حكم الطلاق بالكتابة
السؤال: شيخنا ما حكم الطلاق بالكتابة، او عن طريق ارسال رسالة نصية من الهاتف او البريد الالكتروني؟ افتونا بارك الله فيكم.
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اختلف الفقهاء في حكم الطلاق بالكتابة على ثلاثة أقوال:
القول الاول: وقوع الطلاق بالكتابة من الحاضر والغائب وهو من قبيل الكناية، يقع إن قصد المطلق به الطلاق، ولا يقع إن لم يقصد به المطلق الطلاق. وهو مذهب جماهير الفقهاء ومنهم الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة.
قال الامام الكاساني في بدائع الصنائع [3/109]: (النوع الثاني فهو أن يكتب على قرطاس أو لوح أو أرض أو حائط كتابة مستبينة لكن لا على وجه المخاطبة امرأته طالق فيسأل عن نيته؛ فإن قال: نويت به الطلاق وقع، وإن قال: لم أنو به الطلاق صدق في القضاء؛ لأن الكتابة على هذا الوجه بمنزلة الكناية، لأن الإنسان قد يكتب على هذا الوجه ويريد به الطلاق وقد يكتب لتجويد الخط فلا يحمل على الطلاق إلا بالنية .
وإن كتبت كتابة غير مستبينة بأن كتب على الماء أو على الهواء فذلك ليس بشيء حتى لا يقع به الطلاق وإن نوى؛ لأن ما لا تستبين به الحروف لا يسمى كتابة فكان ملحقا بالعدم، وإن كتب كتابة مرسومة على طريق الخطاب والرسالة مثل: أن يكتب أما بعد يا فلانة فأنت طالق أو إذا وصل كتابي إليك فأنت طالق يقع به الطلاق، ولو قال: ما أردت به الطلاق أصلا لا يصدق).
قال الامام ابن قدامة المقدسي في المغني [7/485 ] : ( ولا يقع الطلاق بغير لفظ الطلاق ، إلا في موضعين : أحدهما ، من لا يقدر على الكلام ، كالأخرس إذا طلق بالإشارة ، طلقت زوجته ...
الموضع الثاني : إذا كتب الطلاق ، فإن نواه طلقت زوجته ، وبهذا قال الشعبي ، والنخعي والزهري والحكم وأبو حنيفة ومالك وهو المنصوص عن الشافعي.
وإن كتب بلا نية الطلاق ، لم يقع عند الجمهور : لأن الكتابة محتملة ، فإنه يقصد بها تجربة القلم ، وتجويد الخط ، وغمّ الأهل ، من غير نيّة).
وقد سُئل الشيخ العلامة ابن باز رحمه الله عن الطلاق بالكتابة كما في مجموع فتاويه: ( فأجاب : هذا الطلاق غير واقع على المرأة المذكورة إذا كان لم يقصد به طلاقها , وإنما مجرد الكتابة أو أراد شيئا آخر غير الطلاق , لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات . . .الحديث )، وهذا قول جمع كثير من أهل العلم وحكاه بعضهم قول الجمهور , لأن الكتابة في معنى الكناية , والكناية لا يقع بها الطلاق إلا مع النية في أصح قولي العلماء ، إلا أن يقترن بالكتابة ما يدل على قصد إيقاع الطلاق فيقع بها الطلاق .
والحادثة المذكورة ليس فيها ما يدل على قصد إيقاع الطلاق والأصل بقاء النكاح والعمل بالنية ) .
القول الثاني: أن الكتابة الصريحة كاللفظ الصريح يقع بها الطلاق من دون نيّة، وهو قول للحنفية، والمالكية، والشافعية، ورواية عن الإمام أحمد ، لان الكتابة حروف يُفهم منها صريح الطلاق، فهي كالكلام تنبئ عن المراد.
قال الإمام محمد بن الحسن في كتاب الاثار [2/517]: (الرجل يكتب إلى امرأته إذا جاءك كتابي هذا فأنت طالق، لم تطلق حتى يأتيها الكتاب، وإن ضاع، أو محي، فليس بشيء، وإن كان كتب أما بعد: فأنت طالق، فهي طالق حين كتب).
وقال الازهري المالكي في جواهر الاكليل شرح مختصر الشيخ خليل [1/ 348]: (ولزم الطلاق ووقع بالكتابة لصيغته من الزوج حال كونه ناويا الطلاق بكتابة صيغته من غير تلفظ بها؛ لأن القلم أحد اللسانين، فنزلت الكتابة منزلة اللفظ) .
وقال الامام النووي في روضة الطالبين[ 3/ 441]: (إذا كتب القادر بطلاق زوجته، نظر، إن أقر ما كتبه وتلفظ به في حال الكتابة، أو بعدها، طلقت، وإن لم يتلفظ، نظر، إن لم ينو إيقاع الطلاق لم تطلق على الصحيح، وقيل: تطلق وتكون الكتابة صريحًا، وإن نوى ففيه أقوال وأوجه وطرق، مختصرها ثلاثة أقوال: تطلق مطلقًا، والثاني: لا، والثالث: تطلق إن كانت غائبة عن المجلس، وإلا فلا ).
القول الثالث: عدم وقوع الطلاق بالكتابة مطلقا، وإنما يقع باللفظ من القادر عليه، ويطلق من لا يحسن العربية بلغته باللفظ الذي يترجم عنه في العربية بالطلاق، ويطلق الأبكم والمريض بما يقدر عليه من الصوت، أو الإشارة التي يوقن بها من سمعها قطعا أنهما أرادا الطلاق .
وهو مذهب الظاهرية، وقول للشافعية. لان الأصل بقاء عقد الزواج الصحيح، والكتابة أمر يتطرق إليه الاحتمال، واليقين لا يزول بالشك شرعاً، وعقلاً، وواقعاً.[ ينظر: المحلى بالآثار 9/454].
قال الامام الغزالي في الوجيز في فقه الامام الشافعي [ص287 ]: ( كتابة الطلاق من القادر على النطق، وهي ليس بصريح أصلًا، لكنها كناية على قول، ولغو على قول -أي لا يعتد به- وهو من الحاضر لغو ومن الغائب كناية على قول ثالث للعادة).
المفتى به:
هو ما ذهب اليه جماهير الفقهاء من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، الى قوع الطلاق بالكتابة من الحاضر والغائب وهو من قبيل الكناية، أي بفتقر الى نيّة الكاتب ، فيقع إن قصد المطلِق به الطلاق، ولا يقع إن لم يقصد به الطلاق، لان الطلاق بالكتابة يتطرق إليه الاحتمال، والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال لا يرفع إلا بالقصد أو النيّة.
واشترط الفقهاء وقوع الطلاق بالكتابة أن تكون الكتابة مستبينة؛ أي بيّنة واضحة بحيث تُقرأ في ورقة ونحوها، وان تكون مرسومة أي مكتوبة بعنوان الزوجة بأن يكتب إليها: يا فلانة أنت طالق، ويرسلها لها على عنوانها او على رقم هاتفها ، وكذلك أن يقرَّ على نفسه انه هو من كتبها قاصد لها، لاحتمال التزوير، كأن تُرسل دون علمه من هاتفه.
فإذا لم يوّجه الكتابة إلى زوجته ويرسلها اليها ، بأن كتب على ورقة او على هاتفه: أنت طالق، أو زوجتي طالق، فلا يقع الطلاق حينئذ إلا بالنّية، لاحتمال أنه كتب هذه العبارة من غير أن يقصد إلى الطلاق، بل قصد تحسين خطه او لتجربة الهاتف. والله تعالى اعلم
د. ضياء الدين عبدالله الصالح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق