السؤال :ما حكم بيع الدولار بالعملة العراقية بالآجل ؟ وما حكم بيع الحُلي بالتقسيط؟
الجواب:الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه من والاه، أما بعـد:
✍️فان العملات النقدية عند جمهور اهل العلم من الأصناف الربوية فلها حكم النقدين الذهب والفضة ، لأنها أصبحت ثمنا لكل مثمن وقيمة لكل مقوم ، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الصحيحين : ((لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا – تفضلوا- بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق – الفضة- إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا غائباً منها بناجز)).
فيجوز بيع وشراء العملات النقدية بالضوابط الشرعية، وهي أن يتم التقابض في المجلس بما يتراضيان عليه، أو ما يقوم مقام المجلس من انتقال العملة من حساب البائع إلى حساب المشتري وانتقال العملة الأخرى من حساب المشتري إلى حساب البائع. فإذا بيعت دولارات بدنانير أو بالعكس، فيشترط التقابض في المجلس او ما يقوم مقامه ، ولا تجوز النسيئة فيها أي التأجيل في القبض، ففي الصحيحين عن أبي المنهال قال: باع شريك لي ورقاً – أي فضة- بنسيئة إلى الموسم أو الحج فجاء إلي فأخبرني فقلت: هذا أمر لا يصح، قال: قد بعته في السوق فلم ينكر علي أحد. فأتيت البراء بن عازب فسألته فقال قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ونحن نبيع هذا البيع فقال: (( ما كان يداً بيد فلا بأس به، وما كان نسيئة فهو رباً)).
واما التفاضل –الزيادة- فلا يجوز كذلك في الجنس الواحد ويجوز بين جنسين مختلفين، لقوله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم : ((الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح مثلاً بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد)) .فدل الحديث على أنه إن كان البيع ذهباً بذهب فيشترط فيه شرطان: التماثل والتقابض.
وإن كان البيع حُليا ذهبا او فضة، بنقد مثلا بالدينار او الدولار، فعند جمهور العلماء يشترط فيه كذلك التقابض ، فلا بد في بيع الذهب بالنقود من التقابض في المجلس ، أما بيعه بالأقساط فلا يجوز عندهم ، لأنه من باب الربا المحرم.
⚡️وذهب بعضهم إلى جواز ذلك؛ لأن الصناعة أخرجت الذهب عن النقدية، وصارت سلعة تباع وتشترى بالعاجل والآجل، وهو اختيار شيخ الاسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى- وبعض الحنابلة ، قال شيخ ابن تيمية في الاختيارات الفقهية : (ويجوز بيع المصوغ من الذهب والفضة بجنسه من غير اشتراط التماثل، ويجعل الزائد في مقابلة الصنعة، سواء كان البيع حالاً أو مؤجلاً ما لم يقصد كونها ثمناً).
وقال الامام ابن القيم – رحمه الله تعالى- في إعلام الموقعين: (إن الحلية المباحة صارت بالصنعة المباحة من جنس الثياب والسلع، لا من جنس الأثمان، ولهذا لم تجب فيها الزكاة، فلا يجري الربا بينهما وبين الأثمان، كما لا يجري بين الأثمان وبين سائر السلع). لكن قيده شيخ الإسلام ابن تيمية بقيد وهو: ألا يكون شراء الحلي بقصد ثمنيتها بل بقصد الحلي.
وقال ابن رشد – رحمه الله تعالى- في بداية المجتهد: (اختلفوا من هذا الباب فيما تدخله الصنعة ، مما أصله منع الربا فيه ، مثل الخبز بالخبز ، فقال أبو حنيفة: لابأس ببيع ذلك متفاضلاً ومتماثلاً ؛ لأنه قد خرج بالصنعة عن الجنس الذي فيه الربا).
ولا مانع من الأخذ بهذا القول لمن وقع فيه فعلا ، ولكن لا يعد إلى مثل ذلك لِمَا بيّناه من الخلاف ، ولأن تركه فيه خروج من الخلاف وهو الأحوط والاولى.
👈المفتى به:
هو ما ذهب اليه الجمهور؛ فلا بد في بيع الذهب عينا كان أو مصوغا أو تبرا بالنقود من التقابض في المجلس، ولا يجوز التأجيل في قبض الثمن؛ لان النقود الورقية غطاؤها الذهب والفضة فتقوم مقامهما، ويحصل القبض بإعطاء النقود أو بشيك مصدق معتبر أو عن طريق خصم المبلغ من بطاقة الحساب الجاري على الراجح من أقوال الفقهاء ،لأنه قبض معتبر عرفا جرى التعامل به في الأسواق المالية وصار له مصداقية ولا جهالة فيه ولا مفسدة. والله تعالى اعلم.
د. ضياء الدين الصالح
=====
قال السرخسي: لا قيمة للجودة والصنعة في الأموال الربوية عند المقابلة بجنسها[1].
وقال أبو يعلى: كل ما دخله الربا فإنه يجري في معموله كالذهب والفضة.
وقال ابن قدامة: الجيد والرديء، والتبر والمضروب، والصحيح والمكسور سواء في جواز البيع مع التماثل، وتحريمه مع التفاضل[2].
وقال البهوتي: الصنعة المحرمة لا قيمة لها شرعاً[3].
بيع الذهب بالذهب يشترط فيه شرطان: التماثل والتقابض، لا فرق في ذلك بين جيده ورديئه، ولكن المال الربوي تارة تدخله الصنعة، كالقمح حين يتحول إلى خبز، والذهب إلى حلي، فإذا دخلت المال الربوي الصنعة، فهل يخرج بذلك عن كونه مالاً ربوياً، ويصبح سلعة من السلع، ويخرج بذلك عن الثمنية، أو لا تأثير للصنعة فيه كما أنه لا تأثير للجودة فيه، لكون الذهب والفضة جوهران متعينان لثمنية الأشياء، لا تنفك الثمنية عنهما، وليست طارئة عليهما كالفلوس، ولهما رواج عند جميع الناس، فيجري الربا في الأواني والتبر والحلي وإن لم تكن قيماً للأشياء؟.
في ذلك خلاف بين أهل العلم، وقبل الجواب أنبه على بعض المسائل، فأقول:
لا خلاف بين أهل العلم في أن جيد الذهب ورديئه سواء، فيشترط التماثل، ويحرم التفاضل، ولا اعتبار للجودة عند مقابلة الذهب بالذهب، سواء كان تبراً، أو سبائك، أو مضروباً، نقوداً صحيحة أو مكسرة[4].
قال النووي: «قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا الورق بالورق إلا سواء بسواء ). قال العلماء: هذا يتناول جميع أنواع الذهب والورق من جيد ورديء، وصحيح ومكسور، وحلي وتبر، وغير ذلك، وسواء الخالص والمخلوط بغيره، وهذا كله مجمع عليه »[5].
أما الدليل على وجوب التماثل فجملة من الأحاديث التي تحرم الفضل بين الأموال الربوية من جنس واحد، منها حديث أبي سعيد الخدري، وحديث عبادة وغيرها، وسبق ذكر أكثرها عند الكلام على ربا الفضل.
وأما الدليل على عدم اعتبار الجودة، فأحاديث كثيرة، منها:
(ح-758) ما رواه البخاري من طريق عقبة بن عبد الغافر.
أنه سمع أبا سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: جاء بلال إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بتمر برني، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - من أين هذا؟ قال بلال: كان عندنا تمر ردي، فبعت منه صاعين بصاع، لنطعم النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك: أوَّه أوَّه، عين الربا، عين الربا، لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر ثم اشتره. ورواه مسلم [6].
فإذا كان رديء التمر وجيده لا يجوز إلا مثلاً بمثل، فكذلك سائر الأموال الربوية، فرديء البر وجيده ورديء الورق وجيدها ورديء الذهب وجيده لا يجوز إلا مثلاً بمثل.
(ح-759) وروى أبو داود من طريق أبي الخليل (صالح بن أبي مريم) عن مسلم بن يسار المكي، عن أبي الأشعث الصنعاني.
عن عبادة بن الصامت، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: الذهب بالذهب تبرها وعينها، والفضة بالفضة تبرها وعينها... فمن زاد أو ازداد فقد أربى، ولا بأس ببيع الذهب بالفضة، والفضة أكثرهما يداً بيد، وأما نسيئة فلا... الحديث. (الحديث رجاله ثقات، وهو في مسلم وليس فيه زيادة تبرها وعينها)[7].
فدل حديث عبادة على وجوب التساوي عند اتحاد الجنس ذهباً بذهب، أو فضة بفضة سواء كان تبراً، وهو الذهب أو الفضة قبل ضربه، أو عيناً، وهو الذهب أو الفضة بعد أن يضرب.
كما أن الذهب المصوغ إذا كان ثمناً تقوَّم به الأشياء فإنه يجري فيه الربا، ويجب التماثل في مبادلته بجنسه؛ لأن الصياغة في الحالة هذه لم تخرجه عن علة الربا، وهي الثمنية.
وكذلك إذا كانت الصياغة في الذهب محرمة، فإنه يحرم بيعه بجنسه وبغير جنسه [8].
إذا علم ذلك، فما حكم بيع مصوغ الذهب بالذهب الخالص متفاضلاًً؟
اختلف العلماء في ذلك.
فقيل: لا يجوز، وهذا مذهب الأئمة الأربعة[9]، وممن قال به من العلماء المعاصرين: محمد الأمين بن المختار الشنقيطي[10]، والشيخ محمد بن إبراهيم[11]، والشيخ ابن باز[12]، وشيخنا ابن عثيمين[13]، وصدر به قرار من هيئة كبار العلماء بالبلاد السعودية[14]، وأفتت به اللجنة الدائمة[15]، وصدر به قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي[16].
وحكى الإجماع عليه طائفة من العلماء وسوف يأتي ذكرهم عند الكلام على الأدلة.
وقيل: يجوز التفاضل في مبادلة المصوغ بجنسه، من غير اشتراط التماثل، ويجعل الزائد في مقابل الصنعة، ما لم تكن الحلي ثمناً، أو تكون الصياغة غير مباحة.
وهذا القول منسوب في الجملة لمعاوية - رضي الله عنه -[17]، واختاره من الحنابلة ابن تيمية وابن القيم [18]، ومن المعاصرين فضيلة الشيخ عبد الله ابن منيع[19].
وخرج بعضهم القول بالجواز على مذهب الحنفية بناء على مذهبهم في جواز بيع الخبز بالخبز متفاضلاً ؛ لأنهم عللوا ذلك بأن الخبز خرج بالصنعة من كونه مكيلاً، فلم يحرم التفاضل فيه[20]. فليكن الحلي خرج بالصنعة من كونه ربوياً، ولا يصح هذا التخريج.
ونسب إلى مالك رحمه الله أنه قال بجوازه للمضطر، وأنكره أصحابه[21].
ثمرة الخلاف:
إذا قلنا باختيار ابن تيمية وابن القيم:
جاز بيع حلي الذهب بالذهب متفاضلاً ونسيئة، وجوازه بالفضة من باب أولى، وجاز بيع حلي الذهب بالأوراق النقدية حالاً ونسيئة؛ لأن الحلي حينئذ ستكون سلعة من السلع، لا تختلف عن الثياب وسائر العروض.
يقول ابن تيمية في الاختيارات: «ويجوز بيع المصوغ من الذهب والفضة بجنسه من غير اشتراط التماثل، ويجعل الزائد في مقابلة الصنعة، سواء كان البيع حالاً أو مؤجلاً، ما لم يقصد كونها ثمناً»[22].
وإذا أخذنا بمذهب الجمهور: حرم بيع حلي الذهب بالذهب مع التفاضل، وحرم بيع حلي الذهب بالفضة مع النسيئة. وحرم بيع الحلي بالأوراق النقدية مع النسيئة.
دليل من قال: لا يجوز:
الدليل الأول:
الأدلة العامة التي تفيد وجوب التماثل في بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة وهي كثيرة، أذكر بعضها، وقد ذكرت كثيراً منها في مسألة حكم ربا الفضل، منها:
(ح-760) ما رواه مسلم من طريق أبي المتوكل الناجي.
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة....... مثلاً بمثل، يداً بيد، من زاد أو استزاد، فقد أربى، الآخذ والمعطي سواء[23].
(ح-761) ومنها أيضاً: ما رواه مسلم من طريق أبي الأشعث.
عن عبادة بن الصامت، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة.... مثلاً بمثل، سواء بسواء، يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد[24].
(ح-762) ومنها: ما رواه البخاري من طريق مالك، عن نافع.
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبا بناجز. ورواه مسلم[25].
(ح-763) ومنها: ما رواه مسلم من طريق ابن أبي نعم.
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الذهب بالذهب وزناً بوزن، مثلاً بمثل، والفضة بالفضة وزناً بوزن، مثلاً بمثل، فمن زاد أو استزاد فهو ربا[26].
(ح-764) ومنها: ما رواه البخاري من طريق عبد الرحمن بن أبي بكرة قال:
قال أبو بكرة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا سواء بسواء، والفضة بالفضة إلا سواء بسواء، وبيعوا الذهب بالفضة والفضة بالذهب كيف شئتم[27].
(ح-765) ومنها: ما رواه مسلم من طريق مالك بن أبي عامر يحدث.
عن عثمان بن عفان، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تبيعوا الدينار بالدينارين، ولا الدرهم بالدرهمين[28].
وجه الاستدلال من هذه الأحاديث:
قوله (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة مثلاً بمثل...) وفي بعضها وزناً بوزن.
ف (أل) في الذهب للجنس، فتعم جميع أنواع الذهب، مثله مثل قوله تعالى ﴿ إن الإنسان لفي خسر ﴾ [ العصر:2] عام لجميع الناس ولذلك صح الاستثناء منه بقوله تعالى ﴿ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ﴾ [ العصر:3].
وإذا كان ذلك كذلك فمن أراد إخراج فرد من أفراد الذهب فعليه الدليل من الشارع، فإن النص الشرعي إذا جاء عاماً، أو مطلقاً لا يخصصه ولا يقيده إلا نص شرعي مثله.
الدليل الثاني:
النصوص الخاصة والتي تعتبر نصاً في الموضوع.
(ح-766) من ذلك، ما رواه مسلم من طريق علي بن رباح اللخمي يقول:
سمعت فضالة بن عبيد الأنصاري يقول أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بخيبر بقلادة فيها خرز وذهب، وهي من المغانم تباع، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده، ثم قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الذهب بالذهب وزنا بوزن [29].
(رواه حنش الصنعاني وعلي بن رباح اللخمي عن فضالة، والأول اختلف عليه، والثاني لم يختلف عليه في الحديث، فيقبل من رواية حنش ما وافق رواية علي، وما خالفها، فقد اختلف عليه فيها فيحكم بشذوذها) [30].
وجه الاستدلال:
أن القلادة حلية، وقد اشتريت بذهب، ولو كانت القلادة سلعة من السلع لم يشترط الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن ينزع الذهب الذي في القلادة، وأن لا يباع إلا وزناً بوزن.
جواب القائلين بجواز بيع الحلي بالذهب متفاضلاً:
حاول القائلون بجواز بيع الحلية بالذهب متفاضلاً أن يخرجوا من حديث فضالة إما بضعف الحديث للاضطراب، وإما بالتأويل.
وقد أجبت عن دعوى أن الحديث مضطرب بأن الاضطراب لم يرد إلا في رواية حنش الصنعاني، عن فضالة، ولم يرد الاضطراب مطلقاً في رواية علي ابن رباح اللخمي عن فضالة. وهي في مسلم، ومن الظلم أن يجنى على رواية علي ابن رباح اللخمي باضطراب غيره، بل المنهج العلمي يقتضي أن ترد رواية المضطرب فقط وتقبل رواية من جوَّد الحديث وأتقنه، وقد ناقشت دعوى الاضطراب بتوسع ولله الحمد، وجعلت هذا الكلام في مسألة ( مد عجوة ودرهم ) تخفيفاً وحرصاً حتى لا يطول الكلام في هذه المسألة، فانظره هناك.
وأما من حاول أن يرد الحديث بالتأويل فقد وقع فيما حاول الخروج منه.
فقد رأى ابن تيمية وابن القيم بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما منع من هذه المعاملة لأن الذهب الذي في القلادة أكثر من الذهب الذي دفع ثمناً لها، فصارت المبادلة ذهباً بذهب مع التفاضل.
وإذا كان ذلك كذلك كان هذا نصاً منهما على أن الحلية التي في القلادة مال ربوي، ولو كانت القلادة سلعة من السلع لم ينظر إلى مقدار الثمن، سواء كان أقل أو أكثر؛ لأن المعيار بالوزن إنما يشترط في مبادلة الربوي بمثله، وأما غير الربوي فيكفي رؤيته لتنتفي جهالته، مثله مثل الحنطة إذا بيعت جزافاً بدراهم جاز، ولا يشترط أن يعلم مقدارها بالكيل، وإذا بيعت بالحنطة اشترط التماثل بالمعيار الشرعي الذي هو الكيل.
قال ابن تيمية: «إذا لم يعلم مقدار الربوي بل يخرص خرصاً مثل القلادة التي بيعت يوم حنين، وفيها خرز معلق بذهب فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا تباع حتى تفصل، فان تلك القلادة لما فصلت كان ذهب الخرز أكثر من ذلك الذهب المفرد فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع هذا بهذا حتى تفصل ؛ لأن الذهب المفرد يجوز أن يكون أنقص من الذهب المقرون، فيكون قد باع ذهباً بذهب مثله، وزيادة خرز وهذا لا يجوز، وإذا علم المأخذ فإذا كان المقصود بيع دراهم بدراهم مثلها وكان المفرد أكثر من المخلوط كما في الدراهم الخالصة بالمغشوشة بحيث تكون الزيادة في مقابلة الخلط لم يكن في هذا من مفسدة الربا شيء إذ ليس المقصود بيع دراهم بدراهم أكثر منها، ولا هو بما يحتمل أن يكون فيه ذلك، فيجوز التفاوت »[31].
وهذا القول من ابن تيمية رحمه الله يهدم دعوى أن القلادة سلعة، ويجعل الحلية التي في القلادة مالاً ربوياً، ولذلك اشترط أن يكون الذهب المفرد أكثر من الذهب الذي في القلادة، حتى يكون الذهب بالذهب مثلاً بمثل، وما زاد في مقابلة الخرز، كمسألة مد عجوة ودرهم تماماً، ومسألة مد عجوة ودرهم لم يقل أحد ممن أجازها أو ممن منعها: إنها ليست مالاً ربوياً. فصار قولهما حجة عليهما. ألا ترى إلى قول ابن تيمية «إذا لم يعلم مقدار الربوي بل يخرص خرصاً مثل القلادة التي بيعت يوم حنين.... الخ كلامه، فهذا نص منه على أن الحلية التي مع الخرز هي مال ربوي. ولم يستطع أحد ممن قرأت له في هذه المسألة ممن صحح حديث فضالة أن يخرج من هذا الحديث بجواب مقنع.
ومن الأحاديث التي احتج بها الجمهور، والتي تعتبر نصاً في الموضوع.
(ح-767) ما رواه مسلم من طريق أيوب، عن أبي قلابة قال: كنت بالشام في حلقة فيها مسلم بن يسار، فجاء أبو الأشعث قال: قالوا: أبو الأشعث، أبو الأشعث، فجلس فقلت له: حدث أخانا حديث عبادة ابن الصامت، قال: نعم، غزونا غزاة، وعلى الناس معاوية، فغنمنا غنائم كثيرة، فكان فيما غنمنا آنية من فضة، فأمر معاوية رجلا أن يبيعها في أعطيات الناس، فتسارع الناس في ذلك.
فبلغ عبادة بن الصامت فقام، فقال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح إلا سواء بسواء، عيناً بعين، فمن زاد أو ازداد فقد أربى. فرد الناس ما أخذوا، فبلغ ذلك معاوية فقام خطيبا، فقال: ألا ما بال رجال يتحدثون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحاديث قد كنا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه، فقام عبادة بن الصامت، فأعاد القصة ثم قال: لنحدثن بما سمعنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن كره معاوية - أو قال: وإن رغم - ما أبالي أن لا أصحبه في جنده ليلة سوداء.
وجه الاستدلال:
احتج عبادة في المنع من بيع الآنية من الفضة بالفضة متماثلاً من نهي الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الفضة بالفضة إلا مثلاً بمثل. ولم ير - رضي الله عنه - إلى أن الآنية من الفضة قد خرجت بالصنعة من كونها مالاً ربوياً، وفهم الصحابي أولى من فهم غيره، كيف وقد وافقه غيره من الصحابة كما سيأتي عن ابن عمر - رضي الله عنه -ما، وأبي الدرداء. وأما رأي معاوية فهو لم يحتج لقوله إلا أنه لم يسمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً في النهي، كما قال: ( ما بال رجال يتحدثون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحاديث قد كنا نشهده، ونصحبه فلم نسمعها منه )، وكونه لم يسمع ليس حجة على من حفظ وسمع، وعمر وأبو بكر قد تغيب عنهم سنة، ويحفظها غيرهم ممن هو دونهم فكيف بمعاوية رضي الله عن الجميع، فكيف إذا كان معاوية إنما قال ذلك برأيه واجتهاده، وعبادة بن الصامت وأبو الدرداء كما سيأتي احتجا عليه بالسنة المرفوعة، ولذلك أغلظا له في الإنكار، وليس رأي معاوية صريحاً في أنه يرى أن الفضة تخرج بالصنعة من كونها مالاً ربوياً. فقد يكون رأي معاوية من رأي ابن عباس في أن الربا لا يجري إلا في النسيئة، ولذلك أجاز بيع الآنية من الفضة بأكثر من وزنها يداً بيد. ويحتاج من يريد أن يجعل رأي معاوية في الحلية إلى كلام صريح من معاوية - رضي الله عنه - في المسألة، فالقصة ليست صريحة في الباب.
(ح-768) يؤيد ذلك ما رواه ابن ماجه عن هشام بن عمار، حدثنا يحيى ابن حمزة، حدثني برد بن سنان، عن إسحاق بن قبيصة، عن أبيه، عن عبادة ابن الصامت بنحوه.
وفيه قال معاوية: يا أبا الوليد ما أرى الربا في هذا إلا ما كان من نظرة[32].
(منقطع قبيصة لم يلق عبادة) [33].
وأجيب عن هذا الحديث:
حمل ابن تيمية وابن القيم بأن إنكار عبادة على معاوية إنما هو لبيعه الآنية من الفضة، فهي صياغة محرمة، والصياغة المحرمة يحرم بيعها بجنسها أو بغير جنسها[34].
ويرد على هذا الاعتراض:
بأن عبادة لم يحتج على معاوية بأحاديث النهي عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة، وإنما احتج عليه بالنهي عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة متفاضلاً، فهو يقول في معرض إنكاره على معاوية كما في صحيح مسلم: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة..... إلا سواء بسواء، عيناً بعين، فمن زاد أو ازداد فقد أربى.
فالكلام كله في إنكار بيع الفضة بجنسها متفاضلاً، وليس في بيع آنية محرمة، يُنْهَى عن بيعها مطلقاً كيفما بيعت، وبصرف النظر عن الثمن الذي بيعت به، وقد كان بعض الصحابة ربما اتخذ آنية الذهب والفضة، ولم يأكل بها، والنص إنما ورد في النهي عن الأكل في آنية الذهب والفضة، فقد جاء في الصحيحين أن الصحابي حذيفة - رضي الله عنه - اقتنى آنية من فضة مع كونه يرى تحريم الشرب فيها.
(ح-769) فقد روى البخاري ومسلم من طريق سيف بن أبي سليمان، قال: سمعت مجاهداً يقول:
حدثني عبد الرحمن بن أبي ليلى أنهم كانوا عند حذيفة، فاستسقى، فسقاه مجوسي، فلما وضع القدح في يده رماه به، وقال: لولا أني نهيته غير مرة، ولا مرتين، كأنه يقول: لم أفعل هذا، ولكني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة[35].
ففي هذا الحديث دليل على اقتناء حذيفة لإناء الفضة[36].
ومن الأحاديث التي احتج بها الجمهور، والتي تعتبر نصاً في الموضوع:
(ح-770) ما رواه مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار.
أن معاوية بن أبي سفيان باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها، فقال أبو الدرداء: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن مثل هذا إلا مثلاً بمثل، فقال له معاوية: ما أرى بمثل هذا بأساً. فقال أبو الدرداء: من يعذرني من معاوية، أنا أخبره عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويخبرني عن رأيه، لا أساكنك بأرض أنت بها. ثم قدم أبو الدرداء على عمر بن الخطاب، فذكر ذلك له، فكتب عمر بن الخطاب إلى معاوية أن لا تبع ذلك إلا مثلاً بمثل، وزناً بوزن[37].
(منقطع عطاء بن يسار يروي القصة، وهي قد حدثت زمن عمر ولم يدرك في ذلك الوقت) [38].
ومن الأحاديث التي احتج بها الجمهور، والتي تعتبر نصاً في الموضوع:
(ح-771) ما رواه مالك في الموطأ، عن حميد بن قيس المكي.
عن مجاهد، أنه قال: كنت مع عبد الله بن عمر، فجاءه صانع، فقال له: يا أبا عبد الرحمن إني أصوغ الذهب، ثم أبيع الشيء من ذلك بأكثر من وزنه، فأستفضل من ذلك قدر عمل يدي، فنهاه عبد الله عن ذلك، فجعل الصائغ يردد عليه المسألة، وعبد الله ينهاه، حتى انتهى إلى باب المسجد أو إلى دابة يريد أن يركبها، ثم قال عبد الله: الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما، هذا عهد نبينا إلينا، وعهدنا إليكم[39].
(سنده صحيح) [40].
(ح-772) ومنها ما رواه أبو داود من طريق أبي الخليل (صالح بن أبي مريم) عن مسلم بن يسار المكي، عن أبي الأشعث الصنعاني.
عن عبادة بن الصامت، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: الذهب بالذهب تبرها وعينها، والفضة بالفضة تبرها وعينها... فمن زاد أو ازداد فقد أربى، ولا بأس ببيع الذهب بالفضة، والفضة أكثرهما يداً بيد، وأما نسيئة فلا... الحديث.
( الحديث رجاله ثقات، وهو في مسلم وليس فيه زيادة تبرها وعينها) [41].
فالعين من الذهب: ذهب مسكوك (دراهم ودنانير)، والسكة نوع من الصنعة، وهي عمل آدمي، ولو أعطيت ذهبك وفضتك لرجل يضربها دراهم ودنانير لم يضربها إلا بالأجرة، فإذا كانت الدراهم والدنانير لا تقوَّم فيها الصنعة بالإجماع، وهي من عمل الإنسان وكسبه، فالحلي مثلها. والله أعلم.
ومن الآثار التي احتج بها الجمهور، وتعتبر نصاً في الموضوع:
(ث-133) ما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا نصرابن عائذ الجهضمي[42]، عن قيس بن رباح الحداني.
عن مليكة بنت هانئ[43]، قالت: دخلت على عائشة، وعلي سواران من فضة، فقلت: يا أم المؤمنين، أبيعها بدراهم؟ فقالت: الفضة بالفضة وزناً بوزن، مثلاً بمثل [44].
[ ضعيف ] [45].
الدليل الثالث: من الإجماع. فقد ساق الإجماع طائفة من العلماء:
قال القاضي عياض: «قوله: (لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا الورق بالورق ...) الحديث عام في جميع أجناسها من مشكول، ومصنوع، وتبر، وجيد، ورديء، ولا خلاف في هذا »[46].
قال النووي: «قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا الورق بالورق إلا سواء بسواء ). قال العلماء: هذا يتناول جميع أنواع الذهب والورق من جيد ورديء، وصحيح ومكسور، وحلي وتبر، وغير ذلك، وسواء الخالص والمخلوط بغيره، وهذا كله مجمع عليه »[47].
قال ابن عبد البر: «والسنة المجتمع عليها أنه لا يباع شيء من الذهب عيناً كان أو تبراً، أو مصوغاً، أو نقراً، أو جيداً، أو رديئاً بشيء من الذهب إلا مثلاً بمثل، يداً بيد، وكذلك الفضة: عينها، ومصوغها، وتبرها، والسوداء منها والبيضاء، والجيدة والرديئة سواء، لا يباع بعضها ببعض إلا مثلاً بمثل يداً بيد، من زاد أو نقص في شيء من ذلك كله، أو أدخله نظرة فقد أكل الربا »[48].
وقال ابن عبد البر: «أجمع العلماء على أن الذهب تبره وعينه سواء لا يجوز التفاضل في شيء منه، وكذلك الفضة بالفضة تبرها وعينها، ومصنوع ذلك كله ومضروبه لا يحل التفاضل في شيء منه، وعلى ذلك مضى السلف من العلماء والخلف إلا شيئاً يسيراً يروى عن معاوية من وجوه، أنه كان لا يرى الربا في بيع العين بالتبر، ولا بالمصنوع وكان يجيز في ذلك التفاضل، ويذهب إلى أن الربا لا يكون في التفاضل إلا في التبر بالتبر، وفي المصنوع بالمصنوع، وفي العين بالعين»[49].
وقال ابن هبيرة: «أجمع المسلمون على أنه لا يجوز بيع الذهب بالذهب منفرداً، والورق بالورق منفرداً، تبرها، ومضروبها، وحليها، إلا مثلاً بمثل، وزناً بوزن، يداً بيد، وأنه لا يباع شيء منها غائب بناجز»[50].
كما حكى الإجماع ابن حجر في الفتح [51].
ولا تسلم دعوى الإجماع مع خلاف معاوية - رضي الله عنه -، وخلاف ابن تيمية وابن القيم، ومن أخذ بقولهم إلا أن يستفاد من حكاية الإجماع أن القول بالتحريم هو قول العامة مؤيداً بنصوص عامة وخاصة.
الدليل الرابع:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - منع من التفاضل مع اختلاف الصفة كما في مبادلة الجيد بالرديء، فالصنعة صفة أيضاً إلا أنها من صنع الآدمي.
(ح-773) فقد روى البخاري من طريق عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف، عن سعيد بن المسيب.
عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة - رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعمل رجلاً على خيبر، فجاءهم بتمر جنيب، فقال: أكل تمر خيبر هكذا؟ فقال: إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة فقال: لا تفعل، بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيباً، وقال في الميزان مثل ذلك[52].
جواب ابن تيمية وابن القيم:
أجاب ابن تيمية وابن القيم في التفريق بين الجودة والصنعة أن الجودة من خلق الله تعالى، فأمر ببذلها بدون مقابل، وأما الصنعة فهي من فعل الآدمي، فيعتبر من الظلم أن يقال: بعها واخسر الأجرة[53].
وهذا التفريق غير دقيق لثلاثة أوجه:
أحدهما: أن الجودة والصنعة كلها ملك لآدمي معصوم، وهي بالإتلاف متقومة، ولم تلغ بحجة أنها من خلق الله، فأموالنا كلها من خلق الله، ونحن مستخلفون فيها، فإذا أهدرت الجودة في الربويات مع كونها مالاً متقوماً مقصوداً، أهدرت الأخرى؛ لأن المعيار هو التماثل في المعيار الشرعي، وهو الكيل. ثم إن هذا قد ينتقض إذا ملكت الجودة والصنعة عن طريق المعاوضة بالأوراق النقدية، فكيف يقال للأول: لا مقابل لما اشتريت إذا بعته بجنسه وإن كنت قد دفعت مالاً كثيراً قيمة للجودة، ويقال للثاني: لا نضيع عليك الصنعة إذا بعته بجنسه، وكلاهما قد دفع عوضاً مالياً سواء للجودة أو للصنعة.
الثاني: أن مبادلة الدراهم والدنانير بالسبائك من مثلها لا يجوز فيه التفاضل مع أن ضرب الدراهم أو الدنانير صنعة، وهو من عمل آدمي، ولا يعمل إلا بأجرة، ومع ذلك ألغي حين تبادل الذهب بمثله، فكذلك الحلي.
الثالث: أن الجودة وإن كانت من صنع الله إلا أنها تتفاوت تفاوتاً كبيراً بحسب جهد الآدمي وتعاهده لما زرع، وقيامه على مصالحه بقطع ما يضره، وتزويده ما ينفعه من سماد ونحوه، فالمزارع يصرف الأموال الطائلة في إصلاح الثمار تخلية وتحلية، فالآدمي له كسب مؤثر في جودتها، وهذا لا يعرفه إلا من اشتغل بالزراعة، بل ربما ما يصرفه المزارع من جهد ومال يفوق بكثير ما يصرفه الصائغ على ذهبه وفضته، فالمزارع يذهب عليه فصل كامل من السنة أو أكثر، وهو يشتغل على ثماره من قبل ظهورها إلى أوان جذاذها، فإذا قيل للمزارع بالإجماع: بع الثمار بمثلها، واخسر جهدك ومالك، فيجب أن يقال له: إذا بعت الحلي من الذهب بالذهب، فاخسر جهدك. وإذا أراد المزارع أن يأخذ قيمة الجودة، فلا يقبل مبادلة الجيد بتمر رديء، بل يبيع صاحب التمر الرديء تمره بالدراهم ويشتري بقيمته تمراً جيداً، وإذا أراد الصائغ أن يأخذ قيمة الصنعة، فلا يبيع الحلي من الذهب بالذهب، بل يبيع الحلي من الذهب بالدراهم، والحلي من الفضة بالدنانير، أو يبيعهما بالأوراق النقدية. هذا هو سبيل الفكاك من الوقوع في الربا، وهو مطلب يسير غير متعذر.
هذه تقريباً أهم الأدلة التي استدل بها الجمهور في تحريم ببيع الحلي بالذهب متفاضلاً.
دليل من قال: يجوز بيع الحلي بالذهب متفاضلاً:
الدليل الأول:
أن علة الربا في الذهب والفضة هي الثمنية، فإذا كانا حلياً فقد أصبحا مجرد سلعة كسائر السلع، لا من جنس الأثمان، ولهذا لا تجب فيهما الزكاة، ولا يحرم بيعهما بالدنانير والدراهم مع التفاضل.
ويناقش من وجوه:
الوجه الأول:
أن جريان الربا في الذهب والفضة ثابت بالنص، وكون العلة فيهما هي الثمنية أمر مستنبط مختلف فيه، وقد نص العلماء على أن العلة المستنبطة لا يمكن أن تعود على الحكم بالإبطال، لأن النص دلالته قطعية وهي دلالتها ظنية، والله أعلم.
الوجه الثاني:
أن الربا يجري في سبائك الذهب والفضة مع أنهما في حال كونهما سبائك لا تعتبر من الأثمان[54].
وهذا دليل على أن الثمنية موغلة في الذهب والفضة لا تنفك عنهما، وليست طارئة عليهما، سواء كانت تبراً، أو عيناً، أو مصوغاً.
الوجه الثالث:
القول بأن الحلي لم تدخل في نصوص الربا، لأنها من جنس السلع، وليست من جنس الأثمان، ولهذا لم يجب فيها الزكاة. فيقال في الجواب:
أولاً: ليس هناك علاقة بين الزكاة وبين الربا، فالثمنية التي هي العلة في الذهب والفضة، ليست هي العلة في غيرها من الأموال الربوية، وليست هي العلة في وجوب الزكاة في الأموال الزكوية، فلا تلازم بين الزكاة وبين الربا، حتى يمكن أن يقال: ما لم تجب فيه الزكاة لم يجر فيه الربا. وما جرى فيه الربا وجبت فيه الزكاة، فالبيوع باب، والصدقة باب آخر.
وعدم وجوب الزكاة في الحلي ليس راجعاً لكونها بالصناعة خرجت عن جنس الأثمان، بل لأن من شروط الزكاة أن يكون ملك النصاب خالياً من الحوائج الأصلية، والحلية تعتبر من الحاجات الأصلية للنساء[55].
يقول أبو عبيد القاسم بن سلام: «اختلف في هذا الباب صدر هذه الأمة وتابعوها ومن بعدهم – يعني في وجوب الزكاة في الحلي - فلما جاء هذا الاختلاف أمكن النظر فيه والتدبر لما تدل عليه السنة، فوجدنا النبي - صلى الله عليه وسلم - قد سن في الذهب والفضة سنتين: إحداهما في البيوع، والأخرى في الصدقة.
فسنته في البيوع قوله: الفضة بالفضة مثلاً بمثل، فكان لفظه بالفضة مستوعباً لكل ما كان من جنسها مصوغاً وغير مصوغ، فاستوت في المبايعة ورقها، وحليها، ونقرها. وكذلك قوله الذهب بالذهب مثلاً بمثل فاستوت فيه دنانيره وحليه وتبره.
وأما سنته في الصدقة فقوله إذا بلغت الرقة خمس أواقي ففيها ربع العشر فخص رسول الله بالصدقة الرقة من بين الفضة وأعرض عن ذكر سواها، فلم يقل: إذا بلغت الفضة كذا ففيها كذا، ولكنه اشترط الرقة من بينها، ولا نعلم هذا الاسم في الكلام المعقول عند العرب يقع إلا على الورق المنقوشة ذات السكة السائرة في الناس، وكذلك الأواقي ليس معناها إلا الدراهم، كل أوقية أربعون درهماً، ثم أجمع المسلمون على الدنانير المضروبة أن الزكاة واجبة عليه كالدراهم وقد ذكر الدنانير أيضا في بعض الحديث المرفوع يحدثونه عن ابن أبي ليلى عن عبد الكريم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: ليس في أقل من عشرين مثقالا من الذهب، ولا في أقل من مائتي درهم صدقة، فلم يختلف المسلمون فيهما، واختلفوا في الحلي، وذلك أنه يستمتع به ويكون جمالاً وأن العين والورق لا يصلحان لشيء من الأشياء إلا أن يكونا ثمناً لها، ولا ينتفع منهما بأكثر من الإنفاق لهما، فبهذا بان حكمهما من حكم الحلي الذي يكون زينة ومتاعاً فصار ههنا كسائر الأثاث والأمتعة، فلهذا أسقط الزكاة عنه من أسقطها، ولهذا المعنى قال أهل العراق: لا صدقة في الإبل والبقر العوامل ؛ لأنها شبهت بالمماليك والأمتعة، ثم أوجبوا الصدقة في الحلي.
وأوجب أهل الحجاز الصدقة في الإبل والبقر العوامل، وأسقطوها من الحلي، وكلا الفريقين قد كان يلزمه في مذهبه أن يجعلها واحداً: إما إسقاط الصدقة عنهما جميعاً، وإما إيجابها بهما جميعاً، وكذلك هما عندنا سبيلهما واحد لا تجب الصدقة عليهما لما قصصنا من أمرهما»[56].
الدليل الثاني:
أن العاقل لا يمكن أن يبيع الصياغة بوزنها فإن هذا سفه وإضاعة للصنعة، والشارع أحكم من أن يلزم الأمة بذلك فالشريعة لا تأتي به ولا تأتي بالمنع من بيع ذلك وشرائه لحاجة الناس إليه فلم يبق إلا أن يقال:
لا يجوز بيعها بجنسها البتة بل يبيعها بجنس آخر، وفي هذا من الحرج والعسر والمشقة ما تتقيه الشريعة، فإن أكثر الناس عندهم ذهب يشترون به ما يحتاجون إليه من ذلك والبائع لا يسمح ببيعه ببر وشعير وثياب، وتكليف الاستصناع لكل من احتاج إليه إما متعذر أو متعسر، والحيل باطلة في الشرع، فلم يبق إلا جواز بيعه كما تباع السلع، فلو لم يجز بيعه بالدراهم فسدت مصالح الناس».
ويناقش:
الفرق بين جيد التمر ورديئه في القيمة بون شاسع في عصرنا، فتجد السطل من التمر الردئ بعشرة ريالات، بينما تجده من التمر السكري الجيد بمائتي ريال. وهو هكذا في عصر النبوة حيث قال: نأخذ الصاع بالصاعين، فمعنى ذلك أن الزيادة بلغت مائة بالمائة، ولم يكن ذلك مسوغاً لأخذ الزيادة، ولم يقل أحد: إن ذلك سفه، والشريعة لا تأتي به، ولم يقل أحد: لماذا نأمره أن يبيع التمر الرديء، وهو لا يريد الدراهم، أليس في ذلك حرج ومشقة عليه، وهو سوف يشتري بقيمته من التمر الجيد، فهذا هو أمر الشارع، حيث أراد بحكمته عند اشتراط التماثل إلى تضييق المقاصة في بيع الربوي بجنسه.
ونحن لا نقول: لزاماً عليك أن تبيعها بمثلها من الذهب وأن تخسر جهدك، بل نقول له: لك أن تبيع الحلية من الذهب بالدراهم، والحلية من الفضة بالدنانير، فهل في إيجاب ذلك حرج ومشقة وعسر لا يمكن أن تأتي به الشريعة، أليس هذا من باب التهويل والمبالغة.
وقد يقبل كلام ابن القيم في عصره عندما كان تعامل الناس في النقدين (الدراهم والدنانير ) أما اليوم فإن تعامل عامة الناس بالأوراق النقدية، وهي أثمان الناس اليوم، وليس هناك أثمان غيرها، فلك أن تشتري بها ما شئت من حلي الذهب والفضة، فمن كان معه قلادة استغنى عنها، وأراد أن يبيعها فلا يبعها بقلادة أخرى مع التفاضل، بل يبيع القلادة بالريالات، ولا يشترط في ذلك إلا التقابض، ويشتري بالريالات القلادة التي يريد، وليس في ذلك سفه، ولا عنت، وعمل عامة الناس عليه في بلادنا.
وقول ابن تيمية وابن القيم: إن العاقل لا يمكن أن يبيع الصياغة بوزنها فإن هذا سفه وإضاعة للصنعة، ممكن أن يقال لهم أيضاً لو فتح باب الاعتراض العقلي أن يقال: إن العاقل لا يمكن أن يبيع الذهب، ولو لم يكن حلياً بمثله وزناً بوزن، لأن البائع حين يبيع يبحث عن مقدار من الربح، ولو كان يسيراً، فأي ربح في بيع الذهب بمثله بلا فضل، بل يمكن أن يقال أشد من هذا: هل يمكن لعاقل أن يبيع التمر الجيد بتمر رديء إلا إذا خرج الموضوع من باب المعاوضات إلى باب الهبات.
الدليل الثالث:
أن ربا الفضل يباح منه ما تدعو إليه الحاجة كالعرايا حيث جوز الشارع بيع الرطب بالتمر لشهوة الرطب، وأين هذا من الحاجة إلى بيع المصوغ الذي تدعو الحاجة إلى بيعه وشرائه بجنسه متفاضلاً؟
ويناقش من وجوه:
الوجه الأول:
أن الناس في عصر الصحابة أحوج إلى بيع الرطب بالتمر منهم إلى بيع الحلي بالذهب، وذلك أن مجتمع الصحابة في عصر النبوة كان أغلبهم من الفقراء، وكان طعامهم الأسودين التمر والماء، بخلاف الحلي والذي لا يستعمله إلا بعض النساء الميسورات، فكيف يقال: أين بيع الرطب بالتمر من الحاجة إلى بيع المصوغ الذي تدعو الحاجة إلى بيعه وشرائه.
(ح-774) فقد روى الشيخان من طريق عروة.
عن عائشة - رضي الله عنه -ا، أنها قالت لعروة: ابن أختي إن كنا لننظر إلى الهلال، ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقدت في أبيات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نار. فقلت: يا خالة ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان التمر والماء.. الحديث[57].
(ح-775) وروى أحمد من طريق داود بن فراهيج، قال:
سمعت أبا هريرة قال: ما كان لنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طعام إلا الأسودان، التمر والماء.
(وإسناده حسن)[58].
فالرخصة في العرايا وردت في قوت الناس وطعامهم، وهي عامة لجميع الناس، ينتفع منها كافتهم، بخلاف الحلي، فهو ليس من حاجات الناس الضرورية، ولا ينتفع منها إلا خاصتهم.
الوجه الثاني:
لا يسوغ شرعاً أن نحتج بالقياس على جواز بيع الحلي بجنسه مع التفاضل وقد ورد النص الخاص في المنع من ذلك، فهذا ابن عمر يقول بالحديث الصحيح للصائغ ( هذا عهد نبينا إلينا، وعهدنا إليكم ). وحديث فضالة في القلادة نص في الموضوع، وحديث عبادة وإنكاره على معاوية، وهو في صحيح مسلم حيث احتج على معاوية بالعموم من النهي عن بيع الذهب بالذهب مع التفاضل، ولم يخالف أحد من الصحابة إلا ما ورد عن معاوية، وهو ليس صريحاً في الباب.
الوجه الثالث:
أن العرايا قد نص على أنه لا يقاس عليها، وأنه لم يرخص في غيرها، فتعميم الرخصة مخالف للنص الشرعي.
(ح-776) فقد روى البخاري ومسلم من طريق سالم بن عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر.
عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخص بعد ذلك – أي بعد نهيه عن بيع الرطب بالتمر – في بيع العرية بالرطب أو بالتمر، ولم يرخص في غيره[59].
فقوله (ولم يرخص في غيره) دليل على قصر الرخصة على العرايا خاصة، ومما يدل على قصر الرخصة في العرايا نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن المحاقلة والمزابنة.
الوجه الرابع:
أنه لو لم ينص على أن العرايا لم يرخص في غيرها، فإنه لا ينبغي القياس عليها، لأن العرية رخصة، والرخص يأتي استثناؤها بدليل خاص بما يخالف الأصل والحكم العام، فالأصل أن الشارع نهى عن بيع الرطب بالتمر، خالفنا ذلك في العرايا بدليل خاص، وبقي ما عداها على المنع.
(ح-777) فقد روى البخاري، ومسلم من طريق يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار.
عن سهل بن أبي حثمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمر بالتمر ورخص في العرية... [60].
فإذا جعلنا العرية أصلاً يقاس عليه لم تكن العرية رخصة. وقد ذهب عامة الحنفية، وهو مذهب المالكية، ونص الشافعي في الرسالة إلى أن الرخص لا يقاس عليها.
قال الشافعي في الرسالة: «فما الخبر الذي لا يقاس عليه؟ قلت: ما كان لله فيه حكم منصوص، ثم كانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة بتخفيف في بعض الفرض دون بعض، عمل بالرخصة فيما رخص فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون ما سواها، ولم يقس ما سواها عليها، وهكذا ما كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حكم عام بشيء، ثم سن فيه سنة تفارق حكم العام »[61].
وقال أيضاً: «فما مثل هذا في السنة؟ قلت: نهى رسول الله عن بيع التمر بالتمر إلا مثلاً بمثل، وسئل عن الرطب بالتمر، فقال: أينقص الرطب إذا يبس؟ فقيل: نعم فنهى عنه، ونهى عن المزابنة وهي كل ما عرف كيله مما فيه الربا من الجنس الواحد بجزاف لا يعرف كيله منه، وهذا كله مجتمع المعاني ورخص أن تباع العرايا بخرصها تمرا يأكلها أهلها رطباً، فرخصنا بالعرايا بإرخاصه... فأثبتنا التحريم محرماً عاماً في كل شيء من صنف واحد مأكول، بعضه جزاف، وبعضه بكيل للمزابنة، وأحللنا العرايا خاصة بإحلاله من الجملة التي حرم، ولم نبطل أحد الخبرين بالآخر، ولم نجعله قياساً عليه» [62].
الوجه الخامس:
أن الشارع لم يأذن بالفاضل المتيقن في العرايا، وإنما سوغ الشارع المساواة بالخرص من أهل الخبرة بالخرص في مقدار قليل تدعو إليه الحاجة، وهو قدر النصاب خمسة أوسق فما دون، والخرص معيار شرعي للتقدير في أمور كثيرة منها الزكاة، بينما أنتم في بيع الحلي بجنسه متفاضلاً قد أذنتم بيقين التفاضل مطلقاً لجميع الناس، وفي القليل والكثير، ومع الحاجة وبدونها، فاختلف حكم المقيس عن حكم المقيس عليه، فلم يصح القياس.
الدليل الرابع:
أن الناس على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا يتخذون الحلية وكان النساء يلبسنها، وكن يتصدقن بها في الأعياد وغيرها، والمعلوم بالضرورة أنه كان يعطيها للمحاويج، ويعلم أنهم يبيعونها، ومعلوم قطعاً أنها لا تباع بوزنها، فإنه سفه، ومعلوم أن مثل الحلقة والخاتم والفتخة لا تساوي ديناراً، ولم يكن عندهم فلوس يتعاملون بها، وهم كانوا أتقى لله وأفقه في دينه وأعلم بمقاصد رسوله من أن يرتكبوا الحيل أو يعلموها للناس.
ويناقش:
القول بأنه لا يمكن أن تباع بوزنها، وأن مثل الحلقة لا تساوي ديناراً، فيقال: هناك ما هو أقل من الدينار عند الصحابة، هو القيراط، والدرهم.
(ح-778) فقد روى البخاري ومسلم في صحيحه قصة شراء النبي - صلى الله عليه وسلم - جمل جابر.
وفي رواية، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبلال: أعطه أوقية من ذهب، وزده، قال: فأعطاني أوقية من ذهب، وزادني قيراطاً[63].
والقيراط: هو جزء من أجزاء الدينار.
وكانت الفلوس موجودة في الصدر الأول.
(ث-134) فقد روى الإمام أحمد حدثنا يزيد، أخبرنا همام، عن قتادة، عن سعيد بن أبي الحسن.
عن عبد الله بن الصامت، قال: كنت مع أبي ذر، وقد خرج عطاؤه معه، ومعه جارية له، فجعلت تقضي حوائجه، وقال مرة: نقضي. قال: ففضل معه فضل، قال: أحسبه، قال: سبع، قال: فأمرها أن تشتري بها فلوساً.... [64].
( إسناده صحيح)[65].
وأما الدليل على وجود الفلوس في زمن التابعين.
(ح-779) ما رواه ابن خزيمة في صحيحه من طريق محمد بن إسحاق، قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب.
عن مرثد بن عبد الله المزني، قال: كان أول أهل مصر يروح إلى المسجد، وما رأيته داخلاً المسجد قط إلا وفي كمه صدقة، إما فلوس، وإما خبز، وإما قمح، حتى ربما رأيت البصل يحمله، قال: فأقول يا أبا الخير إن هذا ينتن ثيابك، فقال فيقول: يا ابن حبيب، إما أني لم أجد في البيت شيئاً أتصدق به غيره، إنه حدثني رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ظل المؤمن يوم القيامة صدقته[66].
(إسناده حسن)[67].
(ث -135) وروى ابن أبي شيبة في المصنف من طريق جعفر ابن برقان، قال:
سألت الزهري عن رجل يشتري الفلوس بالدراهم، هل هو صرف؟ قال: نعم، فلا تفارقه حتى تستوفيه.
(إسناده صحيح)[68].
وعلى فرض أن تكون الفلوس غير موجودة، فإنه يمكن أن تشترى حلية الذهب بالدراهم، وحلية الفضة بالدينار، فإن لم يكن اشتريت بالعروض، وهل يعقل أن تكون المسألة بهذه العسر، وابن عمر - رضي الله عنه - يقول للصائغ: (هذا عهد نبينا إلينا وعهدنا إليكم).
الدليل الخامس:
قال ابن تيمية: «لا يعرف عن الصحابة أنهم أمروا في مثل هذا أن يباع بوزنه، وإنما كان النزاع في الصرف، والدرهم بالدرهمين، فكان ابن عباس يبيح ذلك، وأنكره عليه أبو سعيد وغيره، والمنقول عن عمر إنما هو في الصرف»[69].
ويناقش:
هذا القول مردود بالأحاديث الخاصة، والتي هي نص في الموضوع، فحديث القلادة لم يضعفه ابن تيمية وابن القيم، ولم يخرجا منه بجواب مقنع، بل كان جوابهما حجة عليهما حيث اعتبروا ما في القلادة مالاً ربوياً مع أنهم يرون أن الحلية سلعة من السلع.
وحديث ابن عمر في موطأ مالك، وسنن النسائي صريح في الباب، لأن السائل كان من الصاغة، وهو مرفوع، وليس موقوفاً على ابن عمر حتى يعارض برأي معاوية. وحديث عبادة وإنكاره على معاوية في صحيح مسلم. وحكي الإجماع عليه إلا خلافاً يروى عن معاوية، وليس صريحاً في الباب، فكيف يقال بعد ذلك إن المسألة لا تعرف عن الصحابة.
الدليل السادس:
قال ابن تيمية: «تحريم ربا الفضل إنما كان لسد الذريعة، وما حرم لسد الذريعة أبيح للمصلحة الراجحة، كالصلاة بعد الفجر والعصر لما نهي عنها لئلا يتشبه بالكفار الذي يعبدون الشمس، ويسجدون للشيطان أبيح للمصلحة الراجحة، فأبيح صلاة الجنازة، والإعادة مع الإمام.... وكذلك ركعتا الطواف، وكذلك على الصحيح ذوات الأسباب.... وكذلك النظر للأجنبية لما حرم سداً للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة، كما أبيح للخطاب وغيره، وكذلك بيع الربوي بجنسه لما أمر فيه بالكيل والوزن لسد الذريعة أبيح بالخرص عند الحاجة، وغير ذلك كثير في الشريعة.
كذلك هنا: بيع الفضة بالفضة متفاضلاً لما نهي عنه في الأثمان لئلا يفضي إلى ربا النساء الذي هو الربا، فنهي عنه لسد الذريعة، كان مباحاً إذا احتيج إليه للمصلحة الراجحة، وبيع المصوغ مما يحتاج إليه، ولا يمكن بيعه بوزنه من الأثمان، فوجب أن يجوز بيعه بما يقوم به من الأثمان، وإن كان الثمن أكثر منه تكون الزيادة في مقابلة الصنعة»[70].
ويناقش:
مدار هذا الدليل على أن تحريم ربا الفضل إنما كان لسد الذريعة، وما حرم لسد الذريعة أبيح للمصلحة الراجحة.
هذا القول قاله ابن تيمية عليه رحمة الله تفقهاً وفهماً، وليس هناك نص من الشارع بأن ربا الفضل تحريمه من باب تحريم الوسائل، وسد الذرائع، ولو تأمل الباحث في النصوص الواردة في ربا الفضل لم يجد ما يدعم هذا الفهم. والفهم غير معصوم، فإذا جاء النص من الشارع على أن المنع إنما كان من باب سد الذرائع سلم الباحث ذلك بلا نزاع، كما في قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ [الأنعام: 108]. فهنا نص الشارع على أن النهي عن سب الأصنام حتى لا يفضي ذلك إلى مفسدة أكبر، وهي سب الذات الإلهية تنزه ربنا وتقدس.
فإذا تأملت نصوص ربا الفضل وجدت أن تحريمه تحريم مقاصد، وأنه محرم تحريم أصالة، وليس محرماً لغيره.
(ح-780) لما رواه البخاري، ومسلم من طريق معاوية بن سلام، عن يحيى بن أبي كثير، قال: سمعت عقبة بن عبد الغافر.
أنه سمع أبا سعيد الخدري - رضي الله عنه -، قال: جاء بلال بتمر برني، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: من أين هذا؟ قال بلال: كان عندنا تمر ردي، فبعت منه صاعين بصاع لمطعم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك: أوه أوه عين الربا عين الربا، لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر، ثم اشتره به[71].
فقوله - صلى الله عليه وسلم -: (عين الربا) وتكرار ذلك، وقوله (لا تفعل) كل ذلك يدل صراحة على أن ربا الفضل تحريمه تحريم مقاصد، وليس تحريمه من باب الوسائل، كما قال بعض أهل العلم والفضل.
قال القاضي عياض في إكمال المعلم: «قوله (عين الربا) أي هو الربا المحرم نفسه من الزيادة، لا ما يشبهه ويغامر عليه»[72].
وقال الحافظ في الفتح: «مراده بعين الربا: نفسه »[73].
وقال العيني في عمدة القارئ: «أي هذا البيع نفس الربا حقيقة »[74].
وقال النووي في شرحه لصحيح مسلم: «أوه عين الربا. قال أهل اللغة: هي كلمة توجع وتحزن، ومعنى عين الربا: أنه حقيقة الربا المحرم»[75].
وفي حاشية السندي على النسائي: «أي هذا العقد نفس الربا الممنوعة، لا نظيرها وما فيه شبهتها »[76].
وقال - صلى الله عليه وسلم - عن ربا الفضل كما في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري: (ويلك أربيت) [77].
وقال - صلى الله عليه وسلم - أيضاً كما في حديث أبي هريرة في مسلم (من زاد أو استزاد فقد أربى) [78].
ومن حديث أبي سعيد الخدري في مسلم: من زاد أو استزاد، فقد أربى، الآخذ والمعطي سواء[79].
فإذا كان ربا الفضل هو عين الربا، ومن وقع فيه فقد أربى، والربا له حقيقة شرعية، فإذا قيل: هذا عين الربا لم يكن لمسلم أن يقول: إن ربا الفضل ليس تحريمه تحريم مقاصد.
وكون ربا النسيئة أشد تحريما من ربا الفضل لا يعني أن ربا الفضل ليس من الكبائر، فإنه داخل في جنس الربا وعمومه، ولا يعني أيضاً أن تحريمه من باب سد الذرائع، وآيات وأحاديث الوعيد التي وردت في الربا تصدق على ربا الفضل كما تصدق على ربا النسيئة، لأن الشرع أطلق عليه أنه ربا، وأنه عينه وذاته ونفسه.
وكون العرايا استثنيت منه فلا يعني ذلك أبداً أن تحريمه من باب تحريم الوسائل؛ لأن إباحة بيع الرطب بالتمر إنما خص ذلك بالرطب لكونه قوت الناس وطعامهم، والشارع لم يأذن بالفاضل المتيقن في العرايا، وإنما سوغ الشارع المساواة بالخرص من أهل الخبرة بالخرص في مقدار قليل تدعو إليه الحاجة، وهو قدر النصاب خمسة أوسق فما دون، والخرص معيار شرعي للتقدير في أمور كثيرة منها الزكاة، والمالكية يجيزون العمل بالتحري في بيع كثير من الأموال الربوية بعضها ببعض حتى ولو لم تكن من العرايا.
قال الباجي: «وبدل الدنانير بالدنانير، والدراهم بالدراهم على وجهين:
أحدهما وزناً، والثاني: عدداً. فأما الوزن فلا يجوز فيه إلا التساوي، ولا يجوز فيه زيادة على وجه معروف، ولا بمسامحة..... وأما المبادلة بالعدد فإنه يجوز ذلك وإن كان بعضها أوزن من بعض في الدينار والدينارين على سبيل المعروف والتفضل، وليس ذلك من التفاضل؛ لأنهما لم يبنيا على الوزن، ولهذا النوع من المال تقديران: الوزن والعدد، فإن كان الوزن أخص به، أولى فيه إلا أن العدد معروف، فإذا عمل به على العدد جوز يسير الوزن زيادة على سبيل المعروف ما لم يكن في ذلك وجه من المكايسة والمغابنة، فيمنع منه. وهذا عندنا مبني على مسألة العرية، وذلك أن العرية لما كان للثمرة تقديران: أحدهما: الكيل، والآخر الخرص، والتحري، جاز العدول عن أولهما إلى الثاني للضرورة على وجه المعروف، فكذلك الدنانير والدراهم»[80].
والاستثناء من المحرم لا يعني أبداً أن تحريمه ليس تحريم مقاصد، فالشرك أعظم المحرمات، ومع ذلك يباح إذا خاف الإنسان على نفسه.
واستدل بعضهم على أن ربا الفضل من باب المحرمات لغيره.
(ح-781) بما رواه أحمد من طريق أبي جناب عن أبيه.
عن ابن عمر - رضي الله عنه -ما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تبيعوا الدينار بالدينارين، ولا الدرهم بالدرهمين، ولا الصاع بالصاعين، فإني أخاف عليكم الرماء، والرماء هو الربا، فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله، أرأيت الرجل يبيع الفرس بالأفراس والنجيبة بالإبل؟ قال: لا بأس إذا كان يداً بيد [81].
(ضعيف، ولفظة ( إني أخاف عليكم الرماء) رواها ابن عمر تارة موقوفة عليه، وتارة عن عمر موقوفاً عليه) [82].
وجه الاستدلال:
أخذ بعض أهل العلم من قوله - صلى الله عليه وسلم - ( إني أخاف عليكم الرماء ) أن تحريمه من باب تحريم الوسائل، لكونه يفضي إلى ربا النسيئة.
ويجاب من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول:
أن قوله: (إني أخاف عليكم الرماء أي (الربا) دليل على أن من فعل ذلك وقع في الربا لا أن من فعل ذلك يخاف عليه أن يقع في الربا.
الوجه الثاني:
أن الحديث ضعيف، ولفظة ( إني أخاف عليكم الرماء ) الصحيح أنها لا تثبت مرفوعة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما هي موقوفة على عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وقد سبق تخريج هذا الأثر ولله الحمد.
الوجه الثالث:
على القول بأن كلام عمر - رضي الله عنه - حجة، فإنه لا يعارض به كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من زاد أو استزاد فقد أربى، وقال: ويلك أربيت، وتوجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من هذا الفعل قائلاً: أوه أوه عين الربا. وكل هذه الألفاظ في الصحيح، وقد سبق تخريجها قبل قليل، فكيف تعارض هذه الأحاديث بكلمة ليست صريحة من عمر - رضي الله عنه.
الدليل السابع:
المعاوضة إذا جازت على هذه الصياغة مفردة جازت عليها مضمومة إلى غير أصلها وجوهرها، ولا فرق بينهما في ذلك[83].
فإذا كان يسوغ لصاحب الذهب أن يذهب إلى الصائغ، ويستأجره على الصياغة منفردة، ويعطيه أجره على عمله، جاز أن تكون أجرة الصياغة مضمومة إلى مبادلة الذهب بالذهب.
المناقشة:
ليس كل عقد جاز منفرداً جاز مضموماً إلى غيره، فهذا عقد القرض جائز بالإجماع، وعقد البيع جائز بالإجماع، وإذا باعه بشرط أن يقرضه حرم ذلك بالإجماع.
(ح-782) لما رواه أبو داود الطيالسي من طريق حماد بن زيد، عن أيوب، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه.
عن عبد الله بن عمرو، قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن سلف وبيع، وعن شرطين في بيع، وعن بيع ما ليس عندك، وعن ربح ما لم يضمن[84].
(إسناده حسن) [85].
والمراد بالسلف: هو القرض في لغة الحجاز، فنهى عن الجمع بين البيع والقرض، وإنما نهى عن الجمع بين البيع والقرض وإن كان كل واحد منهما صحيحاً بانفراده لأنه ربما حاباه في البيع لأجل القرض، فيؤدي إلى أن يجر القرض نفعاً للمقرض، فلما كانت الفائدة على القرض ربما تستتر بعقد البيع نهى عنها الشارع.
قال ابن تيمية: «نهى - يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجمع الرجل بين سلف وبيع، وهو حديث صحيح, ومعلوم أنه لو أفرد أحدهما عن الآخر صح, وإنما ذاك ; لأن اقتران أحدهما بالآخر ذريعة إلى أن يقرضه ألفاً، ويبيعه ثمانمائة بألف أخرى، فيكون قد أعطاه ألفاً، وسلعة بثمانمائة، ليأخذ منه ألفين، وهذا هو معنى الربا»[86].
وقد حكى الإجماع غير واحد من أهل العلم على تحريم اشتراط البيع مع عقد القرض.
قال الباجي في المنتقى: «لا يحل بيع وسلف، وأجمع الفقهاء على المنع من ذلك...» [87].
قال القرافي: «وبإجماع الأمة على جواز البيع والسلف مفترقين، وتحريمهما مجتمعين لذريعة الربا »[88].
وقال في مواهب الجليل: «واعلم أنه لا خلاف في المنع من صريح بيع وسلف »[89].
وقال الزركشي في البحر المحيط: «وبالإجماع على جواز البيع والسلف مفترقين، وتحريمهما مجتمعين للذريعة إليها »[90].
كما حكى الإجماع على التحريم ابن قدامة في المغني[91] وغيرهم.
الدليل الثامن:
الذهب والفضة في هذا العصر لم يعودا أثماناً، ولا علاقة لهما بالنقود، فعلة الثمنية قد زالت عنهما، وصارا سلعة كباقي السلع، لا يجري فيهما أحكام الربا ؛ لأن العلة هي مناط الحكم، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً [92].
ويناقش:
بأن صاحب هذا القول يريد أن يذهب إلى أوسع من مبادلة الحلي بجنسه متفاضلاً، بل يريد أن يذهب إلى جواز مبادلة الذهب بالذهب مع التفاضل، ومبادلة الفضة بالفضة مع التفاضل. وقد بينت فيما سبق أن جريان الربا في الذهب والفضة ثابت بالنص، وكون العلة فيهما هي الثمنية أمر مستنبط مختلف فيه، وقد نص العلماء على أن العلة المستنبطة لا يمكن أن تعود على الحكم بالإبطال، لأن النص دلالته قطعية وهي دلالتها ظنية، والله أعلم.
ولأن الربا يجري في سبائك الذهب والفضة مع أنهما في حال كونهما سبائك لا تعتبر من الأثمان.
الدليل التاسع:
إذا كان أرباب الحيل يجيزون بيع عشرة بخمسة عشر في خرقة تساوي فلساً، فيجعلون العشرة دراهم في مقابل العشرة، ويقولون الخمسة في مقابلة الخرقة، فكيف ينكرون بيع الحلية بوزنها وزيادة تساوي الصناعة، وكيف تأتي الشريعة الكاملة الفاضلة التي بهرت العقول حكمة وعدلا ورحمة وجلالة بإباحة هذا وتحريم ذلك وهل هذا إلا عكس للمعقول والفطر[93].
ويناقش:
بأن هذا القول قد قال به أبو حنيفة، وضعفه ظاهر، وهو يفتح باب التحايل على الربا، ولكن هذا القول الضعيف ليس مسوغاً للقول بجواز بيع الحلي بجنسه متفاضلاً. ولم يكن من أدلة الشرع أبداً لا المتفق عليها، ولا المختلف فيها أن نبحث عن الأقوال الأشد ضعفاً ونسوقها كأدلة على مسألة أخرى هي أخف ضعفاً، وهذا الأسلوب كثيراً ما يصنعه ابن حزم، عفا الله عن الجميع. بل يسعنا أن نقول بتحريم التحايل على الربا في مسألة مد عجوة ودرهم، وفي الوقت نفسه نقول بتحريم بيع الحلي بجنسه متفاضلاً لمخالفته الأدلة الصحيحة الصريحة.
الدليل العاشر:
الصياغة لها قيمة مالية مقصودة في حكم الشرع، وهي متقومة في حال التلف وغيره، فإذا أتلف إنسان بتعد منه أو تفريط حلياً ضمنه بوزنه مع قيمة صياغته، فإذا جاز ذلك في باب الضمان جاز ذلك في بيعه بجنسه مضافاً له قيمة الصياغة[94].
ويناقش:
لا يلزم من القول بجواز الضمان القول بجواز البيع، فمن أتلف حراً أو أتلف منافعه لزمه ديته وقيمة تلك المنافع، ولو باع حراً لم يصح البيع، بل ربما صح اعتبار قيمة الشيء في البيع، ولم يصح اعتبار تلك القيمة في المبادلات الربوية، فهذا التمر الجيد إذا باعه بالأثمان، وأخذ قيمة الجودة جاز ذلك بلا نزاع، وإذا بادل التمر الجيد بالرديء حرم بالإجماع أخذ قيمة الجودة.
الترجيح:
بعد استعراض الأقوال والأدلة أجد أن القول بجواز بيع الحلي بجنسه متفاضلاً هو قول ضعيف، ولكن استتر ضعفه حين تبنى هذا القول رجل بقوة ابن تيمية وابن القيم، ولذلك تجد القول القوي يضعف حين يحتج له رجل ضعيف علمياً بينما تجد القول الضعيف يستتر ضعفه إذا تبناه رجل بمثل ابن تيمية وابن القيم، وقد رزقهما الله قوة في الحجة والبيان، وأرجو أن أكون قد وفقت في كشف غموض هذه المسألة والتي اختلف فيها بعض أهل العلم في عصرنا بين مجيز ومانع، والله أسأل أن يجعل العمل خالصاً لوجهه، على سنة رسول - صلى الله عليه وسلم.
[1] شرح السير الكبير (4/1302).
[2] المغني (4/29).
[3] كشاف القناع (4/108).
[4] فتح الباري (4/380)، شرح النووي على صحيح مسلم (11/10)، عمدة القارئ (11/294)، المبسوط (14/11)، الفتاوى الهندية (3/220)، البحر الرائق (6/141)، بدائع الصنائع (2/20)، اللباب في الجمع بين السنة والكتاب (2/495)، شرح معاني الآثار (4/72)، الفروق (3/264)، المنتقى (4/258)، كشاف القناع (3/261)، الكافي في فقه الإمام أحمد (2/55)، المغني (4/97).
[5] شرح النووي على صحيح مسلم (11/10)، وإدخاله الحلي في الأمور المجمع عليها فيه نظر كما سيأتي تحريره إن شاء الله تعالى.
[6] صحيح البخاري (1312)، ومسلم (1594).
[7] سنن أبي داود (1627) ورجاله كلهم ثقات.
وقد أخرجه النسائي في المجتبى (4564)، وفي السنن الكبرى (6156)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/4)، والبيهقي في السنن الكبرى (5/277، 291)، وابن عبد البر في التمهيد (2/246-247)، (6/297) من طريق أبي الخليل.
وأخرجه النسائي في المجتبى (4563) وفي الكبرى (6155) والطبري في تهذيب الآثار (2/746) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/4) من طريق قتادة، كلاهما عن مسلم بن يسار به.
وقد تابع أبو أسماء الرحبي مسلم بن يسار، رواه الدارقطني (3/18) من طريق همام عن قتادة، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء الرحبي، عن أبي الأشعث الصنعاني به. وسنده صحيح.
قال قتادة: وحدثني صالح أبو الخليل، عن مسلم المكي... فذكر طريق مسلم بن يسار المكي. فصار قتادة له فيه شيخان.
لكن رواه مسلم (1587) من طريق أيوب وخالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث مباشرة، ولفظه: الذهب بالذهب والفضة بالفضة... مثلاً بمثل، سواء بسواء، ولم يذكر تبرها وعينها.
[8] يقول ابن القيم في إعلام الموقعين (2/159): «المصوغ والحلية إن كانت صياغته محرمة كالآنية حرم بيعه بجنسه، وبغير جنسه، وبيع هذا هو الذي أنكره عبادة على معاوية، فإنه يتضمن مقابلة الصياغة المحرمة بالأثمان، وهذا لا يجوز كآلات الملاهي...». وانظر تفسير آيات أشكلت (2/622).
[9] عمدة القارئ (11/294)، المبسوط (14/11)، الفتاوى الهندية (3/220)، البحر الرائق (6/141)، بدائع الصنائع (2/20)، اللباب في الجمع بين السنة والكتاب (2/495)، شرح معاني الآثار (4/72)، الجامع لأحكام القرآن (3/349-350)، المنتقى للباجي (4/258)، التمهيد (2/242)، منح الجليل (4/503)، القبس (2/820)، إكمال المعلم (5/275)، مواهب الجليل (4/317)، الخرشي (5/43)، شرح النووي على صحيح مسلم (11/10)، فتح الباري (4/380)، أسنى المطالب (2/22)، كشاف القناع (3/261)، الكافي في فقه الإمام أحمد (2/55)، المغني (4/97).
[10] أضواء البيان (1/180).
[11] فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (7/174).
[12] فتاوى إسلامية للمشايخ ابن باز وابن عثيمين، وابن جبرين (2/263).
[13] فتاوى الحرم (3/196)، فتاوى الشيخ محمد الصالح العثيمين (2/221،222).
[14] قرارات هيئة كبار العلماء في السعودية، القرار (168)، فقرة (2) بتاريخ 4/3/1411هـ. ونصه: «يرى المجلس بالأكثرية وجوب التماثل في بيع المصوغ من الذهب إذا بيع بذهب غير مصوغ، وكذا المصوغ من الفضة إذا بيع بفضة غير مصوغة من غير زيادة مع أحدهما ».
[15] فتاوى اللجنة الدائمة (13/500).
[16] قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم، 84 (1/9).
[17] الاستذكار (19/192-193).
[18] الفتاوى الكبرى (5/391)، إعلام الموقعين (2/159)، الفروع (4/149)، وذكره في الإنصاف (5/14)، وقال: وعمل الناس عليه.
وذكرت هذه المسألة ضمن المسائل التي انفرد بها ابن تيمية عن الأئمة الأربعة. انظر الفتاوى الكبرى (4/161). وهناك قول آخر لابن تيمية يوافق فيه قول الجمهور، جاء في مجموع الفتاوى (29/464): «وإذا بيعت الفضة المصنوعة بفضة أكثر منها لأجل الصنعة لم يجز». والمشهور عنه القول بالجواز.
[19] الذهب في بعض خصائصه وأحكامه – الشيخ ابن منيع – بحث منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي (9/1/93-94).
[20] الحجة (2/619)، وجاء في الفتاوى الهندية (3/118): «قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: لا بأس بالخبز قرص بقرصين يداً بيد، وإن تفاوتا كبراً ». ومذهب الحنفية صريح في مسألتنا هذه، والسبب في ذهابهم إلى جواز التفاضل في الخبز أن الكيل أو الوزن علة في جريان الربا، فإذا خرج الشيء من كونه مكيلاً أو موزوناً لم توجد العلة التي من أجلها حرم التفاضل عندهم، بخلاف الحلي فإن علة الربا باقية، وهي الجنس مع الوزن، وبالتالي التخريج على مذهب الحنفية تخريج ضعيف.
[21] صريح مذهب مالك أنه لا يجوز مبادلة الذهب بالحلي إلا مثلاً بمثل، ولا يجوز أخذ زيادة في مقابل الصنعة، انظر التمهيد (2/242)، الاستذكار (19/192).
وقال ابن رشد ( الجد ) أبو الوليد في البيان والتحصيل (6/444): «لم يجز مالك ولا أحد من الصحابة شراء حلي الذهب أو الفضة بوزن الذهب أو الفضة وزيادة قدر الصياغة، وإن كان معاوية يجيز تبر الذهب بالدنانير متفاضلاً، والصوغ من الذهب بالذهب متفاضلاً لا ضرورة في ذلك، فيرى ما فيه فوراً، والله أعلم ».
وقال القاضي عبد الوهاب البغدادي في المعونة (2/1022): «والتفاضل ممنوع في بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة على أي صفة كانا أو أحدهما من نقار، أو مضروب، أو مصوغ، أو مكسور، أو جيد، أو رديء، فلا يجوز إلا مثلاً بمثل، ووزناً بوزن».
وقال ابن عبد البر في الكافي (ص: 308): «ولا يجوز حلي ذهب بوزنه ذهباً، على أن يعطيه أجرة صياغته...». وانظر مواهب الجليل (4/317).
ومن نسب القول إلى مالك في مسألة الحلي التبس عليه ذلك بسبب قوله في مسألتين:
الأولى: كون الإمام مالك أوجب على من أتلف ذهباً مصوغاً بأن يرد مثل الذهب وقيمة الصياغة. فقاس مسألة المعاوضات على قوله في الإتلاف، وقوله ليس واحداً فيهما. فحالة الإتلاف غير حالة البيع. انظر قول مالك في الإتلاف: المدونة (5/364)، الذخيرة (8/321).
الثانية: في الرجل يريد السفر، ومعه تبر، فيأتي لأهل دار الضرب ليضربوا له ذهبه سكة، فيشق عليه الانتظار، ويخشى من فوات الرفقة، فيأخذ منهم زنته مضروباً جاهزاً، ويدفع لهم أجرة الضرب.
فعن مالك في هذه المسألة قولان: الأولى، أجازه مالك للمسافر لحاجته إلى الرحيل، وظاهره وإن لم تشتد. وبه أخذ ابن القاسم.
الثانية: المنع ولو اشتدت الحاجة ما لم يخف على نفسه الهلاك، ورجحه ابن وهب، وابن رشد، وعيسى بن دينار، وخليل في مختصره. قال في الشرح الكبير (3/34): والمعتمد الأول. وانظر الخرشي (5/43)، الفواكه الدواني (2/74)، التمهيد (2/247).
قال أبو الوليد الجد في كتابه التحصيل (6/443): «نقل عن مالك رحمه الله أنه كان يعمل به في زمن بني أمية، لأنها كانت سكة واحدة، والتجار كثير، والناس مجتازون، والأسواق متقاربة، فلو جلس كل واحد حتى يضرب ذهب صاحبه فاتت الأسواق، فلا أرى بذلك بأساً، فأما اليوم فإن الذهب يغش، وقد صار لكل مكان سكة تضرب، فلا أرى ذلك يصلح، وإلى هذا ذهب ابن المواز من رأيه أن ذلك لا يجوز اليوم ؛ لأن الضرورة ارتفعت، وقال سحنون: لا خير فيه، وإليه ذهب ابن حبيب، وحكي أنه سأل عن ذلك من لقي من المدنيين فلم يرخصوا فيه على حال».
ومعلوم أن مالك إنما أجاز هذه المسألة للمسافر، فلا يشمل المقيم، ولمشقة الانحباس عن السفر، وفوات الرفقة، وأن المبادلة لم يقصد بها المعاوضة والتكسب، فإنه لو انتظر حتى ضرب تبره، ودفع أجرة الضرب جاز بلا خلاف، فنظر مالك إلى المآل، وركب عليه حكم الحال نظراً للحاجة. فأين هذه من مسألة بيع الحلي بالذهب، وأخذ قيمة الصياغة مطلقاً للمسافر والمقيم، عند الضرورة وغيرها. ولذلك لم يختلف أصحابه في المنع من بيع الحلي بالذهب ودفع قيمة الصياغة.
[22] الاختيارات (ص: 112).
[23] صحيح مسلم (1584).
[24] صحيح مسلم (1587).
[25] صحيح البخاري (2177)، ومسلم (1584).
[26] صحيح مسلم (1588).
[27] صحيح البخاري (2175)، ورواه مسلم بنحوه (1590).
[28] صحيح مسلم (1585).
[29] صحيح مسلم (1591).
[30] رواه اثنان عن فضالة بن عبيد، حنش الصنعاني، وعلي بن رباح اللخمي، وإليك بيان طرقهم:
الأول: حنش الصنعاني، واختلف عليه في لفظه:
رواه عنه خالد بن أبي عمران، واختلف عليه:
فرواه أحمد (6/21)، ومسلم (1591) والترمذي (1255)، والنسائي في المجتبى (4573، 4574)، وفي الكبرى (6165، 6166)، والطبراني في المعجم الكبير (18/302) رقم: 774، والطحاوي في مشكل الآثار (6094) وفي شرح معاني الآثار (4/71) من طريق الليث بن سعد، عن أبي شجاع سعيد بن يزيد، عن خالد بن أبي عمران، عن حنش الصنعاني، عن فضالة، بلفظ: (اشتريت يوم خيبر قلادة فيها ذهب وخرز باثني عشر ديناراً ففصلتها فوجدت فيها أكثر من اثني عشر ديناراً فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لا تباع حتى تفصل).
وخالفه ابن المبارك، فأخرجه أبو داود الطيالسي (1101) من طريق ابن المبارك، عن أبي شجاع سعيد بن يزيد به، بلفظ: ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتي بقلادة فيها خرز معلقة بذهب، فاشتراها رجل بسبعة أو تسعة دنانير، فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: لا حتى يميز بينه وبينه ).
ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (36448، 20185) ومن طريقه أبو داود (3351) وأبو بكر الشيباني في الآحاد والمثاني (211) والطبراني في المعجم الكبير (18/302) 775، والطحاوي في مشكل الآثار (6096)، وفي شرح معاني الآثار (4/72).
و هو في مسلم (1591) من طريق ابن أبي شيبة، ولم يذكر متنه.
ورواه أبو داود (3351) والدارقطني في سننه (3/3) عن أحمد بن منيع.
وأبو بكر الشيباني في الآحاد والمثاني (2111) عن سليمان بن داود.
والدارقطني في سننه (3/3) من طريق محمد بن بكار، وشجاع بن مخلد.
والبيهقي في السنن الكبرى (5/293) وفي معرفة السنن والآثار (4/308) من طريق الحسن بن عرفة، ستتهم، عن عبد الله بن المبارك به. وزادوا في المتن ( إنما أردت الحجارة فقال: لا حتى تميز بينهما ).
ورواه أبو داود (3351) عن محمد بن عيسى، عن ابن المبارك به، وقال: أردت التجارة، بدلاً من قوله ( الحجارة ) قال أبو داود: وكان في كتابه الحجارة، فغيره، فقال: التجارة.
وأخرجه الترمذي (1255) عن قتيبة، عن ابن المبارك به، ولم يذكر متنه.
هذه وجوه الاختلاف على أبي شجاع سعيد بن يزيد، عن خالد بن أبي عمران، عن حنش الصنعاني.
فالليث يرويه عن أبي شجاع، ويذكر أن الثمن اثنا عشر ديناراً جزماً بدون شك.
وابن المبارك يذكر أن الثمن سبعة، أو تسعة بالشك، وهما داخلان في قول الليث إلا أن الليث يزيد عليهما، فهل يصح أن يكون ما زاده الليث زيادة من ثقة مع عدم وجود مرجح بينهما.
وابن المبارك يزيد في الحديث، قول الراوي: (إنما أردت الحجارة) وهذه الزيادة لا يذكرها الليث بن سعد.
وابن المبارك والليث إمامان، فهل نقول: إن زيادة ابن المبارك زيادة من ثقة، يجب قبولها، وليس مع الليث بن سعد مرجح آخر من كثرة رواة، أو اختصاص بشيخ، حتى يحكم بشذوذها؟ أو نقول: نقبل ما اتفقا عليه من رواية الحديث دون ما انفرد به كل واحد منهما؟
كما أن هناك اختلافاً بينهما غير مؤثر في لفظ الحديث، فرواية الليث على البناء للمعلوم، قال: اشتريت يوم خيبر قلادة... فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ورواية ابن المبارك: أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام خيبر بقلادة فيها ذهب وخرز. على البناء للمجهول، وهذا لا ينبني عليه أي حكم، ولا يعد اختلافاً أصلاً. كما اتفقا على أن القلادة فيها ذهب وخرز.
وإن كنت أرجح أن الخلاف قد لا يكون منهما، فقد يكون هذا الاختلاف جاء من طبقة أعلى منهما، وأميل أن الاختلاف ربما جاء من حنش الصنعاني، والله أعلم.
فقد رواه الجلاح أبو كثير، عن حنش الصنعاني عن فضالة بن عبيد، قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر، نبايع اليهود: الوقية الذهب بالدينارين والثلاثة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزناً بوزن. وهذه ليس فيه أي إشارة للقلادة.
أخرجه أحمد (6/22)، ومسلم (1591)، وأبو داود (3353)، والبزار في مسنده (3757)، وأبو عوانة في مسنده (5417)، والبيهقي في السنن الكبرى (5/293)، وابن عبد البر في التمهيد (24/107) من طريق عبيد الله بن أبي جعفر، عن الجلاح به.
وهذه تخالف رواية الليث ورواية ابن المبارك، فليس فيها أي إشارة للقلادة، بل فيها النص على أن المبيع ذهب بذهب، ولم يذكر أن مع الذهب جنساً آخر، وليس فيه النهي عن البيع حتى تفصل. وأرى أن هذه الرواية شاذة مخالفة لرواية الليث بن سعد، ورواية ابن المبارك، وهما أحفظ من الجلاح، وما جاءنا في تعديل الجلاح هو أن الدارقطني قال فيه: لا بأس به. وذكره ابن حبان في الثقات، وقال فيه يزيد بن أبي حبيب الأزدي: كان رضياً. وقال ابن عبد البر: ثقة. انظر تهذيب التهذيب (2/108). وقال فيه الحافظ في التقريب: صدوق.
هذا كل ما وصلنا عنه، وأحاديثه معدودة، فأين منزلة هذا من الليث بن سعد، أو من عبد الله بن المبارك، أضف إلى ذلك أنه قد اختلف عليه.
فرواه عبيد الله بن أبي جعفر عن الجلاح كما سبق.
ورواه بكير بن عبد الله بن الأشج، عن جلاح، فخالف في لفظه، أخرجه أبو عوانة في مسنده (5371)، من طريق قدامة بن محمد، قال: حدثني مخرمة بن بكير، عن أبيه، قال: سمعت أبا كثير جلاح مولى ابن مروان يقول: سمعت حنش السبأي يقول: أردت أن أبتاع من فضالة بن عبيد قلادة من السهمان، فيها فصوص، ولؤلؤ، وفيها ذهب، وهي ثمن ألف دينار، قال: إن شئت سمتك، وإن شئت حدثتك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنا كنا يوم خيبر جعل على الغنائم سعد بن أبي وقاص، أو سعد ابن عبادة، فأرادوا أن يبيعوا الدينار بالثلاثة، والثلاثة بالخمسة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا، إلا مثقالا بمثقال.
واختصره الطبراني في المعجم الأوسط (6473) من طريق قدامة بن محمد به، وقال: لم يرو هذا الحديث عن بكير بن عبد الله إلا مخرمة، تفرد به قدامة بن محمد. وذكره ابن عبد البر في التمهيد (24/106) وابن بشكوال في غوامض الأسماء المبهمة (1/242)، وقال ابن عبد البر: وهذا إسناد صحيح متصل حسن.
ورواه عامر بن يحيى المعافري، عن حنش، أنه قال: كنا مع فضالة بن عبيد في غزوة، فطارت لي ولأصحابي قلادة فيها ذهب وورق، وجوهر، فأردت أن أشتريها، فسألت فضالة بن عبيد، فقال: انزع ذهبها فاجعله في كفة، ثم لا تأخذن إلا مثلاً بمثل، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأخذن إلا مثلاً بمثل.
وهذا الطريق أخرجه مسلم (1591)، والطحاوي في مشكل الآثار (6097)، وفي شرح معاني الآثار (4/74)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (18/302) رقم: 776، وأبوعوانة في مسنده (5374، 5413)، والبيهقي في السنن الكبرى (5/292)، وفي معرفة السنن والآثار (4/309)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (15/308)، والمزي في تهذيب الكمال (14/83).
وقد انفرد عامر بن يحيى المعافري هنا في هذا الحديث أن ما في القلادة ( ذهب وورق وجوهر)، وأن القصة حدثت لتابعي، وليست لفضالة، فالرواية هذه إن لم تكن شاذة، وهو الأظهر، فهي حادثة أخرى غير الحادثة التي جرت لفضالة. والأصل عدم تعدد الحوادث، وأن القصة واحدة. وبهذا أكون قد كشفت الخلاف على حنش الصنعاني في لفظه، وقد رواه غير حنش الصنعاني كما سيأتي في الطريق التالي.
الثاني: علي بن رباح اللخمي، عن فضالة.
أخرجه مسلم (1591) من طريق أبي هانئ الخولاني، أنه سمع علي بن رباح اللخمي يقول: سمعت فضالة بن عبيد الأنصاري يقول: أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بخيبر بقلادة فيها خرز وذهب، وهي من المغانم تباع، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده، ثم قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الذهب بالذهب وزنا بوزن.
ومن طريق أبي هاني الخولاني أخرجه أحمد (6/19)، وابن الجارود في المنتقى (654)، وأبو بكر الشيباني في الآحاد والمثاني (2113)، والطحاوي في مشكل الآثار (6098، 6099)، وفي شرح معاني الآثار (4/73)، والطبراني في المعجم الكبير (18/314) رقم 813، وأبو عوانة في مسنده (5412، 5372)، وسعيد بن منصور في سننه (2757)، والدارقطني في سننه (3/3)، والبيهقي في السنن الكبرى (5/292)، وفي معرفة السنن والآثار (4/309).
وأنت تلحظ أن علي بن رباح اللخمي مع ثقته لم يختلف عليه في الحديث، فأرى أن حديثه هو المحفوظ، وأما حنش الصنعاني فقد اختلف عليه اختلافاً كثيراً، فيقبل من روايته ما وافق رواية علي ابن رباح، وما خالفها، فهو مما اختلف عليه فيها فترد لشذوذها. هذا ما تقتضيه قواعد هذا الفن في معزل عن فقه الحديث، فإن الفقه قد يخطئ وقد يصيب، فلا يجب حمل الحديث على الفقه، والاعتقاد في فقه الحديث قبل بحثه يعتبر خطأ منهجياً في البحث العلمي، والله أعلم.
هذا فيما يتعلق بتخريج الحديث ولي وقفة أخرى مع فقه الحديث يأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى عند الكلام على مسألة مد عجوة ودرهم فانظره هناك، أسأل الله وحده عونه وتوفيقه.
[31] مجموع الفتاوى (29/453).
[32] سنن ابن ماجه ( 18 ) ومن طريق هشام بن عمار أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (390)،، وأبو بكر الشيباني في الآحاد والمثاني (1862).
ورواه البزار في مسنده (2735) من طريق هشام بن عمار به، دون ذكر قصة معاوية.
ورواه تمام في فوائده (832) من طريق هشام بالحديث المرفوع، وزاد فيه: وكتب عمر ابن الخطاب إلى معاوية: ألا لا إمرة لك على عبادة، واحمل الناس على ما قال، فإنه هو الأمر.
وأخرجه الحاكم في المستدرك (3/354) وابن عبد البر في التمهيد (4/86) من طريق محمد ابن مبارك الغوري، ثنا يحيى بن حمزة به. وليس فيه قول معاوية: ما أرى ا لربا في هذا إلا ما كان من نظرة.
[33] قال المزي في التحفة (4/256): قبيصة بن ذؤيب الخزاعي، عن عبادة بن الصامت، ولم يلقه.
وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/6): «أصله في الصحيحين من حديث عبادة سوى هذه القصة التي ذكرها، وصورته مرسل؛ لأن قبيصة لم يدرك القصة».
قلت: لم يخرج البخاري حديث عبادة في الربا، وله علة أخرى حيث انفرد بهذا هشام ابن عمار، وقد كبر فصار يتلقن.
قال الباجي في المنتقى (4/261-262): «ما ذهب إليه معاوية من بيع سقاية الذهب بأكثر من وزنها يحتمل أنه يرى في ذلك ما رآه ابن عباس من تجويز التفاضل في الذهب نقداً، ويحتمل أن يكون لا يرى ذلك، ولكنه جوز التفاضل بين المصوغ منه وغيره لمعنى الصياغة...».
[34] تفسير آيات أشكلت (2/622)، إعلام الموقعين (2/159).
[35] صحيح البخاري (5426)، وصحيح مسلم (2067).
[36] في البخاري (5632) ومسلم (2067) من طريق الحكم، عن ابن أبي ليلى، قال: كان حذيفة بالمدائن، فاستسقى، فأتاه دهقان بقدح فضة فرماه به... الحديث.
[37] الموطأ (2/634) من رواية يحيى الليثي.
[38] أخرجه الشافعي في مسنده (242) وفي الرسالة (446) دون ذكر عمر وفي السنن المأثورة (ص: 266) بتمامه، ومن طريق الشافعي أخرجه البيهقي في السنن (5/280).
وأخرجه النسائي في المجتبى (4572) وفي الكبرى (6164) من طريق قتيبة بن سعيد.
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (5/280) وفي معرفة السنن والآثار (4/293) من طريق القعنبي.
بلفظ: أن معاوية بن أبي سفيان باع سقاية من ذهب أو ورق. ولم يتطرق النسائي إلى ذكر عمر في الحديث.
وأخرجه أحمد في مسنده (6/448) عن يحيى بن سعيد، عن مالك بلفظ: أن معاوية اشترى سقاية من فضة بأقل من ثمنها أو أكثر، قال: فقال أبو الدرداء: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن مثل هذا إلا مثلاً بمثل. ولم يتطرق إلى ذكر عمر. وكونه باع أو اشترى ليس هناك اختلاف كبير من جهة الحكم.
ورواه محمد بن الحسن كما في روايته للموطأ (816) أخبرنا مالك، أخبرنا زيد بن أسلم، عن عطاء ابن يسار أو عن سليمان بن يسار بالشك. قال الدارقطني في العلل (6/208): والصواب عن عطاء بغير شك.
قال ابن عبد البر في التمهيد (4/71): «ظاهر هذا الحديث الانقطاع ؛ لأن عطاء لا أحفظ له سماعاً من أبي الدرداء، وما أظنه سمع منه شيئاً ؛ لأن أبا الدرداء توفي بالشام في خلافة عثمان لسنتين بقيتا من خلافته ذكر ذلك أبو زرعة، عن أبي مسهر، عن سعيد بن عبد العزيز... وقد روى عطاء ابن يسار، عن رجل من أهل مصر، عن أبي الدرداء حديث ( لهم البشرى ) وممكن أن يكون سمع عطاء بن يسار مع معاوية ؛ لأن معاوية توفي سنة 60.... ولكنه لم يشهد هذه القصة ؛ لأنها كانت في زمن عمر، وتوفي عمر سنة 23، أو أربع وعشرين من الهجرة ».
لا أرى وجهاً لبحث هل سمع عطاء من أبي الدرداء أو من معاوية أو لم يسمع، فهو لا يروي القصة عن واحد منهما، ولكنه يروي القصة مباشرة، وهو لم يشهدها؛ لأنه كما قال ابن عبد البر حدثت في زمن عمر - رضي الله عنه -، وعطاء إنما ولد سنة عشرين أو إحدى وعشرين على خلاف.
وقال ابن عبد البر كما في التمهيد (4/72): «هذه القصة لا يعرفها أهل العلم لأبي الدرداء إلا من حديث زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، وأنكرها بعضهم لأن شبيهاً بهذه القصة عرضت لمعاوية مع عبادة، وهي صحيحة معروفة مشهورة لعبادة مع معاوية من وجوه وطرق شتى، وحديث تحريم التفاضل في الورق بالورق، والذهب بالذهب لعبادة محفوظ عند أهل العلم، ولا أعلم أن أبا الدرداء روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصرف، ولا في بيع الذهب بالذهب، ولا الورق بالورق حديثاً، والله أعلم ».
[39] موطأ مالك (2/633).
[40] ومن طريق مالك أخرجه عبد الرزاق في المصنف (14574)، والشافعي في مسنده (ص: 238)، والنسائي في المجتبى (4568)، وفي السنن الكبرى (6161)، الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/66)، وفي مشكل الآثار (15/383)، وابن بشكوال في غوامض الأسماء المبهمة (1/298)، والبيهقي في السنن الكبرى (5/279، 292)، وفي معرفة السنن (4/292).
وقد رواه الشافعي في السنن المأثورة (ص: 266) أخبرنا سفيان – يعني ابن عيينة – عن وردان الرومي، أنه سأل ابن عمر، فقلت: إني رجل أصوغ الحلي، ثم أبيعه، فأستفضل قدر أجرتي، أو عمل يدي، فقال ابن عمر - رضي الله عنه -: الذهب بالذهب لا فضل بينهما، هذا عهد صاحبنا إلينا، وعهدنا إليكم.
قال المزني: قال الشافعي رحمه الله: يعني صاحبنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -.
ورواية مجاهد عن ابن عمر أرجح من رواية وردان الرومي عن ابن عمر، خاصة أن وردان الرومي لم يوثقه أحد، وقد ذكره ابن حبان في ثقاته، وسكت عليه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (9/36)، والبخاري في التاريخ الكبير (8/179). وفي التقريب مقبول. فرواية مالك أرجح من رواية الشافعي، على أنه يمكن الجمع بينهما، فتكون رواية وردان بقوله ( صاحبنا ) يعني نبينا كما جاء مفسراً ذلك في رواية مجاهد، وهذا أرجح من تفسير الإمام الشافعي عليه رحمة الله.
قال الزرقاني في شرح الموطأ (3/356): «قول الشافعي يعني به أباه عمر غلط على أصله؛ لأن صاحبنا مجمل، يحتمل أنه أراد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو الأظهر، ويحتمل أنه أراد عمر، فلما قال مجاهد، عن ابن عمر، عهد نبينا، فسر ما أجمل... ». والله أعلم.
[41] سبق تخريجه، انظر (ح759).
[42] في المطبوع ( نصر بن علي الجهضمي ) والتصحيح من التاريخ الكبير (7/155)، ومن الجرح والتعديل (8/470).
[43] في المطبوع ( ملكة بنت هانئ ) والتصحيح من التاريخ الكبير.
[44] المصنف (4/498) رقم 22503، وفيه نصر بن عائذ الجهضمي، قال الذهبي: نصر ابن عائذ الجهضمي، عن قيس بن رباح: مجهول. المغني في الضعفاء (2/696)، وانظر لسان الميزان (6/155).
[45] فيه قيس بن رباح الحداني لم يوثقه إلا ابن حبان. الثقات (10308). وذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (7/96)، وسكت عليه.
وقال البخاري في التاريخ الكبير (7/155): «قيس بن رباح الحداني البصري... قال محمد ابن المبارك سمع نصر بن عائذ الجهضمي، سمع قيس بن رباح الحداني، سمع مليكة بنت هانئ ابن أبي صفرة، ابنة أخي المهلب، سمعت عائشة: الفضة بالفضة وزناً بوزن.
كما في إسناده مليكة بنت هانئ لم أقف لها على ترجمة.
[46] إكمال المعلم (5/262).
[47] شرح النووي على صحيح مسلم (11/10)، وإدخاله الحلي في الأمور المجمع عليها فيه نظر كما سيأتي تحريره إن شاء الله تعالى.
[48] الكافي في فقه أهل المدينة (ص: 302)، وانظر التمهيد (4/83).
[49] الاستذكار (19/192).
[50] الإفصاح (1/212).
[51] الفتح (4/380).
[52] البخاري (2302، 2303).
[53] انظر تفسير آيات أشكلت (2/630)، إعلام الموقعين (2/162).
[54] انظر حكم الأوراق النقدية – بحث اللجنة الدائمة منشوراً في مجلة البحوث الإسلامية، العدد الأول.
[55] انظر تجارة الذهب في أهم صورها وأحكامها، للشيخ صالح بن زابن المرزوقي، بحث في مجلة مجمع الفقه الإسلامي (9/1/188-189).
[56] الأموال (ص: 542-543).
[57] صحيح البخاري (6459)، ومسلم (2972).
[58] المسند (2/416).
[59] صحيح البخاري (2184)، ومسلم (1539).
[60] صحيح البخاري (2191)، وصحيح مسلم (1540).
وأخرجه البخاري (2383، 2384) ومسلم (1539) من طريق الوليد بن كثير، قال: أخبرني بشير بن يسار مولى بني حارثة، أن رافع بن خديج وسهل بن أبي حثمة حدثاه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المزابنة، بيع الثمر بالتمر إلا أصحاب العرايا فإنه أذن لهم.
[61] الرسالة (ص: 545).
[62] المرجع السابق (ص: 547-548)، وانظر أقوال العلماء وأدلتهم في حكم القياس على الرخص في المحصول (2/2/471)، تقريب الوصول إلى علم الأصول (ص:351)، والبحر المحيط (4/52)، ونشر البنود (2/111)، وشرح تنقيح الفصول (ص: 415)، وتمهيد الأسنوي (463)، والمسودة (ص:357)، والمنخول (ص: 385)، والمعتمد (2/262).
[63] البخاري (2309)، مسلم (715).
[64] المسند (5/175-176).
[65] وأخرجه أحمد (5/156)، والبزار في مسنده (3926) والطبراني في الكبير (1634) عن عفان بن مسلم، حدثنا همام به.
[66] صحيح ابن خزيمة (4/95).
[67] وقد أخرجه أحمد (5/411) حدثنا إسماعيل، حدثنا محمد بن إسحاق به، بنحوه، ولم يذكر لفظ الفلوس.
وأخرجه حميد بن زنجويه في الأموال (1321)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (3237، 3837) من طريق محمد بن إسحاق به.
وقد ذكر ابن زنجويه لفظ الفلوس في متن الحديث.
وأخرجه أحمد (4/233) عن يزيد بن هارون، أخبرنا محمد بن إسحاق به، واكتفى بذكر المرفوع. وإنما نزلت إلى إسناد ابن خزيمة، وقد رواه من هو أعلى منه، بذكر القصة لأن لفظ الفلوس لم يذكرها إلا ابن خزيمة، وحميد بن زنجويه، والله أعلم.
والصحابي المبهم هو عقبة بن عامر - رضي الله عنه -، فقد أخرج الحديث الإمام أحمد (4/147-148)، وأبو يعلى (1766)، وابن خزيمة (2431)، وابن حبان (3310)، والحاكم (1/416)، والبيهقي في السنن (4/177) من طريق حرملة بن عمران، أنه سمع يزيد بن أبي حبيب أن أبا الخير حدثه (مرثد بن عبد الله اليزني ) أنه سمع عقبة بن عامر يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس، أو قال: يحكم بين الناس. هذا لفظ أحمد. قال يزيد: وكان أبو الخير لا يخطئه يوم إلا تصدق فيه بشيء، ولو كعكة، أو بصلة، أو كذا. وإسناده صحيح.
قال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (2861) رواه مسدد، وأحمد بن منيع، وأبو يعلى هكذا مبهماً. ورواه مبيناً أحمد بن حنبل، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما، والحاكم وصححه من طريق مرثد بن عبد الله اليزني، عن عقبة بن عامر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
[68] المصنف (4/553) رقم: 23075.
ورواه الطبري في تهذيب الآثار (2/748) من طريق زيد بن أبي الزرقاء، عن جعفر بن برقان به.
[69] تفسير آيات أشكلت (2/625).
[70] تفسير آيات أشكلت (2/625-629).
[71] البخاري (2312)، ومسلم (1594).
[72] إكمال المعلم (5/279).
[73] الفتح (4/490).
[74] عمدة القارئ (12/149).
[75] شرح النووي لصحيح مسلم (11/22).
[76] حاشية السندي على النسائي (7/273).
[77] صحيح مسلم (1594).
[78] صحيح مسلم (1588).
[79] صحيح مسلم (1584).
[80] المنتقى للباجي (4/259).
[81] المسند (2/109)، ورواه ابن عدي في الكامل (3/420) من طريق أبي جناب الكلبي به.
[82] سبق تخريجه، انظر (ح724).
[83] إعلام الموقعين (2/162).
[84] مسند أبي داود الطيالسي (2257).
[85] سبق تخريجه، انظر (ح232).
[86] الفتاوى الكبرى (6/177).
[87] المنتقى (5/29).
[88] الفروق (3/266).
[89] مواهب الجليل (4/391).
[90] البحر المحيط (8/91).
[91] المغني (4/162).
[92] بيع الذهب والفضة وتطبيقاتهما المعاصرة - صدام عبد القادر عبد الله (ص: 123).
[93] انظر إعلام الموقعين (2/161).
[94] انظر إعلام الموقعين (2/161).
نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
مقالات ذات صلة
كلمات خير من الذهب والفضة
هدية أغلى من الذهب
في المعاملة بالذهب وما يدخله من ربا
الأواني الثمينة من غير الذهب والفضة
حكم بيع الذهب المستعمل بذهب جديد مع دفع الفرق
مختارات من الشبكة
الجديد المفيد من الكتب الإسلامية (14)(مقالة - موقع أ. محمد خير رمضان يوسف)
بيان الربا وأحكام بيع الذهب والفضة وصرف العملات النقدية(مقالة - آفاق الشريعة)
مجموعة أسئلة في بيع وشراء الذهب(كتاب ناطق - المكتبة الناطقة)
الشروط الخاصة بعقد الصرف(مقالة - آفاق الشريعة)
بيع الاستجرار (بيع أهل المدينة)(مقالة - آفاق الشريعة)
بيع الدين بالدين(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
تعريف البيع بالتقسيط وحكمه وأدلة الجمهور على جوازه(مقالة - آفاق الشريعة)
البيع بالثمن المؤجل مع الزيادة على أصل الثمن (البيع بالتقسيط) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
بيع المسلم على بيع أخيه(مقالة - آفاق الشريعة)
البيع على بيع أخيه بعد زمن الخيار(مقالة - موقع أ.د.عبدالله بن مبارك آل سيف)
الجواب:الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه من والاه، أما بعـد:
✍️فان العملات النقدية عند جمهور اهل العلم من الأصناف الربوية فلها حكم النقدين الذهب والفضة ، لأنها أصبحت ثمنا لكل مثمن وقيمة لكل مقوم ، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الصحيحين : ((لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا – تفضلوا- بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق – الفضة- إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا غائباً منها بناجز)).
فيجوز بيع وشراء العملات النقدية بالضوابط الشرعية، وهي أن يتم التقابض في المجلس بما يتراضيان عليه، أو ما يقوم مقام المجلس من انتقال العملة من حساب البائع إلى حساب المشتري وانتقال العملة الأخرى من حساب المشتري إلى حساب البائع. فإذا بيعت دولارات بدنانير أو بالعكس، فيشترط التقابض في المجلس او ما يقوم مقامه ، ولا تجوز النسيئة فيها أي التأجيل في القبض، ففي الصحيحين عن أبي المنهال قال: باع شريك لي ورقاً – أي فضة- بنسيئة إلى الموسم أو الحج فجاء إلي فأخبرني فقلت: هذا أمر لا يصح، قال: قد بعته في السوق فلم ينكر علي أحد. فأتيت البراء بن عازب فسألته فقال قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ونحن نبيع هذا البيع فقال: (( ما كان يداً بيد فلا بأس به، وما كان نسيئة فهو رباً)).
واما التفاضل –الزيادة- فلا يجوز كذلك في الجنس الواحد ويجوز بين جنسين مختلفين، لقوله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم : ((الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح مثلاً بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد)) .فدل الحديث على أنه إن كان البيع ذهباً بذهب فيشترط فيه شرطان: التماثل والتقابض.
وإن كان البيع حُليا ذهبا او فضة، بنقد مثلا بالدينار او الدولار، فعند جمهور العلماء يشترط فيه كذلك التقابض ، فلا بد في بيع الذهب بالنقود من التقابض في المجلس ، أما بيعه بالأقساط فلا يجوز عندهم ، لأنه من باب الربا المحرم.
⚡️وذهب بعضهم إلى جواز ذلك؛ لأن الصناعة أخرجت الذهب عن النقدية، وصارت سلعة تباع وتشترى بالعاجل والآجل، وهو اختيار شيخ الاسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى- وبعض الحنابلة ، قال شيخ ابن تيمية في الاختيارات الفقهية : (ويجوز بيع المصوغ من الذهب والفضة بجنسه من غير اشتراط التماثل، ويجعل الزائد في مقابلة الصنعة، سواء كان البيع حالاً أو مؤجلاً ما لم يقصد كونها ثمناً).
وقال الامام ابن القيم – رحمه الله تعالى- في إعلام الموقعين: (إن الحلية المباحة صارت بالصنعة المباحة من جنس الثياب والسلع، لا من جنس الأثمان، ولهذا لم تجب فيها الزكاة، فلا يجري الربا بينهما وبين الأثمان، كما لا يجري بين الأثمان وبين سائر السلع). لكن قيده شيخ الإسلام ابن تيمية بقيد وهو: ألا يكون شراء الحلي بقصد ثمنيتها بل بقصد الحلي.
وقال ابن رشد – رحمه الله تعالى- في بداية المجتهد: (اختلفوا من هذا الباب فيما تدخله الصنعة ، مما أصله منع الربا فيه ، مثل الخبز بالخبز ، فقال أبو حنيفة: لابأس ببيع ذلك متفاضلاً ومتماثلاً ؛ لأنه قد خرج بالصنعة عن الجنس الذي فيه الربا).
ولا مانع من الأخذ بهذا القول لمن وقع فيه فعلا ، ولكن لا يعد إلى مثل ذلك لِمَا بيّناه من الخلاف ، ولأن تركه فيه خروج من الخلاف وهو الأحوط والاولى.
👈المفتى به:
هو ما ذهب اليه الجمهور؛ فلا بد في بيع الذهب عينا كان أو مصوغا أو تبرا بالنقود من التقابض في المجلس، ولا يجوز التأجيل في قبض الثمن؛ لان النقود الورقية غطاؤها الذهب والفضة فتقوم مقامهما، ويحصل القبض بإعطاء النقود أو بشيك مصدق معتبر أو عن طريق خصم المبلغ من بطاقة الحساب الجاري على الراجح من أقوال الفقهاء ،لأنه قبض معتبر عرفا جرى التعامل به في الأسواق المالية وصار له مصداقية ولا جهالة فيه ولا مفسدة. والله تعالى اعلم.
د. ضياء الدين الصالح
=====
بيع مصوغ الذهب بذهب خالص متفاضلاً
قال السرخسي: لا قيمة للجودة والصنعة في الأموال الربوية عند المقابلة بجنسها[1].
وقال أبو يعلى: كل ما دخله الربا فإنه يجري في معموله كالذهب والفضة.
وقال ابن قدامة: الجيد والرديء، والتبر والمضروب، والصحيح والمكسور سواء في جواز البيع مع التماثل، وتحريمه مع التفاضل[2].
وقال البهوتي: الصنعة المحرمة لا قيمة لها شرعاً[3].
بيع الذهب بالذهب يشترط فيه شرطان: التماثل والتقابض، لا فرق في ذلك بين جيده ورديئه، ولكن المال الربوي تارة تدخله الصنعة، كالقمح حين يتحول إلى خبز، والذهب إلى حلي، فإذا دخلت المال الربوي الصنعة، فهل يخرج بذلك عن كونه مالاً ربوياً، ويصبح سلعة من السلع، ويخرج بذلك عن الثمنية، أو لا تأثير للصنعة فيه كما أنه لا تأثير للجودة فيه، لكون الذهب والفضة جوهران متعينان لثمنية الأشياء، لا تنفك الثمنية عنهما، وليست طارئة عليهما كالفلوس، ولهما رواج عند جميع الناس، فيجري الربا في الأواني والتبر والحلي وإن لم تكن قيماً للأشياء؟.
في ذلك خلاف بين أهل العلم، وقبل الجواب أنبه على بعض المسائل، فأقول:
لا خلاف بين أهل العلم في أن جيد الذهب ورديئه سواء، فيشترط التماثل، ويحرم التفاضل، ولا اعتبار للجودة عند مقابلة الذهب بالذهب، سواء كان تبراً، أو سبائك، أو مضروباً، نقوداً صحيحة أو مكسرة[4].
قال النووي: «قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا الورق بالورق إلا سواء بسواء ). قال العلماء: هذا يتناول جميع أنواع الذهب والورق من جيد ورديء، وصحيح ومكسور، وحلي وتبر، وغير ذلك، وسواء الخالص والمخلوط بغيره، وهذا كله مجمع عليه »[5].
أما الدليل على وجوب التماثل فجملة من الأحاديث التي تحرم الفضل بين الأموال الربوية من جنس واحد، منها حديث أبي سعيد الخدري، وحديث عبادة وغيرها، وسبق ذكر أكثرها عند الكلام على ربا الفضل.
وأما الدليل على عدم اعتبار الجودة، فأحاديث كثيرة، منها:
(ح-758) ما رواه البخاري من طريق عقبة بن عبد الغافر.
أنه سمع أبا سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: جاء بلال إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بتمر برني، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - من أين هذا؟ قال بلال: كان عندنا تمر ردي، فبعت منه صاعين بصاع، لنطعم النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك: أوَّه أوَّه، عين الربا، عين الربا، لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر ثم اشتره. ورواه مسلم [6].
فإذا كان رديء التمر وجيده لا يجوز إلا مثلاً بمثل، فكذلك سائر الأموال الربوية، فرديء البر وجيده ورديء الورق وجيدها ورديء الذهب وجيده لا يجوز إلا مثلاً بمثل.
(ح-759) وروى أبو داود من طريق أبي الخليل (صالح بن أبي مريم) عن مسلم بن يسار المكي، عن أبي الأشعث الصنعاني.
عن عبادة بن الصامت، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: الذهب بالذهب تبرها وعينها، والفضة بالفضة تبرها وعينها... فمن زاد أو ازداد فقد أربى، ولا بأس ببيع الذهب بالفضة، والفضة أكثرهما يداً بيد، وأما نسيئة فلا... الحديث. (الحديث رجاله ثقات، وهو في مسلم وليس فيه زيادة تبرها وعينها)[7].
فدل حديث عبادة على وجوب التساوي عند اتحاد الجنس ذهباً بذهب، أو فضة بفضة سواء كان تبراً، وهو الذهب أو الفضة قبل ضربه، أو عيناً، وهو الذهب أو الفضة بعد أن يضرب.
كما أن الذهب المصوغ إذا كان ثمناً تقوَّم به الأشياء فإنه يجري فيه الربا، ويجب التماثل في مبادلته بجنسه؛ لأن الصياغة في الحالة هذه لم تخرجه عن علة الربا، وهي الثمنية.
وكذلك إذا كانت الصياغة في الذهب محرمة، فإنه يحرم بيعه بجنسه وبغير جنسه [8].
إذا علم ذلك، فما حكم بيع مصوغ الذهب بالذهب الخالص متفاضلاًً؟
اختلف العلماء في ذلك.
فقيل: لا يجوز، وهذا مذهب الأئمة الأربعة[9]، وممن قال به من العلماء المعاصرين: محمد الأمين بن المختار الشنقيطي[10]، والشيخ محمد بن إبراهيم[11]، والشيخ ابن باز[12]، وشيخنا ابن عثيمين[13]، وصدر به قرار من هيئة كبار العلماء بالبلاد السعودية[14]، وأفتت به اللجنة الدائمة[15]، وصدر به قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي[16].
وحكى الإجماع عليه طائفة من العلماء وسوف يأتي ذكرهم عند الكلام على الأدلة.
وقيل: يجوز التفاضل في مبادلة المصوغ بجنسه، من غير اشتراط التماثل، ويجعل الزائد في مقابل الصنعة، ما لم تكن الحلي ثمناً، أو تكون الصياغة غير مباحة.
وهذا القول منسوب في الجملة لمعاوية - رضي الله عنه -[17]، واختاره من الحنابلة ابن تيمية وابن القيم [18]، ومن المعاصرين فضيلة الشيخ عبد الله ابن منيع[19].
وخرج بعضهم القول بالجواز على مذهب الحنفية بناء على مذهبهم في جواز بيع الخبز بالخبز متفاضلاً ؛ لأنهم عللوا ذلك بأن الخبز خرج بالصنعة من كونه مكيلاً، فلم يحرم التفاضل فيه[20]. فليكن الحلي خرج بالصنعة من كونه ربوياً، ولا يصح هذا التخريج.
ونسب إلى مالك رحمه الله أنه قال بجوازه للمضطر، وأنكره أصحابه[21].
ثمرة الخلاف:
إذا قلنا باختيار ابن تيمية وابن القيم:
جاز بيع حلي الذهب بالذهب متفاضلاً ونسيئة، وجوازه بالفضة من باب أولى، وجاز بيع حلي الذهب بالأوراق النقدية حالاً ونسيئة؛ لأن الحلي حينئذ ستكون سلعة من السلع، لا تختلف عن الثياب وسائر العروض.
يقول ابن تيمية في الاختيارات: «ويجوز بيع المصوغ من الذهب والفضة بجنسه من غير اشتراط التماثل، ويجعل الزائد في مقابلة الصنعة، سواء كان البيع حالاً أو مؤجلاً، ما لم يقصد كونها ثمناً»[22].
وإذا أخذنا بمذهب الجمهور: حرم بيع حلي الذهب بالذهب مع التفاضل، وحرم بيع حلي الذهب بالفضة مع النسيئة. وحرم بيع الحلي بالأوراق النقدية مع النسيئة.
دليل من قال: لا يجوز:
الدليل الأول:
الأدلة العامة التي تفيد وجوب التماثل في بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة وهي كثيرة، أذكر بعضها، وقد ذكرت كثيراً منها في مسألة حكم ربا الفضل، منها:
(ح-760) ما رواه مسلم من طريق أبي المتوكل الناجي.
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة....... مثلاً بمثل، يداً بيد، من زاد أو استزاد، فقد أربى، الآخذ والمعطي سواء[23].
(ح-761) ومنها أيضاً: ما رواه مسلم من طريق أبي الأشعث.
عن عبادة بن الصامت، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة.... مثلاً بمثل، سواء بسواء، يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد[24].
(ح-762) ومنها: ما رواه البخاري من طريق مالك، عن نافع.
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبا بناجز. ورواه مسلم[25].
(ح-763) ومنها: ما رواه مسلم من طريق ابن أبي نعم.
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الذهب بالذهب وزناً بوزن، مثلاً بمثل، والفضة بالفضة وزناً بوزن، مثلاً بمثل، فمن زاد أو استزاد فهو ربا[26].
(ح-764) ومنها: ما رواه البخاري من طريق عبد الرحمن بن أبي بكرة قال:
قال أبو بكرة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا سواء بسواء، والفضة بالفضة إلا سواء بسواء، وبيعوا الذهب بالفضة والفضة بالذهب كيف شئتم[27].
(ح-765) ومنها: ما رواه مسلم من طريق مالك بن أبي عامر يحدث.
عن عثمان بن عفان، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تبيعوا الدينار بالدينارين، ولا الدرهم بالدرهمين[28].
وجه الاستدلال من هذه الأحاديث:
قوله (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة مثلاً بمثل...) وفي بعضها وزناً بوزن.
ف (أل) في الذهب للجنس، فتعم جميع أنواع الذهب، مثله مثل قوله تعالى ﴿ إن الإنسان لفي خسر ﴾ [ العصر:2] عام لجميع الناس ولذلك صح الاستثناء منه بقوله تعالى ﴿ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ﴾ [ العصر:3].
وإذا كان ذلك كذلك فمن أراد إخراج فرد من أفراد الذهب فعليه الدليل من الشارع، فإن النص الشرعي إذا جاء عاماً، أو مطلقاً لا يخصصه ولا يقيده إلا نص شرعي مثله.
الدليل الثاني:
النصوص الخاصة والتي تعتبر نصاً في الموضوع.
(ح-766) من ذلك، ما رواه مسلم من طريق علي بن رباح اللخمي يقول:
سمعت فضالة بن عبيد الأنصاري يقول أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بخيبر بقلادة فيها خرز وذهب، وهي من المغانم تباع، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده، ثم قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الذهب بالذهب وزنا بوزن [29].
(رواه حنش الصنعاني وعلي بن رباح اللخمي عن فضالة، والأول اختلف عليه، والثاني لم يختلف عليه في الحديث، فيقبل من رواية حنش ما وافق رواية علي، وما خالفها، فقد اختلف عليه فيها فيحكم بشذوذها) [30].
وجه الاستدلال:
أن القلادة حلية، وقد اشتريت بذهب، ولو كانت القلادة سلعة من السلع لم يشترط الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن ينزع الذهب الذي في القلادة، وأن لا يباع إلا وزناً بوزن.
جواب القائلين بجواز بيع الحلي بالذهب متفاضلاً:
حاول القائلون بجواز بيع الحلية بالذهب متفاضلاً أن يخرجوا من حديث فضالة إما بضعف الحديث للاضطراب، وإما بالتأويل.
وقد أجبت عن دعوى أن الحديث مضطرب بأن الاضطراب لم يرد إلا في رواية حنش الصنعاني، عن فضالة، ولم يرد الاضطراب مطلقاً في رواية علي ابن رباح اللخمي عن فضالة. وهي في مسلم، ومن الظلم أن يجنى على رواية علي ابن رباح اللخمي باضطراب غيره، بل المنهج العلمي يقتضي أن ترد رواية المضطرب فقط وتقبل رواية من جوَّد الحديث وأتقنه، وقد ناقشت دعوى الاضطراب بتوسع ولله الحمد، وجعلت هذا الكلام في مسألة ( مد عجوة ودرهم ) تخفيفاً وحرصاً حتى لا يطول الكلام في هذه المسألة، فانظره هناك.
وأما من حاول أن يرد الحديث بالتأويل فقد وقع فيما حاول الخروج منه.
فقد رأى ابن تيمية وابن القيم بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما منع من هذه المعاملة لأن الذهب الذي في القلادة أكثر من الذهب الذي دفع ثمناً لها، فصارت المبادلة ذهباً بذهب مع التفاضل.
وإذا كان ذلك كذلك كان هذا نصاً منهما على أن الحلية التي في القلادة مال ربوي، ولو كانت القلادة سلعة من السلع لم ينظر إلى مقدار الثمن، سواء كان أقل أو أكثر؛ لأن المعيار بالوزن إنما يشترط في مبادلة الربوي بمثله، وأما غير الربوي فيكفي رؤيته لتنتفي جهالته، مثله مثل الحنطة إذا بيعت جزافاً بدراهم جاز، ولا يشترط أن يعلم مقدارها بالكيل، وإذا بيعت بالحنطة اشترط التماثل بالمعيار الشرعي الذي هو الكيل.
قال ابن تيمية: «إذا لم يعلم مقدار الربوي بل يخرص خرصاً مثل القلادة التي بيعت يوم حنين، وفيها خرز معلق بذهب فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا تباع حتى تفصل، فان تلك القلادة لما فصلت كان ذهب الخرز أكثر من ذلك الذهب المفرد فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع هذا بهذا حتى تفصل ؛ لأن الذهب المفرد يجوز أن يكون أنقص من الذهب المقرون، فيكون قد باع ذهباً بذهب مثله، وزيادة خرز وهذا لا يجوز، وإذا علم المأخذ فإذا كان المقصود بيع دراهم بدراهم مثلها وكان المفرد أكثر من المخلوط كما في الدراهم الخالصة بالمغشوشة بحيث تكون الزيادة في مقابلة الخلط لم يكن في هذا من مفسدة الربا شيء إذ ليس المقصود بيع دراهم بدراهم أكثر منها، ولا هو بما يحتمل أن يكون فيه ذلك، فيجوز التفاوت »[31].
وهذا القول من ابن تيمية رحمه الله يهدم دعوى أن القلادة سلعة، ويجعل الحلية التي في القلادة مالاً ربوياً، ولذلك اشترط أن يكون الذهب المفرد أكثر من الذهب الذي في القلادة، حتى يكون الذهب بالذهب مثلاً بمثل، وما زاد في مقابلة الخرز، كمسألة مد عجوة ودرهم تماماً، ومسألة مد عجوة ودرهم لم يقل أحد ممن أجازها أو ممن منعها: إنها ليست مالاً ربوياً. فصار قولهما حجة عليهما. ألا ترى إلى قول ابن تيمية «إذا لم يعلم مقدار الربوي بل يخرص خرصاً مثل القلادة التي بيعت يوم حنين.... الخ كلامه، فهذا نص منه على أن الحلية التي مع الخرز هي مال ربوي. ولم يستطع أحد ممن قرأت له في هذه المسألة ممن صحح حديث فضالة أن يخرج من هذا الحديث بجواب مقنع.
ومن الأحاديث التي احتج بها الجمهور، والتي تعتبر نصاً في الموضوع.
(ح-767) ما رواه مسلم من طريق أيوب، عن أبي قلابة قال: كنت بالشام في حلقة فيها مسلم بن يسار، فجاء أبو الأشعث قال: قالوا: أبو الأشعث، أبو الأشعث، فجلس فقلت له: حدث أخانا حديث عبادة ابن الصامت، قال: نعم، غزونا غزاة، وعلى الناس معاوية، فغنمنا غنائم كثيرة، فكان فيما غنمنا آنية من فضة، فأمر معاوية رجلا أن يبيعها في أعطيات الناس، فتسارع الناس في ذلك.
فبلغ عبادة بن الصامت فقام، فقال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح إلا سواء بسواء، عيناً بعين، فمن زاد أو ازداد فقد أربى. فرد الناس ما أخذوا، فبلغ ذلك معاوية فقام خطيبا، فقال: ألا ما بال رجال يتحدثون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحاديث قد كنا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه، فقام عبادة بن الصامت، فأعاد القصة ثم قال: لنحدثن بما سمعنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن كره معاوية - أو قال: وإن رغم - ما أبالي أن لا أصحبه في جنده ليلة سوداء.
وجه الاستدلال:
احتج عبادة في المنع من بيع الآنية من الفضة بالفضة متماثلاً من نهي الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الفضة بالفضة إلا مثلاً بمثل. ولم ير - رضي الله عنه - إلى أن الآنية من الفضة قد خرجت بالصنعة من كونها مالاً ربوياً، وفهم الصحابي أولى من فهم غيره، كيف وقد وافقه غيره من الصحابة كما سيأتي عن ابن عمر - رضي الله عنه -ما، وأبي الدرداء. وأما رأي معاوية فهو لم يحتج لقوله إلا أنه لم يسمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً في النهي، كما قال: ( ما بال رجال يتحدثون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحاديث قد كنا نشهده، ونصحبه فلم نسمعها منه )، وكونه لم يسمع ليس حجة على من حفظ وسمع، وعمر وأبو بكر قد تغيب عنهم سنة، ويحفظها غيرهم ممن هو دونهم فكيف بمعاوية رضي الله عن الجميع، فكيف إذا كان معاوية إنما قال ذلك برأيه واجتهاده، وعبادة بن الصامت وأبو الدرداء كما سيأتي احتجا عليه بالسنة المرفوعة، ولذلك أغلظا له في الإنكار، وليس رأي معاوية صريحاً في أنه يرى أن الفضة تخرج بالصنعة من كونها مالاً ربوياً. فقد يكون رأي معاوية من رأي ابن عباس في أن الربا لا يجري إلا في النسيئة، ولذلك أجاز بيع الآنية من الفضة بأكثر من وزنها يداً بيد. ويحتاج من يريد أن يجعل رأي معاوية في الحلية إلى كلام صريح من معاوية - رضي الله عنه - في المسألة، فالقصة ليست صريحة في الباب.
(ح-768) يؤيد ذلك ما رواه ابن ماجه عن هشام بن عمار، حدثنا يحيى ابن حمزة، حدثني برد بن سنان، عن إسحاق بن قبيصة، عن أبيه، عن عبادة ابن الصامت بنحوه.
وفيه قال معاوية: يا أبا الوليد ما أرى الربا في هذا إلا ما كان من نظرة[32].
(منقطع قبيصة لم يلق عبادة) [33].
وأجيب عن هذا الحديث:
حمل ابن تيمية وابن القيم بأن إنكار عبادة على معاوية إنما هو لبيعه الآنية من الفضة، فهي صياغة محرمة، والصياغة المحرمة يحرم بيعها بجنسها أو بغير جنسها[34].
ويرد على هذا الاعتراض:
بأن عبادة لم يحتج على معاوية بأحاديث النهي عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة، وإنما احتج عليه بالنهي عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة متفاضلاً، فهو يقول في معرض إنكاره على معاوية كما في صحيح مسلم: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة..... إلا سواء بسواء، عيناً بعين، فمن زاد أو ازداد فقد أربى.
فالكلام كله في إنكار بيع الفضة بجنسها متفاضلاً، وليس في بيع آنية محرمة، يُنْهَى عن بيعها مطلقاً كيفما بيعت، وبصرف النظر عن الثمن الذي بيعت به، وقد كان بعض الصحابة ربما اتخذ آنية الذهب والفضة، ولم يأكل بها، والنص إنما ورد في النهي عن الأكل في آنية الذهب والفضة، فقد جاء في الصحيحين أن الصحابي حذيفة - رضي الله عنه - اقتنى آنية من فضة مع كونه يرى تحريم الشرب فيها.
(ح-769) فقد روى البخاري ومسلم من طريق سيف بن أبي سليمان، قال: سمعت مجاهداً يقول:
حدثني عبد الرحمن بن أبي ليلى أنهم كانوا عند حذيفة، فاستسقى، فسقاه مجوسي، فلما وضع القدح في يده رماه به، وقال: لولا أني نهيته غير مرة، ولا مرتين، كأنه يقول: لم أفعل هذا، ولكني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة[35].
ففي هذا الحديث دليل على اقتناء حذيفة لإناء الفضة[36].
ومن الأحاديث التي احتج بها الجمهور، والتي تعتبر نصاً في الموضوع:
(ح-770) ما رواه مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار.
أن معاوية بن أبي سفيان باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها، فقال أبو الدرداء: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن مثل هذا إلا مثلاً بمثل، فقال له معاوية: ما أرى بمثل هذا بأساً. فقال أبو الدرداء: من يعذرني من معاوية، أنا أخبره عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويخبرني عن رأيه، لا أساكنك بأرض أنت بها. ثم قدم أبو الدرداء على عمر بن الخطاب، فذكر ذلك له، فكتب عمر بن الخطاب إلى معاوية أن لا تبع ذلك إلا مثلاً بمثل، وزناً بوزن[37].
(منقطع عطاء بن يسار يروي القصة، وهي قد حدثت زمن عمر ولم يدرك في ذلك الوقت) [38].
ومن الأحاديث التي احتج بها الجمهور، والتي تعتبر نصاً في الموضوع:
(ح-771) ما رواه مالك في الموطأ، عن حميد بن قيس المكي.
عن مجاهد، أنه قال: كنت مع عبد الله بن عمر، فجاءه صانع، فقال له: يا أبا عبد الرحمن إني أصوغ الذهب، ثم أبيع الشيء من ذلك بأكثر من وزنه، فأستفضل من ذلك قدر عمل يدي، فنهاه عبد الله عن ذلك، فجعل الصائغ يردد عليه المسألة، وعبد الله ينهاه، حتى انتهى إلى باب المسجد أو إلى دابة يريد أن يركبها، ثم قال عبد الله: الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما، هذا عهد نبينا إلينا، وعهدنا إليكم[39].
(سنده صحيح) [40].
(ح-772) ومنها ما رواه أبو داود من طريق أبي الخليل (صالح بن أبي مريم) عن مسلم بن يسار المكي، عن أبي الأشعث الصنعاني.
عن عبادة بن الصامت، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: الذهب بالذهب تبرها وعينها، والفضة بالفضة تبرها وعينها... فمن زاد أو ازداد فقد أربى، ولا بأس ببيع الذهب بالفضة، والفضة أكثرهما يداً بيد، وأما نسيئة فلا... الحديث.
( الحديث رجاله ثقات، وهو في مسلم وليس فيه زيادة تبرها وعينها) [41].
فالعين من الذهب: ذهب مسكوك (دراهم ودنانير)، والسكة نوع من الصنعة، وهي عمل آدمي، ولو أعطيت ذهبك وفضتك لرجل يضربها دراهم ودنانير لم يضربها إلا بالأجرة، فإذا كانت الدراهم والدنانير لا تقوَّم فيها الصنعة بالإجماع، وهي من عمل الإنسان وكسبه، فالحلي مثلها. والله أعلم.
ومن الآثار التي احتج بها الجمهور، وتعتبر نصاً في الموضوع:
(ث-133) ما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا نصرابن عائذ الجهضمي[42]، عن قيس بن رباح الحداني.
عن مليكة بنت هانئ[43]، قالت: دخلت على عائشة، وعلي سواران من فضة، فقلت: يا أم المؤمنين، أبيعها بدراهم؟ فقالت: الفضة بالفضة وزناً بوزن، مثلاً بمثل [44].
[ ضعيف ] [45].
الدليل الثالث: من الإجماع. فقد ساق الإجماع طائفة من العلماء:
قال القاضي عياض: «قوله: (لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا الورق بالورق ...) الحديث عام في جميع أجناسها من مشكول، ومصنوع، وتبر، وجيد، ورديء، ولا خلاف في هذا »[46].
قال النووي: «قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا الورق بالورق إلا سواء بسواء ). قال العلماء: هذا يتناول جميع أنواع الذهب والورق من جيد ورديء، وصحيح ومكسور، وحلي وتبر، وغير ذلك، وسواء الخالص والمخلوط بغيره، وهذا كله مجمع عليه »[47].
قال ابن عبد البر: «والسنة المجتمع عليها أنه لا يباع شيء من الذهب عيناً كان أو تبراً، أو مصوغاً، أو نقراً، أو جيداً، أو رديئاً بشيء من الذهب إلا مثلاً بمثل، يداً بيد، وكذلك الفضة: عينها، ومصوغها، وتبرها، والسوداء منها والبيضاء، والجيدة والرديئة سواء، لا يباع بعضها ببعض إلا مثلاً بمثل يداً بيد، من زاد أو نقص في شيء من ذلك كله، أو أدخله نظرة فقد أكل الربا »[48].
وقال ابن عبد البر: «أجمع العلماء على أن الذهب تبره وعينه سواء لا يجوز التفاضل في شيء منه، وكذلك الفضة بالفضة تبرها وعينها، ومصنوع ذلك كله ومضروبه لا يحل التفاضل في شيء منه، وعلى ذلك مضى السلف من العلماء والخلف إلا شيئاً يسيراً يروى عن معاوية من وجوه، أنه كان لا يرى الربا في بيع العين بالتبر، ولا بالمصنوع وكان يجيز في ذلك التفاضل، ويذهب إلى أن الربا لا يكون في التفاضل إلا في التبر بالتبر، وفي المصنوع بالمصنوع، وفي العين بالعين»[49].
وقال ابن هبيرة: «أجمع المسلمون على أنه لا يجوز بيع الذهب بالذهب منفرداً، والورق بالورق منفرداً، تبرها، ومضروبها، وحليها، إلا مثلاً بمثل، وزناً بوزن، يداً بيد، وأنه لا يباع شيء منها غائب بناجز»[50].
كما حكى الإجماع ابن حجر في الفتح [51].
ولا تسلم دعوى الإجماع مع خلاف معاوية - رضي الله عنه -، وخلاف ابن تيمية وابن القيم، ومن أخذ بقولهم إلا أن يستفاد من حكاية الإجماع أن القول بالتحريم هو قول العامة مؤيداً بنصوص عامة وخاصة.
الدليل الرابع:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - منع من التفاضل مع اختلاف الصفة كما في مبادلة الجيد بالرديء، فالصنعة صفة أيضاً إلا أنها من صنع الآدمي.
(ح-773) فقد روى البخاري من طريق عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف، عن سعيد بن المسيب.
عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة - رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعمل رجلاً على خيبر، فجاءهم بتمر جنيب، فقال: أكل تمر خيبر هكذا؟ فقال: إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة فقال: لا تفعل، بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيباً، وقال في الميزان مثل ذلك[52].
جواب ابن تيمية وابن القيم:
أجاب ابن تيمية وابن القيم في التفريق بين الجودة والصنعة أن الجودة من خلق الله تعالى، فأمر ببذلها بدون مقابل، وأما الصنعة فهي من فعل الآدمي، فيعتبر من الظلم أن يقال: بعها واخسر الأجرة[53].
وهذا التفريق غير دقيق لثلاثة أوجه:
أحدهما: أن الجودة والصنعة كلها ملك لآدمي معصوم، وهي بالإتلاف متقومة، ولم تلغ بحجة أنها من خلق الله، فأموالنا كلها من خلق الله، ونحن مستخلفون فيها، فإذا أهدرت الجودة في الربويات مع كونها مالاً متقوماً مقصوداً، أهدرت الأخرى؛ لأن المعيار هو التماثل في المعيار الشرعي، وهو الكيل. ثم إن هذا قد ينتقض إذا ملكت الجودة والصنعة عن طريق المعاوضة بالأوراق النقدية، فكيف يقال للأول: لا مقابل لما اشتريت إذا بعته بجنسه وإن كنت قد دفعت مالاً كثيراً قيمة للجودة، ويقال للثاني: لا نضيع عليك الصنعة إذا بعته بجنسه، وكلاهما قد دفع عوضاً مالياً سواء للجودة أو للصنعة.
الثاني: أن مبادلة الدراهم والدنانير بالسبائك من مثلها لا يجوز فيه التفاضل مع أن ضرب الدراهم أو الدنانير صنعة، وهو من عمل آدمي، ولا يعمل إلا بأجرة، ومع ذلك ألغي حين تبادل الذهب بمثله، فكذلك الحلي.
الثالث: أن الجودة وإن كانت من صنع الله إلا أنها تتفاوت تفاوتاً كبيراً بحسب جهد الآدمي وتعاهده لما زرع، وقيامه على مصالحه بقطع ما يضره، وتزويده ما ينفعه من سماد ونحوه، فالمزارع يصرف الأموال الطائلة في إصلاح الثمار تخلية وتحلية، فالآدمي له كسب مؤثر في جودتها، وهذا لا يعرفه إلا من اشتغل بالزراعة، بل ربما ما يصرفه المزارع من جهد ومال يفوق بكثير ما يصرفه الصائغ على ذهبه وفضته، فالمزارع يذهب عليه فصل كامل من السنة أو أكثر، وهو يشتغل على ثماره من قبل ظهورها إلى أوان جذاذها، فإذا قيل للمزارع بالإجماع: بع الثمار بمثلها، واخسر جهدك ومالك، فيجب أن يقال له: إذا بعت الحلي من الذهب بالذهب، فاخسر جهدك. وإذا أراد المزارع أن يأخذ قيمة الجودة، فلا يقبل مبادلة الجيد بتمر رديء، بل يبيع صاحب التمر الرديء تمره بالدراهم ويشتري بقيمته تمراً جيداً، وإذا أراد الصائغ أن يأخذ قيمة الصنعة، فلا يبيع الحلي من الذهب بالذهب، بل يبيع الحلي من الذهب بالدراهم، والحلي من الفضة بالدنانير، أو يبيعهما بالأوراق النقدية. هذا هو سبيل الفكاك من الوقوع في الربا، وهو مطلب يسير غير متعذر.
هذه تقريباً أهم الأدلة التي استدل بها الجمهور في تحريم ببيع الحلي بالذهب متفاضلاً.
دليل من قال: يجوز بيع الحلي بالذهب متفاضلاً:
الدليل الأول:
أن علة الربا في الذهب والفضة هي الثمنية، فإذا كانا حلياً فقد أصبحا مجرد سلعة كسائر السلع، لا من جنس الأثمان، ولهذا لا تجب فيهما الزكاة، ولا يحرم بيعهما بالدنانير والدراهم مع التفاضل.
ويناقش من وجوه:
الوجه الأول:
أن جريان الربا في الذهب والفضة ثابت بالنص، وكون العلة فيهما هي الثمنية أمر مستنبط مختلف فيه، وقد نص العلماء على أن العلة المستنبطة لا يمكن أن تعود على الحكم بالإبطال، لأن النص دلالته قطعية وهي دلالتها ظنية، والله أعلم.
الوجه الثاني:
أن الربا يجري في سبائك الذهب والفضة مع أنهما في حال كونهما سبائك لا تعتبر من الأثمان[54].
وهذا دليل على أن الثمنية موغلة في الذهب والفضة لا تنفك عنهما، وليست طارئة عليهما، سواء كانت تبراً، أو عيناً، أو مصوغاً.
الوجه الثالث:
القول بأن الحلي لم تدخل في نصوص الربا، لأنها من جنس السلع، وليست من جنس الأثمان، ولهذا لم يجب فيها الزكاة. فيقال في الجواب:
أولاً: ليس هناك علاقة بين الزكاة وبين الربا، فالثمنية التي هي العلة في الذهب والفضة، ليست هي العلة في غيرها من الأموال الربوية، وليست هي العلة في وجوب الزكاة في الأموال الزكوية، فلا تلازم بين الزكاة وبين الربا، حتى يمكن أن يقال: ما لم تجب فيه الزكاة لم يجر فيه الربا. وما جرى فيه الربا وجبت فيه الزكاة، فالبيوع باب، والصدقة باب آخر.
وعدم وجوب الزكاة في الحلي ليس راجعاً لكونها بالصناعة خرجت عن جنس الأثمان، بل لأن من شروط الزكاة أن يكون ملك النصاب خالياً من الحوائج الأصلية، والحلية تعتبر من الحاجات الأصلية للنساء[55].
يقول أبو عبيد القاسم بن سلام: «اختلف في هذا الباب صدر هذه الأمة وتابعوها ومن بعدهم – يعني في وجوب الزكاة في الحلي - فلما جاء هذا الاختلاف أمكن النظر فيه والتدبر لما تدل عليه السنة، فوجدنا النبي - صلى الله عليه وسلم - قد سن في الذهب والفضة سنتين: إحداهما في البيوع، والأخرى في الصدقة.
فسنته في البيوع قوله: الفضة بالفضة مثلاً بمثل، فكان لفظه بالفضة مستوعباً لكل ما كان من جنسها مصوغاً وغير مصوغ، فاستوت في المبايعة ورقها، وحليها، ونقرها. وكذلك قوله الذهب بالذهب مثلاً بمثل فاستوت فيه دنانيره وحليه وتبره.
وأما سنته في الصدقة فقوله إذا بلغت الرقة خمس أواقي ففيها ربع العشر فخص رسول الله بالصدقة الرقة من بين الفضة وأعرض عن ذكر سواها، فلم يقل: إذا بلغت الفضة كذا ففيها كذا، ولكنه اشترط الرقة من بينها، ولا نعلم هذا الاسم في الكلام المعقول عند العرب يقع إلا على الورق المنقوشة ذات السكة السائرة في الناس، وكذلك الأواقي ليس معناها إلا الدراهم، كل أوقية أربعون درهماً، ثم أجمع المسلمون على الدنانير المضروبة أن الزكاة واجبة عليه كالدراهم وقد ذكر الدنانير أيضا في بعض الحديث المرفوع يحدثونه عن ابن أبي ليلى عن عبد الكريم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: ليس في أقل من عشرين مثقالا من الذهب، ولا في أقل من مائتي درهم صدقة، فلم يختلف المسلمون فيهما، واختلفوا في الحلي، وذلك أنه يستمتع به ويكون جمالاً وأن العين والورق لا يصلحان لشيء من الأشياء إلا أن يكونا ثمناً لها، ولا ينتفع منهما بأكثر من الإنفاق لهما، فبهذا بان حكمهما من حكم الحلي الذي يكون زينة ومتاعاً فصار ههنا كسائر الأثاث والأمتعة، فلهذا أسقط الزكاة عنه من أسقطها، ولهذا المعنى قال أهل العراق: لا صدقة في الإبل والبقر العوامل ؛ لأنها شبهت بالمماليك والأمتعة، ثم أوجبوا الصدقة في الحلي.
وأوجب أهل الحجاز الصدقة في الإبل والبقر العوامل، وأسقطوها من الحلي، وكلا الفريقين قد كان يلزمه في مذهبه أن يجعلها واحداً: إما إسقاط الصدقة عنهما جميعاً، وإما إيجابها بهما جميعاً، وكذلك هما عندنا سبيلهما واحد لا تجب الصدقة عليهما لما قصصنا من أمرهما»[56].
الدليل الثاني:
أن العاقل لا يمكن أن يبيع الصياغة بوزنها فإن هذا سفه وإضاعة للصنعة، والشارع أحكم من أن يلزم الأمة بذلك فالشريعة لا تأتي به ولا تأتي بالمنع من بيع ذلك وشرائه لحاجة الناس إليه فلم يبق إلا أن يقال:
لا يجوز بيعها بجنسها البتة بل يبيعها بجنس آخر، وفي هذا من الحرج والعسر والمشقة ما تتقيه الشريعة، فإن أكثر الناس عندهم ذهب يشترون به ما يحتاجون إليه من ذلك والبائع لا يسمح ببيعه ببر وشعير وثياب، وتكليف الاستصناع لكل من احتاج إليه إما متعذر أو متعسر، والحيل باطلة في الشرع، فلم يبق إلا جواز بيعه كما تباع السلع، فلو لم يجز بيعه بالدراهم فسدت مصالح الناس».
ويناقش:
الفرق بين جيد التمر ورديئه في القيمة بون شاسع في عصرنا، فتجد السطل من التمر الردئ بعشرة ريالات، بينما تجده من التمر السكري الجيد بمائتي ريال. وهو هكذا في عصر النبوة حيث قال: نأخذ الصاع بالصاعين، فمعنى ذلك أن الزيادة بلغت مائة بالمائة، ولم يكن ذلك مسوغاً لأخذ الزيادة، ولم يقل أحد: إن ذلك سفه، والشريعة لا تأتي به، ولم يقل أحد: لماذا نأمره أن يبيع التمر الرديء، وهو لا يريد الدراهم، أليس في ذلك حرج ومشقة عليه، وهو سوف يشتري بقيمته من التمر الجيد، فهذا هو أمر الشارع، حيث أراد بحكمته عند اشتراط التماثل إلى تضييق المقاصة في بيع الربوي بجنسه.
ونحن لا نقول: لزاماً عليك أن تبيعها بمثلها من الذهب وأن تخسر جهدك، بل نقول له: لك أن تبيع الحلية من الذهب بالدراهم، والحلية من الفضة بالدنانير، فهل في إيجاب ذلك حرج ومشقة وعسر لا يمكن أن تأتي به الشريعة، أليس هذا من باب التهويل والمبالغة.
وقد يقبل كلام ابن القيم في عصره عندما كان تعامل الناس في النقدين (الدراهم والدنانير ) أما اليوم فإن تعامل عامة الناس بالأوراق النقدية، وهي أثمان الناس اليوم، وليس هناك أثمان غيرها، فلك أن تشتري بها ما شئت من حلي الذهب والفضة، فمن كان معه قلادة استغنى عنها، وأراد أن يبيعها فلا يبعها بقلادة أخرى مع التفاضل، بل يبيع القلادة بالريالات، ولا يشترط في ذلك إلا التقابض، ويشتري بالريالات القلادة التي يريد، وليس في ذلك سفه، ولا عنت، وعمل عامة الناس عليه في بلادنا.
وقول ابن تيمية وابن القيم: إن العاقل لا يمكن أن يبيع الصياغة بوزنها فإن هذا سفه وإضاعة للصنعة، ممكن أن يقال لهم أيضاً لو فتح باب الاعتراض العقلي أن يقال: إن العاقل لا يمكن أن يبيع الذهب، ولو لم يكن حلياً بمثله وزناً بوزن، لأن البائع حين يبيع يبحث عن مقدار من الربح، ولو كان يسيراً، فأي ربح في بيع الذهب بمثله بلا فضل، بل يمكن أن يقال أشد من هذا: هل يمكن لعاقل أن يبيع التمر الجيد بتمر رديء إلا إذا خرج الموضوع من باب المعاوضات إلى باب الهبات.
الدليل الثالث:
أن ربا الفضل يباح منه ما تدعو إليه الحاجة كالعرايا حيث جوز الشارع بيع الرطب بالتمر لشهوة الرطب، وأين هذا من الحاجة إلى بيع المصوغ الذي تدعو الحاجة إلى بيعه وشرائه بجنسه متفاضلاً؟
ويناقش من وجوه:
الوجه الأول:
أن الناس في عصر الصحابة أحوج إلى بيع الرطب بالتمر منهم إلى بيع الحلي بالذهب، وذلك أن مجتمع الصحابة في عصر النبوة كان أغلبهم من الفقراء، وكان طعامهم الأسودين التمر والماء، بخلاف الحلي والذي لا يستعمله إلا بعض النساء الميسورات، فكيف يقال: أين بيع الرطب بالتمر من الحاجة إلى بيع المصوغ الذي تدعو الحاجة إلى بيعه وشرائه.
(ح-774) فقد روى الشيخان من طريق عروة.
عن عائشة - رضي الله عنه -ا، أنها قالت لعروة: ابن أختي إن كنا لننظر إلى الهلال، ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقدت في أبيات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نار. فقلت: يا خالة ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان التمر والماء.. الحديث[57].
(ح-775) وروى أحمد من طريق داود بن فراهيج، قال:
سمعت أبا هريرة قال: ما كان لنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طعام إلا الأسودان، التمر والماء.
(وإسناده حسن)[58].
فالرخصة في العرايا وردت في قوت الناس وطعامهم، وهي عامة لجميع الناس، ينتفع منها كافتهم، بخلاف الحلي، فهو ليس من حاجات الناس الضرورية، ولا ينتفع منها إلا خاصتهم.
الوجه الثاني:
لا يسوغ شرعاً أن نحتج بالقياس على جواز بيع الحلي بجنسه مع التفاضل وقد ورد النص الخاص في المنع من ذلك، فهذا ابن عمر يقول بالحديث الصحيح للصائغ ( هذا عهد نبينا إلينا، وعهدنا إليكم ). وحديث فضالة في القلادة نص في الموضوع، وحديث عبادة وإنكاره على معاوية، وهو في صحيح مسلم حيث احتج على معاوية بالعموم من النهي عن بيع الذهب بالذهب مع التفاضل، ولم يخالف أحد من الصحابة إلا ما ورد عن معاوية، وهو ليس صريحاً في الباب.
الوجه الثالث:
أن العرايا قد نص على أنه لا يقاس عليها، وأنه لم يرخص في غيرها، فتعميم الرخصة مخالف للنص الشرعي.
(ح-776) فقد روى البخاري ومسلم من طريق سالم بن عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر.
عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخص بعد ذلك – أي بعد نهيه عن بيع الرطب بالتمر – في بيع العرية بالرطب أو بالتمر، ولم يرخص في غيره[59].
فقوله (ولم يرخص في غيره) دليل على قصر الرخصة على العرايا خاصة، ومما يدل على قصر الرخصة في العرايا نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن المحاقلة والمزابنة.
الوجه الرابع:
أنه لو لم ينص على أن العرايا لم يرخص في غيرها، فإنه لا ينبغي القياس عليها، لأن العرية رخصة، والرخص يأتي استثناؤها بدليل خاص بما يخالف الأصل والحكم العام، فالأصل أن الشارع نهى عن بيع الرطب بالتمر، خالفنا ذلك في العرايا بدليل خاص، وبقي ما عداها على المنع.
(ح-777) فقد روى البخاري، ومسلم من طريق يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار.
عن سهل بن أبي حثمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمر بالتمر ورخص في العرية... [60].
فإذا جعلنا العرية أصلاً يقاس عليه لم تكن العرية رخصة. وقد ذهب عامة الحنفية، وهو مذهب المالكية، ونص الشافعي في الرسالة إلى أن الرخص لا يقاس عليها.
قال الشافعي في الرسالة: «فما الخبر الذي لا يقاس عليه؟ قلت: ما كان لله فيه حكم منصوص، ثم كانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة بتخفيف في بعض الفرض دون بعض، عمل بالرخصة فيما رخص فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون ما سواها، ولم يقس ما سواها عليها، وهكذا ما كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حكم عام بشيء، ثم سن فيه سنة تفارق حكم العام »[61].
وقال أيضاً: «فما مثل هذا في السنة؟ قلت: نهى رسول الله عن بيع التمر بالتمر إلا مثلاً بمثل، وسئل عن الرطب بالتمر، فقال: أينقص الرطب إذا يبس؟ فقيل: نعم فنهى عنه، ونهى عن المزابنة وهي كل ما عرف كيله مما فيه الربا من الجنس الواحد بجزاف لا يعرف كيله منه، وهذا كله مجتمع المعاني ورخص أن تباع العرايا بخرصها تمرا يأكلها أهلها رطباً، فرخصنا بالعرايا بإرخاصه... فأثبتنا التحريم محرماً عاماً في كل شيء من صنف واحد مأكول، بعضه جزاف، وبعضه بكيل للمزابنة، وأحللنا العرايا خاصة بإحلاله من الجملة التي حرم، ولم نبطل أحد الخبرين بالآخر، ولم نجعله قياساً عليه» [62].
الوجه الخامس:
أن الشارع لم يأذن بالفاضل المتيقن في العرايا، وإنما سوغ الشارع المساواة بالخرص من أهل الخبرة بالخرص في مقدار قليل تدعو إليه الحاجة، وهو قدر النصاب خمسة أوسق فما دون، والخرص معيار شرعي للتقدير في أمور كثيرة منها الزكاة، بينما أنتم في بيع الحلي بجنسه متفاضلاً قد أذنتم بيقين التفاضل مطلقاً لجميع الناس، وفي القليل والكثير، ومع الحاجة وبدونها، فاختلف حكم المقيس عن حكم المقيس عليه، فلم يصح القياس.
الدليل الرابع:
أن الناس على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا يتخذون الحلية وكان النساء يلبسنها، وكن يتصدقن بها في الأعياد وغيرها، والمعلوم بالضرورة أنه كان يعطيها للمحاويج، ويعلم أنهم يبيعونها، ومعلوم قطعاً أنها لا تباع بوزنها، فإنه سفه، ومعلوم أن مثل الحلقة والخاتم والفتخة لا تساوي ديناراً، ولم يكن عندهم فلوس يتعاملون بها، وهم كانوا أتقى لله وأفقه في دينه وأعلم بمقاصد رسوله من أن يرتكبوا الحيل أو يعلموها للناس.
ويناقش:
القول بأنه لا يمكن أن تباع بوزنها، وأن مثل الحلقة لا تساوي ديناراً، فيقال: هناك ما هو أقل من الدينار عند الصحابة، هو القيراط، والدرهم.
(ح-778) فقد روى البخاري ومسلم في صحيحه قصة شراء النبي - صلى الله عليه وسلم - جمل جابر.
وفي رواية، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبلال: أعطه أوقية من ذهب، وزده، قال: فأعطاني أوقية من ذهب، وزادني قيراطاً[63].
والقيراط: هو جزء من أجزاء الدينار.
وكانت الفلوس موجودة في الصدر الأول.
(ث-134) فقد روى الإمام أحمد حدثنا يزيد، أخبرنا همام، عن قتادة، عن سعيد بن أبي الحسن.
عن عبد الله بن الصامت، قال: كنت مع أبي ذر، وقد خرج عطاؤه معه، ومعه جارية له، فجعلت تقضي حوائجه، وقال مرة: نقضي. قال: ففضل معه فضل، قال: أحسبه، قال: سبع، قال: فأمرها أن تشتري بها فلوساً.... [64].
( إسناده صحيح)[65].
وأما الدليل على وجود الفلوس في زمن التابعين.
(ح-779) ما رواه ابن خزيمة في صحيحه من طريق محمد بن إسحاق، قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب.
عن مرثد بن عبد الله المزني، قال: كان أول أهل مصر يروح إلى المسجد، وما رأيته داخلاً المسجد قط إلا وفي كمه صدقة، إما فلوس، وإما خبز، وإما قمح، حتى ربما رأيت البصل يحمله، قال: فأقول يا أبا الخير إن هذا ينتن ثيابك، فقال فيقول: يا ابن حبيب، إما أني لم أجد في البيت شيئاً أتصدق به غيره، إنه حدثني رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ظل المؤمن يوم القيامة صدقته[66].
(إسناده حسن)[67].
(ث -135) وروى ابن أبي شيبة في المصنف من طريق جعفر ابن برقان، قال:
سألت الزهري عن رجل يشتري الفلوس بالدراهم، هل هو صرف؟ قال: نعم، فلا تفارقه حتى تستوفيه.
(إسناده صحيح)[68].
وعلى فرض أن تكون الفلوس غير موجودة، فإنه يمكن أن تشترى حلية الذهب بالدراهم، وحلية الفضة بالدينار، فإن لم يكن اشتريت بالعروض، وهل يعقل أن تكون المسألة بهذه العسر، وابن عمر - رضي الله عنه - يقول للصائغ: (هذا عهد نبينا إلينا وعهدنا إليكم).
الدليل الخامس:
قال ابن تيمية: «لا يعرف عن الصحابة أنهم أمروا في مثل هذا أن يباع بوزنه، وإنما كان النزاع في الصرف، والدرهم بالدرهمين، فكان ابن عباس يبيح ذلك، وأنكره عليه أبو سعيد وغيره، والمنقول عن عمر إنما هو في الصرف»[69].
ويناقش:
هذا القول مردود بالأحاديث الخاصة، والتي هي نص في الموضوع، فحديث القلادة لم يضعفه ابن تيمية وابن القيم، ولم يخرجا منه بجواب مقنع، بل كان جوابهما حجة عليهما حيث اعتبروا ما في القلادة مالاً ربوياً مع أنهم يرون أن الحلية سلعة من السلع.
وحديث ابن عمر في موطأ مالك، وسنن النسائي صريح في الباب، لأن السائل كان من الصاغة، وهو مرفوع، وليس موقوفاً على ابن عمر حتى يعارض برأي معاوية. وحديث عبادة وإنكاره على معاوية في صحيح مسلم. وحكي الإجماع عليه إلا خلافاً يروى عن معاوية، وليس صريحاً في الباب، فكيف يقال بعد ذلك إن المسألة لا تعرف عن الصحابة.
الدليل السادس:
قال ابن تيمية: «تحريم ربا الفضل إنما كان لسد الذريعة، وما حرم لسد الذريعة أبيح للمصلحة الراجحة، كالصلاة بعد الفجر والعصر لما نهي عنها لئلا يتشبه بالكفار الذي يعبدون الشمس، ويسجدون للشيطان أبيح للمصلحة الراجحة، فأبيح صلاة الجنازة، والإعادة مع الإمام.... وكذلك ركعتا الطواف، وكذلك على الصحيح ذوات الأسباب.... وكذلك النظر للأجنبية لما حرم سداً للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة، كما أبيح للخطاب وغيره، وكذلك بيع الربوي بجنسه لما أمر فيه بالكيل والوزن لسد الذريعة أبيح بالخرص عند الحاجة، وغير ذلك كثير في الشريعة.
كذلك هنا: بيع الفضة بالفضة متفاضلاً لما نهي عنه في الأثمان لئلا يفضي إلى ربا النساء الذي هو الربا، فنهي عنه لسد الذريعة، كان مباحاً إذا احتيج إليه للمصلحة الراجحة، وبيع المصوغ مما يحتاج إليه، ولا يمكن بيعه بوزنه من الأثمان، فوجب أن يجوز بيعه بما يقوم به من الأثمان، وإن كان الثمن أكثر منه تكون الزيادة في مقابلة الصنعة»[70].
ويناقش:
مدار هذا الدليل على أن تحريم ربا الفضل إنما كان لسد الذريعة، وما حرم لسد الذريعة أبيح للمصلحة الراجحة.
هذا القول قاله ابن تيمية عليه رحمة الله تفقهاً وفهماً، وليس هناك نص من الشارع بأن ربا الفضل تحريمه من باب تحريم الوسائل، وسد الذرائع، ولو تأمل الباحث في النصوص الواردة في ربا الفضل لم يجد ما يدعم هذا الفهم. والفهم غير معصوم، فإذا جاء النص من الشارع على أن المنع إنما كان من باب سد الذرائع سلم الباحث ذلك بلا نزاع، كما في قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ [الأنعام: 108]. فهنا نص الشارع على أن النهي عن سب الأصنام حتى لا يفضي ذلك إلى مفسدة أكبر، وهي سب الذات الإلهية تنزه ربنا وتقدس.
فإذا تأملت نصوص ربا الفضل وجدت أن تحريمه تحريم مقاصد، وأنه محرم تحريم أصالة، وليس محرماً لغيره.
(ح-780) لما رواه البخاري، ومسلم من طريق معاوية بن سلام، عن يحيى بن أبي كثير، قال: سمعت عقبة بن عبد الغافر.
أنه سمع أبا سعيد الخدري - رضي الله عنه -، قال: جاء بلال بتمر برني، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: من أين هذا؟ قال بلال: كان عندنا تمر ردي، فبعت منه صاعين بصاع لمطعم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك: أوه أوه عين الربا عين الربا، لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر، ثم اشتره به[71].
فقوله - صلى الله عليه وسلم -: (عين الربا) وتكرار ذلك، وقوله (لا تفعل) كل ذلك يدل صراحة على أن ربا الفضل تحريمه تحريم مقاصد، وليس تحريمه من باب الوسائل، كما قال بعض أهل العلم والفضل.
قال القاضي عياض في إكمال المعلم: «قوله (عين الربا) أي هو الربا المحرم نفسه من الزيادة، لا ما يشبهه ويغامر عليه»[72].
وقال الحافظ في الفتح: «مراده بعين الربا: نفسه »[73].
وقال العيني في عمدة القارئ: «أي هذا البيع نفس الربا حقيقة »[74].
وقال النووي في شرحه لصحيح مسلم: «أوه عين الربا. قال أهل اللغة: هي كلمة توجع وتحزن، ومعنى عين الربا: أنه حقيقة الربا المحرم»[75].
وفي حاشية السندي على النسائي: «أي هذا العقد نفس الربا الممنوعة، لا نظيرها وما فيه شبهتها »[76].
وقال - صلى الله عليه وسلم - عن ربا الفضل كما في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري: (ويلك أربيت) [77].
وقال - صلى الله عليه وسلم - أيضاً كما في حديث أبي هريرة في مسلم (من زاد أو استزاد فقد أربى) [78].
ومن حديث أبي سعيد الخدري في مسلم: من زاد أو استزاد، فقد أربى، الآخذ والمعطي سواء[79].
فإذا كان ربا الفضل هو عين الربا، ومن وقع فيه فقد أربى، والربا له حقيقة شرعية، فإذا قيل: هذا عين الربا لم يكن لمسلم أن يقول: إن ربا الفضل ليس تحريمه تحريم مقاصد.
وكون ربا النسيئة أشد تحريما من ربا الفضل لا يعني أن ربا الفضل ليس من الكبائر، فإنه داخل في جنس الربا وعمومه، ولا يعني أيضاً أن تحريمه من باب سد الذرائع، وآيات وأحاديث الوعيد التي وردت في الربا تصدق على ربا الفضل كما تصدق على ربا النسيئة، لأن الشرع أطلق عليه أنه ربا، وأنه عينه وذاته ونفسه.
وكون العرايا استثنيت منه فلا يعني ذلك أبداً أن تحريمه من باب تحريم الوسائل؛ لأن إباحة بيع الرطب بالتمر إنما خص ذلك بالرطب لكونه قوت الناس وطعامهم، والشارع لم يأذن بالفاضل المتيقن في العرايا، وإنما سوغ الشارع المساواة بالخرص من أهل الخبرة بالخرص في مقدار قليل تدعو إليه الحاجة، وهو قدر النصاب خمسة أوسق فما دون، والخرص معيار شرعي للتقدير في أمور كثيرة منها الزكاة، والمالكية يجيزون العمل بالتحري في بيع كثير من الأموال الربوية بعضها ببعض حتى ولو لم تكن من العرايا.
قال الباجي: «وبدل الدنانير بالدنانير، والدراهم بالدراهم على وجهين:
أحدهما وزناً، والثاني: عدداً. فأما الوزن فلا يجوز فيه إلا التساوي، ولا يجوز فيه زيادة على وجه معروف، ولا بمسامحة..... وأما المبادلة بالعدد فإنه يجوز ذلك وإن كان بعضها أوزن من بعض في الدينار والدينارين على سبيل المعروف والتفضل، وليس ذلك من التفاضل؛ لأنهما لم يبنيا على الوزن، ولهذا النوع من المال تقديران: الوزن والعدد، فإن كان الوزن أخص به، أولى فيه إلا أن العدد معروف، فإذا عمل به على العدد جوز يسير الوزن زيادة على سبيل المعروف ما لم يكن في ذلك وجه من المكايسة والمغابنة، فيمنع منه. وهذا عندنا مبني على مسألة العرية، وذلك أن العرية لما كان للثمرة تقديران: أحدهما: الكيل، والآخر الخرص، والتحري، جاز العدول عن أولهما إلى الثاني للضرورة على وجه المعروف، فكذلك الدنانير والدراهم»[80].
والاستثناء من المحرم لا يعني أبداً أن تحريمه ليس تحريم مقاصد، فالشرك أعظم المحرمات، ومع ذلك يباح إذا خاف الإنسان على نفسه.
واستدل بعضهم على أن ربا الفضل من باب المحرمات لغيره.
(ح-781) بما رواه أحمد من طريق أبي جناب عن أبيه.
عن ابن عمر - رضي الله عنه -ما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تبيعوا الدينار بالدينارين، ولا الدرهم بالدرهمين، ولا الصاع بالصاعين، فإني أخاف عليكم الرماء، والرماء هو الربا، فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله، أرأيت الرجل يبيع الفرس بالأفراس والنجيبة بالإبل؟ قال: لا بأس إذا كان يداً بيد [81].
(ضعيف، ولفظة ( إني أخاف عليكم الرماء) رواها ابن عمر تارة موقوفة عليه، وتارة عن عمر موقوفاً عليه) [82].
وجه الاستدلال:
أخذ بعض أهل العلم من قوله - صلى الله عليه وسلم - ( إني أخاف عليكم الرماء ) أن تحريمه من باب تحريم الوسائل، لكونه يفضي إلى ربا النسيئة.
ويجاب من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول:
أن قوله: (إني أخاف عليكم الرماء أي (الربا) دليل على أن من فعل ذلك وقع في الربا لا أن من فعل ذلك يخاف عليه أن يقع في الربا.
الوجه الثاني:
أن الحديث ضعيف، ولفظة ( إني أخاف عليكم الرماء ) الصحيح أنها لا تثبت مرفوعة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما هي موقوفة على عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وقد سبق تخريج هذا الأثر ولله الحمد.
الوجه الثالث:
على القول بأن كلام عمر - رضي الله عنه - حجة، فإنه لا يعارض به كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من زاد أو استزاد فقد أربى، وقال: ويلك أربيت، وتوجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من هذا الفعل قائلاً: أوه أوه عين الربا. وكل هذه الألفاظ في الصحيح، وقد سبق تخريجها قبل قليل، فكيف تعارض هذه الأحاديث بكلمة ليست صريحة من عمر - رضي الله عنه.
الدليل السابع:
المعاوضة إذا جازت على هذه الصياغة مفردة جازت عليها مضمومة إلى غير أصلها وجوهرها، ولا فرق بينهما في ذلك[83].
فإذا كان يسوغ لصاحب الذهب أن يذهب إلى الصائغ، ويستأجره على الصياغة منفردة، ويعطيه أجره على عمله، جاز أن تكون أجرة الصياغة مضمومة إلى مبادلة الذهب بالذهب.
المناقشة:
ليس كل عقد جاز منفرداً جاز مضموماً إلى غيره، فهذا عقد القرض جائز بالإجماع، وعقد البيع جائز بالإجماع، وإذا باعه بشرط أن يقرضه حرم ذلك بالإجماع.
(ح-782) لما رواه أبو داود الطيالسي من طريق حماد بن زيد، عن أيوب، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه.
عن عبد الله بن عمرو، قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن سلف وبيع، وعن شرطين في بيع، وعن بيع ما ليس عندك، وعن ربح ما لم يضمن[84].
(إسناده حسن) [85].
والمراد بالسلف: هو القرض في لغة الحجاز، فنهى عن الجمع بين البيع والقرض، وإنما نهى عن الجمع بين البيع والقرض وإن كان كل واحد منهما صحيحاً بانفراده لأنه ربما حاباه في البيع لأجل القرض، فيؤدي إلى أن يجر القرض نفعاً للمقرض، فلما كانت الفائدة على القرض ربما تستتر بعقد البيع نهى عنها الشارع.
قال ابن تيمية: «نهى - يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجمع الرجل بين سلف وبيع، وهو حديث صحيح, ومعلوم أنه لو أفرد أحدهما عن الآخر صح, وإنما ذاك ; لأن اقتران أحدهما بالآخر ذريعة إلى أن يقرضه ألفاً، ويبيعه ثمانمائة بألف أخرى، فيكون قد أعطاه ألفاً، وسلعة بثمانمائة، ليأخذ منه ألفين، وهذا هو معنى الربا»[86].
وقد حكى الإجماع غير واحد من أهل العلم على تحريم اشتراط البيع مع عقد القرض.
قال الباجي في المنتقى: «لا يحل بيع وسلف، وأجمع الفقهاء على المنع من ذلك...» [87].
قال القرافي: «وبإجماع الأمة على جواز البيع والسلف مفترقين، وتحريمهما مجتمعين لذريعة الربا »[88].
وقال في مواهب الجليل: «واعلم أنه لا خلاف في المنع من صريح بيع وسلف »[89].
وقال الزركشي في البحر المحيط: «وبالإجماع على جواز البيع والسلف مفترقين، وتحريمهما مجتمعين للذريعة إليها »[90].
كما حكى الإجماع على التحريم ابن قدامة في المغني[91] وغيرهم.
الدليل الثامن:
الذهب والفضة في هذا العصر لم يعودا أثماناً، ولا علاقة لهما بالنقود، فعلة الثمنية قد زالت عنهما، وصارا سلعة كباقي السلع، لا يجري فيهما أحكام الربا ؛ لأن العلة هي مناط الحكم، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً [92].
ويناقش:
بأن صاحب هذا القول يريد أن يذهب إلى أوسع من مبادلة الحلي بجنسه متفاضلاً، بل يريد أن يذهب إلى جواز مبادلة الذهب بالذهب مع التفاضل، ومبادلة الفضة بالفضة مع التفاضل. وقد بينت فيما سبق أن جريان الربا في الذهب والفضة ثابت بالنص، وكون العلة فيهما هي الثمنية أمر مستنبط مختلف فيه، وقد نص العلماء على أن العلة المستنبطة لا يمكن أن تعود على الحكم بالإبطال، لأن النص دلالته قطعية وهي دلالتها ظنية، والله أعلم.
ولأن الربا يجري في سبائك الذهب والفضة مع أنهما في حال كونهما سبائك لا تعتبر من الأثمان.
الدليل التاسع:
إذا كان أرباب الحيل يجيزون بيع عشرة بخمسة عشر في خرقة تساوي فلساً، فيجعلون العشرة دراهم في مقابل العشرة، ويقولون الخمسة في مقابلة الخرقة، فكيف ينكرون بيع الحلية بوزنها وزيادة تساوي الصناعة، وكيف تأتي الشريعة الكاملة الفاضلة التي بهرت العقول حكمة وعدلا ورحمة وجلالة بإباحة هذا وتحريم ذلك وهل هذا إلا عكس للمعقول والفطر[93].
ويناقش:
بأن هذا القول قد قال به أبو حنيفة، وضعفه ظاهر، وهو يفتح باب التحايل على الربا، ولكن هذا القول الضعيف ليس مسوغاً للقول بجواز بيع الحلي بجنسه متفاضلاً. ولم يكن من أدلة الشرع أبداً لا المتفق عليها، ولا المختلف فيها أن نبحث عن الأقوال الأشد ضعفاً ونسوقها كأدلة على مسألة أخرى هي أخف ضعفاً، وهذا الأسلوب كثيراً ما يصنعه ابن حزم، عفا الله عن الجميع. بل يسعنا أن نقول بتحريم التحايل على الربا في مسألة مد عجوة ودرهم، وفي الوقت نفسه نقول بتحريم بيع الحلي بجنسه متفاضلاً لمخالفته الأدلة الصحيحة الصريحة.
الدليل العاشر:
الصياغة لها قيمة مالية مقصودة في حكم الشرع، وهي متقومة في حال التلف وغيره، فإذا أتلف إنسان بتعد منه أو تفريط حلياً ضمنه بوزنه مع قيمة صياغته، فإذا جاز ذلك في باب الضمان جاز ذلك في بيعه بجنسه مضافاً له قيمة الصياغة[94].
ويناقش:
لا يلزم من القول بجواز الضمان القول بجواز البيع، فمن أتلف حراً أو أتلف منافعه لزمه ديته وقيمة تلك المنافع، ولو باع حراً لم يصح البيع، بل ربما صح اعتبار قيمة الشيء في البيع، ولم يصح اعتبار تلك القيمة في المبادلات الربوية، فهذا التمر الجيد إذا باعه بالأثمان، وأخذ قيمة الجودة جاز ذلك بلا نزاع، وإذا بادل التمر الجيد بالرديء حرم بالإجماع أخذ قيمة الجودة.
الترجيح:
بعد استعراض الأقوال والأدلة أجد أن القول بجواز بيع الحلي بجنسه متفاضلاً هو قول ضعيف، ولكن استتر ضعفه حين تبنى هذا القول رجل بقوة ابن تيمية وابن القيم، ولذلك تجد القول القوي يضعف حين يحتج له رجل ضعيف علمياً بينما تجد القول الضعيف يستتر ضعفه إذا تبناه رجل بمثل ابن تيمية وابن القيم، وقد رزقهما الله قوة في الحجة والبيان، وأرجو أن أكون قد وفقت في كشف غموض هذه المسألة والتي اختلف فيها بعض أهل العلم في عصرنا بين مجيز ومانع، والله أسأل أن يجعل العمل خالصاً لوجهه، على سنة رسول - صلى الله عليه وسلم.
[1] شرح السير الكبير (4/1302).
[2] المغني (4/29).
[3] كشاف القناع (4/108).
[4] فتح الباري (4/380)، شرح النووي على صحيح مسلم (11/10)، عمدة القارئ (11/294)، المبسوط (14/11)، الفتاوى الهندية (3/220)، البحر الرائق (6/141)، بدائع الصنائع (2/20)، اللباب في الجمع بين السنة والكتاب (2/495)، شرح معاني الآثار (4/72)، الفروق (3/264)، المنتقى (4/258)، كشاف القناع (3/261)، الكافي في فقه الإمام أحمد (2/55)، المغني (4/97).
[5] شرح النووي على صحيح مسلم (11/10)، وإدخاله الحلي في الأمور المجمع عليها فيه نظر كما سيأتي تحريره إن شاء الله تعالى.
[6] صحيح البخاري (1312)، ومسلم (1594).
[7] سنن أبي داود (1627) ورجاله كلهم ثقات.
وقد أخرجه النسائي في المجتبى (4564)، وفي السنن الكبرى (6156)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/4)، والبيهقي في السنن الكبرى (5/277، 291)، وابن عبد البر في التمهيد (2/246-247)، (6/297) من طريق أبي الخليل.
وأخرجه النسائي في المجتبى (4563) وفي الكبرى (6155) والطبري في تهذيب الآثار (2/746) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/4) من طريق قتادة، كلاهما عن مسلم بن يسار به.
وقد تابع أبو أسماء الرحبي مسلم بن يسار، رواه الدارقطني (3/18) من طريق همام عن قتادة، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء الرحبي، عن أبي الأشعث الصنعاني به. وسنده صحيح.
قال قتادة: وحدثني صالح أبو الخليل، عن مسلم المكي... فذكر طريق مسلم بن يسار المكي. فصار قتادة له فيه شيخان.
لكن رواه مسلم (1587) من طريق أيوب وخالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث مباشرة، ولفظه: الذهب بالذهب والفضة بالفضة... مثلاً بمثل، سواء بسواء، ولم يذكر تبرها وعينها.
[8] يقول ابن القيم في إعلام الموقعين (2/159): «المصوغ والحلية إن كانت صياغته محرمة كالآنية حرم بيعه بجنسه، وبغير جنسه، وبيع هذا هو الذي أنكره عبادة على معاوية، فإنه يتضمن مقابلة الصياغة المحرمة بالأثمان، وهذا لا يجوز كآلات الملاهي...». وانظر تفسير آيات أشكلت (2/622).
[9] عمدة القارئ (11/294)، المبسوط (14/11)، الفتاوى الهندية (3/220)، البحر الرائق (6/141)، بدائع الصنائع (2/20)، اللباب في الجمع بين السنة والكتاب (2/495)، شرح معاني الآثار (4/72)، الجامع لأحكام القرآن (3/349-350)، المنتقى للباجي (4/258)، التمهيد (2/242)، منح الجليل (4/503)، القبس (2/820)، إكمال المعلم (5/275)، مواهب الجليل (4/317)، الخرشي (5/43)، شرح النووي على صحيح مسلم (11/10)، فتح الباري (4/380)، أسنى المطالب (2/22)، كشاف القناع (3/261)، الكافي في فقه الإمام أحمد (2/55)، المغني (4/97).
[10] أضواء البيان (1/180).
[11] فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (7/174).
[12] فتاوى إسلامية للمشايخ ابن باز وابن عثيمين، وابن جبرين (2/263).
[13] فتاوى الحرم (3/196)، فتاوى الشيخ محمد الصالح العثيمين (2/221،222).
[14] قرارات هيئة كبار العلماء في السعودية، القرار (168)، فقرة (2) بتاريخ 4/3/1411هـ. ونصه: «يرى المجلس بالأكثرية وجوب التماثل في بيع المصوغ من الذهب إذا بيع بذهب غير مصوغ، وكذا المصوغ من الفضة إذا بيع بفضة غير مصوغة من غير زيادة مع أحدهما ».
[15] فتاوى اللجنة الدائمة (13/500).
[16] قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم، 84 (1/9).
[17] الاستذكار (19/192-193).
[18] الفتاوى الكبرى (5/391)، إعلام الموقعين (2/159)، الفروع (4/149)، وذكره في الإنصاف (5/14)، وقال: وعمل الناس عليه.
وذكرت هذه المسألة ضمن المسائل التي انفرد بها ابن تيمية عن الأئمة الأربعة. انظر الفتاوى الكبرى (4/161). وهناك قول آخر لابن تيمية يوافق فيه قول الجمهور، جاء في مجموع الفتاوى (29/464): «وإذا بيعت الفضة المصنوعة بفضة أكثر منها لأجل الصنعة لم يجز». والمشهور عنه القول بالجواز.
[19] الذهب في بعض خصائصه وأحكامه – الشيخ ابن منيع – بحث منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي (9/1/93-94).
[20] الحجة (2/619)، وجاء في الفتاوى الهندية (3/118): «قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: لا بأس بالخبز قرص بقرصين يداً بيد، وإن تفاوتا كبراً ». ومذهب الحنفية صريح في مسألتنا هذه، والسبب في ذهابهم إلى جواز التفاضل في الخبز أن الكيل أو الوزن علة في جريان الربا، فإذا خرج الشيء من كونه مكيلاً أو موزوناً لم توجد العلة التي من أجلها حرم التفاضل عندهم، بخلاف الحلي فإن علة الربا باقية، وهي الجنس مع الوزن، وبالتالي التخريج على مذهب الحنفية تخريج ضعيف.
[21] صريح مذهب مالك أنه لا يجوز مبادلة الذهب بالحلي إلا مثلاً بمثل، ولا يجوز أخذ زيادة في مقابل الصنعة، انظر التمهيد (2/242)، الاستذكار (19/192).
وقال ابن رشد ( الجد ) أبو الوليد في البيان والتحصيل (6/444): «لم يجز مالك ولا أحد من الصحابة شراء حلي الذهب أو الفضة بوزن الذهب أو الفضة وزيادة قدر الصياغة، وإن كان معاوية يجيز تبر الذهب بالدنانير متفاضلاً، والصوغ من الذهب بالذهب متفاضلاً لا ضرورة في ذلك، فيرى ما فيه فوراً، والله أعلم ».
وقال القاضي عبد الوهاب البغدادي في المعونة (2/1022): «والتفاضل ممنوع في بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة على أي صفة كانا أو أحدهما من نقار، أو مضروب، أو مصوغ، أو مكسور، أو جيد، أو رديء، فلا يجوز إلا مثلاً بمثل، ووزناً بوزن».
وقال ابن عبد البر في الكافي (ص: 308): «ولا يجوز حلي ذهب بوزنه ذهباً، على أن يعطيه أجرة صياغته...». وانظر مواهب الجليل (4/317).
ومن نسب القول إلى مالك في مسألة الحلي التبس عليه ذلك بسبب قوله في مسألتين:
الأولى: كون الإمام مالك أوجب على من أتلف ذهباً مصوغاً بأن يرد مثل الذهب وقيمة الصياغة. فقاس مسألة المعاوضات على قوله في الإتلاف، وقوله ليس واحداً فيهما. فحالة الإتلاف غير حالة البيع. انظر قول مالك في الإتلاف: المدونة (5/364)، الذخيرة (8/321).
الثانية: في الرجل يريد السفر، ومعه تبر، فيأتي لأهل دار الضرب ليضربوا له ذهبه سكة، فيشق عليه الانتظار، ويخشى من فوات الرفقة، فيأخذ منهم زنته مضروباً جاهزاً، ويدفع لهم أجرة الضرب.
فعن مالك في هذه المسألة قولان: الأولى، أجازه مالك للمسافر لحاجته إلى الرحيل، وظاهره وإن لم تشتد. وبه أخذ ابن القاسم.
الثانية: المنع ولو اشتدت الحاجة ما لم يخف على نفسه الهلاك، ورجحه ابن وهب، وابن رشد، وعيسى بن دينار، وخليل في مختصره. قال في الشرح الكبير (3/34): والمعتمد الأول. وانظر الخرشي (5/43)، الفواكه الدواني (2/74)، التمهيد (2/247).
قال أبو الوليد الجد في كتابه التحصيل (6/443): «نقل عن مالك رحمه الله أنه كان يعمل به في زمن بني أمية، لأنها كانت سكة واحدة، والتجار كثير، والناس مجتازون، والأسواق متقاربة، فلو جلس كل واحد حتى يضرب ذهب صاحبه فاتت الأسواق، فلا أرى بذلك بأساً، فأما اليوم فإن الذهب يغش، وقد صار لكل مكان سكة تضرب، فلا أرى ذلك يصلح، وإلى هذا ذهب ابن المواز من رأيه أن ذلك لا يجوز اليوم ؛ لأن الضرورة ارتفعت، وقال سحنون: لا خير فيه، وإليه ذهب ابن حبيب، وحكي أنه سأل عن ذلك من لقي من المدنيين فلم يرخصوا فيه على حال».
ومعلوم أن مالك إنما أجاز هذه المسألة للمسافر، فلا يشمل المقيم، ولمشقة الانحباس عن السفر، وفوات الرفقة، وأن المبادلة لم يقصد بها المعاوضة والتكسب، فإنه لو انتظر حتى ضرب تبره، ودفع أجرة الضرب جاز بلا خلاف، فنظر مالك إلى المآل، وركب عليه حكم الحال نظراً للحاجة. فأين هذه من مسألة بيع الحلي بالذهب، وأخذ قيمة الصياغة مطلقاً للمسافر والمقيم، عند الضرورة وغيرها. ولذلك لم يختلف أصحابه في المنع من بيع الحلي بالذهب ودفع قيمة الصياغة.
[22] الاختيارات (ص: 112).
[23] صحيح مسلم (1584).
[24] صحيح مسلم (1587).
[25] صحيح البخاري (2177)، ومسلم (1584).
[26] صحيح مسلم (1588).
[27] صحيح البخاري (2175)، ورواه مسلم بنحوه (1590).
[28] صحيح مسلم (1585).
[29] صحيح مسلم (1591).
[30] رواه اثنان عن فضالة بن عبيد، حنش الصنعاني، وعلي بن رباح اللخمي، وإليك بيان طرقهم:
الأول: حنش الصنعاني، واختلف عليه في لفظه:
رواه عنه خالد بن أبي عمران، واختلف عليه:
فرواه أحمد (6/21)، ومسلم (1591) والترمذي (1255)، والنسائي في المجتبى (4573، 4574)، وفي الكبرى (6165، 6166)، والطبراني في المعجم الكبير (18/302) رقم: 774، والطحاوي في مشكل الآثار (6094) وفي شرح معاني الآثار (4/71) من طريق الليث بن سعد، عن أبي شجاع سعيد بن يزيد، عن خالد بن أبي عمران، عن حنش الصنعاني، عن فضالة، بلفظ: (اشتريت يوم خيبر قلادة فيها ذهب وخرز باثني عشر ديناراً ففصلتها فوجدت فيها أكثر من اثني عشر ديناراً فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لا تباع حتى تفصل).
وخالفه ابن المبارك، فأخرجه أبو داود الطيالسي (1101) من طريق ابن المبارك، عن أبي شجاع سعيد بن يزيد به، بلفظ: ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتي بقلادة فيها خرز معلقة بذهب، فاشتراها رجل بسبعة أو تسعة دنانير، فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: لا حتى يميز بينه وبينه ).
ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (36448، 20185) ومن طريقه أبو داود (3351) وأبو بكر الشيباني في الآحاد والمثاني (211) والطبراني في المعجم الكبير (18/302) 775، والطحاوي في مشكل الآثار (6096)، وفي شرح معاني الآثار (4/72).
و هو في مسلم (1591) من طريق ابن أبي شيبة، ولم يذكر متنه.
ورواه أبو داود (3351) والدارقطني في سننه (3/3) عن أحمد بن منيع.
وأبو بكر الشيباني في الآحاد والمثاني (2111) عن سليمان بن داود.
والدارقطني في سننه (3/3) من طريق محمد بن بكار، وشجاع بن مخلد.
والبيهقي في السنن الكبرى (5/293) وفي معرفة السنن والآثار (4/308) من طريق الحسن بن عرفة، ستتهم، عن عبد الله بن المبارك به. وزادوا في المتن ( إنما أردت الحجارة فقال: لا حتى تميز بينهما ).
ورواه أبو داود (3351) عن محمد بن عيسى، عن ابن المبارك به، وقال: أردت التجارة، بدلاً من قوله ( الحجارة ) قال أبو داود: وكان في كتابه الحجارة، فغيره، فقال: التجارة.
وأخرجه الترمذي (1255) عن قتيبة، عن ابن المبارك به، ولم يذكر متنه.
هذه وجوه الاختلاف على أبي شجاع سعيد بن يزيد، عن خالد بن أبي عمران، عن حنش الصنعاني.
فالليث يرويه عن أبي شجاع، ويذكر أن الثمن اثنا عشر ديناراً جزماً بدون شك.
وابن المبارك يذكر أن الثمن سبعة، أو تسعة بالشك، وهما داخلان في قول الليث إلا أن الليث يزيد عليهما، فهل يصح أن يكون ما زاده الليث زيادة من ثقة مع عدم وجود مرجح بينهما.
وابن المبارك يزيد في الحديث، قول الراوي: (إنما أردت الحجارة) وهذه الزيادة لا يذكرها الليث بن سعد.
وابن المبارك والليث إمامان، فهل نقول: إن زيادة ابن المبارك زيادة من ثقة، يجب قبولها، وليس مع الليث بن سعد مرجح آخر من كثرة رواة، أو اختصاص بشيخ، حتى يحكم بشذوذها؟ أو نقول: نقبل ما اتفقا عليه من رواية الحديث دون ما انفرد به كل واحد منهما؟
كما أن هناك اختلافاً بينهما غير مؤثر في لفظ الحديث، فرواية الليث على البناء للمعلوم، قال: اشتريت يوم خيبر قلادة... فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ورواية ابن المبارك: أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام خيبر بقلادة فيها ذهب وخرز. على البناء للمجهول، وهذا لا ينبني عليه أي حكم، ولا يعد اختلافاً أصلاً. كما اتفقا على أن القلادة فيها ذهب وخرز.
وإن كنت أرجح أن الخلاف قد لا يكون منهما، فقد يكون هذا الاختلاف جاء من طبقة أعلى منهما، وأميل أن الاختلاف ربما جاء من حنش الصنعاني، والله أعلم.
فقد رواه الجلاح أبو كثير، عن حنش الصنعاني عن فضالة بن عبيد، قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر، نبايع اليهود: الوقية الذهب بالدينارين والثلاثة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزناً بوزن. وهذه ليس فيه أي إشارة للقلادة.
أخرجه أحمد (6/22)، ومسلم (1591)، وأبو داود (3353)، والبزار في مسنده (3757)، وأبو عوانة في مسنده (5417)، والبيهقي في السنن الكبرى (5/293)، وابن عبد البر في التمهيد (24/107) من طريق عبيد الله بن أبي جعفر، عن الجلاح به.
وهذه تخالف رواية الليث ورواية ابن المبارك، فليس فيها أي إشارة للقلادة، بل فيها النص على أن المبيع ذهب بذهب، ولم يذكر أن مع الذهب جنساً آخر، وليس فيه النهي عن البيع حتى تفصل. وأرى أن هذه الرواية شاذة مخالفة لرواية الليث بن سعد، ورواية ابن المبارك، وهما أحفظ من الجلاح، وما جاءنا في تعديل الجلاح هو أن الدارقطني قال فيه: لا بأس به. وذكره ابن حبان في الثقات، وقال فيه يزيد بن أبي حبيب الأزدي: كان رضياً. وقال ابن عبد البر: ثقة. انظر تهذيب التهذيب (2/108). وقال فيه الحافظ في التقريب: صدوق.
هذا كل ما وصلنا عنه، وأحاديثه معدودة، فأين منزلة هذا من الليث بن سعد، أو من عبد الله بن المبارك، أضف إلى ذلك أنه قد اختلف عليه.
فرواه عبيد الله بن أبي جعفر عن الجلاح كما سبق.
ورواه بكير بن عبد الله بن الأشج، عن جلاح، فخالف في لفظه، أخرجه أبو عوانة في مسنده (5371)، من طريق قدامة بن محمد، قال: حدثني مخرمة بن بكير، عن أبيه، قال: سمعت أبا كثير جلاح مولى ابن مروان يقول: سمعت حنش السبأي يقول: أردت أن أبتاع من فضالة بن عبيد قلادة من السهمان، فيها فصوص، ولؤلؤ، وفيها ذهب، وهي ثمن ألف دينار، قال: إن شئت سمتك، وإن شئت حدثتك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنا كنا يوم خيبر جعل على الغنائم سعد بن أبي وقاص، أو سعد ابن عبادة، فأرادوا أن يبيعوا الدينار بالثلاثة، والثلاثة بالخمسة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا، إلا مثقالا بمثقال.
واختصره الطبراني في المعجم الأوسط (6473) من طريق قدامة بن محمد به، وقال: لم يرو هذا الحديث عن بكير بن عبد الله إلا مخرمة، تفرد به قدامة بن محمد. وذكره ابن عبد البر في التمهيد (24/106) وابن بشكوال في غوامض الأسماء المبهمة (1/242)، وقال ابن عبد البر: وهذا إسناد صحيح متصل حسن.
ورواه عامر بن يحيى المعافري، عن حنش، أنه قال: كنا مع فضالة بن عبيد في غزوة، فطارت لي ولأصحابي قلادة فيها ذهب وورق، وجوهر، فأردت أن أشتريها، فسألت فضالة بن عبيد، فقال: انزع ذهبها فاجعله في كفة، ثم لا تأخذن إلا مثلاً بمثل، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأخذن إلا مثلاً بمثل.
وهذا الطريق أخرجه مسلم (1591)، والطحاوي في مشكل الآثار (6097)، وفي شرح معاني الآثار (4/74)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (18/302) رقم: 776، وأبوعوانة في مسنده (5374، 5413)، والبيهقي في السنن الكبرى (5/292)، وفي معرفة السنن والآثار (4/309)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (15/308)، والمزي في تهذيب الكمال (14/83).
وقد انفرد عامر بن يحيى المعافري هنا في هذا الحديث أن ما في القلادة ( ذهب وورق وجوهر)، وأن القصة حدثت لتابعي، وليست لفضالة، فالرواية هذه إن لم تكن شاذة، وهو الأظهر، فهي حادثة أخرى غير الحادثة التي جرت لفضالة. والأصل عدم تعدد الحوادث، وأن القصة واحدة. وبهذا أكون قد كشفت الخلاف على حنش الصنعاني في لفظه، وقد رواه غير حنش الصنعاني كما سيأتي في الطريق التالي.
الثاني: علي بن رباح اللخمي، عن فضالة.
أخرجه مسلم (1591) من طريق أبي هانئ الخولاني، أنه سمع علي بن رباح اللخمي يقول: سمعت فضالة بن عبيد الأنصاري يقول: أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بخيبر بقلادة فيها خرز وذهب، وهي من المغانم تباع، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده، ثم قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الذهب بالذهب وزنا بوزن.
ومن طريق أبي هاني الخولاني أخرجه أحمد (6/19)، وابن الجارود في المنتقى (654)، وأبو بكر الشيباني في الآحاد والمثاني (2113)، والطحاوي في مشكل الآثار (6098، 6099)، وفي شرح معاني الآثار (4/73)، والطبراني في المعجم الكبير (18/314) رقم 813، وأبو عوانة في مسنده (5412، 5372)، وسعيد بن منصور في سننه (2757)، والدارقطني في سننه (3/3)، والبيهقي في السنن الكبرى (5/292)، وفي معرفة السنن والآثار (4/309).
وأنت تلحظ أن علي بن رباح اللخمي مع ثقته لم يختلف عليه في الحديث، فأرى أن حديثه هو المحفوظ، وأما حنش الصنعاني فقد اختلف عليه اختلافاً كثيراً، فيقبل من روايته ما وافق رواية علي ابن رباح، وما خالفها، فهو مما اختلف عليه فيها فترد لشذوذها. هذا ما تقتضيه قواعد هذا الفن في معزل عن فقه الحديث، فإن الفقه قد يخطئ وقد يصيب، فلا يجب حمل الحديث على الفقه، والاعتقاد في فقه الحديث قبل بحثه يعتبر خطأ منهجياً في البحث العلمي، والله أعلم.
هذا فيما يتعلق بتخريج الحديث ولي وقفة أخرى مع فقه الحديث يأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى عند الكلام على مسألة مد عجوة ودرهم فانظره هناك، أسأل الله وحده عونه وتوفيقه.
[31] مجموع الفتاوى (29/453).
[32] سنن ابن ماجه ( 18 ) ومن طريق هشام بن عمار أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (390)،، وأبو بكر الشيباني في الآحاد والمثاني (1862).
ورواه البزار في مسنده (2735) من طريق هشام بن عمار به، دون ذكر قصة معاوية.
ورواه تمام في فوائده (832) من طريق هشام بالحديث المرفوع، وزاد فيه: وكتب عمر ابن الخطاب إلى معاوية: ألا لا إمرة لك على عبادة، واحمل الناس على ما قال، فإنه هو الأمر.
وأخرجه الحاكم في المستدرك (3/354) وابن عبد البر في التمهيد (4/86) من طريق محمد ابن مبارك الغوري، ثنا يحيى بن حمزة به. وليس فيه قول معاوية: ما أرى ا لربا في هذا إلا ما كان من نظرة.
[33] قال المزي في التحفة (4/256): قبيصة بن ذؤيب الخزاعي، عن عبادة بن الصامت، ولم يلقه.
وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/6): «أصله في الصحيحين من حديث عبادة سوى هذه القصة التي ذكرها، وصورته مرسل؛ لأن قبيصة لم يدرك القصة».
قلت: لم يخرج البخاري حديث عبادة في الربا، وله علة أخرى حيث انفرد بهذا هشام ابن عمار، وقد كبر فصار يتلقن.
قال الباجي في المنتقى (4/261-262): «ما ذهب إليه معاوية من بيع سقاية الذهب بأكثر من وزنها يحتمل أنه يرى في ذلك ما رآه ابن عباس من تجويز التفاضل في الذهب نقداً، ويحتمل أن يكون لا يرى ذلك، ولكنه جوز التفاضل بين المصوغ منه وغيره لمعنى الصياغة...».
[34] تفسير آيات أشكلت (2/622)، إعلام الموقعين (2/159).
[35] صحيح البخاري (5426)، وصحيح مسلم (2067).
[36] في البخاري (5632) ومسلم (2067) من طريق الحكم، عن ابن أبي ليلى، قال: كان حذيفة بالمدائن، فاستسقى، فأتاه دهقان بقدح فضة فرماه به... الحديث.
[37] الموطأ (2/634) من رواية يحيى الليثي.
[38] أخرجه الشافعي في مسنده (242) وفي الرسالة (446) دون ذكر عمر وفي السنن المأثورة (ص: 266) بتمامه، ومن طريق الشافعي أخرجه البيهقي في السنن (5/280).
وأخرجه النسائي في المجتبى (4572) وفي الكبرى (6164) من طريق قتيبة بن سعيد.
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (5/280) وفي معرفة السنن والآثار (4/293) من طريق القعنبي.
بلفظ: أن معاوية بن أبي سفيان باع سقاية من ذهب أو ورق. ولم يتطرق النسائي إلى ذكر عمر في الحديث.
وأخرجه أحمد في مسنده (6/448) عن يحيى بن سعيد، عن مالك بلفظ: أن معاوية اشترى سقاية من فضة بأقل من ثمنها أو أكثر، قال: فقال أبو الدرداء: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن مثل هذا إلا مثلاً بمثل. ولم يتطرق إلى ذكر عمر. وكونه باع أو اشترى ليس هناك اختلاف كبير من جهة الحكم.
ورواه محمد بن الحسن كما في روايته للموطأ (816) أخبرنا مالك، أخبرنا زيد بن أسلم، عن عطاء ابن يسار أو عن سليمان بن يسار بالشك. قال الدارقطني في العلل (6/208): والصواب عن عطاء بغير شك.
قال ابن عبد البر في التمهيد (4/71): «ظاهر هذا الحديث الانقطاع ؛ لأن عطاء لا أحفظ له سماعاً من أبي الدرداء، وما أظنه سمع منه شيئاً ؛ لأن أبا الدرداء توفي بالشام في خلافة عثمان لسنتين بقيتا من خلافته ذكر ذلك أبو زرعة، عن أبي مسهر، عن سعيد بن عبد العزيز... وقد روى عطاء ابن يسار، عن رجل من أهل مصر، عن أبي الدرداء حديث ( لهم البشرى ) وممكن أن يكون سمع عطاء بن يسار مع معاوية ؛ لأن معاوية توفي سنة 60.... ولكنه لم يشهد هذه القصة ؛ لأنها كانت في زمن عمر، وتوفي عمر سنة 23، أو أربع وعشرين من الهجرة ».
لا أرى وجهاً لبحث هل سمع عطاء من أبي الدرداء أو من معاوية أو لم يسمع، فهو لا يروي القصة عن واحد منهما، ولكنه يروي القصة مباشرة، وهو لم يشهدها؛ لأنه كما قال ابن عبد البر حدثت في زمن عمر - رضي الله عنه -، وعطاء إنما ولد سنة عشرين أو إحدى وعشرين على خلاف.
وقال ابن عبد البر كما في التمهيد (4/72): «هذه القصة لا يعرفها أهل العلم لأبي الدرداء إلا من حديث زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، وأنكرها بعضهم لأن شبيهاً بهذه القصة عرضت لمعاوية مع عبادة، وهي صحيحة معروفة مشهورة لعبادة مع معاوية من وجوه وطرق شتى، وحديث تحريم التفاضل في الورق بالورق، والذهب بالذهب لعبادة محفوظ عند أهل العلم، ولا أعلم أن أبا الدرداء روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصرف، ولا في بيع الذهب بالذهب، ولا الورق بالورق حديثاً، والله أعلم ».
[39] موطأ مالك (2/633).
[40] ومن طريق مالك أخرجه عبد الرزاق في المصنف (14574)، والشافعي في مسنده (ص: 238)، والنسائي في المجتبى (4568)، وفي السنن الكبرى (6161)، الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/66)، وفي مشكل الآثار (15/383)، وابن بشكوال في غوامض الأسماء المبهمة (1/298)، والبيهقي في السنن الكبرى (5/279، 292)، وفي معرفة السنن (4/292).
وقد رواه الشافعي في السنن المأثورة (ص: 266) أخبرنا سفيان – يعني ابن عيينة – عن وردان الرومي، أنه سأل ابن عمر، فقلت: إني رجل أصوغ الحلي، ثم أبيعه، فأستفضل قدر أجرتي، أو عمل يدي، فقال ابن عمر - رضي الله عنه -: الذهب بالذهب لا فضل بينهما، هذا عهد صاحبنا إلينا، وعهدنا إليكم.
قال المزني: قال الشافعي رحمه الله: يعني صاحبنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -.
ورواية مجاهد عن ابن عمر أرجح من رواية وردان الرومي عن ابن عمر، خاصة أن وردان الرومي لم يوثقه أحد، وقد ذكره ابن حبان في ثقاته، وسكت عليه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (9/36)، والبخاري في التاريخ الكبير (8/179). وفي التقريب مقبول. فرواية مالك أرجح من رواية الشافعي، على أنه يمكن الجمع بينهما، فتكون رواية وردان بقوله ( صاحبنا ) يعني نبينا كما جاء مفسراً ذلك في رواية مجاهد، وهذا أرجح من تفسير الإمام الشافعي عليه رحمة الله.
قال الزرقاني في شرح الموطأ (3/356): «قول الشافعي يعني به أباه عمر غلط على أصله؛ لأن صاحبنا مجمل، يحتمل أنه أراد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو الأظهر، ويحتمل أنه أراد عمر، فلما قال مجاهد، عن ابن عمر، عهد نبينا، فسر ما أجمل... ». والله أعلم.
[41] سبق تخريجه، انظر (ح759).
[42] في المطبوع ( نصر بن علي الجهضمي ) والتصحيح من التاريخ الكبير (7/155)، ومن الجرح والتعديل (8/470).
[43] في المطبوع ( ملكة بنت هانئ ) والتصحيح من التاريخ الكبير.
[44] المصنف (4/498) رقم 22503، وفيه نصر بن عائذ الجهضمي، قال الذهبي: نصر ابن عائذ الجهضمي، عن قيس بن رباح: مجهول. المغني في الضعفاء (2/696)، وانظر لسان الميزان (6/155).
[45] فيه قيس بن رباح الحداني لم يوثقه إلا ابن حبان. الثقات (10308). وذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (7/96)، وسكت عليه.
وقال البخاري في التاريخ الكبير (7/155): «قيس بن رباح الحداني البصري... قال محمد ابن المبارك سمع نصر بن عائذ الجهضمي، سمع قيس بن رباح الحداني، سمع مليكة بنت هانئ ابن أبي صفرة، ابنة أخي المهلب، سمعت عائشة: الفضة بالفضة وزناً بوزن.
كما في إسناده مليكة بنت هانئ لم أقف لها على ترجمة.
[46] إكمال المعلم (5/262).
[47] شرح النووي على صحيح مسلم (11/10)، وإدخاله الحلي في الأمور المجمع عليها فيه نظر كما سيأتي تحريره إن شاء الله تعالى.
[48] الكافي في فقه أهل المدينة (ص: 302)، وانظر التمهيد (4/83).
[49] الاستذكار (19/192).
[50] الإفصاح (1/212).
[51] الفتح (4/380).
[52] البخاري (2302، 2303).
[53] انظر تفسير آيات أشكلت (2/630)، إعلام الموقعين (2/162).
[54] انظر حكم الأوراق النقدية – بحث اللجنة الدائمة منشوراً في مجلة البحوث الإسلامية، العدد الأول.
[55] انظر تجارة الذهب في أهم صورها وأحكامها، للشيخ صالح بن زابن المرزوقي، بحث في مجلة مجمع الفقه الإسلامي (9/1/188-189).
[56] الأموال (ص: 542-543).
[57] صحيح البخاري (6459)، ومسلم (2972).
[58] المسند (2/416).
[59] صحيح البخاري (2184)، ومسلم (1539).
[60] صحيح البخاري (2191)، وصحيح مسلم (1540).
وأخرجه البخاري (2383، 2384) ومسلم (1539) من طريق الوليد بن كثير، قال: أخبرني بشير بن يسار مولى بني حارثة، أن رافع بن خديج وسهل بن أبي حثمة حدثاه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المزابنة، بيع الثمر بالتمر إلا أصحاب العرايا فإنه أذن لهم.
[61] الرسالة (ص: 545).
[62] المرجع السابق (ص: 547-548)، وانظر أقوال العلماء وأدلتهم في حكم القياس على الرخص في المحصول (2/2/471)، تقريب الوصول إلى علم الأصول (ص:351)، والبحر المحيط (4/52)، ونشر البنود (2/111)، وشرح تنقيح الفصول (ص: 415)، وتمهيد الأسنوي (463)، والمسودة (ص:357)، والمنخول (ص: 385)، والمعتمد (2/262).
[63] البخاري (2309)، مسلم (715).
[64] المسند (5/175-176).
[65] وأخرجه أحمد (5/156)، والبزار في مسنده (3926) والطبراني في الكبير (1634) عن عفان بن مسلم، حدثنا همام به.
[66] صحيح ابن خزيمة (4/95).
[67] وقد أخرجه أحمد (5/411) حدثنا إسماعيل، حدثنا محمد بن إسحاق به، بنحوه، ولم يذكر لفظ الفلوس.
وأخرجه حميد بن زنجويه في الأموال (1321)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (3237، 3837) من طريق محمد بن إسحاق به.
وقد ذكر ابن زنجويه لفظ الفلوس في متن الحديث.
وأخرجه أحمد (4/233) عن يزيد بن هارون، أخبرنا محمد بن إسحاق به، واكتفى بذكر المرفوع. وإنما نزلت إلى إسناد ابن خزيمة، وقد رواه من هو أعلى منه، بذكر القصة لأن لفظ الفلوس لم يذكرها إلا ابن خزيمة، وحميد بن زنجويه، والله أعلم.
والصحابي المبهم هو عقبة بن عامر - رضي الله عنه -، فقد أخرج الحديث الإمام أحمد (4/147-148)، وأبو يعلى (1766)، وابن خزيمة (2431)، وابن حبان (3310)، والحاكم (1/416)، والبيهقي في السنن (4/177) من طريق حرملة بن عمران، أنه سمع يزيد بن أبي حبيب أن أبا الخير حدثه (مرثد بن عبد الله اليزني ) أنه سمع عقبة بن عامر يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس، أو قال: يحكم بين الناس. هذا لفظ أحمد. قال يزيد: وكان أبو الخير لا يخطئه يوم إلا تصدق فيه بشيء، ولو كعكة، أو بصلة، أو كذا. وإسناده صحيح.
قال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (2861) رواه مسدد، وأحمد بن منيع، وأبو يعلى هكذا مبهماً. ورواه مبيناً أحمد بن حنبل، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما، والحاكم وصححه من طريق مرثد بن عبد الله اليزني، عن عقبة بن عامر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
[68] المصنف (4/553) رقم: 23075.
ورواه الطبري في تهذيب الآثار (2/748) من طريق زيد بن أبي الزرقاء، عن جعفر بن برقان به.
[69] تفسير آيات أشكلت (2/625).
[70] تفسير آيات أشكلت (2/625-629).
[71] البخاري (2312)، ومسلم (1594).
[72] إكمال المعلم (5/279).
[73] الفتح (4/490).
[74] عمدة القارئ (12/149).
[75] شرح النووي لصحيح مسلم (11/22).
[76] حاشية السندي على النسائي (7/273).
[77] صحيح مسلم (1594).
[78] صحيح مسلم (1588).
[79] صحيح مسلم (1584).
[80] المنتقى للباجي (4/259).
[81] المسند (2/109)، ورواه ابن عدي في الكامل (3/420) من طريق أبي جناب الكلبي به.
[82] سبق تخريجه، انظر (ح724).
[83] إعلام الموقعين (2/162).
[84] مسند أبي داود الطيالسي (2257).
[85] سبق تخريجه، انظر (ح232).
[86] الفتاوى الكبرى (6/177).
[87] المنتقى (5/29).
[88] الفروق (3/266).
[89] مواهب الجليل (4/391).
[90] البحر المحيط (8/91).
[91] المغني (4/162).
[92] بيع الذهب والفضة وتطبيقاتهما المعاصرة - صدام عبد القادر عبد الله (ص: 123).
[93] انظر إعلام الموقعين (2/161).
[94] انظر إعلام الموقعين (2/161).
نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
مقالات ذات صلة
كلمات خير من الذهب والفضة
هدية أغلى من الذهب
في المعاملة بالذهب وما يدخله من ربا
الأواني الثمينة من غير الذهب والفضة
حكم بيع الذهب المستعمل بذهب جديد مع دفع الفرق
مختارات من الشبكة
الجديد المفيد من الكتب الإسلامية (14)(مقالة - موقع أ. محمد خير رمضان يوسف)
بيان الربا وأحكام بيع الذهب والفضة وصرف العملات النقدية(مقالة - آفاق الشريعة)
مجموعة أسئلة في بيع وشراء الذهب(كتاب ناطق - المكتبة الناطقة)
الشروط الخاصة بعقد الصرف(مقالة - آفاق الشريعة)
بيع الاستجرار (بيع أهل المدينة)(مقالة - آفاق الشريعة)
بيع الدين بالدين(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
تعريف البيع بالتقسيط وحكمه وأدلة الجمهور على جوازه(مقالة - آفاق الشريعة)
البيع بالثمن المؤجل مع الزيادة على أصل الثمن (البيع بالتقسيط) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
بيع المسلم على بيع أخيه(مقالة - آفاق الشريعة)
البيع على بيع أخيه بعد زمن الخيار(مقالة - موقع أ.د.عبدالله بن مبارك آل سيف)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق