لا عشرات" واصفًا جماعة الإخوان المسلمين:

" إنّ السياسيّين الجاهليّين بتحزّبهم مزّقوا شباب الأمة، وفرّقوهم أحزابًا وشيعًا، كلّ حزبٍ بما لديهم فرحون، وتابعوا الأحزاب الكافرة الظّاهرة والخفيّة في التّنظيمات السريّة والمشاركة في المجالس والبرلمانات والديمقراطيّة الكافرة في البلدان التي استعمرت ورضعت لبانَ الاستعمار بكلّ ما فيه من تقاليد وقوانين وأنظمة كافرة"

ثمّ تراه يشنّع على جماعة الإخوان فيقول: "وأهل البدع في هذا العصر مثل الإخوان المسلمون حينما اعتنقوا الاشتراكية والديمقراطية وأخوّة الأديان وحريّة التديّن ودعوة بعضهم إلى وحدة الأديان" وواضح تمامًا ما في العبارة من تدليسٍ وتخليط، وواضح أيضًا أنّ المراد هو شيطنة الجماعة في اعتناقها للعمل السياسي ودعوتها لحريّة التديّن!

وجوب استئصال جماعة الإخوان المسلمين

لا يحمل الجاميّة المداخلة حقدًا على أيّة جماعة أو تيار حقدهم على جماعة الإخوان المسلمين، وهذا مستتبع لحقد "وليّ الأمر" على الجماعة ومحاربته إيّاها.

وقد ظهر هذا الحقد جليًّا في مواقف الهزّات التي تعرّضت لها العلاقة بين الجماعة ونظام الحكم في السّعوديّة؛ فنجد الهجوم الجاميّ المدخلي على الإخوان المسلمين يأتي متطابقًا مع المزاج الرسميّ السّعودي من الجماعة.

ويتمّ إلباس الحملات الجاميّة على الجماعة ثوب الانتصار لعقيدة أهل السنة ومواجهة البدعة وهي في الحقيقة انتصار لرغبات "وليّ الأمر" وهجوم على كلّ من يزعجه.

فمن الطبيعيّ والحالة هذه أن يكون الهجوم المدخليّ الجاميّ على جماعة الإخوان المسلمين بالغًا أوجه عقب ثورات الرّبيع العربي.

وأن يتجلّى ذلك في دعم صريح وواضح لأنظمة الثّورات المضادّة في مواجهتهم الاستئصاليّة لجماعة الإخوان المسلمين التي أوصلتها ثورات الرّبيع العربي إلى سدّة الحكم في بعض البلدان.

ويتجلّى ذلك في الرّسالة التي وجّهها ربيع بن هادي المدخلي للجاميّة المداخلة في ليبيا الذين يقاتلون تحت إمرة حفتر وعنوَنَها "نصيحة للمسلمين عمومًا والسّلفيين خاصة، في ليبيا وغيرها من البلاد الإسلامية" حيث يقول فيها:

" وعلى السّلفيين في ليبيا النّصرة لدين الله تعالى وحمايته من الإخوان المسلمين وغيرهم؛ فالإخوان المسلمون أخطر الفِرق على الإسلام منذ قامت دعوة الإخوان المسلمين، وهم من أكذب الفرق بعد الروافض؛ عندهم وحدة أديان، ووحدة الوجود، وعندهم علمانية"

ثمّ يصل به الأمر حدًّا لم يبلغه من قبل في العداوة مع الجماعة؛ فيقول:

" الإخوان يلبسون لباس الإسلام وهم أشد على السّلفيين من اليهود والنصارى، داعش تربّت في إيران، وهم فصيل من فصائل الإخوان المسلمين، وهم أشد الأحزاب على السّلفيين يكفرونهم ويقتلونهم"

كلّ هذا يؤكّد أنَّ درجة معاداة الجاميّة للإخوان ليست متعلّقة بعقيدةٍ سليمةٍ ولا منهج قويم بل بدرجة معاداة "وليّ الأمر" لها، فينبغي إذن استئصالهم كونهم أشدّ على "السلفيين" من اليهود والنّصارى، ولو أنّك حذفت كلمة "السلفيين" من عبارة ربيع مدخلي ووضعت مكانها "المستبدّين" لاستقام لك المعنى واتّضحت أمام ناظريك حقيقةُ مراده.

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق