الاثنين، 22 مارس 2021

أسباب الإختلاف في الحكم على كثير من الأحاديث ؟!

 

بسم الله الرّحمن الرّحيم

 

مقدمة

 

الحمـد لله رب العالمين ، وصلاة الله وسلامه على سيّدنا محمد ، وعلى آله وصحبه ، وعلى مَن اتبع هداه بإحسان إلى يوم الدين .

[  الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون مَن ضل إلى الهدى ، ويصبرون منهم على الأذى ، يحيون بكتـاب الله الموتى ، ويبصرون بنور الله أهل العمى ، فكـم مـن قتيـل لإبليس قد أحيوه ، وكم من ضـال تائه هدوه ، فما أحسن أثرهم على الناس وأقبح أثر الناس عليهم !

ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، الذين عقدوا ألوية البدعة ، وأطلقوا عقال الفتنة ، فهم مختلفون في الكتاب ، مخالفون للكتاب ، متفقون على مخالفة الكتاب ، يقولون على الله ، وفي الله ، وفي كتاب الله بغير علم ، يتكلمون بالمتشابه من الكلام ، ويخدعون جهال النــاس بمــــا يشبهـون عليهـــم ، فنعـوذ بالله مــن فتـن المضليــن . . .  ] ([1]) .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الإختلاف في الحكم على كثير من الأحاديث

 

 إن الإختلاف في الحكم على كثير من الأحاديث ، هو كالإختلاف في الفروع الفقهية !

قد يعتبر محدث ما ، رجلاً في سند حديث ، ثقة ، وقد يعتبره آخر ، ضعيفاً .

وقد يعتبر محدث ، سند حديث ، متصلا بنقل العدل الضابط ، لا غبار عليه ، وعليه يحكم بصحة الحديث ، بينما يعتبره محدث آخر ، منقطعاً فيه علة ، وعليه يحكم على الحديث بالضعف !

وقد يعتبر محدث ، صفة ما في رجل السند ، سبب ضعف فيه ، بينما لا يعتبرها محدث آخر ، سبباً للضعف !



قد يكون المحدث مشدداً في قبول الحديث ، فيضعّف الحديث بأمور ، ويحسبها علل ، وهي ليست كذلك ! بينما يكون الآخر متساهلاً ، فيصححه ، وقد ، وقد . . . وهكذا !

فليس حكم المحدث على الحديث ، قرآناً لا يقبل الخطأ ! وليس هو قول للنبيّ r لا يقبل الردّ ! بل هو إجتهاد من قِبَل بشر ( علماء ) غير معصومين !

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

علم الحديث بحر لا ساحل له

 

الحكـم علـى حديث ما بالضعف ، غير الحكم عليه بالوضع !

فالحديث الموضوع يعني الكذب على النبيّ r .

 أما الحديث الضعيف بحسب حكم محدث ما ، فليس معناه أنه كذب ، بل هناك إحتمال أنّ النبيّ r قد قاله !

فكثير من الناس قد لا يفرّقون بين الضعف والوضع في الحديث ( بين الضعيف والموضوع ) ! فيعتبرونهما واحداً في الحكم ، وبالتالي يرفضونهما ، ويحكمون عليهما حكماً واحداً !

وعلم الحديث بحر لا ساحل له ، ومن مصائب الزمان أنه سبح فيه مَن يغرق في بركة ماء ! !

فتجد كثيراً ؛ ممــن لا يرتقون إلـى مستوى الدخول في دائرة هذا العلم ،  وأشباههم ، يقحمون أنفسهم في هذا المجال ، فيردّون على أئمة هذا الشأن أحكامهم ، إعتماداً على بضاعة مزجــاة كاسدة ، فيخبطون خبط عشواء ، كالعميان في ظلمة ظلماء !

ومـا مثلهـم مع أولئـك الأئمة الأعلام ، وعلمهم المزعوم إلّا – كما قيل – كرغوة بول ، في جنب بحر عظيم متلاطم !

ونحن نغترف من هذا البحر غرفة من أقوال العلماء ، وأئمة هذا الشأن ، ليعرف كلٌّ قدره فلا يتعدّاه ، فإن عصى أحدهم بعد ذلك فلا يلومنّ – يوم القيامة – إلّا نفسه ، ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) !

وذلك لأن هذا العلم العظيم ، قد تطاول إليه مَن لا يرتقي أن يكون خـادماً لكاتب ، أو خـادم أحـد المحدثين ؛ الذيـن قيـل فيهـم : ضعيف ، أو : إختلط ، أو يستشهد بحديثه ، أو . . . إلخ ، لا علماً ، ولا تقوى ، ولا اجتهاداً ، ولا ورعاً ، ولا . . . إلخ !

فتجدهم قد شوّهوا ( وهيهات أن يستطيعوا ) هذا الدين العظيم ، بتدخلهم الفج ، وتطاولهم على ثاني مصدر ، من مصادر الإسلام الحنيف ؛ والذي هو السنة النبوية الكريمة . فضعّفوا الصحيح ، وصححوا الضعيف ، وبدّعوا السنّة ، وسنّنُوا البدعة !

 

إنّ الله تعالى ، قد تكفل بحفظ دينه

 

ولكـن من رحمة الله تعالى ، أنه تكفّل سبحانه ، بنفسه حفظ هذا الدين ، بمصدريه : الكتاب والسنة ، من حيث أن السنة هي بيان للكتاب .

يقول تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ([2]) .  

[  وننظر نحن اليوم من وراء القرون إلى وعد الله الحق بحفظ هذا الذكر فنرى فيه المعجزة الشاهدة بربانية هذا الكتاب - إلى جانب غيرها من الشواهد الكثيرة –

 

ونرى أن الأحوال والظروف والملابسات والعوامل التي تقلبت على هذا الكتاب في خلال هذه القرون ما كان يمكن أن تتركه مصوناً محفوظاً لا تتبدل فيه كلمة، ولا تحرف فيه جملة ، لولا أن هنالك قدرة خارجة عن إرادة البشر ، أكبر من الأحوال والظروف والملابسات والعوامل ، تحفظ هذا الكتاب من التغيير والتبديل ، وتصونه من العبث والتحريف.

 

لقد جاء على هذا القرآن زمان في أيام الفتن الأولى كثرت فيه الفرق ، وكثر فيه النزاع ، وطمت فيه الفتن ، وتماوجت فيه الأحداث .

وراحت كل فرقة تبحث لها عن سند في هذا القرآن وفي حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودخل في هذه الفتن وساقها أعداء هذا الدين الأصلاء من اليهود- خاصة - ثم من «القوميين» دعاة «القومية» الذين تسمّوا بالشعوبيين !

ولقد أدخلت هذه الفرق على حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما احتاج إلى جهد عشرات العلماء الأتقياء الأذكياء عشرات من السنين لتحرير سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وغربلتها وتنقيتها من كل دخيل عليها من كيد أولئك الكائدين لهذا الدين .

 

كما استطاعت هذه الفرق في تلك الفتن أن تؤول معاني النصوص القرآنية ، وأن تحاول أن تلوي هذه النصوص لتشهد لها بما تريد تقريره من الأحكام والاتجاهات . .

 

ولكنها عجزت جميعاً - وفي أشد أوقات الفتن حلوكة واضطرابا - أن تحدث حدثاً واحداً في نصوص هذا الكتاب المحفوظ

وبقيت نصوصه كما أنزلها الله حجة باقية على كل محرف وكل مؤول وحجة باقية كذلك على ربانية هذا الذكر المحفوظ .

 

ثم جاء على المسلمين زمان - ما نزال نعانيه - ضعفوا فيه عن حماية أنفسهم ، وعن حماية عقيدتهم ، وعن حماية نظامهم ، وعن حماية أرضهم ، وعن حماية أعراضهم وأموالهم وأخلاقهم . وحتى عن حماية عقولهم وإدراكهم !

 

وغيّـر عليهــم أعـداؤهم الغالبون كل معروف عندهم ، وأحلوا مكانه كل منكر فيهم . . كــل منكــر مــن العقائــد والتصــورات ، ومن القيم والموازين ، ومن الأخلاق والعادات . ومن الأنظمة والقوانين . .

 

وزينوا لهم الانحلال والفساد والتوقح والتعري من كل خصائص «الإنسان» وردوهم إلى حياة كحياة الحيوان . . وأحياناً إلى حياة يشمئز منها الحيوان . .

 

ووضعوا لهم ذلك الشر كله تحت عنوانات براقة من «التقدم» و «التطور» و «العلمانية» و «العلمية» و «الانطلاق» و «التحرر» و «تحطيم الأغلال» و «الثورية» و «التجديد» . . . إلى آخر تلك الشعارات والعناوين . .

 

وأصبح «المسلمون» بالأسماء وحدها مسلمين . ليس لهم من هذا الدين قليل ولا كثير .

 

وباتوا غثاء كغثاء السيل لا يمنع ولا يدفع ، ولا يصلح لشيء إلا أن يكون وقوداً للنار . . وهو وقود هزيل ! . .

 

ولكن أعداء هذا الدين - بعد هذا كله - لم يستطيعوا تبديل نصوص هذا الكتاب ولا تحريفها . ولم يكونوا في هذا من الزاهدين .

فلقد كانـوا أحرص الناس على بلوغ هذا الهدف لو كان يبلغ ، وعلى نيل هذه الأمنية لو كانت تنال !

 

ولقد بذل أعداء هذا الدين - وفي مقدمتهم اليهود - رصيدهم من تجارب أربعة آلاف سنة أو تزيد في الكيد لدين الله . وقدروا على أشياء كثيرة . .

 

قدروا علـى الدس في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى تاريخ الأمة المسلمة .

 

وقدروا على تزوير الأحداث ودس الأشخاص في جسم المجتمع المسلم ليؤدوا الأدوار التي يعجزون عن أدائها وهم سافرون .

وقدروا علـى تحطيم الدول والمجتمعات والأنظمة والقوانين .

 

وقدروا على تقديم عملائهم الخونة في صورة الأبطال الأمجاد ليقوموا لهم بأعمال الهدم والتدمير في أجسام المجتمعات الإسلامية على مدار القرون ، وبخاصة في العصر الحديث . .

 

ولكنهم لم يقدروا على شيء واحد - والظروف الظاهرية كلها مهيأة له - . .

لم يقدروا على إحداث شيء في هذا الكتاب المحفوظ ، الذي لا حماية له من أهله المنتسبين إليه وهم بعد أن نبذوه وراء ظهورهم غثاء كغثاء السيل لا يدفع ولا يمنع فدل هذا مرة أخرى على ربانية هذا الكتاب ، وشهدت هذه المعجزة الباهرة بأنه حقاً تنزيل من عزيز حكيم .

 

لقد كان هذا الوعد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجرد وعد .

 

أما هو اليوم - من وراء كل تلك الأحداث الضخام ومن وراء كل تلك القرون الطوال . فهو المعجزة الشاهدة بربانية هذا الكتاب ، والتي لا يماري فيها إلا عنيد جهول :

 

« إِنَّـا نَحْنُ نَزَّلْنَـا الذِّكْـرَ، وَإِنَّـا لَـهُ لَحافِظُونَ» .. وصدق الله العظيم . . ) ([3]) .

        

         وكذلك السنة النبوية r ؛ التي هي ثاني مصدر من مصادر الإسلام .

 

فـ( لا يستطيع مَن يدرس موقف العلماء – منذ عصر الصحابة إلى أن تم تدوين السنة – من الوضع والوضاعين وجهودهم في سبيل السنة وتمييز صحيحها من فاسدها ، إلّا أن يحكم بأن الجهد الذي بذلوه في ذلك لا مزيد عليه ، وأن الطرق التي سلكوها هي أقوم الطرق العلمية للنقد والتمحيص ،

 

حتى لنستطيع أن نجزم بأن علماءنا رحمهم الله ، هُم أول مَن وضعوا قواعد النقد العلمي الدقيق للأخبار والمرويات بين أمم الأرض كلها ، وأن جهودهم في ذلك جهد تفاخر به الأجيال وتتيه به على الأمم  ) ([4]) .  

        

ولقد أخذ هارون الرشيد زنديقاً ليقتله فقال : أين أنت من ألف حديث وضعتها ؟ فقال الرشيد : أين أنت يا عدو الله من أبي إسحـاق الفزاري وابن المبـارك يتخللانهـا فيخرجانهـا حرفاً بحرف ؟ ([5])

         وقيل لابن المبارك : هذه الأحاديث الموضوعة ؟ فقال : تعيش لها الجهابذة !

 

ولقد ألقى الله تعالى ، هذه الأمانة الثقيلة ( حفظ الدين ) على أعناق العلماء ، في الأمم السابقة ، فلم يحفظوها .

يقول تعالى : (  إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ) ([6]) .

[  أي : بسبب أن الله استحفظهم على كتابه ، وجعلهم أمناء عليه ، وهو أمانة عندهم ، أوجب عليهم حفظه من الزيادة والنقصان والكتمان ، وتعليمه لمن لا يعلمه .

وهم شهداء عليه ، بحيث أنهم المرجوع إليهم فيه ، وفيما اشتبه على الناس منه . . . ] ([7]) . 

[ وقد استحفظ الله الربانيين والأحبار بالتوراة ، أي طلب منهم أن يحفظوها ، وكان هذا أمراً تكليفياً ، والأمر التكليفي عُرضة لأن يُطاع وعُرضة لأن يُعصى . واستحفظهم الله التوراة والإنجيل : { فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ } [ المائدة: 14]

 

وصار أمر المنهج منسياً . وليس على بالهم كثيراً ؛ لأن الأمر إذا توارد على البال واستقر دائما في بؤرة الشعور يظل في الذهن ، لكن النسيان يأتي عندما يكون الأمر بعيداً عن البال .

 

والحق طلب منهم أن يحفظوا المنهج ، ولكنهم - ما عدا النبيين - لم ينفذوا ، وكل أمر تكليفي يدخل في دائرة الاختيار ، ولذلك نجد أن الأحبار والربانيين قد نسوا ، وما لم ينسوه كتموه .

وأول مرحلة من مراحل عدم الحفظ أنهم نسوا ، والمرحلة الثانية هي كتمان ما لم ينسوه ، والثالثة هي : ما لم يكتموه حرَّفوه ولووا به ألسنتهم.

 

وياليتهم اقتصروا على هذه المراحل فقط ، ولكنهم جاءوا بأشياء وقالوا : هي من عند الله وهي ليست من عند الله: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكتاب بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ الله} [البقرة: 79]

 

إذن فالحفظ منهم لم يتم ؛ لذلك لم يدع الله القرآن للحفظ بطريق التكليف ؛ لأنه سبحانه اختبر البشر من قبل ، ولأنه أراد القرآن معجزة باقية ؛

لذلك لم يكل الله سبحانه أمر حفظه إلى الخلق ، ولكنه تكفل - سبحانه - بأمر حفظ القرآن : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}  ] ([8]) .

فالحمد لله الذي تكفل هو سبحانه ، بحفظ دينه ، بمصدريه اللذين هما مرجع كل مؤمن ، مسلم ، في علمه ، وتقواه ، وسَيره على الصراط المستقيم ، وصولاً إلى مرضاة رب العالمين .

 

 

 

 

 

 

 

 

ردّ التنازع إلى الله ورسوله

 

يقول تعالى : (  يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) ([9]) .

[  ثم أمر برد كل ما تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه إلى الله وإلى رسوله أي :

إلى كتاب الله وسنة رسوله ؛

 

فإن فيهما الفصل في جميع المسائل الخلافية ،

 

إما بصريحهما أو عمومهما ؛ أو إيماء ، أو تنبيه ، أو مفهوم ، أو عموم معنى يقاس عليه ما أشبهه ، لأن كتاب الله وسنة رسوله عليهما بناء الدين، ولا يستقيم الإيمان إلا بهما .

 

فالرد إليهما شرط في الإيمان فلهذا قال: { إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ } فدل ذلك على أن من لم يرد إليهما مسائل النزاع فليس بمؤمن حقيقة ، بل مؤمن بالطاغوت ، كما ذكر في الآية بعدها { ذَلِكَ } أي : الرد إلى الله ورسوله { خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا } فإن حكم الله ورسوله أحسن الأحكام وأعدلها وأصلحها للناس في أمر دينهم ودنياهم وعاقبتهم ) ([10]) .

 

ولهــذا فـإن التلاعب بهـذا الديـن ، ومحـاولة تفسيـره ، وشرحـه ، وتأويلـه ، وتوجيهـه مـن قِبــل أنــاس ينطلقــون مــن تفكير ، أشبه ما يكون تفكيراً بدويّاً ، ونفوس معقدة مريـضة ([11]) ، أمر جد خطير .

 

وهو قبل كل شيء عصيان لأوامر الله تعالى ، ويُخشى أن يدخل مرتكبه في حكم الآية الكريمة : (  أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ([12]) .

 

 

 

الرجوع إلى العلماء والخبراء

 

فقد أمر الله تعالى ، المؤمنين بقوله سبحانه : (  فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْر ) ([13]) .

فهذا أمر صريح من الله تعالى ، بأن الذي لا يعلم في أي أمرٍ ما ، فمن الفرض والواجب عليه ، أن يسأل أهل الإختصاص في ذلك !

 

ويقول تعالى : (  فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ) ([14]) .

 

وكذلك هنا ، يأمر الله سبحانه ، أن نسأل أهل الخبرة ؛ كلٌّ في مجاله !

 

فالله سبحانه ، يعلّم المؤمنين ، أن يتخصّصوا في مجالات العلم ، كل مجموعة تختص في علم ما ، ويكونوا خبراء ، ومراجع ، في ذلك المجال ، يرجع إليهم المؤمنون فيه .

لئلّا يكون هناك تخبط ، وتخليط ، واضطراب !     

 

ويقول تعالى : (  وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيم ) ([15]) .

 

وهنـا ، يعلّمنا الله ، سبحانه وتعالى ، أنّ لكل علم مختصون ، علماء ، في ذلك المجال ، هُم أهل لأن يدلوا بدلوهم فيه ! وفوق كل عالم مَن هو أعلم منه !

 

[  فكل عالم، فوقه من هو أعلم منه حتى ينتهي العلم إلى عالم الغيب والشهادة ] ([16]) .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

معادلة رياضية هندسية

 

ثم هناك مسألة أخرى مهمة وهي : أن هذا الدين في عمـومـه ، يشبه معـادلة رياضية هندسية محكمة – إذا صح التعبير !

لا يجوز لكل مَن هبّ ودبّ أن يتلاعب به ، ويحرّفه باسم الإجتهـاد والعلم ، وهـو أبعـد ما يكون عن ما يدّعيه ، ويتطاول إليه !

 

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ - أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ - شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ» ([17])

 

فشعب الإيمان ليست كلها بدرجة واحدة !

 

فهناك الأعلى والأفضل ، وهناك الأدنى ، وبينهما مراتب كثيرة ؛ بعضها أفضل من بعض !

 

وهناك أفضل الأعمال ؛ حيث هي أفضل من غيرها من الأعمال الصالحة !

 

وهناك أكبر الكبائر ؛ وهناك كبائر ، وهناك صغائر !

 

وهناك أعمال صالحة معيّنة ، هي أفضل من غيرها في بعض الأحيان :

 كإكرام الضيف هو أفضل في حينه ، من قراءة القرآن ، وإهمال الضيف !

 

والتصدق على الفقراء – من قبل الأغنياء – أفضل من صيامهم وعدم التصدق !

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

معاني الأمر

 

والأوامر في الكتاب والسنة ،  ليست في درجة واحدة !

 

1 - فهناك أوامر تفيد الوجوب : (  وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاة ) . فالصلاة والزكاة هنا واجبتان .

 

2 - وهناك أوامر تفيد الإباحة : (وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ) . (  فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّه ) .

 

فهل الصيد بعد التحلل من الإحرام ، واجب لأنه أُمِرنا به ؟ وهل التجارة بعد صلاة الجمعة ، واجبة لأنها أُمِرنا بها ؟ أم أنّ الأمر هنا يفيد الإباحة ، وعدم الإثم ؟

 

3 - وهناك أوامر تفيد الإرشاد : (  يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْل  ) .

 

فهل كتابة الدَين واجبة ، لأنها أُمِرنا بها ؟

الجواب : لا طبعاً ، بدليل أن الله تعالى ، قال بعدها :      (  فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَه  ) .

فهنا الأمر يفيد الإرشاد .

 

4 - وهناك أوامر تفيد التأديب : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا غُلاَمُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ» !

 

لماذا لا يفيد الوجوب ؟ الجواب : لأن الغلام غير مكلّف .

 

5 - وهناك أوامر تفيد التخيير ، وفي نفس الوقت هي تهديد وتخويف ، وهو أمر اختيار بين شيئين لا يجمع بينهما ! :  (  وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ  فَلْيَكْفُر ) .

 

فهل الكفر هنا واجب ، لأن الله تعالى أمر به ؟ ! أم هو تهديد ، وتخويف ؟

 

6 - وهناك أوامر تفيد التمني ؛ حيث الخطاب يتضمن أمراً محبباً ، ويمتنع وقوعه لعدم الإمكانية ، أو يدخل في حيز المستحيل . لأن التمني من لوازم الإمتناع !

(  وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِين ) .

 

فهل الكافرين يأمرون الله تعالى ، ويوجبون عليه أن يريهم المُضلّين ، ويحقق أمنياتهم ؟ ! أم أمرهم هنا يفيد التمني فقط ؟

 

7 - وهناك أوامر تفيد التحقير : الأمر للمخاطب للتقليل من شأنه . كقول الشاعر

دع المكارم لا ترحل لبغيتها           واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

 

فهل يأمر الشاعر المُخاطَب بترك المكارم ، والقعود عن طلبها ، ويصفها بالغنى واليسار ؟

أم أنه يحتقره ، ويهينه ، ويقول له : لا تتعب نفسك ، فأنت لستَ مـن أهـل المكارم ، بل أنت مشغول فقط بالأكل والثياب الجميلة ، حالك حال المرأة ؟ !

  

8 - وهناك أوامر تفيد التسوية ، إذا كان المخاطب لا يكترث فيما إذا حصل الفعل أو عدمه : (  اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) .

 

فهنا لا يؤمرون بالصبر ، بل يُقال لهم : لا فرق بين صبركم ، وجزعكم ، فأنتم في كلا الحالتين تُعذّبون ؟ ! فالأمر هنا لا يفيد الوجوب .

 

9 - وهناك أوامر تفيد التهديد : (  ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُون  ) . (  لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُون ) . (  إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) .

 

فهل يأمر الله تعالى ، هنا النبيّ r ، بترك دعوة الكفّار إلى الإسلام ، ليأكلوا ويتمتّعوا ، ويشغلهم الأمل ، عن التفكر في عاقبتهم ؟ أم هذا تهديد لهم ؛ حيث إن هذا هو حالهم ، فسوف يواجهون عقاباً أليماً ، على كفرهم هذا ، وإهمالهم لمصيرهم ؟

 

وهل يأمر الله تعالى الملحدين – هنا – بعمل ما يشاؤون ، حسب أهوائهم ، ولا شيء عليهم ، أم هذا تهديد شديد لهم ؟

  

10 - وهناك أوامر تفيد الدعاء : (  رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار ) . (  رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَار ) .

 

فهل العباد الصالحين يأمرون الله تعالى ، هنا ، ويوجبون عليه ، سبحانه ، أن يؤتيهم الحسنة ، في الدنيا والآخرة ، ويقيهم عذاب النار ، أم يتوسّلون ، ويدعونه ، تعالى أن يرحمهم ، بلطفه وكرمه ؟

 

11 - وهناك أوامر تفيد النصيحة والإرشاد ، إذا كان الخطاب موجّه من شخص أعلى منزلة ويتضمن معنى وعظي وإرشادي ، كخطاب الرسل إلى أتباعهم : ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُم ) .

 

12 - وهناك أوامر تفيد الإلتماس ، إذا كان الخطاب يتضمن أمراً إلى المتكلم المثيل والند ، والذي يتساوى معه في المنزلة والشأن : ( فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا  ) .

 

فهل بعضهم ، هنا يوجبون على بعضهم ، ويفرضون عليهم ، أن يبعثوا أحدهم ليأتيهم بالطعام الزكي ، والتلطف ؛ حتى لا يشعر بهم أحد ، أم هو إلتماس منهم ؟

 

13 - وهناك أوامر تفيد التعجيز ، وذلك إذا استعملت الصيغة في مقام إظهار عجز مَن يرى أن في وسعه وطاقته أن يفعل أمراً ، وليس في مقدوره أن يفعله : (  وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين ) .

14 - وهناك أوامر تفيد التسخير ، أي جعل الشيء مسخّراً منقاداً لأمر لا حيلة له فيه : (  وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِين ) .

 

فهل الأمر ، هنا يوجب عليهم أن يكونوا قردة خاسيئين باختيارهم ، أم فرض عليهم خارج إرادتهم .

 

15 - وهناك أوامر تفيد الإهانة ؛ وهي إظهار ما فيه تصغير المهان ، وقلة المبالاة به ، وذلك إذا استعملت الصيغة في مقام عدم الإعتداد بشأن المأمور : (  قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا ) .

 

فليس الغرض : الطلب ! أي : لا يُطلب منهم ، ولا يوجب عليهـم ، أن يكونـوا حجارة أو حديداً . بل هنا تظهر قدرة الله تعالى ، في إحياء الموتى مهما كانوا !

(  ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيم ) .

 

16 – وهنـاك أوامر تفيد الدوام : (  اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيم ) .

فالأمر المراد منه الدوام ، وهو بيان للمعونة المطلوبة ، فكأنه قال : كيف أعينكم ؟ فقالوا : اهدنا .

 

 17 - وهناك أوامر تفيد الإعتبار ، أي : أخذ العبرة :     (  انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) .

 

فليس معنى الأمر هنا ، وجـوب النظـر إلـى الثمار ، بل الأمر هنا بمعنى : أخذ العبرة بالنظر إليها [ نظر اعتبار واستبصار واستدلال على قدرة مقدّره ومدبره وناقله من حال إلى حال ] ([18]) .

 

18 - وهناك أوامر تفيد التلهف والتحسر : (  قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ ) .

فهل الأمر هنا ، يفيد وجوب الموت ، وفرضه عليهم ؟ أم يفيد اللهفة والحسرة عليهم ؟

 

19 - وهناك أوامر تفيد التسليم ، حيث يكون اللفظ أمراً . والمعنى تسليم وتفويض بأن يصنع ما يشاء : (  فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ ) .

أي : إصنع ما أنت صانع .    

(  ثُمَّ اقْضُوا إِلَي ) . أي : إعملوا ما أنتم عاملون .

فهل المسلمون هنا ، يأمرون فرعون ، ويوجبون ويفرضون عليه القضاء ؟

وهل نوح – عليه السلام – هنا يوجب عليهم المضي فيما أرادوا ، أم يتحدّاهم ؟

 

20 - وهناك أوامر تفيد الخبر : (  فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون ) .

 

فهل الأمر هنا ، يوجب الضحك عليهم قليلاً ، ويفرض عليهم أن يبكوا كثيرا ؟ أم الأمر هنا يفيد الخبر ، عن ما سيؤل إليه حالهم ؟

 

إلى غيرها من المعاني .

 

فليس صحيحاً أن يقال : كل أمر يفيد الوجوب . إلّا مع تكملته ، وهي : ما لم تكن هناك قرينة ( أي : دلالة ) تصرفه عن الوجوب !

 

وهذه الأمور يعرفها العلماء والأئمة ، وليس كل مَن هبّ ودبّ !

 

هل كلّ ما صدر عن النبيّ r يُعتبر سنة ملزمة ؟

 

ثم هناك مسألة أخرى مهمة أيضاً ، وهي :

 

 أنه ليس كل ما فعله رسول الله r ، أو صدر عنه ، يعتبر سنة ملزمة ، علينا تطبيقها ، وعدم مخالفتها !

 

فـ[  السنة . . . ما صدر عن رسول الله r ، غير القرآن من قول ، أو فعل ، أو تقرير ،

وهذا الذي صدر عنه : منه  ما لا يكون مصدراً للتشريع ، ومنه ما يكون مصدراً للتشريع العام أو الخاصّ .

أ – ما لا يكون مصدراً للتشريع :

وهو ما صدر عن رسول الله r ، باعتباره بشراً وإنساناً كالأكل والشرب ، والقيام والقعود ، والنوم والمشي ، واللبس ، والتزاور ، والمساومة في البيع والشراء .

ومـن هـذا القبيل مـا صدر عنه r وكان سبيله سبيل التجارب ، والعادة الشخصية ، أو الاجتماعية ، كالذي ورد في شؤون الزراعة والطبّ ،

 أو كان سبيلُه التدبيرَ الإنسانيَّ في شؤون الحياة ، كتوزيع الجيوش على المواقع الحربية ، وتنظيم الصفوف في الموقعة الواحدة ، واختيار أماكن النزول ، وما إلى ذلك .

فكلُّ ما نقل من هذا ، ليس شرعاً يتعلَّق به طلب الفعل أو الترك ،

وإنما هو من الشؤون البشرية ، التي ليس مسلكُ الرسول فيها تشريعاً ، ولا مصدرَ تشريع .

ومع هذا ، فقد كان من الصحابة من يقتفي أثر الرسول r ويحرص على متابعته في ذلك ، كعبد الله بن عمر رضي الله عنهما :

فإنه كان يتتبع مثلَ هذه الأفعال والتصرفات ، ويقتدي بالرسول فيها ، وهذا مسلكٌ عَليٌّ ، ومنهجٌ سامٍ ، لا يقدر عليه إلا ذو حظٍّ عظيم .

 

 

 

ب – ما يكون مصدراً للتشريع العامِّ أو الخاصِّ :

فالتشريع العام : ما يصدر عن الرسول r ، على وجه التبليغ بصفة أنه رسول ،

 كأن يبيِّنُ مجملاً في الكتاب ، أو يخصِّص عامّاً ، أو يقيد مطلقاً ، أو يبين شأناً في العبادات ، أو الحلال والحرام ، أو العقائد والأخلاق ، وما إلى ذلك .

فهذا تشريعٌ عــامٌّ أبـداً ، يجتنب المكلف ما كان منهيّاً عنه ويفعل ما كان مأموراً به ،

لا يتوقف في ذلك على شيء سوى العلم به ، والوصول إليه .

والتشريع الخاص نوعان :

1 - خاصٌّ بالذات ،

2 - وخاصٌّ بالوصف .

فالخاص بالذات : أفعاله r ، أو تصرفاته ، التي دلَّ الدليل على أنها من خصوصياته ،

 كتزوجه بأكثر من أربع ([19]) ،

وكون زوجاتِه أمَّهاتٍ للمؤمنين ([20]) ، لا يحلُّ لأحـدٍ أن يتزوجهن بعده ([21]) ،

وكشهادة خزيمة له وحده ([22]) ،

وكوصال الصيام في رمضان ([23])  ،

وهذا القسم خاصٌّ بذات الرسول r ، لا يشاركه فيه أحدٌ من الأمة ، ولا يقتدى به فيه .

والخاصُّ بالوصف : ما يصدر عنه r بوصف الإمامة والرياسة العامة ، مثل :

صرف أمـوال بيـت المـال في جهاتها ، وجمعها من محالِّها ، وتولية القضاة والولاة ، وعقد المعاهدات ،

 فهذا ليس تشريعاً عامّاً ،

بل هو خاصٌّ بمن اتَّصف بالوصف الذي انبت عليه هذه التصرُّفات ؛

 فـلا يجـوز الإقدام عليها لكلِّ أحدٍ من تلقاء نفسه ، بحجة أن النبيّ r فعله أو طلبه .

ومن هذا النوع ما يصدر عنه r بوصف القضاء ، فإنه كما كان رسولاً ورئيساً عامّاً ، كان قاضياً ، يفصل في الدعاوى والخصومات .

وما صدر عنه بهذا الوصف ليس تشريعاً عامّاً ؛ حتى يجوز لأي إنسان أن يقدم عليه بناءً على قضائه ،

بل على المكلف أن يتقيد في ذلك بقضاء القاضي ،

فمن كان له على آخر حقٌّ ، وجحده ، وله عليه بينة ، فليـس لـه أن يـأخذه بنفسه ، بناءً على أن رسول الله r حكم بالبينة ، بل إنه يتقيد بحكم الحاكم

وعدم الاتِّفاق في بعض الوقائع والقضايا على الجهة التي صدر عنها تصرف رسول الله r ، أو خفاء هذه الجهة ، قد أوقع الفقهاء في خلافٍ في طبيعة الحكم .

مـن ذلــك قـول النبـيّ r : (( مـن أحيـا أرضاً ميتة فهي له )) ([24]) .

فاختلف العلماء في الجهة التي صدر عنها هذا الحديث ،

 فذهب أبو حنيفة إلى أنه صدر عنه باعتبار إمامته ، فلا يكون حكماً عامّاً ،

ولا يجوز لأحد إحياء الأرض الموات التي ليس لأحد حقٌّ فيها إلا بإذن الإمام .

وذهب الجمهور إلى أن ذلك صدر منه بطريق التبليغ والفتوى ، فهو حكمٌ عامٌّ ،

وعلـى هذا : لكلِّ أحد أن يحيي الأرض الموات ، وتكون له ، أذن الإمام ، أو لم يأذن .

ومن ذلك ما روي أنَّ رسول الله r ، قال لهند بنت عتبة رضي الله عنها – لما قالت له : إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني وولدي ما يكفيني – :

 (( خـذي مـن مــالـه بالمعـروف ، مــا يكفيـك ويكفي  بنيك )) ([25]) .

فأفاد هذا الحديث أنَّ رسول الله r أباح لهند أن تأخذَ من مال زوجها بدون علمه ،

وهذا قدر متفق عليه بين الفقهاء ،

إلا أنهم اختلفوا في تكييف الواقعة ، واعتبارها من باب الفتوى أو القضاء .

فبعض الفقهاء – ومنهم الإمام الشافعي – اعتبرها من قبيل الإفتاء ؛ فيجوز لكلِّ امرأة أشبه حالُها حالَ هند أن تأخذ من مال زوجها بدون علمه وإذنه ما يكفيها ويكفي بنيها بالمعروف ،

ليس هذا فحسب بل قالوا أيضاً : يجوز لكلِّ من ظفر بحقِّه أن يأخذه بغير علم خصمه ،

 وبعضهم ذهب إلى أن هذا الإذن كان قضاءً منه r ؛ فلا يجوز لامرأة أخرى أن تأخذ من مال زوجها مثلما أجيز لهند إلا بحكم الحاكم ،

ولا يجوز أيضاً لأحد أن يأخذ حقَّه من غريمه إلا بقضاء قاضٍ ] ([26]) .

 فليس لكل مَن لم يصل إلى مرتبة الفهم والفطنة والذكاء والإستنباط ، أن يحكم على كثير من الأمور بأنها سنة يجب على المكلف تنفيذها وتطبيقها ،

أو يحكم عليها بأنها غير ملزمة !

تعظيم دين الله تعالى من تقوى القلوب

 

فهذا دين الله تعالى ، يجب إحترامه ، والنظر إليه بهيبة وإجلال !

(  وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوب ) .

 

يصف مطرفٌ تلميذ الإمام مالك حاله عندما انتقل درسه إلى بيته فيقول :

كان مالك إذا أتاه الناس خرجت إليهم الجارية، فتقول لهم: «يقول لكم الشيخ: أتريدون الحديث أم المسائل؟»،

 

فإن قالوا المسائل خرج إليهم فأفتاهم،

 

وإن قالوا الحديث قال لهم: «اجلسوا»، ودخل مغتسله، فاغتسل وتطيب ولبس ثياباً جدداً، ولبس ساجة وتعمم، وتُلقى له المنصة،

 فيخرج إليهم قد لبس وتطيب، وعليه الخشوع، ويوضع عودٌ فلا يزال يتبخر حتى يفرغ من حديث رسول الله r .

 

وقال عبد الله بن المبارك : كنت عند مالك وهو يحدثنا حديث رسول الله r ، فلـدغتـه عقـرب بست عشرة مـرة ومالــك يتغير لونـه ويصفـر ولا يقطــع حديـث رسـول الله r ،

فلما فرغ من المجلس وتفرق الناس قلت: «يا أبا عبد الله، لقد رأيت اليوم منك عجباً؟»، فقال: «نعم، إنما صبرت إجلالاً لحديث رسول الله !

 

هكـذا ينظـر إلـى هــذا الدين مَن يعرفه ، ويعلم دين مَن هذا ؟ !

 

أما مَن لا يعلم قدر نفسه ، فإنه سوف يتطاول ، ويُقحِم نفسه فيما لا يعنيه ! ولا يعظم شعائر الله تعالى ، ولا ينظر إليها بعين الرهبة والإجلال !

 

فقد نرى كثيراً من الذين لا يعرفون كتابة إسمهم ، ولا يعرفون قراءة جملة مفيدة يتطاولون ، وينافسون الأئمة الكبار في الفتاوى ، وتصحيح الأحاديث وتضعيفها ، والرد على أئمة المذاهب وتخطئتهم .

 

وبضاعتهم في كل ذلك إن هي إلّا التقليد الأعمى ، والتعصب والتحزب ، مع الفقر الشديد في العلم ، بل الفقر الشديد في قراءة جملة واحدة !

 

(  وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ

 عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ) .   

[  جزع بعضهم عند الموت فقيل له في ذلك فقال أخاف ذنباً لم يكن مني على بال وهو عند الله عظيم ] ([27]) .

 

         فهؤلاء الذين يتهيّب أحدهم ويخشى ، أن يتدخّل في أمور أي حزب دنيوي ، ولكن عند تدخّله في دين الله هو فارس مغوار ، وإمام همام ، سوف يرى مغبة جريمته هذه ، يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذٍ لله !

        

 

        

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بعض أقوال العلماء ؛ أئمة هذا العلم

 

 

وسننقل هنا بعض أقوال أئمة هذا الشأن ، في هذا الفن ؛ ليتبين لنا بعض جوانب علم الحديث ، حتى يعلم مَن لا يعلم السباحة في بركة ماء ، كيف يجني على نفسه وهو يريد الغوص في بحر لا ساحل له .

        

وهذه الأقوال منقولة ؛ فهي ليست أقوالي ، وكثير منها لم أنقل مصادرها ، وهي ثابتة عن أصحابها :      

 

 

 

 

 

 

 

إبن تيمية : كانت دواوينهم صدورهم !

 

 

قال الحافظ ابن تيمية رحمه الله تعالى :

[ قد يكون عند الرجل الدواوين الكثيرة وهو لا يحيط بما فيها بل الذين كانوا قبل جمع هذه الدواوين أعلم بالسنة من المتأخرين بكثير ؛

لأن كثيرا مما بلغهم وصح عندهم قد لا يبلغنا إلا عن مجهول ؛ أو بإسناد منقطع ؛ أو لا يبلغنا بالكلية فكانت دواوينهم صدورهم التي تحوي أضعاف ما في الدواوين

وهذا أمر لا يشك فيه من علم القضية ] ([28]) .

 

 

إبن حجر العسقلاني : الرجوع إلى أئمة هذا العلم ، في الحكم على الأحاديث

و يقول الحافظ ابن حجر  : [ فمتى وجدنا حديثا قد حكم إمام من الأئمة المرجوع إليهم بتعليله، فالأولى اتباعه في ذلك كما نتبعه في تصحيح الحديث إذا صححه، وهذا الشافعي مع إمامته يحيل القول على أئمة الحديث في كتبه فيقول : وفيه حديث لا يثبته أهل العلم بالحديث ] ([29]) .  

 

السخاوي : كلام المتقدّمين هو المعتمد !

 

ويقول السخاوي : [ فمتى وجدنا في كلام أحد المتقدمين الحكم به كان معتمدا لما أعطاهم الله من الحفظ الغزير وإن اختلف النقل عنهم عدل إلى الترجيح ] ([30]) .  

 

إبن كثير : كلام أئمة هذا الشأن ينبغي أن يؤخذ مسلّماً

 

ويقول الحافظ ابن كثير : [ أما كلام هؤلاء الأئمة المنتصبين لهذا الشأن فينبغي أن يؤخذ مسلما من غير ذكر أسباب،

وذلك للعلم بمعرفتهم ، واطلاعهم ، واضطلاعهم في هذا الشأن ، واتصفوا بالإنصاف والديانة ، والخبرة والنصح ،

لاسيما إذا أطبقوا على تضعيف الرجل أو كونه متروكا أو كذابا ، أو نحو ذلك .

 

فالمحدث الماهر لا يتخالجه في مثل هذا وقفة في مواقفهم ، لصدقهم وأمانتهم ونصحهم  ] ([31]) .

 

 

أبو حاتم ، ينذر بالتصدّق –  لكل حديث صحيح ، لم يسمع به – بدرهم

 

قَالَ ابنُ أبي حَاتم : [ سمعتُ أبى - رَحِمَهُ اللهُ - يقولُ: قلتُ عَلى بابِ أبى الوليد الطّيالسيّ :

مَنْ أَغْرَبَ علىّ حَدِيثاً غَريباً مُسْنداً صحيحاً لَمْ أسْمعْ بهِ فَلَهُ عَلىّ دِرْهمٌ يتصدقُ بهِ ،

وَقدْ حَضَرَ عَلى بابِ أبى الوليد خَلْقٌ مِنْ الخلقِ : أبو زُرْعةَ فَمَنْ دُونَهُ ،

وإنَّما كَانَ مرادي أنْ يُلْقَى علىَّ مَا لَمْ أسْمعْ بهِ فيقولونَ : هُوَ عِندَ فلان فأذهب فأسمع ،

وكَانَ مرادي أنْ استخرجَ مِنْهم مَا ليسَ عندي فما تهيأ لأحدٍ منهم أنْ يغربَ علىَّ حديثاً ] ([32]) .

التصحيح والتضعيف أمر اجتهادي

 

[ التصحيح أو التضعيف حكم، وهذا الحكم يصل إليه المصحح أو المضعف بعد استكمال البحث والنظر ، وبعد الاطلاع والاستقراء والتتبع ،

 ثم جمع أقوال الأئمة في الراوي ، وجمع طرق الحديث، فإن غلب على ظنه بعد ذلك صحة الحديث حكم بصحته ، وإن غلب على ظنه ضعفه حكم بذلك ،

والمقصود هنا أن هذا المجال يدخله الاجتهاد ، وتتباين فيـه أنظــار المجتهديـن ، وتختلف أحكـامهــم، وتتعـارض أقوالهم ، ([33])

وليس بمرضيّ أن يجرّ ذلك إلى التعصب الذميم للرأي ، والتنازع والشقاق والتنابز بالألقاب ،

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [ والمقصود هنا التمثيل بالحديث الذي يروى في الصحيح ، وينازع فيه بعض العلماء، وأنه قد يكون الراجح تارة وتارة المرجوح،

ومثل هذا من موارد الاجتهاد في تصحيح الحديث كموارد الاجتهاد في الأحكام  ] ([34]) .

وقال الصنعاني: التصحيح والتضعيف من المسائل الاجتهادية النظرية .

وإذا كان الأمر كذلك فيجب أن تتوافر فيمن يتصدى له شروط الاجتهاد في بابه،

وهذا قول وسط بين القول بغلق باب الحكم على الأحاديث وبين فتح الباب مطلقاً .

 

 

 

 

التضعيف بالنسبة للمتأخرين

 

إذا وثق الراوي بعض الأئمة المتقدمين ممن عاصره أو كان قريب العهد بعصره فهل يلتفت إلى تضعيف من ضعفه من المتأخرين ؟ !

لا يخفى أن الراوي أعرف بمشايخه ومعاصريه، وأدرى بأحوالهم وحديثهم وكذلك كلما قرب زمن الراوي من شيخه كلما كان حكمه في ذلك أقرب إلى الحق ،

فإن طول العهد ، وتباعد الزمان أدعى لاحتمال ضعف النقل ، وكثرة الوسائط ،

وعليه فإن توثيقه إذا كان من أهل الخبرة ، والدراية ، والاعتدال ، مقدم على تضعيف المتأخر .

قال ابن حجر : القسم الثاني فيمن ضعف بأمر مردود كالتحامل أو التعنت أو عدم الاعتماد على المضعف لكونه من غير أهل النقد . . أو لتأخر عصره .

 

وقال في ترجمة إسرائيل بن يونس :

وبعد ثبوت واحتجاج الشيخين به لا يجمل من متأخر لا خبرة له بحقيقة حال من تقدمه أن يطلق على إسرائيل الضعف ،

 ويرد الأحاديث الصحيحة التي يرويها دائماً لإسناده إلى كون القطان كان يحمل عليه من غير أن يعرف وجه ذلك الحمل  

 

صحة السند أو ضعفه لا تستلزم صحة الحديث أو ضعفه

مما تقرر في علوم الحديث أن صحة سند الحديث لا تستلزم صحة الحديث

وذلك لاحتمال وجود علة أو شذوذ في متنه،

وكذلك فإن ضعف السند لا يلزم منه ضعف الحديث لاحتمال أن يكون المتن قد صح من طريق أخرى.

وإذاً فمن التسرع وعدم التثبت أن ينظر طالب العلم إلى إسناد الحديث

فإذا وجده متصلاً ووجد رجاله موثقين حكم بصحة الحديث قبل أن يمعن النظر جيداً في متنه ، أو شواهده ومتابعاته

 

شروط الحكم على الحديث بناءً على صحة إسناده

ولكن يسوغ الحكم على الحديث بناء على صحة إسناده بشروط ثلاثة وهي :

1 - أن يكون هذا الحكم صادراً من حافظ متأهل لذلك .

2 - أن يبذل الجهد والوسع في التفتيش وتتبع الطرق والشواهد .

3 - أن الحكم مع ذلك يكون ظنياً .

قال السخاوي : إذا بلغ الحافظ المتأهل الجهد، وبذل الوسع في التفتيش على ذلك المتن من مظانه فلم يجده إلا من تلك الطرق الضعيفة ساغ له الحكم بالضعف بناء على غلبة الظن ([35])

 

أموراً هامة أضافها الشيخ عبد الرحمن المعلمي

 

وقد ذكر الشيخ عبدالرحمن المعلمي أموراً هامة إضافة إلى ما تقدم لابد من مراعاتها قبل الحكم على الراوي ، ليكون الحكم على حديثه صواباً وتتلخص هذه القواعد فيما يلي :

1 - إذا وجدت في ترجمة الراوي (( وثَّقه فلان )) أو       (( ضعفه فلان )) أو (( كذبه فلان )) فلتبحث عن عبارته فقد تكون نقلت عنه بالمعنى، ولم يذكر ذلك في الراوي نصاً .

2 - تراجع لذلك عدة كتب فإن وجدت اختلافاً بينها بحثت عن العبارة الأصلية .

3 - ينبغي تأمل عبارة المزكي ومخارجها، ومناسبة ذكرها ،

فربما سئل المحدث عن رجل فيحكم عليه بحسب ما عرف من مجموع حاله ،

 ثم يسمع له حديثاً فيحكم عليه حكماً مناسباً لحاله في ذلك الحديث ،

ثم يسمع له حديثاً فيعطيه حكماً آخر .

4 - ربما يجرح أحدهم الراوي لحديث واحد يستنكر له .

5 - لابد من التوثق والبحث عن رأي كل إمام من أئمة الجرح والتعديل واصطلاحه مستعيناً على ذلك بتتبع كلامه في الرواة ، واختلاف الرواية عنه في بعضهم مع مقارنة كلامه بكلام غيره .

وقد اختلف كلام ابن معين مثلاً في جماعة يوثق أحدهم تارة ، ويضعفه أخرى ،

وهذا يشعر بأنه ربما كان يطلق كلمة (( ثقة )) لا يريد بها أكثر من أن الراوي لا يتعمد الكذب ،

وقد يطلق كلمة (( ليس بثقة )) على معنى أن الراوي ليس بحيث يقال فيه ثقة على المعنى المشهور لكلمة ثقة .

وقد يُجرح الراوي بما لا يعد جارحاً على التحقيق .

 

 

 

الفرق بين الحسن والضعيف

 

من الأمور التي تحتاج إلى تحرير في مجال التصحيح والتضعيف :

موضع الفرق بين الحديث الحسن والحديث الضعيف ،

 ولا يخفى أن تحرير هذا الموضع يحتاج إلى تدقيق وإمعان نظر ،

إذ ليس هناك ضابط لأوصاف الحسن التي لا يمكن تداخل بعضها في بعض أوصاف الضعيف .

ومن الضعيف كذلك ما هو متردد بين الحُسن والضعف ،

 ولذا نرى أن بعض المحدثين كثيراً ما يتردد في الحكم على الحديث بأحد الوصفين فنجد في كلامهم:

(( حديث حسـن إن شــاء الله )) ، (( حديـث محتمـل للتحسين )) ، (( إسناده مقارب )) ،

وغير ذلك من العبارات التي تدل على عدم الجزم في الحكم على الحديث ،

وذلك بناء على التردد في بعض أوصاف الرواة أو غير ذلك  .

قال الذهبي : لا تطمع بأن للحسن قاعدة تندرج كل الأحاديث الحسان فيها فإنا علـى إياس مـن ذلك ،

 فكم من حديث تردد فيه الحفاظ هل هو حسن أو ضعيف أو صحيح

بل الحافظ الواحد يتغير اجتهاده في الحديث الواحد ، فيوماً يصفه بالصحة ويوماً يصفه بالحسن ولربما استضعفه .

وقال : الحسن لا ينفك عن ضعف ما ، ولو انفك عن ذلك لصح باتفاق .

وقال أيضاً : الضعيف الذي يعد من آخر مراتب الحسن ، وهو الضعيف الذي في السنن وفي كتب الفقهاء ، ورواته ليسوا بالمتروكين كابن لهيعة .

وقال ابن الجوزي في تعريف الحديث الحسن : ما به ضعف قريب محتمل  .

وإنما سقت هذا لا ليظن أن الحديث الحسن غير صالح للاحتجاج به ،

بل لبيان أن التمييز بينه وبيـن الضعيف يتطلب مزيداً من التحقيق والممارسة ، ومراعاة أقوال الأئمة ، وتحريـر عبـاراتهم في الجرح والتعديل ، إضافة إلى التيقظ والفهم  .

 

بعض القرائن التي تراعى في المصححين والمضعفين

 

ليس كل إمام من أئمة الجرح والتعديل يعتمد قوله في كل راوٍ ،

فقد قلنا إن التصحيح والتضعيف أمر اجتهادي ،

ولذلك فإن الاختلاف في جرح الراوي وتعديله ، يوجب التثبت في ترجيح أحد الأمرين على الآخر، وإلى اتباع القواعد العلمية الدقيقة في تقديـم أحد الأمرين على الآخر ،

فــإنـه قد وقع الطعن من بعض المجرحين في بعض الرواة ، وعند التأمل تبين أن هذا الطعن لا يلتفت إليه ، ولا يعول عليه .

 

أهم أسباب الطعن التي لا يُعمل بها

وهذه أهم أسباب الطعن التي لا يعول عليها ، وإن صدرت من أئمة من أهل الرسوخ في هذا الشأن :

1 - الطعن بسبب الدخول في أمر الدنيا ، كولاية الحسبة أو القضاء ونحوه.

2 - الطعن بسبب التحامل الواقع بين الأقران والتعاصر كطعن مالك في ابن اسحق مثلاً .

3 - الطعن بسبب اختلاف العقائد والرأي كطعن نعيم بن حماد والجورقاني في بعض أهل الرأي والبدعة .

4 - الطعن في راوٍ توهماً أن الحمل عليه لتفرد أو نكارة في حين أن الحمل يكون فيه على غيره  .

5 - الطعن ممن هو ليس أهلاً لذلك لضعف فيه ، كالكديمي ، والأزدي .

6 - الطعن في راوٍ متوهماً أنه راوٍ آخر .

7 - الطعن فيه من قبيل التشدد والتعنت .

8 - الطعن لعداوة دنيوية كطعن ربيعة بن عبدالله بن ذكوان (أبي الزناد) .

9 - الطعن للجهل بحال الراوي أو عينه كما يقع لابن حزم وابن القطان .

10 - الطعن بغير طاعن .

قال ابن حجر رحمه الله : وأعلم أنه قد وقع من جماعة الطعن في جماعة بسبب اختلافهم في العقائد ،

فينبغي التنبه لذلك وعدم الاعتداد به إلا بحق ،

وكذا عاب جماعة من الورعين جماعة دخلوا في أمر الدنيا فضعفوهم لذلك ولا أثر لذلك التضعيف مع الصدق والضبط  

وأبعد ذلك كله من الاعتبار تضعيف من ضعف من الرواة بأمر يكون الحمل فيه على غيره ،

 أو للتحامل بين الأقران ،

وأشد من ذلك تضعيف من ضعف من هو أوثق منه ، أو أعلى قدراً ، أو أعرف بالحديث

فكل هذا لا يعتبر به .

 

الراوي المختلف فيه

 

إذا اختلفت أقـوال المحدثيـن فـي الراوي ،

منهم من يوثقه ، ومنهم من يجرحه ويطعن فيه ،

فما حكم حديثه ؟

هل نغلب جانب الجرح احتياطاً فنعد حديثه مردوداً ،

أو نغلب جانب التعديل فنعده صحيحاً ؟

أو نتوسط في ذلك فنجعل حديثه من نوع الحسن ؟

إعلم أن هذه المسألة من أهم مسائل التصحيح والتضعيف

 

الرواة من حيث القبول والرد ينقسمون

 إذ أن الرواة من حيث القبول والرد ينقسمون إلى ثلاثة أقسام :

الأول : متفق على جلالتهم وإتقانهم ، أو على توثيقهم جمهور الأئمة جهابذة هذا الشأن وفرسانه ،

 فلا يلتفت إلى ما فيهم من جرح عام ،

وإنما ينظر إلى ما جرحوا فيه من جرح خاص

يتعلق بالطعن في بعض حديثهم

أو في روايتهم عن بعض شيوخهم ،

أو ما ثبت أنهم وهموا فيه من وهم يسير لا يضر في جانب إتقانهم وضبطهم .

الثاني : قسم متفق على ضعفهم ، أو على تضعيفهم جمهور أئمة هذا الشأن

فلا يتلفت إلى توثيق من وثقهم توثيقاً عاماً ،

وينظر في ذلك إذا كان التوثيق خاصاً

كتوثيقه في الرواية عن شيخ معين

أو روايته لصحيفة معينة ،

أو ضبطه لحديث بعينه .

 

القسم الثالث : وهم الرواة المختلف فيهم ،

وهنا مربط فرس المحققين ، ومناخ رواحلهم ،

 

 

 

 

تحرير عبارات الأئمة ، ومعرفة مناهجهم

 

وهنا يجب تحرير عبارات الأئمة ، ومعرفة مناهجهم في الحكم على الرواة تساهلاً وتشدداً واعتدالاً ،

ومعرفة سياق كلامهم في الراوي ،

وقرائن التجريح والتعديل.

ومن ذلك أيضاً اختلاف قول الإمام الواحد في الراوي الواحد يوثقه مرة ويطعن فيه أخرى ،

ويحسن حاله مرة ثالثة ،

فيتعين معرفة عادة ذلك الإمام

أو معرفة آخر أقواله في الراوي

أو أضبط الروايات عنه ،

أو سياق كلامه وغير ذلك من القرائن .

 

حكم حديث المختلف فيه

 

ومما ينبغي أن يعلم في هذا الشأن أنه لا يصلح أن يطرح حديث الراوي أو يتوقف فيه ، للاختلاف فيه ، أو لإطلاق الكلام فيه ، وإلا للزم تضعيف آلاف الأحاديث وردّها .

ولذا فقد ذهب عدد من المحدثين كأحمد في مسنده ، والنسائي في سننه وغيرهما إلى أنه لا يترك حديث الرجل حتى يجمع الجميع على تركه .

وصرح جمع من العلماء . . . أن حديث المختلف فيه يعد من الحسن

 

 

 

 

 

شروط تحسين حديث المختلف فيه

وبتأمل أقوالهم في هذه المسألة نجد أن لا يصار لهذا الحكم إلا بشروط  وهي :

1 - أن لا يكون هناك قرينة قوية ترجح أحد الجانبين أي الجرح والتعديل على الآخر ،

كأن يكون المعدلون أشهر أو أكثر عدداً ،

أو أن يكون الجرح صادراً من غير عدل متيقظ ،

أو أن يجرح بما لا يعد جارحاً ،

أو غير ذلك من أسباب الطعن غير المعتبرة المتقدمة .

 

2 - أن لا يكون للراوي أحاديث تستنكر عليه ، وهي التي طعن فيه بسببها فإن هذا يرجح القول بتضعيفه.

قال الذهبي في جزء (( من تكلم فيه وهو ثقة )) : [ هذا فصل نافع في معرفة ثقات الرواة الذين تكلم فيهم بعض الأئمة بما لا يرد أخبارهم ، وفيهم بعض اللين ، وغيرهم أتقن منهم واحفظ ،

فهؤلاء إن لم يكن حديثهم في أعلى مراتب الصحيح فلا ينزل عن رتبة الحسن ،

اللهم إلا أن يكون للرجل منهم أحاديث تستنكر عليه ، وهي التي تكلم فيه من أجلها ] ([36]) .

 

3 - أن يكون هذا الراوي مشهوراً بالصدق أو الستر ،

وهذا يعني المتهم بالكذب أو فاحش الخطأ لا يكون حديثه حسناً ، ولو وثق ،

إلا أن يكون اتهامه من قبيل التحامل

أو من غير متقن

أو متعنت.

قال ابن الصلاح :  إذا كان الراوي متأخراً عن درجة أهل الحفظ والإتقان غير أنه من المشهورين بالصدق والستر ،

وروي مع ذلك حديثه من غير وجه فقد اجتمعت له القوة من الجهتين وذلك يرقى حديث من درجة الحسن إلى درجة الصحيح .

ومثل ابن الصلاح لذلك بمحمد بن عمرو بن علقمة فهو من المشهورين بالصدق والصيانة ولكنه لم يكن من أهل الإتقان حتى ضعفه بعضهم من جهة سوء حفظه ، ووثقه بعضهم لصدقه وجلالته قال :

فحديثه من هذه الجهة حسن ([37]) .

وقال المنذري في مقدمة الترغيب : وقد لا أذكر الراوي المختلف فيه فأقول إذا كان رواة إسناد الحديث ثقات وفيهم من اختلف فيه :

 إسناده حسن أو مستقيم أو لا بأس به ونحو ذلك حسبما يقتضيه حال الإسناد والمتن وكثرة الشواهد .

وقال الحافظ ابن حجر : لا يحكم على رواية مختلف في توثيقه بالصحة بل غايته أن يكون حسناً .

وقد فصل القول في هذه المسألة العلامة المعلمي فقال :

إذا اختلفوا في راوٍ فوثقه بعضهم ولينه بعضهم ، ولم يأت في حقه تفصيل فالظاهر أنه وسط فيه لين مطلقاً ،

وإذا فصلوا أو أكثروا الكلام في راوٍ فثبتوه في حال ، وضعفوه في أخرى فالواجب أن لا يؤخذ حكم ذاك الراوي إجمالاً إلا في حديث لم يتبين من أي الضربين هو ،

فأما إذا تبين فالواجب معاملته بحسب حاله .

وعلى ذلك فإن من يريد الحكم على الحديث بالتضعيف أو التحسين أو التصحيح

لابد له من جمع ما قيل في الراوي من جرح وتعديل ،

 ثم الموازنة بين الأقوال ، والنظر إلى قرائن الترجيح بينها ،

فإن كان الراوي ممن يوصف بأنه مختلف فيه فإن حديثه يعد من الحسن بالشروط المتقدمة ،

وإلا فيعطي الحكم الذي ترجح لديه .

 

هل وصف المحدّث ، بكثرة العبادة يُعد توثيقاً له ؟

 

ومما يجدر ذكره هنا أنه لا يعد من التوثيق للراوي وصفه بكثرة العبادة من صلاة وصيام وغيرهم ،

وكذلك في عدله في ولاية المظالم ،

أو زهده وتخشنه في العيش ، واشتهاره بالصلاح والورع كما ذهب إليه بعض العلماء .

لأن توثيق الراوي يشمل عدالته ، وصدقه ، وضبطه وحفظه لما يروي ،

فذكره بالصلاح والعبادة ونحو ذلك يثبت الأمر الأول ، ولا يثبت الثاني ، فإن الضبط يعرف بأمور أخرى ،

بل قد يكون الراوي مبتدعاً ، أو سيء الرأي في بعض أمور الدين ،

لكن يقبل حديثه إذا كان ضابطاً لما يروي ، غير متهم بكذب ،

فقد كان ابن خزيمة رحمه الله إذا حدث عن شيخه عباد بن يعقوب الكوفي يقول : حدثنا الثقة في روايته المتهم في رأيه .

 

الراوي المجهول

 

جهالة الراوي لا تعني رد حديثه مطلقاً

فإن الرواة يتفاوتون في ذلك ، تبعاً لعصورهم ،

فجهالة الراوي المعدود من كبار التابعين ليست كجهالة الراوي المتأخر عن ذلك كأن يكون من صغارهم أو ممن بعد عصرهم ،

كما أن الحال يختلف باختلاف الأمر من روى عن هذا المجهول هل هو من أهل الإتقان والتحري أولا

ويختلف الأمر أيضاً بالنسبة لمن روى عنه البخاري ومسلم فإنه لا يوصف بالجهالة إذا كان ممن تلقى حديثه بالقبول .

قال الذهبي  : وأما المجهولون من الرواة فإن كان الرجل من كبار التابعين أو أوساطهم احتمل حديثه ، ويتلقى بحسن الظن إذا سلم من مخالفته الأصول ، وركاكة الالفاظ  .

وإن كان الرجل منهم من صغار التابعين فيتأنى في رواية خبره ، ويختلف ذلك باختلاف جلالة الراوي عنه ، وتحريه ، وعدم ذلك .

وإن كان المجهول من أتباع التابعين فمن بعدهم فهو أضعف لخبره سيما إذا انفرد به .

قلت : وهذا هو مذهب الكثير من المحدثين .

قال المعلمي : وكذلك ابن سعد وابن معين والنسائي وآخرون غيرهم يوثقون من كان من التابعين أو أتباعهم إذا وجدوا رواية أحدهم مستقيمة بأن يكون له فيما يروى متابع أو شاهد .

وقال ابن حجر : لا يضعف بالجهالة من روى عنه البخاري .

وقال السخاوي : بل صرح بعضهم باستلزام القول بالقطع بصحة ما لم ينتقد من أحاديثهما القطع بعدالة رواتهما يعني فيما لم ينتقد .

وعليه فليس كل إسناد يقال في أحد رواته مجهول فهو إسناد ضعيف

ولا كل راوٍ يوصف بالجهالة يعد ضعيف الحديث ، فضلاً عن عدم قبول حديثه بحال .

 

 

 

 

 

تصحيح الحديث إذا جمع سنده شروط الصحة

 

ذهب جماعة من المحدثين والفقهاء إلى أن الحديث يحكم عليه بالصحة إذا اتصل سنده بنقل العدل الضابط ،

ثم إن ظهر بعد ذلك شذوذ أو علة تغير الحكم عليه تبعاً لذلك .

وهذا مذهب غريب ضعيف

فمن المعلوم أن الحكم على الحديث لا يتأتى إلا بدراسة سنده ومتنه وتوفر شروط الصحة فيهما –

فكيف يحكم له بالصحة لصحة سنده دون التأكد من خلو متنه من علة أو شذوذه  ؟

ويحسن التنبيه إلى أن بعض المتأخرين قد يغتر بتصحيح بعض المحدثين ممن يرى هذا الرأي فيحتج بذلك ، فيرد به على من يذهب إلى تضعيفه .

قال السخاوي : وأما من لم يتوقف من المحدثين والفقهاء في تسمية ما يجمع شروط الصحة الثلاثة - أي في سنده – صحيحاً ، ثم إن ظهر شذوذ أو علة ردّه ، فشاذ ،

وهو استرواح حيث يحكم على الحديث بالصحة قبل الإمعان في الفحص ، وتتبع طرقه التي يعلم بها الشذوذ أو العلة نفياً وإثباتاً ،

فضلاً عن أحاديث الباب كله التي ربما احتيج إليها في ذلك

قال : وكذا لا ينبغي الحكم بالانقطاع، ولا بجهالة الراوي المبهم بمجرد الوقوف على طريق ،

كذلــك لابد من الإمعان في التفتيش لئلا يكون متصلاً ومعيناً في طريق آخر ، فيعطل بحكمه الاستدلال به ([38]) .

 

 

جاء في كتاب قواعد في علوم الحديث للعلامة المحقق المحدث الفقيه ظفر احمد العثماني التهانوي بتحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة :

[ ولا شك أن أصول التصحيح والتضعيف ظنية مدارها على ذوق المحدث والمجتهد غالباً فلا لوم على محدث ومجتهد يخالف فيها غيره

ألا ترى مسلماً ( أي الإمام مسلم صاحب الصحيح ) قد خالف البخاري في بعض الأصول فاشترط أحدهما [ وهو البخاري ] في قبول العنعنة اللقاء مرة والوصول

ولم يشترطه الآخر [وهو مسلم ] واكتفى فيه بالمعاصرة وإمكان اللقاء

ووافقه عليه جمهور العلماء الفحول.

وكذا خالف ابنُ حبان جمهور المحدثين في قبول رواية المجهول والاحتجاج بها إذا كان الراوي عنه وشيخه كلاهما ثقتين ولم يكن الحديث منكراً ] .

 

 

تضعيف الرجال وتوثيقهم وتصحيح الأحاديث وتحسينها أمر اجتهادي

 

وفي موضع آخر من الكتاب(  قواعد في علوم الحديث ) :

[ الفصل الأول في أن تضعيف الرجال وتوثيقهم وتصحيح الأحاديث وتحسينها أمر اجتهادي ولكل وجهة .

فيجوز أن يكون راوٍ ضعيفاً عند واحد ثقة عند غيره .

وكذا الحديث ضعيفاً عند بعضهم صحيحاً أو حسناً عند غيره

يدل عليـه قول العلامة ابن تيمية في كتابه "رفع الملام عن الأئمة الأعلام " ونصه :

وليُعلم أنه ليس أحد من الأئمة المقبولين عند الأمة قَبولاً عاماً يتعمد مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من سنته دقيق ولا جليل

ولكن إذا وُجد لواحد منهم قول قد جاء حديث صحيح بخلافه فلا بد له من عذر في تركه .

 ثم أطال في بيان الأعذار وأسبابها إلى أن قال :

السبب الثالث : اعتقاد ضعف الحديث باجتهاد قد خالفه فيه غيره

ولذلك أسباب منها أن يكون المحدث بالحديث يعتقده أحدهما ضعيفاً ويعتقده الآخر ثقة

ومعرفة الرجال علم واسع

 وللعلماء بالرجال وأحوالهم في ذلك من الإجماع والاختلاف مثل ما لغيرهم من سائر أهل العلم في علومهم .

السبب الرابع: اشتراطه في خبر الواحد العدل الحافظ شروطاً يخالفه فيها غيره

مثل اشتراط بعضهم عرض الحديث على الكتاب والسنة

واشتراط بعضهم أن يكون المحدث فقيهاً إذا خالف الحديث قياس الأصول

واشتراط بعضهم - وهم الحنفية - انتشارَ الحديث وظهوره إذا كان فيما تعم به البلوى .

 إلــى غير ذلــك مما هو معروف في مواضعه. اهـ ملخصاً ([39]) .

 

العلة في الحديث

وقال السيوطي في " تدريب الراوي " : والعلة عبارة عن سبب غامض خفي قادح في الحديث . مع أن الظاهر السلامة منه

  

قال ابن الصلاح : فالحديث المعلَّل ما اطُّلع فيه على علة تقدح في صحته مع ظهور السلامة ويتطرق إلى الإسناد الجامع شروط الصحة ظاهراً .

وتُدرَك العلة بتفرد الراوي وبمخالفة غيره له مع قرائنَ تنضم إلى ذلك تنبه العارف على وَهَم فيه

بحيث يغلب على ظنه فيحكم بعدم صحة الحديث أو يتردد فيتوقف فيه .

وربما تقصر عبارة المعلِّل عن إقامة الحجة على دعواه كالصيرفي في نقد الدينار والدرهم .

قال ابن مهدي : معرفة علم الحديث إلهام .

 لو قلت للعالم بعلل الحديث : من أين قلت هذا ؟ لم يكن له حجة وكم من شخص لا يهتدي لذلك. اهـ ملخصاً ([40]) .

 

ظن المجتهد لا يكون حجة على مجتهد آخر !

قلت [ أي التهانوي ] : ولا يخفى أن ظن المجتهد لا يكون حجة على مجتهد آخر.

وقال الحافظ في الفتح بعد ذكره تخطئة ابن معين لابن عيينة في سند حديث المار بين يدي المصلي ما نصه :

وتعقبَّ ذلـك ابنُ القطان فقال : ليس خطأ ابن عيينة فيه بمتعين .

قلت [ أي ابن حجر ] : تعليل الأئمة للأحاديث مبني على غلبة الظن

فإذا قالوا : أخطأ فلان في كذا لم يتعين خطأه في نفس الأمر بل هو راجح الاحتمال فيُعتمد. اهـ ([41]) .

قلت [ التهانوي ] : ولا يلزم من رجحان الاحتمال في جانب عند واحد رجحانه فيه عند غيره أيضاً .

وقال السيوطي في " كنز العمال ":

قال الترمذي وابن جرير معاً:

 حدثنا إسماعيل بن موسى السدي أنبأنا محمد بن عمر الرومي عن شريك عن سلمة بن كهيل عن سويد بن غفلة عن الصنابحي عن علي قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أنا دار الحكمة وعلي بابها ) .

قال الترمذي : هذا حديث غريب وفي نسخة : منكر .

وروى بعضهم هذا الحديث عن شريك ولم يذكروا فيه عن الصنابحي ولم يُعرف هذا الحديث عن أحد من الثقات غير شريك وفي الباب عن ابن عباس . انتهى .

وقال ابن جرير : هذا خبر عندنا صحيح سنده وقد يجب أن يكون على مذهب آخرين سقيماً غير صحيح

لعلتين :

إحداهما أنه خبر لا يُعرف له مخرج عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه .

 والأخرى أن سلمة بن كهيل عندهم ممن لا يثبت بنقله حجة .

وقد وافق علياً في رواية هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم غيره . انتهى .

قلت [ أي السيوطي ] : دل كلام ابن جرير على اختلافهم في شروط صحة الحديث وتوثيق الرجال .

وقال الترمذي في " جامعه " : حديث أبي هريرة وهو (ما بين المشرق والمغرب قبلة ) قد روي عنه من غير وجه .

وقد تكلم بعض أهل العلم في أبي معشر من قِبل حفظه واسمه نجيح مولى بني هاشم .

قال محمد [ أي الإمام البخاري صاحب الصحيح ] : لا أروي عنه شيئاً وقد روى عنه الناس . انتهى .

قلت [ السيوطي ] : دل على أن تضعيف الرجال وتوثيقهم أمر اجتهادي .

وقال في " علله " : وقد اختلف الأئمة من أهل العلم في تضعيف الرجال كما اختلفوا فيما سوى ذلك من العلم .

ذُكر عن شعبة أنه ضعف أبا الزبير المكي وعبد الملك بن أبي سليمان وحكيم بن جبير وترك الرواية عنهم

ثم حدَّث شعبة عمن هو دون هؤلاء في الحفظ والعدالة حدث عن جابر الجعفي وإبراهيم بن مسلم الهجري ومحمد بن عبيد الله العرزمي وغيرِ واحد ممن يضعَّفون في الحديث

وقيل لشعبة : تدع عبد الملك بن أبي سليمان وتحدث عن محمد بن عبيد الله العرزمي ؟ قال : نعم .

وقد ثبَّت غير واحد من الأئمة وحدثوا عن أبي الزبير وعبد الملك بن أبي سليمان وحكيم بن جبير [ أي جعلوهم أثباتاً ثقات ورووا عنهم ] .

ثم ذكر [ أي الترمذي ] عن عطاء وأيوب السختياني توثيقهما لأبي الزبير .

وعن سفيان الثوري توثيقه لعبد الملك بن أبي سليمان

وعن علي - هو المديني -: قال يحيى :

وقد حدث عن حكيم بن جبير سفيانُ الثوري وزائدة .

 قال علي : ولم ير يحيى بحديثه بأساً . اهـ ملخصاً.

وقال الذهبي في "  ديباجة تذكرة الحفاظ " له : هذه تذكرة بأسماء معدلي حملة العلم النبوي ومن يُرجع إلى اجتهادهم في التوثيق والتضعيف والتصحيح والتزييف . انتهى .

وفيه تصريح بأن توثيق الرجال وتضعيفها وتصحيح الأحاديث وتزييفها أمر اجتهادي يحتمل الاختلاف

فلا يلزم من جرح واحد في رجل كونه مجروحاً عند الكل

وقال النووي في مقدمته على " شرح مسلم " : عاب عائبون مسلماً بروايته في   " صحيحه " عن جماعة من الضعفاء ولا عيب عليه في ذلك .

وجوابه من أوجه ذكرها ابن الصلاح :

أحدها : أن يكون ذلك في ضعيف عند غيره ثقةٍ عنده . ولا يقال الجرح مقدم على التعديل لأن ذلك فيما إذا كان الجرح ثابتاً مفسَّراً بسبب . وإلا فلا يقبل الجرح إذا لم يكن كذا . انتهى .

وقال الحافظ في " مقدمة الفتح " في الفصل التاسع الذي عقده لسياق أسماء من طُعن فيه من رجال " الصحيح " ما نصه :

 وقبل الخوض فيه ينبغي لكل منصف أن يعلم أن تخريج صاحب " الصحيح " لأي راو كان مقتضٍ لعدالته عنده . وصحة ضبطه وعدم غفلته .

هذا إذا خرّج له في الأصول فأما إن خرّج له في المتابعات والشواهد والتعاليق فهذا يتفاوت درجات من أخرج له في الضبط وغيره . مع حصول اسم الصدق لهم .

وحينئذ إذا وجدنا لغيره في أحد منهم طعناً فذلك الطعن مقابلٌ لتعديل هذا الإمام فلا يُقبل إلا مبيَّنَ السبب مفسَّراً بقادح يقدح في عدالة هذا الراوي وفي ضبطه مطلقاً أو في ضبطه لخبر بعينه

 لأن الأسباب الحاملة للأئمة على الجرح متفاوتة منها ما يقدح ومنها ما لا يقدح . انتهى ملخصاً.

قلت [ التهانوي ] : وتصريحات أئمة الحديث على كون الجرح والتعديل اجتهادياً أكثر من أن تحصى ولعل فيما ذكرناه كفاية

فلا يلزم من صحة الحديث عند واحد صحته عند الآخر ولا مــن ضعفه عنـده ضعفه عند غيره

فافهم ولا تكن من الغافلين . ) انتهى كلام التهانوي ([42]) .

وقد علَّق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة على قول التهانوي     ( وتصريحات أئمة الحديث على كون الجرح والتعديل اجتهادياً أكثر من أن تحصى ) بقوله :

[ ولعلك تفطنت بهذا أن من يدعي العمل بصحيح الحديث وترك تقليد الأئمة في الأحكام ويبالغ في ذم التقليد والاجتهاد وأهلهما لا مرد له من مثل هذا التقليد وليس له عنه محيد فإن دعواه الصحة أو الحسن في حديث لا تتأتى ولا تتمشى بدون تقليده رأي المحدثين في ذلك .

فأي فرق بين تقليدهم وتقليد المجتهدين ؟ حتى كان هذا شِركاً مذموماً دون ذلك ! فالله يهديهم ويصلح بالهم ] ([43]) .

 

التحذير من التوارد على توثيق رجل أو جرحه وبالتالي : قبول حديثه أو رده

وقـد قـال الإمـام الحـازمـي فـي أوائــل جزئه اللطيف عن " شروط الأئمة الخمسة " بعد ما نقل كلام الحاكم في تقسيم الحديث إلى عشرة أقسام قال : وآفة العلوم التقليد .

يريد : هذا الذي عبرتُ عنه بالتوارد وأخذَ قول العالم بالتسليم فيتوارد الخالف عن السالف على أمر ما لا سيما إذا كان الأول إماماً حتى إذا جاء متأخر يريد أن يكشف جلية هذا القول صعب عليـه مخالفة (  تيار ) قوي أمامه توارد الأئمة على خلافه ! .

والأمثلة على قلتها هامة وخطيرة .

 1- أن معمر بن راشد قال في إسماعيل بن شروس الصنعاني : كان يًثَبِّج الحديث. أي لا يأتي به سليماً على وجهه .

فتحرفت على ابن عدي إلى : كان يضع الحديث.

فنقلها الذهبي في " الميزان " عن ابن عدي كذلك : كان يضع الحديث .

لكنه في " المغني " و " ديوان الضعفاء " جعلها : كذاب  

وتوارد معه على ذلك سبط ابن العجمي في " الكشف الحثيث " وابن حجر في " اللسان  " وابن عراق في "  تنزيه الشريعة " ! !

فأصبح المسكين ( إسماعيل بن شروس ) كذّاباً ، عند ابن عدي ، وسبط ابن العجمي ، وابن حجر وابن عراق .

 وما هو بكذّاب ، ولكن الخطأ في الفهم ، والتقليد جعله كذّاباً ! !

2- ومن ذلك أن الإمام العلم شعبة بن الحجاج تكلم في عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي من أجل حديث رواه عبد الملك فلم يتفق مع شعبة في فهمه له . فتكلم فيه وتوارد معه غيره  .

وأول من نبه إلى ذلك الإمام الترمذي

فإنه قال في " سننه " (1369) عقب روايته لحديث جابر في الشفعة : تكلم شعبة في عبد الملك من أجل هذا الحديث  .

وعبد الملك ثقة مأمون لا نعلم أحداً تكلم فيه غير شعبة من أجل هذا الحديث ([44]) . يريد : غير شعبة من معاصريه .

وحكى في " علله الكبرى ": أنه سأل شيخه البخاري عن هذا الحديث ؟

فقال : لا أعلم أحداً رواه عن عطاء غير عبد الملك  وهو حديثه الذي تفرد به ويُروى عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف هذا ([45]) .

ثم جاء الحافظ ابن عبد الهادي وجلّى الأمر فقهياً وحديثياً في كتابه " التنقيح " ونقله عنه الزيلعي في " نصب الراية " ومما قال - وهو محل الشاهد - :

طعْنُ شعبة في عبد الملك بسبب هذا الحديث لا يقدح فيه فإنه ثقة

وشعبة لم يكن من الحذاق في الفقه ليجمع بين الأحاديث إذا ظهر تعارضها إنما كان حافظاً

وغيرُ شعبة إنما طعن فيه تبعاً لشعبة ([46]) .

 

3- وقريب من موقف شعبة من عبد الملك : موقفه من الحسن بن عمارة البجلي

لقد كثر الكلام في الحسن بن عمارة .

والناظر في ترجمته يجد أن المتكلمين فيه قسمان:

معاصرون له ومتأخرون عنه

ولم يتكلم فيه من المعاصرين له إلا شعبة والثوري كما قال ابن المبارك :

جرحه عندي شعبة وسفيان فبقولهما تركت حديثه .

فانظر المتابعة!

بل يجد الناظر أن شعبة هو المتكلم الأول فيه والمؤلب عليه . وسفيان متابع له موافق .

قال عيسى بن يونس : الحسن بن عمارة شيخ صالح قال فيه شعبة وأعانه عليه سفيان .

ولذلك كان الحسن بن عمارة يقول : الناس كلهم مني في حل ما خلا شعبة .

ولكثرة من تابع شعبة على قوله فيه سهل على الساجي قوله : أجمع أهل الحديث على ترك حديثه ! ! .

(  أجمع أهل الحديث على ترك حديثه ) ! ! لماذا ؟ بسبب تقليد شعبة ؟

ولكن ينبغي النظر بعين التدبر والإنصاف :

فهذا جرير بن حازم - أحد أجلاء البصرة ورفعائهم - ، وحماد بن زيد - وكان ينظَّر بالثوري والأوزاعي ومالك

كانا يعتبان على شعبة بسبب كلامه في الحسن هذا ومعهما معاذ بن معاذ العنبري وهو من الجلالة بمكان رفيع حتى قال أحمد: إليه المنتهى في التثبت في البصرة وهو من الرواة عن شعبة وكان له حظوة عنده .

وسياق ابن عدي يفيد أن مع الثلاثة عباد بن عباد فهؤلاء أربعة شافهوا شعبة بالعتب والإنكار عليه : لِمَ يتكلم في الحسن بن عمارة ؟ .

لكن قصة إنكار جرير بن حازم وحماد بن زيد جاءت كما يلي وأنقلها من عند ابن عدي:

قال شعبة : ألا تعجبون من جرير بن حازم هذا المجنون ! أتاني هو وحماد بن زيد فكلماني أن أكف عن ذكر الحسن بن عمارة : أنا أكف عن ذكره ؟ ! لا والله لا أكف عن ذكره . .

فالطابع العام للقصة : حرص شعبة على الذب عن السنة وشدته في الله تعالى وفي كشفه عن الكذابين وما إلى ذلك

وهذا ما يجعل الكاتبين في هذا الشأن يسارعون إلى حكاية هذا الخبر ونحوه وإلى إشاعته ويغيب بعد ذلك ما وراءه !

ولكن ينبغي النظر بعين أخرى : إلى موقف جرير وحماد وهما مَن هما : أنهما ما كانا موافقين لشعبة في هذا الموقف بعينه .

أما من حيث الجملة فدفاع شعبه وندبه نفسه لخدمة السنة والدفاع عنها و . . .  فهذا أمر لا ينكر أبداً .

وشعبة : هو الذي كان يأتي جرير بن حازم ليسأله عن حديث الأعمش وهو الذي كان يدل بعض الرواة على جرير نفسه ليأخذ عنه

فقوله عنه هنا ( هذا المجنون ) إنما هو من باب ما كان يسميه شيخنـا العلامـة الأجل عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله تعالى بـ : غضبات المحدثين لا يقلَّدون فيها .

وقد صرح شعبة في عدة نقول بكذب الحسن بن عمارة ولا يمكن حمل قوله هذا وتفسيره بـ : الخطأ .

ذلك أنه صرح في مواقف أخرى بالحكم عليه بالوضع .

وكيف يكون هذا ثم إنا نراه يروي عن الحسن نفسه عن الحكم بن عتيبة الذي كان يتهمه بالكذب عليه ! .

فقد روى ابن عدي عن غندر قال : كان شعبة يقع في الحسن بن عمارة ثم حدث عنه

قال : حدثنا شعبة عن الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة عن مجاهد في قوله تعالى { هل تعلم له سَمِيا } قال : شبيهاً

ولذلــك قال ابن عدي آخر ترجمة الحسن : روى عنه الأئمة من الناس كما ذكرته : سفيان الثوري وسفيان بن عيينة وابن إسحاق وجرير وقد حدث حماد بن زيد وجرير عنه وشعبة مع إنكاره عليه أحاديث الحكم فقد روى عنه كما ذكرته .

وروى العقيلي وابن عدي من طريق الطيالسي عن شعبة قصة إنكار شعبة على الحسن بن عمارة

ورواها عن الطيالسي رجلان : محمد بن عبد الله المخرمي ومحمود بن غيلان وبينهما خلاف بعضه هام نبه إليه الرامهرمزي في " المحدث الفاضل "

ثم قال متعقباً استدلال شعبة على كذب الحسن بن عمارة بما استدل به فقال :

وليس يُستدل علـى تكذيب الحسن بن عمارة من الطريق الذي استدل به أبو بسطام - شعبة –

لأنه استفتى الحكم - ابن عتيبة - في المسألتين فأفتاه الحكم بما عنده وهو أحد فقهاء الكوفة زمن حماد - ابن أبي سليمان - فلما قال له أبو بسطام : عمّن ؟

أمكن أن يكون ظن أنه يقول مَن الذي يقوله من فقهاء الأمصار فقال في إحداهما : هو قول إبراهيم وفي الأخرى : هو قول الحسن .

وليس يلزم المفتيَ أن يفتي بجميع ما روى .

ولا يلزمه أيضاً أن يترك رواية ما لا يفتي به

وعلى هذا مذهب جميع فقهاء الأمصار .

ولما كان من مذهب الخطيب البغدادي اشتراط تفسير جرح الراوي ليكون مقبولاً وأراد أن يبرهن على صحة اختياره بوب في " الكفاية " بقوله :

"باب ذكر بعض أخبار من استُفسر في الجرح فذكر ما لا يسقط العدالة "

وجاء بأخبار كثيرة عن شعبة في هذا الصدد ومنها هذا الخبر وخلاصته :

أن الحكم بن عتيبة لم يحدث عن يحيى بن الجزار أحاديث كثيرة !

ولما سئل الحسن بن عمارة عن ذلك قال : إن الحكم أعطاني حديثه عن يحيى في كتاب لأحفظه فحفظته .

وأسند ابن عدي - وعنه الذهبي في " الميزان " - إلى رواد بن الجراح العسقلاني قال :

كان الحسن بن عمارة رجلاً موسراً وكان الحكم بن عتيبة مُقِلاً فضمه الحسن بن عمارة إلى نفسه وأجرى عليه الرزق فصار الحسن من خاصة الحكم فكان يحدثه ولا يمنعه شيئاً عنده

فحدثه بقريب من عشرة آلاف قضية عن شريح وغيره وسمع شعبة مِن الحكم شيئاً يسيراً

فلما توفي الحكم قال شعبة للحسن : مِن رأيك أن تحدث عن الحكم بكل شيء سمعتَه ؟

 فقال له الحسن : نعم ما أكتم شيئاً سمعتُه .

قال : قال شعبة : من أراد أن ينظر إلى أكذب الناس فلينظر إلى الحسن بن عمارة

وقَبِل الناس من شعبة وتركوا الحسن . هذا أو نحوه .

وقال رواد : دخلت أنا وشعبة على الحسن بن عمارة نعوده في مرضه الذي مات فيه قال : فدار شعبة فجلس من وراء الحسن من حيث لا يراه الحسن قال :

فجعل الحسن يقول : الناس كلهم في حل ما خلا شعبة ويومئ إليه. انتهى.

ثم أسند ابن عدي هذه الكلمة من وجه آخر إلى الحسن بن عمارة.

وانظر بعد هذا إلى تألم جرير بن عبد الحميد الضبي إذ يقول :

ما ظننت أن أعيش إلى دهر يُحدَّث فيه عن محمد بن إسحاق ويُسكَت فيه عن الحسن بن عمارة ! .

 يريد لا يُروى فيه عن الحسن بن عمارة فهو أجل عنده من محمد بن إسحاق بدرجات

وحال ابن إسحاق وما استقر عليه أمره من حيث القبول معلومة.

وما أعدل ما حكاه البخاري في " تاريخه الكبير " عن عبد الله بن محمد - وأظنه أبا بكر بـن أبي شيبة بل : هو هو – قال :

 قيل لابن عيينة : أكان الحسن بن عمارة يحفظ ؟ فقال : كان له فضل وغيره أحفظ منه .

وأعود إلى أول ما كنت فيه [ والكلام ما زال للشيخ محمد عوامة ]:

إن مثل هذه الومضات في كثير من تراجم الرواة تدعو الباحث إلى استجلاء الحقائق

وهي التي كانت تستوقفني طويلاً وطويلاً وتأخذ مني الوقت المديد والجهد الجهيد رجاء أن أصل إلى قول في أمر الراوي سديد إن شاء الله تعالى .

ولست - والحمد لله - ممن يدعو إلى نقض كتب الجرح والتعديل المتداولة بين أيدينا لبنائها على قواعد مبتدعة! كما يدندن بعض الكتبة اليوم مجاهرة أو تحت ستار!

معاذ الله من هذا إنما أسعى وراء البحث عن قول يبرئ ذمتي أمام السنة النبوية وأمام حَمَلتها على ضوء مناهج أئمتنا رضي الله عنهم ] .

 

هل يُترك قول الإمام المجتهد إذا خالف الحديث الصحيح ؟

 

بعد أن نقلنا بعض الومضات التي تجلي لنا أن تصحيح الأحاديث وتضعيفها بحر لا ساحل له

وأن التحقيق في الأحاديث ورواتها ليس بالمهمة اليسيرة

وأن الكلام فيه غير قطعي ولا حاسم والمجال فيه رحب واسع وقابل لمزيد التحقيق والتدقيق وللأخذ والرد

ولمّا كان الهدف الأسمى من الحكم على الأحاديث والآثار تصحيحاً وتضعيفاً هو العمل بما صح منها وترك خلافه

كانت الإجابة على هذا السؤال من الأهمية بمكان فأحببت أن أختم لكم في هذا الشأن بما يلي:

يقول التهانوي في كتابه قواعد علوم الحديث :

[ قال في " تدريب الراوي " : وإذا قيل هذا حديث صحيح فهذا معناه أي ما اتصل سنده مع الأوصاف المذكورة .

فقبلناه عملاً بظاهر الإسناد لا أنه مقطوع به في نفس الأمر لجواز الخطأ والنسيان على الثقة

خلافاً لمن قال إن خبر الواحد يوجب القطع .

وإذا قيل هذا حديث غير صحيح ( لو قال : ضعيف لكان أخصر) فمعناه لم يصح إسناده على الشرط المذكور لا أنه كذب في نفس الأمر

 لجــواز صـدق الكــاذب وإصــابـة مـن هـو كثيــر الخطـــأ . انتهى ([47]) .

قلت ( أي التهانوي ) : [ فيجوز أن يُحتج بالضعيف إذا قامت قرينة على صحته كما يجوز أن يُترك العمل بالصحيح لقرينة على خلافه . . ] ([48]) .

وعلى هذا فينبغي ابتداءً أن يُعلم أن الأئمة المجتهدين (أعني الأئمة الأربعة) لكل منهم معاييره الاجتهادية في نقد الأحاديث ودراستها ليس سنداً فقط بل ومتناً .

فقد يصح الحديث سنداً لكن الإمام المجتهد بما أوتي من فطنة وملكة فقهية قد يرى في المتن علة تمنع الأخذ به

لأن من شروط الحديث الصحيح سلامته من الشذوذ والعلة.

فلا عجب أن نرى الأئمة على اختلاف اجتهادهم وأنظارهم يترك كل منهم حديثاً صحيح السند ظاهراً

لموجب أوجب تركه عنده أملاه عليه اجتهاده ونظره فصار الحديث بذلك معلولاً عنده .

 

عليه وجب على من لم يبلغ درجة الاجتهاد أن يتبع إمامه المجتهد في تركه للحديث مع صحته الظاهرية  ([49])

لأن الإمام المجتهد يتفطن ويتنبه من العلل إلى ما قد يخفى على غيره

مع التذكير بأن إعلال الأحاديث والآثار أمر اجتهادي على ما سبق بيانه والإشارة إليه

فهو مما تختلف فيه أنظار المجتهدين فلا حرج في ترك بعضهم للحديث دون البعض الآخر

فلا يكون اجتهاد مجتهد حجة على اجتهاد الآخر فضلاً عن كون الاجتهاد في هذا كما هو الحال في الاجتهاد في استنباط الأحكام خاص بالأئمة المجتهدين فقط .

وتأكيداً على هذا المعنى [ وهو وجوب التسليم للأئمة في اختياراتهم الحديثية والفقهية ووجوب تقليدهم واتباعهم )

أتخير لكم بعض النقول التي جاءت في كتاب "بدعة ترك المذاهب " تأليف أديب الكمداني ومنها النقول التالية :

وجوب تقليد الأئمة الفقهاء

1-      قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى (ت 241هـ) :

ومن زعم أنه لا يرى التقليد ولا يقلد دينه أحداً فهو قول فاسق عند الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .

 إنما يريد بذلك إبطال الأثر وتعطيل العلم والسنة والتفرد بالرأي والكلام والبدعة والخلاف .

 وهذه المذاهب والأقاويل التي وصفتُ مذاهب أهل السنة والجماعة والآثار وأصحاب الروايات وحملة العلم

الذين أدركناهم وأخذنا عنهم الحديث وتعلمنا منهم السنن وكانوا أئمة معروفين ثقات أصحاب صدق يُقتدى بهم ويؤخذ عنهم

ولم يكونوا أصحاب بدعة ولا خلاف ولا تخليط

[ قلت ( أنا متابع ) : تنبه إلى هذه الكلمة النفيسة ’ ولا تخليط ‘ حتى تسلم من منهج المخلطين الذين يلفقون ويرجحون بين أقوال الأئمة فيَخرجون بفقه قائم على التخليط الذي حذر منه الإمام أحمد رحمه الله تعالى ورضي الله عنه وأرضاه ]

وهو قول أئمتهم وعلمائهم الذين كانوا قبلهم  .

فتمسكـوا بذلــك رحمكم الله وتعلموه وعلّموه وبالله التوفيق . انتهى ] ([50]) .

تنبيه [ والكلام لا يزال للمؤلف أديب الكمداني ] :

قال الإمام أحمد هذا الكلام خلال رسالة رواها ابن أبي يعلى بسنده إليه

وقد وقع في هذه الرسالة بعض الألفاظ المشكلة التي ننزه الإمام أحمد عن التلفظ بها

ونجزم بأن أحد رواة هذه الرسالة هو الذي تصرف في بعض ألفاظها لبعده عن الفقه ومدلولات الألفاظ وهذا كثير في الرواة غير الفقهاء

فقـد وقـع فـي الرسالة خلال الحديث عن كلام الله تعالى :

 [ { وكلم الله موسى تكليما } مِن فيه ، وناوله التوراة من يده إلى يده ] . انتهى بحروفه .

فلفظ " فيه " و " يده إلى يده " لا يتفق ذلك مع عقيدة الإمام أحمد ومنهجه

فلا شك أن ذلك من تصرف أحد الرواة عن الإمام أحمد .

ومع هذا فلا يمنع ذلك الأخذ بباقي الرسالة لأنها لا تخالف مذهبه ولا ما عليه السلف

وكم من نص مروي بسند صحيح أكثر ألفاظه لا غبار عليها أو عليه إلا لفظة أو جزءاً من النص رواه الرواة بالمعنى وتصرفوا فيه حسب فهمهم فأحالوا المعنى وقلبوه رأساً على عقب

وثبت ذلك في بعض الأحاديث نبه عليها الحفاظ الفقهاء

وهذا فتح الباري للحافظ الفقيه ابن حجر خير شاهد على ذلك فلينظر من أراد التحقيق في هذه المسألة ] .

 

 

2- ( وقال الإمام المجتهد عبد الله بن وهب رحمه الله (ت 197هـ):

( لقيت ثلاث مئة عالم وستين عالماً ولولا مالك والليث لضللت في العلم . ([51])  

والسبب في إنقاذ مالك والليث له من الضلال صرح به ابن وهب نفسه حيث قال مرة :

لولا مالك بن أنس والليث بن سعد لهلكت (وفي رواية لضللت) كنت أظن أن كل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم يُعمل به . . .

وفـي روايـة عنه قال : لولا أن الله أنقذني بمالك والليث لضللت فقيل له : كيف ذلــك ؟

قـال: أكثرت من الحديث فحيرني فكنت أعرض ذلك على مالك والليث فيقولان لي : خذ هذا ودع هذا . ([52]) ) . انتهى النقل

وقد يظن البعض أن المقصود من هذا النقل أن ما يُترك من الحديث هو الضعيف أو الموضوع فقط

لكن فيما سيأتي ما يبين أن الحديث قد يُترك وإن صح سنده وأن مرد ذلك للفقهاء .

 

3- ( وقال ابن وهب أيضاً: الحديث مَضِلَّةٌ إلا للعلماء ([53])    

وقال ابن وهب أيضاً: كل صاحب حديث ليس له إمام في الفقه فهو ضال

ولولا أن الله أنقذنا بمالك والليث لضللنا ([54]) .  

 

وقال الإمام سفيان بن عيينة رحمه الله (ت 198هـ): الحديث مضلة إلا للفقهاء.

نقله عنه ابن أبي زيد القيرواني وقال في توضيح ذلك:

 يريد أن غيرهم قد يحمل شيئاً على ظاهره وله تأويل من حديث غيره

أو دليل يخفى عليه

أو متروك أوجب تركه غيرُ شيء مما لا يقوم به إلا من استبحر وتفقه ([55]) .

وقال ابن وهب: نظر مالك إلى العطاف بن خالد فقال مالك: بلغني أنكم تأخذون مِن هذا !! فقلت : بلى . فقال: ما كنا نأخذ إلا من الفقهاء ([56])   ). انتهى النقل .

 

4- ( وقال الحافظ أبو نعيم الفضل بن دكين رحمه الله (ت 218هـ) وهو من أشهر مشاهير شيوخ البخاري :

كنت أمر على زفر (وهو من أكابر فقهاء أصحاب الإمام أبي حنيفة) وهو محتب بثوب في كِنْده فيقول:

يا أحول تعال حتى أغربل لك أحاديثك .

فأريه ما قد سمعت فيقول: هذا يؤخذ به وهذا لا يؤخذ به وهذا ناسخ وهذا منسوخ ([57]) .

 5- وسئل ابن الماجشون رحمه الله (ت 213هـ) : لِمَ رويتم الحديث ثم تركتموه؟ قال: ليُعلم أنّا على علم تركناه ([58]) .  انتهى النقل .

وهذا يرد على دعوى كل من يرى حديثاً صحيحاً يخالف قول إمام من الأئمة الأربعة المجتهدين :

لعل الحديث لم يبلغه ! !

هكذا ببساطة ودون بحث أو تحقيق ! !

فيقال لهؤلاء : بل هم عن علم به وعلم بما يوجب تركه تركوه .

 

 

 

 

6- قال الإمام سفيان الثوري رحمه الله (ت 126هـ): قد جاءت أحاديث لا يُؤخذ بها ([59]) .  

وقال ابن أبي الزناد (ت 174هـ) : كان عمر بن عبد العزيز يجمع الفقهاء ويسألهم عن السنن والأقضية التي يُعمل بها فيثبتها

وما كان منه لا يعمل به الناس ألغاه وإن كان مخرجه من ثقة ([60]) .  

انتهت النقول من كتاب "بدعة ترك المذاهب" لأديب الكمداني وهو من منشورات دائرة الأوقاف والشؤون الإسلامية

 وفيه الكثير من النقول الأخرى النفيسة التي لم أذكرها اختصاراً فأنصح بالاطلاع على الكتاب وقراءته كاملاً فهو صغير الحجم جاء في 33 صفحة فقط.

والنص الأخير المنقول في بيان فعل عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى ورضي الله تعالى عنه وأرضاه نص حاسم في أن الحديث يُترك وإن كان مخرجه من ثقة أي صحيح السند لعلة يراها الفقيه فيقدم قوله على الحديث

وهذه سنة خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه

فأي سلف يتبع من يغمز الأئمة الأربعة وأتبـاعهـم ومقلديـهـم بأنهـم يقدمـون أقــوال الفقهاء على الحديث ؟ ! !  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

العلم اللطيف الدقيق ، والخبرة الواسعة ، لأئمة علم الحديث عن الأحاديث النبوية ، ورجالها ، وأحوالهم !

 

وسأنقل مقتطفات من أقوال أئمة هذا الشأن ، حتى يتبيّن لنا كيف أنّ هذا العلم له خبراؤه وأساطينه ،

وأنه ليس بتلك السهولة التي يتهافت عليه ، مَن يجني على نفسـه بتدخّله ، وإغراق وهـلاك  نفسه في هذا البحر العميق الواسع ، الذي لا ساحل له .

وليس هذا فقط ، بل إغراء غيره أيضاً – من الذين لا يعرفون السباحة في بركة ماء – في إغراقه في ذلك البحر ! : 

 

 

 

 

المسعودي واختلاطه ، ومَن سمع منه قبل الإختلاط ، ومَن سمع منه بعده

 

[ عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود المسعودي الكوفي .

إختلط بآخره .

قال عبد الله بن أحمد ( بن حنبل ) : سمعت أبي يقول : كل مَن سمع من المسعودي بالكوفة مثل وكيع وأبي نعيم ،

وأما يزيد بن هارون وحجاج ومَن سمع منه ببغداد في الإختلاط إلا مع مَن سمع منه بالكوفة ،

يعني ان سماع مَن سمع منه بالكوفة صحيح ،

ومَن سمع منه ببغداد كيزيد بن هارون وحجاج فهو بعد الإختلاط  .

 قال عبدالله أيضاً : قال أبي ( أحمد بن حنبل ) : سماع وكيع والمسعودي بالكوفة قديماً ، وأبو نعيم أيضاً ،

وإنما اختلط المسعودي ببغداد

ومَن سمع منه بالبصرة والكوفة فسماعه جيد انتهى .

وممن كتب عنه قبل أن يختلط سالم بن قتيبة .

وكتب عنه أبو داود بعد الاختلاط .

ونقل حنبل عن أحمد قال : سماع عاصم بن علي وأبي النضر وهؤلاء من المسعودي بعدما اختلط .

وذكر معاذ بن معاذ أن المسعودي قدم عليهم الكوفة مرتين وهو صحيح ،

قال : ثم لقيته ببغداد سنة أربع وخمسين ومائة وهو صحيح ،

ثم لقيته ببغداد مرة أخرى سنة إحدى وستين وقد أنكروه .

وقال محمد بن عبد الله بن نمير : المسعودي كان ثقة ، اختلط بآخره ،

سمع منه عبد الرحمن بن مهدي ويزيد بن هارون أحاديث مختلطة ،

وما روى عنه الشيوخ هو مستقيم .

وليحيى بن معين في المسعودي تفصيل آخر . ذكر محمد بن عثمان ابن أبي شيبة عن ابن معين قال :

المسعودي ثقة وكان يغلط فيما يحدّث عن عاصم بن بهدلة ، وسلمة يعني ابن كهيل ،

وكان صحيح الرواية فيما يحدث عن القاسم ومعن . . .

 

عبد الوهاب الثقفي واختلاطه

 

عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي البصري .

أحد الحفاظ المشهورين تغيّر حفظه في آخر عمره واختلط .

قال عقبة بن مكرم : كان عبد الوهاب الثقفي قد اختلط قبل موته بثلاث سنين أو أربع سنين .

وقال أبو داود : جرير بن حازم وعبد الوهاب الثقفي تغيّرا فحجب الناس عنهما .

متى اختلط سفيان بن عيينة ؟

ومنهم سفيان بن عيينة .

قال ابن عمار الموصلي عن يحيى القطان : أشهد أن ابن عيينة اختلط سنة سبع وتسعين ،

فمـن سمـع منـه فـي هـذه السـنة وبعدها فسماعه لا شيء    ] ([61]) .

 

فالإمام أحمد ، رحمه الله ، وهو الذي كان يعيش في القرن الثالث الهجري ، أي : قبل أكثر من إثني عشر قرن ، كان يعلم هو وغيره أن المسعودي قد تغيّر وساء علمه ([62])  

 وقد حدّث بالكوفة والبصرة فترة قبل أن يتغيّر ،

فكل مَن سمع منه بالكوفة والبصرة فحديثه صحيح .

وقد سمع منه بالكوفة كل من وكيع ، وأبي نعيم .

وقد حدّث ببغداد أيضاً ، ولكن بعد فترة قد تغيرّ واختلطت عليه الأمور ،

فكل مَن سمع منه ببغداد بعد تلك الفترة فحديثه غير صحيح .

 وقد سمع منه ببغداد في تلك الفترة كل من يزيد بن هارون ، وحجاج .

وكانوا يعلمون أيضاً أن سالم بن قتيبة قد حدّث عنه قبل التغير .

وأن أبا داود وعاصم بن عليّ وأبي النضر وعبد الرحمن بن مهدي قد حدّث عنه بعد التغيّر !

وأن المسعودي سافر إلى الكوفة مرتين وهو صحيح . وكان في بغداد سنة أربع وخمسين ومائة صحيحاً غير متغيّر ؛ فأحاديثه في تلك السنة وقبلها صحيحة يُؤخذ بها .

أما بعد ذلك التاريخ ولاسيما سنة إحدى وستين فقد تغير واختلط ، فأحاديثه غير صحيحة !

وما روى عنه الشيوخ فهو صحيح مستقيم !

وأن المسعودي يغلط إذا حدّث عن عاصم بن بهدلة ، وسلمة ابن كهيل .

وإذا حدّث عن القاسم ومعن فحديثه صحيح !

وأنهم كانوا يعلمون أن سفيان بن عيينة قد تغيّر سنة سبع وتسعين ، وهو الإمام الثقة ،

فمن سمع منه من الثقات الأثبات ، في هذه السنة وبعدها فحديثه غير صحيح !

 فالذي يأتي بعدهم بأكثر من ألف سنة ، كيف يعلم : بأن مَن اختلط وساء حفظه وعلمه ، أين ومتى حدّث وهو صحيح ، ومَن روى عنه في حالة صحته ؟

ومَن روى عنه بعد مرضه ، وأين ؟

وأيّ حديث من أحاديثه يؤخذ به ، وأيّ منه يُردّ ؟

وقد ذكر الأئمة نبذة من ذلك ، ولم يذكروا التفاصيل ؟ وغالباً كانت تلك المعلومات جواباً على سؤال ؟ !

ولولا أنهم سئلوا عن ذلك ، لبقيت تلك المعلومات والتفصيلات عنهم في طيّ الغيب ، وعند أولئك الأئمة فقط .

ويا ليت شعري ، كم من المعلومات التفصيلية الدقيقة عن المحدّثين ، قبعت في صدورهم ؛ كانوا يتعاملون بها ، من غير أن يدركوها ؟ !

فأنى لمن جاء بعدهم ، بأكثر من ألف سنة ، أن يزاحمهم ، ويدلي – معهم – بدلوه ؟

   

 

 

 

 

 

عطاء بن السائب

وقالوا : [  دخل عطاء البصرة مرتين ،

فمَن سمع منه في المرة الأولى فسماعه صحيح ،

ومنهم ([63]) الحمادان والدستوائي .

ومَـن سمع فـي المقدمـة الثانيـة فسماعه ضعيف ،

منهم ([64]) وهيب وإسماعيل بن علية وعبد الوارث ] ([65])

 

فقد علموا أن عطاء دخل البصرة مرتين ؛

في المرة الأولى أحاديثه التي حدّث بها صحيحة !

وعلموا مَن أخذ منه تلك الأحاديث ، ورواها  !

أما المرة الثانية التي دخل بها البصرة ، فالأحاديث التي حدّث بها ضعيفة !

ليس هذا فقط ، بل علموا مَن روى عنه تلك الأحاديث قي المرة الثانية !

[  عن يحيى بن سعيد قال : مَن سمع من عطاء بن السائب قديماً ، فسماعه صحيح ،

وسماع شعبة وسفيان من عطاء بن السائب صحيح إلا حديثين عن عطاء بن السائب عن زاذان .

قال شعبة : سمعتهما منه بآخره ] ([66]) .

وقد علموا أن سماع شعبة من عطاء صحيح ، وأن الأحاديث التي رواها عنه صحيحة إلا حديثين ،

وهو ( شعبة ) أخبرهم بذلك ،

وكان يعلم : أي حديث أخذه من عطاء وهو صحيح ، وأي حديث هو غير صحيح ، والمصدر واحد  ! !

 

صالح بن نبهان

[  صالح بن نبهان مولى التوأمة .

إختلط بآخره ، فمن سمع منه قديماً فسماعه صحيح . قاله الإمام أحمد وغيره .

وممن سمع منه قديماً ابن أبي ذئب . قاله ابن معين .

 قال : وسماع الثوري منه بعد أن خرف .

قال أحمد : روى عنه أكابر أهل المدينة . قال :

وقول مالك ليس بثقة ، لأنه أدركه وقد كبر واختلط .

وقال البخاري : موسى بن عقبة سمع من صالح قديماً . نقله عنه الترمذي في علله .

وقال ابن حبان : إن حديث صالح اختلط قديمه بحديثه ولم يتميز ] ([67]) .

فهُم يعرفون الثقات ، ومطّلعون على تفاصيل حياتهم ، ويعلمون جيّداً عن مَن تؤخذ أحاديثهم وهي صحيحة ،

ومتى  تغيّروا ، ومَن أخذ عنهم بعد التغيّر والإختلاط ، فأصبح أحاديثهم عنهم غير صحيحة ،

وإن كانوا هم أيضاً أئمة ثقات  ! !

 

عبد الرزاق الصنعاني

[  عبد الرزاق بن همام الصنعاني .

أحد أئمة الحديث المشهورين ، وإليه كانت الرحلة في زمانه في الحديث .

حتى قيل انه لم يُرحل إلى أحد بعد رسول الله r ما رحل إلى عبد الرزاق .

قال الإمام أحمد في رواية إسحاق بن هاني :

عبـد الرزاق لا يعبـأ بحديـث مَن سمع منه وقد ذهب بصره ، كان يلقن أحاديث باطلة .

وقد حدّث عن الزهري أحاديث كتبناها من أصل كتابه وهو ينظر جاءوا بخلافها

ونقل الأثرم عنه معنى ذلك .

وقـال في النيسابوري : يعني محمد بن يحيى الذهلي : قَدِم على عبد الرزاق مرتين : إحداهما بعد ما عَمِيَ .

وذكر الأثرم أيضاً : أن أحمد ذكر له حديث : النار جُبار . فقال : هذا باطل ليس من هذا شيء .

ثم قال : مَن يحدّث به عن عبد الرزاق ؟ قلت : حدّثني أحمد بن شبويه

قال : هؤلاء سمعوا بعدما عَمِيَ ، كان يلقن فلقنه وليس هو في كتابه ،

وقد أسندوا عنه أحاديث ليست في كتبه ، كان يلقنها بعدما عَمِيَ .

قال أبو عبد الله : حكوا عن الحلواني أحاديث أسندها .

وقد ذكر غير واحد أن عبد الرزاق حدّث بأحاديث مناكير في فضل عليّ وأهل البيت ،

فلعلّ تلك الأحاديث مما لقنها بعد أن عَمِيَ . كما قاله الإمام أحمد والله أعلم

 وبعضها مما رواه عنه الضعفاء ولا يصح عنه .

وقال النسائي : عبد الرزاق ما حدث عنه بآخره ففيه نظر

وذكر عبد الله بن أحمد أنه سمع يحيى بن معين قيل له :

تحفظ عن عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي عن النبيّ r : أنه مسح على الجبائر . فقال يحيى : باطل ، ما حدّث به معمر قط

ثم قال يحيى : عليه مائة بدنة مقلدة مجللة إن كان معمر حدّث بهذا قط ،

هذا باطل ولو حدّث بهذا عبد الرزاق كان حلال الدم ، مَن حدّث بهذا عن عبد الرزاق ؟

قالوا : فلان وفي بعض النسخ قالوا : محمد بن يحيى ،

قال : لا والله ما حدّث به معمر وعليه حجة من ههنا إلى مكة إن كان معمر حدّث بهذا .

قال عبد الله بن أحمد : هذا الحديث يروونه عن إسرائيل عـن عـمـرو بن خالد عن زيد بن عليّ عن آبائه عن عليّ عن النبيّ r لا يساوي شيئاً .

قال عبد الله : وسمعت يحيى يقول :

ما كتبت عن عبد الرزاق حديثاً قط إلا من كتابه ،

لا والله ما كتبت عنه حديثاً قط إلا من كتابه .

وذكر بعضهم أن سماع الدَبري من عبد الرزاق بآخره .

قال إبراهيم الحربي : مات عبد الرزاق وللدبري ست سنين أو سبع سنين ] ([68]) .

الإمام عبد الرزاق الصنعاني وهو يروي عن الإمام الزهري ، وهما من أئمة أهل الحديث ، ومن الثقات .

وله أحاديث كتبها عن شيخه الإمام الزهري ،فأضبطها . فأخذ عنه أئمة أثبات ومنهم الإمام أحمد ، تلك الأحاديث المضبوطة ، وهو بصير ينظر إلى كتابه ، فيتحدث منه .

ثم ذهب بصره بعد ذلك ، فكان يُلقّن أحاديث باطلة ، فاختلط عليه الأحاديث الصحيحة بالباطلة ؛ التي تخالف كتابه .

فمن روى عنه بعد ذهاب بصره فحديثه غير صحيح ، وإن كان الراوي عنه إمام ثقة !

وكانوا يعلمون متى ذهب بصره ، ومَن روى عنه بعد ذهاب بصره ؟

ومَن روى عنه قبل ذلك ؟

ومَن من الأئمة قد التقى به في الحالتين ؟ !

وكانوا يعلمون الأحاديث الصحيحة الموجودة في كتابه ، ويميّزونها عن الأحاديث التي غير موجودة في كتابه ، فيعلمون أنها غيرصحيحة ، وهي التي قد رويت عنه بعد ذهاب بصره ! ‍!   

وكانـوا يعلمـون أنّ هناك أحاديث تُروى عن إمامٍ من الأئمة ، وهو لم يرْوِها ، وهم كانوا على يقين من ذلك ، ويحلفون عليه ،

بل ينذرون بالذهاب للحج ماشياً ، وعليهم مائة بدنة ، إن كان روى ذلك الإمام ذلك الحديث !

ويُبعدون ذلك ، ويعتبرون ذلك الإمام حلال الدم ، إن كان حدّث بذلك الحديث !

على هذا اليقين ، وهذه الثقة ، كانوا يتعاملون مع الأئمة ، ومروياتهم ! ويعرفون ما روى ، وما لم يروِ ! !

فكيف يُقارن بهم ، بل يُفضّل عليهم – في أحكامهم على الأحاديث صحة وضعفاً – أحياناً ، مَـن جاء بعدهم بأكثر من ألف سنة ؟ !

وهـو لـم يرَ الرواة ، ولا مَن حدّث عنهم ، ولا رأى أحفاد أحفاد أحفادهم ! !

 

حفص بن غياث

[  حفص بن غياث النخعي .

أبو عمرو قاضي الكوفة .

قــال أبـو زرعة : ساء حفظه بعدما استقضى ، فمن كتب عنه من كتابه فهو صالح ، وإلّا فهو كذا كذا .

وقال ابن المديني : حفص ثبت . قيل له : إنه يهم ؟ قال : كتابه صحيح .

وقال يعقوب بن شيبة : هو ثقة ثبت إذا حدّث من كتابه ، ويتقى بعض حفظه .

وقد تكلم في حفظه غير واحد ، منهم الإمام أحمد .

وقال داود بن رشيد : كان كثير الغلط .

وذكر ذلك لمحمد بن عمار فقال : لا ، ولكن كان لا يحفظ حسناً ، ولكن كان إذا حفظ الحديث فكان ، أي يقوم به حسناً .

وقد روي عن ابن معين : إن حفصاً لم يكن يحدّث إلا من حفظه ببغداد والكوفة ولم يخرج كتاباً ،

كتبـوا عنـه ثـلاثـة آلاف أو أربعـة آلاف حديـث مـن حفظـه ] ([69]) .

حفص بن غياث وهو من الثقات الأثبات ،

أصبح قاضياً . فبسبب انشغاله بالقضاء ساء حفظه ،

فمَن كتب عنه من حفظه ، فحديثه غير صحيح .

ومَن كتب عنه من كتابه ، فحديثه صحيح .

وحدّث في بغداد والكوفة ، من حفظه السيء ،

فكتب محدّثون عنه آلاف الأحاديث من حفظه ! 

أي حديث منه ، هو من هذه الآلاف ، التي حدّثه من حفظه ؟

وأي حديث هو من كتابه ؟

مَن مِن الذين جاءوا بعده ، بأكثر من ألف سنة ، ولم يرَه ولم يرَ كتـابـه – حتـى بالحلم – يستطيع أن يميّز بين تلك الأحاديث ، فيأخذ الأحاديث التي كانت موجودة في كتابه ، ويردّ الآلاف من الأحاديث التي رواها من حفظه ؟ !

 

معمر بن راشد

[ معمر بن راشد .

حديثه بالبصرة فيه اضطراب كثير .

وحديثه باليمن جيد .

قال أحمد في رواية الأثرم : حديث عبد الرزاق عن معمر أحبّ إليّ من حديث هؤلاء البصريين ،

كان يتعاهد كتبه وينظر يعني باليمن ،

وكان يحدثهم بخطأٍ بالبصرة .

وقال يعقوب بن شيبة : سماع أهل البصرة من معمر حين قدم عليهم فيه اضطراب ،

 لأن كتبه لم تكن معه ( ! ! ! ) . . .

يضعف حديثه عن أهل العراق خاصة .

قال ابن أبي خيثمة : سمعت يحيى بن معين يقول :

إذا حدّثك معمر عن العراقيين فَخفْه إلا عن الزهري وابن طاووس ، فإن حديثه عنهما مستقيم ،

فأما أهل الكوفة والبصرة فلا ، وما عمل في حديث الأعمش شيئاً  ] ([70]) .

معمر بن راشد حدّث من حفظه السيء في البصرة ، ولم تكن معه كتبه ،

فإذا حدّث عن العراقيين خاصة – ولا سيما في البصرة والكوفة – فيخلط ويضطرب ،

 فيجب الحذر من تلك الأحاديث !

أما عندما سافر إلى اليمن ، أخذ كتبه معه فحدّث منها ، فمن أخذ عنه – من الأئمة الثقات – تلك الأحاديث فهي صحيحة .

فمَن جاء بعدهم بأكثر من ألف سنة ، كيف يعرف تلك التفاصيل ؟   

 

عبد الرزاق عن سفيان

[ قال أحمد في رواية الأثرم : سماع عبد الرزاق بمكة من سفيان مضطرب جداً .

روى عنه عن عبيد الله أحاديث مناكير ،

هي من حديث العمري ،

وأما سماعه باليمن فأحاديثه صحاح .

قال أبو عبد الله أحمد : قال عبد الرزاق :

كان هشام بن يوسف القاضي يكتب بيده وأنا أنظر يعني عن سفيان باليمن .

قال عبد الرزاق : قال سفيان : إئتوني برجل خفيف اليد فجاءوه بالقاضي وكان ثم جماعة يسمعون لا ينظرون في الكتاب

قال عبد الرزاق : وكنت أنا أنظر فإذا قاموا ، ختم القاضي الكتاب ] ([71]) .

عبـد الرزاق بن همام وسفيان بن عيينة ، رحمهما الله تعالى ، إمامان ، ثقتان ، ثبتان .

ولكن إذا روى عبد الرزاق عن سفيان وهما في مكة ، فأحاديثه مضطربة جداً !

أما إذا روى عنه في اليمن ، فأحاديثه صحيحة !

متى كانا في مكة ، وأخذ عنه الأحاديث ؟

ومتى كانا في اليمن ، وأخذ عنه ؟

وما  هي الأحاديث التي أخذها عنه في مكة ،

وما هي الأحاديث ، التي أخذها عنه في اليمن ؟

ومَن هو هذا الذي يأتي بعدهم بأكثر من ألف سنة ، فيميز بين تلك الأحاديث ؟ فيأخذ أحاديث اليمن ، ويترك أحاديث مكة ؟ !   

 

 

إسماعيل بن عياش

[  إسماعيل بن عياش الحمصي أبو عتبة .

إذا حدّث عن الشاميين فحديثه جيد ،

وإذا حدّث عن غيرهم فحديثه مضطرب . .

 

 

 

 

بقية بن الوليد الحمصي

أبو محمد .  

وهو مع كثرة رواياته عن المجهولين الغرائب والمناكير ، فإنه إذا حدّث عن الثقات المعروفين ولم يدلّس ، فإنّما يكون حديثه جيداً عن أهل الشام كبجير بن سعد ومحمد بن زياد وغيرهما .

 وأما رواياته عن أهل الحجاز وأهل العراق فكثيرة المخالفة لروايات الثقات .

كذا ذكره ابن عدي وغيره .

وذكر سعيد البرذعي قال : قال لي أبو زرعة في حديث أخطأ فيه بقية عن المسعودي ، إذا نقل بقية حديث الكوفة إلى حمص يكون هكذا ] ([72]) .

هؤلاء الأئمة إذا رووا عن الشاميين ، فأحاديثهم صحيحة ، وإذا رووا عن غيرهم فأحاديثهم تكون مضطربة !

وهُـمْ هُمْ نفس الأئمة ؛ بعض أحاديثهم صحيحة ، وبعضها مضطربة غير صحيحة !    

زهير بن محمد الخراساني ثم المكي

 

يكنى أبا المنذر . ثقة متفق على تخريج حديثه مع أن بعضهم ضعفه ، وفصل الخطاب في حال رواياته :

أن أهل العراق يروون عنه أحاديث مستقيمة ، وما خرج عنه في الصحيح فمن رواياتهم عنه ،

وأهل الشام يروون عنه روايات منكرة .

وقد بلغ الإمام أحمد بروايات الشاميين عنه إلى أبلغ الإنكار .

قال أحمد في رواية الأثرم : الشاميون يروون عنه أحاديث مناكير ،

 ثم قال : ترى هذا أن زهير بن محمد الذي يروي عنه أصحابنا ،

ثم قال : أما رواية أصحابنا عنه فمستقيمة : عبد الرحمن بن مهدي وأبو عامر أحاديث مستقيمة صحاح ،

وأما أحاديث أبي حفص التنيسي عنه فتلك بواطيل موضوعة

أو نحو هذا أما بواطيل فقد قاله .

وقال البخاري في زهير : روى عنه ابن مهدي والعقدي وموسى بن مسعود ، وروى عنه أهل الشام أحاديث مناكير .

قال أحمد : كأن الذي روى عنه أهل الشام زهير آخر .

وقال البخاري أيضاً . روى عنه الوليد بن مسلم وعمرو بن أبي سلمة : مناكير عن ابن المنكدر وهشام بن عروة وأبي حازم .

قال أحمد : كأن الذي روى عنه أهل الشام آخر قلبوا اسمه

قال ابن عدي : لعل الشاميين حيث رووا عنه أخطأوا عليه ،

فإنه إذا حدّث عنه أهل العراق فرواياتهم عنه شبه المستقيم وأرجو أنه لا بأس به انتهى .

وقد خرج له الترمذي من رواية الشاميين عنه غير حديث  . . .

والحاكم يخرج من روايات الشاميين عنه كثيراً كالوليد بن مسلم وعمرو بن أبي سلمة ثم يقول صحيح على شرطهما وليس كما قال  ([73]) .

المحدّث زهير بن محمد ، إذا روى عنه العراقيون فالحديث صحيح ،

وإذا روى عنه الشاميون فالحديث يكون منكراً ضعيفاً .

والإمام الحاكم ، مع إمامته وعلمه ومكانته ، قد أخطأ في تصحيح أحاديثه التي رواها عنه الشاميون ،

ويظن أنه كان على الشيخين – الإمام البخاري والإمام مسلم ؛ صاحبي الصحيحين – أن يخرجا تلك الأحاديث ، لأنها على شرطهما !

وقد فات عليه ، أن الشيخان لم يخرجا ، ولم يرويا عنه ، عن طريق الشاميين ، بل أخرجا عنه ، عن طريق العراقيين .

فإذا أخطأ الإمام الحاكم ( وهو مَن هو ) تلك الأخطاء ، فاختلط عليه الأمر في ذلك ،  فكيف بغيره من الذين جاءوا بعده بأكثر من ألف سنة ؟ !    

أيوب بن عتبة اليمامي

 

ذكر أبو عثمان البرذعي عن أبي زرعة قال : حديث أهل العراق عن أيوب بن عتبة ضعيف .

ويقال حديثه باليمامة صحيح  ([74]) .

وهذا الإمام ، إذا روى عنه العراقيون ، فهذه الأحاديث ضعيفة !

أما الأحاديث التي حدّث بها في اليمامة فصحيحة !

فمَن يميّز بين تلك الأحاديث بعدهم ، بأكثر من ألف سنة ؟

 

 

حماد بن سلمة البصري رضي الله عنه . . .

إنه أثبت حديثاً عن ثابت ،

وكذلك حديثه عن علي بن زيد بن جدعان ، وهو حافظ له . . .

قال يعقوب بن شيبة : حماد بن سلمة ثقة في حديثه اضطراب كثير شديد

إلا عـن شيوخ ، فإنـه حسن الحديث عنهم ، متقن لحديثهم ، مقدم فيهم به على غيره ، منهم ثابت البناني وعمار بن أبي عمار وغيرهما .

وقال أحمد في رواية الأثرم : لا أعلم أحداً أحسن حديثاً عن حميد من حماد بن سلمة سمع منه قديماً ، يروي أشياء ، مرة يرفعها ، ومرة يوقفها .

 قال : وحميد يختلفون عنه اختلافاً شديداً .

وقال في رواية أبي الحارث : ما أحسن ما روى حماد عن حميد .

وقال في رواية أبي طالب : حماد بن سلمة أعلم الناس بحديث حميد ، وأصح حديثاً .

وقال أيضاً في روايته : حماد بن سلمة أثبت الناس في حميد الطويل ، سمع منه قديماً

يخالف الناس في حديثه يعني في حديث حميد .

وقال أحمد في رواية علي بن سعيد : محمد بن زياد صاحب أبي هريرة : ثقة ، وأجاد حماد بن سلمة الرواية عنه .

وأما سماعه من أيوب فسمع منه قديماً قبل حماد بن زيد ثم تركه وجالسه حماد بن زيد فأكثر عنه ،

وكان حماد بن زيد أعلم بحديث أيوب من حماد بن سلمة.  

قاله الإمام أحمد أيضاً .

وقال في رواية حنبل : حماد بن سلمة يسند عن أيوب أحاديث لا يسندها الناس عنه .

وأما الشيوخ الذين تكلم في رواية حماد عنهم فمنهم :

قيس بن سعد .

قال أحمد : ضاع كتابه عنه ، فكان يحدث من حفظه فيخطيء .

وضعف يحيى بن سعيد القطان روايات حماد بن سلمة عن قيس بن سعد ، ورواياته عن زياد الأعلم .

قـال البيهقي : حماد ساء حفظه في آخر عمره ،

فالحفاظ لا يحتجون بما يخالف فيه ، ويجتنبون ما تفرد به عن قيس خاصة . . .

وقال أحمد في رواية الأثرم : حماد بن سلمة إذا روى عن الصغار أخطأ وأشار إلى روايته عن داود ابن أبي هند .

 

وقال مسلم في كتاب التمييز : إجتماع أهل الحديث من علمائهم على أن أثبت الناس في ثابت حماد بن سلمة .

كذلك قال يحيى القطان ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل وغيرهم من أهل المعرفة .

وحماد يعد عندهم إذا حدّث عن غير ثابت كحديثه عن قتادة وأيوب وداود بن أبي هند والجريري ويحيى بن سعيد وعمرو بن دينار وأشباههم ، فإنه يخطيء في حديثهم كثيراً .

 وغير حماد في هؤلاء أثبت عندهم كحماد بن زيد وعبد الوارث ويزيد بن زريع انتهى .

ومع هذا فقد أخرج مسلم في صحيحه لحماد بن سلمة عن أيوب وقتادة وداود بن أبي هند والجريري ويحيى بن سعيد الأنصاري ،

ولم يخرج حديثه عن عمرو بن دينار ، ولكن إنما خرج حديثه عن هؤلاء فيما تابعه عليه غيره من الثقات ووافقوه عليه

 لم يخرج له عن أحد عنهم شيئاً تفرد به عنه والله أعلم .

وقد قيل : إن مَن سمع من حماد تصانيفه فليس حديثه بذاك ،

ومَن سمع عنه النسخ التي كانت عنده عن شيوخه فسماعه جيد .

قال جعفر الطيالسي عن يحيى بن معين :

مَن سمع من حماد بن سلمة الأصناف ففيها اختلاف ،

 ومَن سمع من حماد بن سلمة نسخاً فهو صحيح  ([75]) .  

فالأئمة الكبار ، كانوا يعلمون أيّ حديث يأخذون ، وأيّ حديث يتركون ، ومن نفس المحدّث ، ومن نفس السند !

كانوا يميّزون بين أحاديثهم الصحيحة عن غيرها ، وذلك بمعايشتهم معهم ، واختلاطهم بهم ، واطلاعهم على شؤونهم ، ونظرهم في كتبهم ! واختيارهم منها ! 

فالذين جاءوا من بعدهم بأكثر من ألف سنة ، كيف يميّزون بين تلك الأحاديث ؟ وبأي ميزان ؟ !

 

 

 

جعفر بن برقان الجزري

ثقة مشهور ، لكن حديثه عن الزهري خاصة مضطرب .

قال عبد الله بن أحمد : سألت أبي عن جعفر بن برقان ، قال : إذا حدّث عن غير الزهري فلا بأس .

ثم قال : في حديث الزهري يخطيء .

وقال الميموني عن أحمد : جعفر بن برقان ضابط لحديث ميمون وحديث يزيد بن الأصم ،

وهو في حديث الزهري يضطرب ويختلف فيه .

وقال ابن معين : هو ضعيف في الزهري .

وقال يحيى مرة : ليس هو في حديث الزهري بشيء .

ونقل إبراهيم بن الجنيد عن ابن معين قال :

جعفر بن برقان ثقة فيما يروي عن غير الزهري .

وأما ما روى عن الزهري فهو فيه ضعيف ،

وكان أمياً لا يكتب ، وليس هو مستقيم الحديث عن الزهري ،

وهو في غير الزهري أصح حديثاً .

وقال يعقوب بن شيبة : قلت لابن معين :

أما روايته عن الزهري فليست مستقيمة . قال : نعم .

وقال ابن نمير : هو ثقة ، أحاديثه عن الزهري مضطربة

قال البرقاني : سألت الدارقطني ، وأبو الحسين بن مظفر حاضر عن جعفر بن برقان ؟ فقالا جميعاً : قال أحمد بن حنبل :

يؤخذ من حديثه ما كان عن غير الزهري ،

فأما عنه فلا .

قلت : قد لقيه فما بلاؤه ؟ قال : وربما حدّث الثقة عن ابن برقان عن الزهري ، ويحدّثه الآخـر عـن ابـن برقان عن رجل عن الزهري ، أو يقول : بلغني عن الزهري قال :

فأما حديثه عن ميمون بن مهران ويزيد بن الأصم فثابت صحيح .

وقال ابن عدي : هو ضعيف في الزهري ،

وكان أمياً ويقيم روايته عن غير الزهري ، وثبتوه في ميمون بن مهران وغيره . . .

وقال مسلم في كتاب التمييز :جعفر بن برقان أعلم الناس بميمون بن مهران . ويزيد ابن الأصم .

فأما روايته عن غيرهما كالزهري وعمرو بن دينار وسائر الرجال فهو فيها ضعيف الركن رديء الضبط في الرواية عنهم .

قلت : لا يبعد أن يكون حديثه عن أهل الجزيرة خاصة محفوظاً ،

بخلاف حديثه عن غيرهم .

وتحقيق هـذا يحتاج إلى سبر أحاديثه عن غير الجزريين كعكرمة ونافع  ([76])

 

رواية أبي أسامة عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الدمشقي .

 

قال محمد بن عبد الله بن نمير :

ليس هو بابن جابر المعروف ،

إنما هو رجل يُسمى بابن جابر ، كتب عنه أبو أسامة هذه الأحاديث ،

قال : ألا ترى روايته لا تشبه شيئاً من حديثه الصحاح الذي يروي عنه أهل الشام وأصحابه الثقات .

وكان ابن نمير يشير إلى أن أبا أسامة علم بذلك وتغافل عنه ، فكان يوهن أبا أسامة ويتعجب ممن يحدّث عنه .

نقله يعقوب الفسوي عن ابن نمير . . .

وقال أبو عبيد الآجري عن أبي داود :

أبو أسامة روى عن عبد الرحمن ابن يزيد بن تميم وغلط في اسمه فقال : حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ،

 قال : وكلما جاء عن أبي أسامة حدثنا عبد الرحمن بن يزيد فهو ابن تميم .

وكذلك روى حسين الجعفي عن ابن جابر عن أبي الأشعث عن آوس بن آوس عن النبي r حديث : ( أكثروا عليّ من الصلاة يوم الجمعة . الحديث )

فقالت طائفة : هو حديث منكر ، وحسين الجعفي سمع من عبد الرحمن بن يزيد بن تميم الشامي ،

وروى عنه أحاديث منكرة فغلط في نسبته .

 وممن ذكر ذلك البخاري وأبو زرعة وأبو حاتم وأبو داود وابن حبان وغيرهم وقالوا : الذي سمع منه حسين هو ابن جابر .

قال العجلي : سمع من ابن جابر حديثين في الجمعة .

وكذا أنكر الدارقطني على مَن قال : إن حسينًا سمع من ابن تميم وقال : إنما سمع من ابن جابر .

قــال : والذي سمع من تميم هو أبو أسامة ، وغلط في اسم جده فقال : ابن جابر ، وهو ابن تميم . . .

وقد استنكر البخاري روايات الكوفيين عن جابر .

قال الترمذي في علله : قال البخاري :

أهل الكوفة يروون عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أحاديث مناكير ،

وإنما أرادوا عندي عبد الرحمن بن يزيد بن تميم وهو منكر الحديث ،

وهو بأحاديثه أشبه منه بأحاديث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر  ([77]) .

أنظر إلى هذه المعلومات الدقيقة الشائكة !

كيف يعرفون – وبدقة متناهية – مَن روى عن مَن ؟ وكيف أخطأ في إسم جدّه ، واختلط عليه بمحدّث بآخر ؟

ويعلمون أنّ فلاناً روى حديثين عن فلان ، ليس أكثر !

فكيف يعرف هذه الأمور ، مَن جاء بعدهم بأكثر من ألف سنة ، ولم يرَ أولئك حتى في المنام ؟ كيف يميّز أحاديثهم ، ويغربلها ؟

وكيف يسمح لنفسـه أن يحشـرهـا ، بين أولئك الأئمة العظام ، ويناقشهم ، ويردّ عليهم أحكامهم ، ويزاحمهم ؟ !

     

زهير بن معاوية

 

روى عن واصل بن حيان عن ابن بريدة عن أبيه عن النبيّ r أحاديث منها : حديث : الكمأة وحديث الحبة السوداء وحديث عرضت عليّ الجنة .

قال أحمد وأبو داود : إنقلب على زهير اسم صالح بن حيان فقال : واصل ،

إنما يروي عن صالح بن حيان فسماه واصلاً .

وقال ابن معين : سمع منهما معاً فجعلهما واحداً وسماه واصل بن حيان .

وقال أبو حاتم : زهير مع اتقانه أخطأ في هذا ولم يسمع من واصل بن حيان ولم يدركه إنما سمع من صالح بن حيان .

وهذا يوافق قول أحمد وأبي داود ويخالف قول ابن معين . . .

فعلى قول يحيى يتوقف في رواية زهير عن واصل بن حيان حتى يعرف الحديث عند غيره عن واصل ،

وأما على قول أحمد ومَن وافقه فروايات زهير عن واصل ضعيفة ولابد لأنها عن صالح بن حيان من غير تردد .

وصالح بن حيان القرشي : ضعيف .

وواصل بن حيان : ثقة .

وقد اشتبه على كثير من المتأخرين صالح بن حيان القرشي الكوفي الذي يروي عن ابن بُريدة ،

بصالح بن حيان والد الحسن وعليّ ، فإنه يقال له صالح بن حيان ،

والمشهور في نسبته صالح بن حي الهمداني الكوفي وهو ثقة كبير  ([78]) .

فقـد اشتبه على كثير منهم : صالح بن حيان القرشي الكوفي ، بـ صالح بن حيان الهمداني الكوفي !

والأول منهما ضعيف ، والثاني ثقة !

فقد اشتبه عليهم هُم ، فكيف بمَن يأتي بعدهم بألف سنة ، وبضاعته مزجاة ؟ !

 

عطية العوفي

 

قـال عبـد الله بن أحمد : سمعت أبي ذكر عطية العوفي فقال : هو ضعيف الحديث ،

بلغني أن عطية يأتي الكلبي فيأخذ عنه التفسير ، وكان يكنيه بأبي سعيد فيقول : قال أبو سعيد ، قال أبو سعيد .

قال عبد الله : وحدثنا أبي ثنا أبو أحمد الزبيري سمعت الثوري قال :

سمعت الكلبي قال : كناني عطية بأبي سعيد ،

ولكن الكلبي لا يُعتمد على ما يرويه وإن صحت هذه الحكاية عن عطية .

فإنما يقتضي التوقف فيما يحكيه عطية عن أبي سعيد من التفسير خاصة .

فأما الأحاديث المرفوعة التي يرويها عن أبي سعيد ، فإنما يريد أبا سعيد الخدري ، ويصرح في بعضها بنسبته .

 

الوليد بن مسلم

 

كان كثير التدليس ، وكان يروي عن الأوزاعي فيقول : حدثنا أبو عمرو ،

ويروي عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم الدمشقي وهو ضعيف جداً فيقول :

حدثنا أبو عمرو ،

حكى ذلك ابن حبان وغيره .

بقية بن الوليد

 

وهو من أكثر الناس تدليساً ، وأكثر شيوخه الضعفاء مجهولين لا يُعرفون ،

وكان ربما روى عن سعيد بن عبد الجبار الزبيدي أو زرعة بن عمرو الزبيدي وكلاهما ضعيف الحديث

فيقول : حدثنا الزبيدي فيظن أنه محمد بن الوليد الزبيدي صاحب الزهري .

وقد تقدم له عنه في كتاب الصيام في باب الكحل للصائم ، حديث رواه عن الزبيدي وظنه بعضهم محمد بن الوليد فنسبه كذلك وأخطأ إنما هو سعيد بن عبد الجبار

 

 

 

حسين بن واقد

 

يروي عن أيوب عن نافع عن ابن عمر ،

وعنده عن أيوب السختياني ،

وعن أيوب بن خوط ،

وأيوب بن خوط ضعيف جداً .

فالمنكرات التي عنده عن أيوب عن نافع عن ابن عمر ، إنما هي عن أيوب بن خوط .

ذكره ابن حبان .

 

 

 

نوع من التدليس

 

وأما مَن روى عن ضعيف فأسقطه من الإسناد بالكلية فهو نوع تدليس .

 

تدليس التسوية

 

ومنه ما يسمى التسوية : وهو أن يروي عن شيخ له ثقة عن رجل ضعيف عن ثقة ، فيسقط الضعيف من الوسط .

وكان الوليد بن مسلم وسنيد بن داود وغيرهما يفعلون ذلك .

وذكـر افـراد الحديـث التـي فعـل فيهــا ذلك يطول جداً ،

 

 

ولكن نذكر بعض الأسانيد ([79]) التي كان رواتها يسقطون منها الضعيف غالباً فمن ذلك :

 

رواية عبد الرزاق عن ابن جريج عن صفوان بن سليم

 

قال أبو عثمان البرذعي : سمعت أبا مسعود أحمد بن الفرات يقول :

رأيت عند عبد الرزاق عن ابن جريج عن صفوان بن سليم أحاديث حساناً ،

 فسـألته عنهــا فقــال :

 

أي شيء تصنع بها ، هي من أحاديث إبراهيم بن أبي يحيى ([80]) .

قال أبو مسعود : فتركتها ولم أسمعها انتهى .

ويقال أن ابن جريج كان يدلس أحاديث صفوان عن ابن أبي يحيى .

وكذلك أحاديث ابن جريج عن المطلب بن عبد الله بن حنطب .

قال ابن المديني : لم يسمع منه ، وإنما أخذ حديثه عنه عن ابن أبي يحيى .

وقــال ابن المديني أيضـاً : كلما في كتاب ابن جريج أخبرت عن داود بن الحصين ، وأخبرت عن صالح مولى التوأمة فهو من كتاب إبراهيم بن أبي يحيى .

ومنها : رواية عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس .

وقد قيل إنها كلها مأخوذة عن ابن أبي يحيى عن داود بن الحصين عن عكرمة .

وله حديث في اللعان عن عكرمة .

قال أحمد : إنما رواه عن ابن أبي يحيى . . .

وله حديث آخر في الحجامة .

وحديث في الاكتحال . . .

وقد سئل عنهما عباد فقال : حدثنيهما ابن أبي يحيى عن داود عن عكرمة .

ومنها : أحاديث متعددة يرويها الحسن بن ذكوان عن حبيب ابن أبي ثابت عن عاصم بن ضمرة عن علي ، يرويها عنه عبد الوارث بن سعيد .

إنما رواها الحسن بن ذكوان عن عمرو بن خالد الواسطي .

وهو كذاب متهم بالوضع عن حبيب ،

ثم اسقط عمرواً من اسنادها وكلها بواطيل .

قاله الإمام أحمد .

 وقال ابن المديني : نحو ذلك .

وقال ابن معين : لكن بين الحسن وحبيب رجل غير ثقة .

وقال أيضاً : لم يسمع الحسن من حبيب ،

إنما سمع حديثه من عمرو بن خالد عنه . وعمرو : متروك . . .

وروى ابن جريج حبيب ابن أبي ثابت عن عاصم بن ضمرة عن عليّ مرفوعاً حديثاً في كشف الفخذ .

قال أبو حاتم : لم يسمعه ابن جريج من حبيب ،

فأرى أن ابن جريج أخذه عن الحسن بن ذكوان عن عمرو بن خالد عن حبيب .

وقال ابن المديني : أحاديث حبيب عن عاصم بن ضمرة لا تصح ،

إنما هي مأخوذة عن عمرو بن خالد الواسطي .

ولكن ذكر يعقوب بن شيبة عن ابن المديني أنه قال في حديث ابن جريج هذا رأيته في كتب ابن جريج .

أخبرني إسماعيل بن مسلم عن حبيب .

وحبيب قال أبو حاتم : لا تثبت له رواية عن عاصم . . .

ومنها : أحاديث يرويها عبد الرحمن بن زياد الأفريقي عن عتبة بن حميد عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ عن النبيّ r ،

 قد قيل أنها كلها مأخوذة عن محمد بن سعيد المصلوب في الزندقة المشهور بالكذب والوضع ،

وأنه أسقط اسمه من الاسناد بين عتبة وعبادة

ومن جملتها حديث المنديل بعد الوضوء  ([81]) .

 

 

عثمان بن صالح المصري

 

قال البرذعي : عن أبي زرعة : لم يكن عثمان عندي ممن يكذب ،

لكنه كان يكتب الحديث مع خالد بن نجيح ،

فكان خالد إذا سمعوا من الشيخ أملى عليهم ما لم يسمعوا فبلوا .

وقد بلي به أبو صالح أيضاً يعني كاتب الليث في حديث زهير بن معبد عن سعيد بن المسيب عن جابر ليس له أصل ، إنما هو من حديث خالد بن نجيح . . .

وكذا ذكر أبو زرعة وأبو حاتم في عبد الله بن صالح أبي صالح أن خالد بن نجيح كان يدس له في كتبه أحاديث . . .

وقال ابن حبان : إمتحن أهل المدينة بحبيب ابن أبي الوراق

كان يدخل عليهم الحديث فمن سمع بقراءته عليهم فسماعه لا شيء انتهى .

وممن كان يستملي استملاءاً سيئاً إبراهيم بن بشار الرمادي .

كان يملي على الناس ما يحدّث به سفيان بن عيينة بزيادة وبغير . قاله أحمد ويحيى .

ولكن لا أعلم من كتب باملائه  ([82]) .

فانظر إلى دقة المعلومات ! وكأنهم – فعلاً – كانوا يعيشون مع الرواة معايشة ، فكانون يعلمون كيفية تحديثهم ، وماهية مروياتهم ، وكيف كانوا يفعلون !

وكيف كان بعضهم يدسّ في كتب بعض ، وما هي الأحاديث التي كانوا يدسّونها ، وما هي الزيادات التي يختلقونها على لسان بعض الأئمة !

فأنّى لمسكين يأتي بعدهم بأكثر من ألف سنة ، أن يعرف تلـك الدقائـق ! ومن ثمّ يحشـر نفسه بينهم ، ويدلي – معهم – بدلوه ؟

تنبيه :

 

إعلــم أنـه قد يخرج في الصحيح لبعض مَن تكلم فيه متابعة واستشهادا وذلك معلوم .

وقد يخرج من حديث بعضهم ما هو معروف عن شيوخه من طرق أخرى ،

ولكن لم يكن وقع لصاحب الصحيح ذلك الحديث إلا من طريقه إما مطلقاً أو بعلو ،

فإذا كان الحديث معروفاً عن الأعمش صحيحاً عنه .

ولم يقع لصاحب الصحيح عنه بعلو إلا من طريق بعض مَن تكلم فيه من أصحابه . خرجه عنه .

قال أبو عثمان سعيد بن عثمان البرذعي : شهدت أبا زرعة وأنكر على مسلم تخريجه لحديث أسباط بن نصر . وقطن بن نُسير وروايته عن أحمد بن عيسى المصري في كتابه الصحيح في حكاية طويلة ذكرها .

قال : فلما رجعت إلى نيسابور ذكرت لمسلم فقال : إنما أدخلت من حديث أسباط وقطن بن نسير وأحمد ما قد رواه الثقات عن شيوخهم ،

إلا أنه ربما وقع إليّ عنهم بارتفاع ويكون عندي من رواية أوثق منهم بنزول ، فاقتصر على أولئك ، وأصل الحديث معروف من رواية الثقات انتهى  ([83]) .

 

فقد أخرج الإمام مسلم ، رحمه الله ، في كتابه الصحيح ، عن رجال كذّابين ، معروفيـن بالكذب ، وضعفاء ، ولكن ليس إعتماداً عليهم وثقة بهم !

بل لأن الرواية عنهم ، تكون عن أقل الرجال بينه وبين النبيّ  r. وتسمى : الإسناد العالي .

وهو أحب إليهم من الإسناد النازل ؛ والذي يكون بينه وبين النبيّ r ، شيوخ ، عددهم أكثر من العالي !

 

وذلك بشرط ، أن يكون الحديث الذي يروونه صحيحاً ([84])

 

قتادة عن الحسن عن أنس عن النبيّ r ، هذه السلسلة

 

قال البرديجي : لا يثبت منها حديث أصلاً من رواية الثقات .

 

 

قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبيّ r

 

قال البرديجي : هذه الأحاديث كلها معلولة وليس عند شعبة منها شيء .

وعند سعيد بن أبي عروبة منها حديث .

وعند هشام منها آخر . وفيها نظر .

هذه الأحاديث كلها معلولة !

ليس عند شعبة منها شيء !

عند سعيد بن أبي عروبة منها حديث واحد !

وعند هشام منها حديث آخر ، فيها نظر !

كيف يعلم هذه المعلومات الدقيقة ، مَن جاء بعدهم بأكثر من ألف سنة ! !

وأيّ ظلم يرتكبه مَن يساوي بينهم ؟ ! بل ربّما يفضّل هذا المتأخر عنهم ، على أولئك الأئمة الجهابذة ! !

فانظر إلى تقليب الموازين ، وتشويه العلوم ! ! 

 

يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة       عن النبيّ r .

 

قال البرديجي : قال ابن المديني : لم يصح منها شيء مسند بهذا الاسناد .  

وقال البرديجي : لا يصح منها شيء إلا من حديث سليمان بن بلال من حديث ابن أبي أويس عن أخيه عنه .

قال : وسائر ذلك مراسيل وصلها قوم ليسوا بأقوياء .

! ! ! ! ! !

 

 

يحيى بن سعيد الأنصاري عن أنس

 

قال البرديجي : هي صحاح ، وهي ثلاثة أحاديث منها حديث فيه اضطراب .

وسائر حديث يحيى عن أنس فيه نظر .

! ! ! لا تعليق على هذه المعلومات الدقيقة القوية سوى إظهار الإعجاب ! ! !

 

حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر

 

قال سليمان بن حرب : لم يصح بهذا الاسناد إلا حديث واحد ، ( ! ! ! )

وأنكر حديث نافع عن ابن عمر عن عمر في تقبيل الحجر وقال : ليس هو عن أيوب قط .

وحديث حماد عن نافع عن عمر في تقبيل الحجر . رواه غير واحد عنه . وخرجه مسلم في صحيحه ورواه ابن علية عن أيوب قال : نبئت أن عمر قَبل الحجر . كذا رواه مرسلا .

 

يحيى بن الجزار عن عليّ

 

قال شبابة عن شعبة : لم يسمع يحيى الجزار من عليّ إلا ثلاثة أشياء منها :

أن النبيّ r قام على فرضة من فرض الخندق . وأن رجلاً جاء إلى عليّ فقال : أي يوم هذا . . .

 

 

 

حميد الطويل عن أنس

 

قال أبو داود الطيالسي : قال شعبة : إنما روى حميد عن أنس ما سمعه منه : خمسة أحاديث .

قال أبو داود : قال حماد بن سلمة : عامة ما يروي حميد عن أنس لم يسمعه منه ، إنما عامتها سمعه من ثابت .

وذكر العجلي عن يحيى بن معين عن أبي عبيدة الحداد قال : قال شعبة : لم يسمع حميد من أنس إلا أربعة وعشرين حديثاً .

 

 

 

 

الزبير بن عدي عن أنس عن النبيّ r

 

قال ابن عدي : ليس له إلا حديث واحد يعني حديث : ( لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شرٌ منه ) . وكذا قال ابن حبان .

وقـال أبـو حــاتم الرازي : له عنه أربعة أحاديث أو خمسة . . .

 

الزهري

 

قيل : إنه لم يسمع من ابن عمر . وقيل انه سمع منه حديثين .

كذا ذكره محمد بن يحيى عن عبد الرزاق عن معمر .

 

أبو إسحاق عن الحارث .

 

لم يسمع منه غير أربعة أحاديث والباقي كتاب أخذه .

كذا قاله شعبة . وكذا قال العجلي . . .

يعرفون كم حديثاً أخذه سماعاً ، وأي حديث هو ، أي سمعه من شيخه .

وباقي الأحاديث لم يسمعها سماعاً ، بل أخذه من كتاب !

 

الحكم عن مقسم

 

روى عنه كثيراً ، ولم يسمع منه سوى أربعة أحاديث . قاله شعبة .

قال أبو داود : ليس فيها مسند واحد . يعني كلها موقوفات .

وذكر ابن المديني عن يحيى بن سعيد عن شعبة أنه قال : هي خمسة أحاديث .

وعدها شعبة : حديث الوتر ، وحديث القنوت ، وحديث عزمه الطلاق ، وحديث جزاء ما قتل من النعم . والرجل يأتي امرأته وهي حائض .

روى عنه كثيراً ، ولم يسمع منه سوى أربعة أحاديث ! !

قال شعبة : هي خمسة أحاديث ! وعدّها !

يعلمون جيّداً ما هي الأحاديث التي سمعها من شيخه !

 

قتادة عن أبي العالية

 

قال شعبة : لم يسمع منه إلا أربعة أحاديث :

حديث يونس بن متى وحديث ابن عمر فـي الصلاة . وحديث القضاة ثلاثة . وحديث ابن عباس شهد عندي رجال مرضيون ، وأرضاهم عندي عمر . الحديث .

وقد خرجا له في الصحيحين عن أبي العالية حديثين آخرين :

أحدهما : حديث دعاء الكرب .

والثاني : حديث رؤية النبيّ r ليلة أُسري به موسى وغيره من الأنبياء .

 

أبو سفيان طلحة بن نافع

 

قال شعبة وابن عيينة : روايته عن جابر إنما هي صحيفة ومرادها أنه كتاب أخذه فرواه عن جابر ولم يسمعه .

وروي عن شعبة قال : حديث أبي سفيان عن جابر إنما هو كتاب سليمان اليشكري .

وقال ابن المديني : قال معلى الرازي عن يحيى بن أبي زائدة قال : سمعت يزيد الدالاني قال :

لم يسمع أبو سفيان من جابر إلا أربعة أحاديث . . .

الأعمش

 

قيل أنه لم يسمع من مجاهد إلا أربعة أحاديث .

قاله ابن المبارك عن هشيم .

وذكر ابن أبي حاتم بإسناده عن وكيع قال :

كنا نتبع ما سمع الأعمش من مجاهد فإذا هي سبعة أو ثمانية .

وحكى الكرابيسي أنه سمع علي بن المديني يقول :

لم يصح عندنا سماع الأعمش من مجاهد إلا نحو من ستة أو سبعة .

قال عليّ : كذلك سمعت يحيى وعبد الرحمن يقولان في الأعمش .

وقال الترمذي في (( علله )) قلت للبخاري يقولون : لم يسمع الأعمش من مجاهد إلا أربعة أحاديث ، قال : ريح ليس بشيء ،

 لقد عددت له أحاديث كثيرة نحواً من ثلاثين أو أقل أو أكثر يقول فيها : حدثنا مجاهد .

وكذا نقل الكرابيسي عن الشاذكوني :

إن الأعمش سمع من مجاهد أقل من ثلاثين حديثاً . . .

 

 

سفيان بن عيينة عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبيّ r .

 

قال العقيلي : ليس لسفيان بهذا الإسناد غير أربعة أحاديث :

( مثل الجليس الصالح ) .( والمؤمن للمؤمن كالبنيان ) . ( واشفعوا إليّ ولتؤجروا ) ( والخازن الأمين ) .

قال : ليس عنده غير هذه الأربعة . . .

أنظر إلى دقّة علمهم وإحاطتهم ! كيف يعلمون أنّ سفيان بن عيينة ، ليس له بذلك الإسناد إلّا أربعة أحاديث ! وما هي تلك الأحاديث !

ومعنى ذلك : أنه إذا جاء حديث خامس بنفس السند فهو حديث غير صحيح ! !

 

سفيان بن عيينة عن الزهري عن أنس عن النبيّ r

 

ذكر بعض الحفاظ أنه لا يصح بهذا الإسناد غير ستة أحاديث أو سبعة .

قال : وأظهر بعضهم كتاباً كله بهذا الإسناد فظهر كذبه وافتضح .

 

 

 

هشيم :

 

لم يصح له السماع من الزهري إلا أربعة أحاديث منها حديث السقيفة . قاله الإمام أحمد .

قال أحمد : وسمع من جابر يعني الجعفي حديثين .

 

حجاج بن أرطأة

 

قال أبو نعيم الفضل بن دُكين :

لم يسمع حجاج من عمرو بن شعيب إلا أربعة أحاديث ، والباقي عن محمد بن عبيد الله العرزمي .

يعني أنه يُدلس بقية حديثه عن عمرو عن العرزمي .

 

الأعمش عن أبي سفيان

 

قال الكرابيسي : حدثني علي بن المديني وسليمان الشاذكوني قالا :

روى الأعمش عن أبي سفيان أكثر من مائة ، ولم يسمع منها إلا أربعة .

قال عليّ : سمعت يحيى يقول ذلك .

وذكر البزار في مسنده : إن الأعمش لم يسمع من أبي سفيان .

قـال : وقد روى عنه نحو مائة حديث . كذا قال ، وهو بعيد . وحديث الأعمش عن سفيان مخرج في الصحيح .

 

 

معاوية بن سلّام ابن أبي سلّام

 

يروي عن أبيه سلّام وعن أخيه زيد بن سلّام ،

وسمع من جده أبي سلّام حديثاً واحداً عن كعب

قال : مَن قال : ( سبحان الله وبحمده مائتي مرة ، غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر ) .

ذكره جعفر الفريابي عن هشام بن خالد عن مروان بن محمد الدمشقي

وقال شعبة : أحاديث الحكم عن مجاهد كتاب إلا ما قال سمعت   ([85]) .  

فهؤلاء الأئمة العظام ، رحمة الله عليهم ، كانوا يعلمون جيّداً ، كم من الأحاديث رواها الأئمة الثقات ؛ وكم منها صحيحة ، وكم منها غير صحيحة ؟ !

وكانوا يعلمون جيّداً ، كم من الأحاديث الصحيحة ، رويت بسند معيّن ؟ وكم منها غير صحيحة ، وهي عن نفس الإمام ، وبنفس السند ؟ !

وكـانوا يعلمـون جيّداً ، ما هي الأحاديث الصحيحة بالضبط ؟ !

وأيّ حديث روي من كتاب ؟ وأيّ حديث هو ملفق ؟ وهو عن نفس الإمام ، وبنفس السند ؟

فكانوا ، رحمة الله عليهم ، يغربلونها ، فيخرجونها حديثاً حديثاً !

فهـل يستطيـع أحد ، أن يأتي بعدهم بقرابة ألف سنة أو يزيـد ، أن يزاحمهـم ، ويحشر نفسـه بينهــم ، فيخطأهــم ويسدّدهــم ؟ ! وهو لـم يرَ الرواة ، ولم يرَ كتُبهم حتى بالحلم ؟ ! ولم يحصل على عُشر معشار علمهم ؟ !

   

 

 

إختلاف الحكم باختلاف العبارات !

   

قال العجلي : إذا قال سفيان بن عيينة عن عمرو سمع جابراً فصحيح ،

وإذا قال سفيان : سمع عمرو جابراً فليس بشيء ([86]) .

 يشير إلى أنه إذا قال عن عمرو فقد سمعه منه ،

وإذا قال : سمع عمرو جابراً فلم يسمعه ابن عيينة من عمرو . . .

قال العجلي : كل شيء روى محمد بن سيرين عن عبيدة يعني السلماني سوى رأيه فهو عن عليّ ،

وكل شيء روى إبراهيم النخعي عن عبيدة سوى رأيه فإنه عن عبد الله

إلا حديثاً واحداً  ([87]) .  

خاتمة

هذا ما تيسر من الإشارات والتنبيهات ، ونقل بعض أقوال العلماء ، وأئمة هذا الشأن عن حديث رسول الله ؛ سيّدنا محمد r

أردنا منها إظهار خطورة هذا الموضوع ، وأنه ليس أمراً هيّناً ، حتى يُقحِم نفسه فيه كلّ مَن هبّ ودبّ .

وهذا يحدث ، لأنه ليس هناك مَن يحاسب المتطفّلين الآن !

ليس هناك الآن خليفة كعمر بن الخطاب t ، يؤدّب مَن يشوِّه هذا الدين العظيم بتطاوله الفج اللامسؤل ، باسم الدفاع عنه !

ولقد دار علينا زمان ؛ قُسمت الإختصاصات ، حيث لكل علم مختصون ، وفي كل مجال خُبراؤه ، إلّا دين الله تعالى ؛ الإسلام ! حيث أصبح كلأ مباحاً لكل متدخّل متطفّل !

وهذا أمر عظيم ، لا يحسبنّ أحد أنّ الله تعالى لا يحاسب عليه ، كيف وقد قال تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) ؟  

فإن كان عقاب الله تعالى ، على هذا الذنب ، وعلى هذه الكبيرة ، قد لا يشعر به مرتكبه الآن ؛ من موت قلبه ، ورفع البركة عنه وعن أعماله ، فإنّ هناك يوم القيامة ؛ يوم الحساب ، عن كل جريرة ارتُكِبت ، وعن كل جريمة اقتُرِفت ، سيراها صاحبها ، عندما يعطى كتابه بشماله فيقول (  يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ) .

وأنّ هذا الشر الذي قام به ، سيأخذ بحجزه فيُرديه ، ويهوي به في مصير مظلم !

وأيّ شرٍّ أعظم من التلاعب بدين الله تعالى ، وتشويه جماله ، وصدّ الناس عنه باسم التمثيل له ، والدفاع عنه ، من قِبل أناس بضاعتهم العلمية ، وخبرتهم في هذا المجال مزجاة ؟

 

 

 

وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ

فهرس الموضوعات

الموضوع                                                     الصفحة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مقدمة                                                  1

الإختلاف في الحكم على كثير من الأحاديث        3

علم الحديث بحر لا ساحل له                        5

إن الله سبحانه تكفل بحفظ  دينه                      7 

ردّ التنازع إلى الله ورسوله                          16

الرجوع إلى العلماء والخبراء                       18

معادلة رياضية هندسية                             20

معاني الأمر                                         22

هل كل ما صدر عن النبيّ r يُعتبر

سنة ملزمة ؟                                        30

تعظيم دين الله تعالى من تقوى القلوب             38 

بعض أقوال العلماء ؛ أئمة هذا العلم               41

إبن تيمية : كانت دواوينهم صدورهم              42

إبن حجر العسقلاني : الرجوع إلى

أئمة هذا العلم ، في الحكم على الأحاديث         43

السخاوي : كلام المتقدّمين هو المعتمد            43

أبو حاتم ، ينذر بالتصدق – لكل حديث

صحيح لم يسمع به – درهم                       45

التصحيح والتضعيف أمر إجتهادي               46

التضعيف بالنسبة للمتأخرين                      48

صحة السند أو ضعفه لا تستلزم

صحة الحديث أو ضعفه                          49

 

شروط الحكم على الحديث بناءً

على صحة إسناده                                    50

أموراً هامة أضافها الشيخ عبدالرحمن المعلمي    51

الفرق بين الحسن والضعيف                        53

بعض القرائن التي تراعى في

المصححين والمضعفين                             55

أهم أسباب الطعن التي لا يُعمل بها                 56

الراوي المختلف فيه                                 58

الرواة من حيث القبول والرد ينقسمون             59

تحرير عبارات الأئمة ، ومعرفة مناهجهم         61

حكمة حديث المختلف فيه                           62

شروط تحسين حديث المختلف فيه                 63

 

هل وصف المحدّث ، بكثرة العبادة

يُعد توثيقاً له ؟                                       67

الراوي المجهول                                    68

تصحيح الحديث إذا جمع سنده

شروط الصحة                                      70

تضعيف الرجال وتوثيقهم وتصحيح الأحاديث

وتحسينها أمر إجتهادي                            74

العلة في الحديث                                   76

ظن المجتهد لا يكون حجة على مجتهد آخر     77

التحذير من التوارد على توثيق رجل أو جرحه

وبالتالي ؛ قبول حديثه أو ردّه                    84

هل يُترك قول الإمام المجتهد إذا خالف

الحديث الصحيح ؟                               96

وجوب تقليد الأئمة الفقهاء                        100

العلم الدقيق اللطيف ، والخبرة الواسعة ، لأئمة

علم الحديث ، عن الأحاديث النبوية ،

ورجالها ، وأحوالهم                              109

المسعودي واختلاطه ، ومَن سمع منه قبل

الإختلاط ، ومَن سمع منه بعده                  110

عبد الوهاب الثقفي واختلاطه                   112

متى إختلط سفيان بن عيينة ؟                   113

 عطاء بن السائب                               117

عبد الرزاق الصنعاني                          120

حفص بن غياث                                125

إسماعيل بن عياش                             131

بقية بن الوليد الحمصي                        132

زهير بن محمد الخراساني ثم المكي               133

أيوب بن عتبة اليمامي                              136

حماد بن سلمة البصري t                        137

جعفر بن برقان الجزري                          142

رواية أبي أسامة عن عبد الرحمن بن

يزيد بن جابر الدمشقي                            145

زهير بن معاوية                                   148

عطية العوفي                                      150

الوليد بن مسلم                                     151

بقية بن الوليد                                      152

حسين بن واقد                                     153

نوعٌ من أنواع التدليس                            154

تدليس التسوية                                     154

رواية عبد الرزاق عن ابن جريج عن

صفوان بن سليم                                   155

عثمان بن صالح المصري                       160

تنبيه                                               162

قتادة عن الحسن عن أنس                        164

قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة     165

يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن

المسيب عن أبي هريرة                         166

يحيى بن سعيد الأنصاري عن أنس            167

حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن

ابن عمر                                         167

يحيى بن الجزار عن علي                      168

حميد الطويل عن أنس                          169

الزبير بن عدي عن أنس                          170

الزهري                                            170

أبو إسحاق عن الحارث                           171

الحكم عن مقسم                                    171

قتادة عن أبي العالية                               172

الأعمش                                            174

سفيان بن عيينة عن بريد بن عبد الله

بن أبي بردة . . .                                 175

سفيان بن عيينة عن الزهري عن أنس          176

هشيم                                               177

حجاج بن أرطأة                                   177

الأعمش عن أبي سفيان                           178

معاوية بن سلّام بن أبي سلّام                    179

إختلاف الحكم باختلاف العبارات                   181

خاتمة                                                 182

فهرست الموضوعات                               184          

 

                

 

 



([1]) خطبة الإمام أحمد في كتابه ( الرد على الزنادقة والجهمية ) . الفتاوى 4/217

([2]) سورة الحجر ، آية : 9 .

([3]) في ظلال القرآن – سيد قطب ( 4 / 2127 – 2129 ) .

([4]) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي – مصطفى السباعي . ص 108 .

([5]) تذكرة الحفاظ – الإمام الذهبي ( 1 / 201 ) .

([6]) سورة المائدة ، آية : 44 .

([7]) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان : عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي (المتوفى : 1376هـ) ص 232 .

 

([8]) تفسير الشعراوي ( 5 / 3159 ) .

([9]) سورة النساء ، آية : 59 .

([10]) تفسير السعدي . ص 183 .

([11]) ليس الغرض من هذا الكلام الطعن والغمز ، بل وصفاً للواقع !

([12]) سورة الشورى ، آية : 21 .

([13]) سورة النحل ، آية : 43 . و سورة الأنبياء ، آية : 7 .

([14]) سورة الفرقان ، آية : 59 .

([15]) سورة يوسف ، آية : 76 .

([16]) تفسير السعدي . ص 402 .

([17]) متفق عليه .

([18]) تفسير الكشاف للزمخشري ( 2 / 52 ) .

([19]) قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) سورة الأحزاب : 50 .

([20]) قال تعالى : (  النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ . . . ) سورة الأحزاب : 6 .

([21]) قال تعالى : (  . . . وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا ) سورة الأحزاب : 53 .

([22]) جَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهَادَةَ خُزَيْمَةَ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ . رواه البخاري في صحيحه ، كتاب الجهاد والسير ، باب قول الله تعالى } من المؤمنين رجال . . . { ، ( 4 / 19 ) ، حديث : 2807 . ومسند أحمد ، عن عمارة بن خزيمة الأنصاري ، حديث : 22301 . والمعجم الكبير للطبراني ، والسنن الكبرى ، والصغرى  للبيهقي ، وشرح معاني الآثار للطحاوي ، وغيرهم

([23]) نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الوصال قالوا إنك تواصل قال ( إني لست مثلكم إني أطعم وأسقى ) . متفق عليه ؛ صحيح البخاري ،  كتاب الصوم ، باب الوصال ومن قال ليس في الليل صيام ، ( 2 م 693 ) ، حديث : 1861 . وصحيح مسلم ، كتاب الصيام ، باب النهي عن الوصال في الصوم ، ( 2 / 774 ) ، حديث : 55 .

([24]) صحيح البخاري ، كتاب المزارعة ، باب من أحيا أرضا مواتا ، ( 8 / 414 ) ، حديث : 15 .

([25]) صحيح مسلم ، كتاب الأقضية ، باب قضية هند ، ( 3 / 1336 ) ، حديث : 7

([26]) أصول الأحكام وطرق الاستنباط في التشريع الإسلامي – أ . د حمد عبيد الكبيسي – ص 70 - 73

([27]) المصدر السابق .

([28])  مجموع الفتاوى ( 20/239 ) .

([29]) النكت ( 2/711 ) .

([30]) فتح المغيث ( 1/237 ) .

([31])   إختصار علوم الحديث ص : 79 .

([32]) تقدمة الجرح والتعديل ( ص 355 ) .

([33]) وهذا المجال هو فقط للمجتهدين والأئمة ؛ الحائزين على شروط الإجتهاد والتبحر في هذا العلم الجليل ، حقيقة لا ادّعاءً !

([34]) مجموع الفتاوى ( 18 / 22 ) .

([35]) فتح المغيث بشرح الفية الحديث للعراقي ( 1 / 348 ) .

([36]) صفحة 27 .

([37]) معرفة أنواع علوم الحديث، ويُعرف بمقدمة ابن الصلاح ص 34 – 35 .

([38]) فتح المغيث ( 1 / 31 ) .

([39]) أنظر الكتاب من صفحة 8 – فما بعدها .

([40]) أنظر ( 1 / 294 – 296 ) .

([41]) فتح الباري ( 1 / 585 ) .

([42]) قواعد في علوم الحديث للتهانوي . ص 51 – 56 .

([43]) هامش قواعد علوم الحديث للتهانوي . ص 55 .

([44]) سنن الترمذي – تحقيق : أحمد محمد شاكر ( 3 / 643 ) .

([45]) علل الترمذي الكبير . ص 216 .

([46]) نصب الراية لأحاديث الهداية مع حاشيته بغية الألمعي في تخريج الزيلعي ( 4 / 174 ) .

([47]) تدريب الراوي ( 1 / 75 – 76 ) .

([48]) قواعد في علوم الحديث للتهانوي . ص 56 .

([49]) قال وكيع لأصحابه : أيما أحب إليكم : الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود ؟ أو سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود؟ فقالوا : الأول، فقال : الأعمش عن أبي وائل : شيخ عن شيخ ، وسفيان عن منصور عن= =إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود : فقيه عن فقيه ، وحديث يتداوله الفقهاء أحب إلينا مما يتداوله الشيوخ  [ اختصار علوم الحديث – إبن كثير . بتحقيق أحمد محمد شاكر . ص 164 ] .

 

 

([50])  أنظر طبقات الحنابلة للإمام ابن أبي يعلى الفراء 1/31 و 1/65 من الطبعة الجديدة التي طبعت بمناسبة الاحتفال بمرور مئة عام على تأسيس المملكة على نفقة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز .

([51]) رواه ابن حبان في مقدمة المجروحين 1/42 .

([52]) ترتيب المدارك للقاضي عياض ( 2/427) .

([53]) ترتيب المدارك ( 1/96).

([54]) الجامع لابن أبي زيد القيرواني – ص151 .

([55]) أنظر المصدر السابق – ص150.

([56]) ترتيب المدارك ( 1/124-125)

([57]) الفقيه والمتفقه ( 2/163 )  .

([58]) ترتيب المدارك للقاضي عياض ( 1/66 )  .

([59]) شرح العلل لابن رجب ( 1/29).

([60]) ترتيب المدارك ( 1/66 ) .

([61]) شرح علل الترمذي – ابن رجب الحنبلي – تحقيق صبحي جاسم البدري  . ص 406 – 407 .

([62]) فالذي تغير بآخرة، والذي اختلط في آخر عمره وساء حفظه بآخره، كلها كلمات مترادفة، بمعنى: أنَّ الرجل حديثه بآخره لا يحتج به، لكن هناك فرق بين التغير والاختلاط، فالتغير أخف من الاختلاط، فالتغير كأن يهم في رجل واسم أبيه، وأمَّا الاختلاط فربّما أنَّه يذكر إسناداً مكان إسناد آخر، أو يذكر متناً مكان آخر عن وهم أو عن غفلة ، وعلى كل حال: فهذه الألفاظ كلها لا يحتج بأهلها، وكل هذا يدل على أنَّ حديث هؤلاء لا يحتج به في هذه الفترة، ويحتج به فيما قبل هذه الفترة .

([63]) منهم ! وليس كلهم ! فمن هم البقية ، الذين سماعهم عنه صحيح ؟ !

([64]) أيضاً : منهم ! وليس جميعهم ! فمن هم بقية المحدّثين ، الذين سماعهم عنه ضعيف ؟ !

([65]) شرح العلل ص 397 .

([66]) شرح العلل ص 394 – 395 .

([67]) شرح علل الترمذي . ص 407 – 408 .

([68]) شرح العلل . ص 409 – 411 .

([69]) شرح علل الترمذي – ابن رجب الحنبلي ص 417 – 418 .

([70]) المصدر نفسه . ص 423 و ص 429 .

([71]) شرح العلل . ص 425 – 426 .

([72]) المصدر نفسه ص 428 .

([73]) شرح علل الترمذي ص 430 – 431

  ([74])شرح العلل ص 432 .

([75]) شرح العلل ص 433 – 435 .

([76]) شرح العلل ص 440 – 442 .

([77]) شرح العلل ص 465 – 467 .

([78]) شرح علل الترمذي ص 467 – 468 .

([79]) يعني لا يذكر كلها ! ( لأنه يطول جدّاً ! ! ) فما هي بقية الأسانيد التي ظاهرها الصحة ، ولكن أُسقط منها الضعيف ؟ !

فكيف بمسكين يأتـي بعـد أكثـر مـن ألـف سنة ، ببضـاعة مزعاة ، أن يعرف ذلك ، ويميّزها ، ويغربلها ؟ ! ولا ينخدع بظــاهر السند ، فيحكــم للحديث بالصحة ؛ أي : يُتقّول علــى رسول الله r ، مــا لم يقله ؟ ! ! 

([80]) وهو متروك .

 

 

([82]) شرح العلل ص 477 – 478 .

([83]) المصدر السابق 479 – 480 .

([84]) الإسناد العالي مرغباً فيه ، كما قال الإمام أحمد بن حنبل : الإسناد سنة عمن سلف .

وقيل ليحيى بن معين في مرض موته : ما تشتهي ؟ قال : بيت خالي ، وإسناد عالي .

ولهذا تداعت رغبات كثير من الأئمة النقاد ، والجهابذة الحفاظ ، إلى الرحلة إلى أقطاب البلاد ، طلباً لعلو الإسناد . . . [اختصار علوم الحديث : إبن كثير بتحقيق : أحمد محمد شاكر ] .

 

 

([85]) شرح العلل ص 492 – 502 .

([86]) أنظر إلـى الدقـة فـي الموضوع ، واختلاف حكم الأحاديث باختلاف العبارات ، التي لا يتفطن لها كثير ممن حشر نفسه بين أولئك الأئمة !

([87]) شرح العلل ص 503

-------


بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على نبينا الكريم وآله وصحبه الطيبين الطاهرين.

أما بعد: فإن وحدة المسلمين فريضة الله على هذه الأمة، وهي أعظم مقوم من مقومات عزها ونهضتها، ولا شك أن المسلمين عامة لن يجتمعوا على منهج واحد حتى يجتمع العلماء الذين هم رؤوس الأمة، واجتماع الأمة لاجتماع علمائها آكد من اجتماعها لاجتماع حكامها، ويغلط من يتصور عكس هذا.
و واقع الأمة يعرف اختلافا كبيرا بين العلماء، مما رجع على الأمة بالتجزء والإنقسام إلى طوائف وأحزاب، كل حزب بما لديهم فرحون .
لذلك فالحصيف والموفق من علم كيف يحتوى هذا الخلاف ويطوعه لتحقيق الإئتلاف .
و الاختلاف بين العلماء أمرٌ حتمي لا يمكن تفاديه لأسباب سنذكرها ان شاء الله في مقالات متتالية، والذي ينهى عنه شرعا إنما هو البغي والتفرق بسبب هذا الاختلاف.
و ليعلم أن الأصل الذي توزن به مذاهب العلماء وأقوالهم هو الكتاب الذي أمرنا بالاعتصام به، والسنة المطهرة التي أمرنا بالإحتكام إليها تحقيقا لمراد الله من شرعه، ودرءا للخلاف فيه .
قال تعالى:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} فقد أمرنا الله تعالى بالاعتصام بحبل الله، وحبل الله هو عهد الله أو هو القرآن كما ذكر المفسرون، وعلى كل فالعهد الذي أخذه الله على الأمة هو الاعتصام بالقرآن والسنة.
وقال سبحانه تعالى في تقرير وجوب الاحتكام للسنة: {فَلَا وَرَبّك لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شَجَرَ بَيْنهمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسهمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْت وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} .
والاعتصام بالكتاب والسنة منجاة من الضلال كما هو منجاة من الفرقة .
روى الإمام مالك -رحمه الله- (3338) بلاغا أن رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: (تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ).
قال ابن عبد البر رحمه الله:
” 
وهذا محفوظ معروف مشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم، شهرة يكاد يستغنى بها عن الإسناد، وروي في ذلك من أخبار الآحاد أحاديث من أحاديث أبي هريرة وعمرو بن عوف ”
انتهى من “التمهيد” (24/331).
وقد صححه الألباني في “صحيح الجامع” (2937).
والمتقرر أن العصمة إنما هي للكتاب والسنة، فلا يفتأت عليهما في جمع الكلمة على الحق، وتوحيد الصف لمواجهة الباطل وأهله ؛ وليس أحد من الناس إلا ويؤخذ من قوله ويرد إلا النبي – صلى الله عليه وسلم -.
فإن كان العلماء قد رفعهم الله وأعظم فضلهم وحقهم، وهم أهل للثقة والأمانة إلا أن الله لم يكتب لهم العصمة في شيء من أمرهم .
قال ابن القيّم: ( العالِم يزِلُّ ولا بُدَّ، إذ لَيسَ بمعصومٍ، فلا يجوز قبول كلِّ ما يقوله، ويُنزَّل قوله منزلة قول المعصوم، فهذا الذي ذمَّه كلّ عالِم على وجه الأرض، وحرَّموه، وذمُّوا أهلَه) [إعلام الموقعين: 2/173].

و أهل العلم عليهم واجب جمع كلمة الامة، وإرشادها إلى الإعتصام بالكتاب والسنة، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالتسلح بالفقه السديد والبصيرة في الدين، والجمع بين الحرص على واجب الاتباع وفريضة الإجتماع .
وأول خطوة في هذا السبيل والمقصد الجليل معرفة أسباب الخلاف الواقع في الأمة، ومعرفة كيفية معاملته بما يناسب مقاصد الشريعة وكلياتها .
إن المتصور في علماء الاسلام باختلاف طوائفهم ومذاهبهم المعتبرة الإيمان بوجوب الاعتصام بالكتاب والسنة، لكن إدراك الأحكام والحقائق الشرعية وتصورها مما تختلف فيه عقول الناس، وهذا راجع إلى ما جبل الله عليه الناس من الاختلاف في الافهام والملكات ودرجات الإدراك، بل وفي قوة الحواس وضعفها .
قال ابن القيم -رحمه الله- في كتابه «الصواعق المرسلة» (2/519).
«
وقوع الاختلاف بين الناس أمر ضروري لابُدَّ منه لتفاوت إرادتهم وأفهامهم، وقوى إدراكهم، ولكن المذموم بَغْي بعضهم على بعض وعدوانه، وإلا فإذا كان الاختلاف على وجه لا يُؤدِّي إلى التباين والتحزب، وكل مِن المُختلفينِ قصده طاعة الله ورسوله لم يضر ذلك الاختلاف؛ فإنه أمر لابُدَّ منه في النشأة الإنسانية، ولكن إذا كان الأصل واحداً، والغاية المطلوبة واحدة، والطريق المسلوكة واحدة لم يكد يقع اختلاف، وإن وقع كان اختلافا لا يضر؛ كما تقدَّم من اختلاف الصحابة؛ فإنَّ الأصل الذي بنوا عليه واحد وهو كتاب الله وسنة رسوله، والقصد واحد، وهو طاعة الله ورسوله، والطريق واحد، وهو النظر في أدلة القرآن والسنة، وتقديمها على كل قول ورأي وقياس وذوق وسياسة”.

وقال الشاطبي رحمه الله في كتابه الاعتصام (168/2):
فإن الله تعالى حكيم بحكمته أن تكون فروع هذه الملة قابلة للأنظار ومجالا للظنون، وقد ثبت عند النظار أن النظريات لا يمكن الاتفاق فيها عادة، فالظنيات عريقة في إمكان الاختلاف، لكن في الفروع دون الأصول وفي الجزئيات دون الكليات، فلذلك لا يضر هذا الاختلاف . ”
وننبه هنا إلى مسألة مهمة وهي أن الخلاف الذي نقرره حاصل أيضا في تقسيم المسائل إلى قطعيات وظنيات فما كان قطعيا عند شخص قد يكون ظنيا عند غيره وما كان ظنيا عند شخص قد يكون قطعيا عند غيره، إما من جهة الدلالة أو من جهة الثبوت ؛ وهذا الباب لعدم انضباطه لا ينبغي بناء الاحكام عليه، كما أن هذا التقسيم حادث ولم يكن عليه أئمة السلف .
و ظاهر كلام الشاطبي رحمه الله في العذر في الظنيات دون القطعيات والفروع دون الأصول يوافق مذهب المتكلمين الذين يعذرون بالخطأ في الفروع دون الاصول، والسلف رحمهم الله على خلافه، فالسلف لا يفرقون بين الفروع والأصول في العذر بالخطإ، ولهم مواقف عملية تؤكد ذلك .
قال ابن تيمية -رحمه الله:
” 
فمن كان من المؤمنين مجتهداً في طلب الحق وأخطأ فإن الله يغفر له خطأه كائناً ما كان، سواء كان في المسائل النظرية أو العملية، هذا الذي عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وجماهير أئمة الإسلام.
وما قسموا المسائل إلى مسائل أصول يكفر بإنكارها ومسائل فروع لا يكفر بإنكارها.
فأما التفريق بين نوع وتسميته مسائل الأصول (أي العقيدة) وبين نوع آخر وتسميته مسائل الفروع (أي الفقه) فهذا الفرق ليس له أصل لا عن الصحابة ولا عن التابعين لهم بإحسان ولا أئمة الإسلام، وإنما هو مأخوذ عن المعتزلة وأمثالهم من أهل البدع.
وهو تفريق متناقض فإنه يقال لمن فرق بين النوعين: ما حد مسائل الأصول التي يكفر المخطئ فيها؟ وما الفاصل بينها وبين مسائل الفروع؟ 
فإن قال: مسائل الأصول هي مسائل الاعتقاد ومسائل الفروع هي مسائل العمل قيل له: فتنازع الناس في محمد هل رأى ربه أم لا؟ وفى أن عثمان أفضل من علي أم على أفضل؟ وفى كثير من معاني القرآن وتصحيح بعض الأحاديث هي من المسائل الاعتقادية العلمية ولا كفر فيها بالاتفاق” [مجموع الفتاوى23/346].

وقال رحمه الله: “وقوع الغلط في مثل هذا -يعني علو الله على خلقه- يوجب ما نقوله دائماً: إن المجتهد في مثل هذا من المؤمنين إن استفرغ وسعه في طلب الحق فإن الله يغفر له خطأه، وإن حصل منه.. نوع تقصير فهو ذنب.. فمن أخطأ في بعض مسائل الاعتقاد من أهل الإيمان بالله وبرسوله وباليوم الآخر والعمل الصالح لم يكن أسوأ حالاً من هذا الرجل (الذي طلب من أهله إحراقه إذا مات) فيغفر خطأه أو يعذبه إن كان منه تفريط في اتباع الحق على قدر دينه” [الاستقامة 1/163].

ولا شك أن الاختلاف أسبابه كثيرة ومن أهمها اختلاف المدارك والقدرات العقلية من شخص لآخر، وتفاوت المسائل في الظهور والخفاء .
يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى( 209/4):”ليس كل من اجتهد واستدل يتمكن من معرفة الحق، ولا يستحق الوعيد إلا من ترك مأموراً أو فعل محظوراً، وهذا قول الفقهاء والأئمة، وهو القول المعروف عن سلف الأمة وقول جمهور المسلمين “.
وقال رحمه الله ( الفتاوى الكبرى 313/9): “هذه الادلة هل يفيد مدلولها لكل من نظر فيها نظرا صحيحا ؟؟ من الناس من يطلق ذلك فيها، ومنهم من يفرق بين القطعي والظني، وهذا يوافق من هذا الوجه قول من يقول إن الظنية ليست أدلة حقيقية، والصواب أن حصول الاعتقاد بالنظر في هذه الأدلة يختلف باختلاف العقول من ذكاء وصفاء وزكاة وعدم موانع، والعلم الحاصل عقبها مرتب على شيئين:
على ما فيها من أدلة، وعلى ما في النظر من الاستدلال .
وهذه القوة المستدلة تختلف كما تختلف قوى الابدان، فرب دليل إذا نظر فيه ذو العقل الثاقب أفاده اليقين، وذو العقل الذي دونه قد لا يمكن أن يفهمه، فضلا عن أن يفيده يقينا .”
و قال رحمه الله في رده على الرازي -رحمه الله -بعدما أورد له كلاما ورده وبين بطلانه قال:
” 
وليس هذا تعمدا منه لنصر الباطل، بل يقول حسب ما توافقه الأدلة العقلية في نظره وبحثه، فإذا وجد في المعقول بحسب نظره ما يقدح به في كلام الفلاسفة قدح به، فإن من شأنه البحث المطلق بحسب ما يظهر له، فهو يقدح في كلام هؤلاء بما يظهر له انه قادح فيه في كلام هؤلاء، وكذلك يصنع بالآخرين، ومن الناس من يسيء به الظن، وهو انه يتعمد الكلام الباطل، وليس كذلك، بل تكلم بحسب مبلغه من العلم والنظر والبحث في كل مقام بما يظهر له...”
إلى أن قال رحمه الله: “وإن كان هذا النقص هو منتهى قدرة صاحبه لا يقدر على إزالته، فالعجز يكون عذرا للإنسان في أن الله لا يعذبه إذا اجتهد الاجتهاد التام” .
و شيخ الاسلام بكلامه هذا يرسم منهجا في الحكم على المخالف من أهل العلم ومعاملته، وذلك بحسن الظن بهم ثم بالاعتذار لهم عن مخالفة الحق لكون القصور في النظر والفهم قد يعرض لهم في مسائل الشرع، وأما رميهم بتقصد المخالفة لهوى أو ضرارا في الشريعة فهو سوء ظن عظيم بخيار المسلمين .
يقول الذهبي -رحمه الله- عن التابعي قتادة السدوسي-رحمه الله -: “كان يرى القدر نسأل الله العفو.. ولعل الله يعذر أمثاله ممن تلبس ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنزيهه وبذل وسعه.. إذا كثر صوابه، وعلم تحريه للحق، واتسع علمه وظهر ذكاؤه وعرف صلاحه وورعه واتباعه يغفر له زللـه، ولا نضلله ونطرحه وننسى محاسنه، نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك”. [سير أعلام 7/271].

وهذا المنهج يتأكد في المسائل الدقيقة التي تحتاج إلى مقدمات ومدارك كبيرة لتفهمها وإصابة الحق فيها .
ومما ينبغي التنبيه عليه في هذا المقام التفريق بين تلمس العذر للعالم وإقامة موانع للحكم عليه بالكفر أو البدعة، وبين تسويغ زلته وإقامتها مقام الخلاف المعتبر.
قال الشاطبي-رحمه الله- عقبَ إيراده كلاما لابن عبد البر في بيان خطَر زلّة العالم: “لابد من النظر في أمور تبنى على هذا الأصل:
منها: أن زلة العالم لا يصح اعتمادها من جهة، ولا الأخذ بها تقليداً له، وذلك لأنها موضوعة على المخالفة للشرع، ولذلك عُدَّت زلةً، وإلا فلو كانت معتداً بها لم يُجعل لها هذه الرتبة، ولا نُسِب إلى صاحبها الزلل فيها، كما أنه لا ينبغي أن يُنسب صاحبها إلى التقصير، ولا أن يُشنَّعَ عليه بها، ولا يُنتَقَصَ من أجلها، أو يعتقد فيه الإقدام على المخالفة بحتاً، فإن هذا كله خلاف ما تقضي رتبته في الدين...
و منها: أنه لا يصح اعتمادها خلافاً في المسائل الشرعية، لأنها لم تصدر في الحقيقة عن اجتهاد، ولا هي من مسائل الاجتهاد، وإن حصل من صاحبها اجتهاد فهو لم يصادف فيه محلاً، فصارت في نسبتها إلى الشرع كأقوال غير المجتهد، وإنما يُعد في الخلاف الأقوال الصادرة عن أدلة معتبرة في الشريعة، كانت مما يقوى أو يضعف، وأما إذا صدرت عن مجرد خفاء الدليل أو عدم مصادفته فلا، فلذلك لا يصح أن يعتد بها في الخلاف، كما لم يعتد السلف الصالح بالخلاف في مسألة ربا الفضل، والمتعة، ومحاشي النساء، وأشباهها من المسائل التي خفيت فيها الأدلة على من خالف فيها) [الموافقات: 4/170 وما بعدها].
وما ذكرناه في هذا المقال لبنة مهمة في بناء منهج قويم ينبذ الفرقة في الدين، ويجمع كلمة المسلمين على كلمة سواء، و هذه فاتحة لسلسلة مقالات في هذا الباب نسأل الله أن يبارك فيها وينفع بها .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق