الإهداء
إلى الذين استجابت جوارحهم إلى إلهامات
الروح وهواتف القلب، فانطلقت تعبر عن دقة الأحاسيس وسمو المشاعر، بما يضفي على
حركة الحياة لمسات من الذوق الرفيع المكنون في فطرته ويترجم عن كنه الإنسان
وعقيدته .
المقدمة
الحمد لله رب
العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد .. بعثه الله تعالى هداية ورحمة
للعالمين، وعلى آله وصحبه والتابعين الذين اهتدوا بهديه واستنوا بسنته إلى يوم
الدين، أما بعد..
فلكل كتاب
قصة، وقصة هذا الكتاب بدأت بواقعة حدثت معي بدار النشر والصوتيات بالإسكندرية، حيث
كنت أجلس في حجرة المكتب أتحدث مع أحد الأخوة من الشباب جاء لزيارتي، فدخل أخ
واستأذن أن يتحدث معي في موضوع خاص فاستأذنت وخرجت معه إلى حجرة أخرى وطال الحديث
بعض الوقت فلما عدت وجدت الأخ غاضبا لأني تأخرت عليه.
فجلست وقلت
له: تظنني أخطأتُ في حقك؟ قال: نعم، قلت: دعني أوضح لك الأمر لنعرف من المخطئ في
هذا الموقف. المفروض يا أخي أن هذه الحجرة مكتبي وكل من يريد مقابلتي أقابله بها
فإذا جاء أحد الأخوة وطلب مقابلتي مقابلة خاصة يكون من الواجب عليك أن تستأذن في
الخروج حتى ينتهي من حديثه.
فإذا كان عدد
الموجودين أكثر من واحد فعليهم أن يستأذنوا في الخروج أو أخرى أنا .
فليس من
المعقول أن كل من يريد مقابلتي أقوم فأخرج معه فما قيمة المكتب إذا ! هذا يا آخي
الحبيب هو المتعارف عليه والمعقول والمقبول شكلا وموضوعا.
كانت هذه
القصة هي التي أوحت إلى أن أبادر إلى كتابة ما يقع بيننا من مثل هذه المواقف التي
تبدو لصاحبها لا شبهة فيها، بينما هي تكون مجافية للذوق أو العرف. والعرف كثيرا ما
يختلف بالنسبة للزمان والمكان، وأحيانا كذلك تكون بعض الكلمات في بلد ما لها مدلول
مضاد في بلد آخر، وهذا يسبب لقائلها حرجا شديدا.
ولما
كانت مثل هذه التصرفات تتكرر بدون توجيه إلى خطئها فإنها تظل عادة عند صاحبها ، بل
ربما تصبح لازمة يصعب تغييرها، وبعض الاخوة يلاحظون هذه التصرفات فيسكتون عنها
خجلا ظانين أنها تصرفات عابرة ولا داعي أن يصنع منها مشكلة تعكر صفو القلوب ..
بينما الواجب تربويا أن يتدارك هذا الأمر من أقرب طريق وبأدق وأرقى ما يغرس الحب
ويحافظ على الإحساس والشعور بين الاخوة الذين أوجه لهم هذه النصائح أو التلميحات ،
ليتذكرها وينتفع بها أخ في الله يدفعني حبه إلى أن أجنبه ما استطعت الوقوع في أي
خطأ يتجافى مع الذوق السليم ، ولا ريب أني أيضا معنى بهذه التوجيهات فقد أكون أنا
هذا الإنسان : " كل ابن آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون " صدق رسول
الله صلى الله عليه وسلم . وقد نبهنا عليه الصلاة والسلام إلى كيفية النصيحة فلا
تكون في مواجهة جارحة والرسول صلى الله عليه وسلم وأفعاله مثال للذوق الرفيع فكان
لا يجابه مخطئا وإنما يصعد فوق المنبر ويقول في مثل هذه المواقف " ما بال
أقوام يفعلون كذا وكذا ". وفى توجيهات الإمام الشهيد حسن البنا كذلك نجده
يقول: (يا آخي لتكن نصيحتك تلميحا لا تصريحا وتصحيحا لا تجريحا) .. لهذا فقد
استخرت الله تعالى وعزمت على أن أسجل في هذه الرسالة نماذج واقعية من هذه الصورة
التي عايشتها وسمعتها ، لا أقصد بها إنسانا بعينه لأنها ليست وقفا على أحد بذاته
لكنها وقائع تتكرر في حركة الحياة.
وهذه
الملاحظات أو تلك التصرفات التي تحدث منا أحيانا والتي قصدت تسجيلها لا تمس جوهر
الأخلاق بل هي كالطالب الذي ينجح بدرجة ممتاز وآخر بدرجة جيد وآخر بدرجة مقبول
والجميع ناجحون والحمد لله . بيد أنهم في درجات النجاح يتفاوتون، فكلنا نشترك في
الأخلاق ونتفاوت في درجاتها ، والآيات والأحاديث توضح هذا حين نقرأ قول الرسول
الكريم صلى الله عليه وسلم : " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " ، وقوله
: " إن أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا الموطأون أكنافا الذين
يألفون ويؤلفون " .
وأعتقد أن
الذوق هو الأخلاق حين ترتدى أجمل ثيابها وهو عطر الأخلاق ونفحاتها.. والذوق هو قمة
الأخلاق حين تتألق في إنسان وتتجلى في أحاديثه وتعاملاته التي تنطوي على أجمل
المشاعر وأنبل العواطف، فالذوق حركة من لطائف الروح وصفاء القلب.. والذوق هو سلوك
الروح المهذبة ذات الأخلاق المرضية.
وختاما
فالذوق هو الإنسان في أبهى صورة وأرقى حضارة ، وصدق الله الذي عظم شأن رسوله
بالثناء على أخلاقه {وإنك لعلى خلق عظيم} .
المخاطبة بالهاتف
(التليفون)
التليفون
نعمة من نعم الله تعالى في هذا العصر، فلقد طوى مساحة الأرض في لمح البصر . ورحم
الله عهد البعير والحمام الزاجل والسفر الشاق لتوصيل الرسائل والأخبار. واليوم
الهاتف قد يسر لنا كل هذا فضلا عن أنواع الاتصالات المذهلة. وقد لا نحسن في أحيان
كثيرة الاستفادة منها ونسيء استعمالها، وقد عانيت من هذه الآلة بعض المتاعب فيما
تحدث من أمور وتصرفات:
فقد
يزورك زائر ولا يلبث إلا قليلا حتى تمتد يده إلى التليفون قائلا: " تسمح
التليفون ؟! " ، فلا مناص من أن تقول له " تفضل ! " ، ويبدأ حديثه
بالسؤال عن أفراد الأسرة والأقارب ، ثم يمضي في تبادل الحديث الطويل معهم ، ويختتم
الحديث المسهب بكلمات قليلة هي بيت القصيد ! وكان يمكن أن يكتفي بها فلا يطيل
المكالمة.
وذات
مرة زارني اثنان من بلد عربي، واستأذن أحدهم ليتصل بأهله في مكالمة دولية، وأدار
التليفون وكما هي العادة مع الأهل والأحباب، طال المكث وكثر العتاب. وأنا أخرج
حينا لعله يختصر ويوجز، والذين يتحدث إليهم يظنون أنه يتحدث من حسابه الخاص
فيتبادلون معه الحديث في شجون وإطالة.
وما
يكاد يختتم حديثه وأتنفس الصعداء، حتى يستأذن الثاني في مكالمة وتستمر الرواية
بنفس الأسلوب وتتكرر القصة وأعيش في ضيق، لا حزنا على ما سوف أدفعه من مبالغ كبيرة
فحسب ولكن ألما من هذا التصرف البعيد عن اللياقة.
ولا
أكون مبالغا إذا قلت إن أحدهم نزل ضيفا على أحد الاخوة واستعمل تليفونه في مكالمات
شخصية خارجية تجاوزت قيمتها راتبه الشهري ! فتصور - أخي الكريم - كيف تكون علاقة
القلوب وحالة الجيوب!
( لو كان حبيبك عسل ما تلحسوش كله)
خرج
الأخ من منزله صباحا في طريقه إلى عمله فوجد بعض الاخوة قد حضروا لزيارة زميل لهم
فلم يجدوه، فدعاهم الأخ لينتظروه في مسكنه بعض الوقت فاستجابوا، وحال جلوسهم
استأذن أحدهم ليتحدث تليفونيا خارج المدينة .. وبعد أن أنهى محادثته أخرج ورقة
بيضاء وأخذ ينقل أرقام التليفونات الخاصة الموجودة على المكتب دون أن يستأذن في
ذلك!! في هذا الوقت كان أهل البيت قد قدموا لهم التحية الواجبة. وبعد ذلك قال لهم
الأخ المضيف إنه مضطر لمغادرة المسكن ليلحق بعمله ولكنه فوجئ بمن يقول له : أنت
تذهب إلى عملك ونحن نبقى هنا حتى يصل الذي ننتظره !!.. يقول الأخ : إنه كاد ينفجر
غيظا لأنهم قد لاحظوا أن ذلك السكن تشغله الأسرة فكيف يسمحون لأنفسهم بالبقاء
بالمنزل بعد انصراف رب الأسرة ؟ لقد اتسع مفهوم العشم والحب في الله تعالى عند
بعضهم حتى تجاوز العرف والعقل والمنطق!
أحيانا
تأتى مكالمة تليفونية من أهل بيت صاحب المكتب، ونراه يتحدث إليهم بصوت منخفض بما
يوحي أن المكالمة خاصة ، وفى هذه الحالة يستحب أن ينسحب الحاضرون، إلا إذا أشار
صاحب المكالمة إليهم أن الموضوع لا حرج فيه.
يتصادف
أن يجلس أحد الاخوة الزوار قريبا من التليفون، وحين تأتى مكالمة يسرع ويرفع
السماعة وأسمعه يقول (أنا فلان) ، والمفروض أن يذكر اسم صاحب المكتب أو صاحب
المنزل حتى يتأكد للمتحدث أن الرقم صحيح فيطمئن، فلا يحدث عنده بلبلة حين يسمع
اسما غير مألوف فيظن أنه أخطأ الرقم ويغلق الخط وينهى المكالمة.
أحيانا
تتداخل الخطوط وتسمع حديثا بين زوج وأسرته أو غير ذلك، ونجد بعض الناس يحلو لهم
الاستماع والتصنت، وهذا يتنافى مع الأخلاق الفاضلة والقرآن الكريم يحذر من ذلك
{ولا تجسسوا} .
اسمه
علي:
لا
يفوتني أن أنوه أيضا إلى بعض الذين يتصلون تليفونيا ولا يكون لي حظ الرد على
مكالمتهم، فإذا سئل عن اسمه يقول : أخبروه أن (علي) اتصل ! وحين عودتي يقولون لي
إن واحدا اسمه علي اتصل بك ولم تكن موجودا .. فإذا قلت: اسمه (علي) إيه ؟ قالوا:
علي فقط !!
أما
اسمه (علي) فقط فهذا يحتاج إلى كتالوج صوتي أو موسوعة صوتية وهيهات !
آسفين
للإزعاج:
كثيرا
ما تسمع من محدثك كلمة تقليدية (آسفين للإزعاج)، فإذا كان صاحبنا يعلم أن هذا
الحديث في وقت معين يسبب الإزعاج فلماذا تجاوز الوقت المناسب؟ ولهذا تعود كثيرون
أن يعزلوا التليفون في أوقات راحتهم أو نومهما.. فقد تعود أحدهم أن يفتح الهاتف
بعد الحادية عشرة مساء ويقول: آسفين للإزعاج، فلما أفهمته أن صوت الهاتف في هذا
الوقت مزعج ومقلق، تأسف، ولكنه عاود سيرته الأولى في المحادثة بهذه الكيفية، فلما
عاتبته بشدة قال: إنه يعود إلى بيته متأخرا وهذا هو الوقت الذي يناسبه ! فقلت له:
وما ذنبي إذا استرحت أنت وأتعبتني أنا ؟! وأحيانا تكون بعض المكالمات من هذا النوع
غير ملحة ولا ضرورية .
مكالمة
لأمريكا:
اتصلت
أسأل عن صحة أحد الإخوان، فقيل إنه ذهب إلى أمريكا للعلاج ، فحصلت على رقم تليفون
المستشفى ورقم الحجرة وكانت الساعة وقتئذ السابعة مساء، فأدرت قرص التليفون،
وجاءني صوته يسأل من المتحدث فقلت: فلان . وسألته عن حالته وصحته وتمنيت له عاجل
الشفاء . وقطع الحديث وسألني : الساعة عندكم الآن؟! وفى الحال أدركت أنني قد وقعت
في خطأ، إذ أن الساعة الآن في أمريكا الثانية عشرة مساء ! فلم أنتبه إلى فرق
التوقيت بين ألمانيا وأمريكا، فضلا عن أنني أخاطب مريضا في حاجة إلى الراحة وهدوء
البال ، وهكذا وقعت في المحظور دون أن أدرى.
بعض
أصحاب الأعمال تزدحم مكاتبهم بالرواد، وتأتيهم مكالمات تليفونية ويظل يستمع إلى
محدثه الذي يطيل، وكلما اقترب من النهاية فتح مجالا للحديث، والرجل في حرج شديد
يريد أن ينهى الحديث، ولكن صاحبنا لا يرد ولا يشاهد هؤلاء الذين حضروا لإنهاء
مصالحهم ويظن أن صاحب العمل قد تفرغ له وحده .
فعلى
الذين ينفردون بالحديث مع مثل هؤلاء أن يعلموا أن هناك الكثيرين مثلهم لهم نفس
الحقوق والواجبات . فعليهم أن يختصروا رحمة بغيرهم .
ولعل
من تمام الذوق على الذي يبدأ الحديث أن يختتم حديثه بنفسه.
الضيافة والزيارة
الضيافة
سمة من سمات المجتمع العربي والإسلامي وخصيصة من خصائصه الفريدة في العالم،
وأسلوبها ينضبط بضوابط أخلاقية وشرعية على مستوى الفرد والجماعة، وكلما توافقت
الضيافة والزيارة مع التقاليد والأصول الشرعية قويت العلاقات وتوثقت الروابط.
تعود
كثير من الناس أن يفاجئوا أقاربهم أو أصدقاءهم بالزيارة ، فحينا يجدونهم وتكون
زيارة غير متوقعة وغير محسوبة، فربما يكونون على موعد لمغادرة المنزل أو تكون
لديهم من الظروف ما يحول دون إعطاء الزيارة حقها، ومع كل هذه العوامل فلا بد من
استقبالهم بالبشاشة والترحاب.. والمثل الشائع : ( لاقيني ولا تغديني) ، والقرآن
الكريم قد نبه إلى وجوب الاستئذان قبل الزيارة، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا
لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها } النور : 27.
وقد
يحدث للمضيف الحرج لظروف أسرية أو مادية أو ضيق في السكن، ولهذا جعل الله لمثل ذلك
مخرجا ومندوحة في قوله تعالى: {وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم} النور:
28.
وعلى
المضيف في مثل هذه الظروف أن يتصرف بحكمة ولباقة حتى لا يفسد ود القلوب. وعلى
الضيف أن يتقبل الرجوع عن الزيارة بصدر رحب. ولعل بعض الاخوة لا يستريح لهذا،
والأولى أن يعاتب نفسه ويلزمها بأدب الإسلام والله يقول الحق وهو يهدى السبيل.
بعض
الاخوة يتوجهون لزيارة أحدهم فيطرقون الباب عدة مرات، وقد حددت الآداب الإسلامية
قواعد الاستئذان في زيارة صديق أو جار وذلك بالطرق أو استعمال (الجرس) ثلاث مرات
فقط، الأولى لإعلام صاحب الدار أن هناك من يود زيارته. والثانية لاستعجاله إذا
تأخر. والثالثة بمثابة اعتذار بأنه سوف يغادر المكان. ثم لا يزيد على ذلك احتراما
لمشاعر صاحب الدار، فقد يكون غير متهيئ للاستقبال، أو أن يكون غير موجود أصلا في
المنزل.
وبعض
الاخوة ينصرف ثم يعود بعد فترة ويعاود ما سبق دون جدوى. وأنصح الزائر قبل أن يتوجه
للزيارة أن يجهز بطاقة يكتب فيها أنه قد حضر للزيارة ويأسف لعدم اللقاء ثم يحدد
فيها ما يريد أو يحدد موعدا آخر أو يترك عنوانه ورقم تليفونه كي يتصل به عند العودة.
ومن
الحكايات التي تروى في مثل هذا الباب ما قرأته عن الشيخ عبد العزيز البشرى الذي
ينفرد بأسلوبه في معالجة مشكلة الزيارات المفاجئة، فكان من عادته أن يضع عمامته
وجبته خلف باب الشقة التي يسكن فيها. فإذا طرق أحدهم الباب لبس جبته وعمامته وأمسك
عصاه، فإذا كان الضيف مرغوبا فيه استقبله أحسن استقبال وقال له: الحمد لله الذي
جاء بي من الخارج الآن. وإذا كان الضيف ثقيل الظل وغير مرغوب فيه قال : الحمد لله
الذي جاء بك قبل أن أخرج لأنني على موعد الآن !!
وبعض
الأفراد ممن عندهم فراغ - أو متسع من الوقت - يقضون وقتهم عند من لا يجد متسعا من
الوقت لإنهاء ما تراكم عليه من واجبات (فالوقت هو الحياة) (فعاون غيرك على
الانتفاع بوقته).
وقد
يتزايد الزوار ولا يفكر الزائر الأول في الانصراف لأن (القعدة احلوت) وبعضهم وخاصة
غير المتزوجين لا تحلو لهم الزيارة إلا في وقت متأخر وغير مناسب لأنهم لم يمروا
بهذه التجربة بعد، والمثل يقول : (يا بخت من زار وخفف)، وإذا أبديت بعض التلميحات
تنبيها لمجافاة هذا السلوك للتقاليد والعادات قيل لك (إننا نحبك في الله تعالى) !!
وليس الحب في الله تعالى إلا في إظهار الذوق والأخلاق وضوابط العرف. وإذا نوهت إلى
أن مثل هذه التصرفات ترهق وتضيع الوقت قيل لك: (اللي يعمل جمل لا يبعبع من العمل)
!! وهل أنا جمل؟ إنما أنا…!
الضيف
يشارك:
قال
لي أحد الاخوة أن ضيفا نزل عليه ومعه ابنه. وكان للمضيف ابن شاب قد غاب عن المنزل
منذ يومين ولم يتعرف على مكان تواجده مما سبب للأسرة قلقا بالغا. وقد عرف الضيف
الكريم ذلك ولاحظ وشاهد مبلغ الاضطراب الذي تعيش فيه الأسرة، ولكنه لم يبد أي شعور
بالمشاركة الوجدانية، ولم يشارك بأية كلمة مواساة، وبعد أن قضى الوقت المناسب
وقمنا نحوه بالواجب غادرنا، ولم يتصل بنا بعد ذلك ليسأل ويطمئن على غائبنا. وهكذا يقول
المثل: (الذي يحب نفسه تكرهه الناس).
ضيافة
الأسرة:
قد
ينزل عليك ضيف ومعه أسرته لأكثر من يوم، ولن تتحمل كثيرا من المشاق إذا كان المنزل
فيه متسع يمنع الحرج الشرعي من الاختلاط، أما إذا كان الأمر غير ذلك فإن عقبات
كثيرة تحول دون الوفاء براحة الجميع.
ولعل
أكثر المتاعب تأتى من نوعية الطعام الذي يقدم للضيوف في هذه الحالة، إذ أن البعض
لا يرغب في نوع معين من الطعام، والآخر يحدد نوعا خاصا. والمضيف في هذه الحالة
ينفق بقدر ما تسمح به حالته وليس بيته مطعما عموميا يلبى طلبات الجميع، ورسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: ".. فمن اشتهى شيئا فليأكله ومن كره فليدع ".
ودعا رجل من المسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعام من الخبز والخل، فما
توقف رسول الله وما امتنع بل قال كلمة تليق بسماحة الضيف وتحافظ على شعور المضيف …
فعن
جابر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل أهله الإدام فقالوا: ما عندنا
إلا الخل. فدعا به فجعل يأكل ويقول: "نعم الإدام الخل ، نعم الإدام
الخل" رواه مسلم. وقيل في المثل: (بصلة المحب خروف).
كلمات
لابد أن نعيش مع مدلولها السامي في التربية، وعلى المضيف أن يقدم ما تيسر عنده من
طعام ولا حرج عليه. وعلى الضيف أن يكون على مستوى الاخوة فلا يعتبر ذلك انتقاضا من
قدره. فإذا تكلف المضيف فوق طاقته وظروفه المادية وربما الصحية كذلك عنده أو عند
أهله، فإن هذا التعامل سوف يضيق أبواب الإخوة وتصبح الزيارات أحمالا وأثقالا تقلل
من مشاعر الحب والإيناس. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنا: " لا
تكلفوا للضيف فتبغضوه " والمثل يتجاوب مع هذا الموقف حين تسمع:
(اللي
يفتح بابنا يأكل لبابنا)، (البير الحلو دائما نازح).
وأحيانا
يوجه أخ إلى إخوانه دعوة للغداء - أو العشاء - ويفاجأ صاحب الدعوة أن الاخوة
الكرام قد اصطحبوا معهم بعض إخوانهم دون استئذان من صاحب الدعوة الذي يكون قد أعد
مائدته على قدر العدد الذي دعاه متجاوزا بعض الشيء.. فقد روى الإمام أنس بن مالك
أن قوما من أهل المدينة دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعام له ولأصحابه
وهم خمسة فأجاب دعوتهم، فلما كان في بعض الطريق أدركهم سادس فماشاهم فلما دنوا من
بيت القوم قال عليه الصلاة والسلام للرجل السادس: إن القوم لم يدعوك فاجلس حتى
نذكر لهم مكانك ونستأذنهم! وفى رواية عن أبى مسعود البدري رضى الله عنه أنه قال:
دعا رجل النبي صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه له خامس خمسة فتبعهم رجل، فلما بلغ
الباب، قال له النبي صلى الله عليه وسلم : إن هذا تبيعنا فإن شئت أن تأذن له وإن
شئت رجع. قال: بل آذن له يا رسول الله، وهكذا يعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
هذه الآداب التي تحمي المجتمع المسلم من التسيب وتضبط له قواعد السلوك.
وفى
حالة الطعام يستحب أن ينتظر الضيوف حتى يبدأ المضيف بدعاء الأكل (اللهم بارك لنا
فيما رزقتنا وقنا عذاب النار) فيدعوهم إلى تناول الطعام، والإشارة إلى هذا المعنى
حين قال سيدنا إبراهيم عليه السلام للقوم الذين هبطوا عليه: {فقربه إليهم قال ألا
تأكلون} الذاريات : 27.
فهو
الذي دعاهم إلى تناول الطعام.
الطعام
عورة:
والطعام
عورة للآكل والمأكول على السواء.. فقد روى بأنه قد دعي أعرابي على مائدة أحد
الأمراء: فقال له الأمير وهو يرفع اللقمة إلى فمه: الشعرة يا أعرابي في لقمتك ،
وأراد الأمير أن يسحبها من لقمته، فضرب الأعرابي بيده قصعة الطعام وهو يقول:
أتراقبني مراقبة من يرى الشعرة في لقمة أخيه؟! والله ما أكلت من طعامك قط.. فقال
الأمير: استرها يا أعرابي بمائة من الإبل، فرضى الأعرابي وهو يقول: (معجَّلة) ؟!
وقيل
إن أميرا دعا زائرا من الشباب إلى طعامه، فقال الشاب للأمير إنه شبعان، فدنا منه
أحد حاشية الأمير وقال له: يا هذا.. إن الطعام مع الأمير للشرف وليس للشبع !!
وقد
يحدث حين تقدم شيئا لأحد من الزائرين أن تراه يسرع فيعتذر بأنه (لسه شارب قبل
حضوره) ولو أنه ارتشف قليلا من هذا المشروب لكان في ذلك مجاملة للمضيف.
وقيل
إنه من أدب المضيف أن يحدث أضيافه بما تميل إليه نفوسهم، وألا ينام قبلهم ولا يشكو
الزمان بحضورهم، وأن يبش عند قدومهم ويتألم عند وداعهم وألا يتحدث بما يروعهم وألا
ينهر أحدا ولا يشتمه بحضرتهم.
دورة
المياه (الحمام):
ومن
التصرفات التي تضايق الضيوف : دخول الحمام الوحيد في السكن.. فبعضهم إذا دخل الحمام
ينسى أن هناك غيره يترقب خروجه ليقضي حاجته، وبعضهم يدخل الحمام ومعه كوب من الشاي
وآخر يدخل ومعه جريدة أو مجلة والذي ينتظر يعيش مع المثل القائل (الصياد بيتقلى
والعصفور بيتفلى).
زيارة
في مكان العمل:
تذهب
أحيانا لزيارة رجل أعمال أو مدير مسئول - دون موعد سابق - فتدخل فيستقبلك بمودة
وروح طيبة، ومن أدب الرجل أن يدعوك للجلوس ويطلب لك مشروبا تحبه، وفى نفس الوقت
تجد عنده بعض موظفيه أو بعضا من رجال الأعمال وهم يتناقشون في بعض المشروعات،
وتستمر المناقشة ويأتيك المشروب وتقضي بعض الوقت حتى تنتهي منه والرجل لا يزال مشغولا.
إن
في كل مكتب مشغولياته وأسراره وقد يستحي الرجل من أن يعتذر لك، فواجبك الأدبي أن
تشكره وتعتذر عن البقاء حرصا على وقته وظروفه التي توحي إليك بأن الوقت غير مناسب
الآن. وتستطيع أن تأخذ منه موعدا آخر، فإنك إن بقيت جالسا يجب أن يكون حساسا
ولماحا.
(فالوقت هو الحياة فعاون غيرك على الانتفاع
بوقته)
زيارة
غير لائقة:
حدثني
أحد الاخوة فقال : توجهت مع شقيقي وشقيقتي إلى القاهرة لخطبة إحدى الفتيات له،
ونزلنا ضيوفا على أحد الإخوان الذي كانت حفلة زفافه مساء أمس.. فاستقبلنا وأفسح
لنا مكانا في منزله لنبيت فيه، وقد أفهمناه الغرض من حضورنا وطلبنا منه أن يسمح
لزوجته أن تصاحب شقيقنا في زيارة أسرة الفتاة التي جئنا لخطبتها.. يقول الأخ
الكريم وهو يروي هذه القصة إنه كان يعتبر ما حدث منه شيئا عاديا بالنسبة لما بيننا
من أخوة وحب في الله تعالى وأنه لم يخامره أي شعور بأن ما فعله مناف للذوق ! عروس
ثاني يوم زفافها يطلب منها زيارة لخطبة فتاة لصديق الزوج ولا يشعر هذا الصديق بأي
خجل ؟ أو حرج ؟!
ويروى
أحد الاخوة - وهو متزوج ويعول أربعة أطفال ويعيش في سكن محدود - أنه فوجئ في صباح
أول يوم عيد الفطر بزائر كان يعرفه من سنين. فاستقبله بفتور واستمع له وهو يقول :
لقد تذكرت صداقتنا وأخوتنا القديمة فدفعني حبي وشعوري أن أقوم بزيارتك في الله
تعالى لأقضي معك يومين من عيد الفطر. يقول الأخ المسكين: لم أستطع أن أرد عليه
جوابا فقد عجزت عن النطق بكلمة واحدة، فلما عرفت زوجتي الأمر قالت: والله إن
الأقارب لا يفعلون ذلك فإن أول أيام العيد يكون خاصا بالأسرة، و زيارة هذا الرجل
في مثل هذا اليوم تحتمل تأويلات شتى ! ولكن كان لا بد من الصبر، ويجب أن نتعلم
الصبر.
زائر
آخر الليل:
طرق
بابي في وقت غير مناسب ليلا شخص يعرفني منذ أكثر من عشرين عاما، رحبت به كالواجب.
ذكر في حديثه أنه موظف في إحدى الدول العربية الشقيقة وأن الله فتح عليه ورزقه
مالا وولدا ومسكنا فسيحا وأنه قد اعتزم هذا العام أن يؤدى فريضة الحج وزيارة قبر
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه قد جاء لي لأعطيه عنوانا لأحد الاخوة الموجودين
في مكة المكرمة والمدينة المنورة كي ينزل عنده طوال هذه الفترة، فقلت له : لا شك
أن هذا الأخ الذي ترغب في النزول عنده قد اعتزم أداء فريضة الحج مثلك.. لهذا فسوف
لا تجد أحدا متفرغا لك، والمتبع عند عامة الحجاج أن ينزلوا على المطوف أو الفنادق!
ودارت
بخاطري كلمات الرجل أن الله تعالى قد رزقه مالا وولدا ونعما كثيرة، ثم هو يريد أن
ينزل على من لا يعرفه ويكلفه ويعطله.. وحزمت أمري واعتذرت له، وانصرفت وأنا ما زلت
في دهشة من أمره وعجب.
في
وداع الضيف :
جاء
لزيارة أخ له في الله، وقام المضيف بكل واجبات الترحيب والإكرام، واستمر الضيف في
ضيافته ثلاثة أيام بلياليها - بكل الإيناس - وفى مثل هذه الظروف تتغير أحوال
المنزل ولابد من المحافظة على نظام المنزل وخاصة (الحمام) بصورة أكثر، وأن تقدم
المناشف والصابون وكل ما يليق بحضرة الضيف.
المهم
ويوم أن اعتزم الضيف العودة، خرج ومعه المضيف حتى إذا اقترب من السيارة فتح بابها
وركب، وتحركت السيارة !! ونسى الضيف أن يقف لحظة ليسلم على المضيف ويشكره !! هذا
يمكن أن يحدث لو أن الإنسان كان ينزل في فندق من الفنادق ، أما أن ينزل ضيفا عند
أحد إخوانه فإنه لا ينبغي أن يتوجه إلى السيارة حتى يقف خارج السيارة شاكرا مودعا
ومعانقا أيضا.
هكذا
يحدث بدون وعى أو إدراك، ثم يسترجع الضيف ذلك بعد أن يغادر المدينة، ولكن ماذا
يمكن أن يفعل غير أن يتناسى ما كان ؟!
دعوة
للغداء:
حدثني
أخ لي فقال: أنه تعرف على شاب منذ شهرين، وكان يقابلني في المسجد ويجلس معي بعد
الصلاة بعضا من الوقت ثم ينصرف كل منا لشأنه.. ذات يوم فاجأني بقوله: (يا أخي أنا
عازم نفسي عندك على طعام الغداء) والأخ الكريم لا يعلم عن حياتي الشخصية أي شيء،
فأنا أعيش مع أفراد أسرتي الخمسة في مسكن ضيق متواضع ، ولم يكن ذلك بالشيء الذي
آلمني، بقدر خجلي وحرجي الشديد في كيفية الاعتذار عن تلبية طلبه حيث لم يسبق لي أن
تعرضت لمثل هذا الموقف..
فالمألوف
إذا كان يريد توثيقا للعلاقة أن يقوم هو بتوجيه دعوة الغداء فهو أعلم بقدراته
وشئونه الخاصة، ولكنه كما أظن يريد أن يزيل الكلفة ويختصر الوقت في تدعيم الصلة
بهذه الطريقة التي ربما تقضى على الصلة ، وكما يقول المثل : ( جاء يكحلها عماها).
السكينة
في الزيارة:
يروي
الأخ الكريم أنه عاد إلى منزله مساء ، وحين دخل وجد زوجته مهمومة مغمومة، وفتحت
معه الحديث فقالت: إنها قد زارتها اليوم سيدة ومعها ثلاثة من أطفالها.
بدأ
الأطفال في أول وقت الزيارة هادئين ملتزمين بالأدب ، ثم اشتركوا مع ابنها الوحيد
في أدوات اللعب التي تخصه. ثم اشتبكوا في عراك. ثم ارتفعت الأصوات والجري وامتدت
أيديهم إلى بعض أدوات الزينة فكسروا بعضها وهم يتصايحون فرحا وسرورا.. والسيدة
والدتهم لم تحاول أن تمنعهم أو تزجرهم بل بدت متفرجة معجبة بما يفعلون !! في الوقت
الذي بدت على وجهي علامات الغضب ولكنى خشيت أن أقول كلاما قد يخرج عن اللياقة في
معاملة الضيف وأشد ما آلمني قولها ( دول عيال صغيرين وأنتِ عارفة إن شقتنا ضيقة
ودي فرصة علشان الأولاد يلعبوا) ، واستمرت الزيارة أكثر من ساعة وأنا أتحكم في
أعصابي حتى مرت بسلام.
يقول
الأخ الكريم: الواقع أن الشقة جعلت "للسكن" يعني للهدوء والراحة
والسكينة. فضلا عن واجبنا في أن تراعي ظروف الجيران أسفل الشقة، فقد يكون منهم
الشيخ الكبير أو المريض أو من يستذكر دروسه أو غير ذلك من ظروف الحياة.
وأقول
إن الضيفة هي التي خرجت عن حدود اللياقة وتجاوزت حدها وحقها وخرقت القانون الشرعي
في مثل هذا الموقف، فإن للزيارات قانونا وعرفا وأخلاقا ! وإن بعض السيدات يقمن
بفتح الدواليب والأدراج حتى أدوات المطبخ!!
فهل
هذا يجوز أو يليق؟!
أصول
الضيافة:
طلب
أحدهم من صديقه أن يستضيفه في (شقته) على الشاطئ فترة من إجازة الصيف واستجاب
الصديق وأعطاه مفتاح الشقة التي تركها نظيفة ومرتبة. وجاء الضيف ومكث بالشقة عدة
أيام في راحة واستمتاع بالجو والماء والهواء، واستخدم التليفون والبوتاجاز
والتليفزيون.
ولما
انتهى من سياحته هو وأسرته المكونة من ستة أفراد توجه إلى صديقه ليقدم له عبارات
الشكر والامتنان ويسلمه مفتاح الشقة. وبعد أن توجه صاحب الشقة ليقضى إجازته التي
تأخر عنها هذا الوقت تكريما لصديقه العزيز.. وما أن فتح باب الشقة حتى هبت عليه
رائحة كريهة اشمأز منها حتى إذا دخل فوجئ بالزبالة المتراكمة.. وأكثر المفروشات
مبعثرة وبعض الكاسات والصحون محطمة. ودورة المياه قذرة وقد فعل الأطفال ما يحلو
لهم. صدم صاحبنا وأصابه الوجوم.. وسمع من زوجته وأولاده نقدا ولوما شديدا على
موافقته على مثل هذه الضيافة.
وفى
الحال تغيرت صورة صديقه الضيف إلى صورة غير محببة إلى نفسه، وأدرك أن المظاهر
الخارجية شيء والتربية والسلوك شيء آخر، وأول ما دار في ذهنه ( توبة من دي النوبة)
وعزم على أن لا يعود لمثلها أبدا.
والواقع
أن بعض الناس يعيشون في جاهلية اجتماعية ولا يقدرون قيمة ما يقدم لهم من خدمات،
وكانوا يستطيعون لو أحسنوا أن تقوى بها الروابط وتدوم بها العلاقات وتزداد بها
الإخوة، ولكن هكذا يفقد بعض الناس الأصدقاء بمثل هذا التصرف الرديء.
بعد
الغداء:
دعينا
للعشاء عند أحد الاخوة الكرام وكان كريما للغاية، فأنواع الطعام تم إنضاجها
بالفرن. ومن عادة الاخوة في هذا البلد العربي أنهم لا يقدمون الطعام جملة واحدة،
ولكنهم يقدمون أنواع الطعام على دفعات. والنوع الأول يكون خفيفا والثاني والثالث
محشوا بالجوز واللوز والمكسرات، فالذين لا يعرفون هذا التقليد فإنهم يشبعون من
الدور الأول ويضيع عليهم ما يدخر من أطايب الطعام في الأدوار القادمة.
المهم
في نهاية الطعام يستحضر المضيف لضيوفه قاسمى (طشت وإبريق وصابون) ويمسك بنفسه
الإبريق ومعه فوطة ويقوم بصب الماء ليغسل كل منا يديه.
صاحب
البيت مع علو قدره ومكانته يصر على أن يقوم بهذا الواجب..
وقد
راعني أن بعضا منا لم يكتف بالمضمضة الخفيفة ولكن أخذ في المضمضة الثقيلة والبصق
في الإناء في مواجهة المضيف الكريم !
في
مثل هذه الحالة يمكن للإنسان أن يستغني عن المضمضة لحين عودته إلى منزله ويكتفي
بالصورية احتراما لصاحب الدعوة.
ضيف
في الفندق :
نزل
أحد الناس ضيفا على أخ في الله، ولما كان المضيف لا يجد وقتا يتسع للقيام بالواجب
نحوه.. فقد حجز له غرفة في أحد الفنادق مكث فيها ثلاثة أيام. وبعد أن أنهى زيارته
وودعه المضيف إلى المطار توجه الأخير إلى الفندق ليدفع حساب الإقامة. فوجد أن كشف
الحساب قد تضمن قيمة مكالمات هاتفية داخلية وخارجية. ومعلوم أن قيمة المكالمات في
الفنادق تكون مضاعفة، وتضمن الكشف قيمة الصحف والمجلات، وتضمن قيمة غسيل الملابس
وكيها.. فقلت للأخ : إنه لم يتجاوز.. هب أنك أنزلته في بيتك أما كنت تتكفل بهذا
كله ؟ قال: ليس إلى هذا الحد، قلت: إذن عليك أن تتنبه بعد ذلك إلى الحدود
والواجبات حتى لا تتورط!!
جزاء
الإحسان :
دعا
أحد الاخوة شخصا فأنزله ضيفا في سكن خاص وسلمه المفتاح.. وبعد أن أمضى الضيف
الكريم مدته في نزهة وسياحة غادر المدينة دون أن يعيد المفتاح إلى صاحب الشقة الذي
استضافه.
واتصل
صاحب السكن به في القاهرة يستعجله ليرسل المفتاح فقال : إنه يبحث عن مسافر إلى
الإسكندرية ليرسله معه واستمرت الشقة مغلقة أياما وأسابيع، وأخيرا وجد الضيف من
يحمل المفتاح إلى صاحبه.. وحين وصل إلى الإسكندرية تفقد المفتاح فلم يجده ! لقد
ضاع المفتاح وضاع الوقت وضاع الوفاء مما يفقد الشعور بالثقة والاحترام.
في
زيارة إلى فرنسا:
دعيت
لزيارة بعض الاخوة في باريس وتحدد موعد الزيارة وموعد القطار ولما كنت لا أعرفهم
ولا يعرفونني فقد تحدد مكان أجلس فيه حال وصولي ليتعرفوا علي.. ونزلت في القطار
قاصدا المكان الذي اتفق عليه، فلم أجد أحدا في انتظاري ، ولم يكن معي أي عنوان!
وجلست أنتظر حوالي ساعة ونصف حتى كثرت الوساوس وتعذر مغادرة المكان لأي سبب خشية أن
يحضر أحد فلا يجدني فتضيع آخر فرصة. وفيما أنا في هذه الدوامة إذا بشاب يقترب منى
ويقول لي : حضرتك الأخ أبو معاذ. فنظرت إليه غاضبا، وقلت له: نعم يا سيدي أنا الأخ
أبو معاذ. قال : أنا متأسف لهذا التأخير، حيث أنني كنت أصلي الجمعة في مسجد بعيد.
فقلت له في غضب : كان يجب في هذه الحالة أن تبعثوا لي واحدا لا يصلي. فضحك واضطررت
أن أخفف وقلت في نفسي : (أهل السماح ملاح) ، وقلت للأخ الكريم: (إذا كنت تريد أن
تصالحني تغديني غداء إسلاميا) وذهبنا إلى مطعم أخ جزائري قدم لنا طعاما شرقيا
شهيا. وتوجهنا إلى المركز الإسلامي الذي وجدته في حالة ترميم وإصلاح على قدم وساق
وأدخلني الأخ حجرة صغيرة فيها مكتب وتليفون ومنضدة تصلح أن تكون سريرا ودعاني
للمبيت فيها - وكانت درجة الحرارة تحت الصفر - فاعتذرت فليس في الدار عوامل
تدفئة.. ونزلت في أحد الفنادق المجاورة المجهزة بكل وسائل الراحة. وهكذا كثيرا ما
يتعامل الاخوة الشباب مع الاخوة الشيوخ بأسلوب الشباب غافلين عوامل السن والصحة
ظانين أن شيوخ الإخوان وقد تحملوا المحن والشدائد فهم على استعداد دائم لهذه
الحالة في أي وقت وعلى كل وجه.. وهذا ليس من سنة الله في خلقه، ودوام الحال من
المحال.
زائر
من الكويت:
اتصل
بي أحد الاخوة المصريين وهو يعمل موظفا بدولة الكويت، وقال لي إن أحد إخوانه له
ابن طالب في الجامعة يريد أن يقوم برحلة سياحية في ألمانيا ولما كان لا يعرف أحدا
هناك ليستقبله ويساعده فقد طلب مني أن أستقبله عند وصوله بالطائرة على مطار
فرانكفورت وهو مطار هائل يحتاج إلى دليل.
وفعلا
توجهت إلى المطار ومعي الأخ صلاح الجعفراوي في سيارة خاصة ، وفي الموعد هبطت
الطائرة وترقبنا خروجه من البوابة وقد أعطوني أوصافه - حيث لم يسبق لي به معرفة -
وخرج شخص تنطبق عليه هذه الأوصاف. فلما أقبلت عليه إذا به يتجه إلى الأخ صلاح
يعانقه بأشواق حارة، إذ كان يعرفه من قبل ولم يكن الأخ صلاح يتوقع ذلك، واستغرق في
عواطفه ونسي أن هناك من جاء له خاصة لاستقباله، حتى نبهه الأخ صلاح إلى اسمي، فمد
يده يصافحني بدون حرارة. ووجدت نفسي في موقف غير لائق.. وتركت هذا الضيف لصاحبه
يقوم بواجباته وذكرت قول الله تعالى {أن رآه استغنى} والمثل الذي يقول: ( اللي موش
في القلب عنايته صعب).
قال
أبو يزيد (1) : قم بنا حتى ننظر إلى هذا الرجل الذي قد شهر نفسه بالولاية، وكان
رجلا مقصودا مشهورا بالزهد، فمضينا إليه فلما خرج من بيته ودخل المسجد رمى ببصاقه
تجاه القبلة. فانصرف أبو يزيد ولم يسلم عليه. وقال: هذا غير مأمون على آداب رسول
الله غير فكيف يكون مأمونا على ما يدعيه.
بسيف
الحياء:
شكا
لي أحد الاخوة الطلاب أنه كلما ذهب مع إخوانه في طريقهم إلى الكلية قدموه ليدفع
تذاكر المواصلات على أن يتبادلوا ذلك في المرات القادمة، ويتكرر هذا الأسلوب
ويتحمل وحده ثمن التذاكر ويتهربون ! ويتمادون أكثر حين يدخلون في حجرته وهو غائب
ويأخذون بعض ما يرد إليه من أهله من مأكولات ويفتحون حقائبه، كل ذلك دون استئذان
أو اعتذار وإذا غضب ووجه إليهم عتابا اتخذوا من ذلك فرصة للضحك وتغطية الموقف.
مثل
هذه التصرفات غير لائقة وغير كريمة وإن ما يأخذون بسيف الحياء يورث الكراهية، ولا
تستمر مع هذه التصرفات زمالة أو صداقة.. فقد قيل : (شرط الموافقة قبل المرافقة).
خلع
الأحذية عند دخول المنزل:
الإسلام
دين يحث أتباعه على النظافة والطهارة {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}، لهذا
ينبغي على كل مسلم أن يتوخى النظافة والطهارة والنظام في كل شئون حياته ، ومن
العادات والتقاليد التي أخذناها من مخالطتنا للأجانب في مصر أننا في حالة زيارتنا
للأقارب والأصدقاء نخلع أحذيتنا عند الدخول في مساكنهم، فلا شك أن الأحذية أكثر
احتكاكا بالأرض الملوثة بالزيوت والأوساخ والأتربة مما يكون سببا في تعريض الأبسطة
والمفروشات للتلوث بينما نحن نؤدي عليها الصلاة أحيانا ، مما يدعونا إلى المحافظة
على نظافتها وطهارتها.
وقد
انتشرت عادة خلع الأحذية عند دخول المساكن في دول الخليج العربي والواجب علينا تعميمها
في بيوتنا ونعود إلى عاداتنا الإسلامية الأصيلة. ومن العجب أن تسود هذه التقاليد
عادات أكثر شعوب دول أوروبا وأمريكا فلا يدخلون مساكنهم قبل أن يخلعوا أحذيتهم في
دولاب وضعوه عند مدخل بيوتهم تحررا من الأوساخ التي يقل وجودها هناك ، ونحن ما
زلنا متمسكين بتقليدهم في عدم خلع الأحذية مع أنهم صاروا الآن يخلعونها.. فيا
ليتنا نعتبر.!
من
آداب اللقاء والوداع:
كثيرا
ما يلتقي الاخوة بعضهم مع بعض، وقد يكون بينهم المرد من الصبية (وهم من لم تنبت
لهم لحى ولا شوارب بعد) فيكون العناق وتكون القبلات على الوجنات، ودفعا للحرج الشرعي
فمن المستحسن أن يقلع الجميع عن ذلك ، فإن غلبت العاطفة فلتكن القبلات على
الأكتاف، وليمتنع الجميع عن تبادل القبلات مع الفرد امتثالا لهدى النبي الكريم صلى
الله عليه وسلم ، ودفعا للوقوع في حبائل الشيطان.
من
آداب الزيارة:
من
لذلك الذي جاء يطرق باب أخيه في الواحدة صباحا فيزجره بأنه روع أخاه ؟ بل وروع معه
زوجة أخيه وأبناءهما جميعا ؟؟!
لقد
أمر الأخ المروع - حين سمع الطرقات على الباب - زوجته المروعة بدورها أن تعد له
حقيبته على عجل إذ أن زوار الفجر على الباب.. وانتابت الزوجة نوبة شديدة من الفزع
كادت معها أن تسقط مغشيا عليها ، ثم لم يلبث الأخ حيث فتح الباب للضيف المروِّع أن
فوجئ به يعتذر له بأن الوقت متأخر وأن أمرا عاجلا هو الذي دفعه للمجيء في هذا
الهزيع الأخير من الليل.. وإذا بالأمر تافه وبالخطب ليس بجلل.. وإنما هو فساد
الذوق.. بل انعدامه ، وافتقاد للأدب الإسلامي الرفيع ذلك الذي يأمر بالاستئناس..
أي تخير الوقت المناسب واستشعار الضيف أنه سيكون مرغوبا فيه حين الزيارة.
الوقت
هو الحياة :
جاءني
مبكرا واستأذن في أن يتحدث معي في موضوع ، وجلس وأخذ يشرح لي بتوسع واستفاضة وأنا
أسمع في النصف ساعة الأولى في انتباه واهتمام ، والنصف ساعة الثانية في نصف
انتباه، وفى الثالثة توترت أعصابي فالموضوع الذي يتحدث فيه لا يتصل بي مباشرة وليس
لي فيه إلا صلة المودة.. والصديق العزيز يتحدث إلي في حماس وينقد كل نقطة كأنه
محام يدافع عن قضية صاحبها غائب.. ودعوت الله تعالى أن يلهمه الحكمة ويخفف فلعل
فراسته تنبؤه عن طاقتي وصحتي وأنه ليس هو الوحيد الذي من حقه أن يزورني ويتحدث
معي.
وقد
تذكرت ما يفعله بعض الذين ذاقوا مثلى هذا الموقف حين يتعبون ويريدون أن يقطعوا على
المتحدث اعتذارا لظروفهم ، فيقوموا واقفين إيذانا بانتهاء الحديث ! ولكن هذا
الأسلوب لا يصلح مع الذين يظنون أن كل الوقت لهم مهما كانت الظروف ولو أدى ذلك إلى
المرض ، متغافلين أن لكل إنسان ظروفه الخاصة، ولعلى فهمت لماذا كان الإمام حسن
البنا يكتب على رأس مكتبه لافتة تقول : ( الوقت هو الحياة فعاون غيرك على الانتفاع
بوقته). ولا تعجب أن تعلم أن حديثه استغرق أكثر من ساعتين وأنا أتحين لفرصة لأحرجه
فأكون عديم الذوق.. حتى دوى أذان صلاة الظهر فأسرع مستأذنا.
حساسية
مفرطة:
تعود
أن يزور صديقه التاجر في محل تجارته وكثيرا ما تجئ جلسته بجوار درج المكتب
(الخزنة) الذي يضع التاجر فيه أوراقه المالية في البيع والشراء، ويحدث أن يطلب من
صاحب المحل أن يترك المكتب لشئون العمل فيقوم بإغلاق الدرج ويأخذ المفتاح معه، حتى
إذا رجع عاود عمله بفتح الدرج مرة ثانية وثالثة حاسب ظروف العمل. ولاحظ صاحب المحل
أن صديقه لم يعد يزوره كالمعتاد، وحين استفسر عن ظروفه من صديق لهما قال له: أن
صديقنا يقول إنه كلما زارك في المحل، وحين تقوم تغلق درج المكتب الخاص بالنقدية
مرارا وهو جالس إلى جواره فشعر أنه غير مؤتمن وأخذ على خاطره من هذا التصرف. فقال
له صاحب المحل : إن صديقنا هذا يحمل الموضوع أكثر من الواقع، فالعمل التجاري له
أصول لا تجامل الأصدقاء ، ولن أترك الدرج مفتوحا عند مغادرتي المكتب، وسوف يكون
فيه قلق بالنسبة للطرفين، وإذا حدث أي خطأ في الحسابات فالظن ربما يفسد المودة..
لهذا كان من الواجب أن نقطع الشك باليقين محافظة على سلامة القلوب.
من
حسن إسلام المرء:
كثيرا
ما يقحم المسلم - حين يغيب عنه الخلق الإسلامي - نفسه فيما لا يعنيه، كمن يمضي حين
يزور أخا له في بيته يسأل عن قيمة أثاث حجرة الاستقبال، أو عن دخل صاحب البيت،
وكيف استطاع أن يدبر تلك المبالغ الطائلة التي أقام بها بيته، وعن عدد أفراد أسرته
وكم عدد من يعول، وعن إخوانه وأخواته ومن تزوج منهم ومن لم يتزوج بعد، ولماذا ؟
وكثيرا ما يحدث مثل ذلك بين النساء، إذ أنهن أكثر خلق الله تساؤلا وتدخلا.. وقد
حدث أن زارت واحدة منهن أختا لها حديثة عهد بوضع مولود، فذكرت لها أنه قد مضى على
زواجها بضع سنين دون أن تنجب، ثم مضت تتعجب كيف استطاع زوج الأخت المضيفة أن يعثر
على تلك الشقة الفسيحة في حين أن زوج الضيفة لم يستطع حتى وقت حديثها أن يعثر على
شيء من ذلك !! إلى آخر تلك الأسئلة التي قد تحمل في ثناياها حسدا وغيرة، فضلا عما
تسببه من حرج بالغ لدى المضيفة، ناهيك عما يعتريها من ضيق وألم نفسي لا بد أن
ينعكسا على حالتها النفسية سيما وقد كانت في حالة إرضاع ، الأمر الذي سيسبب –
غالبا – في إلحاق بالغ الضرر بصحة الطفل الرضيع.
الأدب
والذوق القرآني :
{يا
أيها الذين ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات
من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات
لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله
لكم الآيات والله عليم حكيم}.
يتميز
توجيه القرآن الكريم بالأدب العالي والذوق الرفيع الذي يتحرك به المسلم في كل
المواقف وكل الحالات.
وقد
أرشدنا الله تعالى إلى هذا كمنهج سلوك حضاري يتميز به المجتمع المسلم ، وأرسى هذه
القواعد حتى يلتزم بها كل مسلم في سلوكه وأخلاقه.
والآية
الكريمة تضع هذه القواعد التي ترشد الأبناء ألا يدخلوا على آبائهم وأمهاتهم في
مخادعهم قبل الاستئذان. حددت الآية الكريمة ثلاث مواقيت يحظر فيها على الابن
الدخول على أمه أو أبيه في فراشهما إلا إذا أذنا له وهى الفترة التي تقع قبل صلاة
الفجر، والفترة التي نخلد فيها إلى الراحة بعد الظهيرة، والفترة التي تلي صلاة
العشاء وتستمر طوال الليل. وقد دهش أحد الصحابة عندما نزلت هذه الآية الكريمة فقال
للرسول عليه الصلاة والسلام: هل أستأذن على أمي يا رسول الله؟ فقال: نعم.. فقال
الصحابي : ولكنها أمي فكيف أستأذن عليها ؟ فقال له صلى الله عليه وسلم في سماحة:
هل تحب أن ترى أمك عارية ؟ فأجاب: لا. فقال: إذن يجب أن تستأذن قبل الدخول عليها
في هذه الأوقات.
زيارة
المريض:
كانوا
معا في رحلة سعدوا واستمتعوا بها. عاشوا في نزهة ورياضة، وفيما هم لاهون يلعبون
أصيب أحدهم بشرخ في ساقه فنقلوه إلى المستشفى وأبلغوا أهله بذلك. وتوالت عليه الزيارات
بالمستشفى ثم بدأت تقل حتى كادت تتلاشى.. وظن كل واحد من إخوانه أنه هو الوحيد
المقصر في حق أخيه وما درى أن الجميع يظنون ذلك. وبقى المريض المسكين يتنسم من
بعيد عبير تلك المشاعر التي كان ينعم بها بين إخوانه ولكن لم يعد لذلك سبيل.
فليس
من كرامة الإنسان أن يستجدى زيارة من إخوانه ، وتمضى الأيام ويعيش هذا الإنسان في
غربة وكربة تزيد من مرضه وآلامه. وكثيرا ما قرأ وسمع ما ورد في الحديث القدسي عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم ".. يا عبدي مرضت فلم تعدني، قال: يا رب كيف
أعودك وأنت رب العالمين.. قال: إن عبدي فلانا قد مرض فلم تعده، ألا إن عدته
لوجدتني عنده ".
وأحيانا
يزامل أحدنا الآخر وتحدث لأحدهم مشكلة تحتاج إلى تعاون من صاحبه ومشاركته ظروفه
الطارئة وملازمته في محنته.. ولكن في غمرة هذه الظروف لا تعرف كيف انسلخ صديقه من
الموقف كما يفلت السهم من الرمية وكأن لم تكن بينهما سابقة مودة.
ورسولنا
صلى الله عليه وسلم يقول في حديث معناه: " من حسن مماشاة المرء لأخيه المسلم
أن يقف له إذا انقطع شسع نعله ".
موعد
زيارة المريض :
مرض
الأخ أحمد حيدر بالقلب ودخل قسم الإنعاش في مستشفى التأمين الصحي بالإسكندرية.
وجاء أحدهم لزيارته لأكثر من مرة وقيل له: إن الطبيب المعالج أمر بعدم الزيارة
والتحدث معه. فقال: إنني أحبه في الله وأريد أن أراه ولن أجعله يتكلم، سوف أكلمه
أنا وأعفيه من الحديث. قالوا له : إن الحاج أحمد لا يريد أن يقابل أحدا. قال: لا
بد أن أسمع ذلك منه بنفسي ، فاضطر المرافق أن يمنعه.
والعجيب
أن هذا الإنسان اعتاد أن يزور إخوانه في وقت متأخر ويعتذر أن ظروفه لا تسمح إلا
بذلك وهو يعلم أن أكثرهم متزوج ومواعيد أعمالهم مبكرة، فتراه يجلس ويتحدث عن نفسه
ومشروعاته ما وسعه الجهد من الحديث، والذي يستمع له يصيبه الإعياء. وقد تقول له في
سياق الحديث : إنك على موعد للسفر صباح الغد، أو إنك كنت عند الطبيب للعلاج، كل
هذا لا يدعوه إلى الرحيل إلا إذا صارحته بأنك على موعد مع النوم.
آداب
زيارة المريض:
الذين
قدر الله عليهم المرض هم الذين يشعرون بدقة الظروف وشدة الحرج الذي يتعرض له
المرضى على أسرة المستشفيات. أحيانا يكون المريض في حالة لا تسمح بدخول الزوار،
ولكن الزائر يحرص على أن يرى المريض أو يراه المريض كإثبات حالة، وبعضهم يصر على
تقبيله، وآخر يجلس إلى جواره على السرير، وينسى الموقف ويهز رجليه. ويدرى كم يؤثر
ذلك في نفسية المريض وعلى راحته ويستحي أن ينبه الزائر إلى ذلك. وأحيانا يتألم أهل
المريض لثرثرة الزوار وجلجلة أصواتهم مما يؤلم المرضى المجاورين.
والمريض
في العناية المركزة أكثر طلبا للراحة والهدوء الكامل، فإن كثرة الزائرين تستهلك من
قوة المريض مما يكون سببا في مضاعفة الوقت والعلاج. ويكفى أن تترك بطاقتك أو تقابل
أهل المريض للاطمئنان.
(1) (1) من كتاب في منازل الصديقين: صفحة (10) للأستاذ سعيد حوى
.
التخلف عن الحضور
في المواعيد
إن
من أخطر الأمراض الاجتماعية التي أصيب بها المجتمع هو مرض (التخلف في المواعيد
المقررة) مما يسبب للذين ينتظرون اضطرابا نفسيا، مثلما يحدث إذا غاب الابن أو
الابنة عن موعد عودتهما من المدرسة. كما يسبب التخلف في ضياع كثير من الوقت في غير
فائدة أو إنتاج، ويضعف الثقة بين الإخوان والأصدقاء ويتسبب في صعوبة ضبط الحلقات
وربط بعضها ببعض مثلما يحدث إذا تأخر قطار عن موعده فيترتب على ذلك خلخلة في كل
المواعيد. وانتظام شئون الحياة لا يكون إلا بضبط الوقت كما هو الحال في دقة ضبط
مواقيت الصلاة.
وتجربتي
في هذا الشأن طويلة ومريرة، فعدم الحضور في الميعاد المتفق عليه يسبب لي القلق
والتوتر وقد أتوقف عن المنهج اليومي، اللهم إلا إذا تعارفنا على أنه إذا تأخر أحدنا
عن الموعد من خمس إلى عشر دقائق يكون الأخ المنتظر في حل من الموعد، أما الحالة
التي لم يكن فيها مثل هذا الاتفاق فإني في الموعد المحدد أكون في قمة السعادة
والانشراح، فإذا تحرك عقرب الساعة بعد ذلك يأخذ شعوري في الهبوط حتى يتلاشى، فإذا
جاء صاحبي بعد ذلك كانت المقابلة جافة وتحولت إلى عتاب ولست أنا السبب في ذلك.
جاءني
أحد الإخوة الكرام ودعاني لزيارته في بيته وحدد لذلك الثامنة، وفي الموعد كنت
مستعدا للخروج معه ولكن الساعة بلغت العاشرة ولم يحضر ولكنني راجعت نفسي فربما
يكون الموعد هو الثامنة مساء، وأسرعت إلى المنزل قبل الثامنة مترقبا حضوره ولكنه
لم يحضر حتى الصباح. ولم يصلني منه بعد ذلك أي اعتذار. وسألت عنه ربما يكون له عذر
لا أعرفه فلم أجد له عذرا.. إن هذا الموقف أليم شديد الوقع على النفس فقد ضاع
الوقت في مشغلة نفسية دون مبرر.
وأدهى
من ذلك وأمر أن بعض الإخوة يطلبون منك أن تدعوهم إلى الغداء ويتحدد الموعد بحضورهم
ويوافقون عليه، وآخذ الأمر بقوة وأجهز المائدة لهذا العدد وأكثر من باب الاحتياط..
ويقترب الوقت ولا يحضر إلا نصف العدد.. فإذا سألت واحدا من الذين تخلفوا عن الحضور
، فإنه يقول لك ببساطة : "دا أنا كنت فاكر إن كلامنا معك كان هذْرًا "
أي هذر هذا الذي يكلف الإنسان وأهل بيته هذه الصدمات بعد أن أرهقوا أنفسهم في
الاستعداد لهذه الزيارة والتجهيز لها ؟!
وأذكر
أنني وبعض الإخوة دعينا للطعام بعد يومين في الساعة الثانية ووصلنا في الموعد،
وجلسنا ندخل في حديث ونصله بحديث آخر قتلا للوقت وبعد حوالي ساعتين دعينا للطعام.
ولا شك أن هذا الوقت الضائع قد أوجد شعورا بالضجر، حيث كان لنا ارتباطات أخرى. حتى
لو أن الطعام جاء في الموعد المحدد فإنه ما كان علينا أن نطيل الجلسة حتى يتفرغ
أصحاب الدعوة لشؤونهم الخاصة.
وقد
عافانا القرآن الكريم من الحرج فقد أوضح لنا أيما إيضاح هذه الأمور التي تختص
بالمعاملات النفسية والإنسانية حين يصعب على الإنسان المصارحة بها، حيث جاء في
سورة الأحزاب {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام
غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستئنسين لحديث
إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق } [الأحزاب: 53] ،
وهكذا كانت الآية الكريمة دستورا أخلاقيا يهذب طبائع المجتمع المسلم ويوفر معاناة
تقديم الأعذار ويمنع الإحراج.
وكثيرا
ما تضطرب المواعيد وتختل الزيارات حين يعتمد الزائر على الذاكرة في معرفة العنوان
المتوجه إليه، فقد يتحمل أعباء السفر الطويل معتمدا على ذاكرته وحين يصل يضل
الطريق، وعبثا يحاول أن يصل فيعود أدراجه دون أن يؤدى أي واجب، واحتياطا لمثل هذا
الموقف لابد من أن يتأكد من العنوان ولو برسم كروكي، ويأخذ رقم التليفون إن وجد.
وأحدهم يأتي للزيارة معتمدا على عنوان فقط، فإذا وجد صاحبه قد غادر هذا العنوان
فلا مناص من العودة. وكم يكون مؤلما لو أن هذا الإنسان ليس معه ما يكفيه ولا يعرف
أحد غير الذي جاء لزيارته
التعارف
موقف
في التعارف:
تعرف
إلى من تلقاه وإن لم يطلب منك ذلك. هكذا تعلم الإخوان من وسائلهم في نشر الدعوة،
ولكن ليس هكذا بدون مناسبة مع ملاحظة الوقت والصحبة. فقد حدث أنى كنت أسير مع ضيف
من إخوان القاهرة وتقابلنا في الطريق مع أحد الإخوة الذي فاجأني بقوله: أحب أن
تعرفني بالأخ الكريم، ومع أنى أحفظ اسم الأخ الضيف جيدا إلا أنى نسيت اسمه في
الحال، وارتج علي وتصببت عرقا واستلهمت الله أن يذكرني، ودخلت مع الأخ في حديث
جانبي حتى يلهمني الله الاسم ووفقني الله أخيرا وخرجت من الحرج وتعلمت أنه في مثل
تلك الواقعة أن أقول له: ( هي فرصة طيبة أن تتعارفا معا) وأرى أنه من المستحسن أن
يكون التعارف في مثل هذه الحالة متروكا للأخ المضيف إذا رغب في ذلك.
ومن
المواقف المحرجة في التعارف أن تسأل أحدهم: أأنت طالب في الجامعة؟ فيقول لك: بل
طالب في الثانوي! وتسأل آخر: هل أنت طالب في الثانوي؟ فيقول: بل طالب في الجامعة
أو موظف فتقع في التناقض. لهذا تعلمت أن أجعل السؤال على الدوام (الأخ في أي مرحلة
الآن ؟) وهكذا أخرج من الحرج وكما يقولون الخسارة تعلم (الشطارة) المهارة.
أنت
مش عارفني؟
لا
يشك من يعرفني من إخواني أني أحتفظ بذاكرتي بأسماء الكثيرين منهم. وعلى الأقل لا
أنسى أشكالهم وربما أصواتهم وبعض العادات التي تلازمهم.
ومع
حسن ظن إخواني الأحبة، فإن التغيير في الحياة من سنن الله تعالى في خلقه.
فأحيانا
أرفع سماعة الهاتف فأعرف محدثي من أول لفظ ينطقه وكذلك أعرف شخصية طارق الباب من
إحدى عاداته التي تلازمه. وأحيانا يقابلني أحد الإخوة بالأشواق والأحضان فيحس
بالاستغراب.. ويقول لي: " أنت مش عارفني " فأنساه في الحال ثم يتابع
ويقول: " إزاى تنساني " ، فأستغرق في التوهان ولا أتذكر شيئا!! ويصر على
موقفه، مع أن واجبه في هذه الحالة أن يرق لحالي ويخرجني من هذا المأزق، ثم يقول :
"يا أخي احنا تقابلنا منذ خمس سنوات عند الأخ فلان! " وأيضا لا يذكر
اسمه كأنني لا أذكر اسم هذا الفلان ظنا منه أنني لو تذكرت الأخ فلان يكون هذا
كافيا.
فأقول له: الحمد لله إن ذاكرتك متأخرة خمس سنوات ! وأنا في الحقيقة
لا أعرف أكلت إيه امبارح.
رسائل مجهولة
المرسل
تصلني
أحيانا بعض الرسائل ويكتب المرسل اسمه في نهاية الخطاب "توقيعا" فقط،
وكذلك لا يكتب عنوانه وربما لا يكتب تاريخ الرسالة أيضا.
وأحاول
أن أستنبط من كلمات الخطاب كلمة أو عبارة مألوفة عنه تدلني عليه فلا أجد. وأراجع
خطه لعلى أحتفظ بصورته في ذهني فلا أتوصل (كأن عندي سجل توقيعات الأصدقاء) فالمعروف
أن التوقيع يقتصر على الشيكات والعقود والأوراق الرسمية بالإضافة إلى كتابة الاسم
بوضوح بجوار التوقيع، أما الخطاب فالواجب أن يكون الاسم مكتوبا بوضوح ليسهل التعرف
عليه والرد على رسالته.
مما يدفعني أخيرا إلى الاحتفاظ بالرسالة عساي أهتدي إليه.
قيادة السيارات
يقولون
إن قيادة السيارات فن وذوق، وأضيف أيضا: وتواضع، لأن كثيرا من أصحاب السيارات
الفارهة يلبسهم شعور الأنانية والاستعلاء، وعلى قدر قيمة السيارة المادية وعلامتها
التجارية العالمية بقدر ما يتصور أن ما دون ذلك يجب أن يفسح له الطريق، حتى أن
أصحاب ورش إصلاح السيارات يقدرون أتعابهم تبعا لقيمة السيارة وليس تبعا للجهد الذي
يبذلونه!
فالسيارة
التي تطل من طريق جانبي على شارع رئيسي يظل صاحبها يترقب من يتكرم فيوسع له
الطريق، غير أن السيارات تسرع دون مبالاة. فالذوق والتعاون الإنساني يوجب إعطاءه
فرصة فكلنا ذلك الرجل، وما أجمل وأمتع حين تراه وتسمعه يبتسم لك بإشارة أو كلمة
شكر، وما أجمل أن تسمع كلمة سيدنا عمر بن الخطاب حين يقول: (ثلاث يصفين لك ود
أخيك: أن تبدأه بالسلام وأن تناديه بأحب الأسماء إليه وأن تفسح له في المجلس) كما
تفسح له في الطريق.
فقد
تتعطل سيارة أو يصاب صاحبها في حادث فتكون هذه السوابق الأخلاقية مما يدفع الناس
إلى المشاركة الوجدانية والعملية بصدق وإخلاص (اللى يقدم السبت يلاقى الأحد قدامه)
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنا: "من حسن مماشاة المرء لأخيه المسلم
أن يقف له إذا انقطع شسع نعله ".
ومن
حسن أدب من يدعى ليركب سيارة أن يركب إلى جوار صاحبها إذا كان وحده، فإذا ركبت في
هذه الحالة خلفه فإن هذا غير لائق إذ تصبح أنت في هذه الحالة صاحب السيارة ويعتبر
هو سائقها !!
ومن
حسن الخلق ألا تسابق من أمامك وألا تضيق عليه الطريق، فإن ذلك تتسبب عنه حوادث
ووفيات وجنايات. وبعض السيارات تتعطل في الطريق ولا تضع إشارات ضوئية، وبعضها
يتعطل ويترك على الطريق مخلفات من الزيوت والشحوم مما يسبب انزلاق السيارات وبخاصة
الموتوسيكلات.
وبعضهم
يقذف بالبصاق بصورة بغيضة، وآخرون يلقون بأعقاب السجائر وقشر الموز والبرتقال
والمعلبات الفارغة وغير ذلك، ويذكر أن عساكر المرور في إحدى الدول يلتقطون مثل هذه
الأشياء مع أرقام هذه السيارات ويرسلونها في طرود بريدية إلى أصحابها مع حكم
الغرامة.
وبعضهم
يقوم بتشغيل سيارته في أوقات غير مناسبة بعد الفجر حيث يقوم بتسخين السيارة فيكون
صوتها مزعجا يقلق النائمين والأطفال، وبعضهم يستعمل آلة التنبيه لتنبيه أحد زملائه
في إحدى العمارات ليذهب إلى العمل ويستمر في ذلك بصورة مزعجة، دون مراعاة لشعور
المرضى أو النائمين.
فعن
المقداد - رضي الله عنه - في حديثه الطويل قال: (كنا نرفع للنبي صلى الله عليه
وسلم نصيبه من اللبن يجيء من الليل فيسلم تسليما لا يوقظ نائما ويسمع اليقظان)
رواه مسلم.
وكثيرا
ما يحدث أن يصدم أحدهم سيارة واقفة خالية من صاحبها فيوسوس له الشيطان أن يتابع
سيره قبل أن يتعرف عليه أحد! ولا أدرى كيف يكون موقفه وشعوره إن لحق به أحد؟ ويكون
جميلا لو أنك انتظرت قليلا فإن لم تتعرف على صاحب السيارة التي أصيبت بالتلفيات،
فعليك أن تكتب له رسالة برقم تليفونك وعنوانك ليتصل بك حتى تسوي معه هذا الذي حدث،
واعتقد أنك حين تفعل ذلك يكون رد الفعل المصالحة والتسامح وذلك أفضل.
ومن واجب صاحب السيارة أن يقف إذا لاحظ أن بعض المارة ينتظرون عبور
الشارع ولو لم يكن عند نقطة العبور الرسمية، فإن الوقوف للمارة حتى يعبروا الطريق
هو بمثابة شكر لله تعالى أن أنعم عليك بسيارة تركبها وغيرك يمشى، وإذا كان عندك
فضل متسع في السيارة ووجدت من يحتاج إلى ذلك وعاونته فإن ذلك مما يؤلف بين القلوب.
الخطابات والصحف
والمجلات
1-
كتابة الخطاب بالحبر الأحمر أو القلم الرصاص
يفقد الخطاب احترامه.
2-
أن يكون للخطاب هوامش منظمة يزيده قيمة.
3-
الخطاب الذي تكون حوافه مشرشرة غير مستقيمة
يرمز إلى شخصية المرسل.
4- إذا أرسلت خطابا باليد مع رسول ثقة فسلمه
الخطاب مفتوحا كدليل على ثقتك فيه، وعليه أن يقوم بإغلاقه أمامك زيادة في الثقة.
أما إذا كان مسافرا إلى خارج البلاد فاطلب منه أن يقرأ الخطاب كي يطمئن على ما فيه
!
5-
وصول الخطاب إلى صاحبه دون أن يتكسر له
بهجة.
6-
لا يجوز أن تطلع على رسائل الغير ولو بنظرة
جانبية.
7-
أن ترد على الخطاب في وقته أروح لك وتقدير
واحترام لصاحبه.
8-
أن ترد على الرسالة بأحسن منها هو تعبير عن
شخصيتك فالرسالة شهادة لك أو عليك.
9-
لا تكتب الرسالة وأنت غاضب فقد خرجت من
سلطانك إلى سلطان الغضب.
10-
إذا استعرت جريدة فالرجاء أن تردها لصاحبها
مرقمة الصفحات وعلى صورتها الطبيعية.
11-
إذا استعرت كتابا فالمأمول أن ترده نظيفا
كما كان.
مع
الجرائد والمجلات والكتب :
يزورك
أحد الإخوة وقبل أن يأخذ مكانه ويجلس على الكرسي تراه يسرع فيلتقط الصحيفة أو
المجلة الملقاة على المنضدة ويستغرق في القراءة فيها وكأنه قد جاء ليطالع الصحف..
وقد أكون أستمع إلى أحدهم وهو يحدثني في مشكلة تستوجب الإنصات والمشاركة فتراني
أشعر بالألم تجاه هذا الذي يعيش في واد ولا يشاركنا مشاعرنا.
وقد يزورك أخ في الله ويلاحظ أنك تحظى بمكتبة خاصة فتراه يقوم يطالع
عناوين الكتب، ثم يسحب بعضا منها ويضعها أمامه ثم يلتفت إليك مستأذنا في
استعارتها، فأقول له: خذ كتابا واحدا حتى إذا أنهيته تعال وخذ غيره. فيقول: إن
وقته لا يتسع لذلك، فأقول في نفسي: وهل وقتي أنا يتسع لموالاة البحث عنه ومطالبته
بإعادة الكتب؟ فأعتذر لأن الاعتذار ربما يكون أبقى لمودة القلوب.
من هنا وهناك
المغادرة:
اعتاد
بعض الإخوة المغادرون من قطر إلى آخر في زيارة أن يحملوا معهم في الذهاب والإياب
بعض طلبات وهدايا لزملائهم من أهليهم هنا وهناك، وحين يعلم الأصدقاء بموعد سفره
تنهال عليه الأمانات من نقود وخطابات ومشالات متنوعة، وفضلا عن الإرهاق الذي يصيبه
فإنه قد يتورط في أن يدفع من ماله قيمة فرق الوزن وكذلك قيمة ما قد يكون من جمارك،
وما أن يصل إلى داره حتى يبدأ في السفر إلى عدة أماكن كي يسلم ما معه من أمانات
ومشالات. وكثيرا ما يتأخر الفرد في تسليم ما معه من أمانات إلى ذويها وما ذاك إلا
كي يستريح ويأنس بأهله بعد هذا الغياب الطويل، ومع ذلك فغالبا ما يناله الكثير من
عتاب إخوانه على هذا التأخير.
من
أجل هذا الحرج فكر كثير من المسافرين في عدم الإعلان عن موعد المغادرة وموعد
العودة حتى لا تنهال عليهم أمثال هذه المعوقات والغرامات، ولو علم كل شخص أنه ليس
وحده الذي يكلف أخاه بمثل ذلك لهان الأمر وصدق الله { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها
} [البقرة: 286]، والمثل العامي المشهور (خفف تشيل).
حقائب
رغم المصائب:
تعرضت
زوجته لحادث أليم فقدت فيه حياتها، بينما نجا زوجها بقدر الله تعالى. كان هذا
الحادث في بلد عربي، وتم تجهيز الجثمان لينقل بالطائرة إلى مصر ليدفن في إحدى
مدنها.
وفى
هذا الجو المشحون بالحزن والكآبة الملفوف بالصمت، الممزوج بالدموع، يستعد زوج
الفقيدة لمصاحبة الجثمان إلى القاهرة فهناك ينتظره أفراد العائلتين المنكوبتين.
وحين
ذهب ليحضر حقيبته من منزله.. إذا بعض من الأصدقاء قد أحضروا معهم بعض الحقائب
والخطابات ويطلبون من الزوج المحزون الباكي أن يتكرم بتوصيلها إلى أهليهم الموزعين
في عدة مدن!!
كيف
يكون شعور هذا الزوج المسكين تجاه هؤلاء القوم الذين فقدوا مشاعر المواساة من
أعماقهم واستأثرت بهم الأنانية إلى درجة الجفاف من مشاعر الإنسانية والواجبات
الشرعية؟ ألم يسمعوا أو يعوا (أنه حين علم رسول الله صلى الله عليه وسلم باستشهاد
جعفر بن أبى طالب في معركة مؤتة.. ذهب إلى بيت جعفر وهو يقول لأصحابه:
"
اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد شغلهم اليوم شاغل ".. إن الواجب أن نعفى أهل الميت
من أية شغل يزيد من أحزانهم فكيف بنا نكلفهم بأعباء ولو كانت تافهة.
هل
هذا هو العزاء.. هل هذه هي المواساة؟!
في
العزاء:
توفى
إلى رحمة الله تعالى أحد الزملاء.. وذهبنا إلى سرادق العزاء ننتظر لحين تشييع
الجثمان، ودخل أحد المعزين فوجد له صديقا قديما فأخذه بالأحضان وجلس إلى جواره
يروى له تاريخه بصوت مرتفع لفت إليه الأنظار والأسماع، بينما كان الجميع يجلسون فى
صمت وخشوع، ولم يراعوا شعور الوافدين فضلا عن مشاعر وظروف أهل الميت.
وبعد
فترة خرج الناس يحملون على أكتافهم جثمان الفقيد المسجاة في نعشها، والصديقان على
حالهم من دون الناس، فلم تأخذهم العبرة من هذا المشهد الموحى بالصمت والرهبة
والخشوع والدعاء.
وحقا
( ليست الثكلى كالنائحة) وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال:
"إن الله يحب الصمت في ثلاث: عند الزحف وعند قراءة القرآن وتشييع الجنازة
".
وكم
رأيت أناسا يأتون للعزاء فيستقبلون بالأحضان والقبلات والموقف لا يحتمل هذه الصورة
التي كثيرا ما تكون في الأفراح وليست في الأتراح.
أسرار
المهنة:
حين
كنت صاحب شركة لصناعة الألبان (جبنة بأنواع مختلفة) جاءني زميل صاحب شركة ألبان في
زيارة فرحبت به أحسن ترحيب، ثم بدأ يسألني عن كيفية صناعة (سائل المنفحة) وهو سائل
أساسي في صناعة الجبن، وكنت أقوم بتصنيعها في الشركة وتخزينها، وتصنع من منافح
العجول الصغيرة بعد ذبحها وتضاف إليه المادة الحافظة، ومهمة هذا السائل هو تجميد
الألبان في درجة حرارة معينة.
وبعد
أن شرحت له العملية.. سألني عن قيمة تكلفة كمية 100 كيلو من المنفحة، فذكرت له ذلك
بصدق. ثم طلب أن يشترى منى خمس عبوات كبيرة بما يعادل مائة كيلو منفحة.
وفى
الحال شعرت بتجهم وامتعاض، فلو أنه طلب مني هذا الطلب قبل هذه الأسئلة لكان الطلب
مقبولا، أما بعد أن عرف طريقة الصناعة وسعر الإنتاج فإن الموقف فيه كثير من الحرج
وقلت له بأسف: إن البضاعة الموجودة عندي لا تكفى استهلاك المعمل وحاول بإلحاح
ولكني رفضت بإصرار!!
ذلك
لأن أسلوبه مخالف للأصول التجارية، فلو أن كل مشتر طلب أن يعرف سعر التكلفة قبل
الشراء ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " البيعان بالخيار ما لم
يتفرقا " فكان أسلوب زائري الكريم غير معهود ولا مألوف، لهذا اعتذرت وتعلمت
أن أحتفظ بأسرار عملي إلا لمن أعتقد أنه على مستوى لائق وكريم.
مثلا
هذا كصديق يزورك ويتردد عليك كثيرا في عملك التجاري أو الصناعي، وبحكم هذه الصداقة
يطلع على شئون العمل كما يتعرف على مصادر التمويل والتموين وكذا يتعرف على
العملاء.
وبعد
مدة من الوقت كافية لاستيعاب المراحل تفاجأ بأنه قد افتتح محلا تجاريا من نفس
الصنف - أو مصنعا مشابها كما اتصل بنفس مصادر التموين والعملاء!!
قد
تقول: إن كثيرا من العمال والموظفين الذين يعملون في المصانع والشركات حين يتوفر
لأحدهم رأس مال يمكنهم من الاستقلالية يعملون مثل ذلك فما هو الفرق؟
إن
ما يحدث من مثل هؤلاء أمر معهود ومألوف وإن كان فيها بعض الحرج فالعلاقة بينهم
وبين أصحاب الأعمال علاقة مادية صرفة.
أما
في الأمر الأول فإن الذي حدث من الصديق المأمون هو خروج عن روح الألفة والصداقة
إلى عكس ذلك. فإن الأصل في الصديق هو للعون والإغاثة فإذا انقلب إلى مثل ذلك فإنها
(....)
قصة
في صالون الحلاقة:
من
المتعارف عليه أن الدور يكون لمن سبق في دخول صالون الحلاقة، وهذا متعارف عليه في
أكثر بلاد العالم، وفيما كنت في طريقي إلى صالون الحلاقة وعند اقترابي منه وجدت
شابا جاء خلفي يريد أن يسبقني إلى الصالون حتى تحتسب له الأسبقية، ولم أشأ أن أسرع
الخطى مثله.. فسبقني، ولكنني شعرت نحوه بشيء من الغضب، اعتبرته إنسانا أنانيا يفضل
نفسه على الآخرين. وأن من حسن الخلق أن يحدث غير هذا حيث كنت أسبقه فضلا عن أنني
أكبر منه سنا.
ولقد
قرأت في هذا المعنى حديثا أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (دخل رجل إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وهو في المسجد قاعد فتزحزح له رسول الله صلى الله عليه وسلم !
فقال الرجل: يا رسول الله، إن في المكان سعة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن
للمسلم لحقا إذا رأى أخا أن يتزحزح له)..
ومثل
هذه الصورة التي قدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين لهى مما يرطب النفوس
ويؤلف بين القلوب ويشيع الحب.
موقف
مع طبيب:
أحيانا
يزورني بعض الأخوة من الأطباء في وجود عدد من الزوار، وقد لا يعرف بعضهم بعضا.
وحال التعارف سرعان ما يدور الحديث عن الطب، وسرعان ما يتذكر بعضهم ما أصابه من
مرض. وتوجه الأسئلة المباشرة إلى الطبيب، الذي جاء في زيارة يتخفف بها من عمله
اليومي، وكثيرا ما يجد الطبيب نفسه في حرج فيوصى بالعلاج أو يكتب تذكرة دواء
(روشتة) وأجد نفسي في موقف شديد الحرج فأسكت على مضض. وذات يوم زارني طبيب كبير
وتكرر الموقف ولكن الطبيب رد على السائل وقال له: (إن إمكانية الكشف الطبي على أي
مريض لا توجد إلا في العيادة التي تتوفر فيها أدوات الكشفي) وبهذا وضع نهاية لهذه
الصورة التي تتكرر دون فقه أو تقدير.
رؤيا
منامية:
اتصل
بي أحد المعارف تليفونيا وقال إنه قد رأى لي رؤيا منامية ويريد أن يحدثني عنها.
فقلت له: أنا في انتظارك. وبعد فترة استقبلته في منزلي. ثم بدأ يقص علي رؤياه
فقال: أنه قد رأى في نومه أن جماعة من الناس يسيرون في الشارع قبيل الفجر وهم
يهللون لا إله إلا الله محمد رسول الله ويكررونها باستمرار فقام من نومه وفتح
النافذة وسأل عن سر هذا التجمع فقالوا له: (البقية في حياتكم الحاج عباس السيسي
توفى إلى رحمة الله) ونظر إلى يستوحى وقع هذه الرؤيا على أعصابي. ونظرت إليه في
دهشة وقلت له: إن الشائع عند عامة الناس أن الموت في الرؤيا المنامية يبشر بطول
العمر.. وشكرته وانصرف!!
رحلة
الحج إلى بيت الله الحرام:
فيما
مضى من الزمان كان حجاج بيت الله الحرام يعودون إلى بلادهم ومعهم هدايا قليلة
وخفيفة مثل "طواقي للرأس" "كوفيات" "حناء"
"دبل من الفضة" "ماء زمزم" "بلح تمر على شكل مسبحة"
أما في هذه السنين فقد تطورت الهدايا وتنوعت بصورة مذهلة فقد كادت تختفي الهدايا
السابقة وتصدرت الغسالات الكهربائية والثلاجات بكل أنواعها وماكينات خياطة
الملابسة والسجاد والبسط وغير ذلك.. والنساء أكثر خلق الله استجلابا واستحواذا.
ويتعرض الرجال والشباب لحمل هذه الهدايا ونقلها من السيارات دون النساء ويتحملون
المتاعب والمشاق. وفى صالة الفندق الذي كنت أنزل به طلبت منى سيدة أن أساعدها في
حمل حقيبة خاصة بها إلى الدور العلوي، وحملت الحقيبة ولم أكد أتحرك بها عدة خطوات
حتى عجزت عن حملها فتركتها واعتذرت لها حيث كان بها أحمال ثقال، وعدت إلى حجرتي
حيث أصبت بالذبحة الصدرية ونقلت إلى مستشفى الملك بالمدينة المنورة وأدخلت قسم
الإنعاش، وحرمت من أداء فريضة الحج وعدت إلى بلدي، وهكذا يحاول بعض الناس استغلال
غيره دون مراعاة للظروف والشعور.
إسقاط
الكلفة والتكليف:
بعض
الإخوة يعتبرون أن الأخوة في الله تعالى تبيح لهم أن يسقطوا في تعاملهـم مع
إخوانهم الكبار ما يسمى " بالكلفة " (فالبساط أحمدي).. فمثلا حيث يدعى
أحد الدعاة من العلماء الفضلاء من علماء الأزهر الشريف أو أساتذة الجامعات ليلقى
محاضرة، فأنت تسمع الأخ الذي يقدمه على المنصة وهو يقول أقدم لكم (الأخ فلان) دون
أن يسبق ذلك أو يشفعه بالألقاب العلمية التي حصل عليها والتي بوأته هذا المقام،
وهو حيث يقدمه بها لا ينسبها إليه من باب المجاملة فهي حق من حقوقه فضلا عن أنه
حين يذكرها فإنها تعطى لجمهور المستمعين فكرة عن المحاضر ودرجاته العلمية. وقد
أمرنا أن نكرم العلم والعلماء وأن ننزل الناس منازلهم. والعجيب أن غيرنا في مثل
هذه المواقف يضفون على خطبائهم ومحاضريهم بعض الصفات والألقاب التي لا يستحقونها
ليجذبوا بها المستمع.. أما نحن فنجردهم من حقوقهم إمعانا في التجرد والبعد عن حب
الظهور بينما يجب أن نعطى كل ذي حق حقه ونكرم الدعوة والداعية.
وبعض
الإخوة الدعاة يدعون لإلقاء محاضرة في اجتماع عام سواء في مسجد أو غيره ويحدد له
وقت محدد لإفساح المجال لغيره من الخطباء ويلاحظ أنه لا يتقيد بذلك ويستطرد في
الحديث دون مراعاة للوقت، ولا يتوقف حتى تأتيه على المنصة ورقة تعلمه بانتهاء
الوقت المحدد. وأعتقد أن المحاضر الذي تفاجئه هذه الورقة لا يختم حديثه بصورة
تريحه نفسيا. وبعض الخطباء حين يشعر بأنه قد أطال الحديث يقول في سياق حديثه
للمستمعين: " أنا لا أريد أن أطيل عليكم " ومع هذا فإنه يستمر وقد
يكررها مرة ومرات حتى يرى بنفسه أن جمهور المستمعين بدأ يتسرب ثم يضطر لإنهاء
كلمته في موقف غير مريح.
وفى
إحدى محاضرات حديث الثلاثاء كان المحاضر عالما جليلا من علماء الأزهر الشريف، وبعد
أن أنهى محاضرته في وقتها أسرع إليه أحد الشباب وانفرد بفضيلته في حديث خاص في
مكان قصي، واضطر الشيخ أن يستمع إليه والشاب يطيل الحديث، الذي حجبه عن باقي
الشباب الذين يريدون أن يرحبوا به بصفته ضيفا. فذهبت إليهما وقلت لهذا الشاب: يا
أخي دع الشيخ ليتعرف على إخوانه وأحبابه فليس الوقت مناسبا لمثل هذه الحكايات،
فقال فضيلة الشيخ وهو يخاطبني مبتسما: يا حاج عباس دا مش مخضرم زيك!
تصرفات
في المساجد:
يحدث
في المساجد القريبة من محطات السكك الحديدية أن يتوجه أحدهم وهو على موعد مع
القطار ليؤدى صلاة المغرب أو العشاء. فيصادفه إمام يقرأ بطوال السور القرآنية
ويركع ويسجد فى تأن شديد. مما يجعل هذا المأموم فى قلق شديد خوفا من أن يفوته
القطار ولا أظن أن مثل هذا كان يعيش حقيقة مع التلاوة، حتى إذا سلم الإمام انطلق
كالريح. وأحيانا يخرج بعض المأمومين من الصلاة حين يأتي وقت القطار.
وقد
حدث أن سافرنا إلى مدينة بعيدة لحضور عقد زواج أحد إخواننا. وحانت صلاة المغرب
فقدمنا أحدنا إماما للصلاة وذكرناه بأننا سوف نصلى المغرب والعشاء جمع تقديم. وبعد
أن أدينا صلاة المغرب أقمنا لصلاة العشاء، واستمر أخونا يسترسل في التلاوة وقد نسي
أننا على موعد مع القطار الأخير حتى غادر القطار المحطة! وتخلف عدد من الإخوة
وأجهدنا العريس وأهله في استضافتنا وعمل ترتيبات إضافية لم تكن في الحسبان وتأخر
بعضنا في الصباح عن عمله الذي لم يستطع أن ينضبط مع موعده.
ويحدث
أنه بعد الأذان وقبل إقامة الصلاة بلحظات يدخل أحدهم ويقف في الصفوف الأولى يؤدي
ركعتي السنة أو تحية المسجد فيتسبب في تأخير الصلاة.. ويحدث أن يدخل المسجد بعض
الشباب المتحابين ويجلسون متجاورين فيأتي من يفرق بينهم في الوقت الذي يكون في
المسجد متسع للكثير والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يحل لرجل أن يفرق
بين اثنين إلا بإذنهما "[1][1] فضلا عن تخطى بعض المصلين الرقاب الذي نهينا
عنه.
وتعجب
أن ترى بعض الشباب يسندون ظهورهم إلى أعمدة المسجد فيعطل خروج المصلين.
وفى
المحاضرات ترى بعض الشباب يسندون ظهورهم إلى أعمدة المسجد بينما يكون بعض الشيوخ
من كبار السن يجلسون إلى جوارهم بدون مسند، فلا يخطر ببال هذا الشاب أن يتزحزح عن
مكانه إيثارا لهذا الشيخ المسن واحتراما لشيخوخته. وبعض الشباب يحب أن يستأثر
بالإمامة في الصلاة دون أن يستعرض من المصلين من يكون أولى منه بالإمامة. فإن
تقديم الأعلم والأكبر أدعى للتقدير والاحترام.
هو
الذي يعمل معي:
زارني
أستاذ في إحدى الجامعات بدولة عربية، وفيما نحن نتحدث جاء ذكر أحد الأساتذة الذين
يعملون في نفس الجامعة. فقلت للأستاذ حضرتك تعمل معه؟ فقال: لا هو يعمل معي!
فاستدركت وقلت له: آسف لأني لا أعرف كنه وظيفتك ولا مكانتك العلمية فقال: أنا
أستاذه!!
كنت
في رحلة مع مجموعة من الشباب، وتعرفت بأحدهم وبعد فترة من الحديث بيننا سأله أحد
الإخوة فقال له: كيف وجدت عمك الحاج عباس؟ فقال الشاب بأدب: هو الذي وجدني فسله هو
عنى ولا تسألني أنا عنه !
قد
لا ينتبه بعض الإخوة حين يتحدثون عن غيرهم إلى ملاحظة الفوارق الاجتماعية فيمن
يتحدثون عنهم، فأنت تسمع الطالب حين يأتي ذكر أحد الأساتذة الذين يدرسون له أو
كانوا يدرسون له، فتراه يقول إن هذا الأستاذ كان معي في الكلية! والواجب أن يقول:
أنا كنت تلميذه أو معه أو عنده في الكلية، ونستعين بهذه الكلمات في فهم أسلوب
المخاطبة حين سئل العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أأنت أكبر أم رسول
الله؟ قال رضي الله عنه: (هو أكبر منى وأنا ولدت قبله).
فقه
الهدف:
قال
لي الأستاذ محمد حامد أبو النصر المرشد العام لإخوان المسلمون: إنه وجه الدعوة إلى
فضيلة المرشد الشهيد حسن البنا لزيارة مدينة منفلوط وقد لبى الدعوة وأقيم بمناسبة
حضوره حفل دعي له جمع كبير من الناس. وكان من الذين شاركوا في الحفل شاعر ألقى
قصيدة في المناسبة وقد لاحظ الشهيد حسن البنا من أحد الجالسين بجواره أنه يتابع
النطق بأبيات القصيدة كأنه يحفظها فسأله: هل أطلعك الأستاذ الشاعر على قصيدته؟
قال: إن هذه القصيدة من تأليف جد السيد محمد حامد أبو النصر ولكن الشاعر نسبها
لنفسه وبودي أن أراجعه في ذلك! فقال له المرشد الشهيد: هل تريد أن تبهت الرجل
وتحدث بينك وبينه فجوة؟ إن الشاعر يريد أن يكرمنا فهل يستحق منا أن نؤذى شعوره؟
لأن يبقى صديقا لنا خير من أن يعادينا. إن الإنسان ينسى الحسنة ولا ينسى السيئة!!
وقال
لي الأستاذ محمد حامد أبو النصر: إنه قد حضر حفل عقد قران ابن أحد كبار علماء
الأزهر وهو كبير عائلة شريت من ريفا بمحافظة أسيوط ودعي إلى هذا الحفل فضيلة
الإمام شيخ الأزهر الشريف، والشهيد حسن البنا. وقد حضرا.. وحين بدأ عقد القران
تقدم عدد من أبناء العائلة إلى فضيلة المرشد حسن البنا ليتولى عقد القران. ولكنه
اعتذر عن ذلك بإصرار وقام بنفسه وقدم الإمام الأكبر ليتولى صيغة العقد وبذلك أرضى
الجميع بهذه اللفتة الكريمة المؤدبة من أخلاق حسن البنا في تربية أبناء هذا الجيل
الذي يجب أن يخرج حظ نفسه من نفسه.
حفلات
الزواج في المساجد:
كثرت
في هذه الأيام إقامة حفلات الزواج في المساجد نتيجة الصحوة الإسلامية المعاصرة وفى
جو هذه الحفلات بدت بعض المشاهد غير ملائمة لجلال المسجد، مثل إقامة الزينات داخل
المسجد ورفع الأصوات وإحداث هرج ومرج من وجود الأطفال وبعض السيدات غير الملتزمات
وكان يكفى زيادة الإضاءة في الداخل والخارج لإضفاء روح البهجة والسرور. ومن
المستحب افتتاح الحفل بآيات من قصار السور، ثم يتم كتابة صيغة عقد القران وتهنئة
العريس[1][2] وأهل العروسين والذين
يتقدمون أمام الميكرفون للتهنئة ينبغي أن تكون كلماتهم قصيرة ليفسحوا المجال
لغيرهم وأن تكون كلماتهم منتقاة تناسب المقام. فبعض المحدثين يريد أن يتلطف فيقول
إن الشريعة الإسلامية أباحت للزوج أن يتزوج مثنى وثلاث ورباع وهذا يمس شعور الزوجة
وأهلها.. وليحذر المتحدثون من الاسترسال فليس المجال مجال حديث أو محاضرة إنه مجال
تهنئة. ويتخلل هذه الكلمات بعض الأناشيد الإسلامية التي ينشدها الأطفال في زيهم
الجميل وأصواتهم الرخيمة وبعد ذلك يحيط الإخوة بالعريس في زفة إسلامية حتى يركب
السيارة مع المحافظة على عدم تعطيل مرور السيارات.
التزلف:
ذهبت
إلى أحد المستشفيات التي أعرف صاحبها وهناك قابلني شاب موظف بالمستشفى لا أعرفه مر
قبل، وقال لي: إنه يعرفني ولاحقني بالتدخل حين حديثي مع صاحب المستشفى موحيا إليه
أنه صديقي الوفي واستفاد من هذا الموقف في قضاء بعض مصالح خاصة له. وفى زيارة أخرى
أخبرني أنه قدم أحد أصدقائه ليعمل موظفا بالمستشفى بتزكية منى وطلب منى إذا سئلت
عن ذلك أن أؤيد هذه التزكية وتوالت على المسئولين في المستشفى هذه الأساليب حتى
صدر قرار بالاستغناء عن خدماته!!
موقف
في المواصلات :
تعبت
من زحمة الركاب في وسائل المواصلات العامة، ففكرت في أن أركب الأتوبيس من أول محطة
القيام حتى يتوفر لي مكان للجلوس. وجلست على مقعد مستريحا مطمئنا وبعد فترة امتلأ
(الأتوبيس) بالركاب الواقفين ووقفت إلى جواري سيدة تحمل طفلا تميل مع حركة
الأتوبيس يمينا ويسارا، ووجدت نفسي في ضيق وحرج، هل أتمادى في الجلوس وأتجاهل
الدوافع النفسية التي تستنهضني للوقوف. ودعوتها للجلوس مكاني مع أنى في عمر
والدها. ولكن هذا لا يشفع لي لأني ملتح ومثلنا لابد أن يتحمل الكثير طالما كان
ملتزما، وأخيرا قمت ودعوتها للجلوس وتحملت التلاطم وقدماي لا تقوى على الوقوف وهذه
ضريبة يدفعها الملتحي الذي يريد أن يظهر الإسلام بصورته المثلى.
فرح
ومأتم :
دعيت
لحضور حفل زفاف أحد الإخوة وكان ذلك في أحد المساجد، كما حضر عدد كبير من المدعوين
الذين وفدوا من أنحاء المدينة واستمتع الجميع بالجو الإسلامي المبهج من كلمات
وأناشيد ومُلح وتحيات من أطعمة ومشروبات ودعوات للعروسين وأسرتيهما أن يجمع الله
بينهما في خير وعلى خير، وكان الحفل بهيجا بما تخلله من أشواق وأحاديث بين
الحاضرين الذين قلما تجمعهم مثل هذه المناسبات السعيدة المفرحة.
وحال
ختام هذا الحفل المبارك وقبل أن يخرج الجميع لتوديع العريس محفوفا بقلوب ومشاعر
إخوانه، انطلق المذياع من داخل المسجد يدعو الناس إلى حضور جنازة المتوفى إلى رحمة
الله تعالى (...) غدا الساعة 10 صباحا من منزله وإنا لله وإنا إليه راجعون!!
لقد
قوبل هذا النبأ في وقت مناسبة عقد القران بدهشة واستنكار!! فقد كان من الواجب على
الأقل تأخير هذا الإعلان حتى يتم انصراف هذا الجمع وإن كان المقصود أصلا هو
إبلاغهم؟!
وما زلت أذكر ذات يوم أعلن عن عقد قران أحد الإخوة في منزله وأقيم
لذلك حفل ونصبت الزينات وقبل أن يتوافد المدعوون توفى إلى رحمة الله تعالى رجل من
أعيان البلد يسكن قريبا من منزل صاحب الحفل، وبعد أن انتهى الحفل وانصرف المدعون
ورفعت الزينات أعلن أهل الميت نبأ وفاة عميدهم رحمه الله.
خاتمة
هذا الكتاب قصدت به أن أضع صورا لنماذج
مختلفة من التصرفات كي أدق بها على قلوب الإخوة ووجدانهم حتى تفيق، ثم تفيض على
المجتمع من نبع الأرواح الزكية ما يبهر الناس بحضارة الإسلام الرفيعة التي طوتها
تقاليد جافة جامدة، وأسرها الانبهار بمظاهر الغرب والشرق التي تقوم على المادة
والأنانية التي تجاهلت أثر الروح في مسيرة الحياة.
وسلوك
الروح في حياة المسلم تضبطه وتوجهه قواعد أخلاقية سامية تستمد هديها من وهج الروح
ونور الإيمان.
فسلوك
الروح في كل مجالات الحياة زينة المرء المسلم وهو مصدر الإشعاع المترامي الذي
تستجيب لهواتفه القلوب فتربط الناس بانسجام راق متدفق بالحيوية والصدق والإخلاص،
وتتفاعل به النفوس البشرية من أعماق الشعور الفطري النقي. الذي حجبته عن الظهور انتكاسة
في الأخلاق وجحود وصدأ ران على القلوب فانطفأ النور أو كاد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق