*خــــرافــة #الــقــول_الراجـــح مـــن الــمــذاهــب الأربــعـــة*
اعتاد كثير من الناس على سماع حلقات العلم في بعض المساجد في زماننا، وعلى شاشات التلفاز، و محطات الراديو وغير ذلك كالمقاطع المصورة، والمسجلة على اليوتيوب وغيره.
واعتادت أذان كثير منهم على سماع قول السائل: ما الراجح من الأقوال؟ حفظكم الله
بعد عرض المحاضر لأقوال العلماء من المذاهب ــــ وفي بعض الأحيان أو كثير منها يجعل قول بعض العلماء الآخرين من القرون المتأخرة عن المذاهب كالقرن السادس أو السابع أو التاسع أو بعض علماء عصرنا ممن اشتهر وانتشر ـــ مقابلاً لكلام المذاهب الأربعة
فيجعل المذاهب الأربعة قسماً، وكلام الآخر قسماً آخر مقابلاً لها .
فيرفعه بذلك لرتبة المجتهد لمطلق الذي اتفقت نصوص العلماء على عدم وجوده بعد الأئمة الأربعة .
وقد غفل هذا المحاضر تمام الغفلة، وألقى بنفسه في معترك ما تجرأ عليه من هو أعلم منه ومن علماء هذا العصر قاطبة
فظلم بذلك نفسه؛ بجعله بعضهم قسيماً للمذاهب، وبالإقدام على الترجيح بينها.
فهو ليس من أهل الاجتهاد سواء الاجتهاد في المذهب، أو الاجتهاد المطلق ، و ليس من أهل الافتاء أصلاً في مذهب من المذاهب، ولم يُشهد له أنه محقق في مذهب أو أفنى عمره في خدمته .
فالراجح كلمة خطيرة لا يقدم عليها إلا الراسخون، ولا تكون إلا في حالتين:
الأولى: أن يرجح بين أقوال المذهب الواحد وهذه كما ذكرت تحتاج لأهلها من المذهب.
الثانية: أن يرجح مذهبه على مذهب غيره وفق قواعد مذهبه وهذه تحتاج لأهلها أيضاً، وقد سارت عليها كتب الفقه قاطبة عند عرضها لمذهب الآخر .
خطورة القول الراجح بعد عرض المذاهب تكمن في :
أولاً: على أصول أي مذهب سار المحاضر في ترجيحه هل سار على قواعد مذهبه؟
وهنا تطرح الأسئلة حول مكانته في المذهب.
أم أنه يرجح تارة على أصول الحنفية ، وتارة على أصول الشافعية، وتارة على أصول المالكية، فيشرق بذلك ويغرب.
أم أنه يرجح على الأصول المتفق عليها بين المذاهب الأربعة فوضع نفسه في رتبة المجتهد المطلق، أو مجتهد في المذاهب كلها فليظهر بذلك مذهباّ جديداً .
فبالتالي تكون الفتوى صدرت من غير أهلها، وخطر ذلك معلوم عند العوام فضلاً عن طلبة العلم .
ثانياً: يعمل المحاضر بذلك على التلفيق في الفروع، وطرق الاستنباط، ومقاصدها بين المذاهب فالنتيجة هي : فتاوى غريبة الشكل لا مستند لها إلا التلفيق ، فتارة يرجح بمذهب الحنفية، وتارة بمذهب الشافعية،وتارة بمذهب المالكية، وتارة بمذهب الحنابلة وهكذا ؛فلعمري كيف استقام له أن يجمع بين أصول الاجتهاد المختلف فيها عند العلماء؟وهذا مشاهد للأسف في الكثير من الرسائل العلمية.
ثالثاً: كونه يرجح بأصول غيره دليل كبير على كونه مقلدا، خاصة أنه من أهل هذا الزمان ، والمقلد حكمه معروف كالشمس؛ فليس له نقل فتوى المذهب أوالنظر في الكتب والنقل منها، فكيف يستقيم لذلك المحاضر أن يتجرأ على الترجيح و هو رتبة لا يصل لها إلا القليل القليل وهم في هذا الزمان من أهل المذاهب كالكبريت الأحمر وترجيحهم محدود في علم رسم المفتي.
الترجيح رتبة لم تسلَّم للإمام السيوطي، وغيره من الكبار _رحمهم الله_ في مذهبهم فضلاً عن مذاهب غيرهم.بل تجد هذا المرجح :
1ـ لم يقرأ كتاباً واحداً من كتب المذاهب على من تلقى العلم بطريقة مذهبية .
خطورة الأمر لما سبق من أسباب وغيرها توضح بشكل جلي خطأ ما يُعرف ( بالفقه المقارن المعاصر ) وهو للأسف فقه يدرس لتدريب الطالب على الرأي، والرأي الآخر ،ولكن يخرج الطالب بذلك حافظاً لعدة مسائل ولنقل تجاوزاً حافظاً لألف مسألة ، فهل يؤهله هذا للافتاء والترجيح بين المذاهب ؟
والفقه المقارن المعاصر لا يلتقي مع الفقه المقارن الذي جرى في المذهب الواحد أو كان يجري بين المذاهب ففي النهاية كانت الغاية منه الانتصار للمذهب ، أما المعاصر فلا.
والأخطر من ذلك ما يعرف (بأصول الفقه المقارن).
2ـ لم يتقن أصلاً من أصول مذهب، أو أتقن أصول المذاهب.
عزيزي طالب العلم.
رفع لواء الدعوة إلى عدم اتباع المذاهب الأربعة، والخروج عنها هو من أخطر معاول هدم هذه الأمة صاحبة التاريخ العلمي العريق، وللأسف ما زلنا نسمع هذه الدعوى من أناس ظن الكثير أنهم من أهل التجديد والاجتهاد، وأنهم يحملون الناس على طريق السلف في طلب العلم ، وهل سارت المذاهب على غير طريق السلف.
لذا كان لزاماً على طالب العلم رفض هذه الدعوى، والعمل على اسقاط هذا اللواء بالعلم، والتنبيه على خطرها، وأثرها في إحداث الفوضى العلمية .
كتبها: د مأمون مجلي أبو جابر.
١٠/رمضان/١٤٣٩هـ
٢٠١٨/٢/٠٥/٢٦م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق