السؤال الأول/
هل يجوز حضور مجلس العزاء والجلوس معهم ؟
فأجاب رحمه الله :
اذا حضر المسلم وعزى أهل الميت فذلك مستحب
لما فيه من الجبر لهم والتعزية ، واذا شرب عندهم فنجال قهوة او شاي او تطيب
فلا بأس كعادة الناس مع زوارهم .
السؤال الثاني /
بعض أهل الميت يجلسون ثلاثة أيام فما حكم ذلك
؟
فأجاب رحمه الله :
اذا جلسوا حتى يعزيهم الناس فلا حرج
ان شاء الله حتى لا يتعبوا الناس لكن من دون ان يصنعوا للناس وليمة .
السؤال الثالث /
اذا كان الاطعام لأهل الميت ذبيحة فما الحكم فيها ؟
فأجاب رحمه الله :
لا بأس ، ويعمله لهم الجيران او الاقارب ، لأن النبي صلى
الله عليه وسلم أمر أهله ان يصنعوا لآل جعفر بن ابي طالب رضي الله عنه طعاما لما جاء
خبر موته بالشام فقال صلى الله عليه وسلم ( انه قد أتاهم مايشغلهم ) .
السؤال الرابع /
اذا بعث لأهل الميت غداء او عشاء فاجتمع عليه الناس في بيت
الميت هل هو من النياحة المحرمة ؟
فأجاب رحمه الله :
ليس ذلك من النياحة ، لأنهم لم يصنعوه وإنما صنع ذلك لهم
، ولا بأس أن يدعو من يأكل معهم من الطعام الذي بعث لهم ، لانه قد يكون كثيرا يزيد
عن حاجتهم .
السؤال الخامس/
ماحكم النعي في الجرائد ؟
فأجاب رحمه الله :
هو محل نظر لما فيه من التكلف غالبا ، وقد يباح اذا كان صدقا
، وليس فيه تكلف ، وتركه أولى وأحوط ، واذا اراد التعزية فيكتب لهم كتابا او يتصل بالهاتف
او يزورهم وهذا اكمل .
المرجع /
كتاب ( من احكام الجنائز ) لسماحة الامام عبدالعزيز
بن باز رحمه تعالى ، وهو عبارة عن تفريغ للأسئلة التي وجهت للشيخ في شرحه
لبلوغ المرام ( الجنائز ) ، اضافة الى بعض الاسئلة التي وجهها الاخوة
في الجمعية لسماحة الشيخ رحمه الله .
طبعة : الجمعية الخيرية بمحافظة شقراء .
وقال ابن نُجيم الحنفي : " وَلَا بَأْسَ بِالْجُلُوسِ
إلَيْهَا ثَلَاثًا مِنْ غَيْرِ ارْتِكَابِ مَحْظُورٍ مِنْ فَرْشِ الْبُسُطِ وَالْأَطْعِمَةِ
مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ ". انتهى من " البحر الرائق" (2/207).
وهذا القول رواية عن الإمام أحمد ، نقلها حنبل والخلال .
قال المرداوي : " وَعَنْهُ : الرُّخْصَةُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ
عَزَّى وَجَلَسَ ، قَالَ الْخَلَّالُ : سَهَّلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْجُلُوسِ
إلَيْهِمْ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ...، وَعَنْهُ : الرُّخْصَةُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ ،
نَقَلَهُ حَنْبَلٌ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ [ ابن تيمية ] .
وَعَنْهُ : الرُّخْصَةُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ وَلِغَيْرِهِمْ
، خَوْفَ شِدَّةِ الْجَزَعِ".
انتهى من "الإنصاف" (2/565) .
وقال ابن عبد البر في "الكافي" (1/283) :
" وأرجو أن يكون أمر المتجالسة في ذلك خفيفاً " انتهى .
واختار هذا القول من العلماء المعاصرين : الشيخ عبد العزيز
بن باز رحمه الله تعالى كما في "مجموع الفتاوى" (13/373) - ، وهو ترجيح الشيخ
محمد المختار الشنقيطي في "سلسلة دروس شرح الزاد" .
وأقوى ما استدل به القائلون بالجواز :
1- حديث عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ مِنْ أَهْلِهَا
فَاجْتَمَعَ لِذَلِكَ النِّسَاءُ ، ثُمَّ تَفَرَّقْنَ إِلَّا أَهْلَهَا
وَخَاصَّتَهَا ، أَمَرَتْ بِبُرْمَةٍ مِنْ تَلْبِينَةٍ فَطُبِخَتْ ، ثُمَّ صُنِعَ ثَرِيدٌ
فَصُبَّتْ التَّلْبِينَةُ عَلَيْهَا ، ثُمَّ قَالَتْ : كُلْنَ مِنْهَا ، فَإِنِّي سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( التَّلْبِينَةُ مُجِمَّةٌ
لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ ، تَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ). رواه البخاري
(5417) ، ومسلم (3216). [ التلبينة : هي حساء يعمل من دقيق ونخالة ،
وربما جعل معه عسل ، وسميت به تشبيها باللبن ، لبياضها ورقتها].
فهذا الحديث فيه الدلالة الواضحة على أنهم كانوا لا يرون
في الاجتماع بأساً ، سواء اجتماع أهل الميت ، أو اجتماع غيرهم معهم .
2- وعَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ : " لَمَّا مَاتَ خَالِدُ
بْنُ الْوَلِيدِ اجْتَمَعَنْ نِسْوَةُ بَنِي الْمُغِيرَةِ يَبْكِينَ
عَلَيْهِ ، فَقِيلَ لِعُمَرَ: أَرْسِلْ إلَيْهِنَّ فَانْهَهُنَّ ، لاَ يَبْلُغُك عَنْهُنَّ
شَيْءٌ تَكْرَهُهُ .
فَقَالَ عُمَرُ : " وَمَا عَلَيْهِنَّ
أَنْ يُهْرِقْنَ مِنْ دُمُوعِهِنَّ عَلَى أَبِي سُلَيْمَانَ ، مَا لَمْ يَكُنْ نَقْعٌ
، أَوْ لَقْلَقَةٌ ". رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (3/ 290) ، وعبد
الرزاق الصنعاني (3/ 558) بسند صحيح.
وَالنَّقْعُ: التُّرَابُ عَلَى الرَّأْسِ ، وَاللَّقْلَقَةُ
: الصَّوْتُ ، أي ما لم يرفعن أصواتهن أو يضعن التراب على رؤوسهن.
وأجاب هؤلاء عن أثر جرير بن عبد الله
( كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ إِلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ ، وَصَنِيعَةَ الطَّعَامِ
بَعْدَ دَفْنِهِ : مِنْ النِّيَاحَةِ ). رواه أحمد (6866) ، وابن ماجه (1612) بجوابين
:
الأول :
أن الراجح فيه أنه ضعيف ، فقد
أعله الإمام أحمد ، والدراقطني.
غير أن في الحديث علة خفية بينها الحفاظ والنقاد
، هي تدليس هشيم بن بشير ، فإنه على ثقته كان كثير التدليس والإرسال
، وأحيانا عن الضعفاء والمجاهيل .
يقول الحافظ الذهبي في "تذكرة الحفاظ"
(1/249) : " لا نزاع في أنه كان من الحفاظ الثقات ، إلا أنه كثير التدليس
، فقد روى عن جماعة لم يسمع منهم " انتهى.
ولذلك أعل بعض الحفاظ المتقدمين حديث جرير هذا بتدليس هشيم
فيه :
قال أبو داود : " ذَكَرْتُ لِأَحْمَدَ
حَدِيثَ هُشَيْمٍ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ ، عَنْ قَيْسٍ ، عَنْ جَرِيرٍ:
" كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصَنْعَةَ الطَّعَامِ
لَهُمْ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ ".
قال : زعموا أنه سمعه من شريك ، قَالَ أَحْمَدُ:
وَمَا أُرَى لِهَذَا الْحَدِيثِ أَصْلاً".
انتهى من "مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني"
(ص: 388).
وجاء في "العلل" (13/462) للدارقطني ما يشعر باحتمال
تدليس هشيم له .
فإن كان المدلَّس هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي
فهي رواية ضعيفة ، فإنه ضعيف الحديث عند عامة المحدثين ، ومثله لا يقبل
تفرده بحديث ينبني عليه حكم شرعي بالتحليل أو التحريم .
نعم، تابعه نصر بن باب كما في مسند أحمد
(6905) غير أن نصراً هذا جاء في ترجمته في "تعجيل المنفعة" (ص/420) :
" قال البخاري : يرمونه بالكذب ، وقال ابن
معين : ليس حديثه بشيء ، وقال علي بن المديني
: رميتُ حديثه ، وقال أبو حاتم الرازي : متروك الحديث
، وقال أبو خيثمة زهير بن حرب : كذاب ". انتهى.
فلا تقوى متابعته على تحسين رواية شريك ، بل هناك احتمال
قوي بأن المدلَّس في رواية هشيم هو نصر بن باب نفسه وليس شريكاً .
والخلاصة : أن قول جرير بن عبد الله البجلي لم يثبت
من طريق صحيح ، والرواية المشهورة معلة بالتدليس ، وللاستزادة ينظر كتاب :
" التجلية لحكم الجلوس للتعزية" للشيخ ظافر آل جبعان صـ 27 .
الثاني :
على القول بصحته فالمقصود منه : الاجتماع الذي يكون فيه صنعٌ
للطعام من أهل الميت لإكرام من يأتيهم ومن يجتمع عندهم .
ولذلك نص في الأثر على الأمرين .
قال الشوكاني: " يَعْنِي أَنَّهُمْ كَانُوا يَعُدُّونَ
الِاجْتِمَاعَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَيِّتِ بَعْدَ دَفْنِهِ وَأَكْلَ الطَّعَامِ عَنْدَهُمْ
نَوْعًا مِنْ النِّيَاحَةِ ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّثْقِيلِ عَلَيْهِمْ وَشَغْلِهِمْ
مَعَ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ شُغْلَةِ الْخَاطِرِ بِمَوْتِ الْمَيِّتِ وَمَا فِيهِ مِنْ
مُخَالِفَةِ السُّنَّةِ ؛ لِأَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِأَنْ يَصْنَعُوا لِأَهْلِ الْمَيِّتِ
طَعَامًا فَخَالَفُوا ذَلِكَ وَكَلَّفُوهُمْ صَنْعَةَ الطَّعَامِ لِغَيْرِهِمْ
"
والاجتماع للعزاء من العادات ، وليس من العبادات ، والبدع
لا تكون في العادات ، بل الأصل في العادات : الإباحة .
ثم إن التعزية أمر مقصود شرعاً ، ولا وسيلة
لتحصيلها في مثل هذه الأزمنة إلا باستقبال المعزين ، والجلوس لذلك ، فإن ذلك مما يعينهم
على أداء السنة .
وقال الشيخ
صالح آل الشيخ : " والذي رأيناه من علمائنا في هذا البلد وفي غيره
حتى علماء الدعوة من قبل أنهم كانوا يجلسون ؛ لأنه لا
تكون المصلحة إلا بذلك ، إذا فات ذلك فاتت سنة التعزية ".
وحتى على القول بالكراهة ، فإن الكراهة تزول عند وجود الحاجة
كما هو معلوم عند العلماء ، ولا شك أن الجلوس للتعزية تشتد لها الحاجة في هذا الزمن
لما فيها من تيسير على المعزين ورفع للحرج عنهم .
فقد يكون أبناء الميت وأقاربه في أصقاع مختلفة أو في نواح
متباعدة داخل المدينة الواحدة مما يصعب فيه على من أراد التعزية التنقل بينهم .
وقد علل بهذا التعليل الشيخ عبد العزيز بن باز
حينما سئل عن حكم الجلوس للتعزية، فأجاب بالجواز قائلاً : " إذا جلسوا حتى
يعزيهم الناس فلا حرج إن شاء الله حتى لا يتعبوا الناس ، لكن من دون أن يصنعوا
للناس وليمة " .
وقال الشيخ محمد المختار الشنقيطي :
لكن في هذه الأزمنة اتسع العمران ، وصعُب عليك أن تذهب لكل
قريب في بيته ، ويحصل بذلك من المشقة ما الله به عليم ، وفيه عناء ؛ لذلك لو
اجتمعوا في بيت قريبٍ منهم كان أرفق بالناس وأرفق بهم ، وأدعى لحصول المقصود
من تعزية الجميع والجبر بخواطر الجميع ؛ ولذلك أفتوا بأنه لا حرج -في هذه الحالة-
من جلوسهم ، ولا يعتبر هذا من النياحة ، بل إنه مشروع لوجود الحاجة له
"
فأدلة القول الثاني – وهو القول بالجواز – أصح إسناداً
، وأظهر دلالةً ، وأما أدلة المنع فهي آثار ضعيفة ، ليس
منها شيء صريح الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، كما أن دلالتها
محتملة ، إذ يبدو أن المنع فيها ليس عن الجلوس للتعزية المجردة ، بل عن تكلف
أهل الميت للناس بصنع الطعام وقد جاءهم ما يشغلهم بالمصيبة .
ثم لا يخفى أن القول بالجواز هو الأقرب إلى اليسر ورفع
الحرج ، وخاصة مع اختلاف الزمان وتنوع مشاغل الناس ، مما اضطرهم إلى اتخاذ
بعض الأعراف التي تساعدهم على تنظيم أمور حياتهم ، ومنها اجتماع أهل الميت لتلقي مواساة
الناس وتعزيتهم في بداية هذه المصيبة ، فلا يضطر المعزون إلى التفتيش عن أهل المتوفى
واحدا واحدا في أماكن عملهم أو مساجدهم أو حتى بيوتهم ، ولا يلجؤون إلى ترك أعمالهم
أياما كثيرة لإدراك ذلك مع بعد المسافات واختلاف الظروف والأوقات .
فلو لم يكن في القول بالجواز إلا رفع المشقة والحرج عن الناس
لكان كافياً في ترجيحه ، فكيف وقـد عضـدته الأدلـة الصريحة الصحيحة !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق