الاثنين، 17 يوليو 2023

وقفات مع من يتهم سيد قطب ( رحمه الله ) بطعنه في الصحابة الكرام .

 


تقول التهمة أن سيد قطب رحمه الله يبغض الصحابة وينتقص من قدرهم ، خصوصا ثلاثة منهم :

1- عثمان بن عفان

2- معاوية بن أبي سفيان

3- عمرو بن العاص


رضي الله عنهم أجمعين ..

وهذه التهمة يدلل عليها بكتابي : " العدالة الاجتماعية " و " كتب وشخصيات " .

فمن الأمثلة قول سيد قطب في العدالة :


1-

قال سيّد قطب في كتابه "العدالة الاجتماعيّة"[ص159]: "هذا التّصوّر لحقيقة الحكم قد تغيّر شيئًا ما دون شكّ على عهد عثمان - وإن بقي في سياج الإسلام - لقد أدركت الخلافة عثمان وهو شيخ كبير. ومن ورائه مروان بن الحكم يصرّف الأمر بكثير من الانحراف عن الإسلام.كما أنّ طبيعة عثمان الرّخيّة، وحدبه الشّديد على أهله، قد ساهم كلاهما في صدور تصرّفات أنكرها الكثيرون من الصّحابة من حوله، وكانت لها معقبات كثيرة، وآثار في الفتنة التي عانى الإسلام منها كثيرًا.
منح عثمان من بيت المال زوج ابنته الحارث بن الحكم يوم عرسه مئتي ألف درهم. فلمّا أصبح الصّباح جاءه زيد بن أرقم خازن مال المسلمين، وقد بدا في وجهه الحزن وترقرقت في عينه الدّموع، فسأله أن يعفيه من عمله؛ ولما علم منه السّبب وعرف أنّه عطيته لصهره من مال المسلمين، قال مستغربًا: "أتبكي يا ابن أرقم أن وصلت رحمي؟" فردّ الرجل الّذي يستشعر روح الإسلام المرهف: "لا يا أمير المؤمنين. ولكن أبكي لأنّي أظنّك أخذت هذا المال عوضًا عمّا كنت أنفقته في سبيل الله في حياة رسول الله. والله لو أعطيته مئة درهم لكان كثيرًا!" فغضب عثمان على الرّجل الّذي لا يطيق ضميره هذه التّوسعة من مال المسلمين على أقارب خليفة المسلمين وقال له: "ألقِ المفاتيح يا ابن أرقم فإنّا سنجد غيرك"!
والأمثلة كثيرة في سيرة عثمان على هذه التّوسعات؛ فقد منح الزّبير ذات يوم ستمائة ألف، ومنح طلحة مائتي ألف، ونفّل مروان بن الحكم خمس خراج إفريقية. ولقد عاتبه في ذلك ناس من الصّحابة عل رأسهم علي بن أبي طالب، فأجاب: "إنّ لي قرابة ورحمًا" فأنكروا عليه وسألوه: "فما كان لأبي بكر وعمر قرابة ورحم؟" فقال: "إنّ أبا بكر وعمر كان يحتسبان في منع قرابتهما، وأنا أحتسب في إعطاء قرابتي" فقاموا عنه غاضبين يقولون: "فهديهما والله أحب إلينا من هديك"
وغير المال كانت الولايات تغدق على الولاة من قرابة عثمان. وفيهم معاوية الّذي وسع عليه في الملك فضمّ إليه فلسطين وحمص؛ وجمع له قيادة الأجناد الأربعة ومهد له بعد ذلك أن يطلب الملك في خلافة علي وقد جمع المال والأجناد. وفيهم الحكم بن العاص طريد رسول الله الّذي آواه عثمان وجعل ابنه مروان بن الحكم وزيره المتصرّف. وفيهم عبد الله بن سعد بن أبي السّرح أخوه من الرّضاعة…الخ" اهـ كلامه.



2-


قال سيد قطب في كتابه :[ كتب وشخصيات] ص/[242-243] :


" إن معاوية وزميله عمْراً لم يغلبا علياً لأنهما أعرف منه بدخائل النفوس، وأخبر منه بالتصرف النافع في الظرف المناسب. ولكن لأنهما طليقان في استخدام كل سلاح، وهو مقيد بأخلاقه في اختيار وسائل الصراع. وحين يركن معاوية وزميله إلى الكذب والغش والخديعة والنفاق والرشوة وشراء الذمم لا يملك على أن يتدلى إلى هذا الدرك الأسفل. فلا عجب ينجحان ويفشل، وإنه لفشل أشرف من كل نجاح.

على أن غلبة معاوية على علي، كانت لأسباب أكبر من الرجلين : كانت غلبة جيل على جيل، وعصر على عصر، واتجاه على اتجاه. كان مد الروح الإسلامي العالي قد أخذ ينحسر. وارتد الكثيرون من العرب إلى المنحدر الذي رفعهم منه الإسلام، بينما بقي علي في القمة لا يتبع هذا الانحسار، ولا يرضى بأن يجرفه التيار. من هنا كانت هزيمته , وهي هزيمة أشرف من كل انتصار."



=\==\

وقد نقل هذه العبارات وغيرها الشيخ ربيع المدخلي في كتاب ( طعون سيد قطب في الصحابة ) ، والكتاب موجود في موقع الشيخ لمن أراد أن يقرأه . والأمثلة فيها ما هو اسوأ مما ذكرناه هنا وفيها ما هو أقل سوءا .

والحاصل أن هذه التهمة ليست كغيرها من التهم ، أي بلا دليل واضح ، فمعظم ما يتهم به الأستاذ سيد قطب رحمه الله ناتج عن سوء فهم لكلامه رحمه الله ، أو سوء نية في تتبع كلامه .

وهذا الكلام الذي قاله سيد قطب لا يشك مسلم أنه غاية في السوء ، وأنه ينطبق على من يؤمن به عبارات أكثر من أن تحصى تناقلتها الأمة بدأ برسولها محمد صلى الله عليه وسلم إلى كبار أهل العلم في وقتنا هذا .. فمن قائل أنه زنديق ، ومن قائل أنه منافق ، ومن قائل أنه إذا تنقصهم كلهم فإنه كافر لتشكيكه في عدالة الجيل الذي نقل إلينا الإسلام .

ولكن : هل كان سيد قطب يؤمن بالكلام هذا حين موته ؟ أم أنه رجع عنه ؟ وما هو الرد على من قال بأن سيد قطب :

1- لا يحترم الصحابة

2- يطعن فيهم

3- رافضي !

4- يشابه الروافض والخوارج في سبهم للصحابة رضي الله عنهم

وما هي الأدلة على ردودنا عليهم ؟!

=\=\=\=\=

أولا :

كتاب " العدالة الاجتماعية " و كتاب " كتب وشخصيات " من الكتب القديمة لسيد قطب ، التي كتبها في جاهليته وقبل أن يتعرف على الإسلام .. وكان دافعه لكتابة " العدالة " هو الرد على الاشتراكيين في وقته .. فمع أنه أراد الخير وأراد نصرة الإسلام إلا أنه أخطأ خطأ عظيما في حق صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .


ثانيا :

هذا الكتاب والكتاب الآخر " كتب وشخصيات " ، يجمع العارفون بسيد قطب رحمه الله أنه تخلى عن " الأفكار " و " التصورات " التي فيه .. مع اختلافهم في تخلي سيد قطب عن الكتب نفسها ..

وقد فصلت في هذا سابقا فلا حاجة للإعادة .. ولكن الذي يهمنا أن نقوله هو أن هذين الكتابين - وغيرهما من الكتب القديمة - لا تمثل فكر سيد قطب حين موته ، وأنه تخلى عنها بشهادة أخيه الشيخ محمد قطب ، والمستشار العقيل حفظهما الله .

فكيف نحاسب سيد قطب على كلام تخلى عنه وأوصى بعدم طبعه ولا نشره بين المسلمين ؟ خصوصا وأن التراجع كان عبارة عن رسالة من سيد رحمه الله إلى مجموعة من الإخوان في العالم .


ثالثا :

هناك الكثير من النماذج في ( الظلال ) والتي تبين احترام سيد قطب رحمه الله للصحابة ، وحبه لهم ، وترضيه عنهم ، ومدحه وثناءه عليهم .. ولكن :

عين الرضا عن كل عيب كليلة *** كما أن عين السخط تبدي المساويا

وسنقف مع بعض المواضع من الظلال ، والتي تبين رأي سيد قطب رحمه الله عن الثلاثة الذين طعن فيهم في كتبه القديمة ، ثم نبين رأيه رحمه الله في الصحابة بشكل عام .. وسنرى هل أصاب من يقول عنه رحمه الله أنه مثل الخوارج والروافض .. أم أنه مخطئ ؟

وهذه النقولات غيض من فيض ، ومن أراد المزيد فليراجع الظلال لمؤلفه سيد قطب رحمه الله .

=\=\=\=\=





عثمان بن عفان رضي الله عنه في الظلال :


1-



ثم تابع اليهود كيدهم للإسلام وأهله منذ ذلك التاريخ . . كانوا عناصر أساسية في إثارة الفتنة الكبرى التي قتل فيها الخليفة الراشد عثمان بن عفان - رضي اللّه عنه - وانتثر بعدها شمل التجمع الإسلامي إلى حد كبير . . . وكانوا رأس الفتنة فيما وقع بعد ذلك بين علي - رضي اللّه عنه - ومعاوية . . وقادوا حملة الوضع في الحديث والسيرة وروايات التفسير . . وكانوا من الممهدين لحملة التتار على بغداد وتقويض الخلافة الإسلامية . .

(الظلال 1628)



2-


ثم إن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - جد في سفره وأمر الناس بالجهاز والإسراع . وحض أهل الغنى على النفقة وحمل المجاهدين الذين لا يجدون ما يركبون ؛ فحمل رجال من أهل الغنى محتسبين عند اللّه . وكان في مقدمة المنفقين المحتسبين ، عثمان بن عفان – رضي اللّه عنه – فأنفق نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها . . قال ابن هشام:فحدثني من أثق به أن عثمان أنفق في جيش العسرة في غزوة تبوك ألف دينار ، فقال رسول اللّه – صلى الله عليه وسلم -: اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض .

( الظلال 1723 )


3-


خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - فحث على جيش العسرة ، فقال عثمان بن عفان:عليَّ مائة بعير بأحلاسها وأقتابها . قال:ثم نزل مرقاة من المنبر ، ثم حث ، فقال عثمان:عليَّ مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها . قال:فرأيت رسول اللّه – صلى الله عليه وسلم - يقول بيده هكذا يحركها [ وأخرج عبد الصمد يده كالمتعجب ] : ما على عثمان ما عمل بعد هذا . . [ وهكذا رواه الترمذي عن محمد بن يسار عن أبي داود الطيالسي ، عن سكن بن المغيرة أبي محمد مولى لآل عثمان به . وقال:غريب من هذا الوجه ] . ورواه البيهقي من طريق عمرو بن مرزوق عن سكن بن المغيرة به ، وقال:ثلاث مرات وأنه التزم بثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها . .

( الظلال 1724 )


=\=\=\=\=\=


معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه في ( الظلال ) :


1-


وكثيرا ما تستجيش هذه الدعوة إلى السماحة والعفو ، وتعليق القلب بعفو الله ومغفرته . نفوسا لا يغنيها العوض المالي ؛ ولا يسليها القصاص ذاته عمن فقدت أو عما فقدت . . فماذا يعود على ولي المقتول من قتل القاتل ؟ أو ماذا يعوضه من مال عمن فقد ؟ . . إنه غاية ما يستطاع في الأرض لإقامة العدل ، وتأمين الجماعة . . ولكن تبقى في النفس بقية لا يمسح عليها إلا تعليق القلوب بالعوض الذي يجيء من عند الله . .
روى الإمام أحمد . قال:حدثنا وكيع ، حدثنا يونس بن أبي إسحاق ، عن أبي السفر ، قال " كسر رجل من قريش سن رجل من الأنصار . فاستعدى عليه معاوية . فقال معاوية : سنرضيه . . فألح الأنصاري . . فقال معاوية : شأنك بصاحبك ! – وأبو الدرداء جالس- فقال أبو الدرداء : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من مسلم يصاب في جسده فيتصدق به إلا رفعه الله به درجة , أو حط عنه به خطيئة " .. فقال الأنصاري : فإني قد عفوت ..

( الظلال 899 – 900 )


2-



ولقد ترك القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم في نفوس المسلمين أثرا قويا وطابعا عاما في هذه الناحية ، ظل هو طابع التعامل الإسلامي الفردي والدولي المتميز . . روى أنه كان بين معاوية بن أبي سفيان وملك الروم أمد ، فسار إليهم في آخر الأجل . حتى إذا انقضى وهو قريب من بلادهم أغار عليهم وهم غارون لا يشعرون ، فقال له عمر بن عتبة : الله أكبر يا معاوية ، وفاء لا غدر ! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من كان بينه وبين قوم أجل فلا يحلن عقده حتى ينقضي أمدها " !

فرجع معاوية بالجيش .

والروايات عن حفظ العهود - مهما تكن المصلحة القريبة في نقضها - متواترة مشهورة .

(الظلال 2192 – 2193 )
=\=\=\=\=\=




عمرو بن العاص رضي الله عنه في الظلال


لم أجد إلا هذا الموضع الذي ينقل فيه سيد قطب حادثة شهيرة حصلت من أحد أبناء عمرو بن العاص رضي الله عنه :


1-


ولقد ضربت أبشار بني إسرائيل في طاغوت الفرعونية حتى ذلوا . بل كان ضرب الأبشار هو أخف ما يتعرضون له من الأذى في فترات الرخاء ! ولقد ضربت أبشار المصريين كذلك حتى ذلوا هم الآخرون واستخفهم فرعون ! ضربت أبشارهم في عهود الطاغوت الفرعوني ؛ ثم ضربت أبشارهم في عهود الطاغوت الروماني . . ولم يستنقذهم من هذا الذل إلا الإسلام ، يوم جاءهم بالحرية فأطلقهم من العبودية للبشر بالعبودية لرب البشر . . فلما أن ضرب ابن عمرو بن العاص – فاتح مصر وحاكمها المسلم – ظهر ابن قبطي من أهل مصر – لعل سياط الرومان كانت آثارها على ظهره ما تزال – غضب القبطي لسوط واحد يصيب ابنه – من ابن فاتح مصر وحاكمها – وسافر شهراً على ظهر ناقة ، ليشكو إلى عمر بن الخطاب – الخليفة المسلم – هذا السوط الواحد الذي نال ابنه ! – وكان هو يصبر على السياط منذ سنوات قلائل في عهد الرومان – وكانت هذه هي معجزة البعث الإسلامي .

( الظلال 1364 )



=\=\=\=\=\=


صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الظلال



مدح الأستاذ سيد قطب للصحابة أكثر من أن يحصى ، ولذلك فسنكتفي بعرض سبع مواضع فقط من الظلال لنرى صحة ما يقوله البعض من بغض سيد قطب رحمه الله للصحابة !! ومن أراد المزيد فليراجع الظلال وسيرى ما يسره فيه !



1-


هذا الدرس كله حديث عن المؤمنين ، وحديث مع المؤمنين . مع تلك المجموعة الفريدة السعيدة التي بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة . والله حاضر البيعة وشاهدها وموثقها ، ويده فوق أيديهم فيها . تلك المجموعة التي سمعت الله تعالى يقول عنها لرسوله صلى الله عليه وسلم : لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ، فعلم ما في قلوبهم ، فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا . . وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لها: أنتم اليوم خير أهل الأرض . .


حديث عنها من الله سبحانه وتعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم وحديث معها من الله سبحانه وتعالى:يبشرها بما أعد لها من مغانم كثيرة وفتوح ؛ وما أحاطها به من رعاية وحماية في هذه الرحلة ، وفيما سيتلوها ؛ وفيما قدر لها من نصر موصول بسنته التي لا ينالها التبديل أبدا . ويندد بأعدائها الذين كفروا تنديدا شديدا . ويكشف لها عن حكمته في اختيار الصلح والمهادنة في هذا العام . ويؤكد لها صدق الرؤيا التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دخول المسجد الحرام . وأن المسلمين سيدخلونه آمنين لا يخافون . وأن دينه سيظهر على الدين كله في الأرض جميعا .


ويختم الدرس والسورة بتلك الصورة الكريمة الوضيئة لهذه الجماعة الفريدة السعيدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفتها في التوراة وصفتها في الإنجيل ، ووعد الله لها بالمغفرة والأجر العظيم . .


{ لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ، فعلم ما في قلوبهم ، فأنزل السكينة عليهم ، وأثابهم فتحا قريبا ، ومغانم كثيرة يأخذونها ، وكان الله عزيزا حكيما . . }


وإنني لأحاول اليوم من وراء ألف واربعمائة عام أن أستشرف تلك اللحظة القدسية التي شهد فيها الوجود كله ذلك التبليغ العلوي الكريم من الله العلي العظيم إلى رسوله الأمين عن جماعة المؤمنين . أحاول أن أستشرف صفحة الوجود في تلك اللحظة وضميره المكنون ؛ وهو يتجاوب جميعه بالقول الإلهي الكريم ، عن أولئك الرجال القائمين إذ ذاك في بقعة معينة من هذا الوجود . . وأحاول أن أستشعر بالذات شيئا من حال أولئك السعداء الذين يسمعون بآذانهم ، أنهم هم ، بأشخاصهم وأعيانهم ، يقول الله عنهم:لقد رضي عنهم . ويحدد المكان الذي كانوا فيه ، والهيئة التي كانوا عليها حين استحقوا هذا الرضى: إذ يبايعونك تحت الشجرة . . يسمعون هذا من نبيهم الصادق المصدوق ، على لسان ربه العظيم الجليل . .


يالله ! كيف تلقوا - أولئك السعداء - تلك اللحظة القدسية وذلك التبليغ الإلهي ؟ التبليغ الذي يشير إلى كل أحد ، في ذات نفسه ، ويقول له:أنت . أنت بذاتك . يبلغك الله . لقد رضي عنك . وأنت تبايع . تحت الشجرة ! وعلم ما في نفسك . فأنزل السكينة عليك !


إن الواحد منا ليقرأ أو يسمع: الله ولي الذين آمنوا . . فيسعد . يقول في نفسه:ألست أطمع أن أكون داخلا في هذا العموم ؟ ويقرأ أو يسمع: إن الله مع الصابرين . . فيطمئن . يقول في نفسه:ألست ارجو أن أكون من هؤلاء الصابرين ؟ وأولئك الرجال يسمعون ويبلغون . واحدا واحدا . أن الله يقصده بعينه وبذاته . ويبلغه:لقد رضي عنه ! وعلم ما في نفسه . ورضي عما في نفسه !


يا لله ! إنه أمر مهول !


لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة . . فعلم ما في قلوبهم . فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا . .


علم ما في قلوبهم من حمية لدينهم لا لأنفسهم . وعلم ما في قلوبهم من الصدق في بيعتهم . وعلم ما في قلوبهم من كظم لانفعالاتهم تجاه الاستفزاز ، وضبط لمشاعرهم ليقفوا خلف كلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم طائعين مسلمين صابرين .


فانزل السكينة عليهم . . بهذا التعبير الذي يرسم السكينة نازلة في هينة وهدوء ووقار ، تضفي على تلك القلوب الحارة المتحمسة المتأهبة المنفعلة ، بردا وسلاما وطمأنينة وارتياحا .


وأثابهم فتحا قريبا . . هو هذا الصلح بظروفه التي جعلت منه فتحا ، وجعلته بدء فتوح كثيرة . قد يكون فتح خيبر واحدا منها . وهو الفتح الذي يذكره أغلب المفسرين على أنه هو هذا الفتح القريب الذي جعله الله للمسلمين . .


ومغانم كثيرة يأخذونها . . إما مع الفتح إن كان المقصود هو فتح خيبر . وإما تاليا له ، إن كان الفتح هو هذا الصلح ، الذي تفرغ به المسلمون لفتوح شتى .


وكان الله عزيزا حكيما . . وهو تعقيب مناسب للآيات قبله . ففي الرضى والفتح والوعد بالغنائم تتجلى القوة والقدرة ، كما تتجلى الحكمة والتدبير . وبهما يتم تحقيق الوعد الإلهي الكريم .

( الظلال 3325 )




2-



تحت عنوان : " دلالات من سؤال الصحابة للرسول عن شؤون حياتهم " يقول سيد قطب رحمه الله :

وهناك ظاهرة في هذه السورة تطالعنا منذ هذا القطاع . تطالعنا في صورة مواقف يسأل فيها المسلمون نبيهم صلى الله عليه وسلم عن شؤون شتى ، هي الشؤون التي تصادفهم في حياتهم الجديدة ، ويريدون أن يعرفوا كيف يسلكون فيها وفق تصورهم الجديد ، ووفق نظامهم الجديد . وعن الظواهر التي تلفت حسهم الذي استيقظ تجاه الكون الذي يعيشون فيه . .

فهم يسألون عن الأهلة . . ما شأنها ؟ ما بال القمر يبدو هلالا ، ثم يكبر حتى يستدير بدرا ، ثم يأخذ في التناقص حتى يرتد هلالا ، ثم يختفي ليظهر هلالا من جديد ؟

ويسألون ماذا ينفقون ؟ من أي نوع من مالهم ينفقون ؟ وأي قدر وأية نسبة مما يملكون ؟

ويسألون عن القتال في الشهر الحرام وعند المسجد الحرام . هل يجوز ؟

ويسألون عن الخمر والميسر ما حكمهما ؟ وقد كانوا أهل خمر في الجاهلية وأهل ميسر !

ويسألون عن المحيض ؟ وعلاقتهم بنسائهم في فترته . ثم يسألون عن أشياء في أخص علاقاتهم بأزواجهم ، وأحيانا تسأل فيها الزوجات أنفسهن .

وقد وردت أسئلة أخرى في موضوعات متنوعة في سور أخرى من القرآن أيضا . .

وهذه الأسئلة ذات دلالات شتى:


فهي أولا دليل على تفتح وحيوية ونمو في صور الحياة وعلاقاتها ، وبروز أوضاع جديدة في المجتمع الذي جعل يأخذ شخصيته الخاصة ، ويتعلق به الأفراد تعلقا وثيقا ؛ فلم يعودوا أولئك الأفراد المبعثرين ، ولا تلك القبائل المتناثرة . إنما عادوا أمة لها كيان ، ولها نظام ، ولها وضع يشد الجميع إليه ؛ ويهم كل فرد فيه أن يعرف خطوطه وارتباطاته . . وهي حالة جديدة أنشأها الإسلام بتصوره ونظامه وقيادته على السواء . . حالة نمو اجتماعي وفكري وشعوري وإنساني بوجه عام .

وهي ثانيا دليل على يقظة الحس الديني ، وتغلغل العقيدة الجديدة وسيطرتها على النفوس ، مما يجعل كل أحد يتحرج أن يأتي أمرا في حياته اليومية قبل أن يستوثق من رأي العقيدة الجديدة فيه ، فلم تعد لهم مقررات سابقة في الحياة يرجعون إليها ، وقد انخلعت قلوبهم من كل مألوفاتهم في الجاهلية ، وفقدوا ثقتهم بها ؛ ووقفوا ينتظرون التعليمات الجديدة في كل أمر من أمور الحياة . . وهذه الحالة الشعورية هي الحالة التي ينشئها الإيمان الحق . عندئذ تتجرد النفس من كل مقرراتها السابقة وكل مألوفاتها ، وتقف موقف الحذر من كل ما كانت تأتيه في جاهليتها ، وتقوم على قدم الاستعداد لتلقي كل توجيه من العقيدة الجديدة ، لتصوغ حياتها الجديدة على أساسها ، مبرأة من كل شائبة . فإذا تلقت من العقيدة الجديدة توجيها يقر بعض جزئيات من مألوفها القديم ، تلقته جديدا مرتبطا بالتصور الجديد . إذ ليس من الحتم أن يبطل النظام الجديد كل جزئية في النظام القديم ؛ ولكن من المهم أن ترتبط هذه الجزئيات بأصل التصور الجديد ، فتصبح جزءا منه ، داخلا في كيانه ، متناسقا مع بقية أجزائه . . كما صنع الإسلام بشعائر الحج التي استبقاها . فقد أصبحت تنبثق من التصور الإسلامي ، وتقوم على قواعده ، وأنبتت علاقتها بالتصورات الجاهلية نهائيا .

( الظلال 179 – 180 )



3-


يقول سيد منتقدا بعض حركات التصوف :


هذه هي القيمة المطلقة الأخيرة في ميزان الله للحياة الدنيا وللدار الآخرة . . وما يمكن أن يكون وزن ساعة من نهار ، على هذا الكوكب الصغير ، إلا على هذا النحو ، حين توازن بذلك الأبد الأبيد في ذلك الملك العريض . وما يمكن أن تكون قيمة نشاط ساعة في هذه العبادة إلا لعبا ولهوا حين تقاس إلى الجد الرزين في ذلك العالم الآخر العظيم . .

هذا تقييم مطلق . . ولكنه في التصور الإسلامي لا ينشئ - كما قلنا - إهمالا للحياة الدنيا ولا سلبية فيها ولا انعزالا عنها . . وليس ما وقع من هذا الإهمال والسلبية والانعزال وبخاصة في بعض حركات "التصوف" "والزهد" بنابع من التصور الإسلامي أصلا . إنما هو عدوى من التصورات الكنسية الرهبانية ؛ ومن التصورات الفارسية . ومن بعض التصورات الإشراقية الإغريقية المعروفة بعد انتقالها للمجتمع الإسلامي !

والنماذج الكبيرة التي تمثل التصور الإسلامي في أكمل صورة ، لم تكن سلبية ولا انعزالية . . فهذا جيل الصحابة كله ؛ الذين قهروا الشيطان في نفوسهم ، كما قهروه في الأنظمة الجاهلية السائدة من حولهم في الأرض ؛ حيث كانت الحاكمية للعباد في الإمبراطوريات .. هذا الجيل الذي كان يدرك قيمة الحياة الدنيا كما هي في ميزان الله ، هو الذي عمل للآخرة بتلك الآثار الإيجابية الضخمة في واقع الحياة ، وهو الذي زاول الحياة بحيوية ضخمة ، وطاقة فائضة ، في كل جانب من جوانبها الحية الكثيرة .

إنما أفادهم هذا التقييم الرباني للحياة الدنيا وللدار الآخرة ، أنهم لم يصبحوا عبيدا للدنيا . لقد ركبوها ولم تركبهم ! وعَبَّدوها فذللوها لله ولسلطانه ولم تستعبدهم ! ولقد قاموا بالخلافة عن الله فيها بكل ما تقتضيه الخلافة عن الله من تعمير وإصلاح ، ولكنهم كانوا يبتغون في هذه الخلافة وجه الله ، ويرجون الدار الآخرة فسبقوا أهل الدنيا في الدنيا ، ثم سبقوهم كذلك في الآخرة !


( الظلال 1072 )



4-


إنني لم أجد نفسي مرة واحدة - في مواجهة هذه الموضوعات الأساسية - في حاجة إلى نص واحد من خارج هذا القرآن [ فيما عدا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو من آثار هذه القرآن ] بل إن أي قول آخر ليبدو هزيلاً - حتى لو كان صحيحاً - إلى جانب ما يجده الباحث في هذا الكتاب العجيب ..

إنها الممارسة الفعلية التي تنطق بهذه التقريرات ؛ والصحبة الطويلة في ظل حاجات الرؤية والبحث والنظر في هذه الموضوعات .. وما بي أن أثني على هذا الكتاب . . ومن أنا ومن هؤلاء البشر جميعاً ليضيفوا إلى كتاب الله شيئاً بما يملكون من هذا الثناء !

لقد كان هذا الكتاب هو مصدر المعرفة والتربية والتوجيه والتكوين الوحيد لجيل من البشر فريد . . جيل لم يتكرر بعد في تاريخ البشرية - لا من قبل ولا من بعد - جيل الصحابة الكرام الذين أحدثوا في تاريخ البشرية ذلك الحدث الهائل العميق الممتد ، الذي لم يدرس حق دراسته إلى الآن ..

لقد كان هذا المصدر هو الذي أنشأ - بمشيئة الله وقدره - هذه المعجزة المجسمة في عالم البشر . وهي المعجزة التي لا تطاولها جميع المعجزات والخوارق التي صحبت الرسالات جميعاً . . وهي معجزة واقعة مشهودة . . أن كان ذلك الجيل الفريد ظاهرة تاريخية فريدة ..

ولقد كان المجتمع الذي تألف من ذلك الجيل أول مرة ، والذي ظل امتداده أكثر من ألف عام ، تحكمه الشريعة التي جاء بها هذا الكتاب ، ويقوم على قاعدة من قيمه وموازينه ، وتوجيهاته وإيحاءاته . . كان هذا المجتمع معجزة أخرى في تاريخ البشرية . حين تقارن إليه صور المجتمعات البشرية الأخرى ، التي تفوقه في الإمكانيات المادية - بحكم نمو التجربة البشرية في عالم المادة - ولكنها لا تطاوله في "الحضارة الإنسانية " !


( الظلال 1423 )




5-



والقلب المؤمن يجد في آيات هذا القرآن ما يزيده إيماناً ، وما ينتهي به إلى الاطمئنان . . إن هذا القرآن يتعامل مع القلب البشري بلا وساطة ، ولا يحول بينه وبينه شيء إلا الكفر الذي يحجبه عن القلب ويحجب القلب عنه ؛ فإذا رفع هذا الحجاب بالإيمان وجد القلب حلاوة هذا القرآن ، ووجد في إيقاعاته المتكررة زيادة في الإيمان تبلغ إلى الاطمئنان . . وكما أن إيقاعات القرآن على القلب المؤمن تزيده إيماناً ، فإن القلب المؤمن هو الذي يدرك هذه الإيقاعات التي تزيده إيماناً . . لذلك يتكرر في القرآن تقرير هذه الحقيقة في أمثال قوله تعالى : { إن في ذلك لآيات للمؤمنين } .. { إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون } ..

ومن ذلك قول أحد الصحابة - رضوان الله عليهم - : كنا نؤتى الإيمان قبل أن نؤتى القرآن ..

وبهذا الإيمان كانوا يجدون في القرآن ذلك المذاق الخاص ، يساعدهم عليه ذلك الجو الذي كانوا يتنسمونه ؛ وهم يعيشون القرآن فعلاً وواقعاً ؛ ولا يزاولونه مجرد تذوق وإدراك !


( الظلال 1475 )




6-

ومن هذه الآية الكريمة – { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } - استنبط الشافعي رحمه الله ومن اتبعه أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى ، لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم . ولهذا لم يندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته ، ولا حثهم عليه ، ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء ، ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة - رضي الله عنهم - ولو كان خيرا لسبقونا إليه . وباب القربات يقتصر فيه على النصوص ، ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء . فأما الدعاء والصدقة فذاك مجمع على وصولهما ومنصوص من الشارع عليهما . .

( الظلال 3415 )



7-


في تفسير قوله تعالى : { ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن } ، يقول سيد :

يقول الله هذا عن نساء النبي الطاهرات ، أمهات المؤمنين ، وعن رجال الصدر الأول من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن لا تتطاول إليهم وإليهن الأعناق .

(الظلال 2878 )



=\=\=\=\=


وبعد هذا العرض نقول :

أليس من العدل يا من تنتقدون الأستاذ الشهيد – إن شاء الله – أن ترجعوا لآخر ما كتبه في حياته حتى تتبينوا رأيه النهائي في الصحابة ؟!

هل من العدل أن نحاسب الناس على ما فعلوه في جاهلياتهم ؟!

وأكرر : من أراد أن يعرف رأي سيد قطب في الصحابة فليرجع لكتب سيد قطب وسيرى أن التهويل والتهويش سمة شبه سائدة في من ينتقد كتب سيد رحمه الله من الشباب هذه الأيام .


الامام البربهاري
30-03-11, 01:54 PM




امنتانوت


اقدّر ما جئت انت به ولكن هناك امور اخرى منها ان سيد رحمه الله اديب وهو يستخدم العبارات الادبية والتي قد يفهم منها بعض الناس ما قد تفهمه انت ،،، وارى ان الاولى ان تقرأ كتابات سيد من منظور ادبي لتتضح الصورة

كثيرا ممن طعن في سيد رحمه الله إنما طعن فيه إما بسبب سوء فهم او لغرض في نفوسهم او من واقع كتابات قديمة له قبل ان يتجه الاتجاه الاسلامي

وقد دافع عن سيد رحمه الله كل من

ابو زيد عضو هيئة كبار العلماء في السعودية رحمه الله
والشيخ الجليل عبدالرحمن الدوسري رحمه الله

ويجب ان نضع في إعتبارنا ان سيد رحمه الله نشأ أديبا قبل أن يتحوّل للإتجاه الاسلامي وتتغيرت كتاباته ،، ثم بعد ان تحول إلى الإتجاه الاسلامي كان يعيش في بلد تنتشر فيه الكثير من الضلالات والفرق الضالة او البعيدة عن النقاء كالصوفية والاشاعرة وغيرها

ولم ينشا سيد رحمه الله في مجتمع نقي العقيدة حتى نعتب عليه ،، واغلب ما يعتب عليه الناس من سيد إنما هو بسبب لغته الادبية او بسبب سوء نيه لدى من يعتب عليه او بسبب كتابات كتبها سيد قبل ان يتحوّل إلى الاتجاه الاسلامي

آمل ان يتسع صدرك لسيد رحمه الله
امنتانوت

هذا هو رد الشيخ بكر ابو زيد رحمه الله على من إنتقد سيد قطب ورماه بما رماه من إفتراءات


فضيلة الأخ الشيخ / ربيع بن هادي المدخلي .. الموقر

السلام عيكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد

فأشير إلى رغبتكم قراءة الكتاب المرفق "أضواء إسلامية على عقيدة سيد قطب وفكره".. هل من ملاحظات عليه ثم هذه الملاحظات هل تقضي على هذا المشروع فيطوى ولا يروى، أم هي مما يمكن تعديلها فيترشح الكتاب بعد الطبع والنشر ويكون ذخيرة لكم في الأخرى، بصيرة لمن شاء الله من عباده في الدنيا، لهذا أبدي ما يلي..

1 - نظرت في أول صفحة من فهرس الموضوعات فوجدتها عناوين قد جمعت في سيد قطب رحمه الله، أصول الكفر والإلحاد والزندقة، القول بوحدة الوجود، القول بخلق القرآن، يجوز لغير الله أن يشرع، غلوه في تعظيم صفات الله تعالى، لا يقبل الأحاديث المتواترة، يشكك في أمور العقيدة التي يجب الجزم بها، يكفر المجتمعات ..إلى أخر تلك العناوين التي تقشعر منها جلود المؤمنين.. وأسفت على أحوال علماء المسلمين في الأقطار الذين لم ينبهوا على هذه الموبقات.. وكيف الجمع بين هذا وبين انتشار كتبه في الآفاق انتشار الشمس، وعامتهم يستفيدون منها، حتى أنت في بعض ما كتبت، عند هذا أخذت بالمطابقة بين العنوان والموضوع، فوجدت الخبر يكذبه الخبر، ونهايتها بالجملة عناوين استفزازية تجذب القارئ العادي، إلى الوقيعة في سيد رحمه الله، وإني أكره لي ولكم ولكل مسلم مواطن الإثم والجناح، وإن من الغبن الفاحش إهداء الإنسان حسناته إلى من يعتقد بغضه وعداوته.

2 - نظرت فوجدت هذا الكتاب يـفـتـقـد:

أصـول البحث العلمي، الحيـدة العلمية، منهـج النقد، أمانـة النقل والعلم، عـدم هضم الحق.

أما أدب الحوار وسمو الأسلوب ورصانة العرض فلا تمت إلى الكتاب بهاجس.. وإليك الدليل…

أولاً: رأيت الاعتماد في النقل من كتب سيد رحمه الله تعالى من طبعات سابقة مثل الظلال والعدالة الاجتماعية مع علمكم كما في حاشية ص 29 وغيرها، أن لها طبعات معدلة لاحقة، والواجب حسب أصول النقد والأمانة العلمية، تسليط النقد إن كان على النص من الطبعة الأخيرة لكل كتاب، لأن ما فيها من تعديل ينسخ ما في سابقتها وهذا غير خاف إن شاء الله تعالى على معلوماتكم الأولية، لكن لعلها غلطة طالب حضر لكم المعلومات ولما يعرف هذا ؟؟، وغير خاف لما لهذا من نظائر لدى أهل اعلم، فمثلاً كتاب الروح لابن القيم لما رأى بعضهم فيما رأى قال: لعله في أول حياته وهكذا في مواطن لغيره، وكتاب العدالة الاجتماعية هو أول ما ألفه في الإسلاميات والله المستعان.

ثانيًا: لقد اقشعر جلدي حينما قرأت في فهرس هذا الكتاب قولكم (سيد قطب يجوز لغير الله أن يشرع)، فهرعت إليها قبل كل شيء فرأيت الكلام بمجموعه نقلاً واحدًا لسطور عديدة من كتابه العدالة الاجتماعية) وكلامه لا يفيد هذا العنوان الاستفزازي، ولنفرض أن فيه عبارة موهمة أو مطلقة، فكيف نحولها إلى مؤاخذة مكفرة، تنسف ما بنى عليه سيد رحمه الله حياته ووظف له قلمه من الدعوة إلى توحيد الله تعالى (في الحكم والتشريع) ورفض سن القوانين الوضعية والوقوف في وجوه الفعلة لذلك، إن الله يحب العدل والإنصاف في كل شيء ولا أراك إن شاء الله تعالى إلا في أوبة إلى العدل والإنصاف.

ثالثًا: ومن العناوين الاستـفـزازيـــة قولكم (قول سيد قطب بوحدة الوجود).

إن سيدًا رحمه الله قال كلامًا متشابهًا حلق فيه بالأسلوب في تفسير سورتي الحديد والإخلاص وقد اعتمد عليه بنسبة القول بوحدة الوجود إليه، وأحسنتم حينما نقلتم قوله في تفسير سورة البقرة من رده الواضح الصريح لفكرة وحدة الوجود، ومنه قوله: (( ومن هنا تنتفي من التفكير الإسلامي الصحيح فكرة وحدة الوجود)) وأزيدكم أن في كتابه (مقومات التصور الإسلامي) ردًا شافيًا على القائلين بوحدة الوجود، لهذا فنحن نقول غفر الله لسيد كلامه المتشابه الذي جنح فيه بأسلوب وسع فيه العبارة.. والمتشابه لا يقاوم النص الصريح القاطع من كلامه، لهذا أرجو المبادرة إلى شطب هذا التكفير الضمني لسيد رحمه الله تعالى وإني مشفق عليكم.

رابعًا: وهنا أقول لجنابكم الكريم بكل وضوح إنك تحت هذه العناوين (مخالفته في تفسير لا إله إلا الله للعلماء وأهل اللغة وعدم وضوح الربوبية والألوهية عند سيد) .

أقول أيها المحب الحبيب، لقد نسفت بلا تثبت جميع ما قرره سيد رحمه الله تعالى من معالم التوحيد ومقتضياته، ولوازمه التي تحتل السمة البارزة في حياته الطويلة فجميع ما ذكرته يلغيه كلمة واحدة، وهي أن توحيد الله في الحكم والتشريع من مقتضيات كلمة التوحيد، وسيد رحمه الله تعالى ركز على هذا كثيرًا لما رأى من هذه الجرأة الفاجرة على إلغاء تحكيم شرع الله من القضاء وغيره وحلال القوانين الوضعية بدلاً عنها ولا شك أن هذه جرأة عظيمة ما عاهدتها الأمة الإسلامية في مشوارها الطويل قبل عام (1342هـ ).

خامسًا: ومن عناوين الفهرس (قول سيد بخلق القرآن وأن كلام الله عبارة عن الإرادة).. لما رجعت إلى الصفحات المذكورة لم أجد حرفًا واحدًا يصرح فيه سيد رحمه الله تعالى بهذا اللفظ (القرآن مخلوق) كيف يكون هذا الاستسهال للرمي بهذه المكفرات، إن نهاية ما رأيت له تمدد في الأسلوب كقوله (ولكنهم لا يملكون أن يؤلفوا منها ـ أي الحروف المقطعة ـ مثل هذا الكتاب لأنه من صنع الله لا من صنع الناس) ..وهي عبارة لا شك في خطأها ولكن هل نحكم من خلالها أن سيدًا يقول بهذه المقولة الكفرية (خلق القرآن) اللهم إني لا أستطيع تحمل عهدة ذلك.. لقد ذكرني هذا بقول نحوه للشيخ محمد عبد الخالق عظيمة رحمه الله في مقدمة كتابه دراسات في أسلوب القرآن الكريم والذي طبعته مشكورة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، فهل نرمي الجميع بالقول بخلق القرآن اللهم لا، واكتفي بهذا من الناحية الموضوعية وهي المهمة.

ومن جهات أخرى أبدي ما يلي:

1 - مسودة هذا الكتاب تقع في 161 صفحة بقلم اليد، وهي خطوط مختلفة، ولا أعرف منه صفحة واحدة بقلمكم حسب المعتاد، إلا أن يكون اختلف خطكم، أو اختلط علي، أم أنه عُهد بكتب سيد قطب رحمه الله لعدد من الطلاب فاستخرج كل طالب ما بدا له تحت إشرافكم، أو بإملائكم. لهذا فلا أتحقق من نسبته إليكم إلا ما كتبته على طرته أنه من تأليفكم، وهذا عندي كاف في التوثيق بالنسبة لشخصكم الكريم.

2 - مع اختلاف الخطوط إلا أن الكتاب من أوله إلى أخره يجري على وتيرة واحدة وهي: أنه بنفس متوترة وتهيج مستمر، ووثبة تضغط على النص حتى يتولد منه الأخطاء الكبار، وتجعل محل الاحتمال ومشتبه الكلام محل قطع لا يقبل الجدال…وهذا نكث لمنهج النقد: الحيدة العلمية .

3 - من حيث الصيغة إذا كان قارنًا بينه وبين أسلوب سيد رحمه الله، فهو في نزول، سيد قد سَمَا، وإن اعتبرناه من جانبكم الكريم فهو أسلوب "إعدادي" لا يناسب إبرازه من طالب علم حاز على العالمية العالية، لا بد من تكافؤ القدرات في الذوق الأدبي، والقدرة على البلاغة والبيان، وحسن العرض، وإلا فليكسر القلم.

4 - لقد طغى أسلوب التهيج والفزع على المنهج العلمي النقدي…. ولهذا افتقد الرد أدب الحوار.

5 - في الكتاب من أوله إلى آخره تهجم وضيق عطن وتشنج في العبارات فلماذا هذا…؟

6 - هذا الكتاب ينشط الحزبية الجديدة التي أنشئت في نفوس الشبيبة جنوح الفكر بالتحريم تارة، والنقض تارة وأن هذا بدعة وذاك مبتدع، وهذا ضلال وذاك ضال.. ولا بينة كافية للإثبات، وولدت غرور التدين والاستعلاء حتى كأنما الواحد عند فعلته هذه يلقي حملاً عن ظهره قد استراح من عناء حمله، وأنه يأخذ بحجز الأمة عن الهاوية، وأنه في اعتبار الآخرين قد حلق في الورع والغيرة على حرمات الشرع المطهر، وهذا من غير تحقيق هو في الحقيقة هدم، وإن اعتبر بناء عالي الشرفات، فهو إلى التساقط، ثم التبرد في أدراج الرياح العاتية .

هذه سمات ست تمتع بها هذا الكتاب فآل غـيـر مـمـتـع، هذا ما بدا إلي حسب رغبتكم، وأعتذر عن تأخر الجواب، لأنني من قبل ليس لي عناية بقراءة كتب هذا الرجل وإن تداولها الناس، لكن هول ما ذكرتم دفعني إلى قراءات متعددة في عامة كتبه، فوجدت في كتبه خيرًا كثيرًا وإيمانًا مشرفًا وحقًا أبلج، وتشريحًا فاضحًا لمخططات العداء للإسلام، على عثرات في سياقاته واسترسال بعبرات ليته لم يفه بها، وكثير منها ينقضها قوله الحق في مكان أخر والكمال عزيز، والرجل كان أديبًا نقادة، ثم اتجه إلى خدمة الإسلام من خلال القرآن العظيم والسنة المشرفة، والسيرة النبوية العطرة، فكان ما كان من مواقف في قضايا عصره، وأصر على موقفه في سبيل الله تعالى، وكشف عن سالفته، وطلب منه أن يسطر بقلمه كلمات اعتذار وقال كلمته الإيمانية المشهورة، إن أصبعًا أرفعه للشهادة لن أكتب به كلمة تضارها... أو كلمة نحو ذلك، فالواجب على الجميع … الدعاء له بالمغفرة … والاستفادة من علمه، وبيان ما تحققنا خطأه فيه، وأن خطأه لا يوجب حرماننا من علمه ولا هجر كتبه.. اعتبر رعاك الله حاله بحال أسلاف مضوا أمثال أبي إسماعيل الهروي والجيلاني كيف دافع عنهما شيخ الإسلام ابن تيمية مع ما لديهما من الطوا م لأن الأصل في مسلكهما نصرة الإسلام والسنة، وانظر منازل السائرين للهروي رحمه الله تعالى، ترى عجائب لا يمكن قبولها ومع ذلك فابن القيم رحمه الله يعتذر عنه أشد الاعتذار ولا يجرمه فيها، وذلك في شرحه مدارج السالكين، وقد بسطت في كتاب "تصنيف الناس بين الظن واليقين" ما تيسر لي من قواعد ضابطة في ذلك .

وفي الختام فأني أنصح فضيلة الأخ في الله بالعدول عن طبع هذا الكتاب "أضواء إسلامية" وأنه لا يجوز نشره ولا طبعه لما فيه من التحامل الشديد والتدريب القوي لشباب الأمة على الوقيعة في العلماء، وتشذيبهم، والحط من أقدارهم والانصراف عن فضائلهم..

واسمح لي بارك الله فيك إن كنت قسوت في العبارة، فإنه بسبب ما رأيته من تحاملكم الشديد وشفقتي عليكم ورغبتكم الملحة بمعرفة ما لدي نحوه… جرى القلم بما تقدم سدد الله خطى الجميع..

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


أخوكم بكر عبدالله أبوزيد


 يقول عدنان عرعور: ( لا أعلم أحداً تكلم في قضايا المنهج مثل ما تكلم سيد قطب، ومعظم ماكتبه سيد كان مصيباً فيه، ومن أعظم كتبه "في ظلال القرآن" و"معالم على الطريق" و"ولماذا أعدموني" )،  
فتوى العلامة الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد:

- سئل عالم المدينة الشيخ عبد المحسن العباد عن كتاب "ظلال القرآن" ؟فقال: ( كتاب "ظلال القرآن" أو "في ظلال القرآن" للشيخ سيد قطب - رحمه الله - هو من التفاسير الحديثة التي هي مبنية على الرأي، وليست على النقل، وليست على الأثر.ومن المعلوم أن أصحاب الرأي والذين يتكلمون بآرائهم ويتحدثون بأساليبهم يحصل فيهم الخطأ والصواب، ويصيبون ويخطئون، والإنسان الذي غير فاهم وغير متمكن من الأصلح له أن لا يرجع إليه وإنما يرجع إلى كتب العلماء المعتبرين مثل: تفسير ابن كثير وتفسير ابن جرير، ومثل تفسير الشيخ عبد الرحمن السعدي في المتأخرين فإن هذه تفسيرات العلماء.وأما الشيخ سيد قطب - رحمه الله - فهو من الكتاب من الأدباء يعني يكتب بأسلوبه وبألفاظه ويتحدث. ليس كلامه مبنياً على [ الأثر ] ولهذا إذا قرأه الإنسان [ لم يجده ] يقول: قال فلان وقال فلان وقال رسولالله كذا وكذا…الخ يعني من جمع الآثار والعناية بالآثار ؛ لأنه ما كان مبنيا على الأثر وإنما كان مبنياً على العقل والكلام بالرأي،ولهذا يأتي منه كلام ليس بصحيح وكلام غير صواب.ولهذا الاشتغال… العمر قصير وليس متسع لكون الإنسان يقرأ كل شيء ومادام أن الأمر كذلك فالقراءة فيما ينفع والفائدة فيه محققه وكلام أهل العلم.. أهل العلم الذين هم علماءما هم كتّاب ،الكتاب غير العلماء، الكاتب غير العالم. الكاتب هو الأديب الذي عنده يعني قدرة علىالكتابة والإنشاء فيتحدث فيأتي بالكلمات منها ما يصيب ومنها ما يخطيء وأحيانا يعبر و يخطيء في التعبير ويأتي بعبارة هي ليست جيدة وليست مناسبة جاءت لكونه استرسل بكلامه وعبر بعباراته، ولهذا يأتي في كلام سيد قطب - رحمه الله - كلمات غير لائقة يأتي في كلام سيد قطب في مؤلفاته في التفسير وفي غيره كلمات غير لائقة وغير مناسبة ولا يليق بالمسلم أن يتفوه بها، وأن يتكلم بها.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق