تحرير آراء علماء المذهب الحنفي في حكم كشف وجه المرأة والنظر إليه (نسخة مختصرة)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه
هذا مبحث في جمع أقوال فقهاء المذهب الحنفي في مسألتي:
١) حكم كشف وجه المرأة أمام الرجال الأجانب
٢) وحكم نظر الرجال الأجانب إلى وجه المرأة إن كان مكشوفا
وتلخيصا لأقوالهم في المسألة الأولى:
فقد قال جمهور فقهاء الحنفية بجواز كشف المرأة وجهَها أمام الرجال، وكره بعضهم ذلك، وأوجب ستره اثنان لا ثالث لهما.
وتلخيصا لأقوالهم في المسألة الثانية:
فقد قال جمهور فقهاء الحنفية بجواز نظر الرجل إلى وجه الأجنبية، وكره بعضهم ذلك دون تحريم واستحب غض البصر عنه دون إيجاب، ولم يقل بتحريم النظر مطلقا منهم أحد.
وهذا نقل مختصر للغاية لأقوالهم يستعرض موضع الشاهد منها فقط، ومن أراد مطالعة كلامهم بتمامه فهو موجود على هذا الرابط
القسم الأول: من أباحوا كشف وجه المرأة، وأباحوا نظر الأجانب إليه
قال أبو حنيفة: (ولا بأس بأن ينظر إلى وجهها وإلى كفها، ولا ينظر إلى شيء غير ذلك منها).
وقال أبو يوسف: (لا بأس أن ينظر الرجل من المرأة .. إلى وجهها وكفيها).
وقال محمد بن الحسن: (وأما المرأة الحرة التي لا نكاح بينه وبينها ولا حرمة ممن يحل له نكاحها، فليس ينبغي له أن ينظر إلى شيء منها مكشوفا إلا الوجه والكف).
وروى ابن شجاع الثلجي، عن الحسن بن زياد اللؤلؤي، عن أبي حنيفة في قدم المرأة: (أنها ليست بعورة في حق النظر كالوجه والكفين).
وقال الطحاوي: (الرجل ينظر من المرأة التي لا محرم بينه وبينها إلى وجهها وكفيها، ولا ينظر إلى ما فوق ذلك من رأسها، ولا إلى أسفل منه).
وقال الحاكم الشهيد: (ولا ينظر الرجل من المرأة الحرة الأجنبية .. إلى غير الوجه والكف).
وقال أبو الليث السمرقندي: (يجوز النظر إلى الوجه والكفين، وهو النظر إلى المرأة التي لا يكون محرماً لها).
وقال القدوري: (ولا يجوز أن ينظر الرجل من الأجنبية إلا إلى وجهها وكفيها).
وقال الناطفي: (وأما الوجه الذي يجوز النظر إلى الوجه والكفين فهي المرأة الأجنبية إذا أمن نفسه)، وقال عن المرأة في الحج: (وإحرامها في وجهها .. وتسدل الثوب على وجهها).
وقال الحلواني: (القدمان ليستا بعورة).
وقال السغدي: (ولا يحل النظر إلى الأرحام غير المحرمة ما خلا الوجه والكفين).
وقال الأقطع: (ولا يجوز للرجل أن ينظر من الأجنبية إلا إلى وجهها وكفيها).
وقال الإسبيجابي: (ولا يجوز للرجل أن ينظر من الأجنبية إلا إلى وجهها وكفيها .. وأما قدماها فلا يجوز النظر إليها في رواية لعدم الحاجة إليه).
وقال السرخسي: (ولكنا نأخذ بقول علي وابن عباس رضي الله عنهما، فقد جاءت الأخبار في الرخصة بالنظر إلى وجهها وكفها).
وقال أبو المظفر السمعاني: (يجوز النظر إلى وجه المرأة وكفيها من غير شهوة).
وقال الخجندي: (وأما المرأة الأجنبية فإنه لا يحل له النظر إليها .. إلا الوجه والكفين إلى المفصل).
وقال يوسف الجرجاني: (ولا ينظر الرجل إلى الأجنبية الحرة إلى غير الوجه والكفين).
وقال الصدر الشهيد: (المرأة إذا صلت ولم تستر ظهر قدميها يجوز صلاتها لأن ظهر قدمها ليس بعورة، ألا ترى أنه يجوز للأجنبي أن ينظر إلى ذلك الموضع).
وقال الزمخشري: (والأجنبية ينظر إلى وجهها وكفيها، وقدميها في إحدى الروايتين).
وقال علاء الدين السمرقندي: (الأجنبيات وذوات الرحم بلا محرم: فإنه يحرم النظر إليها أصلا من رأسها إلى قدمها سوى الوجه والكفين، فإنه لا بأس بالنظر إليهما من غير شهوة).
وقال الولوالجي: (ولا ينظر من المرأة الحرة الأجنبية التي لا حرمة بينها وبينه إلى غير الوجه والكف).
وقال ناصر الدين السمرقندي: (ولا يجوز أن ينظر الرجل من الأجنبية إلا وجهها وكفيها).
وقال الكرابسي: (ما يجوز للأجنبي أن ينظر إلى موضع الزينة الظاهرة من الحرة، وهو الوجه والكف، لا يجوز مسه).
وقال رضي الدين السرخسي: (الأجنبيات وذوات رحم [غير] محرم، فلا يحل للأجنبي أن ينظر إلى شيء مكشوف منها إلا الوجه والكف).
وقال قاضيخان: (وما لا يكره النظر إليها من ذوات المحارم فلا بأس بأن يمسها بلا حائل بلا شهوة إلا الأجنبية، فإنه لا بأس بالنظر إلى وجهها ويكره المس).
وقال المرغيناني: (ولا يجوز أن ينظر الرجل إلى الأجنبية إلا إلى وجهها وكفيها)، وقال في حكم غطاء الرجل لرأسه في الحج: (ولأن المرأة لا تغطي وجهها مع أن في الكشف فتنة فالرجل بالطريق الأولى).
وقال جمال الدين الغزنوي: (ولا يحل في أجانب النساء الحرائر إلا في الوجه والكفين والقدمين).
وقال حسام الدين ابن مكي: (ولا يجوز أن ينظر الرجل من الأجنبية إلا إلى وجهها وكفيها).
وقال أبو منصور الكرماني عن إحرام المرأة: (وتكشف المرأة .. لكن لها أن تسدل ثوبا على وجهها إن أرادت، وتنحّيه عن وجهها ليقع الأمن عن النظر إليها).
وقال أبو المعالي بن مازة: (وأما النظر إلى الأجنبيات فنقول: يجوز النظر إلى مواضع الزينة الظاهرة منهن، وذلك الوجه والكف في ظاهر الرواية).
وقال ابن رمضان الرومي: (ولا ينظر من الأجنبية سوى وجهها وكفيها).
وقال الأسروشني: (حرم نظر الرجل إلى جميع أعضاء الحرة الأجنبية .. إلا وجهها وكفيها فقط).
وقال يوسف السجستاني: (العبد يدخل على مولاته بغير إذنها بالإجماع، وهو في النظر إليها كالأجنبي حتى ينظر إلى وجهها وكفيها).
وقال نجم الدين الزاهدي: (ولا يجوز أن ينظر الرجل من الأجنبية إلا وجهها وكفيها).
وقال ابن عبدالقادر الرازي: (ويحرم النظر إلى غير الوجه والكفين من الحرة الأجنبية).
وقال المحبوبي الجد: (ومن الأجنبية إلى وجهها وكفيها فقط).
وقال ابن مودود الموصلي: (ولا ينظر إلى الحرة الأجنبية إلا إلى الوجه والكفين).
وقال علي بن زكريا المنبجي: (ولكن الذي أباح بهذه الآية للمملوكين من النظر إلى النساء إنما هو ما ظهر ما الزينة،وهو: الوجه والكفان، وفي إباحته ذلك للمملوكين - وليسوا بذوي أرحام محرمة - دليل على أن الأحرار الذين ليسوا بذوي أرحام محرمة من النساء في ذلك كذلك).
وقال جلال الدين الخبازي: (واستثناء العضوين للابتلاء بإبدائهما).
وقال مظفر الدين ابن الساعاتي: (ولا ينظر من الحرة الأجنبية إلا إلى الوجه والكفين إذا أمن).
وقال أبو البركات النسفي: (لا ينظر إلى غير وجه الحرة وكفيها).
وقال عيسى القرشهري: (ولا ينظر إلى كفها ووجهها بشهوة).
وقال الزيلعي: (لا ينظر إلى غير وجه الحرة وكفيها).
وقال السمنقاني: (والنظر إلى الأجنبية ومسها لا يحل .. إلا الوجه والكفين إلى المفصل).
وقال عبيدالله بن مسعود المحبوبي (الحفيد): ("ومن الأجنبية إلى وجهها وكفيها فقط"، وهذا في ظاهر الرواية، وعن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه يحل النظر إلى قدمها).
وقال قوام الدين الكاكي: (ولا ينظر إلى غير وجه حرة وكفيها).
وقال قوام الدين الإتقاني: (قال: "ولا يجوز أن ينظر الرجل إلى الأجنبية إلا إلى وجهها وكفيها").
وقال جلال الدين الكرلاني: (لأن النظر إلى الوجه والكف مباح للأجنبي).
وقال أكمل الدين البابرتي: (أبيح النظر إلى بعض المواضع وهو ما استثناه الكتاب بقوله إلا وجهها وكفيها للحاجة والضرورة، وكان ذلك استحسانا لكونه أرفق بالناس).
وقال ابن العلاء الأندربتي: (وأما النظر إلى الأجنبيات فنقول: يجوز النظر إلى مواضع الزينة الظاهرة منهن، وذلك الوجه والكف في ظاهر الرواية).
وقال ابن أبي العز: (ولو استدل بما نقل عن ابن عباس وابن عمر وعائشة وعطاء وسعيد بن جبير أن ما ظهر منها: الوجه والكف، كذا ذكره ابن التركماني عن البيهقي لكان أظهر).
وقال أبو بكر الحدادي العبادي: (قوله: "ولا يجوز أن ينظر الرجل من الأجنبية إلا إلى وجهها وكفيها" لأن في إبداء الوجه والكف ضرورة لحاجتها إلى المعاملة مع الرجال أخذا وإعطاء).
وقال أبو المحاسن جمال الدين الملطي في المعتصر ج١ ص١٥٨: (المرأة في الإحرام لا تغطي وجهها مع سعة الأمر عليها في إحرامها في تغطية الرأس ولبس المخيط، فالرجل بذلك أحرى).
وقال بدر الدين بن قاضي سماونة: ("ولا ينظر من الحرة الأجنبية إلا الوجه والكفين لو أمن).
وقال ابن الضياء المكي عن إحرام المرأة: (ولو غطت وجهها بشيء وجافته عن وجهها جاز .. وفي الفوائد المشتملة على مسائل المختصر والتكملة: "أنها تغطي فيها إن شاءت").
وقال بدر الدين العيني: (يجوز النظر إلى وجه الأجنبية وكفيها).
وقال فخر الدين الرومي: (ولا يجوز أن ينظر الرجل إلى الأجنبية إلا إلى وجهها وكفيها).
وقال زين الدين ابن قطلوبغا: (قوله: "إلا وجهها وكفيها"، قال في الهداية: وهذا تنصيص على أن القدم عورة .. قلت: تنصيص الكتاب أولى بالصواب).
وقال ملا خسرو: (وينظر الرجل إلى وجه الأجنبية وكفيها فقط، لأن في إبداء الوجه والكف ضرورة لحاجتها إلى المعاملة مع الرجال أخذ وإعطاء ونحوهما).
وقال محمد بن يوسف القرماني: (حرُم نظر الرجل إلى جميع أعضاء الحرة الأجنبية .. ولو بغير شهوة إلا وجهها وكفيها فقط في ظاهر الرواية).
وقال مصلح الدين الأماسي: (ومن الأجنبية إلى وجهها وكفيها فقط إذا أمن الفتنة).
وقال سعدي جلبي عن النظر إلى الوجه والكفين: (فإن الحديث إنما دل على تحريم النظر عند تحقق الشهوة).
وقال بهاء الدين زاده: (فما كان ظاهرا منها كالخاتم والفتخة وهي ما لا فص فيه من الخاتم والكحل والصبغ ؛ فلا بأس فيه بإبدائه للأجانب بشرط الأمن من الشهوة).
وقال إبراهيم الحلبي: (ولا إلى الحرة الأجنبية إلا الوجه والكفين إن أمن الشهوة، وإلا فلا يجوز).
وقال أبو السعود أفندي: ("وَلَا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ إِلّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا" .. والمستثنى هو الوجه والكفان).
وقال ملا علي قاري: (وينظر الرجل من الأجنبية ومن السيدة إلى الوجه والكفين).
وقال حسن بن عمار الشرنبلالي: (وجميع بدن الحرة عورة إلا وجهها وكفيها باطنهما وظاهرهما في الاصح، وهو المختار … فشعر الحرة .. عورة .. ولا يحل النظر إليه مقطوعا منها).
وقال الشهاب الخفاجي: (ومذهب أبي حنيفة: الوجه والكفان والقدمان ليست بعورة مطلقا).
وجاء في الفتاوى الهندية المجموعة برئاسة نظام الدين البلخي: (وأما النظر إلى الأجنبيات فنقول: يجوز النظر إلى مواضع الزينة الظاهرة منهن، وذلك الوجه والكف في ظاهر الرواية).
وقال إسماعيل حقي: (وجميع الحرة عورة إلا وجهها وكفيها … فلا بأس بإبدائه للأجانب).
وقال أحمد ملا جيون اللكنوي: (مثل الوجه والكف فقط، لأن في سترهما حرجا بينا .. لما جوّز الله تعالى لها إظهار الكف والوجه علم أنه جوّز للناظر الأجنبي النظر إليهما).
وقال محمد بن حسين الطوري: (لا يجوز له النظر من المرأة إلى غير الوجه وكفيها).
وقال عبدالغني النابلسي: (وعورة الحرة: جميع بدنها إلا وجهها وكفيها وقدميها).
وقال أبو الثناء الآلوسي في تفسير آية الجلابيب: (وأنت تعلم أن وجه الحرة عندنا ليس بعورة، فلا يجب ستره، ويجوز النظر من الأجنبي إليه إن أمن الشهوة مطلقا، وإلا فيحرم).
وقال عبدالغني الغنيمي: (ولا يجوز للرجل أن ينظر من الأجنبية الحرة إلا إلى وجهها وكفيها).
وقال ظفر العثماني التهانوي: (ووجه الاستدلال أن الآثار المذكورة تدل على أنه يجوز كشف هذه الأعضاء للمرأة، ولما جاز كشفها لها جاز النظر إليها للرجال).
القسم الثاني: من أباحوا كشف وجه المرأة، وكرهوا النظر إليه واستحبوا غض البصر عنه دون تحريم
قال الكرخي: (النظر إلى وجه المرأة الأجنبية الحرة ليس بحرام، ولكنه يكره بغير حاجة).
وقال سراج الدين الأوشي: (النظر إلى وجه الأجنبية إذا لم يكن عن شهوة ليس بحرام، لكنه مكروه).
وقال الكاساني: (فلا يحل النظر للأجنبي من الأجنبية الحرة إلى سائر بدنها إلا الوجه والكفين .. والأفضل للشاب غض البصر عن وجه الأجنبية وكذا الشابة لما فيه من خوف حدوث الشهوة والوقوع في الفتنة).
وقال برهان الدين الكركي: (النظر إلى وجه الأجنبية إذا لم يكن عن شهوة ليس بحرام لكنه مكروه، وبشهوة حرام).
وقال محمد بن بيرعلي البركلي: (فإن كانت المنظور إليها حرة أجنبية غير محرم للناظر يحرم النظر إليها سوى وجهها وكفيها مطلقا .. والنظر إلى وجهها وكفيها من غير حاجة مكروه).
القسم الثالث: من استحبوا تغطية وجه المرأة دون إيجاب، وأباحوا النظر إليه إن كان مكشوفا
قال الجصاص: (فإذ قد أباح النظر إلى زينة الوجه والكف فقد اقتضى ذلك لا محالة إباحة النظر إلى الوجه والكفين)، وقال: (في هذه الآية دلالة على أن المرأة الشابة مأمورة بستر وجهها عن الأجنبيين وإظهار الستر والعفاف).
وقال حافظ الدين البزازي عن المرأة في الحج: (وتكشف وجهها .. وإن أرخت شيئا على وجهها تجافى وجهها لا بأس،فدلت المسألة على أنها لا تكشف وجهها على الأجانب من غير ضرورة)، وقال: (العبيد يدخلون على مولاتهم بلا إذنها إجماعا، وفي النظر إليها كالأجنبي).
وقال الكمال بن الهمام في إحرام المرأة: (والمستحب أن تسدل على وجهها شيئا وتجافيه .. ودلت المسألة على أن المرأةمنهية عن إبداء وجهها للأجانب بلا ضرورة، وكذا دل الحديث عليه)، وقال: (فالأولى الاستدلال على ذلك هو المصير إلى ما جاء من الأخبار في الرخصة في النظر إلى وجهها وكفيها).
وقال زين الدين ابن نجيم المصري (الأكبر): (قال مشايخنا: "تمنع المرأة الشابة من كشف وجهها بين الرجال في زماننا للفتنة)، وسئل عن النظر إلى وجه الأجنبية ؛ هل هو حرام لغير القاضي ومن هو في حكمه ؟ فأجاب: (لا يحرم إلا عند شهوة، والله أعلم).
وقال شمس الدين التمرتاشي: (وتمنع من كشف الوجه بين رجال لخوف الفتنة، ولا يجوز النظر إليه بشهوة كوجه أمرد)، وقال: (ومن الأجنبية إلى وجهها وكفيها فقط، وعبدها كالأجنبي معها).
وقال شيخي زاده داماد: (ولا ينظر الرجل إلى الحرة الأجنبية إلا إلى الوجه والكفين إن أمن الشهوة)، وقال: (وفي المنتقى: "تمنع الشابة عن كشف وجهها لئلا يؤدي إلى الفتنة).
وقال علاء الدين الحصكفي: (وتمنع المرأة الشابة من كشف الوجه بين الرجال لا لأنه عورة، بل لخوف الفتنة كمسه وإن أمن الشهوة … أما بدونها فيباح ولو كان جميلا كما اعتمده الكمال)، وقال عن إحرام المرأة: (لكنها تكشف وجهها لا رأسها، ولو سدلت شيئا عليه وجافته عنه جاز، بل يندب).
وقال ابن عابدين: (تُمنع من الكشف لخوف أن يرى الرجال وجهها فتقع الفتنة لأنه مع الكشف قد يقع النظر إليها بشهوة)، وقال: (قوله: "فلا يحل مس وجهها" أي وإن جاز النظر إليه على ما يأتي)، وقال: ("وعظم ذراع حرة ميتة"، احترز بالذراع عن عظم الكف والوجه مما يحل النظر إليه في الحياة).
وقال خليل السهارنفوري: (والمراد أن المرأة إذا بلغت لا يجوز لها أن تظهر للأجانب إلا ما تحتاج إلى إظهاره للحاجة ..ويدل على تقييده بالحاجة اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه، لا سيما عند كثرة الفساد وظهوره)، وقال: (عن سيدتنا عائشة في قوله تبارك وتعالى: "إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا: القلب والفتخة"، وهي خاتم أصبع الرجل، فدل على جواز النظر إلى القدمين).
القسم الرابع: من استحبوا تغطية وجه المرأة، واستحبوا غض البصر عنه إن كان مكشوفا دون إيجاب
قال أبو منصور الماتريدي: (وجائز أن يكون النظر إلى وجه المرأة حلالا إذا لم يكن بشهوة، لكن غض البصر وترك النظر أرفق وأزكى .. وأحسن للشابة وأفضل لها أن تستر وجهها ويديها عن الرجال ليس لأن ذلك حرام وإليها معصية، ولكن لما يُخاف في ذلك من حدوث الشهوة ووقوع الفتنة بها).
وقال عمر السنامي: (الحرة تمنع من كشف الوجه والكف والقدم فيما يقع عليه نظر الأجنبي لأنها لا تأمن عن شهوة بعض الناظرين إليها .. وفي شرح الكرخي: "النظر إلى وجه الأجنبية الحرة ليس بحرام، ولكن يكره بغير حاجة لأنه لا يؤمن الفتنة") ، وقال: (والزينة الظاهرة لا يجب سترها ولا يحرم النظر إليها .. قال الجصاص: "قال أصحابنا: يريد به الوجه والكفين .. فإذا أباح النظر إلى زينة الوجه والخاتم كان ذلك إباحة النظر إلى الوجه وكذلك الكف").
وقال شمس الدين القهستاني: (وينظر الرجل من الحرة الأجنبية إلى الوجه، وهذا في زمانهم، وأما في زماننا فمنع من الشابة، وينظر العبد من السيدة إلى الوجه، فالعبد كالأجنبي .. وفيه إشارة إلى أنه يحل النظر إلى وجه الأجنبية إلا أنه مكروه).
وقال سراج الدين ابن نجيم (الأصغر) في إحرام المرأة: (قالوا: "ويستحب أن تجعل على رأسها شيئا وتجافيه" .. ودلت المسألة والحديث على أنها منهية عن إبداء وجهها للأجانب بلا ضرورة)، وقال: ("إلا وجهها وكفيها وقدميها"، أما الوجه فلا خلاف فيه، ومنع الشابة من كشفه لخوف الفتنة، ولا تلازم بين سلب العورة عنه وحل النظر إليه).
وقال عبدالحليم بن محمد الشهير بأخي زاده: (مشايخنا قالوا: تمنع المرأة الشابة عن كشف وجهها بين الرجال في زماننا،وقد صرح في بعض الفتاوى أن النظر إلى وجه الأجنبية على وجه الشهوة حرام، وبدونها مكروه).
وقال أبو سعيد الخادمي: ("فإن كانت المنظورة" إليها "حرة أجنبية غير مَحْرَم" .. "للناظر: يحرم النظر إليها سوى وجهها وكفيها"، وفي القدم روايتان، والأصح كونها عورة)، وقال: ("والنظر إلى وجهها وكفيها" ظاهره الإطلاق "من غير حاجة مكروه" خشية إفضائه إلى الفتنة، ولهذا أمر بالالتفات).
وقال أحمد الطحطاوي: (قوله: "فلا يحل مس وجهها" وإن جاز النظر إليه مع الكراهة، كما في السراجية)، وقال: (قوله: "إلا وجهها"، ومنع الشابة من كشفه لخوف الفتنة لا لأنه عورة).
وقال خليل بن عبدالقادر الشيباني النحلاوي: (ينظر الرجل من المرأة الأجنبية الحرة - ولو كافرة - إلى وجهها وكفيها فقط للضرورة … وتُمنع الشابة من كشف وجهها لا لأنه عورة، بل لخوف الفتنة، وعبدها كالأجنبي معها .. فإن خاف الشهوة امتنع نظره إلى وجهها إلا لحاجة).
القسم الخامس: من أوجبوا تغطية وجه المرأة لأنه من المحتمل أن ينظر إليه رجل بشهوة، وأباحوا نظر الرجل الأجنبي إليه إذا كان النظر بدون شهوة.
قال حسام الدين السغناقي عن إحرام المرأة (واعلم أن سدل الشيء على وجهها واجب عليها، لما ذكر في الواقعات للناطفي أن المرأة المحرمة ترخي على وجهها خرقة، وتجافي عن وجهها، ودلت المسألة على أن المرأة منهية عن إظهار وجهها للرجال من غير ضرورة، لأنها منهية عن تغطية الوجه في النسك، ولولا أن الأمر كذلك لما أُمرت بهذا الإرخاء)، وقال نقلا عن الطحاوي: (ولكنا نأخذ بقول علي وابن عباس رضي الله عنهم، فقد جاءت الأخبار في الرخصة في النظر إلى وجهها وكفها).
وقال محمد ثناء الله المظهري: (وفي كتب الحنفية: كون وجه الحرة خارجا عن العورة غير مختص بالصلاة)، (فيلزمنا القول بأنه لا يجوز للمرأة الحرة إبداء وجهها لرجل ذي إربة غير الزوج والمحرم، فإن عامة محاسنها في وجهها، فخوف الفتنة في النظر إلى وجهها أكثر منه في النظر إلى سائر أعضائها).
وختاما أقول: لم يكن من اليسير تحرير بعض الآراء الواردة في هذا المبحث، تارة بسبب استخدامهم للألفاظ الموهمة، وتارة بسبب نقل بعضهم لأقوال سابقة دون تحديد موقفه منها بالموافقة أو المخالفة، ولذلك سيبقى الحكم النهائي حول رأي بعض الأفراد محل أخذ وردّ، إلا أنه من المقطوع به أن رأي المذهب الحنفي هو إباحة كشف وجه المرأة وإباحة النظر إليه، وأن مؤسسي المذهب ومحققيه وأصحاب المتون والشروح والحواشي قد صرّحوا بذلك بشكل لا يتطرق إليه الشك، ولا يساوره الريب، ولا يجادل فيه إلا مكابر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق