إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له ولا ضد ولا ند له. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه وحبيبه، صلى الله على محمد وعلى كل رسول أرسله.
أما بعد عبادَ الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ العليِّ العظيم. يقولُ ربُّنا عزّ وجل عن حبيبِه المصطفى صلى الله عليه وسلم:" وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ" (سورة الأنبياء / 107). وقال عليه الصلاة والسلام:" إنما أنا رحمةٌ مُهدَاة " (رواه الطبراني في معجمِه الأوسط).
سيّدُنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم هو الرَّحمةُ المُهدَاة، صاحبُ الشفاعةِ العُظمَى، نتوسَّلُ به إلى الله تعالى ونَتبرَّكُ بهِ رجاءَ أن يَعُمَّنا الخيرُ منَ الله تعالى. فإنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كلُّه بَرَكَة.
وإذا سألتَنِي يا أخي عن معنى التبرك، فإنَّ معنى التبركِ هو طلبُ زيادةِ الخيرِ من الله تعالى. ولقد كان الصحابةُ رِضوانُ الله عليهم يتبرّكونَ برسولِ الله وآثاره صلى الله عليه وسلم في حياتِه وبعدَ مماتِه، ولا زالَ المسلمونَ بعدَهُم إلى يومِنا هذا على ذلك.
أيها الأخُ المسلمُ الذي يُحِبُّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، هل تعلم كيفَ كان حُبُّ الصّحابةِ لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ كيفَ كانوا يُعظِّمونَه ويَقتَدُونَ به ويتبرّكونَ به؟ كيفَ كانوا يُطرِقُونَ مِن هَيبتِه؟. رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أعظَمُ في نُفوسِنا ونفوسِهم مِن كلِّ إنسان.
تعالوا نرجعُ الآنَ إلى حجّةِ الوداع، التي ماتَ بعدَها صلى الله عليه وسلمَ بزمانٍ قليل. فقد روى البخاريُّ ومسلمٌ أنه صلى الله عليه وسلم قسَّمَ شعرَه بين الناسِ بعدَ حلقِه في حجةِ الوداع.
وفي صحيحِ مسلم:" فبدأ بالشِقِّ الأيمنِ فوزّعَه الشعْرةَ والشعرتينِ بين الناس، ثم قال بالأيسرِ فصنعَ مثلَ ذلك ثم قال ههنا أبو طَلحةَ فدفَعَهُ إلى أبي طلحة".
فمعنى الحديثِ أن سيّدَنا محمداً صلى الله عليه وسلم وزَّعَ بنفسِه بعضاً من شعرِه بين الناس الذين يَلُونَه، وأعطى بعضاً لأبي طلحةَ لِيُوزّعَه في سائرِهم، فأخذ أحدُهم شعرةً والآخرُ أخذَ شعرتين، فكانوا يتبركونَ به في حياته وبعدَ وفاتِهِ صلى الله عليه وسلم، حتى إنهم كانوا يَغمسونَه في الماءِ فيَسقُونَ هذا الماءَ بعضَ المرضَى تبرُّكاً بأثرِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.
إذًا، أيها الأحباب، فقد قسَّم صلى الله عليه وسلم شعَرَه بين الصحابةِ ليتبركوا به وليستشفعوا إلى الله تعالى بما هو منه، ويتقرَّبوا بذلكم إلى الله تعالى. قَسَمَه بينهم ليكونَ بركةً باقيةً بينهم وتَذْكرةً لهم. ثم تبعَ الصحابةَ في خُطَّتِهم في التبرك بآثارِه صلى الله عليه وسلم مَن أسعَدَهُ اللهُ تعالى، وتواردَ ذلك الخلفُ عنِ السلف.
أيها المسلمون، وأما اقتسامُ الأظفارِ، فقد أخرجَ الإمامُ أحمدُ في مُسندِه أنه صلى الله عليه وسلم قلّمَ أظفارَه وقسَّمها بين الناس، ليَتبرّكُوا بها.
وأمَّا جُبَّتُه صلى الله عليه وسلم فقد أخرجَ مسلمٌ في الصحيحِ عن مولى أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ رضي الله عنهم قال:" أَخرَجَتْ إلينا جُبَّةً طَيَالِسَةً كِسْرَوانيةً لها لِبْنَةُ ديباجٍ وفرجَيها مكفوفَين وقالت: هذه جبةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كانتْ عندَ عائشةَ فلما قُبضَت قبضتُها وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يلبَسُها فنحنُ نغسِلُها للمرضَى نَستشفي بها".
إنّ اقتسامَ الشعرِ في الآثارِ وقِسمةُ الأظفارِ أيضاً تُسنَدُ
وجُبَّةُ النبيِّ سَلْ أسماءَ رواه مسلمٌ كذا البخارِي
صحيحةً كما رواها أحمدُ أما رأتْ في مائِها الشفاءَ
أيها الأحباب، إذا كان هذا حالُ الشعرةِ والظّفرِ والجبةِ فكيف ببركةِ كفِّه صلى الله عليه وسلم.
ومسحُ أحمد لرأسِ حنظلَة مَن جاءَهُ والوجْهُ مِنه وارمُ
بركةُ النبيِّ طابَ عَرُفهُ بكفِّهِ وداعياً بالخيرِ لَه
بمسحِهِ يعودُ وهو سالِـمُ موضعُ كَفِّه فكيفَ كفُّهُ
فقد روى الطبرانيُّ وغيرُه عن حَنظلةَ بنِ حَذْيَم قال:" وفَدْتُ معَ جدِّي حَذْيَمَ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقالَ يا رسولَ الله إنَّ لي بنينَ ذَوِي لِحًى وغيرَهم وهذا أصغرُهم فأدناني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ومسحَ رأسِي وقال:" بارك اللهُ فيك". قال الذيّال: فلقدْ رأيتُ حنظلةَ (أي هذا الذي مسحَ الرسولُ رأسَه بكفِّه) يُؤتَى بالرَّجُلِ الوارمِ وجهُه أو الشاةِ الوارِمِ ضرعُها فيقولُ: بسم الله على موضعِ كفِّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فيمسحُه فيذهبُ الورم).
بركةُ النبيِ طابَ عَرفُه وخالدٌ للجيشِ في قلنسوَة
لأنَّ في الطياتِ شعراتِ النبيّ موضعُ كفِّهِ فكيفَ كفُّهُ
قال اطلُبُوا سبب ذاك ما هوَه وذاكَ في اليرموكِ يروي البيهقيّ
سيّدُنا خالدُ بنُ الوليد رضي الله تعالى عنه ذلك القائدُ العظيم، وفي معركةِ اليرموك فَقَدَ ذلك القائدُ خالدُ بنُ الوليد قلنسوةً له فقال: اُطلبُوها، فلم يجدُوها. ثم طَلبُوها فوجدُوها، فقال خالد: اِعتمرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم (أي أدّى عُمْرةً) فحلقَ رأسَه فابتدرَ الناسُ جوانبَ شعرِه فسبقتُهم إلى ناصيتِهِ (أي مقدمةِ رأسِه) فجعلتُها في هذه القلنسوة فلم أشهدْ قتالاً وهي معي إلا رُزقتُ النصر.
إخوة الإيمان، هكذا كان حالُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلمَ بينَ الصحابةِ يُعظمونَه ويقتَدُونَ به ويُطيعونَه ويحبونَه أكثرَ منْ أنفسِهم ويتبركونَ بهِ وبآثارِه صلى الله عليه وسلم، وهكذا ينبغي أن نكونَ نحن.
أيها الأحباب، رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بركةٌ في حياتِه وبعدَ مماتِه وهو الذي سَنَّ فِينَا سُنةَّ التبرُّكِ بهِ وبآثارِه صلى الله عليه وسلم فتمسكُوا بِسُنَّتِهِ ولا تُعرِضُوا عنها.
يا إخوتي من فضله تبركوا تمسَّكوا بِهَدْيِه لا تتركوا
نسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعنا ببركات الأنبياء والأولياء والصالحين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق