فيصل مولوى : هل كفر سيد قطب المؤذنون ولو قالوا (لا إله إلا الله )
- بلادى توداى
- 9:04 ص
- رد الشبهات عنه
- 1 تعليق واحد
الشيخ / فيصل مولوي
السؤال: 1
هل قال الأستاذ الشهيد سيد قطب رحمه الله بما معناه (كفر المؤذنون ولو قالوا لا اله إلا الله) ؟ وهل تؤيده بذلك؟ وماذا يمكن أن يعني ذلك غير التكفير الصريح؟
الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد ...
لم أقرا هذا النص بحرفيته للاستاذ الشهيد سيد قطب رحمه الله. لكن كثيرا من النصوص التي قالها تشبه هذا النصّ وتثير إشكالا, ويمكن أن يساء فهمها, وقد وجد فعلا مجموعات من الشباب المتطرف الذي أساء فهم هذه النصوص,وبنى عليها فكر تكفير الناس والعزلة عن المجتمع والخروج عليه ومقاتلته. من هذه النصوص ما ورد (في ظلال القرآن) عند تفسيره للآيات 12-19 من سورة الانعام فهو يقول: (فقد ارتدت البشرية الى عبادة العباد, والى جور الاديان, ونكصت عن لا اله الا الله, وإن ظل فريق منها يردد على المآذن (لا اله إلا الله ) دون أن يدرك مدلولها, ودون أن يعني هذا المدلول وهو يرددها, ودون أن يرفض شرعية (الحاكمية) التي يدعيها العباد لأنفسهم ..... إلاّ أنّ البشرية عادت الى الجاهلية, وارتدت عن لا اله الا الله , فأعطت لهؤلاء العباد خصائص العبودية, ولم تعد توحد الله, وتخلص له الولاء .....البشرية بجملتها, وبما فيها أولئك الذين يرددون على المآذن من مشارق الارض ومغاربها كلمات لا اله الا الله, بلا مدلول ولا دوافع , وهؤلاء أثقل إثما وأشد عذابا يوم القيامة لأنهم ارتدوا إلى عبادة العباد من بعد ما تبين لهم الهدى, ومن بعد أن كانوا في دين الله).
هذا الكلام اذا فهم على ظاهره فهو خطأ واضح لا يمكن أن يوافق عليه أحد من العلماء. لكننا نورد الى جانبه نصين آخرين من كلام الشهيد سيد قطب نفسه, يتبين منهما ماذا قصد سيد من كلامه:
النص الاول :في تفسير قوله تعالى في سورة الأنفال: (والذين آمنوا ولم يهاجروا، ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر، إلا على قوم بينهم وبينكم ميثاق). يقول سيد قطب: (فهؤلاء الأفراد ليسوا أعضاء في المجتمع المسلم, ومن ثم لا تكون بينهم وبينه ولاية, ولكن هناك رابطة العقيدة) فالسيد قطب لم يحكم على هؤلاء المسلمين بالردة مع أنهم يعيشون خارج المجتمع المسلم, واحتفظ لهم بصحة العقيدة, وذلك هو الموقف الصحيح لأن الله تعالى وصفهم بالايمان .
فقال: (والذين امنوا ولم يهاجروا) كما وصفهم بالدين فقال: (واذا استنصروكم في الدين ...)
النص الثاني: في تفسير قوله تعالى في سورة النساء: (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا...) يقول السيد رحمه الله: (يأمر الله المسلمين إذا خرجوا غزاة, ألا يبدأوا بقتال أحد أو قتله حتى يتبينوا, وأن يكتفوا بظاهر الإسلام في كلمة اللسان, إذ لا دليل يناقض كلمة اللسان) فالسيد يكتفي هنا بظاهر الإسلام في كلمة اللسان، ويعتبر الانسان بذلك مسلماً معصوم الدمّ، ولوقلنا أنّ سيد قطب يعتبر المؤذن مرتداً بمعنى الكفر واستباحة الدم، لكان هذا متناقضاً مع ما ورد في تفسير هذه الآية عند السيد قطب نفسه رحمه الله.
والفهم الصحيح المنسجم مع القواعد الشرعية, والمنسجم مع الشهيد سيد قطب نفسه في نصوص كثيرة, هو ما قال عنه أخوه الأستاذ محمد قطب حفظه الله قال: (إن كتابات سيد قطب تركزت حول موضوع معين, هو بيان المعنى الحقيقي للا اله إلا الله شعورا منه بأن كثيراً من الناس لا يدركون هذا المعنى على
حقيقته, وبيان المواصفات الحقيقية للإيمان كما وردت في الكتاب والسنة, ولكنه مع ذلك حرص حرصا شديدا على أن يبين أن كلامه هذا ليس مقصودا به إصدار الأحكام على الناس, إنما المقصود به تعريفهم بما غفلوا عنه من هذه الحقيقة, ليتبينوا هم لأنفسهم إن كانوا مستقيمين على طريق الله كما ينبغي, أم أنهم بعيدون عن هذا الطريق, فينبغي عليهم أن يعودوا اليه, ولقد سمعته بنفسي يقول أكثر من مرة (نحن دعاة ولسنا قضاة) كما سمعته أكثر من مرة يقول: (إن الحكم على الناس يستلزم وجود قرينة قاطعة لا تقبل الشك , وهذا أمر ليس في أيدينا, ولذلك فنحن لا نتعرض لقضية الحكم على الناس)
وبناء على ذلك نقول: ان الشهيد سيد قطب كان يتحدث عن ردة المجتمع عندما يرفض الاحتكام لشريعة الله, وليس عن الردة الفردية التي يتحدث عنها الفقهاء ووضعوا لها شروطا وبينوا حكمها. والاشارة الى المؤذنين إنما وردت لبيان أهمية كلمة لا اله الا الله وخطورتها ودعوتهم للالتزام بها قبل غيرهم, وليس المراد منها الحكم بردتهم. وعلى كل حال, فالعبارة خاطئة في اعتقادنا لأنها يمكن أن يساء فهمها. وإنما أردنا من هذه النّقول أن نؤكد أن سيد قطب رحمه الله لم يقصد هذا المعنى أصلا, ولم نقصد الى تبرير مثل هذه العبارات. وثبوت الخطأ على شهيد عظيم كسيد قطب رحمه الله لا يطعن في دينه, وإنما يؤكد بشريته, ونحن نعتقد أن لا عصمة إلا لرسول الله (صلَى الله عليه وسلَم).
مجلّة المجتمع الكويتيّة. العدد (271) في 21/10/1975م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق