زيارة القبور آدابها وحكمها وكيفيتها .. وما هو المشروع والممنوع في زيارة القبور !؟ وهل يجوز الصلاة فيها وفي المساجد ذات القبور ؟
"وزيارة القبور أياً كانت سنة مشروعة بالكيفية المأثورة ولكن الاستعانة بالمقبورين أياً كانوا ونداءهم لذلك وطلب قضاء الحاجات منهم عن قرب أو بعد والنذر لهم وتشييد القبور وسترها وإضاءتها والتمسح بها والحلف بغير الله وما يلحق بذلك من المبتدعات كبائر تجب محاربتها ولا نتأول لهذه الأعمال سداً للذريعة".
المغالاة في حب الصالحين إلى حد الانحراف عن الشرع هذا أمر غير مقبول بل منهي عنه، والوقوف على قبر الصالحين وسؤالهم النفع أو دفع الضر لون من ألوان الشرك الذي نستعيذ بالله منه لا يجب أبداً على المسلم أن يقع فيه بل لابد من التحرز منه لأنهم لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً ففي حديث رسول الله ﷺ "وإذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث " فهو العمل الصالح الذي يلقى به العبد المؤمن ربه (يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ)
ولذلك فإن هذا الأصل يعالج :
1-المغالاة في حب الصالحين.
2-زيارة القبور السنة المشروعة .
3-الكيفية المأثورة للزيارة.
4-عدم الاستعانة بالمقبورين .
5-الحلف بغير الله.
زيارة القبور :
قبل أن نتكلم عن المقابر التي هي إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار أعاذنا الله منها فإننا نعرّج على الموت الذي أمرنا رسول الله r أن نكثر من ذكره فالموت سنة ماضية وكل نفس ذائقة الموت وعش ما شئت فإنك ميت وأحبب من شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك مجزى به فالموت حق لا ينكره جاحد فلقد أنكر الكفار البعث ولم يستطيعوا أن ينكروا الموت لأنهم يرونه رأى العين فهو حقيقة واقعة لا شك في ذلك وكل إنسان له أجل معلوم كما قال ربنا (إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) وهذه الحقيقة من عقيدتنا -نحن المسلمين فإذا مات العبد قامت قيامته وانتهى أمره وأصبح في القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار (فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ)، ولذلك فإن من المستحب لكل مسلم أن يكثر من ذكر الموت ليرق قلبه ويخشى ربه، روى عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه أن رسول الله r قال لأصحابه "استحيوا من الله حق الحياء" قالوا إنا نستحى يا نبى الله والحمد لله قال:"ليس كذلك ولكن من استحى من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى وليحفظ البطن وما حوى وليذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا ومن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء"
ولقد روى البراء بن عازب رضى الله عنهما أن النبى r أرسل جماعة يحفرون قبراً فبكى حتى بل الثرى بدموعه وقال "إخوانى لمثل هذا فأعدوا"
وعن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله r قال "أكثروا من ذكر هازم اللذات الموت" ويقول عبد الله بن عمر: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك" ولقد أكد القرآن أن هذه الحقيقة وأنها تسري على جميع الخلائق بما فيهم أنبياء الله ورسله فقال (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ) فهي سنة الله التي تجرى على جميع الأحياء (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) ويوم موت رسول الله r قال عمر بن الخطاب t : من قال إن محمداً قد مات قطعت رقبته بسيفي هذا ، فأمسك به أبو بكر t وجذبه إليه وقال : من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ثم قرأ (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ) قال عمر : كأني أسمعها لأول مرة.
فالناس جميعاً غنيهم وفقيرهم سيدهم ومولاهم حاكمهم ومحكومهم أنبياؤهم ورسلهم أتقياؤهم وأشقياؤهم لا نفرق بين أحد منهم يذوقون الموت ولكن كثير من الناس كأن الموت على غيرهم قد كتب وكأن الذين يشيعون إلى الأجداث سُفر عما قليل إليهم راجعون يبوؤنهم أجداثهم ويأكلون من تراثهم وكأنهم مخلدون بعدهم.
والحقيقة التي يجب أن يتنبه إليها المربون أن دعوة الرسول r للمؤمنين بأن يكثروا من ذكر الموت منهج تربوى عظيم فحين يقول ﷺ "أكثروا ذكر هازم اللذات" أكثروا منه لأن الإنسان إذا أكثر من ذكر الموت فسوف يستقيم سلوكه فيحذر ضمة القبر، يخاف من نزوله وحده لأنه إذا مات العبد صحبه ثلاث ماله، وأهله، وعمله فإذا تم دفنه رجع المال والولد وبقى العمل ولما كان الموت يأتي بغتة كان توجيه رسول الله ﷺ بالإكثار من ذكر الموت دافعاً لمواصلة العمل (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) وتأمل قوله (فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)، من أجل ذلك يقول ابن عمر "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك" فالناس جميعاً مساقون إلى ربهم موتا (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ).
من أجل ذلك سن رسول الله ﷺ لنا زيارة المقابر للعظة والاعتبار وترقيق القلوب والتذكير بالقبر وما بعده (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) .
حكم زيارتها:
ينبغى أن يعلم أن زيارة المقابر كانت في أول الإسلام محرمة على الرجال والنساء وحين استقرت العقيدة في القلوب وعرفت أحكامه وأهدافه أبيحت الزيارة وجاءت فيها جملة من الأحاديث الصحيحة تضمنت مشروعيتها وكيفيتها فعن على t أنه r قال :"إنى كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تزهد في الدنيا وتذكر بالآخرة " ومنها أن عائشة أقبلت ذات يوم من المقابر فقال عبد الله بن أبى مليكة من أين أقبلت يا أم المؤمنين؟ قالت من قبر أخى عبد الرحمن، فقال لها أليس كان نهى رسول الله ﷺ عن زيارة القبور؟ قالت: نعم كان نهى عن زيارة القبور ثم أمر بزيارتها..
والذى يدل على أن زيارة النساء للقبور ليست بحرام حديث أنس رضى الله عنه أن النبى ﷺ مر بامرأة عند قبر تبكى على صبى فقال لها :"اتق الله واصبرى" فقالت ما تبالى بمصيبتى، -وكأنها لم تعرفه- فلما ذهب قيل لها إنه رسول الله r فأتت إليه وقالت لم أعرفك يا رسول الله فقال لها :"إنما الصبر عند الصدمة الأولى".
وموضع الدلالة أنه r وعظها بالصبر ولم ينكر زيارة القبر وعن عائشة رضى الله عنها قالت: كيف أقول يا رسول الله ؟ يعنى إذا زرت المقابر - قال قولى "السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون" .
إلا أن الحافظ المنذرى يقول قد كان الرسول ﷺ نهى عن زيارة القبور نهياً عاماً للرجال والنساء ثم أذن للرجال في زيارتها واستمر النهى في حق النساء، فالمسألة كما ترى فيها خلاف فقهى فمن العلماء من حرمها مطلقاً ومنهم من كره الزيارة كراهة تنزيهية ومنهم من فصل بين الشابة وغيرها ومنهم من جوزها أو اعتبرها سنة بإطلاق فقد روى مسلم "زوروا القبور فإنها تذكر بالموت" وبالمناسبة فإن الإمام ابن تيمية منع زيارة قبور الصالحين والأنبياء للتيمن كما منع زيارة قبر الرسول ﷺ بقصد التبرك أو التيمن أو التقرب إلى الله فقال لا يجوز وإن كان القصد العظة والاعتبار فهو جائز بل مندوب إليه.
يقول الشيخ أبو زهرة في كتابه "المذاهب الإسلامية" "ولقد خالف ابن تيمية بقوله جمهور المسلمين، تحداهم في عنف بالنسبة لزيارة قبر النبى r ونحن قد نوافق إلى حد ما على قولهم بزيارة قبور الصالحين والنذر لها ، ولكن نخالفه مخالفة تامة في زيارة الروضة الشريفة وذلك لأن الأساس الذي بنى عليه منع زيارة الروضة بقصد التبرك والتيمن هو خشية الوثنية وأنه إذا كان في ذلك تقديس لمحمد ﷺ فهو تقديس لنبى الوحدانية، وتقديس نبى الوحدانية إحياء لها إذ هو تقديس للمعانى التي بُعث بها ولأن الروضة بها تذكير بمواقف النبى ﷺ في الصبر والجهاد والنضال والعمل على شأن التوحيد .
ولقد قال نافع مولى عبد الله بن عمر: كان ابن عمر يسلم على القبر رأيته مائة مرة أو أكثر يجيئ إلى القبر ورؤى واضعاً يده على مقعد النبى ﷺ من المنبر ثم وضعها على وجهه ولقد كان الأئمة الأربعة كلما قدموا إلى المدينة زاروا قبر النبى ﷺ، يقول والغريب أن ابن تيمية نفسه يروى أن الأئمة الأعلام كانوا يسلمون على النبى r كلما مروا بقبره الشريف وكانوا يذهبون إليه كلما هموا بسفر أو أقبلوا من سفر" ثم يقرر الشيخ أبو زهرة على ذلك أن التبرك بزيارة قبر النبى r مستحسن لأن فيه التذكرة والاعتبار والاستبصار.
وسنحاول أن نوجز حكم زيارة قبر الرسول r وما قاله العلماء فيها .
أورد الشوكانى في نيل الأوطار نبذة صالحة فيما قاله العلماء في زيارة قبر الرسول وحكمها معززاً كل قول بدليله وما قاله المحققون فيه – فليرجع إليه من أراد زيادة بيان.
قال رحمه الله اختلف أقوال العلماء في زيارة قبر النبى r، إلى :
مذهب الجمهور : أنها مندوبة .
بعض المالكية وبعض الظاهرية : ذهبوا إلى أن الزيارة واجبة .
قال ابن تيمية وبعض الحنابلة :إنها غير مشروعة وروى ذلك عن مالك والقاضى عياض ولقد رد الجمهور على هذا الرأى فليرجع إليه في نيل الأوطار.
وقال الإمام النووى : في شرح المهذب "اعلم أن زيارة قبر رسول الله r من أهم القربات وأنجح المساعى فإذا انصرف الحجاج والمعتمرون من مكة استُحب لهم استحباباً متأكداً أن يتوجهوا إلى المدينة لزيارته r ".
وينوى الزائر مع الزيارة التقرب بزيارة مسجده وشد الرحال إليه والصلاة فيه فإذا توجه فليكثر من الصلاة والتسليم عليه r في طريقه ثم شرح آداب الزيارة وما يفعل من يريدها.
أما الإمام مالك: فقد روى عنه القول بكراهة الزيارة وأجيب بأنه قال بكراهة زيارة قبره r قطعاًً للذريعة. وقيل إنما كره إطلاق لفظ الزيارة لأن الزيارة من شاء فعلها ومن شاء تركها وزيارة قبره r من السنن الواجبة كذلك قال عبد الحق.
يقول الشوكانى واحتج كذلك من قال بمشروعيتها بأنه لم يزل دأب المسلمين القاصدين للحج في جميع الأزمان على تباين الديار واختلاف المذاهب الوصول إلى المدينة المشرفة بقصد زيارته ﷺ ويعدون ذلك من أفضل الأعمال ولم يُنقل أن أحداً أنكر ذلك عليهم فكان إجماعاً. هكذا نقله الشوكانى رحمه الله.
القصد من زيارة المقابر: أباح الرسول ﷺ لأصحابه وعلمهم زيارة القبور ولقد زارها ﷺ وزاروها رجالاً ونساءً ودرج المسلمون الأولون على ذلك للتذكر والتسليم والدعاء.
فالقصد من الزيارة الإحسان إلى الميت بالسلام عليه والدعاء له بالرحمة والمغفرة وسؤال العافية وحينئذ تسن الزيارة ففى الحديث الصحيح عن بريدة رضى الله عنه أنه r كان يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقولوا : "السلام عليكم يا أهل الديار من المسلمين والمؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون أنتم لنا سلف ونحن لكم تبع نسأل الله لنا ولكم العافية".
ويقصد بالزيارة أيضًا الإحسان إلى نفسه فيتذكر الموت والآخرة والزهد فيها والاتعاظ بحال الميت ويتذكر قول الرسول :"يتبع الميت ثلاث : أهله وماله وعمله فيرجع اثنان ويبقى واحد ، يرجع أهله وماله ويبقى عمله" ولقد كان الربيع بن خيثم إذا وجد غفلة خرج إلى القبور ويبكى ويقول : كنا وكنتم ثم يحيى الليل كله فيصبح كأنه نشر من قبره فيتذكر انقضاء اللذات ويتفكر فيما يصير إليه من ضيق اللحود وصولة الدود ويستشعر ما سيؤول إليه حاله من شدة الحساب وصعوبة الجواب.
والجدير بالذكر أنه يراعى عند زيارة القبور ألا يجلس على المقابر أو يطأها أحد فهذا أمر منهى عنه يقول أبو هريرة قال رسول الله r "لئن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على القبر " وكذلك الاستناد إليه فعن عمرو بن حزام قال رآنى النبى r متكئاً على قبر فقال:" لا تؤذى صاحب هذا القبر".
وبالمناسبة فإنه لا يكره المشى في المقابر بالنعلين والخفين ونحوهما كما يقول البعض بالكراهة بل لا كراهة إن مشى بهما وهذا مذهب أكثر العلماء إلا أن الإمام أحمد يكره ذلك فأصبح بذلك خلاف فقهي معتبر شرعاً لا إنكار فيه.
أمور خلافية تتعلق بالجنائز:
1-النعي للميت: وهو أن يبعث منادياً ينادي في الناس إن فلاناً قد مات ليشهدوا جنازته ، روى حذيفة t قال :"سمعت الني r ينهى عن النعي" رواه الترمذي وقال حديث حسن . قال ابن قدامة الحنبلي في المغني : استحب جماعة من أهل العلم ألا يعلم الناس بجنائزهم ، قال : وقال كثير من أهل العلم لا بأس أن يعلم الرجل إخوانه ومعارفه وذوو الفضل من غير نداء، قال إبراهيم النخعي: لا بأس إذا مات الرجل أن يؤذن صديقه وأصحابه وإنما كانوا يكرهون أن يطاف في المجالس: أنعي فلاناً كفعل الجاهلية . وممن رخص في هذا : أبو هريرة وابن عمرو وابن سيرين . وروى عن ابن عمر أنه نعى إليه رافع بن خديج قال: كيف تريدون أن تصنعوا به ؟ قالوا نحبسه حتى نرسل إلى قباء وإلى من بات حول المدينة ليشهدوا جنازته . قال : نعم ما رأيت.
وقال النبي ﷺ في الذي دفن ليلاً "ألا أذنتموني؟" وقد صح عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ نعى للناس النجاشى في اليوم الذى مات فيه وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر أربع تكبيرات" رواه البخاري ومسلم. ولأن في كثرة المصلين عليه أجراً لهم ونفعاً للميت فإنه يحصل لكل مصل منهم قيراط من الأجر. وقال الإمام النووى في المجموع: والصحيح الذى تقتضيه الأحاديث الصحيحة وغيرها أن الإعلام بموته لمن لم يعلم ليس بمكروه ، بل إن قصد به الإخبار لكثرة المصلين فهو مستحب وإنما يكره ذكر المآثر والمفاخر والتطواف بين الناس بذكره بهذه الأشياء ، وهذا نعي الجاهلية المنهي عنه، فقد صحت الأحاديث بالإعلام فلا يجوز إلغاؤها، وبهذا الجواب أجاب بعض الأئمة فى الفقه والحديث المحققين.
2-وأما الندب: فهو تعداد محاسن الميت وما يلقون بفقده بلفظ النداء، مثل قولهم : وارجلاه واجبلاه وانقطاع ظهراه ، وأشباه ذلك. وأما النياحة وخمش الوجوه وشق الجيوب وضرب الخدود والدعاء والويل والثبور .
قال ابن قدامة في المغني : قال بعض أصحابنا : هو مكروه، ونقل حرب عن أحمد كلاماً فيه احتمال إباحة النوح والندب اختاره الخلال وصاحبه لأن واثلة بن الأسقع وأبا وائل رضي الله عنهما كانا يستمعان النوح ويبكيان وقال أحمد بن حنبل : إذا ذكرت المرأة مثل ما حكى عن فاطمة رضي الله عنها في مثل الدعاء لا يكون مثل النوح ، يعنى لا بأس به روى عن فاطمة رضي الله عنها أنها قالت :"يا أبتاه ، من ربه أدناه، يا أبتاه إلى جبريل أنعاه، يا أبتاه أجاب ربًا دعاه" قال ابن قدامة : وظاهر الأخبار تدل على تحريم النوح، قالت أم عطية :"أخذ علينا رسول الله ﷺ عند البيعة أن لا ننوح" متفق عليه، وعن أبي موسى t قال : قال رسول الله r :"ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية" متفق عليه. وقد صح عن النبي r أنه قال :"إن الميت يعذب في قبره بما يناح عليه" انتهى.
3-وأما تلقين الميت عند دفنه : قال ابن تيمية في الفتاوى (مجلد 24 صفحة 296 وما بعدها) تلقين الميت في قبره بعد الفراغ من دفنه نُقل عن طائفة من الصحابة أنهم أمروا به كأبي أمامة الباهلي وغيره، وروى فيه حديثاً عن النبي r مما لا يحكم بصحته، ولم يكن كثيراً من الصحابة يفعل ذلك، فلهذا قال الإمام أحمد وغيره من العلماء : إن هذا التلقين لا بأس به ، فرخصوا فيه ولم يأمروا به واستحبه طائفة من أصحاب الشافعي وأحمد وكرهه طائفة من العلماء من أصحاب مالك وغيرهم.
وقد ثبت أن المقبور يسأل ويمتحن وأنه يؤمر بالدعاء له، فلهذا قيل أن التلقين ينفعه فإن الميت يسمع النداء كما ثبت في الصحيح عن النبي r أنه قال:" إنه ليسمع قرع نعالهم" وأنه أمرنا بالسلام على الموتى فقال :"ما من رجل يمر بقبر الرجل الذي يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله روحه حتى يرد عليه السلام" انتهى.
وقال ابن قيم الجوزية الحنبلي في كتابه الروح (صفحة 14) ويدل على أن الميت يعلم من حال الأحياء وزيارتهم له وسلامهم عليه ما جرى عليه عمل الناس قديماً وإلى الآن : من تلقين الميت في قبره ، وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله تعالى فاستحسنه واحتج عليه بالعمل . ويروى فيه حديث ضعيف ذكره الطبراني في معجمه من حديث أبى أمامة قال: قال رسول الله r :"إذا مات أحدكم فسويتم عليه التراب فليقم أحدكم على رأس قبره ثم يقول : يا فلان بن فلانة، فإنه يسمع ولا يجيب ، ثم ليقل : يا فلان بن فلانة الثانية فإنه يستوي قاعداً ثم ليقل : يا فلان بن فلانة، يقول أرشدنا رحمك الله ولكنكم لا تسمعون، فيقول اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله وأنك رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبيًا وبالقرآن إماماً ، فإن منكراً ونكيراً يتأخر كل واحد منهما ويقول: انطلق بنا، ما يقعدنا عند هذا وقد لقن حجته؟ ويكون لله ورسوله حجيجه دونهما" فقال رجل: يا رسول الله فإن لم يعرف أمه؟ قال: ينسبه إلى أمه حواء: يا فلان ابن حواء" قال ابن القيم : فهذا الحديث وإن لم يثبت فاتصال العمل به في سائر الأمصار والأعصار من غير إنكار: كاف في العمل به. انتهى ، وأقول وعلى هذا القول فإن ترك التلقين هذا يعتبر بدعة تركية.
4-الوقوف على القبر بعدما يدفن ويدعى للميت: قال ابن قدامة الحنبلي في المغني 2/505 : سئل عن ذلك أحمد فقال : لا بأس به، قد وقف علىّ والأحنف وروى أبو داود عن عثمان قال :"كان النبيﷺ إذا دفن الرجل وقف عليه وقال : استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يُسأل" وروى السرِّي قال "لما حضرت عمرو بن العاص الوفاة قال اجلسوا عند قبري قدر ما ينحر جزور ويقسم فإني أستأنس بكم"رواه البخاري ومسلم قال ابن تيمية في الفتاوى (24/298) القراءة على القبر كرهها أبو حنيفة، ومالك وأحمد في إحدى الروايتين ولم يكن يكرهها في الأخرى، وإنما رخص فيها لأنه بلغه أن ابن عمر أوصى أن يقرأ عند قبره بفواتح البقرة وخواتيمها. وروى عن بعض الصحابة قراءة سورة البقرة فالقراءة عند الدفن مأثورة في الجملة ، وأما بعد الدفن فلم ينقل فيه أثر، وأما المستحب الذي أمر به وحضَّ عليه النبي r فهو الدعاء للميت.
5-العزاء والتعزية: وهما الصبر على ما به من مكروه وعزاه أى صبره وحثه على الصبر، وأصلها التصبير لمن أصيب بمن يعز عليه. عن ابن مسعود t قال : قال رسول الله ﷺ :"من عزى مصاباً فله مثل أجره" رواه الترمذي وعن أبي برزة t قال : قال رسول الله ﷺ:"من عزى ثكلى كُسي برداً في الجنة" رواه الترمذي. وعن عبد الله ابن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده t عن النبي r أنه قال :" ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله من حلل الكرامة يوم القيامة " رواه ابن ماجة. قال ابن قدامة في المغني : والمقصود بالتعزية تسلية أهل المصيبة وقضاء حقوقهم والتقرب إليهم، والحاجة إليها بعد الدفن كالحاجة إليها قبله، ويستحب تعزية أهل المصيبة كبارهم وصغارهم ويُخص خيارهم والمنظور إليه من بينهم. قال : ولا نعلم في التعزية شيئًا محدوداً إلا أنه يروى أن النبي ﷺ عزى رجلاً فقال "رحمك الله وآجرك" رواه أحمد. وعزى أحمد أبا طالب فوقف على باب المسجد فقال: أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك. وأن الرد من المعزى فيقول : استجاب الله دعاك ورحمنا وإياك. قال ابن قدامة أيضًا : وتوقف أحمد بن حنبل عن تعزية أهل الذمة وهي تخرج على عيادتهم وفيها روايتان : إحداهما لا نعودهم فكذلك لا نعزيهم، لقول النبي ﷺ "لا تبدؤهم بالسلام" وهذا في معناه والرواية الثانية : نعودهم لأن النبي ﷺ :"أتى غلاماً من اليهود كان مرض يعوده فقعد عند رأسه فقال له أسلم ، فنظر إلى أبيه وهو عند رأسه فقال له : أطع أبا القاسم، فأسلم فقام النبي ﷺ وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه بي من النار" رواه البخاري، فعلى هذا نعزيهم، وقال ابن بطة يقول : أعطاك الله على مصيبتك أفضل ما أعطى أحد من أهل دينك، وقال النووي في المجموع: يعزى الكافر فيقول : أخلف الله عليك. قال النووي وتجوز التعزية قبل الدفن وبعده، ولكن بعد الدفن أحسن وأفضل لأن أهله قبل الدفن مشغولون بتجهيزه، ولأن وحشتهم بعد دفنه لفراقه أكثر، فكان ذلك الوقت أولى.
ويكره الجلوس للتعزية فإن ذلك يجدد الحزن ويكلف المؤنة، ولكن ثبت في البخارى ومسلم عن عائشة رضى الله عنها قالت: "لما جاء النبي r قتل زيد بن حارثة وجعفر وابن رواحة رضى الله عنهم جلس يعرف الحزن وأنا أنظر من شق الباب" أقول : وذلك جاء فى فقه المالكية (المجلد الأول من بلغة السالك للصاوي وشرحه للدردير) : يجوز أن يجلس الرجل للتعزية ما فعل النبي r حين جاء خبر جعفر وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة ومن قتل معهم يوم مؤتة، والأولى عند رجوع الولى إلى بيته من الدفن. انتهى
6-قال في المغنى : يستحب إصلاح طعام لأهل الميت يبعث به إليهم إعانة لهم وجبراً لقلوبهم، فإنهم ربما اشتغلوا بمصيبتهم وبمن يأتي إليهم عن إصلاح طعام لأنفسهم.وروى أبو داود عن عبد الله بن جعفر قال " لما جاء نعي جعفر قال رسول الله ﷺ : اصنعوا لآل جعفر طعاماً فإنه قد أتاهم أمر شغلهم" قال وهل يجتمعون عند أهل الميت ويجعلون طعاماً ؟ قال إذا دعت الحاجة إلى ذلك جاز، فإنه ربما جاءهم من يحضر ميتهم من القرى والأماكن البعيدة ويبيت عندهم ولا يمكنهم إلا أن يضيفوه.انتهى . وأقول وهذا ما عليه الناس في القرى الآن من صنع الطعام وتقديمه لمن حضر للعزاء. وقال الشافعي في المختصر: وأحب لقرابة الميت وجيرانه أن يعملوا لأهل الميت في يومهم وليلتهم طعاماً فإنه سنة.
7-إقامة السرادقات: لأخذ العزاء من العادات وليست من العبادات، والحكم عليها من قِبَل المصالح أي النفع والضرر ، والحسن والقبيح ، فإن احتيج إليها للإيواء من الشمس والبرد وللجلوس لعدم وجود مكان يتسع لمن يجئ للعزاء، فهى من المصالح المرسلة يفعلها الناس عادة ولا يتقربون بها إلى الله يفعلها البر والفاجر، والمسلم وغير المسلم وقد ثبت في البخارى ومسلم أن النبيﷺ جلس لأخذ العزاء في قتلى مؤتة. قال الإمام ابن القيم في إعلام الموقعين : فصل في تغير الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد قال: هذا فصل عظيم النفع جداً وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة ، أوجب من الحرج والمشقة وتكليف مالا سبيل إليه ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به، فإن الشريعة مبناها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهى كلها عدل ورحمة ومصالح وحكمة ، فكل مسألة خرجت عن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة ، وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة وإن دخلت فيها بالتأويل .انتهى.
ويقول الإمام الشاطبي في الموافقات: إن مثل هذا النوع ينظر فيه على ضوء الشريعة ويجري الحكم فيه على ما تقرر في كلياتها ، ومن أمثلة ذلك ما أحدثه السلف الصالح من تدوين العلم وتضمين الصناع وما أشبه ذلك مما لم يجر له ذكراً في زمن الرسول ﷺ ولم تكن من نوازل زمانه ولا عرض للعمل بها موجب يقتضيها وأن القصد الشرعي في مثل هذه الأمور معروف من الجهات التى ثبت لها الحكم بالنص، وعلى ذلك فمثل هذا القسم يشرع له أمر زائد يلائم تصرفات الشرع في مثله وهو المصالح المرسلة. انتهى.
المغالاة في قبور الصالحين: من المغالاة اتخاذ الناس المقابر والأضرحة موسماً من مواسمهم وعيداً من أعيادهم يشدون إليها الرحال كما تُشد لزيارة بيت الله الحرام ويبيتون عندها الليال ذوات العدد وهناك تصنع ألوان الأطعمة وتذبح الذبائح وتنصب ملاعب الصبية وتقام أسواق الباعة وفي زماننا هذا سكنوا القبور وأقاموا فيها الأفراح والليالي الملاح يأكلون ويشربون ويشاهدون التلفاز فقست القلوب ودست النفوس، وأما بعض الصوفية فأحيوا أعياد المقابر الأسبوعية ويسمونها الحضرة فمثلاً ليلة الثلاثاء ويومه للإمام الحسين ، وليلة السبت ويومه للإمام الشافعى وهكذا وبالرغم من أنه ورد النهى عن ذلك فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله "لا تجعلوا بيوتكم مقابر ولا تجعلوا قبرى عيداً وصلوا علىّ أينما كنتم فإن صلاتكم تبلغنى حيث كنتم".
والغريب أنك ترى في هذه الأعياد والاجتماعات مفاسد لايرضاها الله ورسوله فترى النساء يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى ويختلطن بالرجال وترى الهزل والعبث والغناء والمداعبة وكثرة الضحك بل والقمار والميسر بأنواعه وكل الموبقات في موضع الخشية والاعتبار ويذهب الحياء ويتأذى بذلك الأموات أنفسهم في قبورهم.
ومن المفاسد أيضًا المبيت في المقابر وإيقاد السرج والشمع ونحوه على القبور فعن ابن عباس رضى الله عنهما إنه r لعن زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج.
ومن المفاسد أيضًا تقبيل واستلام قبور الأولياء والأنبياء والعلماء والطواف حول الأضرحة فإنه لم يعهد عبادة إلا بالبيت وكذا لم يشرع التقبيل والاستلام إلا للحجر الأسود فكيف بمن يرفعون أكف الضراعة للضريح ويناجون صاحبه ويقبلون جوانبه ويتمسحون بحديده أو خشبه ويشرحون له القضايا والمهام وتقدم له العرائض وطلب الفصل فيها فهل هذا عمل مشروع يرضاه الله والرسول؟ لا والله إن أصحاب الأضرحة أنفسهم يغضبون لذلك إن كانوا من أولياء الله حقاً ولو بعثوا لنهوا عنه وأنكروا ذلك بكل وسائل الإنكار.
وأضف إلى ذلك وضع الستور على القبور وتجصيصها والبناء عليها في حريم القبر أو خارجه فيتناول البناء على نفس القبر أو بناء تحويطه وقبة عليه أو مقصورة فعن جابر رضى الله عنه أن النبى r نهى عن تجصيص القبر وأن يبنى عليه إلا إذا دعت ضرورة للبناء كأن يخشى نبش القبر من نحو آدمى أو سبع قال الإمام الشافعى في "الأم" وأحب أن لا يزاد في القبر تراب من غيره وإنما أحب أن يشخص على وجه الأرض شبراً أو نحوه وأحب أن لا يبنى ولا يجصص فإن ذلك يشبه الزينة والخيلاء وليس الموت موضع واحد منهما ولم أر قبور المهاجرين والأنصار مجصصة "فأين نحن اليوم من تزيين القبور حتى تستطيع أن تفرق بين الغنى والفقير والخفير والوزير حتى أن بعضهم يكتب على القبر صفة صاحبه في الدنيا فهو الرئيس والباشا واللواء إلى غير ذلك من الألقاب والصفات، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.
النذور للموتى : قال العلماء لا يجوز النذر للقبور لا شمع ولا زيت ولا غير ذلك فإنه نذر معصية لا يجوز الوفاء به بالاتفاق. جاء في الدر المختار وحواشيه من كتب الحنفية ما ملخصه : "اعلم أن النذر الذي يقع للأموات من أكثر العوام وما يؤخذ من الدراهم والشمع والزيت ونحوها إلى ضرائح الأولياء الكرام تقرباً إليها كأن يقول يا سيدى فلان إن رُد غائبى أو عُوفى مريضى أو قُضيت حاجتى فلك من النقد أو الطعام أو الشمع أو الزيت كذا فهو بالإجماع باطل حرام لوجوه منها:
1-أنه نذر لمخلوق والنذر للمخلوق لا يجوز لأنه عبادة وهى لا تكون إلا لله .
2- أن المنذور له ميت -والميت لا يملك .
3-إن ظن أن الميت يتصرف في الأمور دون الله تعالى فاعتقاده ذلك كفر والعياذ بالله.
بناء المساجد على القبور : عن عائشة رضى الله عنها أن أم سلمة ذكرت لرسول الله r كنيسة رأتها بأرض الحبشة يقال لها مارية فذكرت ما رأته فيها فقال رسول r :"أولئك قوم إذا مات فيهم العبد الصالح أو الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله" .
يقول ابن القيم : اعلم أن الشيطان أول ما كاد للناس وهم على الهدى ودين الحق عبادة الأصنام والأوثان فتارة أدخلها عليهم من جهة تعظيم الموتى وتصويرهم الصور التي ينصبونها كما قص الله تعالى عنهم في كتابه في قوله (لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا) قال ابن عباس: هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا على مجالسهم التي كانوا يجلسون عليها أنصاباً وسموها بأسمائهم ففعلوا ولم تعبد حتى هلك هؤلاء القوم ونُسخ العلم فُعبدت من دون الله تعالى فأرسل الله لهم نوحاً لعبادة الله وحده فكذبوه فأهلكهم الله بالطوفان.
وهذا الذي أدى بهم إلى الشرك بالله وأنت ترى في أيامنا هذه من يقف على باب هذه المساجد التي أقيمت على القبور بخشوع وتذلل كأنه يستأذن ثم يدخل وهذا مسلك الشيعة فهم عند زيارتهم للأئمة ينادى أحدهم أدخل يا أمير المؤمنين ؟ ويقولون إن علامة الإذن رقة القلب ودمع العين.
ولذلك قال ابن حجر في الزواجر :"ويجب المبادرة لهدم المساجد والقباب التي على القبور المشرفة وتجب إزالتها وإزالة كل قنديل أو سراج على قبر ولا يصح وقفه ونذره" ولا شك أنه يقصد الإزالة بالطرق الشرعية التي لا يترتب عليها مفسدة وإلا قام بها الإمام ولى أمر المسلمين فيأمر أصحابها بذلك.
الصلاة في المساجد ذات القبور : شرعت الصلاة لتكون رباطاً بين العبد وربه ليستشعر عظمته مستحضراً جلاله فتخشع له جوارحه ويخلص له قلبه ويستعين به في أمره كله (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)
ولذلك لا يجوز للمسلم أن يكون في نفسه شيء من تعظيم غير الله ولهذا كان من أحكام الإسلام فيما يختص بأماكن العبادة تطهيرها من هذه المشاهد يقول ربنا (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) ويقول (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) ويقول (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) .
ولسد ذرائع الفساد قالﷺ "إن من قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إنى أنهاكم عن ذلك"، فشدد رسول الله r النهى عن اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد لأن هذا سبب انحراف الأمم السابقة عن إخلاص العبادة لله وحده.
قال العلماء: إنه لما كثر المسلمون وفكر أصحاب رسول الله r في توسيع مسجده وامتدت الزيادة إلى أن أدخلت في بيوت أمهات المؤمنين وفيها حجرة عائشة مدفن الرسول r وصاحبيه أبى بكر وعمر فبنوا على القبر حيطاناً مرتفعة تدور حوله مخافة أن تظهر القبور في المسجد فيصلى إليها الناس ويقعوا في الفتنة والمحظور.
ولذلك وجب إخفاء الأضرحة من المساجد وألا تتخذ لها أبواب ونوافذ فيها خاصة إذا كانت جهة القبلة فيجب أن تفصل عنها فصلاً تاماً بحيث لا تقع أبصار المصلين عليها ولا يتمكنون من استقبالها وهم بين يدى الله ومن باب أولى يجب منع الصلاة في نفس الضريح وقاية لعقائد المسلمين .
ولذلك رأى العلماء أن الصلاة إلى القبر أياً كان محرمة ومنهى عنها واستظهر بعضهم بحكم النهى بطلانها.
وفى المسألة كلام للعلماء إن كان القبر خلف القبلة – أى خلف المصلين – أو أمامها ومعزول عن مكان الصلاة كل ذلك له أحكامه ليس هنا مجال التفصيل فيها.
وأخيراً فإن بعض العامة يحلفون بسيدى فلان أو الولى فلان ولقد نهى عن ذلك كله فعن عمر رضى الله عنه عن النبى قال :"إن الله تعالى ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت"
والسر في النهى عن الحلف بغير الله أن الحلف بالشيء يقتضى تعظيمه والعظمة في الحقيقة إنما هي لله وحده ولذلك يروى لنا ابن عمر رضى الله عنهما أنه سمع رجلاً يقول: لا والكعبة فقال ابن عمر لا تحلف بغير الله فإنى سمعت رسول الله r يقول:" من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك" وفسر ذلك بعض العلماء قوله "كفر أو أشرك" على التغليظ كما روى أن النبى قال الرياء شرك.
كبائر يجب محاربتها: هذه كلها كبائر لا يشك في ذلك مسلم ولكن يجب أن نبين بالتى هي أحسن لنجمع ولا نفرق ونؤلف ولا ننفر فلا نقسو باسم الدين ولا نلقى الناس بالطين ونتطرف في الحكم ونغالى فيه باسم الدعوة إلى الله ويحكم بالشرك وعبادة الأصنام على الزائرين لهذه الأضرحة كيف ونحن نعلم أن هؤلاء الزائرين – كما تنطق به أحوالهم – مؤمنون بعقائد الدين كله وبفرائضه كلها ، ومؤمنون بأن النبى والولى من عباد الله خلقهما كما خلق العباد وأمدهما بأسباب الحياة وأماتهما كما يميت العباد وأنه سيبعثهم وتلك عقيدة الإيمان الحق التي لم يكن يؤمن بها عُباد الأصنام فالواجب علينا ألا نصف أصحاب القبور بالأصنام وقد يكونون من عباد الله الصالحين وما ذنبهم؟
علينا أن نبذل الجهد في تعليم من لا يعلم لا تكفيره ولا الإساءة إلى تلك الأرواح الطاهرة ثم نحى فريضة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بقواعدها الشرعية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق