ما المقصود بعبارة "الجمع بين الأصالة والمعاصرة"
.
يردد الباحثون في المناهج التعليمية هذه العبارة، وحينما نأتي إلى المناهج نفسها نجد هناك ما يشبه "القص واللصق"؛ مقرر أصالة +مقرر معاصرة! أو مقرر يضم معلومات متنافرة بعضها أصالة وبعضها معاصرة! يعني أن الطالب بالمحصلة يأخذ معلومات من هنا وأخرى من هناك، ليخرج بالنتيجة بحصيلة مشوّهة ومشوّشة، كأنما يطلب منه أن يعيش في عصرين مختلفين، وهذا في تقديري ولّد حالة من "الازدواجية"، وهي ازدواجية تترسخ عنده أيضا حينما يذهب إلى المسجد فيسمع خطابا ثم لما يجلس مع أسرته أمام التلفاز يسمع خطابا آخر، مع أن التعليم مطلوب منه أن يعالج هذه الظاهرة وتداعياتها، وأن يبني شخصية الطالب القادرة على التعامل بوضوح واتزان مع كل مصادر المعرفة المختلفة والمتناقضة والتي تعج بها حياتنا المعاصرة.
.
إن الجمع بين الأصالة والمعاصرة ينبغي أن يفهم على أنه مشروع تربوي قادر على تمكين الطالب من تحقيق الانتماء الراسخ لهويته وأمته وتأريخه وتراثه ثم توظيف كل هذا بوعي واتزان للعيش في هذا العصر والتعامل مع أدواته ومعطياته وإشكالاته وتحدياته.
.
إنه من الخطأ الفادح أن تحفظ القرآن الكريم وتقرأ كتب السنّة والتفسير والفقه ثم لما تواجهك مشكلة سياسية أو إدارية أو اقتصادية تنسى كل ذلك لتذهب إلى ما أنتجته الحضارة الغربية بقيمها ومعاييرها ومصطلحاتها، ثم لا تنسى أن تستفتح بالبسملة وتختم بالحمدلة لكي تثبت أنك تجمع بين الأصالة والمعاصرة!
إنه من الخطأ الفادح أن نستنسخ نظام البنوك الربوية بالكامل ثم نبحث عن مخارج شرعية لبعض المشكلات التفصيلية ثم نقول: ها لقد صارت عندنا بنوك إسلاميّة!
وهناك خطأ فادح في المقابل يتمثل في استنساخ فتاوى الأقدمين الاجتهادية التي كانت تناسب زمانا غير زماننا، وتعالج مشكلات ليست هي مشكلاتنا، ثم تقدّم للناس على أنها حكم الله!
.
أيها السادة إن الجمع بين الأصالة والمعاصرة مسؤولية عظيمة تحتاج إلى عقول إستثنائية وخبرات متراكمة وعمل متواصل ومؤهّلات الاجتهاد الشرعي والعلمي، ولا ينبغي أن تكون مجرد رغبة شخصية أو شعار جميل نتغنى به.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق