تأليف
سلمان بن فهد العودة
المشرف العام على شبكة الإسلام اليوم
مقدمة
إن الحمد لله، نحمده
ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمـالنا، من
يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه
بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ
وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ
بِمَا تَعْمَلُونَ)
[الحشر:18].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا
رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ
وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ
وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ
ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70،
71].
أمَّا بعد:
فأصل هذه الرسالة
كلمة كنتُ ألقيتها قبل نحو عشر سنين، ثم رأى بعض إخواني تلخيصها مكتوبة لتسهيل
قرائتها وتعميم النفع بها.
إن عنوان هذه الرسالة:
"حي على الجهاد"، كافٍ بمفرده لأن
يجعل قارئه يتساءل: هل نحن مستعدون لتلبية هذا النداء ؟
من قال حيَّ على
الجهـاد
تُجبـْهُ صيحات الدماء
لو
كنتُ أشــلاءً ممـ
ـزقة بأنحـاء
الفضاء
لم
آل جهدًا في كفــاح
مناصـب الدين
العداء
وإذا كان المسلم
مستعدًّا لتلبية هذا النداء، فلابد أن نطبق معه ميزان يوشع بن نون - عليه السلام -،
فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -
رضي الله عنه - أن النبي -
صلى الله عليه وسلم - قال: "غزا نبي من الأنبياء([1])،
فقال لقومه: لا يتبعني رجل قد ملك بُضْع([2])
امرأة وهو يريد أن يبني بها ولمَّا يبنِ -يعني رجل عقد على امرأة ولما يتزوجها بعد-، ولا آخر قد بنى بنيانًا ولـمَّا
يرفع سقفها، ولا آخر قد اشترى غنمًا أو خَلِفَات([3])
وهو منتظر ولادها، - فانفض عنه جمع غفير من هؤلاء، ثم مضى بمن بقي من الجيش-،
قال - صلى الله عليه وسلم -: فغزا، فأدنى للقرية -أي اقترب منها- حين
صلاة العصر أو قريبًا من ذلك، فقال للشمس: أنت مأمورة، وأنا مأمور، اللهم احبسها
عليَّ شيئًا([4])،
فحُبست عليه حتى فتح الله عليه، قال: فجمعوا ما غنموا، فأقبلت النار لتأكله
فأبت أن تطعمه([5])،
فقال: فيكم غُلول([6])،
فليبايعني من كل قبيلة رجل، فبايعوه، فلصقت يد رجل بيده، فقال: فيكم الغلول،
فلتبايعني قبيلتك، فبايعَتْهُ، قال: فلصقت بيد رجلين أو ثلاثة([7])،
فقال: فيكم الغلول، أنتم غللتم، قال: فأخرجوا له مثل رأس بقرة من ذهب،
فوضعوه في المال وهو بالصعيد، فأقبلت النار فأكلته، فلم تحل الغنائم لأحد من
قبلنا؛ ذلك بأن الله تبارك وتعالى رأى ضعفنا وعجزنا فطيَّبها لنا"([8]).
والشاهد من هذه القصة أن الذي يستجيب
لنداء "حيَّ على الجهاد" سيحتاج إلى أن يجعل الدنيا تحت قدميه، لا مانع
أن يستخدمها لكن لا يكون عبدًا خادمًا لها، وفرق بين من يخدمها وبين من يستخدمها.
وهذا الموضوع العظيم -الجهاد-، سوف
نتناوله من خلال المباحث التالية:
المبحث الأول: الجهاد في اللغة والشرع.
المبحث الثاني: شبهات حول الجهاد.
المبحث الثالث: أقسام الجهاد وصوره.
المبحث الرابع: واقع الأمة إزاء قضية الجهاد.
سلمان بن فهد العودة
المبحث الأول
الجهاد في اللغة والشرع
المعنى اللغوي للجهاد ومدلوله:
كلمة
"الجهاد" لها مدلول عميق، وهي من الشعائر العظيمة التي جاء بها دين
الإسلام، ولو رجعنا إلى المعنى والمدلول اللغوي لكلمة "جهاد"، لوجدنا
أنها مشتقة أصلاً من كلمة: "جَهد"، وهي تدل على بذل الجهد، واستفراغ
الوسع والطاقة في أمر من الأمور، فأنت تقول: فلان أجهدَ فلانًا، يعني: أتعبه،
وفلان اجتهد في كذا، يعني: بذل جهده وغايته([9]).
فإذا
أضفنا إلى أصل معنىكلمة "جهد" لفظ "الجهاد" أو "المجاهدة"
الذي يدل على مفاعلة بين طرفين، يعني : هناك من يبذل جهده ضدك، وأنت تبذل جهدك ضده،
مثل المقاتلة، ففرق بين أن تقول: فلان قتل فلانًا، وبين أن تقول: فلان قاتل فلانًا،
فالأولى يمكن أن يكون معناها أنه وجده نائمًا فقتله، لكن قوله: قاتله معناه أن هذا
كان معه سيف -مثلاً-، والآخر معه سيف كذلك، فتلاقيا، ومازال كل واحد منهما يكرُّ
ويفرُّ، ويميل يمنة ويسرة على الآخر، حتى أمكن منه فقاتله ثم قتله.
إذن
"جاهد" تدل على أن هناك طرفًا آخر يقاتل المسلمين، ويؤذيهم ويحاربهم
ويكيد لهم، والمسلمون مطالبون بأن يواجهوا هذا بالجهاد والمجاهدة، مثل قول الله - عز وجل -:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اصْبِرُوا وَصَابِرُوا) [آل عمران:200]،
فقوله: (اصْبِرُوا) يقتضي أن الإنسان يصبر على ما يناله وما يصيبه، لكن قوله: (وصابِرُوا)
معناه أنه لا يكفي الصبر؛ بل لابد من المصابرة،
بمعنى أنكم ستلقون أعداء يصبرون كما تصبرون، فصابروا صبرًا فوق صبرهم.
ولذلك
كان من حكمة الله أنه جعل اسم هذا الأمر الذي شرعه لنا من قتال الأعداء وغيره: "جهادًا"؛
حتى تكون الكلمة -بحد ذاتها- معبرة، إذ مجرد هذه
الكلمة ذات دلالات عميقة، كما سيتضح من خلال السُّطور التالية.
ومن أعظم الدلالات
التي يدل عليها هذا الاسم الكريم المبارك لهذه
الشعيرة العظيمة: قضية ثبات الجهاد ودوامه واستمراره، وهذه قضية تُعدّ من أعظم
وأخطر القضايا التي نحتاج أن نبرزها في هذا
العصر.
استمرارية الجهاد
شرعًا وواقعًا في ضوء الأحاديث النبوية:
وكما
أخذنا هذه القضية من مدلول كلمة "جهاد"،
نأخذها كذلك من النصوص النبوية الصريحة التي تدل على ثبات الجهاد وبقائه إلى يوم
القيامة.
فهناك
نصوص وأحاديث متواترة وردت في شأن الطائفة المنصورة، فقد ورد عن أكثر من عشرين
صحابيًّا أن النبي - صلى الله عليه
وسلم - بشَّر بوجود
طائفة منصورة باقية إلى قيام الساعة، وقد ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ضمن هذه الأحاديث
عن مهمَّات الطائفة المنصورة أنهم يقاتلون أعداءهم، ظاهرين على من ناوأهم([10])؛
وفي حديث سلمة بن نفيل الكندي - رضي الله عنه - قال: "كنت جالسًا عند رسول
الله - صلى الله عليه
وسلم -، فقال رجل: يا
رسول الله، أذال الناس الخيل([11])،
ووضعوا السلاح، وقالوا: لا جهاد، قد وَضَعَت الحرب أوزارها -يعني في بعض المعارك
لما حصلت هدنة بين المسلمين والكفار-، فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوجهه وقال: كذبوا، الآن الآن جاء القتال، ولا يزال من
أمتي أمة يقاتلون على الحق، ويزيغ الله لهم قلوبَ أقوام، ويرزقهم منهم حتى تقوم
الساعة، وحتى يأتي وعد الله"([12]).
والأحاديث
الواردة في الطائفة المنصورة الباقية إلى قيام الساعة أحاديث متواترة، قطعية
الثبوت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهي تؤكد أن شعيرة الجهاد شعيرة
محكمة، باقية إلى قيام الساعة، فالجهاد مستمر شرعًا وواقعًا.
أما من ناحية
الشرع: فإن من المعلوم بالضرورة في دين الإسلام أن الجهاد شعيرة وشريعة، يعني لا
يمكن لأحد أن يقول إن الجهاد منسوخ بآيات الصبر -مثلاً-؛ بل الوارد هنا هو العكس
من ذلك؛ إذ هناك من يقول: إن آيات الصبر منسوخة بالجهاد وآيات السيف، وهناك من
يقول: ليس هناك نسخ؛ بل هذه في حين، وتلك في حين آخر، لكن لم يوجد من يقول إن
الجهاد منسوخ، ولو قال إنسان ذلك لكان كافرًا مرتدًّا خارجًا من ملة الإسلام بذلك،
فقضية الإقرار بشرعية الجهاد قضية مسلَّمة ومفروغ منها في الدين، وهي من القضايا
المعلومة من الدين بالضرورة. هذا عن ثبوت الجهاد من ناحية الشرع.
أما من حيث الواقع:
فإن حديث الطائفة المنصورة يؤكِّد أن الجهاد باقٍ، وهذا يعني أن الجهاد ليس أمرًا
وقتيًّا، كان موجودًا في زمن النبي -
صلى الله عليه وسلم -، وفي زمن الخلفاء
الراشدين، ثم انتهى، كلا؛ بل هو باقٍ إلى قيام الساعة.
ومن الأدلة على بقاء الجهاد واستمراره: ما ثبت
في الصحيحين من حديث ابن عباس -
رضي الله عنهما -: أن النبي -
صلى الله عليه وسلم - قال: "لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استُنفرتم
فانفروا"([13])، فقوله عليه الصلاة والسلام: "لا
هجرة بعد الفتح" يعني من مكة إلى
المدينة، فبعد فتح مكة لم تعد الهجرة منها واجبة؛ لأن مكة صارت دار إسلام
بفتحها، فلم يعد واجبًا على أهل مكة أن يغادروها إلى المدينة؛ بل يبقوا في مكة. وقوله
- صلى الله عليه وسلم -: "ولكن جهاد ونية"، فإن ما بعد "لكن"
مغاير لما قبلها في الحكم، فلما بيَّن -
صلى الله عليه وسلم - أنه لا هجرة بعد الفتح، بيَّن أن الأمر
الباقي قبل الفتح وبعد الفتح هو الجهاد والنية.
فدلَّ الحديث على أن الجهاد باق من ناحية الشرع -كما أسلفت-،
وباق من ناحية الواقع، كما أن الهجرة نُسخ وجوبها من حيث الشرع (بين مكة
والمدينة)، ونسخ وقوعها من حيث التاريخ، فإننا نعلم أن المؤرخين إذا قالوا: فلان
من المهاجرين -كأبي بكر، وعمر، وعثمان،
وعلي، وأبي عبيدة، ونحوهم- فمعنى ذلك أنهم هاجروا قبل فتـح مكة، ولذلك قـال الله - عز وجل -:
(لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ
قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ
أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى) [الحديد:10]،
فإذا قيل: فلان مهاجري، فالمقصود أنه هاجر قبل فتح مكة، أما بعد فتح مكة فلم يعد
هناك هجرة، ومن خرج من مكة إلى المدينة لا يُسمَّى مهاجرًا حينئذ.
إذن
فقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد .." يعني لا هجرة شرعية من مكة، ولا هجرة واقعية أيضًا،
ولكن جهاد، فالجهاد باق شرعًا، وكذلك هو باقٍ من حيث الواقع، لا يمكن أن تفقده
الأمة في عصر من العصور.
ومن الأحاديث الدالة
أيضًا على بقاء الجهاد إلى قيام الساعة: ما رواه الشيخان عن ابن عمر - رضي الله
عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة"([14])،
كما روياه أيضًا عن عروة بن أبي الجعد البارقي - رضي الله عنه - أن النبي - صلى
الله عليه وسلم - قال: "الخيل معقود
في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، الأجر والمغنم"([15]).
وهذا الحديث متواتر أيضًا،
رواه أكثر من عشرين صحابيًّا عن رسول الله -
صلى الله عليه وسلم -، وأحاديث بعضهم في
الصحيحين كحديث ابن عمر وعمر بن أبي الجعد البارقي - رضي
الله عنهم -.
يقول الإمام أحمد -كما
ذكر الترمذي-: "فقه هذا الحديث أن الجهاد
ماض مع البر والفاجر إلى يوم القيامة". وبوَّب البخاري أيضًا على هذا الحديث
في صحيحه: "باب الجهاد ماض مع البر والفاجر".
فالإمام
أحمد والبخاري والترمذي والبيهقي وغيرهم من العلماء فهموا من هذا الحديث أن الجهاد
ماض إلى يوم القيامة؛ لأنه إنما كانت
الخيل كذلك للحاجة إليها في الجهاد، فمعنى هذا أن الجهاد باق إلى قيام الساعة.
فلماذا
كانت الخيل بهذه المثابة؟ لأنه معقود في نواصيها الأجر والمغنم، والمغنم إنما هو
ثمرة من ثمرات الجهاد، وكذلك الأجر إنما هو ثمرة من ثمرات الجهاد، والخيل إنما هي
آلة من آلات الجهاد، كانت فيما مضى -في عهود المسلمين الأولين- من أعظم وسائل الجهاد،
وأيضًا في الحروب المستقبلية التي تكون قبل قيام الساعة، والملاحم الكبرى التي حدَّث
عنها النبي - صلى الله عليه
وسلم -، إذ تُستخدم فيها الخيول، كما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - في قتال المسلمين مع الروم في دمشق، وفتحهم للقسطنطينية
قبل خروج الدجَّال، والملاحم الكبرى التي ورد الخبر عنها، وفيها ذكر الخيل كما قال
النبي - صلى الله عليه
وسلم - عن الفوارس الذين
يقاتلون، قال: "إني لأعرف أسماءهم، وأسماء آبائهم، وألوان خيولهم، هم خير
فوارس على وجه الأرض يومئذ، أو من خير فوارس على وجه الأرض يومئذ"([16])،
فذكر - صلى الله عليه
وسلم - الخيول، وأنه
معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة.
ولئن كان قتال الرسول
- صلى الله عليه وسلم -
والمؤمنين الأولين بالخيول، وكذا الملاحم الكبرى التي قبل قيام الساعة، فلا يلزم من
هذا أن يكون الجهاد بالخيل دوماً وأبدًا! قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ ما اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) [الأنفال:60]، فليس صحيحًا أن يواجهنا عدونا بالصاروخ والمدفعية
والدبابة وغيرها من وسائل الحرب المتقدمة، ونواجهه نحن بالسيف والخنجر والخيل! كلا؛
بل نعد له القوة التي تتناسب مع القوة التي يواجهنا ويحاربنا بها.
المبحث الثاني
شبهات حول الجهاد
إن
مجموع الأحاديث السابقة وغيرها، وأصل كلمة الجهاد، يدل على أن الجهاد باق إلى قيام
الساعة، وبذلك نستطيع أن نأخذ من هذه القضية الكثير من المعاني والدلالات، من
أهمها: أن طبيعة الكفر واحدة.
فالكفر الذي واجهه
موسى - عليه السلام - والذي كانت لهجته: (إِنِّي
أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأرْضِ الْفَسَادَ) [غافر:26]،
و(مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا
سَبِيلَ الرَّشَادِ)
[غافر:29]
و(لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ
مِنَ الْمَسْجُونِينَ)
[الشعراء:29]،
هذا الكفر هو الذي واجهه إبراهيم - عليه السلام -، عندما كان قومه يقولون: (ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ) [الصافات:97]،
وهو الكفر الذي واجهه عيسى - عليه السلام -، والذي واجهه محمد - صلى الله عليه
وسلم-.
يقول
الله سبحانه وتعالى: (وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [البقرة:254]، هذا حكم إلهي على الكافرين، ويقول - عز وجل -: (وَلا يَزَالُونَ
يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) [البقرة:217]، ويقول: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا
كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً)
[النساء:89]، ويقول:
(وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) [الممتحنة:2]، ويقول: (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) [القلم:9]،
ولو ذهبنا نسرد الآيات القرآنية التي تبين طبيعة الكفر لطال بنا المقام.
وبعضهم
يعدُّ هذه القضية بدهية، وهي كذلك، لكن المؤسف أننا أصبحنا في عصر نحتاج فيه إلى
التركيز على البدهيات حتى يفهمها الناس،
ولا يقبلوا فيها أي تراجع.
شبهات في طرح قضية
الجهاد:
وقع في يدي عدد من
الكتب التي كتبها -مع الأسف- بعض
الفقهاء والمفكرين المعاصرين، فوجدت أنهم يطرحون قضية الجهاد طرحًا ميتًا متماوتًا
مخذولاً مهزومًا، يقول لك: الأصل المسالمة مع الكفار، والأصل أننا ندعو وننشر
الإسلام بالحكمة، والموعظة الحسنة، وبالسلم وبالدعوة السلمية، وما على شاكلة هذه
التعبيرات؛ بل أصبح كثير -لا أقول من عامة الناس؛ بل من دعاة الإسلام مع الأسف في هذا العصر- يتصورون أننا في دعوتنا الناس
جميعًا للإسلام ينبغي ألا نسلك إلا هذا الطريق، ولا نحتاج إلى رفع راية الجهاد، ولا نحتاج إلى حمل السيوف للقتال، يتصور بعض المغفلين مثل هذا الأمر. والواقع أن من يقرأ القرآن
الكريم قراءة واعية لا يحتاج إلى أي كلام ولا بيان ليظهر له بطلان ذلك.
ومن الأخطاء أيضًا:
ما يتصوره بعضهم من أنه يمكن أن يوجد
في كل من بلدان العالم أحزاب تنادي بالإسلام، ثم تطرح برنامجها في الإصلاح الزراعي،
أو في الإصلاح الإداري، أو في الإصلاح السياسي، أو في الإصلاح الاقتصادي، ثم
تستقطب الناس شيئًا فشيئًا، ثم تطرح نفسها بالترخيص الرسمي لها، وتدخل البرلمانات
والمجالس النيابية وغير ذلك، وتبدأ شيئًا فشيئًا تطرح الإسلام، حتى تفرض الإسلام
من خلال المجالس النيابية، ومن خلال القنوات الرسمية -كما يقولون-، وبهذا نستطيع -كما
يتصورون- أن نفرض الإسلام على أمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وغيرها من بلاد
العالم.
ومن
الأخطاء أيضًا: ما يقوله
بعضهم من أن هؤلاء الكفار سذج، ليس عندهم عداء صريح للإسلام، وقد لاحظت هذا القول
ولمسته على بعض الذين يعايشون الكفار في أوروبا وأمريكا. وهذا في الواقع سذاجة
كبيرة.
فإننا
لو أتينا إلى جمهور المسلمين - دعك من علمائهم ودعاتهم-، فإننا نرى كثيرًا منهم يجهلون وجوب عداوة الكفار والبراءة منهم،
فلا يعرفون الولاء والبـراء؛ بل قد تجد المسلم يعيش إلى جنب اليهودي والنصراني والمشرك والشيوعي سواء بسواء، وتحت سقف واحد، يأكلون طعامًا واحدًا، ويعملون في عمل واحد، وبينهم من الألفة
والمودة الشيء العظيم كأنهم إخوة، فحتى عوام المسلمين اليوم ضاعت منهم معاني
الولاء والبراء، وفقدوا إحساس التميُّز بالدين، فلا عبرة إذن في أن يصبح عوام
النصارى في أمريكا وأوروبا وغيرها لا يحملون عداوة صارخة واضحة للمسلمين، وهذا قد
يوجد في بعض طبقات منهم، لكن العبرة بأمور:
أولاً:
أن هناك قيادات مستفيدة تُحَرِّك هؤلاء
الناس، مثل القسس والرهبان الذين كانوا يحرِّضون أوروبا أيام الحروب الصليبية لغزو
المسلمين، كذلك يوجد - في كل زمان ومكان- زعماء دينيون وسياسيون واجتماعيون إذا استدعت الحاجة، حرَّكوا عواطف الناس
وألَّبوهم، وجمعوهم على العداء والكراهية والبغضاء المسلمين.
ثانيًا: أن
هؤلاء الدهماء والعوام من الناس -وإن كان عداؤهم
وبغضهم للإسلام مستخفيًا- إلا أنه قابل للتحريك في أي وقت؛ لذلك قد يُنسب إلى المسلمين
من لا يصلي ولا يصوم ولا حج البيت الحرام، وليس
عنده خوف من الله - عز وجل -،
لكنه عند وقوع حرب بين قبيلته من المسلمين الذين يعيش معهم وبين قبيلة أخرى من
الكفار، تجده يخوض المعركة مع قومه من المسلمين، إما بالحمية، وإما بالعصبية لقومه، فقتاله من هذا الباب، وليس من باب
الطاعة لله ورسوله.
ولذلك جاء رجل يسأل
الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء،
أي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قاتل
لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله"([17])، فأحيانًا تحرك الإنسان الحمية لقومه
والعصبية لدينه، وإن لم يكن متمسكًا بهذا الدين، فهكذا بالنسبة لأولئك النصارى
واليهود، وإن كان بغضهم للإسلام مستترًا مستخفيًا، إلا أنه قابل للتحرك
والإثارة في أي وقت من الأوقات، فمن الغفلة والسذاجة بمكان أن نتصور أن هؤلاء
سيصبحون غنيمة باردة للمسلمين.
إن العداء للإسلام يبرز
بشكل واضح في كل وقت وفي كل مناسبة، إذ ما الذي حرَّك فرنسا كلها من أجل ثلاث
فتيات مغربيات أردن دخول المدرسة بحجاب أو بعض
حجاب؟ فقد رفض مدير المدرسة دخولهن، وتطورت القضية إلى مدير التعليم، ثم
إلى وزير المعارف، ثم إلى مجلس الوزراء، ثم
إلى رئيس الدولة، وصارت قضية صحفية
بدأت ولم تنته، وفي النهاية لم تُمكَّن هؤلاء الفتيات من دخول المدرسة
بالحجاب الشرعي، فإما أن يخلعن الحجاب ويكشفن عن شعورهن، وإما أن يُحرمن من دخول
المدرسة، واضطرت هؤلاء الفتيات الثلاث
إلى خلع الحجاب عن شعورهن عند دخولهن المدرسة، فما الذي حرك فرنسا من أقصاها إلى
أقصاها؟! تلك الدولة الصليبية التي كانوا يقولون عنها: إن فرنسا أمُّ الحرية، وفرنسا
بلد العري فيه مباح، حتى في أجهزة إعلامهم، وفي أسواقهم، وفي كل مكان، هذا البلد
الذي يبيح حرية التعري أصبح يغضب ويثور، وتتحرك أجهزته الإعلامية والإدارية كلها
من أجل ثلاث فتيات أردن دخول المدرسة بغطاء الرأس! لماذا كل هذا ؟!
كذلك ما الذي جعل
بريطانيا تتحرك وتثور من أجل قضية سلمان رشدي؟ شخص واحد، وليس قضية سياسية، ولا يمثل جهة سياسية، لكن لأنه تحدى مشاعر
المسلمين، وأهانهم، وانتهك حرمات
الأنبياء والمرسلين، وأساء إلى الصحابة وإلى أمهات المؤمنين، وجرح شعور كل مسلم؛
أثاروا هذه القضية على أوسع نطاق، وجعلوها سيفًا مسلطًا على رقاب المسلمين، وتحركت
أجهزة كثيرة سياسية وصحفية، واستغلت هذا الحادث أبشع استغلال!
ثم ما الذي يجعل
روسيا الآن تعامل الجمهوريات النصرانية معاملة مغايرة لتلك التي تعامل بها الجمهوريات
الإسلامية؟ يأتي رئيس الدولة في الجمهوريات النصرانية ويقال له: نرحب بك رئيساً لدولة
صديقة، ويجلس للمحاورة معهم، ثم تقف الدول الغربية كلها في صف هذه الجمهورية،
وتهدد روسيا إذا هي استخدمت القوة ضدها، في حين أن حركة المسلمين تسحق بالقوة
والدبابات، ولا أحد يتحرك، فالروس
عاملوا النصارى معاملة غير معاملة المسلمين، والقوه الغربية كلها تحركت من أجل
النصارى، ولم تتحرك من أجل المسلمين؛ بل هي تبارك هذه الخطوات.
إذن، فمن السذاجة
بمكان أن نتصور أن الطبيعة التي حكاها الله - عز وجل -
عن الكفار واليهود والنصارى والمشركين في القرآن الكريم،
يمكن أن تتغير، وأنه يمكن - في يوم من الأيام - فرض الإسلام عليهم عن طريق واحد
فقط هو السلم، والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، والبرلمان والمجالس، ثم إذا بهم فجأة
قد تحوَّلوا إلى مسلمين! هذه سذاجة يطول منها العجب! ولست أعجب أن تنطلي على سذج
ومغفلين، لكنني – والله - أعجب أن تنطلي على بعص المفكرين، أو من يقال لهم فقهاء،
وينشرون مثل هذا في كتب ومجلات ودوريات ونشرات، ومثل هذا يؤلم المسلم جدًّا.
ونعود فنقرر أن طبيعة
الكفر واحدة، فالذي واجهه الأنبياء هو الكفر الذي نواجهه الآن، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ
الْمُجْرِمِينَ) [الفرقان:31]،
فإذا قام للإسلام دعوة حقيقية، ورفعت راية
الجهاد في سبيل الله، والدعوة الصادقة إلى الله - عز وجل -،
فإن الله سبحانه وتعالى أخبر بأنه لابد وأن
يكون لها أعداء من المجرمين، وهؤلاء الأعداء
بطبيعة الحال لا أعتقد ولا يعتقد معي عاقل ولا مجنون أنهم سوف يقفون مكتوفي
الأيدي؛ بل شأنهم كما ذكر الله - عز وجل -:
(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا
شَيَاطِينَ الإنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ
غُرُورًا) [الأنعام:112]،
فهم يكيدون ويمكرون ويتآمرون ويخططون، وعلى العكس فكثير من المسلمين لا يقدِّمون
ولا يؤخِّرون شيئًا، ومع هذا فأعداؤهم يكيدون لهم كيدًا؛ خشية أن يستيقظـوا من
إغفاءتهم ونومهم.. فما بالنا لو استيقظ المسلمون فعلاً، واستردّوا بعض عافيتهم؟ إذن
لوجدنا العداوة الصريحة المعلنة.
إن كل هذه العبارات
التي أصبحوا يطنطنون بها الآن، ويرددونها في أجهزتهم وصحافتهم -كقضية حقوق الإنسان،
وحرية الإنسان، وكرامة الإنسان، وميثاق الأمم المتحدة، وأمثال هذه العبارات
الرنانة- كلها حبر على ورق، والدليل على ذلك أنه لم يلتزم بهذه القضايا حتى الآن
إلا المسلمون، فقضية ميثاق الأمم المتحدة الذي
يمنع الجهاد ويحرِّمه، ويوقّع عليه المسلمون رغم أنه يعد الجهاد نوعًا من الاعتداء
على حقوق الغير، وأن المنازعات بين الدول يجب أن تُحل بالطرق السلمية؛ لأن
النـزاع يهدِّد الأمن والسلام الدوليين - كما يقولون -، مع ذلك فالذين التزموا
بالامتناع عن الجهاد والقتال - بل وحتى الدفاع عن أنفسهم - هم المسلمون فحسب، أما
الدول الكافرة ومن يدور في فلكها، وأعداء الإسلام من اليهود وغيرهم، فإنهم يمارسون
ما يريدون من قتل للأمم المسلمة، ونهب أراضيها، والاعتداء عليها، ويعلنون ذلك
صراحة.
فما تفعله إسرائيل -مثلاً-
أمر لا يحتاج إلى بيان، تذهب الطائرات الإسرائيلية في رحلة آمنة هادئة لتضرب العراق، ثم تذهب مرة أخرى لتضرب تونس، ومرة
ثالثة لتضرب لبنان، ويمكنها أن تهدد أي بلد عربي بكل سهولة، ويعدونها
مجرد رحلة للمتعة! وهذا لا يستنكرونه، ولا يستغربونه، ولا يرون فيه بأسًا؛
لأن الذين قاموا به ليسوا من المسلمين، ولا يعد هذا إخلالاً بمواثيق الأمم المتحدة
في نظرهم ومقاييسهم.
وفرنسا
لمـَّا تخوَّفت من انتصار الإسلام في الجزائر، هدد رئيس الدولة أنه في حال انتصار
الإسلام في الجزائر فإن فرنسا يمكن أن تتدخل بصورة مباشرة، فأين مواثيق الأمم
المتحدة، وحقوق الإنسان، والحدود الدولية، وعدم التدخل في شؤون الغير؟! أين هذا
كله؟!
وفي السودان حيث يوجد
حُكم يعلن بعض الجوانب الإسلامية، نجد الأعداء
يخشون أن يكون لهذا الحكم جذور إسلامية،
فيشنون حربًا عالمية معلنة على هذه الدولة، فأين حقوق الإنسان؟! وأين مواثيق الأمم المتحدة؟! وأين قضية عدم التدخل
في شؤون الغير؟! كل ذلك ذهب أدراج الرياح ما دام ذلك متعلقًا بحقوق المسلمين.
إذن من السذاجة أن
نتصور أن الإسلام ينتصر وينتشر عن طريق الدعوة السلمية فحسب، صحيح أنه لابد من
الدعوة السلمية، فحتى في القتال، المسلم مطالب بأن يدعو الكفار إلى الإسلام قبل أن
يقاتلهم، كما في حديث بريدة - رضي الله عنه - في
صحيح مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا لقيت عدوك من
المشركين، فادعهم إلى ثلاث خصال، فأيتهن ما
أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم"([18])،
وذكر الإسلامَ، ثم الجزيةَ، ثم القتالَ، فنحن لا نقاتل الناس لننهب أموالهم؛ وإنما
لندعوهم حتى يكونوا مسلمين، فنعرض عليهم الإسلام، لكننا نعلم من دين الله وشرعه،
كما نعلم من حقائق التاريخ، وتجارب الواقع، أن هذا الدين لا يمكن أن يسـتقر أمره
إلا عن طريـق الطائفة المنصورة التي تحمل راية الجهاد في سبيـل الله - سبحانه
وتعالى- ([19]).
المبحث الثالث
أقسام الجهاد وصوره
قد يتبادر إلى
الأذهان عند قراءة العنوان "حيَّ على الجهاد" أن المقصود هو الحث على
القتال في بلد بعينه فقط، وهذا يؤكد أن مفهوم الجهاد قد حدث فيه ضعف وتضييق
لمعناه، مثلما حدث في مفاهيم الإسلام الأخرى، فإننا إذا أتينا إلى قضية العبادة نجد انحرافًا في مفهوم العبادة، فقد ضيقه الناس،
وصاروا يظنون أن العبادة محصورة في الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج فقط، مع أن
المفهوم أوسع.
كذلك مفهوم الجهاد، فقد
أصبح كثيرٌ من الناس يظن أن الجهاد هو القتال فحسب، مع أن القتال صورة واحدة فقط
من صور الجهاد، ثم ازداد تضييق مفهوم الجهاد،
فظن بعض الشباب أنه مقصور على بلد معين
لا غير، وهذا غلط كبير، فعندما يَرِد -أحيانًا- سؤال يقول: ما حكم الجهاد؟ فإن السائل
يقصد الجهاد في بعض بلاد المسلمين، هل هو فرض عين أم فرض كفاية؟ لأنه قد
استقر في ذهنه أن الجهاد قائم في ذلك البلد فحسب، وهذا خطأ وخطر يجب استدراكه؛ إذ الجهاد أوسع من ذلك بكثير.
ولذلك نشير إلى أقسام
الجهاد حتى ندرك أن الجهاد شامل -كما ذكرت-، فالعلماء يقسِّمون الجهاد بحسب اعتباراته
إلى عدة تقسيمات:
أولاً: باعتبار من يقع عليهم الجهاد:
فالجهاد ينقسم مِنْ حيثُ مَنْ يقع عليهم
إلى أقسام:
الأول: جهاد النفس:
وإنما يتم ذلك من
خلال أربع مراحل، وهي: تعلم العلم، والعمل به، والدعوة إليه، والصبر على ذلك، فكل
مرحلة من هذه المراحل تحتاج إلى تربية وجهاد.
فعن فضالة بن عبيد -
رضي الله عنه - أن النبي -
صلى الله عليه وسلم - قال في حجة الوداع: "ألا
أخبركم من المسلم؟ من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب، والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة
الله - عز وجل -"([20])،
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة
الله - عز وجل -"،
إنما هو ذكر نوع من الجهاد، وإنما بيَّنه النبي -
صلى الله عليه وسلم -، وحصر وقصر الجهاد
فيه؛ لعظمته وأهميته، فحتى جهاد الأعداء يفتقر إلى جهاد النفس، فالذي ينهزم في
معركته الداخلية مع نفسه ينهزم في معركته الكبرى مع العدو.
الثاني: جهاد الشيطان: بعصيان وسوسته ومخالفة أمره.
الثالث: جهاد الكفار:
وهذا ظاهر.
الرابع: جهاد الفساق والظالمين: وهذا يكون بالأمر بالمعـروف، والنـهي عن المنـكر، والدعــوة إلى الله – عـز وجـل -، فهو نوع من الجهاد.
الخامس: جهاد المنافقين: وهذا يكون بكشف ألاعيبهم، وفضحهم، وبيان مؤامراتهم؛ لأنهم يبغون من المسلمين غائلة
السوء، ويخططون ويتآمرون للقضاء على الإسلام،
فلابد من جهادهم.
فهل يصح أن نتجاهل – مثلاً
- جهاد المنافقين، ونتفطن إلى جهاد الكفار، مع أن جهاد الكفار قائم في موقع واحد
أو موقعين أو ثلاثة، لكن جهاد المنافقين في كل مكان؟ إذ لا يكاد يوجد في العالم
الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه بلد ولا مدينة ولا قرية - بل ربما نقول أحيانًا ولا
مؤسسة - إلا وفيها منافقون يسعون لتوجيه هذا
البلد أو هذه الدولة أو تلك المؤسسة أو المدرسة إلى الوجهة التي تخدم أغراضهم، فيخططون ويتآمرون، وهذا أمر ملموس. فمَنْ
لهؤلاء المنافقين؟ وكيف نتجاهل هذه الثغرات المفتوحة في كل مكان؟
ومن أمثلة ذلك: جهاد
المنافقين من خلال أجهزة الإعلام في العالم الإسلامي، فأجهزة الإعلام في العالم
الإسلامي فيها جهاد الكفار، وفيها جهاد المنافقين، فمن أبرز صور جهاد الكفار ما يمكن أن يسمى اليوم بالبث المباشر؛ لأنه عبارة عن بث
من الدول الكافرة إلى البلاد الإسلامية، فهو جهد إعلامي من الكفار، يحتاج
إلى مقابلة من المسلمين.
وكذا يبرز فيه جهاد
المنافقين؛ لأن المنافقين في كثير من بلاد العالم الإسلامي تمكنوا من التسلل إلى
أجهزة الإعلام، وجعلوا من هذه الأجهزة أبواقًا لحرب الإسلام؛ فكم من مسرحية قدموها
للاستهزاء بالمشايخ والعلماء - أو بمن يسمونهم
بالملالى (جمع مُلاَّ) أو رجال الدين كما يعبرون-، وتصويرهم بأنهم عبارة عن مجموعة
من الدراويش والجهلة والأغبياء، في الوقت الذي يقدمون فيه الفنانين والمطربين وأهل
الرياضة وغيرهم على أنهم هم القدوة،
وهم الأبطال الذين يقتدي بهم الجيل.
فكم من منافق تسلل من
خلال هذه الأجهزة ليُسْمِعَ المسلمين والمسلمات كلام الفحش والزور والخنا، ويُرَبِّي
شباب المسلمين وفتياتهم على عبارات العشق
والغرام، بحيث يصبح لا همَّ لهم إلا ترديد مثل هذه الكلمات، والحديث عن
قضية اللقاء وكيفيته، وحسرة الوداع، إلى غير ذلك من صور الفحش والفساد.
فمن لهؤلاء المنافقين
الذين تسللوا إلى كل بيت، وإلى كل عقل، وإلى كل أسرة، وإلى كل مكان؟! من يجاهدهم؟!
كيف نتفطن إلى قضية جهاد الكفار عن طريق البث
المباشر، ونغفل أو ننسى قضية جهاد المنافقين والفاسقين الذين يهيمنون على
مثل هذه الأجهزة في بلاد المسلمين منذ سنين طويلة، ويبثون من خلالها ما شاءوا؟
والمقصود أننا
أحيانًا نتفطن وننتبه إلى خطر، ونغفل عن خطر آخر لا يقل عنه، فمثلاً نتفطن لقضية
جهاد الكفار في فلسطين أو في أفغانستان أو في إريتريا أو في الفلبين -وهذا واجب ما
يشكك فيه أحد-، لكن يجب أن نتفطن أيضًا إلى
جهاد المنافقين والفاسقين الموجودين في كل زاوية.
ثانيًا: باعتبار الآلة:
وهناك تقسيم آخر
للجهاد باعتبار الآلة، يشير إليه حديث أنس بن مالك -
رضي الله عنه -: أن النبي -
صلى الله عليه وسلم - قال: "جاهدوا المشركين
بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم"([21])،
فأمــر النبي - صلى الله عليه وسلم -
بجهاد المشركين بالمال، والنفس، واللسان؛ إذ الجهاد مفهومه أوسع مما يتصور
الكثيرون.
فالجهاد باليد يكون
بحمل البندقية، أو المدفعية، أو غيرهما...
أما جهاد اللسان فيكون
بالكلمة الطيبة، والنصيحة، والدعوة، والأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر، والإصلاح، والتوجيه، بقدر ما يستطيع الإنسان
ويملك.
أما الجهاد بالمال، فلا
ينبغي حصره في صورة دفع تبرعات للمجاهدين فقط، فهذه صورة واجبة لا نقلل من شأنها؛ إذ
يجب دفع الزكاة والصدقة للمجاهدين في كل مكان، ويجب دعمهم؛ ولذلك كان الجهاد
بالمال من أعظم ألوان الجهاد، متى وجد المسلم السبيل الذي يطمئن إلى أنه يوصل
المال فعلاً إلى هؤلاء.
لكن ليس هذا هو
المجال الوحيد فقط، فإن هناك عشرات الألوف من المشاريع الإسلامية العظيمة لا يحول
بينها وبين أن تقوم وتثمر وتؤدي دورها إلا قلة المال، فكم من مدرسة في العالم
الإسلامي وفي الجاليات الإسلامية في البلاد الغربية تحتاج إلى الدعم المالي! وكم
من مؤسسة، وكم من جمعية تستطيع أن تقوم بدور جبار لو توافرت لها الإمكانات، ولهيئات
الإغاثة الإسلامية جهود مشكورة في هذا المجال، لكن لا زالت الجهود أقل مما يجب
بكثير.
ثالثًا: باعتبار حكمه:
ومن أقسام الجهاد أيضًا
تقسيمه باعتبار حكمه، ونوجزه على النحو التالي:
أولاً: من الناحية
المرحلية:
فقد مر الجهاد بأربع
مراحل:
المرحلة الأولى: (كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ) [النساء:77].
المرحلة الثانية: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ
بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا)[الحج:39].
المرحلة الثالثة: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ
الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ) [البقرة:190].
المرحلة الرابعة: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ
كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) [التوبة:36]([22]).
ثانيًا: باعتبار الحكم الثابت المستقر:
فإنه متى كان المسلمون مستطيعين فإن
الجهاد واجب عليهم، والدليل على وجوبه قول النبي -
صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه مسلم: "من
مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه -يعني بالغزو- مات على شعبة من نفاق"([23]).
إذن كل مسلم لابد أن يغزو أو أن يحدث نفسه بالغزو، والغزو فرض كفاية، والدليل قوله
تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً
فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي
الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ
يَحْذَرُونَ)
[التوبة:122]،
فمعنى الآية: أنه ما كان المؤمنون ليخرجوا إلى الغزو والجهاد كلهم أجمعون، ويَدَعوا
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛
ولكن ليخرج من كل فرقة منهم طائفة، ويبقى بقية يتفقهون في الدين، ويتعلمون، وينذرون
قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون، هذا أحد المعاني في الآية؛ إذن يخرج جماعة
إلى الجهاد، وجماعة يخرجون لتعلم العلم الشرعي، ولا يهوِّن بعضهم من شأن أحد.
ومن الأدلة أيضًا على
أن الجهاد ليس فرض عين إنما فرض على العموم أي على الكفاية: حديث أبي سعيد الخدري
- رضي الله عنه - الذي رواه مسلم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لينبعث
من كل رجلين أحدهما، والأجر بينهما"([24])،
فلو كان الجهاد واجبًا على كل فرد ما كفى أحدهما عن الآخر.
إلا أن الجهاد يصير
فرض عين في حالات، منها: عند النفير: وذلك إذا
عيَّن الإمام أشخـاصًا أو أمة أو فئـة أو
طائفة، وطلب منهم النفير، فيجب على من عيَّنه الإمام أن يخرج؛ لقوله - صلى
الله عليه وسلم -: "وإذا استنفرتم فانفروا"([25])،
ومنها: إذا هاجم العدو بلدًا وجب على أهل ذلك البلد
دفعه، ومنها: إذا حضر الإنسان الجيش عند القتال، وتلاحم الصفان، والتقى
الجيشان، فلا يجوز الفرار حينئذ؛ لقوله تعالى: (وَمَنْ
يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا
إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ
الْمَصِيرُ) [الأنفال:16]،
ففي هذه الحالات الثلاث يصبح الجهاد فرض عين على من تعيَّن عليه، وليس على جميع
الناس من أعيان وأفراد الأمة كلها، فهذا لا يقع في حال من الأحوال، والله تعالى
أعلم.
* * *
المبحث الرابع
واقع الأمة إزاء قضية الجهاد
مع
أن الجهاد باق من حيث الشرع ومن حيث الواقع العام،
فإن الأمة في هذا الوقت بالذات تركت الجهاد.
فإن المسلمين قد آل
بهم الضعف والقلَّة والذلة وغلبة العدو إلى الحد الذي أخبر عنه الرسول -
صلى الله عليه وسلم - في حديثين
عظيمين جليلين، الأول: حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - وهو صحيح، وفيه يقول - صلى الله عليه وسلم -: "إذا
تبايعتم بالعينة، ورضيتم بالزرع، وأخذتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد؛
سلَّط الله عليكم ذلاًّ لا ينـزعه حتى ترجعوا
إلى دينكم"([26]).
فقوله
- صلى الله عليه وسلم -: "تبايعتم بالعينة"
يعني الربا، وتحدَّث ما شئت عن قيام الاقتصاد في البلاد الإسلامية كلها على الربا !
هذه واحدة.
"ورضيتم
بالزرع" فالزرع -أيضًا- نموذج ومثال للتعلق
بالدنيا، وليس من الضروري أن يكون الرضا بالزرع فقط؛ بل قد يرضى بالتجارة، أو
المنصب والوظيفة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا
قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأرْضِ
أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الأخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا فِي الأخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ) [التوبة:38].
"وتركتم
الجهاد" فحين ألقيتم
السلاح، وقلتم: لا جهاد، واشتغلتم بالدنيا،
سلَّط الله عليكم ذلاًّ لا ينـزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم.
وقد يقول قائل: أين الأحاديث الدالة على
أن الجهاد باق، مع أنه في حديث ابن عمر ذكر أنهم
تركوا الجهاد؟ نقول: حتى حديث ابن عمر نفسه يذكر أن الجهاد باق؛ لأن قوله -
صلى الله عليه وسلم -: "لا ينـزعه حتى
ترجعوا إلى دينكم" دليل على أن هذه الحال من الذل لن تستمر؛ بل سوف يعقبها رجوع إلى الدين، بما في ذلك من
إحياء لشعيرة الجهاد والقتال في سبيل الله-سبحانه وتعالى-.
الثاني: -
وهو أوضح من السابق- حديث ثوبان - رضي الله عنه -، أن النبي -
صلى الله عليه وسلم - قال: "يوشك الأمم
أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها" قالوا: "يا رسول
الله، ومِن قلَّة نحن يومئذ؟" قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل
- الغثاء: هو الذي يحمله السيل إذا جرى على الوادي، وهو عبارة عن فقاعات بيضاء
مكونة من زبد، وأشياء جرفها الماء، تطير وتختفي إذ لا فائدة معها، وقد شبههم به
لقلة شجاعتهم ودناءة قدرهم، مما دفع أعداءهم لسرقة ما في أيديهم بغير تعب ينالهم،
ولا ضرر يلحقهم- ولينـزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم -فلا يخافكم-،
وليقذفنَّ اللهُ في قلوبكم الوهن"، قالوا: "يا رسول الله، وما الوهن؟"،
قال: حب الدنيا وكراهية الموت"([27])،
فالجهاد لا يقوم إلا على التضحية والبسالة، والمجاهد يحمل روحه على راحته،
ولسان حاله كما يصفه الشاعر:
ماضٍ
وأعرف ما دربي وما هدفي
والموت يرقص لي في
كل منعطف
ومـا أبـالي به حتى
أحـاذره
فخشية الموت عندي أبرد
الطرف
ويقول الآخر:
وإني لمقتادٌ جوادي وقاذفٌ
به وبنفسي
العـامَ إحدى المقاذف
لأكسب أجرًا أو أؤول
إلى غِنَى
من الله يكفـيني عُداة الخلائـف
فياربِّ إن حانت
وفاتي فلا تكن
علىشرجعٍ يُعلى بدُكْن المطارف
ولكن أحِنْ يومي
شهيدا بعصبة
يصابون في فج من الأرض خائف
عصائب
من شيبان ألف بينهـم
تقى الله نزالون عند التزاحـف
إذا فارقوا دنياهم فارقوا
الأذى
وصاروا إلى موعود ما
في المصاحف
فإذا زالت من
المؤمنين روح البذل والفداء، وتعلقوا بالدنيا، تركوا الجهاد ولابد، فنحن الآن في
وضع أسوء مما أخبر عنه الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛
وذلك لأن المسلمين مرُّوا بالمرحلة الأولى بعدما سقطت الخلافة الإسلامية العثمانية،
على ما كان فيها من كونها تشبه رجلاً مريضًا، وشبحًا آيلاً للموت، أما بعدما سقطت
أصبحت البلاد الإسلامية لقمة سائغة في أيدي الأعداء، ففي أول الأمر اختلف الأعداء
في قسمة التركة وتنازعوا، ثم بعد ذلك تصالحوا، وأوجدوا ما يسمى باقتسام مناطق
النفوذ، والآن انتهت قضية التداعي على القصعة، وعرف كلٌّ منهم نصيبه.
عرفت الدول نصيبها من
البلاد الإسلامية، وأخذته غنيمة باردة، فالآن ما عادوا يتداعون، إنما صاروا في
مرحلة ما بعد التداعي -إن صح التعبير-، ولكننا نقول: "اشتدي أزمة
تنفرجي"، ففي حلكة الظلمة يولد الفجر، وعندما تصل الأمور إلى نهايتها وإلى
غايتها يظهر البشير ببداية النصر، يقول تعالى واصفًا حال المؤمنين عندما استبطؤوا النصر: (حَتَّى يَقُولَ
الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى
نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ)
[البقرة:214].
* * *
الخاتمة
وختامًا، فما أكبر
الواجب الذي يجب علينا حمله! إن الواجب حركة إسلامية جهادية في كل صعيد.
فعدونا حاربنا بالمرض،
ونحن نحتاج إلى حركة جهادية تسعى إلى إعادة الصحة والقوة إلى المسلمين.
وحاربنا بالجهل فنحن
بحاجة إلى حركه تعليمية واسعة النطاق ترفع الأمية والجهل عن المسلمين.
وحاربنا بالفقر، فنحن
بحاجة إلى حركه اقتصادية صحيحة سليمة تسعى إلى توفير المال بأيدي المسلمين من خلال
الطرائق والوسائل الشرعية.
كما أننا بحاجة -كما
أسلفت- إلى حركة جهادية إعلامية تصنع الإعلام الإسلامي، الذي يكون بديلاً عن
الإعلام المنحل.
ثم نحن بحاجة إلى
حركه جهادية تقاتل الكفار على الثغور في فلسطين،
وفي كل بلد يهيمن عليها الكفار؛ لتُرفع راية لا إله إلا الله محمد رسول الله.
ثم مع ذلك كله نحتاج إلى حركة جهادية شرعية تنشر العلم الشرعي والفقه والمعرفة، فهي الضمانة لكل التحركات
السابقة؛ إذ تضمن ألا تنحرف ذات اليمين أو ذات الشمال.
وكل هذا يحتاج إلى
أمم من الناس، والقضية ليست يسيرة، فحن بحاجة إلى جهد كل مسلم.. كل مسلم يجب أن
يكون إيجابيًّا؛ لننجح في تجاوز مرحلة الغثائية.
وصلى
الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
* * *
فهرس
الموضوع الصفحة
المقدمة
..................................................
|
3 |
المبحث الأول:
الجهاد في اللغة والشرع ............
|
7 |
المعنى
اللغوي للجهاد ومدلوله .........................
|
7 |
استمرارية الجهاد شرعًا وواقعًا في ضوء الأحاديث
النبوية .
|
9 |
المبحث الثاني:
شبهات حول الجهاد .................
|
17 |
شبهات
في طرح قضية الجهاد .........................
|
18 |
المبحث الثالث:
أقسام الجهاد وصوره ...............
|
31 |
أولاً:
باعتبار من يقع عليهم الجهاد ...................
|
32 |
ثانيًا:
باعتبار الآلة ......................................
|
37 |
ثالثًا:
باعتبار حكمه ....................................
|
38 |
المبحث الرابع:
واقع الأمة إزاء قضية الجهاد .......
|
42 |
الخاتمة
...................................................
|
48 |
الفهرس
.................................................
|
50 |
الهوامش
........................................
|
51 |
الهــوامش
(2)
البُضْع: يُطلق على
الفرج والتزويج والجماع، والمعاني الثلاثة لائقة هنا. انظر: فتح الباري (6/222).
(5)
قال سعيد بن المسيب:
"كانوا إذا غنموا غنيمة بعث الله عليها النار فتأكلها". انظر: فتح
الباري (6/22). وقال النووي: "كانت عادة الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم-
في الغنائم أن يجمعوها، فتجيء نار من السماء فتأكلها، فيكون ذلك علامة لقبولها
وعدم الغلول". انظر: شرح صحيح مسلم (12/52).
(7)
قال ابن المنِّير:
"جعل الله علامة الغلول إلزاق يد الغال، وفيه تنبيه على أنها يد عليها حق
يطلب أن يتخلص منه، أو أنها يد ينبغي أن يضرب عليها ويحبس صاحبها حتى يؤدي الحق
إلى الإمام، وهو من جنس شهادة اليد على صاحبها يوم القيامة". انظر: فتح
الباري (6/223).
(9)
انظر: لسـان العرب
(3/133)، والقامـوس المحيـــط (1/351)، ومختــار الصحـاح (1/48)، والمصباح المنير
(1/112).
(12)
أخرجه الدارمي (56)،
والنسائي في المجتبى (3561) وهذا لفظه، وفي السنن الكبرى (4401) وإسناده صحيح.
(19)
كما في صحيح مسلم
(1923) من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - يقول: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى
يوم القيامة".
(20)
أخرجه ابن المبارك في
الزهد (826)، وأحمد (23958، 23967)، وابن ماجه (3934)، والبزار (3752)، ومحمد بن
نصر في تعظيم قدر الصلاة (640)، وابن منده في الإيمان (315)، وابن حبان (4862)،
والطبراني في الكبير (18/309)، والحاكم (24)، والقضاعي في مسند الشـهاب (131)،
والبيهقي في شعب الإيمان (11123) من حديث فضالة بن عبيد - رضي الله عنه -. وسنده
صحيح.
(21)
أخرجه أحمد (12246)،
والدارمي (2457)، وأبو داود (2469)، والنسائي (3096)، وأبو يعلى (3875)، والحاكم
(2427)، والضياء في المختارة (1902) من
حديث أنس - رضي الله عنه -. قال المناوي في فيض القدير (5401): قال الحاكم: على
شرط مسلم وأقره الذهبي، وقال النووي في الرياض بعد عزوه لأبي داود: إسناد
صحيح. اهـ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق