كثر الحديث في مجال الفتوى عن حكم الاختلاط، وأصبح الحديث عن حكم الاختلاط والاختلاف فيه جزءا من ثقافة المجتمع المسلم، ويغلب على الحديث في هذا المجال صفة العمومية، وعدم التحقيق في المصطلح نفسه، الذي يجب أن يحدد بدقة، ثم بعد ذلك يتم بيان الحكم الشرعي له، لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره.
أولا: المصطلح عَسِير على الضبط:
إن المصطلح غير منضبط، ولم تقدَّم تعريفات واضحة له قبل الخوض في حكمه، بل إن التعريفات التي طرحت أحيانا كانت تزيده غموضا وتخلطه مع حكم الخلوة المحرمة، ذلك لأن المفاهيم العامة التي لها تطبيقاتها المختلفة منها ما يجوز ومنها ما لا يجوز، لا يمكن إعطاؤها حكما واحدا، لأنها أصلا أحكامها مختلفة، والحكم الواحد عليها جميعا فيه مجازفة، وعدمُ مراعاة لمنهجية الفقه الإسلامي الذي يتعلق بتصرفات العباد وأفعالهم، لا بالعناوين الإجمالية غير المحددة، وتشتمل على صورة متعددة بعضها يجوز وبعضها لا يجوز.
ثانيا: تناول الفقهاء لموضوع الاختلاط:
بما أن طبيعة الفقه الإسلامي هي الأحكام المتعلقة بالأفعال، فإنه لا بد من توضيح الفعل أولا، ثم يأتي البيان الشافي للسائل، فيبين الفقهاء حكم شراء المرأة من الرجل، وارتياد السوق، والخلوة المحرمة بالأجنبية، ونظر للقاضي للمرأة بوصفها شاهدا أو متهما الخ، يعني أنهم يتناولون الجزئيات والأفعال كل فعل على حِدة، دون الدخول في عمومات فكرية تُشْكِل فيما بعد على المجتمع، وتضعه في تجاذبات ليست في محلها، وتتحول القضية من حكم شرعي في مسألة جزئية، إلى جدليات وإشكاليات تشوه ثقافة المجتمع المسلم.
ثالثا: تصحيح السؤال:
وبما أن هذا السؤال ليس في محله، لا بد من تصحيح السؤال من قِبــَل العالم، فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله يا رسول الله ما يلبَس المُحرِم؟ فأجاب النبيُّ صلى الله عليه وسلم الرجل عمّا لا يلبس المحرم وصحح السؤال، فقال: لا يلبس القمُص ولا …، لأن الأصل في اللباس الإباحة، وتعداد المباح لا ينتهي لكثرته، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم: لا يلبَس، لأن الممنوع من اللباس محدود، ومثل ذلك ماذا يحل من الطعام؟ فالجواب الصحيح: يحرم من الطعام كذا وكذا …، وماذا يحل للرجل من زوجته؟ يُصحَّح: يحرم عليه منها كذا وكذا وكذا؛ لأن الأصل الحل وهو عسير على الحَدِّ والعَدِّ، ومثل ذلك يقال: ماذا يحل للطبيب من نظر المرأة للعلاج، لأن الأصل التحريم والحِلُّ استثناء، ولا يقال ماذا يحرم على الطبيب من نظر المرأة للعلاج؛ لأن التحريم هو الأصل، وهو كل شيء ما عدا ما استثناه الشارع لضرروة العلاج، فمِن واجب الفقيه تصحيح أسئلة المجتمع، والتحذير من الانجرار وراء مصطلحات هلامية لا تُدرَى حدودها ولا معانيها على وجه يرفع الغموض، وتؤدي إلى صراع لا طائل تحته في الثقافة العامة للمجتمع.
وكتبه وليد شاويش
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق