#حكم_صباغة_الشعر_بالسواد
حكم صبغ الشعر باللون الأسود سواء للمرأة أم الرجل مختلف فيه إلى ثلاثة أقوال:
1 _ القول بالجواز مطلقا وهو قول (سعد بن أبي وقاص، وعقبة بن عامر، والحسن، والحسين، وابن سيرين وجرير وإبراهيم النخعي وهو مذهب الحنفية) وقول جمهور العلماء ما بين القول بالجواز المطلق والقول بكراهة التنزيه.
2 _ القول بكراهته كراهة تنزيه أي أن تجنب الصبغ بالسواد مستحب لا واجب (وهو قول مالك). وهو قول ابن حجر أيضا.
3 _ القول بكراهته كراهة تحريم وهو قول النووي، لا أعلم قائلا به غيره وهناك من نسبه للشافعية جميعا مستدلا بقول النووي وحده وأرى أن هذا الاستدلال لا يصح فالإمام النووي شافعي وليس قوله قول "الشافعية جميعا" وخير مثال أن ابن حجر العسقلاني شافعي أيضا ويرى كراهة التنزيه لا التحريم كما أن النووي نفسه لما ذكر قوله بالتحريم قال إن غيره من العلماء قالوا بالكراهة ولم يذكر من قال بالتحريم مثله (وأقول _صهيب_: لا أقول إنه لم يقل بالتحريم غير النووي ولكن لا أعلم من قال بالتحريم غيره وعدم العلم بالشيء لا يعني العلم بعدمه ولكن وإن وجد فإنه قول خفي غير منتشر مقارنة مع المذهبين القائلين بالجواز والكراهة).
4 _ من رخص فيه في الجهاد فقط وهو قول نسبه ابن حجر لبعض العلماء دون أن يذكر أسماءهم ولم أقف عليهم بنفسي.
#أدلة_المحرمين_والكارهين_والجواب_عليها:
#الدليل_1: قالوا إن هذا من التدليس وإخفاء حقيقة العمر.
#جوابه_1: في عصرنا توجد بطاقات التعريف التي تذكر تاريخ الميلاد بدقة كما أنه في عصرهم إذا كان الإنسان صادقا فإنه يخبر بعمره الحقيقي عند الحاجة وإن كان كاذبا فلن يكون ذلك إلا وسيلة لإعانته على الكذب والأصل حرمة الكذب فإن قال حقا كأن تخبر المرأة من يريد خطبتها عن سنها الحقيقي فعندها يُعلم ذلك وكم من كبير في السن جاوز الأربعينات ليس به أي شيب وكم من شاب في العشرينيات اشتعل رأسه شيبا.
ثم لو كان الأمر كذلك فما حكم صبغ الأشقر لشعره بالسواد والأصل في شعره أنه أصفر أو برتقالي وهناك من له شعر بني فلماذا يكون النهي عن السواد وكل شعور كل البشر سوداء.
#الدليل_2: استدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم ((يَكُونُ قَوْمٌ يَخْضِبُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ بِالسَّوَادِ كَحَوَاصِلِ الْحَمَامِ ، لَا يَرِيحُونَ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ)) [رواه أبو داوود والنسائي].
#جوابه_2: الجواب على هذا النص من عدة أوجه:
1 _ هذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم لقوم يدخلون النار ووصفهم التخضيب بالسواد كما وصف الخوارج بحلق الرؤوس مع أن حلق الرأس جائز بالاتفاق وإنما هي ظاهرة انتشرت في الخوارج آنذاك (كانوا جميعا يحلقون رؤوسهم حلقا تاما حتى تميزوا بذلك) وإنما جاء الوعيد فيهم لما لهم من استحلال للدماء وتكفير للمسلمين لا لحلق الرؤوس وكذلك قد يصف النبي صلى الله عليه وسلم قوما من الكفار وتكون صفتهم التي يتميزون بها تخضيب الشعر بالسواد وليس معناه أن هذا التخضيب بالسواد هو الذي جعلهم لا يدخلون الجنة.
2 _ لا يمكن أن يكون مجرد الصبغ بالسواد سببا في عدم دخول الجنة ولا شم ريحها وإلا لكان الصبغ بالسواد ليس مجرد مكروه كراهة تنزيه ولا كراهة تحريم بل يكون على هذه الحالة إما كفرا مخرجا من الملة "وهو الذي أفهمه على مذهبي في الوعيد بعدم دخول الجنة" وإما أن يكون على الأقل من الكبائر الموبقات إذ الوعيد بالنار وحده يدل على أن الفعل كبيرة فكيف بالوعيد بعدم شم رائحة الجنة ؟ ولو كان كبيرة فضلا على أن يكون كفرا فينبغي أن تكون هذه المسألة مما يُذكر في القرآن أو على الأقل في حديث متواتر أي أن الأمة نفسها كانت لتهتم بنقل هذه الرواية حتى تبلغ التواتر نظرا لخطورتها وأهميتها، بل وكيف يستغني عن مثل هذه الرواية الإمام البخاري الذي اصطفى من 600 ألف حديث كتابه الجامع المسند الصحيح الذي انتخب فيه ما يراه صحيحا على شرطه في حوالي 9 آلاف رواية أفلم يجد أن يروي فيها رواية خطيرة كهذه قد يدخل الناس بها النار ولا يريحون رائحة الجنة ؟ والقول عند بعض المحققين كبشار عواد ومن تخصص في كتب البخاري تحديدا أن ما لم يروه البخاري في صحيحه من الأحاديث الواردة في مسائل الشريعة فهو ضعيف عنده وكذلك ما لم يروه مسلم في صحيحه فهو ضعيف عنده، لذلك فهذه الرواية ليست مروية لا في صحيح البخاري ولا في صحيح مسلم ولا أستشهد بذلك على ضعف الحديث على الحقيقة وإنما على كونه غير متعلق بمسائل الشريعة وإنما هو من باب الإخبار بما سيأتي ووصفه لحالهم لا يعني بالضرورة أن ذلك الحال هو سبب عدم دخولهم الجنة.
3 _ روي من طرق أخرى ما يشير إلى نقيض هذا الحكم فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((( إِنَّ أَحْسَنَ مَا اخْتَضَبْتُمْ بِهِ لَهَذَا السَّوَادُ أَرْغَبُ لِنِسَائِكُمْ فِيكُمْ وَأَهْيَبُ لَكُمْ فِي صُدُورِ عَدُوِّكُمْ)) [رواه ابن ماجة 3625] وروي مثله عن عثمان بن عفان [مصنف بن أبي شيبة] وعمر بن الخطاب [رواه الطبري] وإن كان البعض يطعن في هذه الأسانيد فإن الواجب على غير المتخصص أن يعرف أن دراسة الأسانيد تعتمد على جانب للظن حظ كبير منه، فمثلا تجد سندا متصلا وفيه راوٍ مجهول، هذا الراوي مجهول الحال لكنه معروف الاسم، لم يرد فيه جرح ولا تعديل لعدم علمهم بحاله، فذلك لا يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل الحديث وإنما يعني أن المحدثين غير متأكدين من كونه قد قاله أم لا، إذ قد يكون الراوي ثقة إلا أن أهل الجرح والتعديل لم يعرفوه كما هو الحال في زماننا الآن تجد كثيرا من العلماء الأفاضل الثقات لا يُعرفون عند مشاهير العلماء وقد يكون المجهول أعلم وأتقى من المعروف إلا أنه لم ينل نصيبه من الشهرة، فإذا سمع غير المتخصص عبارة (حديث ضعيف) ظن مباشرة أن الحديث قطعا لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم، والصواب أن الضعيف محتمل الثبوت ومحتمل عدم الثبوت خلافا للحديث المكذوب وكذا الحديث المنقطع قد لا يذكر الراوي وسيطه للراوي الآخر لكونه ثقة عنده وقد لا يذكره أيضا لأنه يراه ثقة ويعلم أن غيره لا يوثقه وقد لا يذكره لأنه نسيه والأسباب كثيرة في ذلك، فمن باب الاحتياط ترد الرواية المنقطعة ولكن في واقع الأمر فالانقطاع بحلقة واحدة ليس كالانقطاع بحلقتين أو أكثر لذلك سمي الانقطاع الثاني بالمعضل خلافا للأول أي أنه ليس انقطاعا معضلا، وكثيرا ما يصحح بعض العلماء مراسيل الزهري مثلا أو مراسيل أهل المدينة أو مراسيل فلان من الرواة لقولهم "لأنه لا يرسل إلا بإسقاط الصحابي ولا يسقط التابعي في الإرسال" وبعيدا عن هذا التفصيل أقول (لو كانت القضية متعلقة بعدم شم رائحة الجنة لكان الله بمقتضى لطفه بالعباد وهدايته لهم أن يجعل ذلك الحكم واضحا نيرا يقيني الثبوت لا يشوبه شائب، فبدل أن لا نجد في الروايات إلا رواية عند النسائي تعارضها روايات عند ابن ماجة وغيره كان الأولى أن يرد الحكم في القرآن ولا يعارضه شيء، ثم أقول: إني أصحح رواية (يكون قوم يخضبون رؤوسهم .....) ولا أضعفها وإنما أقول إن معناها الإخبار بعلامات قوم من أهل النار وليس الإخبار بأن حكم هذا الفعل هو دخول النار وعدم دخول الجنة وقد يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد قال الحديث بطوله وذكر لهم صفات غير هذه الصفة وما شهد الراوي إلا هذا الجزء منه وقد سبق أن قالت عائشة رضي الله عنها في مثل هذا ((ما حفظ أبو هريرة وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم قالت اليهود الشؤم في ثلاث فدخل أبو هريرة وما سمع "قالت اليهود" فسمع "الشؤم في ثلاث" فحسبه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم)) وكثير من الروايات تروى مختصرة وهي في الأصل روايات طويلة، ولذلك نجد أن خطب الجمعة التي ألقاها النبي صلى الله عليه وسلم أو أبو بكر أو عمر أو عثمان أو علي من بعده لم تُنقل لنا خطبا كاملة وإنما نجدها موزعة بين الأحاديث مما يدل على عدم نقل كل الروايات بطولها وسياقها الكامل كما رواها النبي صلى الله عليه وسلم فعدم ذكر سياق معين لها لا يعني عدم وجود ذلك السياق.
4 _ ثم لو أخذنا هذا الحديث على أن صابغ شعره بالسواد لن يريح رائحة الجنة فإن ذلك لن يدل على الكراهة كما هو قول جل من يستدل بهذا الحديث وإنما يدل على التحريم المطلق بل يكون من الكبائر ولن يكون دالا حتى على كراهة التحريم والتي لا يمكن أن ترتقي لدرجة الكبائر ومن المعلوم أنه لا يوجد عالم قط يقول يأن صبغ الشعر بالسواد كبيرة من الكبائر إنما الغالبية الساحقة يقولون إما بالجواز وإنا بكراهة التنزيه "وليس هنا أي تحريم" وانفرد فيما أعلم النووي بالقول بكراهة التحريم "وكراهة التحريم تكون من الصغائر لا الكبائر" فلا يوجد من يقول بأنه كبيرة من الكبائر مما يعني أن العلماء قاطبة لم يفهم أي منهم أن سبب عدم اشتمام هؤلاء القوم رائحة الجنة هو صبغ الشعر بالسواد وإنما هو صفة تميزوا بها ليست هي العلة في عدم شمهم رائحة الجنة.
#الدليل_3: قالوا: ((أُتِيَ بِأَبِي قُحَافَةَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَالثَّغَامَةِ بَيَاضًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : غَيِّرُوا هَذَا بِشَيْءٍ ، وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ)) [رواه مسلم]
واستدلوا به على تحريم الصبغ بالسواد واستدل آخرون على الكراهة.
#جوابه_3: أيضا هذا ليس دليلا على التحريم ولا حتى الكراهة وبيان ذلك كما يلي:
1 _ أبو قحافة هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه صديق النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يُبعث نبيا، والنبي صلى الله عليه وسلم يكلم من سيحلق أو يتصرف في شعر صديقه فيرى النبي صلى الله عليه تسلم أن اللون الأسود لا يناسبه فيقول (غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد) كما قد ينصح أي صديق صديقه بأن يحلق شعره بطريقة دون أخرى أو يصبغه بطريقة دون أخرى فهذا ليس حكما دينيا من الأساس وإنما هو في الأصل شيء من أمور الدنيا فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يتكلم أحيانا في مجال الشريعة وأحيانا في أمور الدنيا وقد ذكر ذلك بنفسه في حادثة تأبير النخل فقال ((أنتم أعلم بأمور دنياكم لكني إذا أخبرتكم عن الله فإني لا أكذب)).
2 _ من يرى قول النبي صلى الله عليه وسلم (واجتنبوا السواد) دليلا على وجوب اجتناب السواد فهل يرى أيضا أن الشق الأول من كلامه (غيروا هذا بشيء) دليلا على الوجوب ؟ إذًا يكون تغيير الشيب واجبا لا مستحبا على هذا الفهم وهذا ما لم يقل به أحد منهم فكيف يكون فعل الأمر الأول دالا على عدم الوجوب وفعل الأمر الثاني دالا على الوجوب والسياق واحد ولا توجد أي قرينة أخرى للتفريق بين هذا وذاك، بل إن كان التغييؤ بالسواد لم يرد إلا في أبي بكر فإن تغيير الشيب ورد عاما كما في الجامع (قصوا الشوارب وأعفوا اللحى وغيروا الشيب خالفوا المشركين) وصححه أو حسنه الألباني في صحيح الجامع.
3 _ الأصل أن فنون الحلاقة والصباغة وغيرها ليست من أمور الدين والشريعة فلا يُحكم فيها بالتحريم إلا بنص قرآني فالقرآن لا يذكر شيئا إلا إن كان دينا وإلا فإن كان من الحديث النبوي فيكون فيه ما يدل على أنه أمر ديني وإلا فكيف نفرق بين ما يقوله النبي صلى الله عليه وسلم بصفته نبيا وما يقوله بصفته قائدا وما يقوله بصفته داعية وما يقوله بصفته مسلما وما يقوله بصفته زوجا أو صديقا أو قريبا أو إنسانا ؟ فلا يقول عاقل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ينطق إلا بالتشريع وإلا فللنبي صلى الله عليه وسلم حياته وأقواله التي يقولها بصفته إنسانا كممازحته جليبيب رضي الله عنه حيث أغمض عينيه من خلفه ويقول من يشتري مني هذا العبد فهذا لم يكن تشريعا دينيا وإنما ممازحة الصديق لصديقه وكذلك لما قالت عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم وهما يحتكمان إلى أبي بكر رضي الله عنه ((قل ولا تقل إلا حقا)) لو أنها وجهت هذا الكلام للنبي صلى الله عليه وسلم بصفته ناقلا دين الله لكفرت مباشرة ولكنها وجهته للنبي صلى الله عليه وسلم بصفته زوجها الذي يدللها ويحبها وتحبه فتقول (ولا تقل إلا حقا) وتعني بذلك في قرارة نفسها (ولا تقل إلا ما يكون في مصلحتي وينتصف لي لا لك).
كتبه #صهيب_بوزيدي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق