الأربعاء، 26 يوليو 2023

حوار مع أخي - الغلُو في إقحام البدعة على العادات التبديع بالسلام والمصافحة بعد الصلاة

 

 سبق وبينت الفرق بين ترك النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو فعل من أفعاله، وأكدت الن الحكم الشرعي هو خطاب الله تعالى وليس العدم، وقد ميزت بين العدم والفعل، وحذرت من خطورة التفسير التاريخي للسنة وذلك برد العمومات في نصوص الشريعة  بعدم التاريخ، وسردت في ذلك أمثلة كثيرة، مما يؤكد خطورة التفسير التاريخي لنصوص الشريعة وأصولها العامة من مصالح وعادات وأقيسة، مما يعني تعطيل النص الشرعي وحصاره في التاريخ، بسبب تحويل العدم إلى دين والدين إلى عدم.

 وفيما يأتي أضرب مثالا على محاصرة نصوص الشريعة في التاريخ، وإلغاء السنن وعدها من البدع، بحيث أصبح المنكر معروفا والمعروف منكرا، وأدى ذلك إلى الغلو في البدعة وإقحامها على مساجد المسلمين، وفرقت كلمتهم، ومزقت صفوفهم، ومن علامات البدعة الفرقة، ومن علامات السنة الجماعة.

وهذه المقالة مثال واضح على غيض من فيض يمثل خطورة التفسير التاريخي المعاصر للشريعة، الذي أدى إلى قلب السنن إلى بدع، ومحاصرة نصوص الشريعة في ثقوب التاريخ.  

يرى أخي أن المصافحة بعد الصلاة تعد من البدع لاسيما إذا كان عادة لمن يصافح بعد السلام، ويسلم على يمينه ويساره، وقد جرى الحوار الآتي بيني وبين أخي:

أحمد: هناك العديد من التجاوزات في مساجدنا اليوم، فمِن الناس من يسلم على المصلي جوارَه بعد سلام الإمام، وهذا بدعة مذمومة لم يفعلها رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه رضي الله عنهم، ولو كان خيرا لسبقونا إليه.

وليد: هل السلام والمصافحة من العادات أم من العبادات التي نص الشرع على كيفيتها بالتفصيل.

أحمد: من العادات.

وليد: كيف تميز العادة من العبادة؟

أحمد: العادة تقع صحيحة دون نية ولم يفصلها الشارع، بخلاف العبادة فلا تقع صحيحة إلا بنية، وبينها الشارع بالتفصيل، لأنها لا تؤخذ إلا من الشرع.

وليد: هل  تدخل البدعة في العادات؟

أحمد: لا تدخل في العادات، ولكن الأمر متعلق بهذه العادة وهو بعد الصلاة، ولا يبعد أن يعتقد المصلي أن هذه المصافحة هي من العبادة، خصوصا إذا داوم عليها فيخشى عليه أن يعتقد أنها سنة من سنن الصلاة.

وليد: لا بد أولا من مناقشة الفعل بنفسه بعد الصلاة، ثم بعد ذلك نناقش مسالة يعتقد المصلي أم لا يعتقد ذلك بعد أن يثبت حكم أصل السلام والمصافحة، ولكننا نحتاج فعلا إلى تعريف البدعة حتى ننزل الحكم الشرعي المناسب للمسألة.

أحمد: خير تعريف للبدعة هو تعريف الإمام الشاطبي لها وهو: “طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه”[1].

وليد: ما حكم المصافحة والسلام في أصل الشرع؟

أحمد: مندوب ومستحب، والرد واجب.

وليد: هل وقَّت الشارع للسلام وقتا محددا أم أطلق في الوقت؟

أحمد: هو على الإطلاق في الزمان والمكان، ولم يقيد الشارع للسلام وقتا أو مكانا محددا؟

وليد: هناك عبادات مطلقة كالأذكار العامة من التسبيح والتهليل والاستغفار وقد أطلقها الشرع، وهناك أذكار مقيدة قيدها الشرع بوقت كذكر دخول الدار وركوب السيارة، فما حكم تقييد ما أطلقه الشارع ولم يحدد له وقتا؟ أو تقييد ما أطلقه الشارع مثل تقييد الأذكار المطلقة كالتسبيح والاستغفار ومنعها في وقت لم يمنعه الشارع.

أحمد: لا يجوز إطلاق ما قيده الشارع، ولا تقييد ما أطلقه، ومن قيَّد ما أطلقه الشارع، أو أطلق ما قيده الشارع، فقد زاد على الشرع، وهذا بدعة.

وليد: هل السلام والمصافحة مما أطلقه الشارع في الزمان والمكان أم حدده بوقت أو مكان معينين؟

أحمد: السلام والمصافحة مما أطلقه الشرع، فهو مأمور به بين المسلمين دون تحديد حال معينة أو وقت أو زمان.

وليد: إذا كان السلام والمصافحة لم يمنعهما الشارع في وقت من الأوقات، فما حكم من قيد بالمنع بعد الصلاة، أليس من يمنع السلام بعد الصلاة، مقيد للمطلق بلا قيد شرعي، ومنْعُ المسلم من السلام على أخيه في مطلق الأوقات ومنها بعد الصلاة هو تعطيل للنص الشرعي من النزول على محلِّه، وحُكْم على الدليل بغير دليل، والحكم على الأدلة الشرعية أمر ليس بالهين عند الله تعالى إلا  حيث قيد الشرع نفسه.

أحمد: كيف يمكن أن تُـجيز فعلا لم يفعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا فعله أصحابه -رضي الله عنهم؟

وليد: أولا دعوى لم يفعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا أصحابه، دعوى تحتاج إلى بحث من حيث صحتها، وكان الأدق أن تقول لم ينقل إلينا، مع احتمال أنهم فعلوه أو تركوه، ولا يعني أننا لا نعلم نقلا في هذا، أن الصحابة رضي الله عنهم لم يُسلِّموا ولم يصافحوا بعد السلام، فقد جعلتَ يا أخ أحمد عدم العلم بالشيء يعني العِلْم بعدَمه، فربما  لا تعلمه أنت وأنا، ولكنه يكون موجودا، وعدم العلم بالشيء لا يلزم منه العلمُ بالعَدَم، فربما لا نعلمه ولكنه يكون موجودا بالفعل، والعدم ليس حجة شرعية، فكيف يمكن أن يكون حجة، وقد ثبت خلافه وهو الأمر الشرعي بالسلام مطلقا عن المكان والزمان.

أحمد: افترض أن رسول الله صلى الله عليه  وسلم لم يفعله ولا أصحابه، فكيف يكون الجواب؟

وليد: حسنا، يقول الله تعالى: (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) الحشر، 7، والرسول -صلى الله عليه وسلم أتانا بالمصافحة والسلام، بالأحاديث الثابتة دون تحديد وقت معين، هذا فضلا على أن الاقتداء بالترك ليس موجودا في الآية، فكيف تركت ما أمر الله تعالى به في الآية : وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ، ومما آتانا الرسول صلى الله عليه وسلم  السلام دون تحديد وقت، ثم جئت بالاستدلال وجوب ترك ما أمر به بمقولتك: (لم يفعله رسول الله) مع أنه أمر به، فاستدللت  بـ (لم يفعله رسول الله) على وجوب ترك ما أمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وهذا يعني تجريفا لأصول الشريعة وهدمها بحجة لم يفعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ذلك لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ندب إلى السلام  بإطلاق دون منع سواء بعد الصلاة أو قبلها.

أحمد:جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم-  في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه، فهو رد»، ولم يرِد أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولا أحدٌ من أصحابه أنه كان يصافح ويسلم بعد الصلاة.

وليد: على فرض أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه لما يصافحوا بعد السلام من الصلاة، فلا يعني ذلك أنه ليس من الشرع، بل هو من أمر رسول الله صلى الله عليه، وسنته القولية، وهو من الواضح الدلالة، فهل من الشرع أن السنة القولية لا يجوز العمل بها حتى يفعلها النبي -صلى الله عليه وسلم، أم أن الأمر الشرعي الواضح يجب تطبيقه عن الفور دون اشتراط وقوع فعل منه -صلى الله عليه وسلم- لذلك الأمر.

أحمد: لا يشترط لوجوب العمل بالنص الواضح  أن ننتظر حتى يفعله النبي -صلى الله عليه وسلم، بل يُشرع العمل به على الفور.

وليد: طبِّق ذلك على المصافحة والسلام بعد السلام من الصلاة، ستجد أنه على الأصل، وباقٍ على أصل السنة.

أحمد: ولكن يمكن أن يعتقد المصلون أن السلام والمصافحة من الصلاة، وهنا تصبح المصافحة بدعة، وقد أضيفت إلى الصلاة، واعتقد بعض المصلين أن المصافحة والسلام بعد السلام من الصلاة هو من تتمة الصلاة كالاستغفار والتسبيح.

وليد: إذن، فلْنقل من اعتقد أن السلام والمصافحة من تتمة الصلاة وهو من سننها، فقد أضاف إلى الصلاة ما ليس منها، وهذا ابتداع في الدين، لأن من شروط البدعة أن يضيفها صاحبها للدين ويجعلها منه، وينطبق عليه عند إذ الحديث الشريف: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه، فهو رد».

أحمد: لماذا لا نمنع المصافحة بعد السلام من الصلاة سدا للذريعة، حتى لا يقع الناس في البدعة مستقبلا؟

وليد: سَدُّ الذريعة يكون فيما هو مباح أصلا، ولكن فِعْله يؤدي إلى مفسدة غالبا، وليس لكل احتمال يمكن أن تسد الذريعة، فمن المعروف أن الخمر يصنع من العنب، ولم يمنع العلماء زراعة العنب بذريعة أنه قد يؤدي إلى صناعة الخمر؛ لأن هذا إسراف في سد الذريعة، وهذا في المباح، فكيف تزعم منع السنة بحجة أنها قد تؤدي إلى بدعة بمجرد هذه الاحتمالات، والتي لا تتجاوز أن تكون هواجس ومخاوف لا ينطبق عليها أصل سد الذريعة، وكيف يعقل يوما أن السنة قد تؤدي إلى بدعة؟!.

أحمد: ولكن لا بد من تحذيرالناس خشية الوقوع في  البدعة.

وليد: كيف تريد أن تحذر؟.

أحمد: أسأل المصلي هل تصافح وتسلم بناء على أنه أصل السلام سنة؟ أم تعتقد أن السلام والمصافحة بعد الصلاة هي من سنن الصلاة ومكمِّلاتها؟ فإن قال على أصل السلام وأنه مسنون فهو متبع، وإن قال على أنه من من سنن الصلاة أقول له هذه بدعة واتركها.

وليد: هذا يعني أنك ستقوم بعملية تفتيش على قلوب الناس ونياتهم، وأنك ستنصِّب نفسك حاكما عليهم ووصيا على قلوبهم، وهذا ما يمكن أن يثير البلبلة في المساجد، وتشيع الفرقة في المساجد، ولكن هناك فكرة.

أحمد: ما هي؟

وليد: إقامة محاضرة في المسجد، والبيان للناس بصفة جماعية أن السلام جائز بعد الصلاة، بناء على الأصل الشرعي هو ندب السلام في كل وقت، وأن السلام يكون بدعة إذا  اعتقد المصلي أنه من مكملات الصلاة وسننها، فيكون عندئذ أضاف للصلاة ما ليس من الدين، والتصحيح  لا يكون بالتغيير على الحكم الشرعي، وتحويل السنة إلى بدعة خشية الوقوع في البدعة، بل بالبيان والتفصيل للأحكام، حتى لا تحدث الفتنة في المساجد كما نرى اليوم مع الأسف.

أحمد: ويمكن أيضا توضيح ذلك بمطويات ونشرات تعريفية، ولكن أليست المداومة على السلام والمصافحة بعد الصلاة، تدل على أن فاعل ذلك يعتقد تقييدها بالصلاة وأنها سنة من سنن الصلاة؟

وليد: هل يحتمل أن من يلتزم ذلك يعتقد أنها على أصل السنية الآمرة بالسلام فداوم عليها، لأنها من سنن الإسلام العامة، وليست من سنن الصلاة؟

أحمد: نعم هذا ممكن.

وليد: إذن انتفى لازم أن  يعتقد أن السلام بعد الصلاة من مداومته على السلام، لاحتمال مداومته على السلام لأنه من أصول الشريعة وسننها المطلقة، أضف إلى ذلك أن الفعل مجمل ولا يتضح الأمر منه إلا بالقول، إذا تكلم المصلي بأنه -على فرض- يعتقد أنه من سنن الصلاة.

أحمد: واضح انتفاء لازم اعتقاد أنها من سنن الصلاة من المداومة علي المصافحة والسلام.

وليد: ولكن أريد أن أضع بين يديك حديثا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أريد أن تتأمله وفيه فائدة في موضوع السلام بعد الصلاة،  فتأمله، جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فدخل رجل، فصلى، ثم جاء، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه السلام، فقال: «ارجع فصل فإنك لم تصل»، فصلى، ثم جاء، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ارجع فصل، فإنك لم تصل» ثلاثا، فقال: والذي بعثك بالحق، فما أحسن غيره، فعلمني، قال: «إذا قمت إلى الصلاة، فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها»

 أحمد: حسنا.

وليد: ولكن هناك أمر مهم جدا؟

أحمد: ماهو؟!

وليد: ضرروة الحذر من الفتاوى المطلقة التي  تطلق القول ببدعية السلام والمصافحة بعد الصلاة، فهذه شوشت أفكار المصلين، وأفسدت ذات بينهم، وكذلك ينبغي الحذر من إثارة حفيظة المصلين بالتفتيش على قلوبهم، واتهامهم، والأصل في المسلم السلامة وليس الاتهام، وفيما أعلم لم أجد حتى الآن ممن كانوا يتكلمون في هذا الموضوع من عامة المسلمين أنه يصافح معتقدا أن ذلك من سنن الصلاة ومكملاتها، مما يعني أن هناك استنزافا للتفكير الإسلامي من غير طائل بإطلاق القول بالبدعة دون تفصيل، وكان الأجدى تعليم الناس ما يحتاجون إليه في معاشهم ومعادهم، لا استنزاف المجتمع في مسائل لا وجود لها في الواقع، وأرجو أن تعلم أن من علامات البدعة أنها تميت سنة، فأين السنة التي أماتها السلام والمصافحة بعد الصلاة، أليس القول ببدعية السلام بعد الصلاة هو الذي يميت السنة التي هي السلام والمصافحة، وعليه يكون القول ببدعية المصافحة بعد الصلاة مطلقا، يميت سنة السلام والمصافحة.

أحمد: أسأل الله تعالى أن يعلمنا ويفهمنا.

ملاحظة: هذا الحوار مركز في الحكم الشرعي، ولعل بعض الناس لا يحب من يقطع أذكاره واستغفاره بعد الصلاة، فنراعي شعورهم  إذا علمنا ذلك منهم، ونحن وهم في سعة ورحمة، ولكن المشكلة هي في زعم البدعة دون تفصيل، فلا بد من المحافظة على الحكم الشرعي الأصلي للسلام والمصافحة وأنه مطلق في المكان والزمان.

الطريق إلى السنة إجباري

د. وليد مصطفى شاويش

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق