محاضرة
( فتنة التـّسـوّق )
الشيخ / عبد الرحمن بن عبد الله
السحيم
( عضو مركز الدعوة والإرشاد بالرياض )
بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد لله مُعزِّ مَنْ اطاعه ، ومُذلّ مَنْ عصاه .
أحمده سبحانه حمداً
كثيراً طيباً مُباركاً فيه ، كما يُحبُّ ربُّنا ويرضى .
وأصلي وأُسلّم على من
بعثه ربه هاديا ومُبشّرا ونذيرا ، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجا منيرا
أمـا بعـد :.
فإن الله تبارك وتعالى فضّل بعض العباد
على بعض ، وشرّف بعض الأزمنة على بعض وجعل
لبعض الأماكن حرمةً دون بعض .
وإن الله عز وجل أحب بعض الأماكن وأبغض
بعض .
ولذا قال عليه الصلاة والسلام : أحب
البلاد إلى الله مساجدها ، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها . رواه مسلم .
وما ذلك إلا لأن المساجد أماكن العبادة وذِكرِ
الله عز وجل .
بينما الأسواق هي أماكن الغفلة .
قال الإمام النووي - رحمه الله - : أحب
البلاد إلى الله مساجدها ؛ لأنها بيوتُ الطاعات ، وأساسُها على التقوى . وقوله :
وأبغض البلاد إلى الله أسواقها ؛ لأنها محل الغش والخداع والربا والأيمان الكاذبة
وإخلاف الوعد والإعراض عن ذكر الله ، وغير ذلك مما في معناه ... والمساجد محل نزول
الرحمة ، والأسواق ضدها .
وحذّر رسول الله صلى الله عليه وسلم من
المنازعات والخصومات التي تقع في الأسواق فقال
: إياكم هيشات الأسواق . رواه مسلم
قال النووي : أي اختلاطها والمنازعة
والخصومات وارتفاع الأصوات واللغط والفتن التي فيها .
ولذا قال عليه الصلاة والسلام : إن
التجار هم الفجار . قيل : يا رسول الله أوَليس قد أحلَّ الُله البيع ؟ قال : بلى ،
ولكنهم يُحدِّثون فيكذبون ، ويحلفون ويأثمون . رواه الإمام أحمد وغيره وصححه
الألباني .
وحذّر السلف من كثرة دخول الأسواق .
قال سلمان رضي الله عنه : لا تكونن إن
استطعت أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها ، فإنها معركة الشيطان وبها ينصب
رايته . رواه مسلم .
وقال ميثم رجل من أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم : يغدو الملك برايته مع أول من يغدو إلى المسجد فلا يزال بها معه حتى
يرجع فيدخل بها منـزله ، وإن الشيطان ليغدو برايته مع أول من يغدو إلى السوق . قال
ابن عبد البر : وهذا موقوف صحيح السند .
وقال أبو عثمان : إن السوق مبيض الشيطان
ومفرخه ، فإن استطعت أن لا تكون أول من يدخلها ولا آخر من يخرج منها فافعل .
وفي الأسواق تجتمع الشياطين للتحريش بين
الناس وحملِهم على المفاسد سواء ما كان منها في التعامل والمعاملات ، أو ما كان
منها في فساد الأخلاق وشَيْن الطبائع .
والأسواق عُرفت منذ القدم إذ من خلالها
يتم تبادل المصالح والبيع والشراء .
قال ابن عباس : كانت عكاظ ومجنة وذو
المجاز أسواقـاً في الجاهلية ، فلما كان الإسـلام تأثموا من التجـارة فيها ، فأنزل
الله : ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ )
[البقرة:198] الآية . رواه البخاري .
قال الإمام البخاري - رحمه الله - : باب
ما ذكر في الأسواق . وقال عبد الرحمن بن عوف : لما قدمنا المدينة قلت : هل من سوق
فيه تجارة ؟ قال سوق قينقاع وقال : أنس : قال عبد الرحمن : دلوني على السوق ، وقال
عمر : ألهاني الصفق بالأسواق .
وعند البخاري عن عطاء بن يسار قال :
لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قلت : أخبرني عن صفة رسول الله صلى
الله عليه وسلم في التوراة ؟قال : أجل ! والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في
القرآن : يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين أنت عبدي
ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخابٍ في الأسواق ولا يدفع بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويغفر ،
ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله ، ويفتح بها
أعينا عميا ، وآذانا صما ، وقلوبا غلفا .
والصخب هو رفع الصوتِ بالخصام .
ولذا قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : إن الله يبغض كلَّ جعظريٍّ جوّاظٍ
سخابٍ في الأسواق . جيفة بالليل حمار بالنهار . عالم بأمر الدنيا جاهل بأمر الآخرة
.
وقد أنكر المشركون على رسول الله صلى
الله عليه وسلم أنه يمشي في الأسواق !
( وَقَالُوا
مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ )
[الفرقان:7] ؟
فجاءهم
الجواب من العززِ اوهاب : ( وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ
الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ ) [الفرقان:20]
أي أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن
بِدعاً من الرسل ، فكذلك كان الأنبياء والرسل من قبله .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في
المدينة يمشي في الأسواق ويتفقد أحوالَها وأحوال التجار .
فقد مـرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم
على صبرة طعام ، فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللا ، فقال : ما هذا يا صاحب الطعام
؟قال : أصابته السماء يا رسول الله . قال : أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس ؛
من غش فليس مني . رواه مسلم .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي
السوق ، ويُمازحُ أصحابه ، وكان رجل من أهل البادية اسمه زاهر ،كان يهدي للنبي صلى
الله عليه وسلم الهدية من البادية ، فيجهزَه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا
أراد أن يخرج ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن زاهراً باديتنا ونحن حاضرته ،
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه ، وكان رجلا دميما فأتاه النبي صلى الله عليه
وسلم وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفـه ، فقال لـه : من هذا ؟ أرسلني ، والتفت ،
فعرف النبيَّ صلى الله عليه وسلم فجعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول : من يشتري
مني هذا العبد ؟ وجعل هو يلصق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم ويقول : إذا
تجدني كاسداً ، فقال لـه النبي صلى الله عليه وسلم : لكنك عند الله لست بكاسد . رواه الإمام أحمد
وغيره وهو حديث صحيح .
وكان من الصحابة من يأتي السوق لإقامة
ذِكرِ الله حال الغفلة .
فقد كان ابن عمر يقول : إني كنت لأخرج
إلى السوق وما لي حاجة إلا أن أُسلِّم ويُسلَّم عليّ . رواه ابن أبي شيبة .
وإنما يعظم أجر الذّاكرِ لله في السوق
لأنه في موطن غفلة ولغو ولهو .
قال محمد بن واسع قدمت مكة فلقيت بها
سالم بن عبدالله بن عمر فحدثني عن أبيه عن جده عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال : من دخل السوق فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، لـه الملك وله
الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير . كَتَبَ الله له
ألفَ ألفَ حسنة ورفع له ألفَ ألفَ درجة ، وبَنى له بيتا في الجنة قال محمد بن واسع
: فقدمت خراسان فأتيت قتيبة بن مسلم فقلت : أتيتك بهدية ، فحدثته الحديث قال :
فكان قتيبة يركب في موكبه حتى يأتـيَ السوق ، فيقولَها ، ثم ينصرف .
قال الذهبي : هذا إسناد صالح غريب .
والحديث حسنه الألباني .
وروى ابن أبي شيبة عن أبي قلابة قال :
التقى رجلان في السوق ، فقال أحدهما لصاحبه : يا أخي تعال ندعو الله ونستغفره في
غفلة الناس لعله يُغفر لنا ، ففعلا ، فقُضيَ لأحدهما أنه مات قبل صاحبه ، فأتاه في
المنام ، فقال : يا أخي أشعرت أن الله غفر لنا عشية التقينا في السوق .
ولذا قال حميد بن هلال : مثل ذاكر الله
في السوق كمثل شجرة خضراء وسط شجر ميت
وكان بن سيرين يدخل السوق نصف النهار
يُكبر ويُسبِّح ويذكر الله تعالى ، فقال له رجل : يا أبا بكر في هذه الساعة ؟ قال
: إنها ساعةُ غفلة .
وكان مالك بن دينار يقول : السوق مكثرة
للمال مذهبة للدِّين .
وقال عبد الله بن أبي الهذيل : إن الله
ليحب أن يُذكر في الأسواق ، وذلك للغطِ الناس وغفلتِهم ، وإني لآتي السوق ومالي
فيه حاجة إلا أن أذكرَ الله .
وكانت الأسواق تُذكرهم بالآخرة ، فإن
ابن مسعود رضي الله عنه ما خرج إلى السوق فمرّ على الحدادين فرأى ما يُخرجون من
النار إلا جعلت عيناه تسيلان .
وكان طاووس اليماني إذا مرَّ في طريقه
على السوق فرأى تلك الرؤوس المشوية لم ينعس تلك الليلة .
وكان عمرو بن قيس إذا نظر إلى أهل السوق
بكى ، وقال : ما أغفل هؤلاء عما أُعِـدّ
لهم .
ولما دخل الحسن بن صالح السوق فرأى هذا
يخيط وهذا يصنع ، بكى ، ثم قال : انظر إليهم يُعللون حتى يأتيَهم الموت .
ولدخول السوق تبعات .
قال سفيان الثوري في وصيته لبعض أصحابه
: وأقِلَّ دخول السوق ؛فإنهم ذئاب عليهم ثياب ، وفيها مردة الشياطين من الجن
والإنس ، وإذا دخلتها فقد لزمك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
فإذا دخل المسلم أو المسلمة السوق فقد
لزمهما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وقد علّق رسول الله صلى الله عليه وسلم
الإنكار على رؤية المنكر ، فقال : من رأى منكم منكرا فليُغيّره . رواه مسلم .
ومن النساء من إذا رأت منكرا أو تعرضت
لمضايقة فإنها لا تُخبر بذلك خشية أن تمنع من الذهابِ إلى السوق مرة ثانية .
وقد كثُرت الأسواق ، فتكاد ترى بين
السوق والسوق سوقـاً .
وكثرة الأسواق علامة من علامات الساعة ،
قال عليه الصلاة والسلام : لا تقوم الساعة حتى تظهر الفتن ، ويكثر الكذب ، وتتقارب
الأسواق ، ويتقارب الزمان ، ويكثر الهرج . قيل : وما الهرج ؟ قال : القتل . رواه
الإمام أحمد وابن حبان ، وقال الهيثمي : رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير سعيد بن
سمعان وهو ثقة .
فنعوذ بالله من أحوال أُناسٍ لا يجدون
الراحة والمتعة إلا في مواضع الفتنة . في الأسواق التي أبغضُ البلاد إلى الله ،
فيُسمّونها : مُتعة التّسوّق !
......................................
أما ما يتعلق بفتن الأسواق
فإن من يدرس ظاهرة لا بدّ أن يُشخص
الحالة ويعرف الأسباب ثم يصف العلاج النافع والدواء الناجع .
ففتن الأسواق منشؤها من البيوت ، إذ أن
النساء اللواتي في الأسواق إنما خرجن من البيوت ، ولم يأتين من عالم آخـر .
ويُمكن أن نُجمل أسباب فتن التسوّق
بالأسباب التالية ، ثم نعود عليها بالبيان والتفصيل :
أولاً :
ضعف الوازع الديني لدى كثيرٍ من أولياء الأمور والتهاون في أمر الله ورسوله صلى
الله عليه وسلم من قِبل الرجال والنساء .
ثانياً : الثقة المُفرِطة بالنساء .
ثالثاً :
تخلّي أصحابُ القوامة عن قِوامتهم ، أو التهاون في ذلك .
رابعاً :
العجز والاتّكالية ، وعدم تحمّل أولياء الأمور المسؤولية المُلقاة على عواتقهم .
خامساً :
وجود السائق ، وهو نتيجة لما سبق .
سادساً : وجود
الخدم في البيوت .
سابعاً :
كثرة الأموال في أيدي الناس رجالاً ونساءاً .
ثامناً :
حب الشراء ، ومعرفة ومتابعة كلِّ جديد .
تاسعاً :
اِتِّباع هوى النفوس ، وإتْبَاعِ النساء أهوائهن .
وبيان تلك الأسباب وما نتج
عنها هذا أوانُـه ، فأقول وبالله التوفيق :
أولُ الأسباب :
ضعف الوازع الديني لدى كثيرٍ من أولياء الأمور .
ومن ضعفِ الدِّين ضعف الغيرة ، التي
بسبب ضعفها أُضيعت الحُرمات ، وهُتكت الأعراض ، وفُرّط في الأمانة .
والغيرة خُلُقٌ كريم لا يتّصف به سوى
كرام الرجال وكرائم النساء .
وهي صفة من صفات الكمال .
ولذا قال صلى الله عليه وسلم لسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ لما قال لـه سعدٌ : لَوْ
رَأَيْتُ رَجُلاً مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسّيْفِ غَيْرُ مُصْفِحٍ عَنْهُ
. فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فقال : أَتَعْجَبُونَ مِنْ
غَيْرَةِ سَعْدٍ ؟ فَوَالله لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ ، وَالله أَغْيَرُ مِنّي ،
مِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ الله حَرّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ،
وَلاَ شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ الله ، وَلاَ شَخْصَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ
الله ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثُ الله الْمُرْسَلِينَ مُبَشّرِينَ وَمُنْذِرِينَ
وَلاَ شَخْصَ أَحَبّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنَ الله ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ
الله الْجَنّةَ . رواه البخاري ومسلم .
قال ابن القيم
رحمه الله : فَجَمَعَ هذا الحديثُ بين الغيرةِ التي أصلُها كراهةُ القبائح
وبُغضُها ، وبين محبةِ العُذرِ الذي يوجبُ كمالَ العدلِ والرحمةِ والإحسانِ ... فالغيورُ
قد وافقَ ربَّهُ سبحانه في صفةٍ من صِفاتِه ، ومَنْ وافقَ الله في صفه من صفاتِه
قادته تلك الصفة إليه بزمامه وأدخلته على ربِّه ، وأدنته منه وقربته من رحمته ،
وصيّرته محبوباً له . اهـ .
قال
علي رضي الله عنه : أما تغارون أن تخرج نساؤكم ؟
فإنه بلغني أن نساءَكم يخرجن في الأسواق يزاحمن العلوج . رواه الإمام أحمد
.
كيف بك يا أبا الحسن لو رأيت النساء
يزاحمن الرجال في كلِّ سوق وميدان ؟!
بل كيف بك لو رأيت نساء المسلمين اليوم
في الأسواق بصُحبة السائقين .
وإن المرأة إذا عرفت الغيرة من وليها
جعلت ذلك في حسبانها ، كما قالت أسماء رضي الله عنها حيث قالت : فلقيتُ رسولَ صلى
الله عليه وسلم ومعهُ نَفَرٌ من الأنصار ، فدَعاني ليحمِلَني خَلفَه ، فاستحيَيتُ
أن أسيرَ معَ الرّجال ، وذكرتُ الزّبيرَ وغَيرته وكان أغيَرَ الناس . رواه البخاري
ومسلم .
فلا تتمادى المرأة – غالبا – إلا إذا
كان وليها متساهلا في القوامة ، غاضا بصره عن كثير من الأمور ، باردَ الغيرة على
محارمه .
ومن تأمل قصة يوسف عرف ذلك ، فلما خلت
امرأة العزيز بيوسف عليه السلام راودته عن نفسه لأنها عرَفت عن زوجها أنه ليس
بغيور ، وهذا ما ظهر بعد انكشاف أمرها فلم يزِد على أن قال لـه : ( يوسف أعرض عن
هذا ) ، وقال لها : ( واستغفري لذنبك ) .
ومن برود الغيرة أن يسمح الرجل لزوجته
أو ابنته أن تركب مع السائق ويخلو بها ويُحادثها سواء كان سائقا خاصّاً أو كان
سائقا عاما كأصحاب سيارات الأجرة .
ومن ضعفِ الغيرة أن تُترك المرأة تخرج
متى شاءت من غير أن يُعلم إلى أين تذهب ومع من تذهب .
ومن مظاهر ضعف الغيرة أن تترك المرأة في
الأسواق تروح وتغدو من غير حسيب ولا رقيب ، فتخلو بالباعة وتُحادثهم وربما
تُمازحهم وتُلين لهم القول .
بل إن بعض الآباء أو الأزواج يترك زوجته
تذهب مع السائق لعملها من بعد الفجر ولا ترجع إلا قبيل العصر أو بعده .
وثاني الأسباب :
الثقة المُفرِطة بالنساء ، وهي الثقة العمياء المطلقة .
وفي هذا يقول بعض الناس : أن أثق
بمحارمي ! وأنتم تُشككون الناس في أهليهم .
فأقول
: إذا كانت أمهات المؤمنين اللواتي هن أطهر نساء العالمين ، وهن بمنـزلة الأمهات
قال الله لهن : ( يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ
فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَّعْرُوفًا ) [الأحزاب:32].
وأدّب الله المؤمنين إذا سألوهن أن يكون
ذلك السؤال من وراء حجاب ، فقال الله جل جلاله
:
( َإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ )
أما لماذا ؟ فاستمع إلى الجواب :
( ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ )[الأحزاب:53]
ولقد حدثني بعضُ الثقات أنه رأى في بعض
البراري ما يزيد على عشر نسوة ليس معه إلا سائق . فهل هانت الأعراض إلى هذا الحدّ
؟ هذه نتيجة مِنْ نتائج الثقة المفرِطة .
ثالث الأسباب :
تخلّي أصحابُ القوامة عن قِوامتهم ، وتسليم ذلك الشرف وتلك المسؤولية للنساء .
ناسين أو مُتناسين أن القِوامة للرجال
دون النساء ، وأن اللهَ سـائلٌ كلَّ راع عما استرعاه حفِظ أم ضيّع . كما قال عليه
الصلاة والسلام .
بل
تناسوا قولَه تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )
[التحريم:6].
وتبع ذلك إهمال كثير من أولياء الأمور (
الآباء – الأزواج – الإخوان ... ) لمُهمتهم في القوامة ، فالمرأة مهما كانت صالحة
فلا تترك تذهب لوحدها للسوق أو لغيره دون محرم ، لأنها سوف تختلط بالرجال وتخلو
بالباعة من أصحاب المحلات .
وقد روى البخاري عن ابن جريج قال :
أخبرني عطاء إذ منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال . قال : كيف تَمنعهن وقد طاف
نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال ؟ قلت : أبعد الحجاب أو قبل ؟ قال : إي
لعمري ! لقد أدركته بعد الحجاب . قلت : كيف يخالطن الرجال ؟ قال : لم يكن يخالطن ،
كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حَجْرة من الرجال لا تخالطهم ، فقالت امرأة :
انطلقي نستلم يا أم المؤمنين قالت : عنك ، وأَبَتْ .
ومعنى ( حَجْرَة ) أي ناحية . يعني
أنـها لا تُـزاحم الرجال في الطواف .
ودخلت مولاة لعائشة عليها فقالت لها :
يا أم المؤمنين طفت بالبيت سبعا واستلمت الركن مرتين أو ثلاثا ، فقالت لها عائشة
رضي الله عنها : لا آجرك الله . لا آجــرك الله . تدافعين الرجال ألا كبّرتِ
ومررتِ . رواه الشافعي والبيهقي .
فإذا كان هذا في الطواف في أشرف وأطهر
البقاع ، فكيف بالأسواق ؟
فما لم يَقُم الآباء بما أُوكِل إليهم
من مهام وواجبات فسوف يطول الحساب ، وتعظم الجريرة ، وتزداد التّبِعة .
رابع الأسباب :
العجز والاتّكالية ، وعدم تحمّل المسؤولية المُلقاة على عواتق الأولياء من الرجال
.
فيحرص الآباء والإخوة على وجود السائق
ليذهب كلٌّ منهم في سبيله دون أن يُقال له هات أو خذ ، وتفرح النساء بالسائق لأول
وهلة ثم إذا تخلّى أولياءُ الأمور عن مُهمّاتهم وألقوا بالحمل على المرأة مع
السائق تضجّرت واشتكت ولكن بعد أن وقعت في الفخ .
وقد اشتكت نساء كثير ذلك الوضع حتى
أُوكِل إليهن شـراء ملابس الأولاد ، وجلب الفاكهة ، والذهاب بالمريض إلى الطبيب ،
بل وتعدّى الأمر ذلك كلِّه إلى شراء مستلزمات الرجل !! وتسديد الفواتير ، فلم يبقَ
للرجل دورٌ في حياة تلك المرأة .
بل إننا أصبحنا نرى المرأة في أسواق
الخضار بل وفي أسواق المستلزمات الرجالية .
وعند ذلك وُجِدت الاتكالية على المرأة
وتعوّد أصحابُ القِوامة على العجز والراحة والدّعة ، ومن ثمّ يُجَنُّ جنون المرأة
إذا سافر السائق ؛ لأنها تعودت على كثرة الخروج وتعوّد هو على الراحة ، فكان
السائق يقوم بدور الأب أو بدور الزوج دون أن يخرم منه شيئاً .
خامس الأسباب :
وجود السائق ، وهو نتيجة لما سبق من العجز والاتكالية وحُب الراحة .
حتى أنك ترى البيت الواحد وفيه ثلاثة أو
أربعة أبناء وكلُّ واحد يمتلك سيارة ومع ذلك يوجد السائق .
وأذكر أنني في يوم من الأيام وقفت عند
منـزل أحد الأصدقاء وبينما أنا في انتظاره إذا بالسائق يدخل البيت دون سلام أو
كلام أو أدنى صوت ، ثم جاء شاب لو أراد أن يَهُدّ سارية لهدّها ، ثم جاء آخر ثم
جاء الثالث وكلُّ واحد أوقف سيارته ودخل .
فتألمت لذلك الوضع ، واعتصر قلبي ألماً
من ذلك التفريط مع وجود أولئك في بيت واحد
وفي الحقيقة ما وجود السائق في أغلب
الأحيان إلا مظهر من مظاهر الترف ، وإفراز من إفرازات وتَبِعات عملِ المرأة وإخراجِها
من بيتها ، فلسنا بحاجة للسائق في الأعـمّ الأغلب إلا لزيادة المظاهر ، وحبِّ
التميّز ، واتّباع أهواء النسـاء ورغباتـهن !! وأننا لسنا أقـل من غيرنا ، وليس
غيرنا بأحسن منا !! ولا أدلّ علـى ذلك من وجود أكثر من شـاب في البيت ربما يكون
عاطـلاً ، ومع ذلك يؤتى بالسائق ليقوم بتوصيل البنين والبنات ، ويجوب بالأم
الأسواق لمعرفة الجديد ، والتعرف على الأخبار ، وتفقّد أحوال الرعية !!
وثمة أمـر آخـر يُصدِّق ما ذكرت ، وهو
ما يُلفت الأنظار – أحيانـاً – مِـنْ وجود سائقين بسيارات متهالكـة !! مما يؤكد أن
هناك أُسَـراً لا تستطيع توفير بعض الضروريات ومع ذلك تُوفّر الكماليات للمظاهر
فقط .
وهذا الصنيع دعـوةٌ – غير مباشرة – للعقـوق
، فيتعلّم الأبناء عـدم تلبية حاجيّات والديهـم ، في حين يظهر عـدم احتياجِ أهلهيم
إليهـم ، وعدم تحمُّلِهم المسؤولية ، عندها يُصبح الـداء مركّبـاً ، عقوقُ والِدَين
، واتّكاليـةٌ على الغير ، فلـو أراد أحدهم أن يشتري خبزاً لنادى على السائق وأصـدر
أوامره وزمجر وهدد إن تأخّر ! بينما هو يتّكئ على أريكته يُشاهد مسلسلاً أو مباراة
أو غيرها من توافه الأمور !
والله يُحبّ معالي الأمور ، ويكره
سفسافها
. كما قال عليه الصلاة والسلام .
وهناك الكثير من البيوت استغنت عـن
السائق الأجنبي بعد أن وقعت المصائب ، وانتُهكت الأعراض .
وربما كان السائق كافراً يُروّج لديانته ،
ويُعبّر من خلاله الأب عن دياثته أحيانا !!
بل أصبح السائق عند بعض الأُسر من مظاهر
التباهي ، ومن هنا تشترط بعض الأسر أن يكونَ جميلا وسيما !! فاعتبروا يا أولي
الأبصار .
وشهود العيان كُثر ، ولست شامتاً بل
معتبراً ومُذكِّراً .
ومَن ادّعى أنه لا يستغني عن السـائق في
إيصال بناته أو زوجته ، قيل له أنت أحد رجلين :
إما رجل لا تحسن القيادة أو مريض أو
صاحب عذر وأنت تركب مع السـائق في كل ذهـاب ومجيء ، أو يركب معه رجـل عاقل بالغ ذو
محـرم للنساء ، فلا حرج عليك إن شاء الله .
أو أنك صـاحب مشـاغـل أو تجـارة تلهث
وراء دنيـاك ، وتُضيع أخرتك ، تُضيع أمانة كُلِّفت بحفظها ، وسوف تُسألون
.
والأمر جِدُّ خطير ، فاحذروا عواقبه
الوخيمة .
وأعرف بعض المسؤولين من أصحاب المناصب
العليا تسير حياتهم اليومية دون الحاجة إلى سائق ، وهم يقومون بأنفسهم بإيصال
أولادهم بينين وبنات إلى مدارسهم وقضاء حوائج أهليهم .
وأذكر أن أحد الشباب الغيورين أراد
أهلُه إحضارَ سائق – مثلنا مثل الناس – !! فأقسم إن جاء السائق ليدفُنه تحت عتبة
الباب !! وهذا من باب التهديد ، وذلك دليل على شدة غيرته . فاستغنى أهله عن السائق
ولم تتوقف عجلة الحياة بِهِم ، كما أنهم لم يموتوا جوعاً ومسغبة !
ولا تحتاج إلى كبيرِ عناء لترى وضعَ
السائقين أو حالَهم ، فبمجرد أن تمر من أمام مدرسة من المدارس ترى ذلك ظاهراً
باديا ، بل ما إن تسلك طريقا إلا وترى ما يعتصر له القلب وتدمع له العين من إهمال
وتفريط وخلوة بالأجنبي الذي ربما كان كافراً
لا يرقب في مؤمنٍ إلاًّ ولا ذِمّة .
وإذا ركبت المرأة مع السائق وغاب الرقيب
فلا تسل عن التفريط والضحك والثرثرة وليس هذا حكم عام لكنه أمرٌ مُشاهد .
فكم من امرأة تُرى مع السائق تلتفت يمنة
ويسرة وتنظر إلى هذا وذاك ، بل بعضهن يُصبح رأسُها كأنه جهازُ مراقبة ، كأنه رادار
!
فلا يجوز للمرأة أن تخلو بالسائق مهما
كان العذر .
وإذا كانت فريضة الله التي فرض على
عباده ، والركن الخامس من أركان الإسلام ، إذا كان يسقط عن المرأة في حال عدم وجود
محرم ، أفلا يدل هذا دلالة أكيدة وصريحة على حماية المرأة ؟
ولذا لما قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : لا يخلوَنّ رجلٌ بامرأةٍ إلاّ مع ذي مَحْرَم ، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي
محرم . قام رجلٌ فقال : يا رسولَ الله امرأتي خَرجَت حاجّةً ، واكتَتَبتُ في غزوةِ
كذا وكذا ، قال : انطلق فحُجّ مع امرأتِك . متفق عليه .
وقد شبّه رسول الله صلى الله عليه وسلم
الخلوة بالمرأة بالموت ، ولو كان من اختلى بها من أقاربها من غير محارمها ، ولو
كان من أقارب الزوج ، فقال عليه الصلاة والسلام : إيّاكم والدخولَ على النساء ،
فقال رجلٌ من الأنصار : يا رسولَ الله أفرأيتَ الحَمو ؟ قال : الحَمو الموتُ .
متفق عليه .
والحمو : قريبُ الزوج ، أو قريب الزوجة
من غير محارمها .
وقال عليه الصلاة والسلام : ألا لا
يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان. قالها ثلاثا . رواه الإمام أحمد
والحاكم وصححه على شرط الشيخين ورواه غيرهما .
فلم يَستثنِ من الخلوة شيئا ، لا داخل
البلد ولا خارجه ، بل قال صلى الله عليه وسلم : لا يخلوَنّ رجلٌ بامرأةٍ إلاّ مع
ذي مَحْرَم .
كما أنه صلى الله عليه وسلم لم يَقُل :
إلا مع وجود من يقطع الخلوة ، بل قال : إلاّ مع ذي مَحْرَم .
قال ميمون بن مهران : ثلاث لا تبلون
نفسك بهن : لا تدخل على السلطان وإن قلت آمره بطاعة الله ، ولا تصغين بسمعك إلى
هوى فإنك لا تدري ما يعلق بقلبك منه ، ولا تدخل على امرأة ولو قلتَ أعلمُها كتابَ
الله .
وقال أيضا : لأن أوتمن على بيتِ مالٍ
أحبّ إلي من أن أوتمن على امرأة .
وما ذلك إلا لخطورة الخلوة . خاصة في
السيارات التي كأنها مقصورات .
سادس الأسباب :
وجود الخدم في البيوت ، مما يُولّد أوقاتا لدى النساء من الأمهات والزوجات والبنات
، فتشعر بالضيق والملل ، فترى أنه لا بُدّ من الخروج للأسواق لقضاء أمتعِ الأوقات
!! وإلا لو انشغلت المرأة في نفسها وفي بيتها لما وجدت وقت فراغ تقضيه بين السوق
والسائق .
سابع الأسباب :
كثرة الأموال في أيدي الناس رجالاً ونساءاً .
وثامن الأسباب :
حب الشراء ، ومعرفة ومتابعة كلِّ جديد .
وتاسع الأسباب :
اِتِّباع هوى النفوس ، وإتْبَاعِ النساء أهوائهن .
وسوف أشير إلى علاج هذه المظاهر فيما
بعد – إن شاء الله – .
هذه تقريبا مُجمل الأسباب .
وأما أعراض ذلك المرض .
فتبدأ من قبل أن تخرج المرأة من بيتها
وحين تـهُمّ المراة بالخروج .
فتتجمّل وتأخذ زينتها وكأنها تذهب إلى
مجْمَعِ نساء أو كأنما تتجمّل لزوجها ، بل إن هناك من الأزواج من يشتكي من هذا ،
فيقول : إنه لا يرى زوجَتَه في أبهى حُلّة إلا عند خروجها للسوق أو للزيارة .
واشتكى بعضُ السائقين من ذلك إذ هو بشر
من لحمٍ ودمّ ، ولو كان قلبُه قُدّ من الصخر لتحرك لتلك الفتنة المُتحرّكة .
وقد قال أحد السائقين - وكان فيه بقية
من دين وخير - قال للمرأة التي كانت تركب معه في أبهى حُلّة . قال : ماما .. أنا
بشر ، فتنبّهت تلك المرأة فلم تعُد تتطيّب ، وليتها تنبّهت فلم تركب مع السائق
لوحدها .
والمرأة إذا خرجت فليست بحاجة للزينة ؛
لأن الشيطان سوف يُزيّنها في عيون الناس ولذا قال عليه الصلاة والسلام : المرأة
عورة ، فإذا خرجت استشرفها الشيطان . رواه الترمذي وغيره ، وهو حديث صحيح .
قال ابن مسعود : المرأة عورة ، وأقرب ما
تكون من ربها إذا كانت في قعر بيتها ، فإذا خرجت استشرفها الشيطان .
ومعنى استشرفها : أي زينها في نظر
الرجال ، وقيل : نظر إليها ليغويها ويغوى بها .
ويرفع أبصار الرجال إليها فلا يزال
يُحسّنها في عيونهم ولو لم تكن كذلك .
ثم إن من النساء من إذا أرادت أن تخرج
تعطّرت وهذا لا شك إثم عظيم وتساهل خطير من قبل أولياء الأمور أولاً ، ثم من
قِبَلِ النساء ثانيا .
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى
من شهِدت الصلاة أن تمسَّ طيبا أو بخورا ، فكيف بمن تذهب لمكان هو من أعظم مواضع
الفتنة .
قال صلى الله عليه وسلم : إذا شهدت
إحداكن المسجد فلا تمسَّ طيبا .
وقال : أيما امرأة أصابت بَخوراً فلا
العشاء الآخرة . رواهما مسلم .
قال العلماء : لئلا يحركن الرجال بطيبهن
، ويلحق بالطيب ما في معناه من المحركات لداعي الشهوة ، كحسن الملبس والتحلي الذي
يظهر أثره ، والزينة الفاخرة .
فإذا كانت المرأة لا تأتي لبيت من بيوت
الله بالطيب أو البَخور ، مع أن الله أمر بأخذ الزينة للمساجد ، فلأن تُمنع منه
عند خروجها للسوق أو المدرسة من باب أولى .
وقد ورد التشديد في الطيب للنساء ، فقال
عليه الصلاة والسلام : أيما أمرأة استعطرت فمرت بقوم ليجدوا ريحها فهي زانية .
رواه الإمام أحمد وغيره .
بل أمر رسول الله صلى الله عليه
وسلم من تعطّرت أن تغتسل حتى لو كانت تريد
المسجد .
فقد لقيَ أبو هريرة رضي الله عنه امرأةً فوجد منها ريح
الطيب ينفح ولذيلها إعصار ، فقال : يا أمة الجبار ! جئت من المسجد ؟ قالت : نعم
.قال : وله تطيبت ؟ قالت : نعم . قال : إني سمعت حبي أبا القاسم صلى الله عليه
وسلم يقول : لا تُقبل صلاةٌ لامرأة تطيبت لهذا المسجد حتى ترجع فتغتسل غسلها من
الجنابة . رواه الإمام أحمد وأبو داود ، وحسنه الألباني .
وطيبُ المرأة ما ظهر لونه وخفي ريحُـه ،
كما قال عليه الصلاة والسلام .
ثم تخرج المرأة بذلك الطيب وبتلك الزينة
إلى الأسواق ، فلا تمرّ برجل إلا حرّكت قلبه إلا من رحم الله ، بل منهن من تذهب
بتلك العطورات إلى المستشفيات فلا تمر بمريض في طريقها إلا ازداد مرضا وتأخر برؤه
بل ربما مات بسبب أطيابها .
وقد أحْدَثت بعضُ النساء زينة للسوق
فاخترعن ما يسمينه : مكياج السوق ، بل ذكرت بعض الأخوات أنها رأت في دورات المياه
الخاصة بالنساء رأت بعض الفتيات عندما تخلع النقاب يُرى أنها وضَعَتْ المكياج
والزينة الكاملة للعينين ولما حول العينين ، فَعَلى أي شيءً يدلُّ هذا ؟
ولم يزل الشيطان يستجريهن ويستهويهن حتى
أحدثن مكياج العزاء ، وعش رجبا ترى عجبا !
هذه زينة باطنة بالطيب والأصباغ ، وزينة
ظاهرة باللباس الجالب لأنظار الناس .
فتلبس المرأة الضيّق سواء في اللباس من
بنطال ونحوه ، أو كان بعباءة ضيّقة مُخصّرة
تقول عنها إحدى الأخوات : فهي أضيق من
قميصها الذي تلبسه في منـزلها ، فهي مخصّرة جذابة جداً ؛ تجعل النحيفة ممتلئة ،
وتجعل البدينة رشيقة ، فتُخفي العيوب ، وتُظهر المحاسن والمفاتن .
تزيد على ذلك بعض العبارات التي كُتِبت
على العباءة ، أو الزركشة المُلفتة للنظر .
فما هذه سوى خطوات نزع الحجاب ،
فَـيَومٌ عباءة فرنسية ، وآخر عمانية ، وثالث مغربية ، وهكذا ... حتى يصدق على
المرأة قول الشاعر :
تجيء إليك فاقدة الصوابِ مهتكـة العباءة والحجـابِ
وما يُلبس تحت تلك العباءات الفاضحة من
ملابسَ ضيقة أو شفافة أشد في الفتنة .
في أحد الشوارع قابلتني بعضُ الفتيات
فحرّك الهواء عباءاتَهن فظهرت البناطيل فأخذن يُمسكن العباءات خوفا من العتاب
والإنكار .
وليس هذا هو الحجاب الذي يُريده الله عز
وجل .
إن الحجاب سِترٌ ووقاء . وعِفّةٌ وحياء
، وطُهرٌ ونقاء .
إن الحجاب الذي نبغيه مَكرُمةٌ لكلِّ حواء ما عابت ولم تَعِبِ
ليس
المقصود من الحجاب لُبس السواد فحسب بل ستر المفاتن حتى في حقّ كبيرات السن ولذا
قال الله جل جلاله : ( وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ
سَمِيعٌ عَلِيمٌ )[النور:60] .
ولذا لما قَدِمَ المنذر بن الزبير من
العراق فأرسل إلى أسماء بنت أبي بكر بكسوة من ثياب رقاق عتاق بعدما كف بصرُها .
قال : فلمستها بيدها ، ثم قالت : أف ! ردوا عليه كسوته . قال : فشق ذلك عليه ،
وقال : يا أمه إنه لا يشف . قالت : إنها إن لم تشف ، فإنـها تصف ، فاشترى لها
ثيابا مروية فقَبِلَتْها . رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى .
قال أسامة بن زيد كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قبطية
كثيفة كانت مما أهداها فكسوتها امرأتي فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :
مالك لم تلبس القبطية ؟ قلت : يا رسول الله كسوتها امرأتي ، فقال لي رسول الله صلى
الله عليه وسلم : مُرها فلتجعل تحتها غلالة فإنى أخاف أن تصف حجم عظامها . رواه
الإمام أحمد وغيره ، وروى نحوه أبو داود عن دحية الكلبي رضي الله عنه
ولذا كان عمر رضي الله عنه يقول : لا
تلبسوا نساءكم القباطي ، فإنه إن لا يشف يصف .
ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
من جر ثوبه من الخيلاء لم ينظر الله إليه . قالت أم سلمة : يا رسول الله فكيف تصنع
النساء بذيولهن ؟ قال : يُرخينه شبرا .
قالت : إذا تنكشف أقدامهن . قال : يُرخينه
ذراعا لا يَزدن عليه . رواه أحمد وغيره .
وهذا يدلّ على شدّة حرص أمهات المؤمنين
والصحابيات على ستر أقدامهن ، مع أن القدم ليس موضع زينة ، بخلاف الساق فهو موضع
زينة في السابق ، حيث كانت تُلبس فيه الخلاخيل .
ولذا قال الله : ( وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )
[النور:31] .
فكم من عباءة اليوم تحتاج إلى عباءةٍ !
كما قيل .
في كتاب مراوغات
الحجاب : فأصبح أكبرُ همِّ المرأة المسلمة لباسا عاريا تلبسه ، ونزلت إلى الميدان
بأقذر أسلحتها ، أسلحةِ الأغراء ، وتعلمت المرأة المسلمة فنون الأغراء ، وذلك عبر الأفلام
العارية ، والقصةِ العارية ، والصورةِ العارية . ووجدت المرأة المسلمة محرَّرين
ومحرَّرات ممن يتكلم بلسانها ومن بني جلدتها يشرحون لها كيف تكون جذابةً
"مغرية" . إغراءً في البيت وفي الشارع ، إغراءً في اللفظ والحركة ،
إغراءً في الملبس والزينة ، إغراءً في المشية والجلسة والنظرة . انتهى .
وتجرأت بعض النساء فلبسن لِبْسة الرجال
، فوضعن العباءة على الكتف ، متناسياتٍ قوله صلى الله عليه وسلم : لعن رسول الله
الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل .
ولعن رسول الله الرَّجُلَة من النساء .
رواهما أبو داود وغيره ، وصححهما الألباني .
ولا بد من التذكير بمعنى اللعن فهو
الطرد والإبعاد عن رحمة الله .
وكلُّ تلك الأفعال هربا من أن يُقال لها
: قروية أو قديمة ونحوها من الكلمات .
فلله كم هدمت تلك الكلمات من حياء ، وكم
هتكت من عفة ، وكم جَنَت على شرف .
يقول الأستاذ محمد
قطب : حدث منظر على الشاطئ قبل سنوات ، فتاة كان بها بقية ضئيلة من الحياء ، حياء
الأنثى الطبيعي الفطري ، هذه المرأة لبست "المايوه" وجلست على الرمال
حول الشاطئ ليلتقط المصور لها صورة ، فما الذي حدث ؟
جلست بهذه البقية الضئيلة
من الحياء مضمومة الرجلين ، فقام المصور يفسح ما بين رجليها ليلتقط لها صورة تقدُّمية
، ولكنها راحت في حياء ضئيل - تتأبى عليه- عندئذ قال لها بلهجةٍ ذاتِ معنى : "الله
! هوه أنت فلاحة ولا إيه ؟!! ".
وفي الحال دبت هذه الكلمة
في صدرها فنخرت ما بقي من الحياء وجلست منفرجة الرجلين في طلاقة همجية ، لتُلتقط
لها الصورة . انتهى .
بل وتجرأت بعضُ النساء فأخذت تُرضع
صبيّها في السوق أمام الرائح والغادي ، والويل كل الويل لمن أنكر عليها . فإن تركت
ولدها مات جوعاً ؟! وإن تركت التسوّق ماتت همّاً وغمّاً وكمدا !
ومن ويلات خروج المرأة إلى الأسواق أنْ
تركت أولادها عند خادمتها التي ربما كانت كافرةً مُشركة أو تركتهم عند القنوات
الفضائية يتلقّفون سمومَها .
هل نسيت المرأة أن هذا الخروج ربما يكون
آخرَ خروجٍ لها للسوق .
كما قال ابن عباس : إن الرجل ليمشي في
الأسواق ، وإن اسمه لفي الموتى .
كم من امرأة خرجت تمشي برجليها وعادت
محمولة ؟
وقبل مدة وجيزة حدثونا عن امرأة خرجت
بكامل زينتها وبجميع وسائل الإغراء ، خرجت إلى أحد المُجمّعات والأسواق الكبيرة
المشهورة ، فلما أُنكِر عليها تلفظت بألفاظ قبيحة تجرأت فيها على ربِّ العزة جل
جلاله فلم تُجاوز السوق فسقطت ممددة ونُقلت على الفور إلى إحدى المستشفيات .
فهل تُريد المسلمة أن يُختم لها وهي
بالسوق على تلك الحال ، أوْ وهيَ على ذلك
الوضع المُزري ، والحالة المَشينة ؟
إذاً فلتتقِ الله ولتعلم أن من أحب شيئا
أكثر منه ، ومن أكثر من شيء مات عليه .
ومِن فِتن التسوّق ذلك النقاب الذي
توسّعت فيه النساء ، فأصبحن يتجملن به .
وقد تبدل حال النقاب ، حتى أصبح نقاب
فتنة وشهرة ، وقد ورد الوعيد الشديد على من لبس لباس شهرة ، كما في قوله صلى الله
عليه وسلم : من لبس ثوب شهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوبا مذلّه ، ثم تلهب فيه
النار . رواه أحمد وغيره ، وهو حديث صحيح .
وقد قالت عائشة رضي الله عنها في توسّع
النساء في زمانها في مسألة الخروج للعبادة ، الخروج للمساجد وبيوت الله : لو أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما منعت نساء بني
إسرائيل . قال يحيى بن سعيد : فقلت لعمرة : أنساء بني إسرائيل منعهن المسجد ؟ قالت
: نعم . رواه البخاري ومسلم .
وإنما مُنعت نساء بني إسرائيل من
المساجد لما أحدثن وتوسعن في الأمر من الزينة والطيبِ وحسنِ الثياب . ذكره النووي
في شرح مسلم .
قال ابن المبارك أكره اليوم الخروج
للنساء في العيدين ، فإن أبت المرأة إلا أن تخرج فليأذن لها زوجها أن تخرج في
أطهارها ولا تتزين ، فإن أبت أن تخرج كذلك فللزوج أن يمنعها من ذلك .
ومثله النقاب ، وإنما منعه من منعه من
العلماء لتوسع النساء فيه توسعاً غير محمود .
قال ابن حجر في موضوع آخر مشابه :
وفائدة نهيهن – أي النساء – عن الأمر المباح خشية أن يسترسلن فيه فيُفضي بهن إلى
الأمر المحرم لضعف صبرهن ، فيستفاد منه جواز النهي عن المباح عند خشية إفضائه إلى
ما يحرم . اهـ .
وما يترتّب على ذلك النقاب أو اللثام من
عدم غض البصر من قبل المرأة ، بل وتتجرأ في النظر إلى الرجال الأجانب وكأنها لم
تؤمر بغضِّ بصرها .
وقد اعترفت امرأةوقعت في الفاحشة بأنه
لم يجرها إليها سوى النقاب .
ووالله إن الرجل ليُغضي حياءً من نظرات
بعض النساء من خلف النقاب .
وقد جعل الله غض البصر سببا لحفظ الفروج
.
فتذكري أختي المسلمة : أنه أيما شاب كنت
سببا في فتنته فلتحملي وزره إلى وزرك .
وأيما امرأة أغريتيها بذلك اللباس أو
بذلك العمل أو كنت سببا في تجرِأتها عليه فإنك ستحملين مثلَ وُزرِها .
ألا تعلمين أن للعيون حديث جميل ، وقول رقيق ، وكلام لطيف ؟ كما قيل :
والنفس تعرف من عينيّ محدّثها إن كان من حزبها أو من أعاديها !!
بل هن أمضى من السهام وأفتك من السِّحر
جَعَـلَتْ علامـاتِ المـودةِ بيننا مصائدَ
لحظٍ هنّ أخفى من السّحر
فأعرف منها الوصل في لين طرفها وأعرف منها الهجر في النظر الشزر
وسهام اللحظ ربما فتكت في القلب أشد من
فتك السلاح
ولذا قيل :
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها فتك
السهام بلا قوس ولا وتر
وقيل :
عيناه تسطو على فؤادي والموت في سطــوة العيون
قال ابن القيم - رحمه الله - :
يا راميا بسهام اللحـظ مجتهـدا أنت
القتيل بما ترمي فلا تصب
وباعثَ الطرفِ يرتاد الشفاء لـه تَوَقَّـهُ
إنـه يرتـدُّ بالعطـب
ترجو الشفاء بأحداق بـها مرضٌ فهل
سمعت ببرءٍ جـاء مـن عطب
ومُفْنِيـاً نفسه في إثرِ أقبحهـم وصفا للطخ (1)
جمـال فيه مستلب
وواهبا عمره في مثل ذا سفهـا لو
كنت تعرف قدر العمر لم تـهب
وبائعا طيب عيش ما له خطـر بطيف عيش مـن الآلام منتَهَـب
غُبِنت والله غبنا فاحشا فلو اسـ ترجعت ذا العقـد لم تُغبن ولم تَخِبِ
وواردا صفـو عيش كلّه كـدر أمامك الورد صفوا ليس بالكـذب
وحاطب الليل في الظلماء منتصبا لكل
داهيـة تدنـو من العطـب
شاب الصبا والتصابي بعد لم يشب وضـاع وقتُك بين اللهـو واللعب
قال - رحمه الله - : والمقصود أن فضول النظر أصل البلاء . اهـ .
فاتقي الله أمة الله وتمسكي
بحجاب يُقرّبك إلى الله
لا بحجاب يُباعدك من الله ويُقرّبك من
النار .
أجارك الله من النار أخيّتي .
وحماك من دعاة السوء والرذيلة .
وتذكّري أن التبرج من علامـات النفاق .
قال صلى الله عليه وسلم : وشـرُّ نسائكم المتبرجات المتخيلات ، وهن المنافقات لا
يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم . رواه البيهقي .
وها قد وصلت المرأة إلى السوق بكامل
زينتها تفوح منها روائح العطور الصارخة تُنادي على نفسها أنني ها هنا فهلمّوا !
إذا أرادت أن تركب السيارة أو تنـزل
منها هزّت أكتافها فيتقدّم السائق ليأخذ شنطَتَها التي كانت تُبدي شيئاً من
مفاتنها بطريقة وضعها .
عن يمينها السائق وعن شمالها الخادمة ،
وبيمينها الجوال ذو الألوان الزاهية والنغمات الجذّابة ، وربما جرّت خلفها أطفالاً
صغاراً لا ذنب لهم سوى أن أمهم تُحب الفتن !
فهذه المرأة قد نادت على نفسها في سوق
الغزل وقِلّةِ الحياء ، نادت عليها عباءتُها الضيقة ، ونقابُها الواسع ، وأطيابُها
العطرة ، فهي فتّانةٌ .. فتّانةٌ .. فتّانة !
تدخل إلى السوق تمشي مِشية الطاووس
متبرجة متبخترة .
ألا تذكر تلك المرأة قوله صلى الله عليه
وسلم : بينما رجل يتبختر يمشي في برديه قد
أعجبته نفسه إذ خَسَفَ الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة . متفق عليه
.
تلك الفاتنة ليست واحدة أو فريدة من
نوعها بل هُنّ كُثُر هداهن الله .
وعندما تدخل محِلاً فإنها تقف أمام
البائع كأنما وقفت أمام زوجَها ، تنظر إليه وينظر إليها .
تُحادثه ويُحادثها ، وربما تُمازِحـه
ويُمازِحهـا ، والأدهى من ذلك أنه ربما ألبسها ليعرف المقاس ، وليس هذا ضربا من
الخيال بل الواقع أمر منه .
في أحد المحلات سمعت بأذني فتاةً تقول
للبائع وهي تماكسه : الله يخلّيك نزّل في السعر فلما لم يوافق قالت : يا حُبي لك
نزّل لي .
عجيب !! تتنازل عن كرامتِها وتتخلى عن
أنوثتها مقابل خمسة أو عشرة ريالات .
وقد حدثني أحد الباعة في بعض أسواق
الذهب يقول : أصابتني ردّة فعل من النساء فلا أثق في امرأة أن تكون زوجة لي لكثرة
ما أراه من النساء ، وأهل مكة أدرى بشعابها !
إحداهن تُخرج صدرها لتُري البائع القلب
الذي تُريد أن تبيعه ، وما علمت أنها ربما اشترت قلبَ البائعِ نفسه !
ترى العشرات يبحثن عن كلِّ جديد . يسألن
عن الموضة . يَزرن أغلب الأسواق .
يجرين هنا وهناك . لا بحثاً عن مصلّى بل
ركضـاً وراء المسابقات ، وجرياً خلف التخفيضات ، ويلهثن خلف الجوائز ، وإن طارت
العباءات ! وإن ذهب الحياء ! المهم أن تفوز ! بل دأبت بعضُ الأسواق على تخصيص
النساء بالمسابقات والجوائز .
ومع ذهاب الحياء ذهب الدين .
قال عيه الصلاة والسلام : الحياء
والإيمان قُرِنا جميعا ، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر . رواه الحاكم وصححه .
حتى إن الرجل إذا مشى على الرصيف
وقابلته امرأة يُضطر إلى أن يبتعد ويتنحّى عن الطريق حتى لا تُضايقه المرأة .
أين هذا من واقع نساء السلف ؟
روى أبو داود عن أبي أسيد الأنصاري رضي
الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد فاختلط
الرجال مع النساء في الطريق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء :
استأخرن فأنه ليس لكن أن تحققن الطريق ،
عليكن بحافات الطريق ، فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من
لصوقها به . والحديث صححه الألباني .
بل أين هذا من واقع نساءِنا قبل عشرين
سنة ، كانت إحداهن إذا قابلها الرجل التصقت بالجدار ، فيُرى أثرُ الجدار في
عباءتها .
كم من امرأة خرجت بزينتها وزوجها آخر من
يعلم !
وكم تاهت من فتاة وضاعت من عذراء وأبوها
ألهاه الصفقُ في الأسواق ، وانشغل في دنيا الأوراق ، وأوكل الأمر إلى السوّاق .
خَرَجَتْ وأبوها في شُغُـلٍ يجـري
في دنيـا الأوراق
قـد أوكَلَ أمـرَ بُنيّتـه ورمـاه
بِكَفِّ السّـواقِ
خَرَجَتْ للسـوق مُعطّرةً تتكسّر في خطـو السـّاقِ
كم تُحدق في عينيّ رجلٍ يُغضي
مِن ذاك الإحـداقِ
خَجِلَتْ عيناه وما خَجِلَتْ عيناهـا بنتُ الأعــراقِ
هذا مـا تَكشِف سـوءتَه بالغفلة سـاحُ الأسـواقِ
بنتُ الإسلام ووا أسفـي تجترّ سمـومَ
الأطبــاقِ
تنساقُ
وراءَ حضارتهـم وتُحاكي نهـجَ الفسّـاق
يُهدي الإسلام لهـا بَصَراً وتُقلّـد عُميَ الأحـداقِ
تُصغي بصفاء براءتِـهـا عبثـاً لنعيقِ الأبــواقِ
خُلُقُ الإسـلام يُهذّبُهـا فَتَحِنُّ
لسـوء الأخـلاقِ
يا بنت الإسـلامِ استمعي نغماً
أشْـدوه بإشفـاقِ
صُـوني
بحيائكِ مملكـةً مِن
شهْدِ جمـالٍ دفّـاقِ
الـدُّرّة أنتِ فـلا تَدَعِي كَفّـاً
تمسَسْـك بلا واقِ
كم خانَ الحُسُنُ من امرأةٍ تتجرّعُ كاسَ الحـُـرّاقِ
كوني بالحشمـة شامخـةً بجمالكِ فـوق الأعنـاقِ
يا نـورَ الليلِ وبهجتَــه يا بسمـةَ ثغـرِ
المشتاقِ
ما طاب الحُسن من امرأة ترميه بِوَحْـلِ الأسـواقِ
بل حُسنُ المرأةِ حشمتُها يكسوه جـمالُ الأخلاقِ
ومن النساء من تخرج للسوق لإزجـاء الوقت
والتسلية .
ومنهن من تخرج للسوق دون غايةٍ أو هدف ،
فتقول بعض النساء نريد زيارة السوق ولما تُسأل : لماذا ؟ وماذا تُريدين ؟ تقول :
إن لقينا شيء زين اشتريناه !
فالخروج أصلاً لم يكن لهدف .
ومنهن من تخرج وتُخْرِج معها أهلَ بيتها
، حتى تُرى المرأةُ الكبيرةُ في السن والتي بلغت من الكِبر عِتيّا تُجَرُّ في
الأسواق دون ذنب أو جناية !
هل تذكّرت تلك النسوة أنهنّ مسؤولاتٌ عن
أعمارِهنّ .
فلن تزول قدما عبدٍ يومَ القيامة حتى
يُسأل عن عمره فيم أفناه ؟ وعن شبابه فيم أبلاه
فهذه الأوقات التي تُهدر هي عمر الإنسان
، فمن رامَ قتل الفراغ فقد رام قتلَ نفسه
وقد ذَكَرْتُ أن من أساب كثرة ارتياد
الأسواق وجودَ الخدم في البيوت .
فلو كانت المرأة تُعنى ببيتها وأولادِها
لما وجدت أوقات فراغٍ تقضيها في الأسواق والحدائق والمطاعم التي انتشرت في الأسواق
.
ومن النساء من أدمنت خروج السوق فلا يُمكن
بعد ذلك أن تستغني عن السائق أو الخادمة ، فلا تَتَصوّر هي أن تعيش بدون هذين ،
ولـو افتقـرت لاستطـاعت العيش ولاقْتَصَرت على ضروريات الحياة .
وكانت السؤال في أوساط النساء : هل عندك
خادمة ؟ فأصبح السؤال مع تزايد الترف وكثرة المال : كم عندك من خادمة ؟
ووجود الخادمة في البيت له تبعاته من
إهمال التربية والبيت والزوج .
وكثرة الخروج فتُصبح المـرأةُ خرّاجةً
ولاّجـة ، لا همّ لها سوى شهوات البطن واللباس ، ومن كانت كذلك فهي لا تصلحُ
أُمّـاً ولا تُحسنُ التربية .
وكُنت قرأت قبل فترة بعض الإحصائيات عن
مرضٍ نفسي تفشى في أوساط الكفّار وكنت أظنه حِكراً عليهم ، وإذا بي أسمع به في
أوساط نساء المسلمين .
ذلكم المرض هو ما عُرِف بـ ( إدمان
التسوّق )
فتشير بعض الأرقام إلى وجود ثمانمائة
ألف مدمن تسوّق بشكل مرعب في بريطانيا
بينما العدد تضاعف في أمريكا فيوجد
ثلاثة ملايين ونصف المليون مدمن تسوّق .
و مدمنو التسوق بعضهم أفلس وباع كل ما
عنده ، فانتشرت عيادات مكافحة الإدمان
تقول إحدى الأخوات إنها تعرِف فتاة
تربّت في عائلة مُحافظة وكانت أمُها هي التي تقضي حوائج البنات ، فتذهب للسوق ما
يُقارب ست إلى ثمان مرّات في السنة ، تقول : المصيبة وقعت بعد زواجها من زوج كانت
أمُّه مُدمنةَ أسواق ، ولم تكتفِ بذلك بل كانت تطلب من زوجة ابنها أن تلبس العباءة
الفرنسية وترتدي الضيّق من الملابس وأخذ الزينة الكاملة عند الخروج ، تقول عن أمّ
زوجها : إنها مُدمنة تسوّق بغرض توسيع الصدر لأنها يضيقُ صدرها باستمرار ... إلى
أن قالت : المشكلة أنها ترتاد السوق في رمضان بشكل شبهَ يومي من أجل الجوائز . ضاع
ليلُ رمضان بين السوق والسائق .
وأشدّ ما تكون فتنُ الأسواق في العشر
الأواخر من رمضان ، في تلك العشر التي هي أفضل ليالي الشهر بل أفضل ليالي العام
فتضيع تلك المواسم بين السوق والمطبخ .
وتتدافع النساء في تلك الأيام على شراء
ملابسِ العيد . أفلا كان قبل ذلك ؟
ومن أسباب فتن الأسواق :
كثرة الأموال في أيدي الناس رجالاً ونساءاً .
فالمرأة العاملة لا بُدّ أن تُنهي
المرتّب قبل أن يأتي آخر الشهر ، وآخر ما يخطر ببالها أن هناك أناسٌ جياع وفقراء
ومحاويج ، ربما كان الإحسان إليهم سببا في سعادتها في الدنيا والآخرة .
وأسرف بعض الناس في تبديد ماله وجعل
المال في أيدي النساء ، وقد قال الله تبارك وتعالى : ( ولا تؤتوا السفهاءَ
أموالَكم التي جعل الله لكم قياما ) ولو طُلب منه أن يتصدّق أو يُنفق في سبيل الله
لاعتذر بكثرة الواجبات والالتزامات ونحو ذلك .
وكذلك الأمر بالنسبة للمرأة العاملة ،
ففي إحدى المدارس تبرّعت المُدرِّسات لبناء مسجد يشتركن فيه فتوقّف بناء المسجد
بعد ذلك برغم أن من تكفلن به كلُّهن من المُدرِّسات . بخلٌ في الخير ، وإسراف في
الشرّ !
وإذا طُلب من هؤلاء التسوّق خرجت المئات
بل الآلاف ، وعند التبرع أو الدعم لمشروع خيري تتأخر العشرة ويتقدّم الريال بكل
فخر ! بل ربما تأخر وتباطأ !
وسوف يُسأل العبدُ يومَ القيامة عن ماله
من أين اكتسبه ؟ وفيم أنفقه ؟
والمال لله كم عِشنا نثمِّـرُه لا خير في المال ضاعت عنده القيمُ
تقول مُعلِّمة عن زميلتِها : كانت تقوم
بالتدريس معنا فتاة تلبس النادر من الثياب والحُليّ ... تقول : وحاولت مُجاراتِها
على حساب بيتي وزوجي وأولادي ... إلى أن قالت : وقدّر الله أن تموت تلك المُدرِّسة
في حادث وتأسفنا عليها وبعد ثلاثة أشهر اكتشفنا أنها غارقة في الديون وأن أهلَها
يستجدون أهلَ الخير لسداد الديون ، تقول : فقلت : لا للترف والمظاهر .
إسراف وتبذير وحبٌّ للمظاهر .
في أحد محلات بيع العطور تم تكريم بائع
لأنه باع على إحداهن ما قيمته خمسة عشر ألف ريال مرة واحدة .
وامرأة اشترت من محِلاًّ يبيع صابون
الجسم اشترت منه بأكثر من عشرين ألف ريال
وإليكم بعض الأرقام التي تدلّ على كثرة
استهلاك مواد التجميل والعطور ، وهي بلا شك تدلّ على زيادة الترف الذي يُخشى معه
من العقوبة التي لا تتخلّف عن المترفين .
وهذه الإحائيات قبل ست سنوات :
تم استهلاك 538 طُنّاً من أحمر الشفاه .
43 طُنّاً من طلاء الأظافر .
41 طُنّاً من مُزيلات الطلاء .
232 طُنّاً من مسحوق تجميل العيون .
445 طُنّاً من مواد صبغة الشعر
كما تم إنفاق 1200 – 1500 مليون ريال
على العطور .
وعُرِف ذلك عن طريق الجمارك والاستيراد
بالكميات وما تضخـّه المؤسسات والشركات في الأسواق .
وبعد ذلك بسنتين جاءت الإحصائيات
التالية لدول الخليج :
ثلاثة مليارات ريال أنفقت على العطورات
.
خمسة عشر مليون ريال على صبغات الشعر .
ستمائة طُن من أحمر الشفاه .
خمسون طُنّاً من طلاء الأظافر .
أنسي هؤلاء أن المالَ مالُ الله ؟
قال سبحانه : ( وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ )
[النور:33]
وقال جل جلاله : ( وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ )
[الحديد:7]
وقال عليه الصلاة والسلام : إن الدنيا حلوة
خضرة ، وإن اللهَ مستخلفُكم فيها ، فينظر كيف تعلمون فاتقوا الدنيا ، واتقوا
النساء ، فإن أولَ فتنةِ بنى إسرائيل كانت في النساء . رواه مسلم .
ومن فتن الأسواق ومنكراتِها
:
تعويد الأطفال على الأسواق خاصة البنات
، والتساهل في لباسهن ، بحجة أنهنّ صغيرات ، فيُلبسن الضيق والعاري أحيانا ،
وأحيانا يُتّخذن زينة !
ومِن مُنكرات الأسواق :
الاستهزاء والسخرية بمن يرتاد الأسواق ،
فهذه طويلة وتلك قصيرة ، وأخرى يُستهزأ في لباسها ، ورابعةٌ في مِشيتِها ، وهكذا ،
وقد قال الله : ( لا يسخر قومٌ من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء
عسى أن يكنّ خيراً منهن ) .
ومنها أيضا :
تأخير الصلوات عن أوقاتها إلى أن تعود للبيت متى ما رَجَعَت .
ومن ذلك التساهل في خلع الملابس في
محلات الملابس لمعرفة المقاسات ، في تلك الغُرف التي وُضِعت لذلك الغرض ، وفي هذا
عِـدةُ محاذير :
أولاً :
هتك الأستار في تلك الأسواق ، وقد دَخَلَ نسوة من أهل الشام على عائشة رضي الله عنها
فقالت : لعلكن من الكُـورَة التي تدخـل نساؤهـا الحمّـام ؟ سمعت رسـول الله صلى
الله عليه وسلم يقول : أيما امرأة وضعت ثيابها في غير بيت زوجها ، فقد هتكت سترها
فيما بينها وبين الله عز وجل . رواه الإمام أحمد وغيره ، وهو
حديث صحيح .
ومثله النوادي النسائية التي يُنادي بها
أشباه الرجال ، ومحلات الكوافيرات والمشاغل ونحوها ، وقد بلغني أنه بلغ من تهاون
بعض النساء أنهن يظهرن عوراتِهنّ أمام النساء وذلك من أجل نزع الشعر ، وهذا أمرٌ
محرّم لا يجوز – أعني إبداء العورات – .
ثانياً :
أن بعضَ المحلات يستغلّها ضعافُ النفوس بوضع مرايا عاكسة بحيث يُرى من وراءها ،
ومن ثمّ يقوم بعضهم بالتصوير من حيث لا تشعر المرأة .
ثالثاً :
أن من النساء من يخلعن ملابسهنّ في مُصلّيات الأسواق ، ثم يُخلِّفن الأوراق وأغلفة
الملابس داخل المُصلّيات .
ومن المحاذر في الأسواق النسائية لُبس
الضيق والشفاف أمام النساء .
ومنهن من تخرج بلباس ساتر فإذا وصلَت
إلى السوق وغابت عن الرقيب غيّرت ملابسها ولبست الضيق والقصير والشفاف بحجة أن ذلك
بين النساء .
فكم من امرأة أُصيبت بالعين أو المسّ
نتيجة ذلك التهاون .
ومن مخاتلات بعض الفتيات أنهن اتخذن
الأسواق للقاء الأخدان .
فـتُصرّ بعضُ الفتيات على الذهاب إلى
سوقٍ مُعيّن .
ثم تُصرّ بعد ذلك على أن تعود لنفس
السوق لإعادة سلعة أو شراء ما أعجبها من محلٍِّ بعينه ، وربما ضربت المواعيد ،
وربما أغراها بعض السفهاء من الباعة أو المتسكعين .
وبهذه المناسبة أُذكّر أصحاب المحلات في
أن يتقوا الله في نساء المسلمين ، فيحرص بعض أصحاب المحلات على أن يكون البائع
جميلاً وسيما يجذب النساء ، وليعلم أنه يتأكّل بأعراض المسلمين .
ومن الأسباب التي تُعين على
فِـتن الأسـواق : إتّباع هوى النفوس وإتْباع النسـاء رغباتِهنّ .
وربما يُسارع الرجل في ذلك طلبا لرضا
زوجته أو بناته ، ونسيَ أن مَنْ يَطلب رضاها اليوم ربما تأتي تُخاصمُه يوم القيامة
.
تقول : يارب سَلْ هذا لِمَ فرّط في حق
القِوامة .
أو تقول : سلْهُ يارب لم ضيّعني .
أنسيت – رعاك الله – قوله صلى الله عليه
وسلم : ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يُحِطها بنصحه إلا لم يجد رائحة الجنة .
متفق عليه .
أم
تناسيت قولَ ربّك : ( إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ )
.
فاحذر أن تكون الزوجة أو البنت هي من
تُخاصِمُك يوم القيامة .
واحذر أن تكون تطلب رضاها في الدنيا وهي
تطلب هلاكَك في الآخرة .
ولعلي أستعرض بعض طرق العلاج لتلك الفتن
التي تعج بها الأسواق .
فمن طُرق العلاج :
ردع النفس فما كل ما تُريد تشتري .
قال عمر رضي الله عنه : كلما اشتهيتَ
شيئا اشتريته ؟ لا تكون من أهل هذه الآية : ( أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا ) .
وسَوقُ النفس بسوط الخوف من الله ،
والحذر من العقوبة نتيجة الإسراف والترف .
ومن طُرق العلاج ما فعلته تلك المرأة
العاقلة التي لاحظت أنها تشتري ما لا تحتاج ، فإذا رجعت إلى بيتها وقلّبت أغراضها
وما اشترته ندِمت على ما فعلت ، فهذا لا حاجة له وذاك يُمكن الاستغناء عنه ، وتلك
الأشياء لا تلزمني ، وهكذا .. فلما رأت ذلك نذرت أنها إذا اشترت شيئاً أن تتصدّق
بمثل قيمته ، فَحَدَّ ذلك من رغبة الشراء وحب التملك .
وهذه طريقةٌ مَرعية .
قال ابن وهب : نذرت أني كلما اغتبتُ
إنسانا أن أصومَ يوما ، فأجهدني ، فكنت اغتابُ وأصوم ، فنويت أني كلما أغتبت
إنسانا أن أتصدقَ بدرهم ، فمِن حُبِّ الدراهم تركت الغيبة .
وقد ذَكَرَتْ بعضُ الأخوات أن المرأة لو
امتلكت السوق في بيتها فإنها تريد سوقاً آخر ، فلا يردعها مثلُ هذا الحزم .
ولله كم تشتكي خـزائن الملابس ، وكم
تـئن الحقـائب التي مُلئت بلباس صيف ، وأخرى بلباس شتاء ، وثالثة بألبسة الزيارات
، ورابعةٌ بألبسة السهرة ، وهكذا ...
في حين يموت من يموت من المسلمين جوعا
وعُريا ومسغبة .
ومن طُرقِ العلاج :
الحـزم من قِبلِ أولياء الأمور ، وعدم
التهاون مع المرأة خاصة في اللباس والخلوة المحرمة ، سواء مع السائق أو مع البائع
.
وعدم السماح بلبس الضيق والقصير
والمُشقق في الثياب والعباءات .
فإنك موقوف بين يدي الله ومُحاسبٌ
ومسؤول .
ومن ذلك أيضا :
إشغال النفس بالطاعة ، فإنك إن لم تشغل
نفسك بالطاعة شغلتك بالمعصية .
وأن تتذكر الفتاة أن الحجاب عبادة وطاعة
وقربة ، فكما تتقرّب على الله وتتعبّد بالصلاة والصيام وغيرها من الطاعات فالحجاب
عبادة وليس عادة .
الحجاب عبادة أمر بها الله عز وجل ، وأمر بها رسوله صلى الله عليه وسلم .
ومن طُرقِ العلاج :
أن تُوكل عملية الشراء للأمّ أو البنت
الكبيرة ، وتتولّى عملية الشراء مرة واحدة ، وتخرج بصحبة محرم أو امرأة عاقلة .
كذلك :
ترشيد عملية الشراء ، سواءً فيما يُعطى
للزوجة والبنات من أموال ، أو فيما يشترينه
ويتبع ذلك أن يُحدد الهدف والوِجهه .
فنريد سوق كذا لكذا وكذا .
كذلك يتم تدوين الطلبات بورقة وترتيب
الأفكار حتى يتم توفير الجهد والوقت .
ومنها :
أن يُستغنى عن السائق ما أمكن ولو غضبت
النساء لأول وهلة فسُرعان ما يرضخن ويتعوّدن على عدم وجود سائق ، ولنفترض أن
السائق مات أو مُنعَ الاستقدام .
ولكي يُسَدّ ذلك الفراغ الذي يتركه
السائق لا بُدّ أن يقوم الرجال بما أوجب الله عليهم من حق القِوامة ، والقيام
بخدمة الأهل ، وقضاء حوائجهم فهذا عبادة .
فلسنا أفضل ولا أشرف من سيّدِ ولدِ آدم
عليه الصلاة والسلام .
قالت عائشةُ رضي الله عنها تصفُ رسولَ
الله صلى الله عليه وسلم : كان يكون في
مهنةِ أهله - تعني في خدمة أهله - فإذا
حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة . رواه البخاري .
وأن يُخصص يومٌ في الأسبوع للشراء أو
يوم في كل أسبوعين أو حتى في الشهر .
بحيث تخرج المرأة مع ذي محرم لها يُفرّغ
نفسه لها ذلك اليوم وتقضي كلَّ ما تُريد .
وحدّثني بعض الصالحين أنه خصص لأهله يوم
الخميس ، ويُفرّغ نفسه لهم ذلك اليوم لقضاء ما يُريدون وشراء ما يحتاجون ، فيخرج
صباح ذلك اليوم ويقضي لهم ما يُريدون دون تَعرّضٍ للفتن .
وبهذا تُحفظ الأوقات والأموال والجهود ،
وتُحاول الأُسرة قضاء الأوقات فيما ينفع لا في أوكار الشياطين ومبيضها ومفرخِها .
وليس العيب أن يصحب الرجل أهله يقضي لهم
ما يُريدون ، ولكن العيب أن تترك النساء مع السائق يجوبُ بهن الأسواق ، ويخلو بهن
، ويذهب بهن حيث شئن .
ومن أهل الفضل والصلاح من يترك الخروج
للأسواق خشية الفتنة ولكنه يُعرّض أهله لها .
وقد كان عبدالله بن عمر يخرج إلى السوق
فيشتري ، وكان سالم بن عبد الله دهرَه يشتري في الأسواق ، وكان من أفضل أهل زمانه
، فقيل لمالك : أتكره الرجل الفاضل أن يخرج إلى السوق ، فيشتري حوائجه فيُحابى
بفضله ؟ فقال : لا ؛ وما بأس بذلك ، قد كان سالم يفعل ذلك .
تقول إحدى الأخوات : فكم من رجلٍ يظهر
عليه التُّقى وأهلُه يخرجون للأسواق يتمنّون لو رافقهم أو كفاهم شراء مستلزمات
المنـزل .
واحذر – رعاك الله – أن تكون ممن وصفهم
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بقوله : سيكون في آخر أمتي رجالٌ يركبون على السروج
كأشباه الرجال . ينـزلون على أبواب المسـاجد . نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهن
كأسنمة البخت العجاف . اِلْعَنُوهنّ فإنهن ملعونات . رواه الإمامُ احمد وغيره ،
وهو حديث صحيح .
وهذا دليل على أنهم من أهل الخير
والصلاح ، إذ اشتغلوا بالعبادة ، ولكنّهم فرّطوا في أمرِ نسائِهم ، فأصبحن كاسياتٍ
عارياتٍ ، وربما هم آخر من يعلم .
وهذا يُشاهد في أطهر البقـاع . حيث
يشتغل بعضُ الناس بالصلاة في الحـرم أو بالاعتكاف ويترك نسائه من سوق إلى سوق ،
ولو حرص عليهنّ لكان أولى من اعتكافه .
ومن طرق العلاج كذلك
:
الاستغناء عن الخادمة ما أمكن فكم أفسدن
من بيوت بالسحر والكهانة ونحوها ؟
وكم تركن من آثار سيئة بِبثِّ ما
يعتقدنه من شرك وخُرافة ؟
وكم فسد بسببهن من أخلاق الشباب
والفتيات .
فالشاب الذي يتوقّد شباباً
ويتفجّـرحيوية يجـد أمامـه الإغـراء ، والفتاة تفرّغت للهاتف والقنوات .
فالاستغناء عن الخادمات مطلبٌ مُلِحّ من
مطالب التربية الجـادّة ، عـدا أصحاب الظروف الخاصة .
وأخيراً إليك أختي المسلمة :
أنتِ يا أمل الأمة ، ويا ذُخرها ، ويا
حاميةَ العرين ، ويا مُربيّة الأجيال ، ويا سليلة المجد .
أنتِ للمجدِ والمجـدُ لكِ .
أنت للإسلام حصنٌ حصين ، وإذا شئتِ
فأنتِ فِتنةٌ مُتحركة .
فاختاري لنفسك ، فأنتِ اليوم صاحبةُ
القرار .
أختاه دونكِ حـاجـزٌ وسِتارُ ولديكِ مِن صِدقِ اليقينِ شِعارُ
عودي إلى الرحمن عوداً صادقاً فَبِهِ يزولُ الشـرُّ والأشـرار
أختاه : هلا تذكرتي سوقَ الجنة ؟ فتتركي
من أجله أسواق الدنيا إلا لحاجة ماسّة .
وختامـاً :
أزجي الشكر الجزيل لصاحب فكرة هذه
المحاضرة لإمامِ هذا المسجد .
وأُثنّي بالشكر للأخوات اللواتي كتبن
عما يرينه ويعلمنه من منكرات وفتن الأسواق
فمن لا يشكر الله لا يشكر الناس .
سائلاً الله أن يجزي الجميع خير الجزاء .
وأن يجعل ذلك في ميزان حسناتهن ، وأن
يجعلهن هاديات مهديات وسائرَ نساءِ المسلمين .
وأن يوفق أولياء الأمور للأخذ على أيدي
نسائهم ، وأن يأطروهن على الحق أطرا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق