السؤال: شيخنا ما حكم اطلاق العيارات النارية في الهواء اثناء الافراح والمناسبات الاجتماعية ؟ بارك الله فيك.
فان إطلاق العيارات النارية في الأفراح والمناسبات أو عند فوز المنتخبات الرياضية؛ من العادات القبيحة والظواهر الاجتماعية الخطرة والسلبية غير الحضارية التي تعاني منها المجتمعات العربية عموما، والتي اودت بحياة الكثيرين من الابرياء واصابت الكثيرين منهم، فكم من افراح انقلبت الى اتراح واحزان بسبب هذه العادة الخطرة ، وذلك لانتشار الجهل بأحكام الشريعة وانتشار السلاح بشكل عشوائي بين عوام الناس، وعدم حصره بيد القوات المسلحة النظامية، وكذلك غياب القوانين الحكومية الرادعة لهذه الظاهرة الخطرة.
ولهذا فقد اتفق العلماء على تحريم الاضرار والحاق الاذى بالآخرين ، ومن صور الاضرار والاذى بالآخرين المحرمة هي اطلاق العيارات النارية العشوائية في الهواء للتعبير عن الفرح في المناسبات، و قد عللوا تحريم ذلك بما يأتي:
1- أن اطلاق العيارات النارية في الهواء بلا مبرر فيها ضرر اقتصادي وإضاعة للمال، وفيه تبذير واسراف، وهذا محرم ، فقد ذم الله تعالى التبذير والاسراف ، فقال تعالى:{ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} الإسراء:27. وكذلك نهى رسول الله – صلى الله عليه وسلم- عن ذلك كما في الصحيحين : ((إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ المَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ)).
2- فيه ترويع وتخويف للآمنين والنائمين وفيهم مرضى وأطفال، وأذى للمسلمين، فقد حدث كثيراً أن بعض هذه الطلقات أصابت بعض الناس عن طريق الخطأ فأدت إلى وفاتهم أو جرحهم، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا)) رواه أبو داود وصححه الشيخ الالباني.
وقد نهى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أن يُروعَ المسلمُ ولو بحديدة ، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ)) رواه مسلم.
وعنه ايضا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لَا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ إِلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَحَدُكُمْ لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ)) رواه مسلم.
وإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد نهى عن حمل السلاح مكشوفاً خشية أن يؤذي المسلمين عن طريق الخطأ، ونهى عن الإشارة بالسلاح إلى المسلم خشية أن تزل يده بنَزْغٍ من الشيطان الرجيم، فكيف بمن يستعمل السلاح فعلاً ويتسبب بأذى المسلمين؟! فقال في الصحيحين: ((إِذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ فِي مَسْجِدِنَا أَوْ فِي سُوقِنَا وَمَعَهُ نَبْلٌ فَلْيُمْسِكْ عَلَى نِصَالِهَا، أَوْ قَالَ: فَلْيَقْبِضْ بِكَفِّهِ أَنْ يُصِيبَ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا شَيْءٌ)).
3- أن إطلاقها عشوائيا في الهواء مظنة الارتداد فتصيب الناس وممتلكاتهم، وغير ذلك من مفاسد هذه العادة القبيحة، وقد حدث هذا فعلا، وازهقت ارواح كثيرة ، واتلفت ممتلكات كثيرة، وجرح الكثير من الناس .
ووفقًا لدراسة علمية أجريت ، فإن الرصاص الذي أكمل مشواره بعد إطلاقه في الهواء يعود الى الأرض بسرعة 300 قدم في الثانية، وأوضحت دراسة أخرى أجريت أخيرًا أن هذه السرعة تزيد 50 في المائة عن الكافية لاختراق جمجمة الإنسان، وهي 200 قدم في الثانية ، ولهذا فان الذي يتسبب في القتل بهذه الطريقة القبيحة يجب ان تؤخذ منه الدية تأديبا له وردعا لغيره من المستهترين ، وعلى اعتبار أن ما يقوم به جريمة قتل شبه عمد لتكون الدية علية مغلظة وعليه الكفارة وهي صيام شهرين متتابعين والتوبة والاستغفار .
4- ومع ما يترتب من مفاسد عظيمة لهذه الظاهرة الخطرة ، فان هذا العتاد الذي يُستهلك فيها إنما صُنع للقتال وللدفاع عن الدين والوطن والنفس، فلا يجوز استعماله بهذه الطريقة العبثية البعيدة عما صنع من أجله، واستعمال النعمة في غير ما خلقت له هو من كفران النعمة.
وعليه يجب ان تتظافر الجهود بين كافة افراد المجتمع، وفي المساجد، وجميع وسائل الاعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، وأن تخصيص اوقات ومساحات كافية للتوعية حول هذه القضية واثارها المدمرة على الفرد والمجتمع، وعلى الحكومات ان تشرع القوانين الرادعة وتطبيقها على الكل دون تميز، للحد من هذه الظاهرة غير الحضارية. والله تعالى أعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق