السبت، 7 سبتمبر 2024

فتوى الامامين ابن باديس والابراهيمي حول مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف

 فتوى الامامين ابن باديس والابراهيمي حول مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف



قال الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله في "مجالس التّذكير من حديث البشير النّذير" ، من مطبوعات وزارة الشؤون الدينية ، صفحة 287 :
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، وعلى اسم الجزائر الرّاسخة في إسلامها، المتمسّكة بأمجاد قوميتها وتاريخها ـ أفتتح الذّكرى الأولى بعد الأربعمائة والألف من ذكريات مولد نبي الإنسانيّة ورسول الرّحمة سيّدنا ومولانا محمّد بن عبد اللّه عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام ـ في هذا النّادي العظيم الّذي هو وديعة الأمّة الجزائريّة عند فضلاء هذه العاصمة ووجهائها.لسنا وحدنا في هذا الموقف الشّريف لإحياء هذه الذّكرى العظيمة، بل يشاركنا فيها نحو خمسمائة مليون من البشر في أقطار المعمورة كلّهم تخفق أفئدتهم فرحا وسرورا وتخضع أرواحهم إجلالا وتعظيما لمولد سيّد العالمين.اهــــ

وقال أيضا [ نفس المصدر ، صفحة 289 ] :

ما الدّاعي إلى إحياء هذه الذّكرى ؟

المحبّة في صاحبها.

إنّ الشّيء يحبّ لحسنه أو لإحسانه وصاحب هذه الذّكرى قد جمع ـ على أكمل وجه ـ بينهما.اهــــ

وقال في المصدر ذاته ، صفحة 289-290:

فمن الحقّ والواجب أن يكون هذا النّبيّ الكريم أحبّ إلينا من أنفسنا وأموالنا ومن النّاس أجمعين ولو لم يقل لنا في حديثه الشّريف : "لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من ولده ووالده والنّاس أجمعين" وكم فينا من يحبّه هذه المحبّة ولم يسمع بهذا الحديث ؟ فهذه المحبّة تدعونا إلى تجديد ذكرى مولده في كلّ عام.

ما الغاية من تجديد هذه الذّكرى ؟

استثمار هذه المحبّة.

ان محبتنا فيه تجعلنا نحب كل خلق من أخلاقه وكل عمل من أعماله ففي ذكريات مولده نذكر من أخلاقه ومن أعماله ما يزيدنا فيه محبة ويحملنا على الاقتداء به فنستثمر تلك المحبة بالهداية في أنفسنا ،ونشرها في غيرنا....

وقال أيضا في قصيدته المشهورة والمنشورة في المصدر ذاته ، صفحة 307-309:

تحية المولد الكريم

حـيـيـت يـا جـمعَ الأدب ****** ورقـيـت سـامـيـةَ الرتبْ

وَوُقِـيـتَ شـرَّ الكـائـديـ ****** ن ذوى الدسـائـس والشغبْ

ومُـنِـحْـت في العليـاء مـا ****** تسـمـو إلـيـه مـن أربْ

أحـيـيـت مـولـد من بـه ****** حـييَ الأنـام على الحِـقَـبْ

أحـيـيـت مـولـوده بـما ****** يُبرى النـفـوسَ مـن الوصبْ

بالـعـلـم والآداب و الـ ****** أخـلاق في نـشءٍ عـجـبْ

الى آخر القصيدة التي ألقاها.

وقال الشيخ البشير الإبراهيمي أيضاً كما جاء في : " آثار الإمام محمّد البشير الإبرهيمي " المجلد الثاني الصفحة 343 :

إحياء ذكرى المولد النبوي إحياء لمعاني النبوة ، و تذكير بكل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من هدى ، وما كان عليه من كمالات نفسية ، فعلى المتكلمين في هذه الذكرى أن يذكّروا المسلمين بما كان عليه نبيهم من خلق عظيم ، وبما كان لديهم من استعلاء بتلك الأخلاق.

لهذه الناحية الحية نجيز إقامَ هذه الاحتفالات، ونعدّها مواسم تربية ، ودروس هداية ، والقائلون ببدعيتها إنما تمثلوها في الناحية الميتة من قصص المولد الشائعة.اهـــــ.

علماء الجزائر والمولد النبوي الشريف
ليلة مولده خير من ليلة القدر

لا يزال أهل العلم والصلاح في الجزائر يحتفلون بمولده صلى الله عليه وسلم ويؤلفون في ذلك المؤلفات والتصانيف، وقد ألف الإمام ابن مرزوقكتابا سماه ''جنا الجنتين في شرف الليلتين'' ذهب فيه إلى تفضيل ليلة مولده صلى الله عليه وسلم على ليلة القدر.
احتج لما ذهب إليه بإحدى وعشرين وجها من جملة الأدلة قوله:
ـ إن ليلة المولد ليلة ظهوره صلى الله عليه وسلموليلة القدر معطاة له، وما شرف بظهوره ذات المشرف أشرف مما شرف بسبب ما أعطيه، وليلة القدر شرفت بنزول الملائكة فيها وليلة المولد شرفت بظهور النبي صلى الله عليه وسلم فيها ـ ومن شرفت به ليلة المولد أفضل ممن شرفت بهم ليلة القدر على الأصح ـ ثم قال ـ اعلم أن الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلمبعينها لا ينبغي أن يختلف في تفضيلها على كل ليلة من الليالي على الإطلاق، باعتبار الواقع فيها، وإنما الكلام في تفضيل ما وافقها من ليالي السنة وهذا هو الذي ينظر فيه مع ليلة القدر. ولمن يرغب في التفاصيل مراجعة كتاب ـ المعيار المعرب ـ للإمام الونشريسي الجزائري ج 11 ص 280 ـ .289
أما الإمام الونشريسي نفسه فيصف المولد النبوي الشريف في معياره ج 8 ص 255 ''هو موسم عظيم عند أهل ملة الإسلام يعتنون به في الحواضر تعظيما لنبينا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم''. اهـ
أما شيخ الإسلام الإمام المحدث العربي التبانيالعالم الجزائري الذي ظل خمسين سنة وهو ينشر العلم الصحيح بالحرم المكي الشريف فيقول في كتابه ـ التوسل بالنبي وبالصالحين ـ ص 113 ''عمل المولد وإن حدث بعد السلف الصالح ليس فيه مخالفة لكتاب الله ولا لسنة رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم ولا لإجماع المسلمين، فلا يقول من له مسكة من عقل ودين بأنه مذموم فضلا عن كونه منكرا عظيما، وكون السلف الصالح لم يفعلوه صحيحا، ولكنه ليس بدليل وإنما هو عدم دليل، ويستقيم الدليل على كونه ممنوعا أو منكرا لو نهى الله تعالى عنه في كتابه العزيز أو نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته الصحيحة، ولم ينه عنه فيهما..'' اهـ
ـ راجع أيضا كتابه براءة الأشعريين من عقائد المخالفين، الذي طبعه باسم ابن مرزوق ـ خوفا على نفسه من بطش ''الحشوية''.
أما الإمام المصلح المجدد ابن باديس مفسر القرآن، فكان يغتنم ذكرى المولد النبوي الشريف ليذكر الناس بشمائل المصطفى وسننه التي اندرست يقول في خطبة ألقاها بمناسبة المولد ''...لسنا وحدنا في هذا الموقف الشريف لإحياء هذه الذكرى العظيمة، بل يشاركنا فيها البشر في أقطار المعمورة كلهم تخفق أفئدتهم فرحا وسرورا وتخضع أرواحهم إجلالا وتعظيما لمولد سيد العالمين. بل تشاركنا في موقفنا هذا الإنسانية كلها، وإذا لم يكن بلسان مقالها فبلسان حالها. ما الداعي إلى إحياء هذه الذكرى؟ المحبة لصاحبها، فالشيء يحب لحسنه أو لإحسانه، وصاحب هذه الذكرى قد جمع على أكمل وجه بينهما ـ ثم يضيف هذا الإمام الجليل فيقول ـ هذه المحبة تدعونا إلى تجديد ذكرى مولده في كل عام/. ما الغاية من تجديد هذه الذكرى؟ استثمار هذه المحبة.. إن محبتنا فيه تجعلنا نحب كل خلق من أخلاقه وكل عمل من أعماله..
ففي ذكريات مولده نذكر من أخلاقه لا من أعماله ما يزيدنا فيه محبة ويحملنا على الاقتداء به، فنستثمر تلك المحبة بالهداية في أنفسنا ونشرها في غيرنا.. تلك الهداية التي لا يجد العالم سعادة حقة إلا إذا تمسك بها.. اهـ
جمعية العلماء المسلمين تحتج على حكومة مراكش
لم تكتف جمعية العلماء المسلمين بقيادة الإمام ابن باديس بإحياء المولد النبوي الشريف، بل أعلنت عن غضبها واحتجاجها لما أقدمت الحكومة الفرنسية الاستعمارية على منع المسلمين بمدينة مراكش المغربية من إقامة الاحتفال. جاء في نص برقية الاحتجاج ما يلي:
وزير الخارجية بباريس والمقيم العام بالرباط،
إن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تحتج بكل شدة وبالنيابة عن كافة المسلمين ضد منع الاحتفالات التي نوى إقامتها مسلمو مراكش بمناسبة موسم المولد النبوي الشريف وتعتبر هذا المنع اعتداء فادحا على الحرية الدينية وعلى شرف مسلمي المغرب الأقصى والعالم بأسره، وتعلمكم بأن تكرار حادث من هذا القبيل يقضي على عواطف المسلمين بلا استثناء نحو دولة فرنسا.
إمضاء: عبد الحميد بن باديس
هذا هو ابن باديس في صورته الحقيقية الناصعة لا يحتفل بالمولد فقط، بل يندد بالاستعمار الذي يمنعه ويهدد الحكومة الفرنسية إن كررت المنع يعتبر منع الاحتفال بالمولد اعتداء فادحا على شرف مسلمي العالم بأسره!!
أما الشيخ العلامة طاهر آيت علجات فيقول ''نحن في أشد الحاجة اليوم كما في الأمس إلى نشر سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام وعمارة المساجد بتلاوة سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام وبيان أخلاقه وسلوكه ونشر سيرته العطرة والتمسك بأخلاقه والاقتداء بسيرته في أفراحنا واجتماعاتنا وفي مدارسنا ليكون ذلك عونا في هذا الوقت العصيب''. اهـ
فإذا ذهبنا إلى الإمام الشيخ شارف مفتي المالكية بالعاصمة، نجده يقول ''الاحتفال بالمولد النبوي الشريف جائز إذا انتفت المحرمات التي تصاحب هذاالاحتفال، ثم احتج بفتوى لسعيد حوى مقرا لها جاء فيها ''والذي نقوله: أن يعتمد شهر المولد كمناسبة يذكر بها المسلمون بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشمائله، فذلك لا حرج وأن يعتمد شهر المولد كشهر تهيج فيه عواطف المحبة نحو رسول الله صلى الله عليه وسلمفذلك لا حرج فيه، وأن يعتمد شهر المولد كشهر يكثر فيه الحديث عن شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذلك لا حرج فيه... اهـ
أما فضيلة الشيخ العلامة المبتسم محمد شريف قاهر فيقول ''حبنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم جعلنا نستبشر ونفرح بهذا الشهر المبارك، والعائلات الجزائرية المسلمة تحتفل وخاصة في ليلة المولد النبوي الشريف، فتوقد الشموع وتشتري ''الوزيعة'' والناس كلهم يفرحون بهذا اليوم، فالإنسان ينبغي أن يشكر نعمة الله تبارك وتعالى عليه وما أكثر نعم الله، ولعل أعظم نعمة بالنسبة إلينا أن جعلنا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولعل من نعم الله تبارك وتعالى أن جعلنا نستشفع برسول الله صلى الله عليه وسلمونتمسك بسنته وبشريعته، ودائما نحترم من كان يتسمى بمحمد كما ذكر القاضي عياض في كتابه ''الشفا'' ونحتفل بهذا اليوم السعيد، ونذكر أبناءنا وبناتنا بحياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكيف نشأ وكيف تربى ونجعل الأولاد يفرحون ويسألون الأمهات والجدات والآباء والإخوان عن اليوم الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقتدون بسيرته العطرة. انتهى.
هذه عينة من رأي علمائنا الفطاحل الجزائريين الذين ملأوا الدنيا علما وصلاحا. ولو رحنا نجمع كل ما قاله علماؤنا لملأنا المجلدات الطوال.
هذا رأي الإمام، ابن مرزوق التلمساني والإمام الونشريسي وشيخ الإسلام العربي التباني ومفتي المالكية الشيخ شارف والإمام محمد شريف قاهر وغيرهم كثير كلهم مجمعون على تعظيم ليلة مولده صلى الله عليه وسلم، منكرين للمخالفات الشرعية التي أحدثها الجهال في هذه الليلة

يفرقون بين الليلة وما يقع فيها، ولنا أن نعجب كيف نترك فتاوى علمائنا الأجلاء لصالح فتاوى البدعة والغلو والتشدد التي لم تجن منها الأمة الجزائرية إلا مزيدا من التعصب والتشرذم.
أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا حشوي المجامع
منقول للامانة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق