الجمعة، 16 فبراير 2024

أخطاء منهجية في التعامل مع مصطلحي (السلفية) و(الصوفية)

 أخطاء منهجية في التعامل مع مصطلحي (السلفية) و(الصوفية)

.
يختلف بعض الإخوة ومنهم حتى بعض طلبة العلم -مع الأسف- في مسألة من مسائل الفقه، فتراهم ينحاز أحدهم لطرف (السلفية) والآخر لطرف (الصوفية) ويعلو بينهما الجدل، وكل يحاول دعم (مذهبه) بما استطاع من الإدلة والأقيسة والقرائن، وهذا كله ليس من العلم في شيء.
.
الخطأ المنهجي القاتل؛ أن السلفية والصوفية في الحقيقة ليس مذهبين فقهيين، ولا ينبغي لهما ذلك.
فالسلف هم الصحابة والتابعون -رضي الله عنهم أجمعين- وقد اتفق المسلمون على تعظيمهم وتقديمهم على من سواهم (خير القرون قرني)، وفيهم الفقهاء المعروفون كعمر وعلي وعائشة وابن مسعود وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل، وهؤلاء قد اجتهدوا فاتفقوا في مسائل واختلفوا في مسائل، وقد أخذ عنهم من جاء بعدهم حتى تأصّلت المذاهب الفقهية المعروفة كالحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي، فادّعاء أن السلف لهم مذهب موحّد ادعاء باطل، وجعل هذا المذهب المدّعى في مقابل المذاهب الأربعة ادعاء باطل كذلك وهو خطير جدا، لأن فيه اتهاما صريحا أو مبطّنا لأئمة المذاهب الأربعة ونحوهم أنهم ابتدعوا فقها جديدا يخالف ما كان عليه السلف.
.
أما الصوفية فلم يقل أحد من رجالهم المعروفين بأن التصوف مذهب فقهي، بل هم يعظمون المذاهب الأربعة ويأمرون الناس باتباعهم، وقد استمر هذا -والحمد لله- في كل المدارس الشرعية ذات الطابع الصوفي إلى اليوم، وقد تخرجت من مدرسة الآصفية العريقة فما قرأت فيها سطرا واحدا يقول: مذهب الصوفية في هذه المسألة الفقهية كذا أو كذا، ثم اطلعت على مناهج المدارس الصوفية النقشبندية في مناطق مختلفة من تركيا، فوجدتهم متمسكين غاية التمسك بالمذهب الحنفي أو الشافعي، ولا يذكرون للتصوف قولا في الفقه أبدا.
.
هذا هو الوضع الطبيعي، فالتصوف هو علم التزكية والتربية الروحية، ولا يمكن أن يكون بديلا عن أي علم شرعي آخر كالعقيدة أو التفسير أو الحديث أو الفقه، وأما التصوف الفلسفي البعيد عن نور الوحي والبعيد عن معاني التزكية فهو تصوّف آخر لا شأن لنا به، وهو الذي ذمه أئمة التصوف الموثوقون، يقول السيد الإمام أحمد الرفاعي في البرهان المؤيد: "قال الحارث قال أبو يزيد لا ينقص ولا يزيد، قال الشافعي قال مالك أنجح الطرق وأقرب المسالك... صموا أسماعكم عن علم الوحدة (وحدة الوجود ) وعلم الفلسفة، وما شاكلهما، فإن هذه العلوم مزالق الأقدام إلى النار... أي سادة إن نهاية طريق الصوفية نهاية طريق الفقهاء، ونهاية طريق الفقهاء نهاية طريق الصوفية... والطريقة هي الشريعة والشريعة هي الطريقة"
.
نعم ربما يلتبس على غير طلبة العلم الجادّين بعض الأقوال الفقهية لرجالات التصوّف، والصحيح أن هذه الأقوال تعبر عن شخصية العالم الفقهية وليست شخصيته الصوفية، فحجة الإسلام الغزالي مثلا كان فيلسوفا وفقيها وصوفيا، فإذا ناقش الفلاسفة كان ذلك من شخصيته الفلسفية وإذا اجتهد في الفقه كان ذلك من شخصيته الفقهية وإذا تكلم في التزكية كان ذلك من شخصيته الصوفية. فلا ينبغي أن نخلط في ذلك.
.
وقد رأيت من بعض الصوفية من يشنّع على قول لسلفي غاية التشنيع وهو في الحقيقة قول لمالك أو أحمد إن لم يكن قولا لواحد من الصحابة، ورأيت كذلك من بعض السلفية من يشنّع على قول لصوفي غاية التشنيع وهو في الحقيقة قول للشافعي أو أحمد إن لم يكن قولا لواحد من الصحابة أيضًا.
.
لقد نسي هؤلاء وهؤلاء أن كثيرا من أئمتنا المتفق على إمامتهم كانوا يجمعون بين الطريقتين؛ طريقة الفقهاء وطريقة الصوفية ومنهم الشيخ الإمام عبد القادر الجيلاني الذي كان فقيها حنبليا وكان إمامًا من أئمة الدنيا في التزكية والتربية، أفلا تعجب من صوفي قادري يهزأ بقول لأحمد بن حنبل ظنا منه أن هذا قول خصمه (السلفي)! وفي المقابل ترى سلفيا تيميا يطعن بالشيخ عبد القادر وما علم أن الشيخ الإمام ابن تيمية كان حينما يذكر الشيخ عبد القادر الجيلاني يقول: (قدّس الله روحه) وقد حصل لي موقف في أحد مساجد قطر أني استشهدت بقول للشيخ عبد القادر فقام شاب معترضا فأفهمته والحمد لله أنه تفهم.
.
فيا إخواني ويا أخواتي نصيحتي العلمية والمنهجية أنه إذا عرضت لكم مسألة فقهية فارجعوا فيها إلى المذاهب المعتبرة في الفقه، وإذا أراد أحدكم التوسّع فلينظر في فقهاء الصحابة والتابعين، كما فعل شيخنا العلامة هاشم جميل في كتابه الرائع (فقه سعيد بن المسيّب)، وإذا عرضت لكم مسألة في التفسير فابحثوها في كتب التفسير المعتبرة، وفي الحديث في كتب الحديث، وهكذا، واتركوا التنابز بالألقاب فإنما هو حيدة عن طريق الحق وعن منهج العلم، وفيه ما فيه من ظلمة الروح وقساوة القلب.
.
هذه نصيحتي وهي التي ألقى بها ربي
والله يغفر لنا ويجعلنا من المقبولين عنده
وصلى اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين
.
د . محمد عياش الكبيسي
دكتوراه في العقيدة الاسلامية
قد يكون رسمًا توضيحيًا لـ ‏‏‏شخص واحد‏، و‏‏بانر‏، و‏بوستر‏‏‏ و‏نص‏‏
عرض الرؤى والإعلانات
أعجبني
تعليق
مشاركة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق