كفارة اليمين
السؤال :شيخنا هل يجوز تقديم الصيام على الإطعام والكسوة والعتق في كفارة اليمين؟ وهل يجوز إخراج ما يعادل الكفارة نقدا ؟ جزاكم الله خيرا.
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فان الكفارات عند الفقهاء -رحمهم الله تعالى- على ثلاثة أقسام:
الأول: تجب على التعيين (الترتيب) مطلقاً ككفارة القتل والظهار.
الثاني: تجب على التخيير (عدم الترتيب) مطلقاً كجزاء الصيد، وكفدية حلق الرأس
في الإحرام لمن برأسه أذى.
الثالث: تجب على بالتخيير والترتيب وهي كفارة اليمين، فيخيّر الحانث في يمينه بين العتق والكسوة والإطعام، فإن عجز عن واحدة منها صام ثلاثة أيام.
وكفارة اليمين على الترتيب والتخير الذي ذكره الله عز وجل في سورة المائدة ، في قوله تعالى:{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة:89]،فيختار واحدة من هذه الخصال الثلاثة ويفعلها : إطعام عشرة مساكين من أوسط ما يطعم أهله، أو كسوتهم ، أو تحرير رقبة ، ومن فعل واحدة منها فقد برئت ذمته ،وفعل ما وجب عليه ، فإن عجز عن جميع الخصال الثلاثة ، انتقل إلى الصوم ، فيصوم ثلاثة أيام ولا يجوز له الانتقال إلى الصيام وهو مستطيع الإطعام أو الكسوة أو العتق ، لقوله تعالى : {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة:89].
وعليه فلا يجوز تقديم الصوم في كفارة اليمين على الإطعام والكسوة والعتق بالإجماع ،فمن قدم الصوم فانه يكون له صيام نافلة ويؤجر ولا يعد أنه كفّر عن يمينه، وعليه أن يكفّر ويختار بين الإطعام والكسوة والعتق.
قال ابن المنذر -رحمه الله- في الإجماع [ص 38] : (أجمعوا على أن الحالف الواجد للإطعام ، أو الكسوة ، أو الرقبة ، لا يجزئه الصوم إذا حنث في يمينه). وسئُل الشيخ محمد صالح بن عثيمين (رحمه الله تعالى) في مجموع فتاويه عن حكم رجلٍ حلف على شيء ثم حنث في يمينه ، وصام مع قدرته على الإطعام ؟ فأجاب :(إذا صام الإنسان في كفارة اليمين وهو قادر على إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة ، فإن الصوم يكون نافلة ، وعليه أن يأتي بالكفارة ، لكن الصوم لا يضيع ، يكون نافلة له ، وليطعم).
والإطعام المذكور هو: أن يعطى كل مسكين نصف صاع من قوت البلد (كيلو غرام وربع تقريبا)، أو يغدي أو يعشي من أوسط ما يطعم الإنسان أهله، أما الكسوة فيعطى كل مسكين كسوة تستر عورته وتجزئه في الصلاة ، ولا بد أن يكون الإطعام لعشرة مساكين، ولا يجزئ إطعام مسكين واحد عملا بظاهر القرآن الكريم.
وأما إخراج القيمة في الزكاة والكفارة ونحو ذلك، فقد ذهب الإمام مالك والإمام الشافعي ورواية عند الإمام أحمد أنه لا يجوز، ومذهب الإمام أبي حنيفة ورواية عن الإمام أحمد أنه يجوز.
قال ابن عبد البر-رحمه الله- في كتاب الكافي في فقه أهل المدينة المالكي عن كفارة اليمين [1/452]: (ولا تجوز في ذلك القيمة فإن لم يجد شيئاً من ذلك كله صام ثلاثة أيام متتابعات).
وقال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني [9/542]:) لا يجزئ في الكفارة إخراج قيمة الطعام ، ولا الكسوة ، في قول إمامنا- يعني أحمد- ، ومالك ، والشافعي ، وابن المنذر ، وهو الظاهر من قول عمر بن الخطاب ، وابن عباس ، وعطاء ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، والنخعي.(
قال الحصكفي -رحمه الله- في الدر المختار[ص 130]: (وجاز دفع القيمة في زكاة وعشر وخراج وفطرة ونذر وكفارة(.
وقال السرخسي -رحمه الله- في المبسوط:) أداء القيمة مكان المنصوص عليه في الزكاة والكفارات، جائز عندنا).
ووافقهم شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- إذا كان في إخراج القيمة النقدية حاجة ومصلحة للمساكين، ومنعها في حال عدم وجود ذلك، فقال في الفتاوى [25/82] : (وأما إخراج القيمة في الزكاة والكفارة ونحو ذلك ،فالمعروف من مذهب مالك والشافعي أنه لا يجوز، وعند أبي حنيفة يجوز، وأحمد -رحمه الله- قد منع القيمة في مواضع وجوزها في مواضع، فمن أصحابه من أقر النص ومنهم من جعلها على روايتين، والأظهر في هذا أن إخراج القيمة لغير حاجة ولا مصلحة راجحة ممنوع منه، إلى أن قال: وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة أو العدل فلا بأس به).
المفتى به:
كفارة اليمين تجب على بالتخيير والترتيب وهي كفارة اليمين، فيُخيّر الحانث في يمينه بين العتق والكسوة والإطعام، فإن عجز عن واحدة منها صام ثلاثة أيام .
والقول بعدم جواز إخراج القيمة النقدية للكفارة أوفق لظاهر نص القرآن الكريم ، وأبرأ للذمة، ولكن في حالات خاصة يجوز إخراج القيمة النقدية للحاجة أو لمصلحة الفقير، كما ذهب الإمام أبو حنيفة وشيخ الإسلام ابن تيمية وقول للإمام احمد كما ذكرنا، والله تعالى اعلم .
د ضياء الدين عبدالله الصالح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق