الأحد، 18 أغسطس 2024

الاخوان المسلمين وشبهة التفويض!

 شبهة التفويض


والشبهة التالية التي وصم بها هؤلاء الشيخ البنا - رحمه الله - شبهة التفويض ويحسن بنا أن نعرف القارئ الكريم بمعنى التفويض .

التفويض لغة" هو جعل التصرف إلى المفوض ، قال صاحب القاموس التفويض في رد الأمر إلى المفوض وجعله الحاكم فيه ، ومنه قوله تعالى: "وأفوض أمري إلى الله" ،

وقال النووي : قال أهل اللغة ، فوض إليه الأمر أي وكله ورده إليه .

والاصطلاح الشرعي للتفويض : لا يخالف المعنى اللغوي . أصل الشبهة :

أولا: قول الشيخ البنا -رحمه الله -: ( ونحن نعتقد أن رأي السلف من السكوت وتفويض ( كيفية ) علم هذه المعاني إلى الله تبارك وتعالى ، أسلم وأولى بالاتباع حسما لمادة التأويل والتعطيل ). ونلاحظ أن الشيخ البنا -رحمه الله - لم يذكر كلمة ( الكيفية ) التي وضعناها بين القوسين اعتمادا على ما علم من أقواله السابقة في ذلك ، فاستغل بعض المنتسبين إلى العلم ذلك ، وقالوا : إن الشيخ -رحمه الله - : يفوض في المعنى وليس في الكيف ، وليس هذا هو مذهب السلف لأن الله تعالى لا يخاطبنا بما لا يعقل معناه ، وهم أي السلف يفوضون الكيف لا المعنى

والجواب عن ذلك :

أن المنهج العلمي يقتضي فهم العبارة ملتئمة مع سائر النصوص والأقوال دون أخذها مجتزأة .

فالعبارة جاءت منكرة وليست معرفة فهي لا تعني المذهب المذكور، ولكنها استعملت بمعناها اللغوي بمعنى عدم الخوض في كيفية الاستواء أو غيره من الصفات ، وترك ذلك إلى الله تعالى . فإذا أضيف إلى ذلك أن الرجل أكد ترجيحه لمذهب السلف ، وارتضاءه له ، واستشهاده بأقوالهم ، وأن هذه العبارة وردت في كلام غيره من الأعلام فإنه بمعين فهم مراده على هذا الوجه ، واليك بعضا من نصوصه في هذه المسألة لنصل إلى فهم النص المذكور .

1- ( قد علمت أن مذهب السلف في الآيات والأحاديث التي تتعلق بصفات الله تبارك وتعالى أن يمروها على ما جاءت عليه ويسكتوا عن تفسيرها وتأويلها ، وأن مذهب الخلف أن يؤولوها بما يتفق مع تنزيه الله تبارك وتعالى عن مشابهة خلقه ).

2 - عند احتجاجه بأقوال السلف ذكر منهم اللالكائي في ( أصول السنة ) ، ونقل عن محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة ونقل عن الخلال في ( كتاب السنة) نصوصا عن أحمد بن حنبل ، ثم نقل عن مالك بن أنس ، وذكر ( أبو بكر الأثرم ) ( وأبو عمرو الطلمنكي ) و ( أبو عبد الله بن بطة ) وغيرهم من الأئمة ألأثبات الذين ساروا على نهج السلف الصالح .

كما أشار إلى ذلك ابن تيمية. قال -رحمه الله - : ( وكلام السلف في هذا الباب موجود في كتب كثيرة مثل كتاب السنة للالكائي والإبانة لابن بطة ، والأصول لأبي عمرو الطلمنكي والسنة لأبي بكر بن الأثرم ، والسنة للخلال ، والسنة لأبي بكر ابن أبي عاصم ).

3- نقل عن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون كلاما مختصرا لعقيدة السلف في الأسماء والصفات ، وقد ذكر هذا النص بتمامه ابن تيمية في الفتاوى.

4 - علق الإمام البنا على بعض آيات الأسماء والصفات وذكر معانيها مثل قدم الله تعالى وبقائه ، ومثل علمه سبحانه وتعالى وقيام الله تعالى بنفسه وكذلك بعض صفات الذات كالوجه والعين واليد والاستواء على العرش والعلو والقدم والفرح و غير هما .

5 - أنه صرح بمراد الكيفية تصريحا بينا في قوله : ( وإنما علم الله تبارك وتعالى علم لا يتناهى كماله ، ولا يعد علم المخلوقين شيئا إلى جانبه ، وكذلك الحياة ، وكذلك السمع . . فهذه كلها مدلولات الألفاظ فيها تختلف عن مدلولاتها في حق الخلق .

من حيث الكمال والكيفية اختلافا كليا لأنه تعالى لا يشبه أحدا من خلقه ، فتفطن لهذا المعنى فإنه دقيق . ولست مطالبا بمعرفة كنهها وانما حسبك أن تعلم آثارها في الكون ولوازمها في حقك.

6 - ارتضاؤه منهج السلف وتعويله عليه بقوله : ( فإن كنت ممن أسعده الله بطمأنينة الإيمان ، وأثلج صدره ببرد اليقين فلا تعدل به بديلا ، وجعله أسلم وأولى بالاتباع حسما لمادة التأويل والتعطيل فأين هذا من التفويض ؟ من مجموع هذه النصوص يتضح أن مراد الإمام البنا هو تفويض الكيفية لا المعنى. على أن العبارة التي اشتد فيها النكير وفسرنا مراده فيها قد جاءت في كلام الأئمة ممن هم على منهج السلف ا لصالح.

وإليك هذه الأقوال :

1 - نقل الخلال عن أحمد بن حنبل : ( نؤمن بها ونصدق بها ولا كيف ولا معنى ، ولا نرد منها شيئا ، ونعلم أن ما جاء به الرسول لمج!لى حق إذا كان بأسانيد صحاح ) وهذا (تفويض بالكيف والمعنى) .

2 - جاء عن ابن رجب الحنبلي في فضل علم السلف على الخلف : والصواب ما عليه السلف الصالح من إمرار آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت من غير تفسير لها . . ولا يصح منهم خلاف ذلك البتة خصوصا الإمام أحمد ولا خوض في معانيها وهذا ( تفويض في المعنى) .

3-كذلك ما جاء عن ابن قدامة في لمعة الاعتقاد حين عرض لمسألة الصفات ، وتلقيها بالتسليم والقبول أشار إلى ترك التعرض إلى معناها ، ورد علمها إلى قائلها. وهذا ( تفويض في المعنى) .

4 - قال أبو العباس بن سريج : ذكره صاحب معارج القبول من طبقه أبى جعفر الطبري إمام المفسرين وإسحاق بن خزيمة فقال :

( قد صح عن جميع أهل الديانة والسنة إلى زماننا أن جميع الآي والأخبار الصادقة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب على المسلمين الإيمان بكل واحد منها كما ورد ، وأن السؤال عن معانيها بدعة . والجواب كفر وزندقة ) وهذا ( تفويض في المعنى ) .

5 - قول الإمام الشافعي : ( آمنا بالله وبما جاء عن الله على مراد الله وأمنا برسول الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله ) وهذا ( تفويض كامل في الكيف المعنى ).

6 - قال ابن المنير : (ولأهل الكلام في هذه الصفات كالعين والوجه واليد ثلاثة أقوال:

أحدهما: أنها صفات ذات أثبتها السمع ولا يهتدي إليها العقل .

الثاني : أن العين كناية عن صفة البصر ، واليد كناية عن صفة القدرة ، والوجه كناية عن صفة الوجود .

الثالث : إمرارها على ما جاءت مفوضا معناها إلى الله تعالى وهذا (تفويض في المعنى).

7- قال ابن تيمية : وأما ( السلف والأئمة ) فلم يدخلوا مع طائفة من الطوائف فيما ابتدعوه من نفي وإثبات بل اعتصموا بالكتاب والسنة ، ورأوا ذلك هو الموافق لصريح العقل فجعلوا كل لفظ جاء به الكتاب والسنة من أسمائه وصفاته حقا يجب الإيمان به ، وإن لم تعرف حقيقة معناه . وهذا ( تفويض في المعنى وهذا مخالف لرأيه الذي قال به بعدم ا لتفويض ) .

8 - وقال السيوطي في الإتقان ( فصل ) من المتشابه آيات الصفات ولابن اللبان فيها تصنيف مفرد نحو-الرحمن على العرش استوى -كل شيء هالك إلا وجهه - ويبقى وجه ربك - ولتصنع على عيني - يد الله فوق أيديهم – والسماوات مطلوبات بيمينه . وجمهور أهل السنة منهم السلف وأهل الحديث على الإيمان بها وتفويض معناها المراد منها إلى الله تعالى ، جـ 1 ص7 من الإتقان في علوم القرآن وهذا (تفويض في المعنى ) .

ولقد اختلف الحنابلة في موضوع الصفات : فمنهم من قال بالتفويض كأبي يعلى(المتوفى سنة 458هـ) ، وغيره ، ومنهم من قال بالتأويل والمجاز كأبي الفرج بن الجوزي (المتوفى 597ه ) ، ومنهم يرفضهما معا (التأويل والتفويض ) كابن تيمية (المتوفى 728 س ) ، وكل منهم يعتبر أن ما ذهب إليه هو رأي السلف ، فهل رأي الإسلام هو ما ذهب إليه أحد الحنابلة - فحسب –؟.

ولنا الآن أن نسأل هؤلاء المعترضين هل هناك خلاف بين ما قاله الإمام البنا وما قاله هؤلاء الأعلام من أئمة السلف رضوان الله عليهم أجمعين خصوصا أنه ألزم نفسه برأيهم وإذا قالوا : إنما أرادوا الكيف وليس المعنى ، قلنا لهم ولماذا لم تحملوا كلام الإمام البنا الذي قال بقولهم على نفس المحمل رغم أن كلام الأئمة صريح في المعنى وليس في الكيف كما أوردنا وبيناه سابقا .

ومما يلاحظ في هذه الأقوال أن لابن تيمية -رحمه الله -رأيين في هذه المسألة : رأي يذم وينكر التفويض بالمعنى ، ورأي قد ذكرناه آنفا يفوض فيه بالمعنى (انظر رقم 7 ) ، كما يلاحظ أن الرأي الذي قال فيه بعدم تفويض المعنى قد خالف فيه كثير من الأئمة منهم إمام مذهبه ( الإمام أحمد بن حنبل ) .

ولنا أن نسأل هؤلاء : إذا كان في المسألة أكثر من رأي لأهل العلم المعتبرين ، فهل يجوز الإنكار فيها كما هو معروف في فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأمور المختلف فيها بين العلماء؟ ! .

الإجماع على أنه لا يجوز الإنكار في الأمور المختلف فيها بين الأئمة ، وإنما يكون هناك الإرشاد بالدليل بين العلماء بعضهم مع بعض فقط .


حكم التكفير بالتأويل

يقول الإمام البنا في أواخر رسالة العقائد بعد أن رجح مذهب السلف في موضوع الصفات : ( نعتقد إلى جانب هذا أن تأويلات الخلف لا توجب لكم عليهم بكفر ولا فسوق )

فهل خالف في ذلك الإمام البنا رأي السلف ؟

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ( وأما التكفير فالصواب أن من اجتهد من أمة محمد وقصد الحق فأخطأ لم يكفر، بل يغفر له خطوه –ومن تبين له الهدى واتبع غير سبل المؤمنين فهو كافر-ومن اتبع هواه وقصر في طلب الحق وتكلم بلا علم فهو عاص مذنب ، ثم قد يكون فاسقا، وقد يكون له حسنات ترجح على سيئاته).

وقال أيضا : (هذا مع أني دائما ومن جالسني يعلم ذلك مني أني من أعظم الناس نهيا عن أن ينسب معين ( شخص بعينه ) إلى تكفير وتفسيق ومعصية إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافرا تارة وفاسقا وعاصيا أخرى وأني أقرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها ، وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية والمسائل العلمية) .

(وما زال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل ولم يشهد أحد منهم على أحد لا بكفر ولا بفسق ولا بمعصية . . إلى أن قال : وكنحت دائما أذكر الحديث الذي في الصحيحين في الرجل الذي قال : إذا أنا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم زروني في اليم ،. فو الله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا من العالمين . ففعلوا به ذلك ، قال الله : ما حملك على ما فعلت ، قال : خشيتك ، فغفر له ). فهذا رجل شك في قدرة الله ، وفي إعادته إذا ذري ، بل اعتقد أنه لا يعاد ، وهذا كفر باتفاق المسلمين ، لكن كان جاهلا لا يعلم ذلك ، وكان مؤمنا يخاف الله أن يعاقبه ، فغفر له بذلك .

قال : ( والمتاول من أهل الاجتهاد الحريص على متابعة الرسول أولى بالمغفرة من مثل هذا )

فهل هناك خلاف بين الإمامين ؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق