اختلف أهل العلم المعاصرين في هذه المسألة على قولين :
القول الأول :
يرى فريقٌ من العلماء أنّ الاحتفال بيوم الميلاد للأشخاص ليس مُحرّماً؛ لعدم ارتباطه بفعلٍ عقائديّ ، حيث أشاروا إلى أنّ الأصل في الأشياء والعادات الدنيوية أنّها مسموحٌ بها، ومأذونٌ بفعلها، ما لم يرد فيها فعلٌ يُنافي الشريعة، أمّا الأشياء التي فيها بُعدٌ ديني، فهي التي جاء النصّ بالوقوف عليها، وعدم إجازتها، من أجل ورود نصٍ بتحريمها، وذلك الرأي مال إليه الكثير من العلماء في الوقت الحاضر، ولا يُعتبر الاحتفال بعيد الميلاد على تلك الصورة تشبّهاً بالكفّار، ولا تقليداً لهم، إذ إنّ الاحتفال بيوم الميلاد موجودٌ منذ القِدم، وما يفعله الصغار من جمع أقاربهم وأقرانهم للاحتفال بذكرى ميلادهم، لا يمكن اعتباره إلّا من باب الطفولة البريئة، ولا ضير على الآباء به، إن كان الهدف إسعاد أبنائهم دون إعدادٍ وتكلّفٍ وتصنّعٍ.
وقالوا لا مانع من ذلك شرعًا؛ لما فيه من تذكر نعمة الله على الإنسان بالإيجاد، على ألا يعد ذلك عيدًا ولا يسميه بذلك، وعلى أن يكون الاحتفال خاليًا من المحرمات كالاختلاط المحرم وكشف العورات ونحو ذلك مما لا يجوز شرعًا، ويستأنس لذلك بقوله تعالى حكاية عن سيدنا عيسى عليه السلام: ﴿وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وَلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَياًّ﴾ ،
وبما رواه مسلم في "صحيحه" عن أبى قتادة الأنصاري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن صوم يوم الإثنين؟ فقال: «ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ- أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ-»، فأشار بذلك إلى المعنى الذي يقتضي الحكم أن يوم مولد الإنسان هو يوم نعمة توجب الشكر عليها، كما أشار الحديث إلى جواز الاحتفال بأيام النعم كلها، فيوم المولد ويوم نزول الوحي والبعثة الشريفة نعمتان توجبان الشكر في ذلك اليوم، ويستأنس لإظهار الفرح بكل نعمة من باب شكر الله تعالى عليها بعموم قوله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾
القول الثاني :
يرى أصحاب القول الآخر بأنّ الاحتفال بيوم الميلاد الشخصي محرمٌ شرعاً، ولا يمكن أن يكون مُباحاً، وذلك لعدّة أسبابٍ، من أهمِّها: أنّ الاحتفال بالأعياد الشخصية من جنس الأعياد المنهي عن الاحتفال بها، حيث لم يأمر الإسلام بالاحتفال إلّا بعيدين فقط؛ هما: عيد الفطر، وعيد الأضحى، وعليه لا يجوز الاحتفال بأيّ عيدٍ آخرٍ غيرهما، ودليلهم ما رُوي عن الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه، أنّه قال: (قدِمَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم المدينةَ ولهم يومانِ يلعبونَ فيهما، فقال: ما هذانِ اليومانِ؟ قالوا: كنَّا نلعبُ فيهما في الجاهليةِ، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم: قد أبدلَكُمُ اللهُ بهما خيرًا منهما، يومَ الأضحَى ويومَ الفِطرِ)،
أمّا رد أصحاب الفريق الأول على القول السابق، فهو أنّ الأعياد المقصودة هي الأعياد التي لها علاقةٌ دينيةٌ، أو صفةٌ دينيةٌ تتعلّق بعموم الناس، أمّا الاحتفال بيوم الميلاد الشخصي، فإنّما هو أمرٌ فرديٌ، يكون الاحتفال به محصوراً في نطاق الأسرة والعائلة.
كما استدلّ أصحاب الرأي الثاني القائل بحُرمة الاحتفال بيوم الميلاد الشخصي على قولهم ذلك، بأنّ ذلك النوع من الأعياد، إنّما هو في حقيقته تشبّهٌ بالمشركين والنصارى، إذ إنّ الذي أحدث مثل تلك الأعياد، هم النصارى، باحتفالهم بعيد ميلاد عيسى المسيح عليه السلام، ثمّ تابعوا ذلك بأن احتفلوا بأعيادهم الشخصية، فيكون احتفال المسلمين بأعيادهم الشخصية، تقليداً للنصارى؛ وهو ما نُهي عنه شرعاً، ويدلّ على تحريم التشبّه بالكافرين والمشركين وأهل المعاصي، ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما، عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه، أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (لتتبعُنَّ سَنَنَ من كان قبلَكم، شبراً بشبرٍ وذراعًا بذراعٍ، حتى لو دخلوا جُحْرَ ضبٍّ تبعتُمُوهم، قلنا: يا رسولَ اللهِ، اليهودُ والنصارى؟ قال: فمَنْ)، والاحتفال بيوم الميلاد يدخل من ضمن التشبّه بأهل الشرك، وأهل الكفر المنهي عنه، لذا رأى أصحاب ذلك القول بتحريم ذلك.
ورد المجوزون الاحتفال بأن التشبه لابد له من نية التشبه ، والأغلب من الناس لا يقصد التشبه بغير المسلمين ..
والتشبه في قضايا العادات على قسمين :
القسم الأول: لا يجوز أن نتشبه بهم فيه، وهي الأمور التي هي بمثابة الشعار لهم، أو التي يفعلونها دون غيرهم، وهي من خصائصهم في العادات، والأزياء، وما إلى ذلك، فهذا أمر يحرم محاكاتهم فيه.
القسم الثاني: أمور العادات الأخرى فالأصل فيها الإباحة، ويجوز للناس أن يفعلوها، لكن بشرط أن لا يكون ذلك بقصد محاكاة الكافر، وعلى أن يكون ذلك فيما ليست من خصائصهم.
كذلك : كل ما زال اختصاصه بالكفار من العادات فإنه ليس من التشبه، والمثال على ذلك: الأكل على الطاولة: فلربما كان ذلك قد فعله ابتداءً غير المسلمين، ولكنه انتشر في الناس، وليس من خصائص الكفار الدينية، فصار ذلك مشتركاً بين المسلمين، وبين الكفار، فهذا يجوز للمسلم أن يفعله، أي يجوز لنا أن نأكل على هذه المقاعد، وعلى هذه الطاولات، وما إلى ذلك؛ لأن ذلك لم يعد مما يختص بهم.
كذلك لبس البنطال - مثلاً - والقميص إذا لبسها المسلم ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق