السبت، 21 سبتمبر 2019

شريعتنا شريعة الرحمة والحضارة ولكن ..

شريعتنا شريعة الرحمة والحضارة ولكن ..
تعد الرحمة واحدة من الأركان المُؤَسِسة لمنظومتنا القيمية .. وتمتد تجلياتها في جوانب حياتية متعددة، منها رحمة الأستاذ لطلبته من خلال بناء علاقة أبوية مبنية على العطف والحنان، ومنها رحمة مدير المؤسسة لمعيته، من خلال بناء فريق عمل متجانس يتجاوز الروتين، ويقدم خدمة مجتمعية سَلِسَلة، ويعمل بروح التعليمات لا بحرفيتها، ومنها علاقة الموظف مع مراجعيه من خلال القيام بواجبه الوظيفي على أساس مصلحة المراجع والإشفاق عليه ، ومنها علاقة المفتي بسائليه من خلال تقديم الرؤية الفقهية المنسجمة مع الواقع، المتسقة مع القواعد، المنبثقة من مقاصد التشريع.
مازال الكثير من الناس يتصور أن الشريعة تلاحق الناس في حركاتهم وسكناتهم بل وحتى في خلجات نفوسهم، فلا مكان للرخصة في قاموسهم، ولامكان للتخفيف فيما يعرض عليهم في حالات معينة، ولا أثر للرحمة في قسمات الأحكام وواقع السلوك.
إن العديد من الأحكام التي تسبح في مخيالنا هي أحكام فرضها العرف أوالمجتمع أو الظرف التاريخي، ولم تفرضها الشريعة، فالمرأة المعتدة في تصور الكثير يجب عليها أن تبقى حبيسة جدران أربعة طوال أربعة أشهر وعشرا، والرجل الطاعن في السن الذي يعاني من أمراض الدنيا لابد أن يأتي بواجبات الحج بنفسه، وإلا فإن حجه ناقص! كما ويتصور البعض أن الرق مازال موجودا في أروقة الشريعة، وأنه لمَّا ينتهِ بانتهاء موجباته العالمية، وأن الأصل في العلاقة مع غير المسلم هو البراء والقطيعة.. الى ما لا حصر له من الصور والجزئيات.
الحقيقة أن الخلل فينا لا في شريعتنا، الخلل في عرض أحكام المنظومة التشريعية، لقد طغى الخطاب الوعظي الذي يُغَلِّب جانب الترهيب، فأنتج إنسانا خائفا من لقاء ربه، واستفحل الخطاب الشكلي الذي يتعامل من النصوص على أنها قوالب خالية من المقصد والروح، فأنتج فقها عقيما لا يتسق مع الفطرة، وساد الخطاب التخديري الذي يخدر المتلقي ويقول له: "أن لنا الآخرة ولغيرنا الدنيا"، فأنتج إنسانا خارج السياق الحضاري.
وبسبب هذه الثقافة ساد تصور عند قطاعات غير قليلة بأن المتخصص في الشريعة هو إنسان خارج عن العصر، بعيد عن إشكاليات المجتمع، قاصر عن فهم تعقيدات الحياة التي زحفت إليها العولمة، وقيم الحداثة؛ لأن الصورة المرسومة في مخيالهم لهذا المتخصص أنه جاثم على ركبتيه وبيده سبحته، وكلما سئل عن أمر يقول: لا يجوز !
آن الأوان أن نخرج من هذا الأفق الضيق، ونعلم بأن لنا شريعة تنطوي على قيم في أعلى سلم الرقي، وشريعة واقعية تتعاطى مع المتغيرات من خلال مناهج معرفية قادرة على الاستجابة للعصر، آن الأوان أن نغادر تلك التصورات التي خيمت على عقولنا، وأن ننفتح على العصر ونحن متسلحون بكليات الوحي ( كتابا وسنة ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق