الخميس، 29 أغسطس 2024

رواية مكذوبة!

 #نقد_رواية_لا_أشبع_الله_بطنه ((بقلم صهيب بوزيدي))


قبل البدء في كتابة المقال هناك توضيحات أكاديمية لابد من التطرق إليها لأني صرت أحفظ ردود الأفعال ورغم استباقها بتبيين المبين يقع المحظور.
1 _ المقال عن نقد هذه الرواية وليس عن الحرب بين علي ومعاوية.
2 _ الكلام عن نقد هذه الرواية وليس لإبداء أي رأي في علي أو معاوية.
3 _ الكلام عن نقد هذه الرواية وليس للكلام عن يزيد بن معاوية "الذي ليس له أي علاقة بموضوع الرواية إلا أني أحس أنه سيُقحم في الموضوع".
4 _ الكلام عن نقد هذه الرواية وليس للكلام عن رأي القاصي والداني في علي ومعاوية.
5 _ الكلام عن نقد هذه الرواية وليس لتحاول تصنيفي وتلقي علي ألقابا كالناصبي وغيرها مما لا يسمن ولا يغني من جوع.
6 _ الكلام عن نقد هذه الرواية وليس للكلام عن فضائل أهل البيت ولا عدالة الصحابة.
7 _ الكلام عن نقد هذه الرواية فلا نتخطى الموضوع لغيره، حتى لو كنت ترى أن معاوية أشرّ من إبليس أو أفضل من جبريل فذلك شأنك وليس مقالي للكلام عن معاوية، وإنما عن نقد هذه الرواية تحديدا.
8 _ الكلام ليس عن نقد صحيح مسلم، بل نقد هذه الرواية تحديدا فنقدها لا يعني نقد كتاب الصحيح كله.
9 _ لستُ منكرا للسنة، أنا ناقد لهذه الرواية.
10 _ لستُ سلفيا فلا تسألني من سبقك من السلف، أنا أتكلم عن نقد هذه الرواية، فليكن النقاش في الرواية نفسها.
#نص_الرواية: نص الرواية التي نتكلم عن نقدها:
1 _ عن ابن عباس قال : ((كنت ألعب مع الصبيان ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فتواريت خلف باب ، قال : فجاء فحطأني حطأة ، وقال : ( اذهب وادع لي معاوية ) ، قال : فجئت فقلت : هو يأكل ، قال : ثم ، قال لي : ( اذهب فادع لي معاوية ) ، قال : فجئت فقلت : هو يأكل ، فقال : ( لا أشبع الله بطنه )) [رواه مسلم].
2 _ وفي رواية قال ((كنت ألعب فجاءني رسول الله فاختبأت منه))
1 _ معنى حطأني حطأة "ضربني ضربة، وهي الضربة بكف اليد على الظهر" وهنا السؤال: ألا يظهر من الرواية أن ابن عباس هو الذي لم يرد الذهاب إلى معاوية كسلا أو ما شابه ؟ فقد كان صبيا يلعب واختبأ من رسول الله كي لا يرسله، فمن الطبيعي أن يتخذ أي حجة كي لا ينادي معاوية.
2 _ هل يدعو رسول الله على رجل مسلم معتمدا على خبر طفل صغير كان يختبئ منه للتو وهو يعلم أن من مصلحته عدم مناداة ذاك الشخص أصلا ليكمل لعبه ؟
3 _ هل يُقبل خبرُ الصبيان ؟
4 _ ابن عباس كان في صف علي بن أبي طالب في معركة صفين، أي أنه عدو معاوية، فهل تُقبل رواية الخصوم ؟ فلماذا لم يقبل القاضي شريح شهادة علي بن أبي طالب وولده الحسين ضد اليهودي عند اختصامهما على الدرع ؟ أليس السبب هو عدم الاحتجاج على الخصم بمخالفه وإن كان الخصم يهوديا والمخالف صاحبيا ؟ فكيف إن كان الخصم صاحبيا أيضا أو لنقل إنه مسلم على الأقل، هل معنى كلامي أني أكذب ابن عباس ؟ الجواب: لا، ولكن ينبغي الانتباه إلى نقطة عدم قبول شهادة الخصم في خصمه فهذه من المبادئ في الإلزام حتى ولو كان الخصم صادقا فقوله غير ملزم للطرف الآخر، ومع ذلك فالخلل في الرواية قد يكون واقعا من الرواة الذين نقلوا عن ابن عباس ذلك.
5 _ في الرواية قال ابن عباس 'إنه يأكل' أي أنه ذهب لمعاوية فوجده يأكل فعاد وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فما ذنب معاوية هنا ليدعو عليه الرسول ؟ ابن عباس لم يخبره أصلا بأن الرسول يدعوه وإنما بمجرد أن رآه يأكل ذهب وقال لرسول الله إنه يأكل فهل من العدل أن يدعو عليه رسول الله ؟ هذا خلل خطير في متن الرواية.
6 _ في رواية أخرى ذكر أن رسول الله دعا معاوية ليكتب له الوحي، ومعلوم أن أبا سفيان والد معاوية هو الذي طلب من رسول الله أن يضم معاوية إلى كتبة الوحي، أي أن ذلك من مصلحة معاوية وهو رجل ذكي يعرف مصلحته فحتى ولو كان شيطانا أو منافقا أو كافرا "جدلا" فمن المستحيل أن يرفض دعوة رسول الله إلى مثل هذا لأن هذه الدعوة من مصلحته، فالرسول هو الحاكم وإن كان معاوية ممن يطمع في الحكم فمن الأولى أن يلتصق برسول الله، إلا إن كان زاهدا في الحكم والتشريف والمناصب فعندها سيفضل أكله على تلبية دعوة رسول الله، فمن غير المنطقي أن يرفض هذه الدعوة أبدا وهو المستفيد من تلبيتها فكلما كان أقرب إلى رسول الله كلما زادت مرتبته "حتى ولو سلمنا جدلا بأنه لا يفكر إلا في الملك والدنيا والمكانة الاجتماعية" فلماذا يرفض هذا الطلب ؟ ذلك أشبه بأن يدعوك رئيس دولتك فترفض طلبه لأنك تأكل، حتى ولو لم تكن تحبه ستجيب طلبه لأنك تستفيد منه دنيويا، إلا إن كنت زاهدا في الدنيا أيضا، فواضع هذه الرواية المكذوبة لم ينتبه لهذا التعارض في تصوير شخصية معاوية وإنما كان هدفه ذمه والسلام.
7 _ مما يدل على كذب الرواية أن دعاء الأنبياء مستجاب فلو دعا النبي على معاوية بقوله "لا أشبع الله بطنه" لكان مصير معاوية الجوع إلى ما بقي من حياته، ولكن الواقع أنه كان أشبع الناس فقد كان الملك هو وقرون من ذريته، فهل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يعمل بالمقلوب أم ماذا ؟ ذلك يشبه اتصال رجل بولده في العمرة فقال هل دعوت لجدتك ؟ فقال نعم دعوت لها بالصحة والعافية، فقال: اعلم أن ساقها قد كُسرت، فكذلك هذه الرواية تصور الرسول وكأنه دعا على معاوية بدعاء فتحقق نقيض ذلك الدعاء تماما.
8 _ ليس من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء على مسلم بهذا الشر لمجرد سبب تافه كهذا، بل لو علم رسول الله أنه يأكل فمن أخلاقه أن يقول: دعه يتم أكله، ولو رآه نائما لقال: دعه يتم نومه خاصة وهو يعلم أن معاوية فقير لا مال له.
9 _ الرواية نقلها ابن عباس 'زعموا' من ذاكرته بعدما كبر، أي أنه يروي حكاية كان فيها صغيرا يلعب ولم يكن راشدا مكلفا، فحتى ولو صار الراوي راشدا مؤهلا للرواية فيما بعد فإنه ينقل حادثة كان فيها صبيا يهرب من رسول الله ويختبئ، أي أن عقله كان أخف ممن يروي عنه، فقد كان يهرب من رسول الله بسبب اللعب فلماذا يلوم من يهرب منه بسبب الطعام وهو أولى من اللعب ؟ هذا لو سلمنا جدلا بذلك وإلا فإني أرى هذه الرواية مكذوبة مليئة بالإشكالات، ومنه فإن ابن عباس البالغ روى رواية عن ابن عباس الطفل وإن كان ابن عباس الكبير حجة في الرواية فإن ابن عباس الطفل ليس حجة في الرواية ولا عدلا، نعم يقد يتذكر الإنسان تفاصيل طفولته ولكنها لا تكون حجة على غيره وفق معايير الجرح والتعديل، تماما كما لا تقبل روايته إن جن ثم عاد صحيحا فلو أن سليم العقل يروي رواية حدثت معه يوم كان مجنونا والقلم مرفوع عنه فإن روايته لا تقبل حتى مع علمنا باحتمال صحة وقوعها.
10 _ معلوم أن أحفاد بن عباس أسسوا الدولة العباسية على دماء وأشلاء الأمويين وارتكبوا مجازرا مرعبة، وهذه العداوة نفسها أدعى بألا تقبل رواية العباسيين في ذم الأمويين، ناهيك عن كون الخلفاء العباسيين قد عرفوا بإجبار العلماء على اعتناق مذاهبهم بالقوة، فمن أجبر الناس على التصريح بعقيدة لا يرضاها ولا يتبناها لن يكون مؤتمنا في النقل عن خصومه، وقد يكون الخلل في الرواية من أسفلها سندا لا من أعلاها.
#خلاصة_الحكم: الرواية مكذوبة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق