الأحد، 30 أبريل 2017

ما هي البدعة ..!؟ وهل هناك بدعة حسنة ؟!

       

 كثر القيل والقال عن  البدعة ،  والحكم على كثير من الأمور بالبدعة ( الضلالة ) .
        ومفهوم البدعة غامض عند كثير من المسلمين ، ولاسيما الذين يكثرون من إستخدامها ، والحكم على الأمور بها !    

      

  وكلما حلت مناسبة ؛ حدثت فيها نعمة في الإسلام ، وأراد المسلون إحياء ذكراها ، واستثمارها في تجميع الناس ، وتوعيتهم ، وبيان رسالة الإسلام لهم ، وإبعاد الناس – ولو لفترة قصيرة جداً – عن صخب الحياة المادية ، في رحاب بيت من بيوت الله تعالى ، إنبرى أولئك لهم ، ونشطوا في محاربتهم بتوزيع منشورات ، ومطويات ؛ تحارب تللك المناسبة ، وتصم القائمين بها بالبدعة الضلالة ، والانحراف ، والخروج عن سنة رسول الله r !
        فأحببت أن أجمع في ذلك  ، آيات ، وأحاديث ، وأعمال ، وأقوال الخلفاء الراشدين ، والصحابة الكرام ، رضوان الله عليهم ، وكذلك أقوال الأئمة الأعلام ، حتى نكون على بيّنة من أمرنا !
بسم الله الرحمن الرحيم

لتحميل كتاب ( ماهي البدعة ؟! وهل هناك بدعة حسنة ؟! ) انقر هنا

مقدمة

        الحمد لله رب العالمين ، وصلاة الله وسلامه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين .

        أما بعد :
       أنا – مقدّماً – أعلم أنّ أولئك التبديعيين لا يصغون إليّ ، ولو أتيتهم بكل آية ! وذلك لأنهم مُوجَّهون من غيرهم ، وينفذون الأوامر ، ويتركون الأمور ، ويطبقونها بصورة جماعية ، بتوجيهات وبتنظيم ، وأنهم يفعلون ما يظنون أنه الواجب ، والسنة ، ويحاربون غيرهم عليها ، ثم بعد فترة من الزمان يتركون ذلك ، وبتوجيه أيضاً ! ! أو يعيبون غيرهم ، ويطعنون فيهم ، ويصمونهم بالمبتدعة على أمر ما ، ثم بعد فترة هم يفعلون نفس الأمر ، وذلك بأمر ، وتوجيه ، وتنظيم أيضاً ! !
        فقد كانوا يعيبون على غيرهم ، ويطعنون فيهم ، فتره من الزمان على السفرات الترفيهية ، والتربوية ، ويصفونها بالبدعة ( طبعاً البدعة الضلالة ! ) ، ثم بعد فترة من الزمان أصبحوا يفعلون هم ذلك ، ويقومون بسفرات ، وبأعداد كبيرة ، ونسوا ما كانوا يعيبون غيرهم عليه ، ويطعنونهم فيه ، وكل ذلك بتوجيه ، وتنظيم ، ثم يقولون : ليس في الإسلام حزبية ، وأحزاب ! !
        ولقد قرر شيوخ ، ومسؤولو إحدى الكليات الشرعية ، في محافظة من المحافظات ، بتنظيم تجمع داخل ساحة الكلية ، تضامنا مع إخوانهم ، في استنكار الظلم ، والحيف ، في بقية المحافظات ، واستنكارا لمقتل عدد منهم ، وهو مجرد تجمع ، داخل الكلية ، وليس خارجها ، فقاموا باتصالات بالهواتف الخلوية ، يستأذنون مسؤوليهم ، هل يشاركوا ، أم لا ؟  فجاءتهم الأوامر بعدم المشاركة ، فانسلوا من بين المجموع ، وخرجوا بدون مشاركة ! ! وهكذا . . .
        ولذا أقول لو جئتهم بكل آية ، أو دليل ، فلا يغيّر – عندهم –  من القضية شيء !
        وهذا لاشك خطأ فظيع في  المنهج ، والسلوك ، فقد قال تعالى ، عن اليهود الضُّلّال : (  وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ . . . ) [1]  وقال تعالى عن المنافقين  : (  وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ    السُّفَهَاءُ . . . ) [2] ، إلا إذا أراد الله تعالى هداية عبد من عباده ، فسيجعله من الذين يستمعون القول  فيتبعون أحسنه !
        و عسى ، ولعلّ ، أن يكون بعضهم من أولئك ؛ ينشد الحقيقة ، ولا يهتم بمن قالها ! بل يهتم بما    قال !
        وفي الحقيقة أنا لم أجمع ما جمعته لأولئك ، بل لأناس ينشدون الحقيقة ، فهي ضالّتهم ومبتغاهم ، فلأولئك الأعزة أقدم هذه الرسالة المتواضعة ، أسأل الله تعالى أن يتقبلها منّي ، وأن ينفعني بها ، وسائر من يقرأها بتدبر وتجرد ، إنه سميع مجيب ، ونِعم المولى ونِعم النصير . 
        ملاحظة :
        عند نقلي لأقوال الأئمة ، والعلماء ، قمت بوضع عناوين فرعية على أقوالهم ، وقد استخرجت تلك العناوين من ضمن أقوالهم ، وذلك كي لا يمل القاريء الكريم ، ولا تأخذه السآمة من طول النقل ، وأظن أني قد عزوت كل الأقوال لأصحابها ، وأبدأ النقل بفتح قوس ( [ ) ، ثم لا أسد القوس حتى أنتهي من نقل قول ذلك الإمام ، أو العالم ، وذلك بقوس يدل على انتهاء ما أردت نقله ( ] ) ، ثم أشير في الهامش إلى المصدر ، والمرجع . فلا يحسبن أحد أن تلك الأقوال هي أقوالي ! 



البدعة في اللغة :
مأخوذة من البدع ، وهو الإختراع على غير مثال سابق ، ومنه قوله تعالى : ( بديع السموات والأرض ) [3] أي : مخترعها على غير مثال سابق . وقوله تعالى : ( قل ما كنت بدعا من الرسل ) [4]
[ أَيْ: لَسْتُ بِأَوَّلِ رَسُولٍ طَرَقَ الْعَالَمَ، بَلْ قَدْ جَاءَتِ الرُّسُلُ مِنْ قَبْلِي، فَمَا أَنَا بِالْأَمْرِ الَّذِي لَا نَظِيرَ لَهُ حَتَّى تَسْتَنْكِرُونِي وَتَسْتَبْعِدُوا  بَعْثَتِي إِلَيْكُمْ، فَإِنَّهُ قَدْ أَرْسَلَ اللَّهُ قَبْلِي جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَى الْأُمَمِ ] [5] .
ويقال : ابتدع فلان بدعة ، يعني : ابتدأ طريقة لم يسبق إليها . [6]
وهذا التعريف اللغوي ليس له خلاف ، بل هو من المجمع عليه  .

البدعة في الشرع :
        قال الإمام الشاطبي ، رحمه الله : طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية ، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه ([7]) .
        المضاهي أو المضاهيء : هو الذي يحاول أن يتشبه بغيره ويفعل مثل فعله ([8]) .
        لقد ذكر الشاطبي ، رحمه الله ، في تعريفه للبدعة ، بأنها طريقة مخترعة في الدين ، وليس هو وحده ذكر ذلك في تعريفها ، بل كل من يذكر تعريفها في الشرع ، يقول بأنها الإختراع في الدين ، فما هو الدين ؟

معنى الدين :
        الدين هو : ما ذكر في حوار جبريل ، عليه السلام ، مع النبيّ r .
        عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ مَا الْإِيمَانُ قَالَ الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَبِلِقَائِهِ وَرُسُلِهِ وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ
قَالَ مَا الْإِسْلَامُ قَالَ الْإِسْلَامُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ
قَالَ مَا الْإِحْسَانُ قَالَ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ
قَالَ مَتَى السَّاعَةُ قَالَ مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنْ السَّائِلِ وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا إِذَا وَلَدَتْ الْأَمَةُ رَبَّهَا وَإِذَا تَطَاوَلَ رُعَاةُ الْإِبِلِ الْبُهْمُ فِي الْبُنْيَانِ فِي خَمْسٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا الله ثُمَّ تَلَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ{إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}الْآيَةَ
 ثُمَّ أَدْبَرَ فَقَالَ رُدُّوهُ فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا فَقَالَ هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَ يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ  ([9]) .
        [ وَهُوَ حَدِيثٌ عَظِيمٌ جِدًّا، يَشْتَمِلُ عَلَى شَرْحِ الدِّينِ كُلِّهِ، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِهِ: " «هَذَا جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ» " بَعْدَ أَنْ شَرَحَ دَرَجَةَ الْإِسْلَامِ، وَدَرَجَةَ الْإِيمَانِ، وَدَرَجَةَ الْإِحْسَانِ، فَجَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ دِينًا  ] [10] .
        [ قال القاضي عياض: اشتمل هذا الحديث على جميع وظائف العبادات الظاهرة والباطنة من عقود الإيمان ابتداءً وحالاً ومآلاً ومن أعمال الجوارح، ومن إخلاص السرائر والتحفظ من آفات الأعمال، حتى إنَّ علوم الشريعة كلها راجعة إليه ومتشعبة منه ] [11] .
[ وقال القرطبي: هذا الحديث يصلح أن يقال له أُم السنة؛ لما تضمنه من جُمل علم السنة ] [12] .
        قال البخاري  : جعل ذلك كله من الإيمان [13] .
 [ فمراده بهذا الكلام : أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمى جميع ما ذكره في هذا السؤال دينا، والدين هو الإسلام ، كما أخبر الله بذلك  . . .
وهو أن الإيمان هو الاعتقادات القائمة بالقلوب، وأصله: الإيمان بالأصول الخمسة التي ذكرها الله في قوله تعالى {آمَنَ الرَّسُول  بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير} [البقرة: 285] .
 فذكر الله في هذه الآية الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والمصير إليه - وهو اليوم الآخر - وهو الذي ذكره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجبريل عليه السلام في سؤاله عن الإيمان المقرون بالإسلام وفي بعض ألفاظه زيادة ونقص.  
وفي رواية البخاري هذه ذكر الإيمان بلقاء الله والإيمان بالبعث فأما الإيمان بالبعث: فهو الإيمان بأن الله يبعث من في القبور.
والإيمان بلقاء الله معناه: الإيمان بوقوف العباد بين يدي الله عز وجل للمحاسبة بأعمالهم والجزاء بها . . .
وأما الإسلام المقرون بالإيمان: ففسره بالأعمال الظاهرة من الأقوال والأعمال وهي: الشهادتان، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان. وزاد مسلم في رواية من حديث عمر: " وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ". وزاد ابن حبان: " وتحج وتعتمر وتغتسل من الجنابة وتتم الوضوء ".
وفي رواية البخاري هذه: " أن تعبد الله ولا تشرك به ". والمراد: الإقرار بتوحيده باللسان. وقد يراد به مع ذلك: فعل جميع أنواع العبادات بالجوارح .
        وأما الإحسان: ففسره بنفوذ البصائر في الملكوت حتى يصير الخبر للبصيرة كالعيان، فهذه أعلى درجات الإيمان ومراتبه ] ([14]) .
        وقال الإمام النووي : [ فِيهِ أَنَّ الْإِيمَانَ وَالْإِسْلَامَ وَالْإِحْسَانَ تُسَمَّى كُلُّهَا دِينًا وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَجْمَعُ أَنْوَاعًا مِنَ الْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ وَالْآدَابِ وَاللَّطَائِفِ بَلْ هُوَ أَصْلُ الْإِسْلَامِ كَمَا حُكِينَاهُ عَنِ الْقَاضِي عِيَاضٍ ] ([15]) .

أقسام الدين :
        فالدين هو عبارة عن :
        1 – العقيدة والإيمان .
        2 – الشعائر التعبدية .
        3 – الشرائع القانونية والحلال والحرام .
العقيدة والإيمان :
        & أما العقيدة والإيمان فهو ما وضّحه وبيّنه الكتاب والسنة ؛ الإيمان بالله واليوم الآخر وكتبه ورسله والملائكة والقدر خيره وشره .
        فمن زاد أو نقص في ذلك فهو مبتدع بدعة ضلالة وصاحبها في النار ؛ كأن لم يؤمن بالملائكة أو بالبعث بعد الموت والحساب أو . . . إلخ ، أو زاد في ذلك بأن أضاف إلى ذلك شيئاً أو أمراً لم يقله ولم يأمر به الله تعالى ولارسوله r .
الشعائر التعبدية :
        & أما الشعائر التعبدية فمن زاد فيها أو نقص منها فهو مبتدع بدعة ضلالة وصاحبها في النار ؛ كأن زاد فرضاً على الصلوات المفروضة ، أو نقص منها ، أو زاد ركعة أو نقص ؛ كأن جعل الظهر أو العصر أو العشاء ثلاثة ركعات ، أو قدّم من مواقيتها التي حدّدها الشرع ، أو أخّرها كأن جعل وقت صلاة الصبح بعد شروق الشمس ، أو قدّم شهر رمضان أو أخّره ، أو بدّل من ميقات الحج وشعائره ، أو زاد أو نقص في مقدار الزكاة أو . . . إلخ  .
        فهذه كلها بدعة ضلالة وصاحبها في النار .

الشرائع القانونية والحلال والحرام :
        & أما الشرائع القانونية والحلال والحرام ؛ فكأن حرّم الحلال ، أو حلّل الحرام الثابت في الشرع ، فهذه بدعة ضلالة وصاحبها في النار .
        فالبدعة الضلالة هي ما كانت في الدين ، والدين هو ما ذكرناه من : الإيمان والإسلام والإحسان و . . . ؛ العقيدة والشعائر التعبدية والشرائع ، الواقعة داخل دائرة القطعيات والثوابت والمتفق عليها
        فمن بدّل فيها بزيادة أو نقصان فهو مبتدع بدعة ضلالة وهو في النار .
        أما إذا لم يغيّر من الدين شيئاً ؛ لا بزيادة ولا بنقصان ، فعمله ليس ببدعة ضلالة .
        فكل ما لم يخالف الكتاب والسنة وأصول الشريعة فليس ببدعة ضلالة .

ما رآه المؤمنون حسناً :
 قال الإمام بدر الدين العيني ، رحمه الله :
        [ والبدعة لُغَة: كل شَيْء عمل عَلى غير مِثَال سَابق، وَشرعا إِحْدَاث مَا لم يكن لَهُ أصل فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهِي على قسمَيْنِ: بِدعَة ضَلَالَة، وَهِي الَّتِي ذكرنَا، وبدعة حَسَنَة: وَهِي مَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حسنا وَلَا يكون مُخَالفا للْكتاب أَو السّنة أَو الْأَثر أَو الْإِجْمَاع ] ([16]) .
        وقال ، رحمه الله :
        [ والبدعة فِي الأَصْل إحْدَاث أَمر لم يكن فِي زمن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ الْبِدْعَة على نَوْعَيْنِ: إِن كَانَت مِمَّا ينْدَرج تَحت مستحسن فِي الشَّرْع فَهِيَ بِدعَة حَسَنَة، وَإِن كَانَت مِمَّا ينْدَرج تَحت مستقبح فِي الشَّرْع فَهِيَ بِدعَة مستقبحة ] ([17]) .

يؤيد ويخدم !
 قال الشيخ عطية بن محمد سالم ، رحمه الله :
[ من جاء بعمل لم يكن سابقاً، ولكنه من أمر الدين بمعنى: لم يخالف نصاً في كتاب الله، ولم يعارض نصاً من سنة رسول الله، بل يؤيد ويخدم ما جاء به كتاب الله وسنة رسوله، فهذا من أمرنا وليس بعيداً ولا غريباً عليه . . . إذاً: قوله: ( من أحدث في أمرنا ) أي: شيئاً جديداً لا صلة له بالدين، ( فهو رد )، أما إذا كان من صلب الدين أو يخدم ما جاء به الدين، فليس   ردا . . .
يقولون في الأصول: الإسلام جاء بجلب النفع ودفع الضر، فكل ما فيه جلب نفع للمسلمين فهو داخل في ديننا، ولكن النفع ليس متروكاً لأهواء الناس ولرغباتهم، ولكن ما شهد به الدين، وهذا باب المصالح المرسلة، وهو مفتوح على مصراعيه، فكل مصلحة لم ينفها الإسلام، وإن لم يأمر بها، لكنها تخدم جانباً من الجوانب الخمسة التي جاء الإسلام بحفظها وتدعيمها، وشرع الحدود لحفظها ] ([18]) .

المصالح الضرورية :
يقصد الشيخ ، رحمه الله ، بقوله (  الجوانب الخمسة التي جاء الإسلام بحفظهما وتدعيمها ، وشرع الحدود لحفظها ) : الدين ، والنفس ، والعقل ، والنسل ، والمال .

قال الدكتور عبد الكريم زيدان ، وهو يتحدث عن المصالح الضرورية :
[ ويقصد بها المصالح ، التي تتوقف عليها حياة الناس ، وقيام المجتمع ، واستقراره ، بحيث اذا فاتت ، اختل نظام الحياة ، وساد الناس هرج ومرج ، وعمت أمورهم الفوضى ، والاضطراب ، ولحقهم الشقاء في الدنيا ، والعذاب في الآخرة .
وهذه الضروريات هي : الدين ، والنفس ، والعقل ، والنسل ، والمال .
وهذه المصالح راعتها الشرائع جميعا ، وان اختلفت في طرق رعايتها ، والمحافظة عليها . والشريعة الإسلامية – هي خاتمة الشرائع – راعتها على أتم وجوه الرعاية ، فشرعت الأحكام لايجادها أولا ، والمحافظة عليها ثانيا ] ([19]) .





المقياس والميزان !
وقال الشيخ عطية أيضا ، رحمه الله :
[ ويجيب عن ذلك الإمام ابن تيمية رحمه الله: بأن البدعة من حيث اللغة هي: الإيجاد على غير مثال سابق، و عمر هنا وافق أصلاً شرعيا،ً ومن هنا وضع المقياس والميزان، فكل ما وجد بعد زمن رسول الله والخلفاء الراشدين نقيسه على ميزان الشريعة، فإن وافق أصلاً فيها فهو حسن، وهو إحياء لسنة مماتة، وإن خالف فيها الشرع المعلوم بالكتاب والسنة رددناها على صاحبها ] ([20]) .


كل بدعة ضلالة :
إذاً فما معنى حديث رسول الله r : كل بدعة ضلالة ؟
[ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : كان رسول الله r إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته . . . ويقول : (( أما بعد ، فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور مُحدَثاتها ، وكل مُحدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة )) رواه مسلم [21] ، وفي رواية غيره زيادة (( وكل ضلالة في النار )) .
وعن العرباض بن سارية t عن النبيّ r أنه قال :      (( . . . فإنه من يعشْ منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة )) [22]
[ هذان الحديثان الشريفان هما أقوى ما يتمسك به من يحكم على كل المحدثات الدينية بأنها بدعة ضلالة ، وأن أهلها مبتدعون ضالون من أهل النار ، إذ النص واضح حسب الظاهر (( كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار )).
لكن هل لهذا النص وجه من الفهم غير هذا الظاهر الذي يبدو لمن يستدل به على التعميم ؟؟ والجواب : نعم ، والذي يتدبر آيات الكتاب العزيز يدرك هذا .

دلالة (( كل )) :
كلمة (( كل )) قد تأتي والمراد بها التعميم الشامل فيما دخلت عليه ، ومن ذلك قوله تعالى : { وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } ،   { وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ } ، { ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ } ، { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ } ، { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا } .
وقد تأتي والمراد بها تعميم هو دون التعميم الشامل لكل ما يصدق عليه اللفظ ، ومن ذلك قوله تعالى : { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيء} ، { ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ } ، { وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيء } ، { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلا مَسَاكِنُهُمْ } .
ففي الآيات الأولى لا تستطيع أن تتصور شيئاً لا يدخل في عموم ما دخل عليه لفظ (( كل )) .
 فالله تعالى بكل شيء عليم ، ويستحيل أن تتصور شيئاً لا يدخل في علمه تعالى .
 وكل نفس لا بد أن يذيقها الله تعالى الموت ثم يحييها بعدما أماتها ، ويستحيل أن تتصور أن هناك نفساً من الأنفس لا يذيقها الله تعالى الموت ، وهكذا .
أما الآيات التالية لها فالعموم ليس بالشامل لكل ما دخل عليه لفظ (( كل )) من كل وجه ، وتأمل معاني الآيات وما قاله المفسرون فيها :

معاني الآيات :
[ فأما قوله تعالى { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيء} فقد قال الإمام ابن جرير الطبري في تفسيرها : فإن قال لنا قائل : كيف قيل { فتحنا عليهم أبواب كل شيء} وقد علمت أن باب الرحمة وباب التوبة لم يفتح لهم وأبواب أُخَرُ غيره كثيرة ؟!! . قيل [ أي قلنا له في الجواب ] : إن معنى ذلك على غير الوجه الذي ظننت ، وإنما معنى ذلك : فتحنا عليهم استدراجاً منا لهم أبواب كل ما كنا سددنا عليهم بابه عند أخذنا إياهم بالبأساء والضراء ، ... ففتْحُ الله عليهم أبواب كل شيء هو تبديله لهم مكان السيئة التي كانوا فيها في حال امتحانه إياهم من ضيق العيش إلى الرخاء والسعة، ومن الضر في الأجسام إلى الصحة والعافية ، وهو فتحُ أبواب كل شيء كان أغلق بابه عليهم مما جرى ذكره .
وأما قوله تعالى { ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ } فقد قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله : وتبييناً لكل ما لقومه وأتباعه إليه الحاجةُ من أمر دينهم .
وأما قوله تعالى { وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيء } فقد قال ابن كثير رحمه الله : وأوتينا من كل شيء أي مما يحتاج إليه المُلْك .
وأمـا قوله تعالى { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا } فقد قال الإمـام الطبري رحمه الله : وإنما عنى تدمر كل شيء بأمر ربها مما أرسلت بهلاكه ، لأنها لم تدمر هوداً عليه السلام ومن كان آمن به . وقال ابن كثير رحمه الله : أي تخرب كل شيء من بلادهم مما من شأنه الخراب .
فقد بان وظهر أن المراد بقوله تعالى { أَبْوَابَ كُلِّ شَيء} هو بعض الأبواب ، وأن المراد بقوله تعالى  { وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ } هو تفصيل ما يحتاجه قوم موسى من معرفة أمور دينهم ، وأن المراد بقوله تعالى { وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيء } هو ما أعطاه الله تعالى لسليمان عليه السلام من الأمور التي يحتاج إليها في تدبير أمور الملك ، وأن المراد بقوله تعالى { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ   رَبِّهَا } هو تدمير ما تدمره الريح ، أي هذا المذكور فحسب .

لا يفهم على العموم :
[ وعلى هذا فلا يمكن أن نفهم قوله صلى الله عليه وسلم    (( وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة )) على العموم الشامل ، بل نقول : المعنى أن كل محدثة مما لا يندرج تحت نص من نصوص الكتاب أو السنة ولا يتفق مع مقاصدهما فهو بدعة مذمومة شرعاً ، وكل بدعة بهذا المعنى فهي ضلالة .
فإن قيل : إذا كان لفظ (( كل )) قد يأتي ويراد به التعميم الشامل ، وقد يأتي ويراد به التعميم الشامل من وجه دون وجه ؛ فلم لا نحمل هذا اللفظ الوارد في الحديث الشريف على المعنى الأول حيث إنه هو الظاهر ؟ ! .

لماذا لا يحمل على العموم ؟ :
[ فالجواب : أنه إذا حملناه على العموم الشامل بإطلاق فإن هذا يؤدي إلى مخالفة ما كان عليه الهدي النبوي وإلى الحكم على عدد من كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبدعة والضلال ، وهذا محال ، وما أدى إلى المحال فهو باطل .  
ثم إن الواجب على أهل العلم هو أن يجمعوا بين الأدلة ، لا أن يضربوا بعضها ببعض فيأخذوا ببعضها ويعرضوا عن بعض ، فذلك سبيل أهل الأهواء ] ([23]) .


كل بدعة !
ثم إن الذين ينكرون أن تكون ( كل بدعة ) بمعنى بعض ، هم أيضاً يؤمنون بهذا التفسير ، من حيث يدرون ، أو لا يدرون ! !
وإلا ما الذي أخرج الامور الدنيوية ( السيارات ، الطائرات ، الراديو ، التلفزيون ، الحاسبات . . . ) من هذا الحديث ؟ ! ( كل بدعة ) ، وهذه الأمور أحدثت بعد خير القرون ، وبعد زمن السلف الصالح ؟ !
فإن قيل : نفسر هذا الحديث على ضوء الآيات ، والأحاديث النبوية الأخرى ، فكذلك يقول من يفسر ( كل ) ببعض ! !
لأن نص هذا الحديث ( كل بدعة ) لم يستثني ، ولم يخرج الأمور الدنيوية ، فما الذي      أخرجها ؟ !  
لم يقل ( كل بدعة في الدين ) ، ولم يقل ( كل بدعة إلا أمور الدنيا ) ! بل أطلق البدعة ( كل بدعة ) !
فلماذا يكون هذا التفسير والاستثناء مقبولاً هنا ، ومرفوضاً هناك ؟ !
فإن قيل أن سياق الكلام هو الذي أخرج الأمور الدنيوية عن البدعة ، وذلك لأن الحديث هو عن الدين !
قيل : إذاً كلمة ( كل ) هنا فسرت بالسياق ، ولم يؤخذ بمعناها وحده ، وهو المطلوب ! !

مسألتان متداخلتان !
وهناك تفسير آخر ! وهو :
إن المسألة التي اختلف فيها الناس ، أو العلماء ليست مسألة واحدة ، بل هي مسألتان تداخل بعضها في بعض ! والفريقان هما على الصواب فيما ذهبا إليه ، كل على حدة !
فالذي يذهب إلى أن كل بدعة ضلالة ، هو على الصواب ، حيث قد ورد في ذلك حديث عن النبيّ r ، ولكن خطأه هو في الحكم على المصالح المرسلة ، أو التي لها أصل في الشرع ، أو التي لا تدخل في دائرة تغيير الدين ، وتشويهه زيادة ونقصانا بالبدعة ، وتسمية غير البدعة بالبدعة ، والحكم على أصحابها بالنار !
والذي يذهب إلى أن هناك بدعة حسنة ، هو أيضاً على الصواب ، من حيث الأمثلة التي يأتي بها استدلالا على ذلك ، هي في الحقيقة مصالح مرسلة ، أو لها أصل في الشرع ، أو لا تدخل في تغيير الدين ، وتشويهه زيادة ونقصانا ! وخطأه أيضا في تسمية تلك المصالح ، أو الأمور التي لها أصل ، أو التي لا تدخل في دائرة تغيير الدين، تسمية كل ذلك بالبدعة الحسنة !
ويُفَسَّر أقوال الصحابة وكبارهم بما يليق بمكانتهم وجلالتهم ، وكلامنا ليس موجّهاً إليهم ، بل موجه لمن بعدهم !
وكلا الفريقين على الحق ، وقوله صواب ! وكل منهما يتحدث عن مسألة غير مسألة الفريق الآخر !
أي : الإختلاف والكلام هو في موضوعين لا موضوع واحد ، وأحد شروط التناقض هو : وحدة الموضوع !

كل ضلالة في النار :
        أود أن أنقل هنا قولاً للحافظ إبن تيمية رحمه الله حول ( وكل ضلالة في النار ) .
        قال رحمه الله :
        [ وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ { فِي خُطْبَةِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ: خَيْرُ الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ    ضَلَالَةٌ } [24] وَلَمْ يَقُلْ: وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ بَلْ يَضِلُّ عَنْ الْحَقِّ مَنْ قَصَدَ الْحَقَّ وَقَدْ اجْتَهَدَ فِي طَلَبِهِ فَعَجَزَ عَنْهُ فَلَا يُعَاقَبُ
وَقَدْ يَفْعَلُ بَعْضَ مَا أُمِرَ بِهِ فَيَكُونُ لَهُ أَجْرٌ عَلَى اجْتِهَادِهِ وَخَطَؤُهُ الَّذِي ضَلَّ فِيهِ عَنْ حَقِيقَةِ الْأَمْرِ مَغْفُورٌ لَهُ. وَكَثِيرٌ مِنْ مُجْتَهِدِي السَّلَفِ وَالْخَلَفِ قَدْ قَالُوا وَفَعَلُوا مَا هُوَ بِدْعَةٌ ([25]) وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ بِدْعَةٌ إمَّا لِأَحَادِيثَ ضَعِيفَةٍ ظَنُّوهَا صَحِيحَةً وَإِمَّا لِآيَاتِ فَهِمُوا مِنْهَا مَا لَمْ يُرَدْ مِنْهَا وَإِمَّا لِرَأْيٍ رَأَوْهُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ نُصُوصٌ لَمْ تَبْلُغْهُمْ.
        وَإِذَا اتَّقَى الرَّجُلُ رَبَّهُ مَا اسْتَطَاعَ دَخَلَ فِي قَوْلِهِ : { رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ اللَّهَ قَالَ: " قَدْ فَعَلْت " ] ([26]) .
        وأهم ما في قوله ، رحمه الله ، هو أنه لا يحكم على من يضل عن الحق – إجتهادا – بالنار ، بل يقول إنه مغفور له خطؤه .
        ولاشك أن الحكم عليهم بالخطأ ، والبدعة ، هو من إجتهاد الحافظ إبن تيمية رحمه الله ، وإلا فلربما هم كانوا على الصواب ، وهو على الخطأ ، ولكن بفرض أنهم على الخطأ ، فهو لا يحكم عليهم بالنار .
        إذاً حسب رأي الحافظ إبن تيمية رحمه الله ، أن تلك الزيادة  ( وكل ضلالة في النار ) غير صحيحة ، وذلك إضافة إلى سنده ، فإن المجتهد قد يضل عن الحق – عند اجتهاده – ويخطأ ، وخطأه مغفور له ، بل له أجر الإجتهاد – كما في الحديث الصحيح – فكيف يُحكَم عليه بالنار ؟ !

رفع الملام عن الأئمة الأعلام :
وقد سار الحافظ إبن تيمية ، رحمه الله ، على منهج الإمام الشافعي ، عندما قال : رأيى صواب يحتمل الخطأ ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب . في قوله رحمه الله :
[ وَفِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَالِمِ حُجَّةٌ فِي تَرْكِ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ لَمْ نَطَّلِعْ نَحْنُ عَلَيْهَا؛ فَإِنَّ مَدَارِكَ الْعِلْمِ وَاسِعَةٌ, وَلَمْ نَطَّلِعْ نَحْنُ عَلَى جَمِيعِ مَا فِي بَوَاطِنِ الْعُلَمَاءِ.
وَالْعَالِمُ قَدْ يُبْدِي حُجَّتَهُ وَقَدْ لَا يُبْدِيهَا, وَإِذَا أَبْدَاهَا فَقَدْ تَبْلُغُنَا وَقَدْ لَا تَبْلُغُنا, وَإِذَا بَلَغَتْنَا فَقَدْ نُدْرِكُ مَوْضِعَ احْتِجَاجِهِ, وَقَدْ لَا نُدْرِكُهُ, سَوَاءٌ كَانَتْ الْحُجَّةُ صَوَابًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ, أَمْ لَا ] ([27]) .
وقال أيضاً رحمه الله :
[ وَإِذَا كَانَ التَّرْكُ يَكُونُ لِبَعْضِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ؛ فَإِذَا جَاءَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ فِيهِ تَحْلِيلٌ أَوْ تَحْرِيمٌ أَوْ حُكْمٌ؛ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ التَّارِكَ لَهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ وَصَفْنَا أَسْبَابَ تَرْكِهِمْ يُعَاقَبُ؛ لِكَوْنِهِ حَلَّلَ الْحَرَامَ, أَوْ حَرَّمَ الْحَلَالَ؛ أَوْ حَكَمَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ.
 وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِي الْحَدِيثِ وَعِيدٌ عَلَى فِعْلٍ: مِنْ لَعْنَةٍ أَوْ غَضَبٍ أَوْ عَذَابٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ ذَلِكَ الْعَالِمَ الَّذِي أَبَاحَ هَذَا, أَوْ فَعَلَهُ, دَاخِلٌ فِي هَذَا الْوَعِيدِ.
وَهَذَا مِمَّا لَا نَعْلَمُ بَيْنَ الْأُمَّةِ فِيهِ خِلَافًا, إلَّا شَيْئًا يُحْكَى عَنْ بَعْضِ مُعْتَزِلَةِ بَغْدَادَ, مِثْلَ المريسي وَأَضْرَابِهِ: أَنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّ الْمُخْطِئَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ يُعَاقَبُ عَلَى خَطَئِهِ ] ([28]) .
وقال أيضاً رحمه الله :
[ فَمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ كُلَّ حَدِيثٍ صَحِيحٍ قَدْ بَلَغَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ, أَوْ إمَامًا مُعَيَّنًا فَهُوَ مُخْطِئٌ خَطَأً فَاحِشًا قَبِيحًا.
وَلَا يَقُولَن قَائِلٌ : إن الْأَحَادِيثَ قَدْ دُوِّنَتْ وَجُمِعَتْ؛ فَخَفَاؤُهَا وَالْحَالُ هَذِهِ بَعِيدٌ, لِأَنَّ هَذِهِ الدَّوَاوِينَ الْمَشْهُورَةَ فِي السُّنَنِ إنَّمَا جُمِعَتْ بَعْدَ انْقِرَاضِ الْأَئِمَّةِ الْمَتْبُوعِينَ, وَمَعَ هَذَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدَّعِيَ انْحِصَارَ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَوَاوِينَ مُعَيَّنَةٍ.
ثُمَّ لَوْ فُرِضَ انْحِصَارُ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها, فَلَيْسَ كُلُّ مَا فِي الْكُتُبِ يَعْلَمُهُ الْعَالِمُ, وَلَا يَكَادُ ذَلِكَ يَحْصُلُ لِأَحَدِ, بَلْ قَدْ يَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ الدَّوَاوِينُ الْكَثِيرَةُ وَهُوَ لَا يُحِيطُ بِمَا فِيهَا.
بَلْ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَ جَمْعِ هَذِهِ الدَّوَاوِينِ كانوا أَعْلَمَ بِالسُّنَّةِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ بِكَثِيرِ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِمَّا بَلَغَهُمْ وَصَحَّ عِنْدَهُمْ قَدْ لَا يَبْلُغُنَا إلَّا عَنْ مَجْهُولٍ؛ أَوْ بِإِسْنَادِ مُنْقَطِعٍ؛ أَوْ لَا يَبْلُغُنَا بِالْكُلِّيَّةِ, فَكَانَتْ دَوَاوِينُهُمْ صُدُورَهُمْ الَّتِي تَحْوِي أَضْعَافَ مَا فِي الدَّوَاوِينِ, وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَشُكُّ فِيهِ مَنْ عَلِمَ الْقَضِيَّةَ ) ([29]) .


سنة الخلفاء الراشدين :
        هناك ملاحظة حول فَهم حديث النبيّ r ( فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي . . . ) :
        فقد فهم كثير من المسلمين ، أن للخلفاء الراشدين أن يسُنُّوا سُنَناً غير سنة النبيّ r ، إعتماداً على الحديث المذكور !
        أي : كأنهم هم أيضاً معصومون عن الخطأ ، ولهم أن يُشَرِّعوا غير ما شرّعه الله تعالى عن طريق رسول الله r ، حيث أجاز لهم النبيّ r ذلك ! وهذا خطأ في الفهم كبير !

الحاكم هو الله وحده :
        فقد أجمع المسلون على أن الله تعالى وحده هو الحاكم ، ولا حاكم غيره .
        قال الدكتور عبد الكريم زيدان :
        [ وعلى هذا فالحاكم ، أي الذي يصدر عنه الحكم ، هو الله وحده ، فلا حكم إلا ما حكم به ، ولا شرع إلا ما شرعه ، وعلى هذا دلّ القرآن وأجمع المسلمون . ففي القرآن قوله تعالى : (( إن الحكم إلا لله )) [30]  (( ألا لَهُ الحكم )) [31] .
        وعلى هذا الأساس كان الحكم بغير ما أنزل الله كفراً ، لأنه ليس لغير الله سلطة إصدار الأحكام قال تعالى (( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون )) [32] .
        وما وظيفة الرسل إلا تبليغ أحكام الله ، وما وظيفة المجتهدبن إلا التعرف على هذه الأحكام والكشف عنها بواسطة المناهج والقواعد التي وضعها علم الأصول ] ([33]) .
        وقال الدكتور حمد عبيد الكبيسي :
        [ من خصائص الشريعة الإسلامية : أنها تشريع سماوي ، يصدر الحكم فيها عن الله سبحانه ، فالحاكم ومصدر الحكم حقيقة هو الله تعالى ، أما مايقررِّه علماء أصول الفقه من أن هناك أصولاً وأدلة أخرى للحكم ، فإنهم يعنون بها تلك المسالك التي يكتشف بها حكم الله تعالى ، فهي أصول بالمعنى المجازي لا الحقيقي .
        وقد أجمع على هذا المسلمون ، فاتفقوا على أنّ الحاكم هو الله سبحانه ، وأنه لا شرع إلا منه ، وقد استند هذا الإجماع إلى نصوص من الكتاب : ( إن الحكم إلا لله ) ( يوسف : 40 ) ،( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ) ( المائدة : 49 ) ، ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون )                       ( المائدة : 47 ) ] ([34]) .
        وقال الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله :
        [ أما استحقاق نفوذ الحكم فليس إلا لمن له الخلق والأمر، فإنما النافذ حكم المالك على مملوكه لا مالك إلا الخالق فلا حكم ولا أمر إلا له أما النبي - صلى الله عليه وسلم - والسلطان والسيد والأب والزوج فإذا أمروا وأوجبوا لم يجب شيء بإيجابهم بل بإيجاب الله تعالى طاعتهم، ولولا ذلك لكان كل مخلوق أوجب على غيره شيئا كان للموجب عليه أن يقلب عليه الإيجاب، إذ ليس أحدهما أولى من الآخر. فإذا الواجب طاعة الله تعالى وطاعة من أوجب الله تعالى طاعته ] ([35])  .

        وقال الإمام الشافعي رحمه الله :
        [ وما سَنَّ رسول الله فيما ليس لله فيه حكمٌ، فبِحُكْم الله سنَّه. وكذلك أخبرنا الله في قوله: " وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ ... ] ([36]) .

معنى اتباع . . سنة الخلفاء الراشدين :
إذاً فما معنى قوله r  : ( فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين ) ؟
معناه  : هو شهادة من رسول الله r للخلفاء الراشدين المهديين ، بأنهم سائرون على سنة رسول الله r لا يحيدون عنها ، فإذا عملوا عملاً لم يعمله النبيّ r ، فهو من فهمهم الصحيح لسنة رسول الله r ، ولو أن النبيّ r كان في مكانهم لعمل ذلك العمل .
فأعمالهم صائبة ، وصحيحة ، ليس فيها بدعة مذمومة ، أو ضلالة ، والله أعلم .
وقد روي عن الإمام أحمد بن حنبل ، رحمه الله ، أنه قال :
[ ما جاء عن الخلفاء الراشدين فهو من السنة ] ([37]) .
        وقال الحافظ إبن تيمية رحمه الله :
        [ فَإِنَّ عَامَّةَ مَا عِنْدَ السَّلَفِ مِنْ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ: هُوَ مَا اسْتَفَادُوهُ مِنْ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي أَخْرَجَهُمْ اللَّهُ بِهِ مِنْ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ وَهَدَاهُمْ بِهِ إلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيد ] ([38])

تفسير الإمام الشوكاني للحديث :
وقال الشيخ المباركفوري رحمه الله :
[  وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي الْفَتْحِ الرَّبَّانِيِّ إِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ قَدْ أَطَالُوا الْكَلَامَ فِي هَذَا وَأَخَذُوا فِي تَأْوِيلِهِ بِوُجُوهٍ أَكْثَرُهَا مُتَعَسِّفَةٌ وَالَّذِي يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ وَالْمَصِيرُ إِلَيْهِ هُوَ الْعَمَلُ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ هَذَا التَّرْكِيبُ بِحَسْبِ مَا تَقْتَضِيهِ لُغَةُ الْعَرَبِ فَالسُّنَّةُ هِيَ الطَّرِيقَةُ فَكَأَنَّهُ قَالَ الْزَمُوا طَرِيقَتِي وَطَرِيقَةَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَقَدْ كَانَتْ طَرِيقَتُهُمْ هِيَ نَفْسُ طَرِيقَتِهِ فَإِنَّهُمْ أَشَدُّ النَّاسِ حِرْصًا عَلَيْهَا وَعَمَلًا بِهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ
وَعَلَى كُلِّ حَالٍ كَانُوا يَتَوَقَّوْنَ مُخَالَفَتَهُ فِي أَصْغَرِ الْأُمُورِ فَضْلًا عَنْ أَكْبَرِهَا
وَكَانُوا إِذَا أَعْوَزَهُمُ الدَّلِيلُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمِلُوا بِمَا يَظْهَرُ لَهُمْ مِنَ الرَّأْيِ بَعْدَ الْفَحْصِ وَالْبَحْثِ وَالتَّشَاوُرِ وَالتَّدَبُّرِ وَهَذَا الرَّأْيُ عِنْدَ عَدَمِ الدَّلِيلِ هُوَ أَيْضًا مِنْ سُنَّتِهِ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ مُعَاذٍ لَمَّا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما تَقْضِي قَالَ بِكِتَابِ اللَّهِ
قَالَ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ قَالَ فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ فَإِنْ لم تجد قال أجتهد رأيي
قال الحمدلله الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِهِ أَوْ كَمَا قَالَ
وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فَالْحَقُّ أَنَّهُ مِنْ قِسْمِ الْحَسَنِ لِغَيْرِهِ وَهُوَ مَعْمُولٌ بِهِ وَقَدْ أَوْضَحْتُ هَذَا فِي بَحْثٍ مُسْتَقِلٍّ
فَإِنْ قُلْتَ إِذَا كَانَ مَا عَمِلُوا فِيهِ بِالرَّأْيِ هُوَ مِنْ سُنَّتِهِ لَمْ يَبْقَ لِقَوْلِهِ وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ ثَمَرَةٌ قُلْتُ ثَمَرَتُهُ أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ زَمَنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَدْرَكَ زَمَنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَوْ أَدْرَكَ زَمَنَهُ وَزَمَنَ الْخُلَفَاءِ وَلَكِنَّهُ حَدَثَ أَمْرٌ لَمْ يَحْدُثْ فِي زَمَنِهِ فَفَعَلَهُ الْخُلَفَاءُ فَأَشَارَ بِهَذَا الْإِرْشَادِ إِلَى سُنَّةِ الْخُلَفَاءِ إِلَى دَفْعِ مَا عَسَاهُ يَتَرَدَّدُ فِي بَعْضِ النُّفُوسِ مِنَ الشَّكِّ وَيَخْتَلِجُ فِيهَا مِنَ الظُّنُونِ
فَأَقَلُّ فَوَائِدِ الْحَدِيثِ أَنَّ مَا يَصْدُرُ عَنْهُمْ مِنَ الرَّأْيِ وَإِنْ كَانَ مِنْ سُنَنِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَكِنَّهُ أَوْلَى مِنْ رَأْيِ غَيْرِهِمْ عِنْدَ عَدَمِ الدَّلِيلِ
وَبِالْجُمْلَةِ فَكَثِيرًا مَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْسَبُ الْفِعْلُ أَوِ التَّرْكُ إِلَيْهِ أَوْ إِلَى أَصْحَابِهِ فِي حَيَاتِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِنِسْبَتِهِ إِلَى غَيْرِهِ مَعَ نِسْبَتِهِ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ محل القدوة وَمَكَانُ الْأُسْوَةِ فَهَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَلَمْ أَقِفْ عِنْدَ تَحْرِيرِهِ عَلَى مَا يُوَافِقُهُ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْعِلْمِ فَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنَ الشَّيْطَانِ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ
انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ ] ([39]) .
وقال الشيخ المباركفوري أيضاً رحمه الله :
[ قُلْتُ لَيْسَ المراد بسنة الخلفاء الراشدين إلا طريقتهم الموافقة لطريقته صلى الله عليه وسلم قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي أَيْ بِطَرِيقَتِي الثَّابِتَةِ عَنِّي وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَعْمَلُوا إِلَّا بِسُنَّتِي فَالْإِضَافَةُ إِلَيْهِمْ إِمَّا لِعَمَلِهِمْ بِهَا أَوْ لِاسْتِنْبَاطِهِمْ وَاخْتِيَارِهِمْ إِيَّاهَا انتهى كلام القارىء
وَقَالَ صَاحِبُ سُبُلِ السَّلَامِ أَمَّا حَدِيثُ عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بَعْدِي تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَمِثْلُهُ حَدِيثُ اقْتَدُوا بِاَللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ وأخرجه أحمد وبن ماجه وبن حِبَّانَ وَلَهُ طَرِيقٌ فِيهَا مَقَالٌ إِلَّا أَنَّهُ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا فَإِنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِسُنَّةِ الخلفاء الراشدين إلا طريقتهم الموافقة لطريقته صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جِهَادِ الْأَعْدَاءِ وَتَقْوِيَةِ شَعَائِرِ الدِّينِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ الْحَدِيثَ عَامٌّ لِكُلِّ خَلِيفَةٍ رَاشِدٍ لَا يَخُصُّ الشَّيْخَيْنِ .
وَمَعْلُومٌ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ أَنَّهُ لَيْسَ لِخَلِيفَةٍ رَاشِدٍ أَنْ يُشَرِّعَ طَرِيقَةً غَيْرَ مَا كَانَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ثُمَّ هَذَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَفْسُهُ الْخَلِيفَةُ الرَّاشِدُ سَمَّى مَا رَآهُ مِنْ تَجْمِيعِ صَلَاتِهِ لَيَالِيَ رَمَضَانَ بِدْعَةً وَلَمْ يَقُلْ إِنَّهَا سُنَّةٌ  فَتَأَمَّلْ ] ([40]) .
ومعلوم أن كثيرا من الأعمال لم يعملها النبيّ r ، بل عملها الخلفاء الراشدون بعده ، وهو r وصّى باتباع سنتهم مع سنته ، باعتبار أن الخلفاء الراشدين سائرون على منهجه الذي ربّاهم عليه ، فالسنة هي الطريقة والمنهج .

ترك النبيّ r للعمل وهو يحبه :
        كان النبيّ r كثيراً ما يترك عملاً من الأعمال وهو يحبه ، ويود أن يعمله ولكن كانت هناك أسباب خاصة تمنعه من ذلك ، وهو r ليس كغيره حرا يفعل ما يشاء ، بل هو موضع القدوة ، ومحسوب عليه كل حركة ،  وسكنة ، صلى الله عليه وسلم .
        عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : إن كان رسول الله r ليدَع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيُفرض عليهم ([41]) .
        قال الإمام النووي رحمه الله :
        [ قَوْلُهَا لَيَدَعُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ ضَبَطْنَاهُ بِفَتْحِ الْيَاءِ أَيْ يَعْمَلَهُ وَفِيهِ بَيَانُ كَمَالِ شَفَقَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأْفَتِهِ بِأُمَّتِهِ وَفِيهِ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَضَتْ مَصَالِحُ قُدِّمَ أَهَمُّهَا ] ([42]) .


خشية أن يفرض عليهم :
        وخشيته r ليست من فرض الله تعالى ذلك على الناس ، وإلا لو أراد الله تعالى ذلك لفرضه سواءً فعله r أو لم يفعله ، ولكن خشيته من أن الناس يفرضون ذلك عليهم بأنفسهم ، وذلك بحجة أن النبيّ القدوة r قد فعله ، وداوم عليه ، إذاً يجب عليهم أن يفعلوه أيضاً .
        وقد أشار النبيّ r إلى ذلك بقوله : فيُفرض عليهم بالمبني للمجهول ، أو مبني لما لم يسمى فاعله ، فلم يقل r إن الله تبارك وتعالى يفرضه عليهم .



صلاة السنة بعد العصر :
        ومن ذلك : عن عائشة رضي الله عنها أيضاً قالت :
        ( وَالَّذِي ذَهَبَ بِهِ مَا تَرَكَهُمَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ وَمَا لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى حَتَّى ثَقُلَ ، عَنِ الصَّلاَةِ ، وَكَانَ يُصَلِّي كَثِيرًا مِنْ صَلاَتِهِ قَاعِدًا - تَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيهِمَا ، وَلاَ يُصَلِّيهِمَا فِي الْمَسْجِدِ مَخَافَةَ أَنْ يُثَقِّلَ عَلَى أُمَّتِهِ ، وَكَانَ يُحِبُّ مَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ ) ([43]) .
                        فمن شفقته على أمته r ، ومن رحمته بهم لم يصل تلك الركعتان في المسجد ، وإلا لولا ذلك لصلاهما في المسجد .

تخفيف الصلاة مخافة إفتتان الأم ! :
        ومن ذلك :
        عَنْ أَبِي قَتَادَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ :      ( إِنِّي لأَقُومُ فِي الصَّلاَةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ ) ([44]) .
        فهو r كان يودّ ، ويريد أن يطيل في الصلاة ، ولكن من رحمته وشفقته على الأم يترك ذلك .
        ومنه : عن أنس بن مالك t قال :
        (ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم من النبيّ صلى الله عليه و سلم وإن كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف مخافة أن تفتن أمه ) ([45]) .
                        فيخفف r ، مخافة على الأم ، لا أنه ليس في إطالة الصلاة أجر ، أو أفضلية .

عدم وجوب السواك رحمة بالناس ! :
        ومنه : عن أبي هريرة t أن النبيّ r قال :
        ( لولا أن أشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة ) [46]
        هو r  يعلم أن في السواك أجر ، وفضل كبير ، ويودّ أن يوجبه على الناس ، مع كل صلاة ، ولكنه r ترك ذلك ، مخافة المشقة على أمته .
عدم تأخير صلاة العشاء رحمة بالامة ! :
        ومنه : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :
        ( أعتم رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلة بالعشاء حتى رقد الناس واستيقظوا ورقدوا واستيقظوا فقام عمر بن الخطاب فقال الصلاة قال عطاء قال ابن عباس فخرج نبي الله صلى الله عليه و سلم كأني أنظر إليه الآن يقطر رأسه ماء واضعا يده على رأسه فقال ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يصلوها هكذا ) ([47]) .
        وفي رواية لعائشة رضي الله عنها قالت :
        ( أَعْتَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ حَتَّى ذَهَبَ عَامَّةُ اللَّيْلِ، وَحَتَّى نَامَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى، فَقَالَ: «إِنَّهُ لَوَقْتُهَا لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي» وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: «لَوْلَا أَنْ يَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي» ) ([48]) .
                        إن الأصح ، والأحب إلى النبيّ r أن يصلي العشاء في هذا الوقت ، ولكنه r ترك ذلك من أجل أن لا يشق على أمته .

التخلف عن السرايا حبا للصحابة ! :
        ومن ذلك أيضاً : عن أبي هريرة t قال : قال رسول   الله r :
        (  لولا أن أشق على أمتي ما تخلفت عن سرية ولكن لا أجد حمولة ولا أجد ما أحملهم عليه ويشق علي أن يتخلفوا عني ولوددت أني قاتلت في سبيل الله فقتلت ثم أحييت ثم قتلت ثم أحييت ) ([49]) .
                        ترك r ذلك العمل الصالح ، شفقة على أمته ، فلولم يكن موضع القدوة r ، ولو كان حرّا في أن يعمل من الصالحات مايشاء ، لما ترك ذلك ، ولما ترك كثيرا من الأعمال الصالحة ، رحمة بأمته r


ترك إعادة بناء الكعبة خوفاً على الناس ! :
        ومنه : عن عائشة رضي الله عنها أن النبيّ r قال لها :  ( يا عائشة لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية لأمرت بالبيت فهدم فأدخلت فيه ما أخرج منه وألزقته بالأرض وجعلت له بابين بابا شرقيا وبابا غربيا فبلغت به أساس إبراهيم ) ([50]) .
                        الكعبة المشرفة التي يطوف حولها ملايين المسلمين ، قبلتهم ، ورمز العبودية والتوحيد ، تركها r على ما بناها المشركون ، على غير أساس ما بناها نبيّ الله ، وخليله ، إبراهيم عليه السلام .
        وكان r يودّ أن يهدمها ، ويعيدها كما كان بناها خليل الرحمن ، إبراهيم عليه السلام . ولكن ترك ذلك مخافة على المسلمين أن تنكر قلوبهم .

حزنه r وندمه حباً للأمة !
ومنه : عن عائشة رضي الله عنها أيضاً أن رسول الله r خرج من عندها وهو قرير العين ثم رجع وهو كئيب فقال : دخلت الكعبة فأخاف أن أكون شَقَقْتُ على أمتي ([51]) .
        وذكره الإمام بدر العيني رحمه الله فقال : [ قالت عائشة :
          دخل عَليّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ حَزِين، فَقلت: يَا رَسُول الله! خرجت من عِنْدِي وَأَنت قرير الْعين طيب النَّفس، فَمَا بالك؟ فَقَالَ: إِنِّي دخلت الْكَعْبَة، وودت أَنِّي لم أكن فعلته إِنِّي أَخَاف أَن أكون قد أَتعبت أمتِي من بعدِي) قلت: الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ، وَالْحَاكِم وَصَححهُ، وَابْن خُزَيْمَة فِي (صَحِيحه) وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الدُّخُول فِي حجَّته ] ([52]) .



ماذا نفهم من هذه الأحاديث ؟ :
        في هذه الأحاديث الكثيرة المباركة ، وغيرها حِكَم ، وعِبَر كثيرة ، ولكن الذي يهمنا هنا في موضوعنا هو :
        1 – كان النبيّ r يحب أن يعمل كثيراً من الأعمال الصالحة ، ولكنه r كان يتركها ، لا كرهاً لها ، ولا لأنها ليس فيها خير ، ولا لأنه صلى الله عليه وسلم ما كان يعرفها ، ولكن رحمة وشفقة على أمته أن يثقل عليهم ، ولولا ذلك لعملها ، ومن ذلك – كما ورد في الأحاديث التي عرضناها - :
        أ – كان r أحياناً لا يصلي بعض النوافل في المسجد ، مخافة أن يُثَقِّل على أمته .
        ب – كان r يحب أن يُطَوِّل في الصلاة ، ولكنه يترك ذلك ويتجوّز فيها كراهية أن يشق على الأمّ .
        ج – كان r يحب أن تستعمل أمته كلهم السواك مع كل صلاة ، وكان يحب أن يوجبه عليهم ، ولكنه ترك ذلك من أجل أن لا يشق عليهم .
        د – كان r يحب أن يؤخر صلاة العشاء إلى أن يذهب عامة الليل ، ويعتبرها r هو وقتها ، وكان يود أن يأمرهم فيصلوها هكذا ، ولكنه ترك ذلك ، وصلى معهم في الوقت المعلوم عندنا ، خشية أن يشق على أمته .
        هـ - كان r يحب أن لا يتخلف عن سرية ، ولكنه ترك ذلك خشية أن يشق على أمته .
        و – كان r يحب أن يهدم البيت الحرام ، الذي بنته قريش قبل البعثة ، على غير ما بناه نبيّ الله إبراهيم عليه السلام ، فيعيد بناءه على ما بناه نبيّ الله إبراهيم عليه السلام ، ولكنه ترك ذلك شفقة ورحمة بالناس أن يؤثر ذلك على إيمانهم ، وتعظيمهم للبيت .
        ز – كان r يحب أن يدخل الكعبة الشريفة ، فيصلي فيها ، وقد فعل ذلك ، ثم تمنى أن لم يكن فعل ذلك ،  وتركه  خوفاً من أن يشق على أمته بذلك ، ويتعبهم .
        2 – وفي هذه الأحاديث المباركة ردّ واضح على الذين يقولون للأعمال الصالحة : لو كان فيها خير لفعلها رسول الله r !
        ومن فضل الله تعالى أن وصلتنا هذه الأحاديث المباركة ، وتحدث رسول الله r فيها بوضوح وصراحة ، أنه يحب أعمالاً صالحة ، ولكنه يتركها رحمة وشفقة على أمته ، وإلا لو كان r حراً في تصرفاته ، وأعماله لعملها !
        وكم من أعمال ربما كان r يحبها ، وتركها ، ولم يتحدث عنها ، رحمة ، وشفقة !





أعمال عملها هو r ونهى عنها غيره :
        وأحياناً كان r لا يستطيع إخفاء عمل من الأعمال الصالحة ، بل يظهر ذلك إضطراراً ، فكان الصحابة رضوان الله عليهم يُقلّدونه ، ويعملون مثله ، فينهاهم عنها ، فلا ينتهون ، فيوافقهم كنوع من العقوبة لهم إشفاقا عليهم ، ورحمة بهم ، لكي ينتهوا ، وذلك مثل صوم الوصال([53]) .


النهي عن صوم الوصال :
        عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال :
        (  نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الوصال قالوا إنك تواصل قال ( إني لست مثلكم إني أطعم وأسقى ) ([54]) .
        عن أبي هريرة t قال :
        [  نَهَى رَسُولُ اللَّهِ عَنِ الْوِصَالِ فِى الصَّوْمِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ( وَأَيُّكُمْ مِثْلِى، إِنِّى أَبِيتُ يُطْعِمُنِى رَبِّى وَيَسْقِينِ) ، فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنِ الْوِصَالِ، وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا، ثُمَّ يَوْمًا، ثُمَّ رَأَوُا الْهِلالَ، فَقَالَ: (لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ) ، كَالتَّنْكِيلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا.
قال المهلب: لما نهاهم عليه السلام عن الوصال فلم ينتهوا، بين لهم أنه مخصوص بالقوة بقوله: (إنى لست كهيئتكم) ، لأن الله يطعمه ويسقيه، فأرادوا تحمل المشقة فى الاستنان به، والاقتداء به، فواصل بهم كالمنكل لهم على تركهم ما أمرهم به من الرخصة، فبان بهذا أن الوصال ليس بحرام، لأنه لو كان حرامًا ما واصل بهم، ولا أتى معهم الحرام الذى نهاهم عنه ] ([55])
قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله :
[  قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ ما رواه بن عمر وأبو هريرة أبو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَعَائِشَةُ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ)
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ مِنْهُمْ قَائِلُونَ إِنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن الْوِصَالِ رِفْقًا لِأُمَّتِهِ وَرَحْمَةً بِهِمْ فَمَنْ قَدَرَ عَلَى الْوِصَالِ فَلَا حَرَجَ لِأَنَّهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَدَعُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ
وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَغَيْرُهُ جَمَاعَةٌ يُوَاصِلُونَ     الْأَيَّام . . .
وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وإسحاق بن رَاهْوَيْهِ لَا يَكْرَهَانِ أَنْ يُوَاصِلَ الرَّجُلُ مِنْ سَحَرٍ إِلَى سَحَرٍ لَا غَيْرَ
وَمِنْ حُجَّةِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا أَيْضًا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا تُوَاصِلُوا فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ
قَالُوا فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ قَالَ إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنَّ لِي مُطْعِمًا يطعمني وساقيا يسقيني . . .
وَكَرِهَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْأَثَرِ الْوِصَالَ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ وَلِغَيْرِهِ وَلَمْ يُجِيزُوهُ لِأَحَدٍ
وَمِنْ حُجَّتِهِمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن الْوِصَالِ
وَأَنَّهُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ إِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَانْتَهُوا وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَخُذُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ .
وَحَقِيقَةُ النَّهْيِ الزَّجْرُ وَالْمَنْعُ
وَقَالُوا لَمَّا قَالَ لَهُمْ أَنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ أَعْلَمَهُمْ أَنَّ الْوِصَالَ لَهُ خَاصَّةً لَا لِغَيْرِهِ كَمَا خُصَّ بِسَائِرِ مَا خُصَّ r ] ([56]) .

تقبيل الصائم لزوجه :
وعن عائشة رضي الله عنها قالت :
(  كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُنِي وَهُوَ صَائِمٌ، وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ، كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْلِكُ إِرْبَهُ؟ ) ([57]) .

لسنا مثل النبيّ r :
قال الإمام السيوطي رحمه الله :
[  قَالَ الْقُرْطُبِيّ هَذَا يدل على أَن مَذْهَب عَائِشَة منع الْقبْلَة مُطلقًا فِي حق غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنَّهَا فهمت خصوصيته بِجَوَاز ذَلِك ويباشر وَهُوَ صَائِم قَالَ النَّوَوِيّ معنى الْمُبَاشرَة هُنَا اللَّمْس بِالْيَدِ وَهُوَ من التقاء البشرتين ] ([58]) .
وقال الإمام النووي رحمه الله :
[  قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ هَذِهِ اللَّفْظَةُ تُرْوَى عَلَى وَجْهَيْنِ الْفَتْحِ وَالْكَسْرِ قَالَ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ حَاجَةُ النَّفْسِ وَوَطَرُهَا يُقَالُ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ إِرْبٌ وَأَرَبٌ وَإِرْبَةٌ وَمَأْرَبَةٌ أَيْ حَاجَةٌ قَالَ وَالْإِرْبُ أَيْضًا الْعُضْوُ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَى كَلَامِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهُ يَنْبَغِي لَكُمُ الِاحْتِرَازُ عَنِ الْقُبْلَةِ وَلَا تَتَوَهَّمُوا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَنَّكُمْ مِثْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اسْتِبَاحَتِهَا لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَفْسَهُ وَيَأْمَنُ الْوُقُوعَ فِي قُبْلَةٍ يَتَوَلَّدُ مِنْهَا إِنْزَالٌ أَوْ شَهْوَةٌ أَوْ هَيَجَانُ نَفْسٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَأَنْتُمْ لَا تَأْمَنُونَ ذَلِكَ فَطَرِيقُكُمُ الِانْكِفَافُ عَنْهَا ] ([59])





هل فِعل النبيّ r بموجب ؟ :
ولذلك [ ذهب الحنفية وغيرهم رحمهم الله تعالى إلى أن فعل النبيّ r لا يكون موجباً – أي واجباً – خلافاً لبعض أصحاب الشافعي ومالك رحمهم الله ، فإنهم قالوا : إن فعله r الذي ليس بسهوٍ ولا طبعٍ ولا مخصوصٍ به موجبٌ .
إلا إذا كانت المواظبة على الفعل من غير ترك مع الإقتران بوعيدٍ فهو دليل الوجوب كما أفاده ابن الهمام في باب الإعتكاف واعتمده ابن نجيم .
بدليل المنع عن الوصال في الصيام ، حيث دلّ أن فعله r ليس بموجب .
وكذلك بدليل خلع نعليه r في الصلاة :
عن أبي سعيد الخدريّ t قال : بينما رسول الله r يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره فلما رأى ذلك القوم ألقَوا نعالهم فلما قضى رسول الله r صلاته قال : (( ما حملكم على إلقائكم نعالكم ؟ )) . قالوا : رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا . فقال رسول الله r (( إن جبريل r أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً )) . وقال (( إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذراً أو أذىً فليمسحه وليُصلِّ فيهما )) ([60]) .
فدلّ أن فعله r ليس بموجب وإلا لَزِم التناقض ، إذ كيف ينهاهم عن الواجب ، ويستغرب  rمن فعلهم له ؟ !
فإن قال قائل : فماذا تقولون في قوله r : ( صلّوا كما رأيتموني أصلي ) [61] ، و ( خذوا عني مناسككم ) [62] ؟
قيل : الوجوب استُفيد بقوله r لا بالفعل ، ولو كان الفعل موجباً لما احتيج إلى الأمر ] ([63]) .



يرضى للناس ما لا يرضاه لنفسه r :
        ولقد كان r يرضى للناس ، من العبادات ، رحمة بهم ، مالا يرضاه لنفسه .




صلى حتى انتفخت قدماه ! :
        عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى حَتَّى انْتَفَخَتْ قَدَمَاهُ، فَقِيلَ لَهُ: أَتَكَلَّفُ هَذَا؟ وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، فَقَالَ: «أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا» ([64]) .
        قال الإمام بدر العيني رحمه الله في شرحه لحديث :
        [  وَفِيه: أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لم يصم الدَّهْر وَلَا قَامَ اللَّيْل كُله [65] ، وَإِنَّمَا ترك ذَلِك لِئَلَّا يقْتَدى بِهِ فَيشق على الْأمة، وَإِن كَانَ قد أعطي من الْقُوَّة مَا لَو الْتزم ذَلِك لاقتدر عَلَيْهِ، لكنه سلك من الْعِبَادَة الطَّرِيقَة الْوُسْطَى فصَام وَأفْطر وَأقَام ونام ] ([66]) . فترك ذلك رحمة بأمته .

أفلح إن صدق ! :
        بينما نراه r ييسر على الناس ، بخلاف من يشدد على الناس ، وييسِّر على نفسه ، فيعمل بخلاف سنة النبيّ r .
        [  عن طلحة بن عبيد الله :
 أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ثائر الرأس فقال يا رسول الله أخبرني ماذا فرض الله علي من الصلاة فقال ( الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئا ) .
فقال أخبرني ما فرض الله علي من الصيام فقال ( شهر رمضان إلا أن تطوع شيئا ) .
فقال أخبرني بما فرض الله علي من الزكاة فقال فأخبره رسول الله صلى الله عليه و سلم شرائع الإسلام
قال والذي أكرمك لا أتطوع شيئا ولا أنقص مما فرض الله علي شيئا . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( أفلح إن صدق أو دخل الجنة إن  صدق ] ([67]) .
        فانظر إليه r كيف يشدد على نفسه ، وكيف يسهّل على الناس أمر دينهم ؟ وانظر إلى الفرق بينه r وبين ذلك   الأعرابي !



ترَك النبيّ r أموراً ، وأباحها لغيره :
        وبالمقابل ، قد ترك رسول الله r أموراً ، قد أباحها لغيره ، منها :

أكل الثوم والبصل :
        (  عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ وَإِنَّهُ أُتِيَ بِبَدْرٍ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ يَعْنِي طَبَقًا فِيهِ خَضِرَاتٌ (خُضَرَاتٌ) مِنْ بُقُولٍ فَوَجَدَ لَهَا رِيحًا فَسَأَلَ عَنْهَا فَأُخْبِرَ بِمَا فِيهَا مِنَ الْبُقُولِ فَقَالَ قَرِّبُوهَا فَقَرَّبُوهَا إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ كَانَ مَعَهُ فَلَمَّا رَآهُ كَرِهَ أَكْلَهَا قَالَ كُلْ فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لَا تُنَاجِي ) ([68]) .
        قال الإمام ابن بطال رحمه الله :
        [  فى هذا الحديث من الفقه إباحة أكل الثوم؛ لأن قوله: (من أكل) لفظ إباحة . . . وقد أكل الثوم جماعة من السلف ] ([69])
        وقال الإمام النووي رحمه الله :
        [  فَهَذِهِ الْبُقُولُ حَلَالٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِه ] ([70]) .
        ومع هذا ما كان النبيّ r يأكلها ، ولم يحرمها على الناس

أكل الضبّ :
        (  سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الضَّبِّ فَقَالَ لَا آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ وَأُكِلَ عَلَى مَائِدَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الضَّبُّ فَاسْتَدَلَّ ابْنُ عَبَّاسٍ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ ) ([71]) .
        (  عن ابْنَ عَبَّاسٍ أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَيْمُونَةَ وَهِيَ خَالَتُهُ وَخَالَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَوَجَدَ عِنْدَهَا ضَبًّا مَحْنُوذًا قَدْ قَدِمَتْ بِهِ أُخْتُهَا حُفَيْدَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ مِنْ نَجْدٍ فَقَدَّمَتِ الضَّبَّ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ قَلَّمَا يُقَدِّمُ يَدَهُ لِطَعَامٍ حَتَّى يُحَدَّثَ بِهِ وَيُسَمَّى لَهُ فَأَهْوَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ إِلَى الضَّبِّ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ النِّسْوَةِ الْحُضُورِ أَخْبِرْنَ (أَخْبِرِي) رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَدَّمْتُنَّ لَهُ هُوَ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللهِ فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَنِ الضَّبِّ فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ أَحَرَامٌ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ لَا وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ قَالَ خَالِدٌ فَاجْتَرَرْتُهُ فَأَكَلْتُهُ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إِلَي ) ([72]) .


أمثاله في الشريعة :
        قال الإمام ابن بطال ، رحمه الله ، :
        [  فإن قيل: فهل نجد فى الشريعة مثل هذا مما أباحه النبى عليه السلام لأمته ولم يفعله هو فى خاصة نفسه فتسكن النفس إلى ذلك؟ قيل: بلى وذلك أنه عليه السلام أباح لأصحابه أكل الضب على مائدته ولم يأكله هو وبين علة امتناعه منه فقال: (لم يكن بأرض قومى فأجدنى أعافه) ومثله أنه لم يأكل الثوم والبصل والخضروات المنتنه الريح وأباحها لأمته، وقال: (إنى أناجى من لا تناجى) وقال مرة: (إنه يحضرنى من الله حاضرة) فكذلك أباح الكي وكرهه فى خاصة نفسه عليه السلام ] ([73]) .
        فليس كل ما لم يفعله النبيّ r هو حرام ، لا يجوز فعله بإطلاق .
لم يفعله رسول الله !
        والذين يبدّعون الأمور ، بحجة أن النبيّ r لم يفعلها ! أو أن الصحابة لم يفعلوها ! نقول :
        1 – أن غير النبيّ r ليس بحجة ! في فعله أو تركه !
        2 – أن هؤلاء يخالفون إجماع العلماء ولا سيما الأصوليين ! حيث أن الأصوليون عرّفوا السنة بالاتفاق : أنها ما أُثر عن النبيّ r من قول أو فعل أو تقرير !
فهؤلاء يظهر من كلامهم – من غير أن يشعروا – أنهم لا يؤمنون بأقوال النبيّ r ، ولا بتقريراته ، بل فقط يؤمنون بأفعاله ! !
        فعلى سبيل المثال :
        (  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلَائِكَةً سَيَّارَةً، فُضُلًا يَتَتَبَّعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ، وَحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَجْنِحَتِهِمْ، حَتَّى يَمْلَئُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا وَصَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ، قَالَ: فَيَسْأَلُهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: جِئْنَا مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ فِي الْأَرْضِ، يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيُهَلِّلُونَكَ [74] وَيَحْمَدُونَكَ وَيَسْأَلُونَكَ، قَالَ: وَمَاذَا يَسْأَلُونِي؟ قَالُوا: يَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ، قَالَ: وَهَلْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قَالُوا: لَا، أَيْ رَبِّ قَالَ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قَالُوا: وَيَسْتَجِيرُونَكَ، قَالَ: وَمِمَّ يَسْتَجِيرُونَنِي؟ قَالُوا: مِنْ نَارِكَ يَا رَبِّ، قَالَ: وَهَلْ رَأَوْا نَارِي؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا نَارِي؟ قَالُوا: وَيَسْتَغْفِرُونَكَ، قَالَ: فَيَقُولُ: قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ فَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا، وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُوا، قَالَ: فَيَقُولُونَ: رَبِّ فِيهِمْ فُلَانٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ، إِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ، قَالَ: فَيَقُولُ: وَلَهُ غَفَرْتُ هُمُ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ " [75] .
فهذا الحديث هو من أقوال النبيّ r ، فهل لا يُؤخذ به ، إلا مقرونا بفعل من النبيّ r ، أو من أصحابه ؟ ! !
ومن قال ذلك ؟ ! !

لا نشبه النبيّ r في كل شيء !
        والقصد من إيراد هذه الأمثلة من الأحاديث المباركة ، هو أن نقول : نحن لا نشبه النبيّ r في كل شيء !
        فقد كان r له خصوصيته ، يعمل أعمالاً صالحة ، وينهى عنها أصحابه ، إشفاقاً ورحمة للأمة ، ويدع أعمالاً صالحة ، وهو يحب ، ويود أن يعملها ، لكن يتركها ، حباً لأمته ، وإشفاقاً عليهم ، لا كرهاً لتلك الأعمال ، ولا لأنها غير جائزة ، ولا لأنه لا يعرفها ، ولكن خشية أن يُفرض عليهم ، ولوذلك لعملها صلى الله عليه وسلم !

السنة من حيث كونها تشريعاً ، وغير تشريع !
        وبهذه المناسبة نود أن نذكر أمراً ، يتعلق بهذا الموضوع ، وهو تقسيم السنة إلى : سنة تشريعية وسنة غير تشريعية !
        [  السنة . . . ما صدر عن رسول الله r ، غير القرآن من قول ، أو فعل ، أو تقرير ، وهذا الذي صدر عنه : منه  ما لا يكون مصدراً للتشريع ، ومنه ما يكون مصدراً للتشريع العام أو الخاصّ .
أ – ما لا يكون مصدراً للتشريع :
وهو ما صدر عن رسول الله r ، باعتباره بشراً وإنساناً كالأكل والشرب ، والقيام والقعود ، والنوم والمشي ، واللبس ، والتزاور ، والمساومة في البيع والشراء .
ومن هذا القبيل ما صدر عنه r وكان سبيله سبيل التجارب ، والعادة الشخصية ، أو الاجتماعية ، كالذي ورد في شؤون الزراعة والطبّ ، أو كان سبيلُه التدبيرَ الإنسانيَّ في شؤون الحياة ، كتوزيع الجيوش على المواقع الحربية ، وتنظيم الصفوف في الموقعة الواحدة ، واختيار أماكن النزول ، وما إلى ذلك .
فكلُّ ما نقل من هذا ، ليس شرعاً يتعلَّق به طلب الفعل أو الترك ، وإنما هو من الشؤون البشرية ، التي ليس مسلكُ الرسول فيها تشريعاً ، ولا مصدرَ تشريع .
ومع هذا ، فقد كان من الصحابة من يقتفي أثر الرسول r ويحرص على متابعته في ذلك ، كعبد الله بن عمر رضي الله عنهما : فإنه كان يتتبع مثلَ هذه الأفعال والتصرفات ، ويقتدي بالرسول فيها ، وهذا مسلكٌ عَليٌّ ، ومنهجٌ سامٍ ، لا يقدر عليه إلا ذو حظٍّ عظيم .
ب – ما يكون مصدراً للتشريع العامِّ أو الخاصِّ :
فالتشريع العام : ما يصدر عن الرسول r ، على وجه التبليغ بصفة أنه رسول ، كأن يبيِّنُ مجملاً في الكتاب ، أو يخصِّص عامّاً ، أو يقيد مطلقاً ، أو يبين شأناً في العبادات ، أو الحلال والحرام ، أو العقائد والأخلاق ، وما إلى ذلك .
فهذا تشريعٌ عامٌّ أبداً ، يجتنب المكلف ما كان منهيّاً عنه ويفعل ما كان مأموراً به ، لا يتوقف في ذلك على شيء سوى العلم به ، والوصول إليه .
والتشريع الخاص نوعان : خاصٌّ بالذات ، وخاصٌّ بالوصف .
فالخاص بالذات : أفعاله r ، أو تصرفاته ، التي دلَّ الدليل على أنها من خصوصياته ، كتزوجه بأكثر من أربع [76] ، وكون زوجاتِه أمَّهاتٍ للمؤمنين [77] ، لا يحلُّ لأحدٍ أن يتزوجهن بعده [78] ، وكشهادة خزيمة له وحده [79] ، وكوصال الصيام في رمضان [80]  ، وهذا القسم خاصٌّ بذات الرسول r ، لا يشاركه فيه أحدٌ من الأمة ، ولا يقتدى به فيه .
والخاصُّ بالوصف : ما يصدر عنه r بوصف الإمامة والرياسة العامة ، مثل : صرف أموال بيت المال في جهاتها ، وجمعها من محالِّها ، وتولية القضاة والولاة ، وعقد المعاهدات ، فهذا ليس تشريعاً عامّاً ، بل هو خاصٌّ بمن اتَّصف بالوصف الذي انبت عليه هذه التصرُّفات ؛ فلا يجوز الإقدام عليها لكلِّ أحدٍ من تلقاء نفسه ، بحجة أن النبيّ r فعله أو طلبه .
ومن هذا النوع ما يصدر عنه r بوصف القضاء ، فإنه كما كان رسولاً ورئيساً عامّاً ، كان قاضياً ، يفصل في الدعاوى والخصومات .
وما صدر عنه بهذا الوصف ليس تشريعاً عامّاً ؛ حتى يجوز لأي إنسان أن يقدم عليه بناءً على قضائه ، بل على المكلف أن يتقيد في ذلك بقضاء القاضي ، فمن كان له على آخر حقٌّ ، وجحده ، وله عليه بينة ، فليس له أن يأخذه بنفسه ، بناءً على أن رسول الله r حكم بالبينة ، بل إنه يتقيد بحكم الحاكم
وعدم الاتِّفاق في بعض الوقائع والقضايا على الجهة التي صدر عنها تصرف رسول الله r ، أو خفاء هذه الجهة ، قد أوقع الفقهاء في خلافٍ في طبيعة الحكم .
من ذلك قول النبيّ r : (( من أحيا أرضاً ميتة فهي له )) [81] .
فاختلف العلماء في الجهة التي صدر عنها هذا الحديث ، فذهب أبو حنيفة إلى أنه صدر عنه باعتبار إمامته ، فلا يكون حكماً عامّاً ، ولا يجوز لأحد إحياء الأرض الموات التي ليس لأحد حقٌّ فيها إلا بإذن الإمام .
وذهب الجمهور إلى أن ذلك صدر منه بطريق التبليغ والفتوى ، فهو حكمٌ عامٌّ ، وعلى هذا : لكلِّ أحد أن يحيي الأرض الموات ، وتكون له ، أذن الإمام ، أو لم يأذن .
ومن ذلك ما روي أنَّ رسول الله r ، قال لهند بنت عتبة رضي الله عنها – لما قالت له : إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني وولدي ما يكفيني – : (( خذي من ماله بالمعروف ، ما يكفيك ويكفي  بنيك )) [82] .
فأفاد هذا الحديث أنَّ رسول الله r أباح لهند أن تأخذَ من مال زوجها بدون علمه ، وهذا قدر متفق عليه بين الفقهاء ، إلا أنهم اختلفوا في تكييف الواقعة ، واعتبارها من باب الفتوى أو القضاء .
فبعض الفقهاء – ومنهم الإمام الشافعي – اعتبرها من قبيل الإفتاء ؛ فيجوز لكلِّ امرأة أشبه حالُها حالَ هند أن تأخذ من مال زوجها بدون علمه وإذنه ما يكفيها ويكفي بنيها بالمعروف ، ليس هذا فحسب بل قالوا أيضاً : يجوز لكلِّ من ظفر بحقِّه أن يأخذه بغير علم خصمه ، وبعضهم ذهب إلى أن هذا الإذن كان قضاءً منه r ؛ فلا يجوز لامرأة أخرى أن تأخذ من مال زوجها مثلما أجيز لهند إلا بحكم الحاكم ، ولا يجوز أيضاً لأحد أن يأخذ حقَّه من غريمه إلا بقضاء قاضٍ ] ([83]) .

إتِّباع النبيّ r !
ثم أن هناك مَن يدّعي أنه يتّبع النبيّ r في أعماله ، وأنه سائر على منهجه وسنته r ، ولكنه ادعاء خال من البرهان !
فالنبيّ r كان في قمة التقوى ، والخشوع ، والعبادة ، والتواضع ، والعبودية ، فأين الثرى من الثريا ؟ !
        على سبيل المثال :
        إن المدّعي يصلي ثمان ركعات تراويح ، لا تجاوز ساعة ، بل ربما – في الأكثر – لا تجاوز نصف ساعة ، وربما في الأغلب خاوية من خشوع القلب والجنان ، ثم يذكر حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ ، وَلَا فِي غَيْرِهِ ، عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً !
        ويقتصر – في الحديث –  على هذه الجملة ولا يكملها ! والتي تكملته هي :
يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ فَقَالَ يَا عَائِشَةُ إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي [84] .
        ورسول الله r لم يكن فظّاً غليظ القلب ، حاشاه ، ولا ربّى أصحابه على ذلك ! وهذا كلام الله تعالى يمدحهم فيصفهم بقوله تعالى : ( أَذِلَّةٍ على المُؤمنين أَعِزَّةٍ على الكافرين ) [85] !!
        أَذِلَّةٍ على المُؤمنين !
        فاتِّباع النبيّ r لا يكون بأداء بعض ظواهر العبادات ، خالية من الروح ، والقلب ، الذي هو المراد ، والمقصد الأساس من العبادات : ( قد أفلح المؤمنون . الذين هم في صلاتهم خاشعون ) [86] .
        (  أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ) [87] .
        (  وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ) [88]  .    
        ثم إن اتِّباع النبيّ r يكون بحبه ، وتوقيره ، كحب الصحابة ،  وتوقيرهم له ، لا مجرد حكاية ظواهر أعماله r ، واعتباره مجرد رجل ، جعله الله تعالى مبلّغاً رسالته إلينا ! !

هل كان رسول الله r مجرد إنسان عادي ؟ !
        ومن أعظم البدع : اعتبار رسول الله r مجرد رجل ، كُلِّف بأمرٍ ، فأدّاه ثم  رحل ! !




إن الله تعالى يصلّي على النبيّ r !
        يقول الله تعالى : (  إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) [89] .
        إن الله تعالى بعظمته ، وجلاله ، وكبريائه ، يصلّي على رسول الله ، سيّدنا محمد r ، ثم ملائكته الكرام يصلّون عليه r !
        ثم أمر الله تعالى المؤمنين ، أن يُصلّوا عليه r !
        وقال الله تعالى : (  قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ  ) [90] .
        قال الحافظ ابن القيّم ، رحمه الله ، :
        [  ودل على أن متابعة الرسول صلّى الله عليه وسلّم: هي حب الله ورسوله، وطاعة أمره، ولا يكفي ذلك في العبودية، حتى يكون الله ورسوله أحب إلى العبد مما سواهما. فلا يكون عنده شيء أحب إليه من الله ورسوله ، ومتى كان عنده شيء أحب إليه منهما فهذا هو الشرك الذي لا يغفره الله لصاحبه البتة، ولا يهديه الله ] ([91]) .
الآن يا عمر ! !
        (  عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ هِشَامٍ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ فَإِنَّهُ الْآنَ وَاللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْآنَ يَا عُمَرُ  ) [92] .
        (  عَنْ أَنَسِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ) [93] .



لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبيّ r !
        ويقول تعالى : (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ . إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ . إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ) [94] .
        [  فَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ رَفْعِ الْأَصْوَاتِ بِحَضْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ الله عنه أنه سمع صوت رجلين فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَجَاءَ فَقَالَ: أَتَدْرِيَانِ أَيْنَ أَنْتُمَا؟ ثُمَّ قَالَ: مِنْ أَيْنَ أَنْتُمَا؟ قَالَا: مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ، فَقَالَ: لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَأَوْجَعْتُكُمَا ضَرْبًا. وَقَالَ الْعُلَمَاءُ: يُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ عِنْدَ قبره صلى الله عليه وسلم كما كان يكره في حياته عليه الصلاة والسلام، لِأَنَّهُ مُحْتَرَمٌ حَيًّا وَفِي قَبْرِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ دَائِمًا ] ([95]) .

فَخِّموهُ وشَرِّفوهُ مع التوقير والتواضع !
        وقال سبحانه : (  لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا ) [96] .
        [  قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: لَا تَدْعُوهُ بِاسْمِهِ كَمَا يَدْعُو بَعْضُكُمْ بَعْضًا يَا مُحَمَّدُ يا ابن عَبْدَ اللَّهِ وَلَكِنْ فَخِّمُوهُ وَشَرِّفُوهُ، فَقُولُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي لِينٍ وَتَوَاضُع ] ([97])  .
        [  وقيل لا تجعلوا نداءه وتسميته كنداء بعضكم بعضاً باسمه ورفع الصوت به والنداء من وراء الحجرات، ولكن بلقبه المعظم مثل يا نبي الله، ويا رسول الله مع التوقير والتواضع وخفض     الصوت ] ([98]) .
        [  فَنَهَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَقَدَّمُوا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَهَاهُمْ أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ يَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ إِعْظَامًا لَهُ وَإِجْلَالًا ] ([99]) .






أمر الله تعالى أن يُهاب ويُبَجَّل ويُعَظَّم ويسود !
        وقال الحافظ ابن كثير ، رحمه الله ، :
        [   قَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانُوا يَقُولُونَ يَا مُحَمَّدُ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَزَّ وجل عن ذلك إعظاما لنبيه صلى الله عليه وسلم، قال: فَقُولُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُهَابَ نَبِيُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْ يُبَجَّلَ وَأَنْ يُعَظَّمَ وأن يسود. وقال مقاتل فِي قَوْلِهِ لَا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً يَقُولُ: لَا تُسَمُّوهُ إِذَا دعوتموه يا محمد ولا تقولوا يا ابن عَبْدِ اللَّهِ، وَلَكِنْ شَرِّفُوهُ فَقُولُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
وَقَالَ مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي قَوْلِهِ لَا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَالَ: أَمَرَهُمُ اللَّهُ أَنْ يُشَرِّفُوهُ، هَذَا قَوْلٌ، وَهُوَ الظاهر من السياق، كقوله تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا راعِنا [البقرة: 104] إلى آخر الآية. وَقَوْلُهُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُون ] ([100]) .
فالمقصود : أن رسول الله r ليس إنساناً مثله مثل باقي الناس ! بل هو أحب العباد إلى الله تعالى ؛ ربّ السماوات والأرض ، رب العرش ، رب العالمين !
وهو r رحمة مهداة للعالمين ، وسيد ولد آدم ، عليه السلام ، يوم القيامة !
و أن هذا الدين هو دين ودّ ، ومحبة ، وتوقير ، واحترام ، ولا سيما بين المؤمنين ونبيّهم r ! وليس مجرد شكليات ، ورسوم ، خاوية من الروح ، والمحبة ، تنفّذ كالأوامر العسكرية !
وفي أغلب الأحيان لا تنفّذ أوامره ، بل تشوّه !
فأتباعه r يجب أن يكونوا مثله ؛ رحمة مهداة !
        و مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ !
                        [ عن عبد الله بن المبارك أن امرأة قالت لعائشة اكشفي لي عن قبر النبي صلى الله عليه وسلم فكشفت لها عنه فبكت حتى ماتت ] ! ([101])
        هذه هي المحبة ، والاتباع .






[1] سورة البقرة : 91 .
[2] سورة البقرة : 13 .
[3] سورة البقرة : 117 .
[4] سورة الأحقاف : 9 .
[5] تفسير ابن كثير ( 7 / 276 ) .
[6] ينظر : لسان العرب : ابن منظور ، المحقق : عبد الله علي الكبير + محمد أحمد حسب الله + هاشم محمد الشاذلي : دار المعارف ، القاهرة ، ( 1 / 229 – 230 ) . و مختار الصحاح : زين الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الحنفي الرازي (المتوفى: 666هـ) ، المحقق: يوسف الشيخ محمد ، الناشر: المكتبة العصرية - الدار النموذجية، بيروت – صيدا ، الطبعة: الخامسة، 1420هـ / 1999م ، ( 1 / 30 ) . و :  معجم مقاييس اللغة : أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، أبو الحسين (المتوفى: 395هـ) ، المحقق: عبد السلام محمد هارون ، الناشر: دار الفكر : 1399هـ - 1979م. ( 1 / 209 ) .
([7])الاعتصام : إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي (المتوفى: 790هـ) ، تحقيق: سليم بن عيد الهلالي
الناشر: دار ابن عفان، السعودية ، الطبعة: الأولى، 1412هـ - 1992م ( 1 / 51 ) .
([8]) البدعة المحمودة – صلاح الدين بن أحمد الإدلبي – هامش ص 20 .
([9]) متفق عليه ؛  صحيح البخاري ، كتاب الإيمان ، باب سؤال جبريل النبيّ r عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة ، ( 1 / 27 ) ، حديث : 50 . وصحيح مسلم ، كتاب الإيمان ، باب الإيمان ما هو وبيان خصاله ، ( 1 / 39 ) ، حديث : 5 .
[10]  جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم : زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن، السَلامي، البغدادي، ثم الدمشقي، الحنبلي (المتوفى: 795هـ) ، تحقيق: الدكتور محمد الأحمدي أبو النور : دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع ، الطبعة: الثانية، 1424 هـ - 2004 م ، ( 1 / 100 ) .
[11] فتح الباري شرح صحيح البخاري : أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي : دار المعرفة - بيروت، 1379 ، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي ،  قام بإخراجه وصححه وأشرف على طبعه: محب الدين الخطيب ، عليه تعليقات العلامة: عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، ( 1 / 125 ) .
[12] نفس المصدر .
[13] نفس المصدر ( 1 / 115 ) .
([14]) فتح الباري – ابن رجب الحنبلي ( 1 / 208 – 211 ) .
([15]) شرح النووي على مسلم ( 1 / 160 ) .
([16]) عمدة القاري ( 5 / 230 ) .
([17]) نفس المصدر ( 11 / 126 ) .
([18]) شرح الأربعين النووية – عطية بن محمد سالم  ( 17 / 8 ) .
([19]) الوجيز في أصول الفقه – عبد الكريم زيدان – ص 323 .
([20]) شرح الأربعين النووية – الشيخ عطية بن محمد سالم ( 61 / 12 ) .
[21] صحيح مسلم ، كتاب الجمعة ، باب تخفيف الصلاة ، ( 2 / 592 )  حديث : 43  . 
[22]   مسند أحمد . وأبو داود . والترمذي ، وقال : هذا حديث صحيح . وابن ماجه ، والسنن الكبرى للبيهقي ، وسنن الدارمي ، والمعجم الكبير للطبراني ، وغيرهم
([23]) البدعة المحمودة – صلاح  الدين بن أحمد الإدلبي – ص 9 – 12 .
[24] صحيح مسلم ، كتاب الجمعة ، باب تخفيف الصلاة والخطبة ، ( 2 / 592 ) ، حديث : 43 .
([25]) لاشك أن هذا في رأيه هو ، وحسبما يرى هو ، رحمه الله .
([26]) مجموع الفتاوى ( 19 / 191 – 192 ) .
([27]) رفع الملام عن الأئمة الأعلام – إبن تيمية ( 1 / 35 ) .
([28]) رفع الملام عن الأئمة الأعلام ( 1 / 37 ) .
([29]) رفع الملام  ( 1 / 17 – 18 ) .
[30] سورة الأنعام : 57 .
[31] سورة الأنعام : 62 .
[32] سورة المائدة : 44 .
([33]) الوجيز في أصول الفقه – عبد الكريم زيدان ص 52 .
([34]) أصول الأحكام وطرق الاستنباط في التشريع الإسلامي ص 279 .
([35]) المستصفى للإمام الغزالي ( 1 / 157 ) .
([36]) الرسالة للإمام الشافعي ( 1 / 88 ) .
([37]) فتح الباري شرح صحيح البخاري – ابن حجر العسقلاني ( 13 / 291 ) .
([38]) مجوع الفتاوى ( 4 / 159 ) .
([39]) تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي – المباركفوري ( 7 / 367 ) .
([40]) تحفة الأحوذي ( 3 / 40 – 41 ) .
([41]) متفق عليه ؛ صحيح البخاري ، كتاب الكسوف ، باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الليل والنوافل من غير إيجاب ( 1 / 351 ) ، حديث : 1076 . وصحيح مسلم ، كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب استحباب صلاة الضحى ، ( 1 / 497 ) ، حديث : 77 .
([42]) شرح النووي على صحيح مسلم ( 5 / 230 ) .
([43]) صحيح البخاري ، كتاب مواقيت الصلاة ، باب ما يصلى بعد العصر ،  ( 1 / 213 ) ، حديث : 565 .
([44]) صحيح البخاري ، كتاب الجماعة والإمامة ، في عدة أبواب ، منها :  باب من أخف الصلاة عند بكاء الصبي ، ( 1/ 250 ) ، حديث : 675 .
([45]) متفق عليه ؛ صحيح البخاري ، كتاب الجماعة والإمامة ، باب إذا صلى ثم أم قوما ، 0 1 / 250 ) ، حديث : 676 . وصحيح مسلم ، كتاب الصلاة ، باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام ، ( 1 / 342 ) ، حديث : 190 . واللفظ للبخاري . 
[46] متفق عليه ؛ صحيح البخاري ، في عدة كتب ، منها : كتاب الجمعة ، و في عدة أبواب ، منها : باب السواك يوم الجمعة ، ( 1 / 303 ) ، حديث : 847 . وصحيح مسلم ، كتاب الطهارة ، باب السواك ، ( 1 / 220 ) ، حديث : 42 . واللفظ للبخاري . 
([47]) متفق عليه ؛ صحيح البخاري ، كتاب مواقيت الصلاة ، باب النوم قبل العشاء لمن غلب ، ( 1 / 208 ) ، حديث : 545 . وصحيح مسلم ، كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب وقت العشاء وتأخيرها ، ( 1 / 444 ) ، حديث : 225 . 
([48]) صحيح مسلم ، كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب وقت العشاء وتأخيرها ،  ( 1 / 442 ) حديث : 219 .
([49]) متفق عليه ؛ صحيح البخاري ، كتاب الجهاد والسير ، باب الجعائل والحملان في السبيل ، ( 3 / 1085 ) ، حديث : 2810 . وصحيح مسلم ، كتاب الإمارة ، باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله ، ( 3 / 1497 ) ، حديث : 106 .
([50]) صحيح البخاري ، كتاب الحج ، باب فضل مكة وبنيانها ( 2 / 574 ) حديث : 1509 .
([51]) رواه أبو داود والترمذي وصححه هو وابن خزيمة والحاكم . أنظر فتح الباري لابن رجب      ( 3 / 466 )
([52]) عمدة القاري شرح صحيح البخاري ( 9 / 245 ) .
([53]) صوم الوصال : هو صوم يومين فصاعداً من غير أكل أو شرب بينهما .
([54]) متفق عليه ؛ صحيح البخاري ،  كتاب الصوم ، باب الوصال ومن قال ليس في الليل صيام ، ( 2 م 693 ) ، حديث : 1861 . وصحيح مسلم ، كتاب الصيام ، باب النهي عن الوصال في الصوم ، ( 2 / 774 ) ، حديث : 55 .
([55]) شرح صحيح البخاري لابن بطال ( 4 / 111 – 112 ) .
([56]) الإستذكار – ابن عبد البر ( 3 / 334 – 336 ) .
([57]) صحيح مسلم ، كتاب الصيام ، باب بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته ،  ( 2 / 777 ) رقم : 64 .
([58]) شرح السيوطي على مسلم ( 3 / 206 ) .
([59]) شرح النووي على مسلم ( 7 / 216 – 217 ) .
([60]) سنن أبي داود ( 1 / 247 ) . وقال الشيخ الألباني : صحيح .
[61] صحيح البخاري ، في عدة كتب وأبواب ؛ منها : كتاب الأدب ، باب رحمة الناس والبهائم ، ( 5 / 2238 ) ، حديث : 5662  
[62] مسند الشافعي ، ومسند أبي عوانة ، وشرح السنة للبغوي ، ومعرفة السنن والآثار للبيهقي ، وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ، وغيرهم .
([63]) أنظر ( إفاضة الأنوار على أصول المنار ) – الحصفكي الحنفي ص 65 – 67 .
([64]) متفق عليه ؛ صحيح البخاري ، كتاب التفسير ، باب قوله } ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر . . . { ، ( 4 / 1830 ) ، حديث : 4556 . وصحيح مسلم ، كتاب صفة القيامة والجنة والنار ،  باب إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة ، ( 4 / 2171 ) ، حديث : 79 .
[65] في هذا الكلام نظر ، حيث روى الإمام مسلم في صحيحه (عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ» . كتاب الإعتكاف ، باب الاجتهاد في العشر الأواخر من شهر رمضان ، ( 2 / 830 ) ، حديث : 7
([66]) عمدة القاري ( 11 / 87 ) .
([67]) صحيح البخاري ، في عدة كتب وأبواب ، منها : كتاب الإيمان ، باب الزكاة من الإسلام ،  ( 2 / 669 ) ، حديث : 46 .
([68]) متفق عليه ؛ صحيح البخاري ، كتاب صفة الصلاة ، باب ما جاء في الثوم النيء والبصل والكراث ، ( 1 / 292 ) حديث : 817 . وصحيح مسلم ، كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب نهي من أكل ثوما أو بصلا أو كراثا أو نحوها ، ( 1 / 394 ) ، حديث : 73 .
([69]) شرح صحيح البخاري – ابن بطال ( 2 / 465 ) .
([70]) شرح النووي على صحيح مسلم ( 5 / 48 ) .
([71]) متفق عليه ؛ صحيح البخاري ، كتاب الذبائح والصيد ، باب الضب ،  ( 5 / 2104 ) ، حديث : 5216  . وصحيح مسلم ، كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان ، باب إباحة الضب ، ( 3 / 1529 ) ، حديث : 41 .
([72]) متفق عليه ، صحيح البخاري ، كتاب الأطعمة ، باب ما كان النبيّ r لا يأكل حتى يسمى له فيعلم ما هو  ( 5 / 2060 ) ، حديث : 5076 . وصحيح مسلم ، كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان ، باب إباحة الضب ، ( 3 / 1543 ) ، حديث : 44 . 
([73]) شرح صحيح البخاري – ابن بطال ( 9 / 404 ) .
([74] نلاحظ هنا أنه لم يقل ( يوحّدونك ) ! إذ لو قال ذلك ، لاحتمل أن يكون مجلس محاضرة ، أو شرح  وبيان لعقيدة التوحيد ، والإيمان وما إلى ذلك ! ! ولكنه قال ( يهلّلونك ) أي : يقولون : لا إله إلّا الله ! ! أي يقولون في المجلس : سبحان الله ، الله أكبر ، لا إله إلّا الله ، الحمد لله ، . . . ! !
[75] متفق عليه ؛ صحيح البخاري ، كتاب الدعوات ، باب فضل ذكر الله عز وجل ، ( 5 / 2353 9 ، حديث : 6045 . وصحيح مسلم ، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والإستغفار ، باب فضل مجالس الذكر ، ( 4 / 2069 ) ، حديث : 25 .
[76] قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) سورة الأحزاب : 50 .
[77] قال تعالى : (  النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ . . . ) سورة الأحزاب : 6 .
[78] قال تعالى : (  . . . وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا ) سورة الأحزاب : 53 .
[79] جَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهَادَةَ خُزَيْمَةَ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ . رواه البخاري في صحيحه ، كتاب الجهاد والسير ، باب قول الله تعالى } من المؤمنين رجال . . . { ، ( 4 / 19 ) ، حديث : 2807 . ومسند أحمد ، عن عمارة بن خزيمة الأنصاري ، حديث : 22301 . والمعجم الكبير للطبراني ، والسنن الكبرى ، والصغرى  للبيهقي ، وشرح معاني الآثار للطحاوي ، وغيرهم
[80] نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الوصال قالوا إنك تواصل قال ( إني لست مثلكم إني أطعم وأسقى ) . متفق عليه ؛ صحيح البخاري ،  كتاب الصوم ، باب الوصال ومن قال ليس في الليل صيام ، ( 2 م 693 ) ، حديث : 1861 . وصحيح مسلم ، كتاب الصيام ، باب النهي عن الوصال في الصوم ، ( 2 / 774 ) ، حديث : 55 .
[81] صحيح البخاري ، كتاب المزارعة ، باب من أحيا أرضا مواتا ، ( 8 / 414 ) ، حديث : 15 .
[82] صحيح مسلم ، كتاب الأقضية ، باب قضية هند ، ( 3 / 1336 ) ، حديث : 7 .
([83]) أصول الأحكام وطرق الاستنباط في التشريع الإسلامي – أ . د حمد عبيد الكبيسي – ص 70 - 73
[84] متفق عليه ؛ صحيح البخاري ، كتاب صلاة التراويح ،  باب فضل من قام رمضان ، ( 2 / 708 ) ، حديث : 1909 . وصحيح مسلم ، كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، باب صلاة الليل ، وعدد ركعات النبيّ في الليل . . . ( 1 / 509 ) ، حديث : 125 . 
[85] سورة المائدة : 54 .
[86] سورة المؤمنون : 1 – 2 .
[87] سورة الحديد : 16 .
[88] سورة الإسراء : 109 .
[89] سورة الأحزاب : 56 .
[90] سورة التوبة : 24 .
([91]) التفسير القيّم – ابن القيّم ( 1 / 94 ) .
[92] صحيح البخاري ، كتاب الأيمان والنذور ، باب كيف كانت يمين النبيّ r ، ( 6 / 2445 ) ، حديث : 6257 .
[93] متفق عليه ؛ صحيح البخاري ، كتاب الإيمان ، باب حلاوة الإيمان ، ( 1 / 14 ) ، حديث : 16 . وصحيح مسلم ، كتاب الإيمان ، باب بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان ، ( 1 / 66 ) ، حديث : 67 .
[94] سورة الحجرات : 1 – 4 .
([95]) تفسير ابن كثير ( 7 / 343 ) .
[96] سورة النور : 63 .
([97]) تفسير البغوي ( 3 / 433 ) .
([98]) تفسير البيضاوي ( 4 / 116 ) .
([99]) تعظيم قدر الصلاة – المَرْوَزي  ( 2 / 658 ) .
([100]) تفسير ابن كثير ( 6 / 81 ) .
 ([101]) صفة الصفوة – ابن الجوزي ( 1 / 410 ) .

  لتكملة الموضوع البدعة حمل من هنا الكتاب كاملتا ..   

هناك تعليق واحد:

  1. خير القرون :
    إن خير القرون على الإطلاق ، هو قرن النبيّ  ، مع أصحابه ، رضوان الله عليهم .
    ( عن عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ قَالَ عِمْرَانُ فَلَا أَدْرِي أَذَكَرَ بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ) ( ) .
    ( عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «الْقَرْنُ الَّذِي أَنَا فِيهِ، ثُمَّ الثَّانِي، ثُمَّ الثَّالِثُ» ) ( ) .

    الصحابة ، رضوان الله عليهم :
    لاشك أن الصحابة ، رضوان الله عليهم ، هم خير الناس ، ولاسيما الخلفاء الراشدين ، وكبارهم ، كيف لا وهم قد ربّاهم رسول الله  بهدي ، وأوامر ، وتوجيهات مباشرة ، من الله تعالى ، قرابة ربع قرن .

    شهادة عبد الله بن مسعود  لهم :
    [ قال عبد الله بن مسعود : من كان منكم مُستنًّا فليستنَّ بمن قد مات، فإن الحيَّ لا يُؤمَنُ عليه الفتنة. أولئك أصحابُ محمدٍ أبرً هذه الأمةِ قلوبًا، وأعمقُها علمًا، وأقلُّها تكلُّفًا، قومٌ اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامِة ديِنه، فاعرِفُوا لهم حقَّهم، وتمسَّكوا بهديهم، فإنهم كانوا على الصراط المستقيم.
    .

    ردحذف