الجمعة، 18 نوفمبر 2022

وقفات مع (ولاية المتغلب)

 (ولاية المتغلب)

.
شاهدت قبل قليل مقابلة لأحد أعلام الفكر المعاصر حول قول الفقهاء بولاية المتغلب.
وإثراء للموضوع أحببت أن ألفت اهتمام المهتمين بهذه المسألة للنظر في النقاط الآتية:
١-إن قول الفقهاء بولاية المتغلب ليس معناه أننا نعفي المتغلب من الإثم، خاصة إذا اقترف في طريقه للتغلب مظالم من قتل واضطهاد وتكميم للأفواه ومصادرة للحريات، فهذا لا ينبغي أن يكون محل خلاف أصلا، فالولاية هذه نافذة سياسة وقضاء وليست نافذة (ديانة).
٢-إن قول الفقهاء بولاية المتغلب هو قول بموازنة المصالح والمفاسد، وليس قولا بحق المتغلب الشرعي، حيث لم تكن في السابق وسيلة لتغيير الحاكم المتغلب إلا استخدام القوة، وهذه الوسيلة قد تهلك الحرث والنسل، وتدخل البلاد في حروب أهلية مدمرة، فتكون المخاطر أكبر بكثير من وجود حاكم متسلط إذا كان هذا الحاكم المتغلب يحافظ على البلاد ووحدتها وهيبتها، كما عرف ذلك في تاريخنا الطويل، حيث لم يكن الحكام عملاء ولا مفسدين أو متآمرين، بخلاف ما نراه اليوم.
٣-إن البديل عن (التغلب) إنما هو الشورى، وتحقق الشورى بمعناها الشمولي والدقيق في تلك الأزمنة شبه متعذر، فلو أردت مثلا أن تجمع آراء الأمة المسلمة من المشرق إلى المغرب فإنك تحتاج إلى سنوات، وحتى لو اقتصرت الشورى على أهل العلم والرأي (أهل الحل والعقد) فإن هؤلاء موزعون في الأمصار من الأندلس إلى مصر إلى الشام وبغداد واليمن والهند، فكيف نجمع أصواتهم؟ ولذلك كانت فكرة وجود قوة متغلبة تحسم الخلاف والانقسام مقبولة إلى حد ما، ولو كان عند فقهائنا القدامى الوسائل المتيسرة اليوم لما قالوا بذلك القول، والله أعلم. فلا ينبغي محاكمة تاريخنا الإسلامي بأدوات العصر ومعاييره.
٤-إن هناك قيما أخرى وحقوقا لا تحصى بعضها يتعلق بحياة الناس وأمنهم، وبعضها يتعلق بضمان ممتلكاتهم وأسباب رزقهم، وبعضها يتعلق بثروات البلاد، وغير ذلك وهذه كلها لا ينبغي أن نعرضها للضياع والفوضى بتغليب جانب (حق المشاركة في اختيار الحاكم) إذا كان هذا الحق من شأنه أن يعرض كل هذه الأشياء للضياع، فالموازنة هنا مطلوبة، وللفقهاء أقوال تفصيلية في هذه الموازنة لا ينبغي إهمالها. وأدعو هنا لمراجعة كتاب (غياث الأمم) للإمام الجويني رحمه الله.
.
أقول هذا لأني رأيت بعض الكتاب والناشرين قد بنوا على ذلك القول تصورات غير صحيحة عن فقهنا وفقهائنا، كالقول بأن قيمة الحرية مثلا لم تكن معروفة في تراثنا حتى جاء بها الغربيون اليوم! وهذا كلام باطل واستنتاج خاطئ، وموقف فقهائنا من الظلم والظالمين أكبر من أن يكون محل خلاف أو نقاش.
.
د محمد عياش الكبيسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق