الجمعة، 4 أبريل 2025

أخطاء الحويني وفتاواه المثيرة للجدل.. السياق والأسباب

 أخطاء الحويني وفتاواه المثيرة للجدل.. السياق والأسباب




تحدثنا في مقال سابق عن المرحوم الشيخ أبي إسحاق الحويني، وعن جهوده في علم الحديث، حيث كان عالما مبرزا في دراسة أسانيد الحديث، ولكن بمجرد إعلان وفاة الحويني، وقد انهالت الدعوات بالرحمة والمغفرة، حتى خرجت أصوات تذكر الناس بآراء وفتاوى كانت مثيرة للجدل، حين صدرت من الحويني، واختلفت وجهات النظر فيها بعد وفاته، ما بين مبرر لها، لأنها صدرت من عالم بالحديث النبوي، وبين مخطئ لها، ولو كان من غير أهل الاختصاص العلمي، لموقف مسبق من الرجل.

ولست بحاجة للتذكير بتلك الفتاوى وعناوينها، فهي معروفة ومشهورة، ولكن الأهم هنا هو نقاش لماذا صدرت مثل هذه الفتاوى من الحويني؟ التي كانت لا تعبّر عن عقلية فقهية، بل تعبّر عن عقلية محدث، معني بعلم الحديث، ولذا لا ينفرد الحويني بها، بل هي سمات مشتركة بين كثيرين ممن يقتصر اهتمامهم العلمي على الحديث، ثم يتطرق للفتوى دون ارتكاز على أداوت المفتي والفقيه.
وبداية، فلم يكن من الذوق واللائق، أن يكون الحديث فور وفاته، عن سياق آخر، غير سياق الترحم، أو ذكر المآثر، ومن كان لديه حديث آخر، فله مجاله ووقته المناسب، وليس من المناسب وقت فجيعة المحبين له بوفاته، وبخاصة أن الدافع وراء الكلام لم يكن دافعا علميا، بل كان دافعه التعصب ضد الرجل، وهو ما كان من المنصفين معه، حيث إنهم أجلوا أي خلاف فكري معه، ولم يصدر عنهم سوى الترحم والحديث عن فضل الرجل العلمي.

الحويني رجل اهتم طوال حياته بعلم الحديث، وبخاصة دراسة الأسانيد، وهذا مجال أبدع فيه وأتقنه، وهو مجال لا يخلو من اختلاف بين مدارس دراسة الأسانيد، ولذا رأينا الخلاف بين علماء الحديث المعاصرين حول تصحيح أحاديث أو تضعيفها، فما يصححه الشيخ الألباني يضعفه الشيخ شعيب الأرناؤوط، وما صححه الشيخ أحمد شاكر يضعفه الألباني، وهكذا، ولو رحنا نحصي الخلاف القديم والمعاصر بين علماء الحديث في هذه المسائل ما استوعبتها مجلدات كبيرة، فهو اختلاف مدراس، بين من يتساهل في التصحيح، ومن يتشدد فيه.

أخطاء مدرسة لا شخص:

الأمر الآخر المهم هنا، أن أخطاء الحويني العلمية التي تتعلق بالفتوى والفقه، هو عامل مشترك بين كثيرين من أهل الحديث الذين اقتصر اهتمامهم على علم الحديث، ثم دخلوا عالم الفتوى، لمجرد عثورهم على حديث صحيح في مسألة، فراحوا يأخذون به، دون الرجوع لقواعد الفتوى وعلم الفقه، الذي لا يقف في التعامل مع الحديث عند صحته وضعفه، فلو كان الأمر يبدأ وينتهي عند وجود حديث نبوي، يحكم علماء الأسانيد بصحته، لما وجدت المدارس الفقهية والعلمية على مدار تاريخ الإسلام، وقد اختلفت مع وجود النصوص القرآنية والنبوية، لأن الأمر ليس بهذه السهولة.

فهي أخطاء مدرسة وتوجه، وندر من سلم منها، فالشيخ أحمد شاكر، وهو من القليلين في المعاصرين من جمع بين علم الحديث والفقه، حيث عمل قاضيا، ولكنه في بعض الأحيان يغلب عليه جانب المحدث، وهو ما يتضح في كتابه: (كلمة الفصل في قتل مدمني الخمر)، فهو يرى في كتابه أن شارب الخمر يقتل في المرة الرابعة، مستندا لحديث، ورد ضعيفا من طريق، ومن طرق أخرى، وصل إلى تصحيحه، بناء على منهج شاكر المتساهل في التصحيح، فخرج بذلك بحكم فقهي في مسألة هي بالأساس موضع خلاف بين الفقهاء، هل شرب الخمر عقوبتها حدية أم تعزيرية، لأنه لم ترد للخمر عقوبة دنيوية في القرآن الكريم، ومن عوقبوا في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، ووردت بشأنهم النصوص النبوية، لم تستقر على عقوبة معينة، فاختلف الفقهاء في عقوبة شارب الخمر، فإذا كان العقاب بالأساس موضع خلاف في الجلد، فكيف يخرج عالم معاصر بأن العقوبة تصل للقتل؟!

أزهريون أخطأوا أخطاء الحويني:

ولو رجعنا للحويني نفسه، سنجد المزالق نفسها، سنجدها عند أزهريين أيضا من علماء الحديث، فمسألة رضاع الكبير، لم يقل بها الحويني وحده، بل قال بها عالم أزهري كان رئيسا لقسم الحديث، وأذكر وقتها كنت أسأل شيخنا القرضاوي عن تعليقه على الموضوع، فقال لي: مال أهل الحديث والفتوى؟! مستنكرا ذلك، لأنه كتب أكثر من مرة عن ضرورة وصل الفقه بالحديث، وهو ما أسهب في بيانه الشيخ الغزالي أكثر من مرة معلنا: بأنه لا سنة من غير فقه.

والأمر نفسه ينطبق على التخصصات الأخرى، فقد وجدنا علماء أزهر كبار في تخصصهم، ولكنهم عندما دخلوا مجال الفتوى، وقعوا في أخطاء أثارت جدلا كبيرا حول ما صرحوا به، مثل الشيخ سيد طنطاوي فالرجل كان عالما بالتفسير من الكبار المتمكنين من تخصصهم، لكنه دخل مجال الفتوى في سياق خطر، وكان له علاقة بالسلطة، كفوائد البنوك وغيرها.

اشترك في
الأخبار العاجلة
تلقّ تنبيهات الأخبار العاجلة من الجزيرة فورا. ابق مطلعا على أهم العناوين من أنحاء العالم
البريد الالكتروني
اشترك الآن
عند قيامكم بالتسجيل، فهذا يعني موافقتكم على سياسة الخصوصية للشبكة
محمي بخدمة reCAPTCHA
والشيخ الشعراوي كان متمكنا في اللغة والتفسير، ولكنه دخل في مجال الفتوى في قضايا ذات إشكالية، مثل: زراعة الأعضاء، والموت الرحيم، والمشكل أنها لم تكن فتاوى صدرت منه عن بحث عميق، وطول تأمل، بل كانت في مقابلات تلفزيونية عاجلة، دون إعداد منه، وليس معنى ذلك رفض ما يصدر عن هؤلاء المشايخ في مجال الفتوى لعدم التخصص، إذ إن أي أزهري بحكم دراسته، فقد درس مذهبا فقهيا معينا، وغالب أسئلة الناس تأتي في عموميات متكررة، لكنها عندما تتعلق بمسائل شائكة، هنا ينبغي أن يقف المتناول لهذه القضايا عند تخصصه، أو يتريث كثيرا في القول فيها.

لكن بلا شك أن أخطاء المدرسة السلفية المعاصرة في عالم الفتوى كانت أفدح وأخطر من أخطاء أزهريين دخلوا الفتوى، ولم تكن تخصصهم الدقيق، وتعلقت فتاوى السلفيين بفتاوى حياتية وكبيرة وخطرة في الوقت ذاته، وزاد الأمر خطورة، أن بدأ شيوخ السلفية الحكم على ققهاء وعلماء ومدى قيمتهم الفقهية، بناء على تصوراتهم، وهي تصورات مبنية على علم الحديث فقط، وكان من هؤلاء الشيخ الحويني -رحمه الله-، فقد وصل به الحال أن قال منذ سنوات طويلة: القرضاوي لا يؤخذ منه فتوى، وكان كلما استند أحد لكتاب فقه السنة، تجد سلفيا يقول لك: لا تأتني بفقه السنة، إلا ومعه كتاب (تمام المنة) للشيخ الألباني، وهو كلام لا يتسم بالعلمية، وهو دليل اضطراب المنهج العلمي والفقهي لدى الإخوة السلفيين المعنيين بعلم الحديث وحده.

فالموضوع ليس محصورا أو مقصورا على الحويني، بل هي أخطاء علمية، تتعلق بمنهجية معينة في التعامل مع النصوص، وتغليب تخصص على تخصصات أخرى، لا يتزن المنهج العلمي دون تكامل هذه العلوم معا، فلا يمكن لفقيه أن يستقل بالفقه عن النصوص النبوية، ولا يمكن لمحدث أن يتعامل مع الحديث النبوي، مستقلا به عن أصول الفقه والتراث الفقهي الذي تعامل مع هذه النصوص، وصدقت في ذلك كلمة الشيخ الغزالي: المحدثون صيادلة، والفقهاء أطباء، وهو تشخيص وتلخيص للمهام العلمية بشكل موجز معبر عن خبرة حياة وعلم طويل.

لم نبتعد عن نقاش الحويني في كلامنا، لكننا فضلنا أن نناقش المنهجية التي لا تتعلق بشخص معين، بل تتعلق بشريحة متكررة، ليكون ذلك أجدى وأنفع علميا، وحتى تكون بعيدة عن الأشخاص تقديسا أو انتقاصا، وبما لا يغمط جهد من أخطأوا، ودون غض للطرف عن أخطائهم وعلاجها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق