هل من فرقة ناجية اليوم؟
أ.د/ طه جابر العلواني
قال الرئيس الأمريكيُّ جورج بوش الأب غداة انتهاء ما عرف بـ«حرب الخليج الثانية» أو «حرب تحرير الكويت»: “كنت أظنُّ أنَّ العالم الإسلاميَّ أسد نائم، وكنت شديد الخوف من إيقاظه، ولكن حربنا ضد صدام أثبتت أنَّ هذا الأسد لم يكن نائمًا، بل كان أسدًا من قش أو تبن”. لقد سقط كل ما هدَّد به «صدام حسين» وغيره في حينه، فلا أم المعارك ولا خالتها أغنت عنه شيئًا أمام بأس الأمريكان وبطشهم.
وتطايرت نياشينه ونياشين قادته الفحول التي جمعوها في تلك المعارك الوهميَّة ضد فصائل شعبهم من أكراد وغيرهم، وكل منهم يصلح أن يقال له وفيه:
أسدٌ عليَّ وفي الحروب نعامةٌ | فتخاءُ تفزعُ من صفيرِ الصافرِ |
ومع ذلك فهناك سؤال لا بد من طرحه ومناقشته؛ وهو كيف ولماذا صمد الجيش الصدَّاميُّ البعثيُّ بوجه إيران وقاتلها ثمانية أعوام، ونال منها ونالت منه؟ واستمر الكرُّ والفرُّ بينهما كل تلك الفترة الطويلة؟ ثم كيف ولماذا اجتاح «سيف العرب!! وصدَّام العرب البعثيِّ» الكويت في أربع ساعات، ثم لم يستطع أن يصمد لمثلها أمام الأمريكان؟! واستقبلهم بدخان «النفط الأسود» وأسلم “خمسين ومائة ألف” من عسكره من شباب العراق للقتل في خنادقهم سحقًا تحت جنازير الدبابات الأمريكيَّة؟ أهي «نفسيَّة العبيد»؟ فالعبد يجترئ على من يرى أنَّه مثله أو نظيره، ويهرب من وجه السيِّد ولو بدون قتال. فمجرَّد إدراك العبد بأنَّه في مواجهة سيِّد، أيّ سيِّد كان، حتى لو لم يكن سيّده هو، مجرّد ذلك كاف لانهياره وهزيمته! وذلك شأن «نفسيَّة العبد» كما قال الجاحظ!! ربَّما. أو هو الرصيد الثقافيّ المغرور المغشوش ورواسبه، يجعل “الطغام في أرضنا يستأسد، وعلينا يتنمر، وأمام أعدائنا يستخذي”؟ أو هو مجموع الرصيد الفكريِّ والفنيِّ والعقليِّ والثقافيِّ –بمجموعه المختلط- دمَّر النفس العراقيَّة، وهدم الوعي، وخلط الأوراق، وأحدث عمى القلوب، وهو عمى دونه بكثير عمى الأبصار؟ أو هو مجموع ذلك كلّه، قد حدث لمن ذهب ولمن جاء بعده؟!
إنَّ القرآن المجيد كان ولا يزال وسيبقى إلى يوم الدين مصدر النور والهدى، وبؤرة الإشعاع الهادي ومنطلق الهداية، ليس فيه حرف أو نبرة يمكن أن تبرز أو تعزز ثقافة مغشوشة خليطًا، كالتي تعشش في عقول وبيئآت غالبيَّة المسلمين وجمهرتهم، والسنَّة النبويَّة تتبع القرآن وتدور حوله حيث دار، منه تستمد نورها كما يستمد القمر نوره وضياءه من الشمس، فهي بريئة حين تصح عن الصادق الأمين –صلى الله عليه وآله وسلم- من كل زيف، خالية من كل اختلال أو اضطراب، فأين وكيف ومن أين جاءت كل تلك الأفكار المختلطة، والمذاهب المغشوشة، لتحتل عقول المسلمين، وتسوق بهم إلى ذلك الدمار الذي صار المشترك الأعظم بينهم، بحيث لا تكاد ترى الناجي أو تميزه من الهالك؟!
أهي الطريقة الحماريَّة في حمل الكتاب الكريم؟!
لحمل هداية القرآن طريقان؛ طريق حماريٌّ وطريق إنسانيٌّ.
فالطريق الحماريُّ: هو ما أوضحه القرآن المجيد في الآية الخامسة من سورة الجمعة: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾.
وهذه الآية الكريمة سبقتها آيات امْتَنَّ الله -تبارك وتعالى- بها على الشعوب الأمِّيَّة، بأن أرسل فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياته (فيتعلمون منه القراءة الصحيحة السليمة)، ويزكيهم (فتحدث القراءة أثرها فيهم وتؤتي ثمرتها، وهي التزكية)، ويعلمهم الكتاب والحكمة التي بها يتمكنون من فقه الاستخلاف العمرانيِّ والقيام بمهامِّه بأحسن وجه وأتمه.
وتلك هي الطريقة الثانية، الطريقة الإنسانيَّة في حمل الكتاب: وهي التي أشارت إليها الآيات التي بيَّنت وظائف ومهام الرسول –الذي بعث في الأميِّين –صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه.
وإذا كان بنو إسرائيل قد حمِّلوا التوراة، ثم لم يحملوها إلا بالطريقة الحماريَّة، فذلك لم يكن شأنًا خاصًّا بهم؛ بل هناك أمم أخرى حمِّلت كتبًا سماويَّة ورسالات إلهيَّة، فلم تحملها إلا بـ«الطريقة الحماريَّة» ولم تفهمها إلا وفقًا لـ«أصول الفقه البقريِّ» الذي أصَّلت له يهود.
الأمة والجماعة:
إنَّ «الجماعة» -في كل ما صح عنه صلوات الله وسلامه عليه- لا يمكن أن يراد بها إلا «الأمَّة»؛ لأنَّ الشذوذ أو الخروج عن الجماعة في عهده –صلى الله عليه وآله وسلّم- خروج عن الأمَّة وتجاوز للملَّة؛ فالأمَّة هي التي امتنَّ الله -تبارك وتعالى- على المسلمين بجمعهم فيها، وضمهم تحت لوائها، وهي التي تعلَّقت بها الخيريَّة والوسطيَّة، وسائر الفضائل، وهي التي حرص -عليه الصلاة والسلام- على التحذير من الخروج عليها، أو الشذوذ عنها، وهي التي ألَّف الله -تبارك وتعالى- بين القلوب المؤمنة ليبنيها ويشكِّلها؛ ولذلك فإنَّه ليس من السهل حملها على طائفة أو فرقة، فالطائفة أو الفرقة أو المذهب جزء من الأمّة، إن هي أحسنت، وليست جِمَاعها أو مجموعها. والله أعلم.
حديث افتراق الأمة:
إنَّ حديث «افتراق الأمَّة»، والفرقة الناجية والفرق الهالكة حديث يصلح نموذجًا لتلك الأحاديث الضعيفة التي جرت تقويتها، ومنحها الشهرة، وتصويرها بصورة الصحيح المشهور لخدمة وتكريس الاتجاهات الطائفيَّة والأيديولوجيَّة. فقد استعمل هذا الحديث المحاط بالقوادح في إسناده ومتنه[1] لتعزيز «الفُرْقَةَ والاختلاف وتدمير وحدة الأمَّة والتأصيل لفرقتها»، فهو حديث في أصله ضعيف، لكن كل فرقة من الفرق وجدت فيه ما يمكن أن تستنصر به على الفرق والطوائف الأخرى؛ لتعتبر نفسها «الفرقة الناجية»، وكل ما عداها فرق هالكة ذاهبة إلى النار، وشهروه بتلك الطريقة، ثم استغنوا بشهرته عن طلب الإسناد له، بل لعل «علم الملل والنحل والفرق» ما ظهر، ولا أخذ كل ذلك الاهتمام والانتشار، لولا هذا الحديث المحمَّل بكل تلك العلل، ناهيك عن آثاره الخطيرة في علم الكلام. والحديث أخرجه مرويًّا عن أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنها- ابن ماجة، وأخرجه عن عوف ابن مالك كما رواه أبو داود والترمذي والنسائيُّ وابن ماجة أيضًا، وهو ضعيف في روايته، وقد حاول البعض تقويته بأحاديث أخرى أسيء فهمها، أو جرى تأويلها لتقوِّي هذا الحديث، وما هي بمقوية له، وتلك هي الروايات المتعددة لقوله صلى الله عليه وآله وسلّم: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق حتى يأتي أمر الله».
فقد اعتبروا قوله صلى الله عليه وآله وسلّم: «لا تزال طائفة» أنَّ المراد بها الفرقة المشار إلى نجاتها في الحديث الضعيف.
والحديث الأخير صحيح متفق عليه، وهو يفيد أنَّ هذه الأمَّة -خلافًا لكثير من الأمم التي سبقتها- لن تصاب بالانحراف الجماعي الشامل كما حدث لبني إسرائيل حين ارتدُّوا ردَّة جماعيَّة وعبدوا العجل عدا هارون وموسى.
يؤيد هذا الفهم أحاديث: «لا تجتمع أمَّتي على خطأ» أو: «… على ضلالة».
وإذا تجاوزنا ضعف الإسناد في حديث الفرق، فإنَّه يحمل مجموعة مشكلات في المتن، فهو يشير إلى أنَّ هذه الأمَّة أسوأ من اليهود والنصارى، فقد زاد عدد فرقها على الطائفتين قبلها، وزاد عدد الفرق الذاهبة إلى النار منها على فرق اليهود والنصارى.
والله -تعالى- قد وصف هذه الأمَّة بقوله: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ (فاطر:32).
ولم يُخرج أيًّا منهم من دائرة الأمَّة، والحديث يُنافي آيات الاعتصام بحبل الله ونبذ الفرقة، وكأنَّه يُقر هذه الفرقة؛ بل ويؤصِّل لها[2].
القلوب الغُلْفُ والنبوَّة:
كانت النبوات قد تجمَّع تراثها وتبلور في الظاهرة الإسرائيليَّة، لكي تكون نموذجًا للبشريَّة، تقتدي به وتتأسى بنظام حياته، ولكن بني إسرائيل الذين سلخوا من أعمارهم فترة طويلة في ظل الاستبداد والاستعباد الفرعوني واستحمار الفراعنة لهم، بحيث أورثوا طبيعة حماريَّة، تضافر على تشكيلها استعباد واستبداد واستحمار واستضعاف، فاستقبلت الرسالات بذلك المركب العقلي العجيب، الذي طبع مناهجها وطرائقها في الاستفادة من رسالات الأنبياء؛ ولذلك فإنَّهم حين حملوا التوراة لم يحملوها إلا كمثل الحمار يحمل أسفار، فهي ألفت التعامل مع تراث النبوَّات تعامل الحمير، فهي تحمل ذلك التراث على ظهورها لا في قلوبها وعقولها، فعقولها وقلوبها غلف، وقد افتخروا بتلك القلوب: ﴿وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ﴾ (البقرة:88) ومنغلقة أمام ذلك التراث، لا تسمح له أن يخالط بشاشتها، والحمار قد يزهو ببردعته الجديدة الجميلة التي تقي ظهره تأثير ما تحمل، ولكن لا يغيِّر ذلك من حماريَّته شيئًا، فخصائص الحماريَّة ثابتة فيه؛ ولذلك قال الله تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (الجمعة:5).
فالبرَدايم (paradigm) القائم على القوَّة والاستضعاف يُعيد إلى الذاكرة الاستقواء اليهوديَّ بالرومان على قتل السيد المسيح عليه السلام، وهو نموذج يُعين إلى حدٍّ كبير على حسن تحديد العلاقة -اليوم- بين إسرائيل وأمريكا، فرمز الشعب الفلسطينيّ الشيخ أحمد ياسين نصف جسد، وكأنَّ النصف المفقود من جسمه عُوِّض بطاقة عقليَّة وروحيَّة جعلته مخيفًا لجبروت أهل القوة الماديَّة، والسيد المسيح أعزل قابل للاستضعاف، طاقته كلّها جاءت من اصطفاء الله له نبيًّا ورسولًا، ومن تمثيله لتلك النبوة في سلوكه وسيرته وحياته.
أمَّا وسائل الدجَّال الأساسيَّة -التي تكمن في القدرة على إعطاء صور مغايرة لحقائقها على مستوى: الرب، والجنَّة، والنار، والنعيم، والعقاب، والعذاب… وما إليها- فهي الوسائل التي يستخدمها الإعلام الصهيونيُّ.
والمسيهوديُّون لعبوا هذا الدور بتفوُّق؛ فهم قد غيَّروا وبدَّلوا الوحي، وانحرفوا في معنى الوعد الإلهيِّ، وكذلك العهد الإلهيّ والأمانة وغير ذلك. وقد نبَّه القرآن المجيد إلى قدرتهم على ذلك بتحذير المسلمين المؤمنين من مجاراتهم في لغتهم: ﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (البقرة:104).
«علم الاجتماع» عند ابن خلدون يمثِّل تصورًا لمشروع تغيري عمراني للأمَّة المسلمة، يحتاج إلى إعادة قراءة في ضوء هذا الفهم لطبيعة الأمم في تلقِّي الهداية والأفكار والمعارف البنَّاءة.
إنَّ هناك منطلقًا آخر في فهم ما يجري، وهو منطلق قرآنيٌّ، يعتمد بالدرجة الأولى على فهم وتدبُّر الآيات العشر الأولى من «سورة الإسراء»، في ارتباط تام مع آيات «سورة الحشر»، ثم «سورة الجمعة»، دون غفلة عن «الوحدة البنائيَّة» للقرآن الكريم، التي تستدعي تتبُّع كل ما يتعلق بـ«التجربة الإسرائيليَّة» في كل سور القرآن المجيد للخروج بتصور دقيق عنها.
ونحن في عصر جعل القوى العظمى المهيمنة على مصير البشريَّة بعد الله (تعالى) تعلي أمن إسرائيل على أمنها وأمن الدنيا كلها؛ ولذلك فقد صار أمن إسرائيل يمثل البردايم (paradigm) الكامن وراء سائر السياسات الغربيَّة خاصَّة في أمريكا وأوروبا، فمواقفهم اليوم من شعوب الأرض كلها في سلمه وحربه مهما استقرأنا أسبابه فإنَّنا لابد أن نضع أمن إسرائيل في مقدمة ومؤخرة رؤوس صنَّاع القرار هناك، وهذا سوف يساعدنا كثيرًا على تفسير تلك المواقف المحيِّرة في بعض الأحيان، خاصَّة من قضايانا العربيَّة، وبصورة أخص قضايا البلدان والأقطار المحيطة بإسرائيل، وأي غفلة من صنَّاع القرار في هذه البلدان عن هذا العنصر الفاعل المؤثر تجعلنا نقع في كثير من الأخطاء، وتوجد بيننا وبين التصورات الدقيقة ضبابًا كثيفًا يحجب الرؤية، فحين تتدخل الدول الكبرى في العراق وتنهي وجود دولته وتفكك كل مؤسَّساتها، وتعمل في سوريا على إطالة فترة الاضطراب، وتتحرك يمينًا ويسارًا فيما يعد في نظرها مجالًا حيويًّا للأمن الإسرائيلي، فإنَّها قد تتجاهل قيمًا ومصالح وحقوق، وأمورًا كثيرة، ويقف الإنسان الذي لا يضع في حسبانه هذا العامل متحيرًا؛ لذلك فإنَّ أهم ما ينبغي التأكيد عليه في بناء حالة الوعي الجديد لدى أمتنا أنَّ مشكلاتنا لم تعد مشكلات تواجهها فئة واحدة من فئآت أي شعب، فالشيعة وحدهم في العراق لا يمكن أن يعالجوا مشكلاته، ولا أن يعيدوا له لحمته، ومثلهم السنة، لم يستطيعوا وحدهم بأي حال من الأحوال أن يعيدوا بناء ما هدم من تلك البلاد وحدهم، وكذلك الكرد، أو التركمان، ولا المسلمون في العراق وحدهم يستطيعون أن يعيدوا بناءه دون ملاحظة الأقليَّات الأخرى، خاصَّة وأن عصرنا هذا لا يعتمد على الكثرة العدديَّة ولا القلة، بل صار العدد أمرًا ثانويًّا أمام اعتبارات أخرى ومؤثرات أخرى.
لقد حكم السنغال التي يتجاوز عدد المسلمين فيها أكثر من التسعين في المائة شاعر نصراني، جدد السنغاليُّون انتخابه عدة مرات، وما تركوا الرجل يخلد إلى الراحة إلا بعد أن شاخ وكبر، ولم يقل أحد: كيف تختار هذه الأكثريَّة المسلمة هذا الشاعر النصراني (ليبولد سنغور) لرئاستها؟
فإذا ألغي تأثير العدد، والناحية العدديَّة، يبقى المقياس شيء آخر، وليكن من يستطيع أن يحقق لشعبه أو لأمته النجاح والفلاح، ويعينهم على بلوغ حالة الحياة الطيبة، ﴿.. فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ..﴾ (النحل:97) والحياة الطيبة عنوان شامل لقضايا كثيرة جدًا، في مقدمتها تحقيق المصالح، ودرء المفاسد، وتحقيق الحماية، والأمن، والسلم الاجتماعي، وحماية أرواح الناس وعقولهم، وأموالهم، وأعراضهم، وحريَّاتهم في العبادة والتدين، وسلوكيَّاتهم القويمة، وأداء الأمانة، والحكم بالعدل، إلى غير ذلك، وهذا لا يتحقق بالانتماء إلى فئة، أو مؤسَّسة، أو قبيلة، أو طائفة أو مذهب، بل هي صفات وقيم يستوحيها الناس من مكونات عقولهم وقلوبهم، والمؤثرات في بناء شخصيَّاتهم.
ولقد زعمت يهود أنَّهم أبناء الله وأحباؤه، وكذَّبهم الله (جل شأنه) في ذلك، ونفى البنوَّة عنهم، بل قد نفاها عن رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: ﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ (الأحزاب:40). إذن فلابد لنا من إعادة النظر في كثير من مفاصل الثقافة والتكوين العقلي والنفسي الذي أثَّر في شخصيَّة المسلم المعاصر، وجعلها شخصيَّة فيها كل هذه المعايب والمشكلات التي نلحظها ونستهجنها. والله الموفق.
[1] كتب المحدث اليمني محمد سالم عزَّان كتابًا في بيان علل الحديث ومصائبه طبع ونشر، فليرجع إليه.
[2] يربط بأحاديث المحصول التي خرجناها بهامش كتاب الإجماع فيه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق