السبت، 21 سبتمبر 2019

💡مقال جدير بالقراءة💡

💡مقال جدير بالقراءة💡
 نشرت الصحف في 8 سبتمبر الجاري خبراً عن قيام سيدتين غير محجبتين (إيفا جاندين، وآن سوفي) بإمامة عشرات المصلين في صلاة اختلط فيها الرجال بالنساء بصالة مكتظة في العاصمة الفرنسية باريس.
حصلت السيدتان المذكورتان على تمويل يسمح لهما باستئجار الصالة وإلقاء خطب دينية وإمامة الصلاة مرة كل شهر على مدى سنة.
وصرحت السيدة إيفا جاندين وهي تبدأ نشاطها بالقول: إنها "لحظة مهمة بالنسبة لـ(إسلام فرنسا)، خصوصاً لكون هذه الصلاة من شأنها أن تضمن المساواة بين النساء والرجال في الديانة الإسلامية".
وفي قاعة الصلاة المختلطة، كانت خطبة الجمعة باللغة الفرنسية، يتم ترجمتها إلى العربية بانتظام.
بعض النسوة المصليات ارتدين الحجاب، والبعض الآخر لا يرتدين الحجاب، بمن فيهم السيدتان اللتان تقومان بالخطابة والإمامة، فقد ارتدت إحداهن تنورة طويلة والثانية بنطلون جينز.
السيدتان إيفا جنادين وآن سوفي- مونيسني اعتنقتا الإسلام في وقت سابق، وتريدان منذ عدة سنوات أن تقدما ما تسميانه "إسلاماً تقدمياً ومتحرراً" على أرض الواقع.. و تقول آن سوفي- مونيسني تعليقاً على ما قامت به مع زميلتها: "اليوم ومع هذه الصلاة الجماعية المختلطة الأولى من نوعها، يتحقق هذا الأمر"، وتزعم أنه "لا يوجد في الدين الإسلامي ما يمنع المرأة من أن تؤمّ الصلاة بالرجال والنساء"!
وفي حديث سابق مع صحيفة "القدس العربي"، أوضحت صاحبة هذا المشروع، السيدة كاهنة بهلول، أنها صاحبة الفكرة مع زميلها فاكر كورشان، أستاذ الفلسفة ومؤسس جمعية "من أجل إحياء الفكر المعتزلي"، وأن ذلك يأتي "انطلاقاً من رفضنا للواقع الحالي للمساجد في فرنسا التي تعكس إسلاماً متزمتاً لا يقبل التأويل لقراءة النصوص التراثية".
واعتبرت كاهنة بهلول أن "هناك تمييزاً كبيراً بحق المسلمات، بحيث لا يسمح لهن بالدخول إلى قاعات الصلاة الرئيسية، ويجدن أنفسهن معزولات في قاعات ضيقة لا تصلح للصلاة.. وزعمت أن العديد من المسلمين في فرنسا لا يجدون تناغماً مع الخطاب الحالي المقدم في المساجد، الذي يقوم على الفكر التقليدي(!) الذي عفا عليه الزمن!
وتضيف: "فيما يخص الإمامة، سأتولاها أنا بالتناوب مع زميلي كورشان. وسنقوم بالشيء نفسه بخصوص خطبة الجمعة التي ستكون هي الأخرى بالتناوب".
وتجدر الإشارة إلى أن هناك مشروعاً لإطلاق أول مسجد في باريس تتولى فيه الإمامة سيدة، ويسمح باختلاط النساء والرجال، مع حرية ارتداء الحجاب أو عدمه، وقد اختار أصحاب الفكرة للمسجد المنتظر اسم "مسجد فاطمة"!
سبقت هذه المحاولة محاولات مشابهة في كل من السويد وإيطاليا حيث قامت بعض النساء بالإمامة والخطابة، ولكن محاولاتهن قد فشلت.
وهناك سؤال أوّلى: من الذي يموّل هذه المحاولات مالياً ويشجّع عليها؟ ولماذا الإسلام بالذات، مع أن النصرانية أو اليهودية لا نجد فيها مثل هذه المحاولات، وشرح الدين بهذه الطريقة التقدمية التحررية كما يسميها أصحابها، ولم تكن هناك "قسيسة" في الكنيسة أو "حاخامة" في الكنيس أو "كاهنة" في المعبد البوذي؟
لاريب أن هناك أيد ملوثة تشجع هذه المحاولات وتمولها، وإذا لاحظنا الإشارة في كلام السيدتين الفرنسيتين عن الفكر المعتزلي، وربطنا بينها وبين ما يقال في العالم العربي عن بعث الفكر المعتزلي، وتصويره بأنه الفكر العقلاني، بينما غيره هو الفكر الرجعي السلفي التقليدي الجامد، أدركنا لماذا الإصرار على تقديم إسلام غير الذي جاء به الوحي والسنة الشريفة.. إنها محاولة تبشيرية لتشكيل إسلام فرنساوي، مثل محاولة تشكيل إسلام أمريكي من قبل، يقدم الرقص والغناء والسيارة لكزس على أساسيات الحياة الاجتماعية من علم وعمل معرفة؟
ما علاقة العبادات التي تكون بين العبد وربه بقيم العقلانية والتحررية والتقدمية والليبرالية الاشتراكية وغيرها؟ إنهم ينكرون على الإسلام أن يكون له شأن بالسياسة والمجتمع، ويحصرونه بين أربعة جدران، فلماذا يدخلون بين هذه الجدران بمبادئهم السياسية والفكرية؟ إنهم يردّدون ليل نهار أن الإسلام ليس سياسة مع أنه كله سياسة، وحين يدخل الإسلام المسجد للصلاة يقحمون السياسة فيه.
لماذا؟
لقد ابتهج العلمانيون في بلاد العرب بهذه النسخة من الإسلام الفرنساوي وباركوها، وصفقوا لها، لأنها من وجهة نظرهم تعبّر عن تطوير للإسلام، وتأقلم مع العصر، ولكنهم لم يطلبوا من النصارى واليهود والوثنيين تطوير معتقداتهم.
إن علمنة المسلمين في فرنسا وأجيالهم الجديدة، والداخلين في الإسلام من الفرنسيين، تعبير عن موروث بغيض من التعصب والكراهية، (الإسلامو فوبيا) ، وقد عبر عنه الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي بمخططه الذي سماه الإسلام الفرنساوي l’islam de France " ، وغايته الصريحة، هي القضاء على الإسلام في بلاده من خلال إلغاء الهوية الإسلامية.
لا أحد في فرنسا يستطيع أن يغير تقاليد الكهنوت، أو يجعل سيدة تقود القداس يوم الأحد، أو تقوم بطقوس الغفران والحرمان، ولكن القوم في حربهم ضد الإسلام لا يتورعون عن العبث بالقرآن الكريم وتأويله على هواهم، والإطاحة بما اتفقت عليه الأمة منذ عصر المبعث، ومخالفة العبادات التي اصطلح عليها المسلمون. ويحسبون بعد ذلك أنهم حققوا التقدم والاستنارة والتحرر؟!
المفارقة أن دعاة العلمانية في فرنسا والغرب، لا يتقبلون أن يعبرّ المسلمون عن إسلامهم، يسمحون لليهود والبوذيين والسيخ والهندوس وغيرهم أن يمارسوا طقوسهم بالطريقة التي تروقهم، ولكنهم يضيقون بشعائر الإسلام، ويصرون على التدخل فيها، وإلا فإن العدوان على المسلمين والمسلمات صار أمراً عادياً في بلاد التنوير والحرية! في الوقت الذي أعلنت فيه الإمامتان عن خطتهما الشائهة، نشرت وكالة الأناضول خبراً عن تعرض محجبة، الأربعاء 11/9/2019م، لطعنة بالسكين أمام زوجها وابنيها في بلدة سوريل كومتال، جنوبي فرنسا.. وقالت صحيفة لوباريزيان الفرنسية، إن السيدة المحجبة أصيبت بجروح بالغة ونقلت إلى المستشفى.
هكذا يتعاملون مع المسلمات المحجبات، بالطعن ومحاولات القتل، ناهيك عن المضايقات في العمل والشواطئ والمواصلات والمدارس، ويبشرنا بعضهم في بلادنا أن العلمانية بإسلامها الفرنساوي ستجعلنا في مصاف الدول المتقدمة. يا حسرة على العباد!
المؤلم حقاً أن يكون هناك بعض من بني جلدتنا يتسمون بأسماء إسلامية، ويصرون على نقل الإسلام الفرنساوي أو الأمريكي إلى بلادنا، وتتاح أمامهم سبل النشر والتعبير دون قيود أو سدود، فيرددون مزاعم مستهلكة، ويلحون عليها دون أن تتاح لعلماء الإسلام أن يردوا على مزاعمهم ويفندوها بدليل النقل ودليل العقل.
ما معنى الإصرار مثلا على تحميل الإسلام مسئولية ظلم المرأة، واستخدام السيف في الدعوة، ووضع الحضارات القديمة في مواجهة حضارة الإسلام وعطائه؟
لقد كان الإسلام أول من كرّم المرأة، وأنقذها من الوأد، وجعل لها ذمة مالية مستقلة، وهو ما لا يتوفر للمرأة في الغرب، والإسلام لم ينتشر أبدا بحد السيف، بدليل بسيط، وهو أن أكبر دولة إسلامية في العالم وهي إندونيسيا لم تطأها قدم مجاهد مسلم بل انتشر الإسلام فيها عن طريق التجار والمسافرين، ثم إن الحضارة الإسلامية هي حضارة الأخلاق والعمل والإتقان، وقامت على منهج التوحيد وليس الوثنية وعبادة الأشخاص.
إن الإسلام الفرنساوي الذي يتم تجنيد بعض المنسوبين إلى الإسلام لنشره، والدعوة إليه، لا يمثل الدين الحق، ولا يعبر عن إيمان حقيقي أو اقتناع بمنهجه وتشريعاته وآدابه. الإسلام مرجعيته الأولى: الكتاب والسنة وإجماع الأمة، عدا ذلك تخريب وعدوان على دين رب العالمين. وصدق الله تعالى:
"قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا" (الكهف: 103 - 105).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق