الاثنين، 10 يوليو 2023

دعوات المساواة وفقدان متعة الأمومة

 دعوات المساواة وفقدان متعة الأمومة

تسنیم راجح
كنت أحضر الكعك المملح مع أبنائي اليوم، ساعات ممتعة أقضيها في المطبخ في الصيف حين تنمو الأعشاب العطرية التي أنه هذه المخبوزات بها.
في مراحل بين تحضير العجين وقطف ورق الزعتر الذي يعطّره، ومن ثم تبريد العجين ومده وتقطيعه وتشكيله ،وخبزه كانت عملية فوضوية مع وجود ثلاث أطفال يقفزون ويريدون المساعدة في كل شيء، لكنها مريحة تماما في ذات الوقت.
كنت أشعر بجماليات خاصة لتفاصيل الأنوثة ورقتها ولرزق الأمومة وحنانها في تلك اللحظات كنت أجد في نفسي حبًا عظيمًا لأولئك الصغار مع كل أخطائهم وخلافاتهم ، وأجد رغبة في الحديث معهم وجعل هذا الوقت مميزا لنا معا، كنت أجد متعة بوضع الجهد البدني في مد العجين ليصير رقيقا ما أمكن، ثم تقطيعه وتهيئته ليدخل الفرن، كنت أجد سرورًا بمنتجنا البسيط معا ودفئًا وراحة وسكينة وأنسًا بهم وبحماسهم بما يعملون .
أمور كثيرة صغيرة عظيمة كنت أشعر بنعم الله فيها هناك، منها ما يصعب وصفه لشدة بساطته، ومنها ما ينبغي عيش اللحظة والدور ليصل لمن يقرأ دفئه وحنانه.
حرب ضد فطرة الأنوثة والأمومة
ثم في غمرة ذلك كله تذكرت الحرب التي تتم على الفطرة من قِبَل الشياطين الذين يريدون إنكار الأنوثة والرجولة واعتبارهما سواء أو شيئًا ناتجا عن المجتمع والتربية، الذين يدعون أن الأمومة شيء يمكن للرجل ملء فراغه، وأن صفات الأنثى يمكن أن تستبدل بصفات الرجل، وأنه لا يوجد فوارق بين الجنسين مطلقًا وتذكرت الحرب التي تشنها النسويات في تبخيس الأمومة وحقيقة الأنوثة والأدوار الفطرية للمرأة والرجل في الأسرة السوية وتذكرت كلام إحداهن عن أن المرأة في بيتها مستغلة؛ لأنها تقوم بعملها دون
مقابل مالي كذاك الذي للموظف
وتذكرت عبارات ونداءاتٍ مريضة كثيرة أخرى وتأملت خلال تلك اللحظات الحقيقية الصادقة كم تبدو تلك الكلمات والشعارات والحركات سخيفة ومنفصلة عن الواقع، وأنا هنا في الجانب الآخر، في الواقع البسيط، وبين أطفالي، وفي طمأنينة داري، في وسط هذه السكينة، وهذا الأنس، وهذا الشعور بتحقيق الذات فعلاً في عملية تربوية ونفسية ولو كنت سأستعير ألفاظ الغربيين لقلت أنها علاجية!)، وأنا أبني ارتباط أطفالي ببيتهم وببعضهم، وأصنع ذكرياتهم، وأدرس نفسياتهم، وأنمي في نفسي الصبر
وطول النفس، وفي نفوسهم الإتقان والعمل وسط الفريق وفهم خصائص المواد وأثر الحرارة والبرودة عليها، وأزيد مرونتهم وأُشعرهم بالنجاح حين يرون ناتج عملهم، وحين يتذوقون طعم ما صنعوا، فأرى في عيونهم البهجة وجمال الإنجاز.
هل يظن أولئك المخدوعون فعلاً أن دور الأم وطبيعته هو شيء يستطيع الرجل ملؤه ؟
إلى أي حد يكذبون على نفوسهم حين ينكرون رقة الأنوثة المعاكسة للذكورة ودورها الخاص العظيم؟ إلى أي حد يخدعون أنفسهم وينكرون حواسهم وعقلهم حين يقولون أننا رجالاً ونساءً متساوون في كل شيء؟!
ثم هل يعتقدون فعلاً أن المرأة تشعر بالتعاسة أو الانتقاص في أدوارها؟
نعمة الأمومة
كيف يشبهون الواحدة منا وهي مدركة لمركزية دورها (بفضل الله في الحياة اليومية لبشر يكبرون حولها بكلماتها ونظراتها وصبرها وحنوّها ويعتمدون عليها، وتؤدي مسؤولياتٍ عظيمةً ،نحوهم كيف يشبهون هذا بعمل موظف عند مدير بالكاد يعرفه أو يكترث بخصوصياته، ويمكن لأي فرد يملك ذات المؤهلات المهنية أن يستبدله في مكانه؟ هل فعلاً يظنون أننا معشر الأمهات المسلمات الفاهمات لأدوارنا نفعل الذي نفعله كأمهات وزوجات وربات بيوت دون
مقابل دنيوي وأخروي نعلمه ونشعر به؟!
ألا يدركون سعادتنا هناك التي تفوق سعادة أطفالنا بنا؟ ألا يدركون أن هناك ما هو فطري وغريزي وطبيعي جدا في رغبة الأنثى بالأمومة وبالحنو على أطفالها وفي تقديم العناية لهم، وفي المقابل النفسي والمعنوي والدنيوي أيضًا الذي تلقاه منهم ومن زوجها أثناء ذلك وبعده؟ حين يُقبلون عليها بحضن دافئ، حين يعبرون عن حبهم لها حين يقلدونها في حركات اجتهدت لترضي الله بها أمامهم، حين يصفونها بما تحمد الله عليه، وحين يحيطونها بالأمان وهم يكبرون أمامها ويقدّرونها ويبرونها، وحين تبني خلال ذلك وبالتوازن معه علاقتها الطيبة طويلة الأمد ،بزوجها، وتعمل الخير نفسها وأمتها في دنياها وآخرتها.
تأملي أختي في لحظاتك اليومية وفي أثرك وقدراتك الكثيرة ، وفي نجاحاتك اليومية التي تعلمينها احمدي الله على نعمه العظيمة عليك في أنوثتكِ، سواء كنتِ أختاً أو ابنةً أو زوجة أو أما.
كم يبدو خطاب أولئك المضلين سخيفا فعلاً في تلك المواقف هم لا يفهمون من الحياة إلا مناكفة الحقوق، والأخذ للنفس، والوصول للمساواة المريضة، والانشغال بأسئلة من نوعية: ماذا عني؟ لماذا أفعل ولا يفعل؟ كيف أستقل عنه؟.. فيفقدون جمال هذه اللحظات البسيطة، ولا يتمكنون من تذوق هذه اللذات والنعم اليومية.
وكم أشفق على من أنكرت فطرتها وعاشت مضحوكًا عليها بأنها (تناضل) في سبيل حقوق وشعارات وهمية! كم أشفق عليها
فعلاً.
** المصدر: قناة "تسنيم" "راجح بالتليجرام، ٢٠٢٣/٦/٢٦، بتصرف يسير.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق