الطلاق حال الغضب
السؤال: شيخنا طلقت زوجتي في مشاجرة معها وفي حالة غضب شديد ، فهل يقع هذا الطلاق ؟ افتونا بارك الله فيكم.
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف الفقهاء قديما وحديثا حول مفهوم الغضب الذي لا يقع معه الطلاق، وهو عند الفقهاء على ثلاث درجات:
الأولى: غضب خفيف، يحصل فيه تكدر من الزوج، وكراهة لما وقع من المرأة، إلا أنه لا يمنعه من التعقل، والنظر لنفسه، فهذا لا يمنع من وقوع الطلاق باتفاق أهل العلم، وهذا ما يحصل دائما ويسمى عند العامة بالعصبية، وهذا ناتج من الواقع المؤلم الذي نعيشه، وينبغي أن يُعلم أن أكثر حالات الطلاق إنما تصدر مع الغضب والضيق والانفعال، لا مع الفرح والانشراح، فكون الزوج طلق زوجته حال غضبه لا يعني عدم وقوع الطلاق، كما يظنه كثير من الناس.
الثانية: غضب شديد، يفقد معه صاحبه الشعور والإدراك، يجعله لا يعي شيئاً، ولا يتحكم في تصرفاته ويكون كالمجنون والمعتوه بحيث اذا ذكرته بعد ان يهدأ بما قال أنكر، فهذا لا يقع طلاقه باتفاق أهل العلم، لأنه بمثابة زائل العقل.
فقد روى الامام أحمد وأبو داود وابن ماجة، والحاكم وصححه عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((لا طلاق ولا عتاق في إغلاق))، قال اكثر أهل العلم: الإغلاق: الإكراه والغضب، يعنون الغضب الشديد، فالغضبان قد أغلق عليه أمره، وقد أغلق عليه قصده، فهو شبيه بالمعتوه والمجنون والسكران، بسبب شدة الغضب، فلا يقع طلاقه، وإذا كان مع ذلك تغير الشعور، وأنه لم يحفظ ما صدر منه بسبب شدة الغضب فإنه لا يقع الطلاق.
الثالثة: غضب شديد، ولكن لا يفقد معه صاحبه الشعور والإدراك والتفكير، إلا أنه لا يستطيع أن يملك فيه نفسه لطول النزاع ، فهذا في وقوع طلاقه خلاف بين أهل العلم، فيقع عند الجمهور ، ولا يقع عند شيخ الاسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وهو ما اختاره الامام ابن عابدين من الحنفية.
قال الامام ابن القيم في زاد المعاد في هدي خير العباد [5/196]: (والغضب على ثلاثة أقسام:
أحدها: ما يُزيل العقل، فلا يشعُرُ صاحبُه بما قال، هذا لا يقعُ طلاقه بلا نزاع.
الثانى: ما يكون فى مباديه بحيث لا يمنع صاحِبَه مِن تصور ما يقولُ وقصده، فهذا يقع طلاقُه.
الثالث: أن يستحكِمَ ويشتدَّ به، فلا يُزيل عقله بالكلية، ولكن يحولُ بينه وبين نيته بحيث يندَمُ على ما فرط منه إذا زال، فهذا محلُّ نظر، وعدمُ الوقوع في هذه الحالة قوي متجه).
وقال الامام ابن عابدين في حاشيته [ 3/244] بعد ذكره لكلام ابن القيم: (والذي يظهر لي أن كلا من المدهوش والغضبان لا يلزم فيه أن يكون بحيث لا يعلم ما يقول بل يكتفى فيه بغلبة الهذيان واختلاط الجد بالهزل كما هو المفتى به في السكران على ما مر، ولا ينافيه تعريف الدهش بذهاب العقل فإن الجنون فنون).
وقد احتج جمهور العلماء على وقوع الطلاق في الحالة الثالثة بما يأتي:
بحديث خولة بنت ثعلبة -امرأة أوس بن الصامت- قالت: والله فيَّ وفي أوس بن صامت أنزل الله -عز وجل- صدر سورة المجادلة، قالت: كنت عنده وكان شيخاً كبيراً، قد ساء خلقه وضجِر. قالت: فدخل علي يوماً، فراجعته بشيء، فغضب، فقال: أنت علي كظهر أمي. وفيه أمره صلى الله عليه وسلم على الترتيب: ((بعتق رقبة، أو بصيام شهرين متتابعين، أو بإطعام ستين مسكيناً.... الحديث)). رواه الامام احمد والبيهقي في السنن الكبرى واصله في الصحيح.
وقولهم: بأنه مكلف في حال غضبه بما يصدر منه من: كفر، وقتل نفس، وأخذ مال بغير حق، وغير ذلك، والطلاق مثل ذلك .
الخلاصة:
اتفق العلماء على وقوع الطلاق عند الغضب الخفيف ، الذي يحصل فيه تكدر من الزوج، وكراهة لما وقع من المرأة، إلا أنه لا يمنعه من التعقل، والنظر لنفسه، فهذا لا يمنع من وقوع الطلاق ، وهذا ما يحصل دائما ويسمى عند العامة بالعصبية.
وكذلك ذهب جمهور العلماء الى وقوع الطلاق في الغضب الشديد، الذي لا يفقد معه صاحبه الشعور والإدراك.
واتفقوا على عدم وقوع الطلاق في الغضب الشديد، الذي يفقد معه صاحبه الشعور والإدراك، ويجعله لا يعي شيئاً، ولا يتحكم في تصرفاته ويكون كالمجنون والمعتوه بحيث اذا ذكرته بعد ان يهدأ بما قال أنكر.
فاذا كان الطلاق وقع منك اخي السائل في حال شدة الغضب وغيبة الشعور، كما في الحالة الثانية التي ذكرها العلماء وأنك لم تملك نفسك ولم تضبط أعصابك بسبب كلامها السيء معك، بحيث انكرت الطلاق بعد ان هدأت ولم تتذكر، فلا يقع الطلاق حينذٍ؛ بعد الاخذ بالقرائن التي تدل على ذلك ، وتوكيل الامر الى مراقبتك لله تعالى وقوة ايمانك، اما اذا كان غضبك لم تفقد فيه شعورك وارادتك وتفكيرك وقصدك فهذا يقع على قول اكثر أهل العلم .
ومع هذا لا يمنع المفتي احيانا في ظروف خاصة أن يفتي برأي شيخ الاسلام ومن وافقه من العلماء. والله تعالى اعلم
د. ضياء الدين عبدالله الصالح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق