باب التبرك بالنبي ﷺ
أدلة التبرك من فعل الرسول ﷺ والصحابة الكرام

بسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ، أَمَّا بَعدُ:
فَقَد خَلَقَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى البَرَكَةَ فِي بَعضِ الأَمَاكِنِ وَالأَشيَاءِ وَذَكَرَ ذَلِكَ فِي القُرءَانِ الكَرِيمِ، فَجَعَلَ البَرَكَةَ فِي مَكَّةَ وَالكَعبَةِ مَثَلًا فَقَالَ فِي القُرءَانِ الكَرِيمِ: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ﴾، [سورة ءال عمران: 96]، وَجَعَلَ البَرَكَةَ فِي المَسجِدِ الأَقصَى وَمَا حَولَهُ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾، [سورة الإسراء: 1]، وَجَعَلَ البَرَكَةَ فِي بَعضِ الثِّمَارِ كَالزَّيتُونِ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ﴾، [سورة النور: 35]، وَجَعَلَ البَرَكَةَ فِي القُرءَانِ الكَرِيمِ أَيضًا فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَهَٰذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾، [سورة الأنبياء: 50].
فَإِذَا كَانَت هَذِهِ الأَشيَاءُ الَّتِي هِيَ مِن مَخلُوقَاتِ اللهِ تَعَالَى قَد أَودَعَ اللهُ تَعَالَى فِيهَا البَرَكَةَ وَالخَيرَ وَذَكَرَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ العَظِيمِ، فَمِن بَابِ أَولَى أَن يَكُونَ أَفضَلُ مَخلُوقٍ خَلَقَهُ اللهُ تَعَالَى وَهُوَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ ﷺ قَد أَودَعَ اللهُ تَعَالَى فِيهِ مِنَ الخَيرِ وَالبَرَكَةِ الشَّيءَ العَظِيمَ أَيضًا، وَهَذَا مَا فَهِمَهُ الصَّحَابَةُ الكِرَامُ رِضوَانُ اللهِ تَعَالَى عَلَيهِم فَإِنَّ الصَّحَابَةَ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ كَانُوا يَتَبَرَّكُونَ بِآثَارِ النَّبِيِّ ﷺ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ وَلا زَالَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَهُمْ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا عَلَى ذَلِكَ.
الدليل على جواز التبرك من فعل النبي ﷺ
إِنَّ جَوَازَ هَذَا الأَمْرِ يُعْرَفُ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ ﷺ وَذَلِكَ أَنَّهُ ﷺ قَسَمَ شَعَرَهُ حِينَ حَلَقَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بَينَ الصَّحَابَةِ وَقَسَمَ أَظْفَارَهُ بَينَهُم أَيضًا.
اقتسام الشعر
عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ قَالَ:
رواه البخاري ومسلم وأبو داود
لَمَّا رَمَى ﷺ الْجَمْرَةَ وَنَحَرَ نُسُكَهُ وَحَلَقَ نَاوَلَ الْحَالِقَ شِقَّهُ الأَيْمَنَ فَحَلَقَ ثُمَّ دَعَا أَبَا طَلْحَةَ الأَنْصَارِيَّ فَأَعْطَاهُ الشَّعَرَ ثُمَّ نَاوَلَهُ الشِّقَّ الأَيْسَرَ فَقَالَ: “احْلِقْ“، فَحَلَقَ فَأَعْطَى الشَّعَرَ لِأَبِي طَلْحَةَ وَقَالَ ﷺ: “اقْسِمْهُ بَيْنَ النَّاسِ“.
لِلحَدِيثِ رِوَايَاتٌ كَثِيرَةٌ أُخرَى.
فَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ التَّبَرُّكَ بِآثَارِ الرَّسُولِ ﷺ جَائِزٌ، فَقَدْ قَسَمَ ﷺ شَعَرَهُ لِيَتَبَرَّكُوا بِهِ وَلِيَسْتَشْفِعُوا إِلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ مِنْهُ وَيَتَقَرَّبُوا بِذَلِكَ إِلَيْهِ لا لِيَأْكُلُوهُ لِأَنَّ الشَّعْرَ لا يُؤْكَلُ إِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ الأَكْلِ، قَسَمَ بَيْنَهُمْ لِيَكُونَ بَرَكَةً بَاقِيَةً بَيْنَهُمْ وَتَذْكِرَةً لَهُمْ وَكَانَ أَحَدُهُمْ قَد أَخَذَ شَعْرَةً وَالآخَرُ أَخَذَ شَعْرَتَيْنِ وَمَا قَسَمَهُ إِلَّا لِيَتَبَرَّكُوا بِهِ فَكَانُوا يَتَبَرَّكُونَ بِهِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ، حَتَّى إِنَّهُمْ كَانُوا يَغْمِسُونَهُ فِي الْمَاءِ فَيَسْقُونَ هَذَا الْمَاءَ بَعْضَ الْمَرْضَى تَبَرُّكًا بِأَثَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
بُصاقه ﷺ في فم الطفل
صَحَّ أَنَّهُ ﷺ بَصَقَ فِي فَمِ الطِّفْلِ الْمَعْتُوهِ وَكَانَ يَعْتَرِيهِ الشَّيْطَانُ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ وَقَالَ: “اخْرُجْ عَدُوَّ اللهِ أَنَا رَسُولُ اللهِ”، رَوَاهُ الْحَاكِمُ، فَخَرَجَ مِنْهُ الْجِنِّيُّ فَتَعَافَى.
اقتسام الأظفار
ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَلَّمَ أَظْفَارَهُ وَقَسَمَهَا بَيْنَ النَّاسِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِيَأْكُلَهَا النَّاسُ بَلْ لِيَتَبَرَّكُوا بِهَ، رواه أحمد في مسنده.
فَنَعلَمُ مِن هَذَا وَغَيرِهِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَرشَدَ أُمَّتَهُ إِلَى التَّبَرُّكِ بِآثَارِهِ كُلِّهَا، ثُمَّ تَبِعَ الصَّحَابَةَ فِي خُطَّتِهِمْ فِي التَّبَرُّكِ بِآثَارِهِ ﷺ مَنْ أَسْعَدَهُ اللَّهُ وَتَوَارَدَ ذَلِكَ الْخَلَفُ عَنِ السَّلَفِ.
الدليل على جواز التبرك من فعل الصحابة
دَرَجَ الصَّحَابَةُ عَلَى مَا عَلَّمَهُم رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي كَثِيرٍ مِنَ المَوَاقِفِ الوَارِدَةِ فِي الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ عَلَى التَّبَرُّكِ بِآثَارِ النَّبِيِّ ﷺ فِي حَيَاتِهِ وَبَعدَ وَفَاتِهِ ﷺ فَكَانُوا يَتَبَرَّكُونَ بِشَعَرِهِ وَأَظفَارِهِ وَرِيقِهِ وَدَمِهِ وَعَرَقِهِ وَمَلَابِسِهِ وَغَيرِ ذَلِكَ، حَتَّى إِنَّ بَعضَ الصَّحَابَةِ أَوصَى بِأَن يُدفَنَ مَعَهُ بَعضُ ءَاثَارِ النَّبِيِّ ﷺ، وَنَذكَرُ مِن هَذَا مَا يَلِي:
عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ:
حَضَرْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ أَحْدَثْتُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَدَثًا وَلا أَدْرِي مَا حَالِي عِنْدَهُ (لا تَعْنِي بِهِ أَنَّهَا سَوفَ تَدخُلُ النَّارِ لِأَنَّهَا مُبَشَّرَةٌ بِالجَنَّةِ إِنَّمَا تَعْنِي بِهِ مَا دُونَ ذَلِكَ مِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي هِيَ خِلافُ صِفَاتِ الْكَمَالِ فَإِنَّ صِفَاتِ الْكَمَالِ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ) فَلا تَدْفِنُونِي مَعَهُ، فَإِنِّي أَكْرَهُ (يَعنِي لَا أُرِيدُ خَجَلًا مِنهُ) أَنْ أُجَاوِرَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَلا أَدْرِي مَا حَالِي عِنْدَهُ، ثُمَّ دَعَتْ بِخِرْقَةٍ مِنْ قَمِيصِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَتْ: ضَعُوا هَذِهِ عَلَى صَدْرِي وَادْفِنُوهَا مَعِي، رَوَاهُ الْحَافِظُ الزَّبِيدِيُّ فِي شَرْحِ الإِحْيَاءِ.
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مَوْلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ قَالَ: أَخْرَجَتْ إِلَيْنَا (أَي أَسْمَاءُ) جُبَّةً طَيَالِسَةً كِسْرَوَانِيَّةً (نِسْبَةٌ إِلَى كِسْرَى أَيْ مِنْ صِنَاعَةِ الْعَجَمِ) لَهَا لِبْنَةُ (بِكَسْرِ اللَّامِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ وَهِيَ رُقْعَةٌ فِي جَيْبِ الْقَمِيصِ أَيْ فَتْحَتِهِ) دِيبَاجٍ (أَيْ حَرِيرٍ) وَفَرْجَيْهَا مَكْفُوفَيْنِ (أَيْ وَرَأَيْتُ فَرْجَيْهَا أَيْ شِقَّيْهَا شِقًّا مِنْ خَلْفٍ وَشِقًّا مِنْ قُدَّامٍ مَكْفُوفَيْنِ أَيْ مَعْطُوفَيِ الأَطْرَافِ) وَقَالَتْ: هَذِهِ جُبَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ فَلَمَّا قُبِضَتْ قَبَضْتُهَا وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهَا فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرْضَى نَسْتَشْفِى بِهَا.اهـ وَفِي رِوَايَةٍ: نَغْسِلُهَا لِلْمَرِيضِ مِنَّا.اهـ رواه مسلم.
وَعَنْ حَنْظَلَةَ بنِ حَذْيَمَ قَالَ:
وفَدْتُ مَعَ جَدِّي حَذْيَمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي بَنِينَ ذَوِي لِحًى وَغَيْرَهُمْ وَهَذَا أَصْغَرُهُمْ فَأَدْنَانِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَمَسَحَ رَأْسِي، وَقَالَ: بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ، قَالَ الذَّيَّالُ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ حَنْظَلَةَ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ الْوَارِمِ وَجْهُهُ أَوِ الشَّاةِ الْوَارِمِ ضَرْعُهَا، فَيَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ عَلَى مَوْضِعِ كَفِّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَيَمْسَحُهُ فَيَذْهَبُ الْوَرَمُ.اهـ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الأَوْسَطِ وَالْكَبِيرِ بِنَحْوِهِ، وَأَحْمَدُ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ وَرِجَالُ أَحْمَدَ ثِقَاتٌ.
وَعَنْ ثَابِتٍ قَالَ:
كُنْتُ إِذَا أَتَيْتُ أَنَسًا يُخْبَرُ بِمَكَانِي فَأَدْخُلُ عَلَيْهِ فَآخُذُ بِيَدَيْهِ فَأُقَبِّلُهُمَا وَأَقُولُ: بِأَبِي هَاتَانِ الْيَدَانِ اللَّتَانِ مَسَّتَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَأُقَبِّلُ عَيْنَيْهِ وَأَقُولُ بِأَبِي هَاتَانِ الْعَيْنَانِ اللَّتَانِ رَأَتَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ. رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ.
وَعَنْ دَاوُدَ بنِ أَبِي صَالِحٍ قَالَ:
أَقْبَلَ مَرْوَانُ (يَعْنِي مَرْوَانَ بنَ الْحَكَمِ) يَوْمًا (وَكَانَ حَاكِمًا عَلَى الْمَدِينَةِ مِنْ قِبَلِ مُعَاوِيَةَ، وَلَمْ يَرَ رَسُولَ اللَّهِ كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ) فَوَجَدَ رَجُلًا وَاضِعًا وَجْهَهُ عَلَى الْقَبْرِ فَقَالَ: أَتَدْرِي مَا تَصْنَعُ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ فَإِذَا هُوَ أَبُو أَيُّوبٍ (وَاسْمُهُ خَالِدُ بنُ زَيْدٍ) فَقَالَ: نَعَم جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَلَمْ ءَاتِ الْحَجَرَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: “لَا تَبْكُوا عَلَى الدِّينِ إِذَا وَلِيَهُ أَهْلُهُ وَلَكِنِ ابْكُوا عَلَيْهِ إِذَا وَلِيَهُ غَيْرُ أَهْلِهِ“، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالأَوْسَطِ.
وَعَن خَالِدِ بنِ الْوَلِيدِ أَنَّهُ فَقَدَ قَلَنْسُوَةً لَهُ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ فَقَالَ: اطْلُبُوهَا، فَلَمْ يَجِدُوهَا، ثُمَّ طَلَبُوهَا فَوَجَدُوهَا، فَقَالَ خَالِدٌ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَحَلَقَ رَأْسَهُ فَابْتَدَرَ النَّاسُ جَوَانِبَ شَعَرِهِ فَسَبَقْتُهُمْ إِلَى نَاصِيَتِهِ فَجَعَلْتُهَا فِي هَذِهِ الْقَلَنْسُوَةِ فَلَمْ أَشْهَدْ قِتَالًا وَهِيَ مَعِي إِلَّا رُزِقْتُ النَّصْرَ. وَهَذِهِ الْقِصَّةُ صَحِيحَةٌ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الشَّيْخُ حَبِيبُ الرَّحْمٰنِ الأَعْظَمِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْمَطَالِبِ الْعَالِيَةِ فَقَالَ: قَالَ الْبُوصِيرِيُّ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَقَالَ الْهَيْثَمِيُّ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو يَعْلَى بِنَحْوِهِ وَرِجَالُهُمَا رِجَالُ الصَّحِيحِ اهـ.
وَقَالَ السُّمْهُودِيُّ فِي وَفَاءِ الْوَفَا مَا نَصُّهُ:
لَمَّا قَدِمَ بِلالٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الشَّامِ لِزِيَارَةِ النَّبِيِّ ﷺ أَتَى الْقَبْرَ فَجَعَلَ يَبْكِي عِنْدَهُ وَيُمَرِّغُ وَجْهَهُ عَلَيْهِ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ كَمَا سَبَقَ.
وَفِي تُحْفَةِ ابْنِ عَسَاكِرَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
لَمَّا رُمِسَ (أَي دُفِنَ) رَسُولُ اللَّهِ ﷺ جَاءَتْ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا فَوَقَفَتْ عَلَى قَبْرِهِ ﷺ وَاخَذَتْ قَبْضَةً مِنْ تُرَابِ الْقَبْرِ وَوَضَعَتْ عَلَى عَيْنِهَا وَبَكَتْ، وَأَنْشَأَتْ تَقُولُ:
مَاذَا عَلَى مَنْ شَمَّ تُرْبَةَ أَحْمَدٍ
أَنْ لا يَشَمَّ مَدَى الزَّمَانِ غَوَالِيَا
صُبَّتْ عَلَيَّ مَصَائِبٌ لَوْ أَنَّهَا
صُبَّتْ عَلَى الأَيَّامِ عُدْنَ لَيَالِيَا
كُلُّ هَذَا وَغَيرُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ الكِرَامَ رِضوَانُ اللهِ عَلَيهِم كَانُوا يَتَبَرَّكُونَ بِآثَارِ النَّبِيِّ ﷺ وَيُعَلِّمُونَ مَن بَعدَهُم جَوَازَ التَّبَرُّكِ بِرَسُولِ اللهِ ﷺ وَلَم يُنكِر أَحَدٌ مِنهُم عَلَى مَن تَبَرَّكَ بِآثَارِهِ ﷺ أَو زَارَ قَبرَهُ الشَّرِيفَ، فَلَا عِبرَةَ بَعدَ ذَلِكَ بِالمُخَالِفِ مَهمَا أَورَدَ مِنَ الشُّبَهِ، لِأَنَّ قَولَ وَفِعلَ الرَّسُولِ ﷺ مُقَدَّمٌ عَلَى قَولِ وَفِعلِ غَيرِهِ مِنَ النَّاسِ.
وَاللهُ تَعَالَى أَعلَمُ وَأَحكَمُ، وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
المصادر
- القرآن الكريم
- صحيح البخاري للإمام البخاري
- صحيح مسلم للإمام مسلم
- مسند أحمد للإمام أحمد بن حنبل
- مسند أبي يعلى
- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد لنور الدين الهيثمي
- إتحاف السادة المتقين للزبيدي
- وفاء الوفا للسمهودي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق