سنة الخلفاء الراشدين :
هناك ملاحظة حول فَهم حديث النبيّ ﷺ ( فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي . . . ) :
فقد فهم كثير من المسلمين ، أن للخلفاء الراشدين أن يسُنُّوا سُنَناً غير سنة النبيّ r ، إعتماداً على الحديث المذكور !
أي : كأنهم هم أيضاً معصومون عن الخطأ ، ولهم أن يُشَرِّعوا غير ما شرّعه الله تعالى عن طريق رسول الله ﷺ ، حيث أجاز لهم النبيّ r ذلك ! وهذا خطأ في الفهم كبير !
الحاكم هو الله وحده :
فقد أجمع المسلون على أن الله تعالى وحده هو الحاكم ، ولا حاكم غيره .
قال الدكتور عبد الكريم زيدان :
[ وعلى هذا فالحاكم ، أي الذي يصدر عنه الحكم ، هو الله وحده ، فلا حكم إلا ما حكم به ، ولا شرع إلا ما شرعه ، وعلى هذا دلّ القرآن وأجمع المسلمون . ففي القرآن قوله تعالى : (( إن الحكم إلا لله )) [30] (( ألا لَهُ الحكم )) [31] .
وعلى هذا الأساس كان الحكم بغير ما أنزل الله كفراً ، لأنه ليس لغير الله سلطة إصدار الأحكام قال تعالى (( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون )) [32] .
وما وظيفة الرسل إلا تبليغ أحكام الله ، وما وظيفة المجتهدبن إلا التعرف على هذه الأحكام والكشف عنها بواسطة المناهج والقواعد التي وضعها علم الأصول ] ([33]) .
وقال الدكتور حمد عبيد الكبيسي :
[ من خصائص الشريعة الإسلامية : أنها تشريع سماوي ، يصدر الحكم فيها عن الله سبحانه ، فالحاكم ومصدر الحكم حقيقة هو الله تعالى ، أما مايقررِّه علماء أصول الفقه من أن هناك أصولاً وأدلة أخرى للحكم ، فإنهم يعنون بها تلك المسالك التي يكتشف بها حكم الله تعالى، فهي أصول بالمعنى المجازي لا الحقيقي .
وقد أجمع على هذا المسلمون ، فاتفقوا على أنّ الحاكم هو الله سبحانه ، وأنه لا شرع إلا منه ، وقد استند هذا الإجماع إلى نصوص من الكتاب : ( إن الحكم إلا لله ) ( يوسف : 40 )،( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ) ( المائدة : 49 ) ، ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) ( المائدة : 47 ) ] ([34]) .
وقال الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله :
[ أما استحقاق نفوذ الحكم فليس إلا لمن له الخلق والأمر، فإنما النافذ حكم المالك على مملوكه لا مالك إلا الخالق فلا حكم ولا أمر إلا له أما النبي - صلى الله عليه وسلم - والسلطان والسيد والأب والزوج فإذا أمروا وأوجبوا لم يجب شيء بإيجابهم بل بإيجاب الله تعالى طاعتهم، ولولا ذلك لكان كل مخلوق أوجب على غيره شيئا كان للموجب عليه أن يقلب عليه الإيجاب، إذ ليس أحدهما أولى من الآخر. فإذا الواجب طاعة الله تعالى وطاعة من أوجب الله تعالى طاعته ] ([35]) .
وقال الإمام الشافعي رحمه الله :
[ وما سَنَّ رسول الله فيما ليس لله فيه حكمٌ، فبِحُكْم الله سنَّه. وكذلك أخبرنا الله في قوله: " وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ ... ] ([36]) .
معنى اتباع . . سنة الخلفاء الراشدين :
إذاً فما معنى قوله r : ( فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين ) ؟
معناه : هو شهادة من رسول الله r للخلفاء الراشدين المهديين ، بأنهم سائرون على سنة رسول الله r لا يحيدون عنها ، فإذا عملوا عملاً لم يعمله النبيّ r ، فهو من فهمهم الصحيح لسنة رسول الله r ، ولو أن النبيّ r كان في مكانهم لعمل ذلك العمل .
فأعمالهم صائبة ، وصحيحة ، ليس فيها بدعة مذمومة ، أو ضلالة ، والله أعلم .
وقد روي عن الإمام أحمد بن حنبل ، رحمه الله ، أنه قال :
[ ما جاء عن الخلفاء الراشدين فهو من السنة ] ([37]) .
وقال الحافظ إبن تيمية رحمه الله :
[ فَإِنَّ عَامَّةَ مَا عِنْدَ السَّلَفِ مِنْ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ: هُوَ مَا اسْتَفَادُوهُ مِنْ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي أَخْرَجَهُمْ اللَّهُ بِهِ مِنْ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ وَهَدَاهُمْ بِهِ إلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيد ]([38])
تفسير الإمام الشوكاني للحديث :
وقال الشيخ المباركفوري رحمه الله :
[ وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي الْفَتْحِ الرَّبَّانِيِّ إِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ قَدْ أَطَالُوا الْكَلَامَ فِي هَذَا وَأَخَذُوا فِي تَأْوِيلِهِ بِوُجُوهٍ أَكْثَرُهَا مُتَعَسِّفَةٌ وَالَّذِي يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ وَالْمَصِيرُ إِلَيْهِ هُوَ الْعَمَلُ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ هَذَا التَّرْكِيبُ بِحَسْبِ مَا تَقْتَضِيهِ لُغَةُ الْعَرَبِ فَالسُّنَّةُ هِيَ الطَّرِيقَةُ فَكَأَنَّهُ قَالَ الْزَمُوا طَرِيقَتِي وَطَرِيقَةَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَقَدْ كَانَتْ طَرِيقَتُهُمْ هِيَ نَفْسُ طَرِيقَتِهِ فَإِنَّهُمْ أَشَدُّ النَّاسِ حِرْصًا عَلَيْهَا وَعَمَلًا بِهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ
وَعَلَى كُلِّ حَالٍ كَانُوا يَتَوَقَّوْنَ مُخَالَفَتَهُ فِي أَصْغَرِ الْأُمُورِ فَضْلًا عَنْ أَكْبَرِهَا
وَكَانُوا إِذَا أَعْوَزَهُمُ الدَّلِيلُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمِلُوا بِمَا يَظْهَرُ لَهُمْ مِنَ الرَّأْيِ بَعْدَ الْفَحْصِ وَالْبَحْثِ وَالتَّشَاوُرِ وَالتَّدَبُّرِ وَهَذَا الرَّأْيُ عِنْدَ عَدَمِ الدَّلِيلِ هُوَ أَيْضًا مِنْ سُنَّتِهِ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ مُعَاذٍ لَمَّا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما تَقْضِي قَالَ بِكِتَابِ اللَّهِ
قَالَ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ قَالَ فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ فَإِنْ لم تجد قال أجتهد رأيي
قال الحمدلله الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِهِ أَوْ كَمَا قَالَ
وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فَالْحَقُّ أَنَّهُ مِنْ قِسْمِ الْحَسَنِ لِغَيْرِهِ وَهُوَ مَعْمُولٌ بِهِ وَقَدْ أَوْضَحْتُ هَذَا فِي بَحْثٍ مُسْتَقِلٍّ
فَإِنْ قُلْتَ إِذَا كَانَ مَا عَمِلُوا فِيهِ بِالرَّأْيِ هُوَ مِنْ سُنَّتِهِ لَمْ يَبْقَ لِقَوْلِهِ وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ ثَمَرَةٌ قُلْتُ ثَمَرَتُهُ أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ زَمَنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَدْرَكَ زَمَنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَوْ أَدْرَكَ زَمَنَهُ وَزَمَنَ الْخُلَفَاءِ وَلَكِنَّهُ حَدَثَ أَمْرٌ لَمْ يَحْدُثْ فِي زَمَنِهِ فَفَعَلَهُ الْخُلَفَاءُ فَأَشَارَ بِهَذَا الْإِرْشَادِ إِلَى سُنَّةِ الْخُلَفَاءِ إِلَى دَفْعِ مَا عَسَاهُ يَتَرَدَّدُ فِي بَعْضِ النُّفُوسِ مِنَ الشَّكِّ وَيَخْتَلِجُ فِيهَا مِنَ الظُّنُونِ
فَأَقَلُّ فَوَائِدِ الْحَدِيثِ أَنَّ مَا يَصْدُرُ عَنْهُمْ مِنَ الرَّأْيِ وَإِنْ كَانَ مِنْ سُنَنِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَكِنَّهُ أَوْلَى مِنْ رَأْيِ غَيْرِهِمْ عِنْدَ عَدَمِ الدَّلِيلِ
وَبِالْجُمْلَةِ فَكَثِيرًا مَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْسَبُ الْفِعْلُ أَوِ التَّرْكُ إِلَيْهِ أَوْ إِلَى أَصْحَابِهِ فِي حَيَاتِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِنِسْبَتِهِ إِلَى غَيْرِهِ مَعَ نِسْبَتِهِ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ محل القدوة وَمَكَانُ الْأُسْوَةِ فَهَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَلَمْ أَقِفْ عِنْدَ تَحْرِيرِهِ عَلَى مَا يُوَافِقُهُ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْعِلْمِ فَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنَ الشَّيْطَانِ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ
انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ ] ([39]) .
وقال الشيخ المباركفوري أيضاً رحمه الله :
[ قُلْتُ لَيْسَ المراد بسنة الخلفاء الراشدين إلا طريقتهم الموافقة لطريقته صلى الله عليه وسلم قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي أَيْ بِطَرِيقَتِي الثَّابِتَةِ عَنِّي وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَعْمَلُوا إِلَّا بِسُنَّتِي فَالْإِضَافَةُ إِلَيْهِمْ إِمَّا لِعَمَلِهِمْ بِهَا أَوْ لِاسْتِنْبَاطِهِمْ وَاخْتِيَارِهِمْ إِيَّاهَا انتهى كلام القارىء
وَقَالَ صَاحِبُ سُبُلِ السَّلَامِ أَمَّا حَدِيثُ عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بَعْدِي تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَمِثْلُهُ حَدِيثُ اقْتَدُوا بِاَللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ وأخرجه أحمد وبن ماجه وبن حِبَّانَ وَلَهُ طَرِيقٌ فِيهَا مَقَالٌ إِلَّا أَنَّهُ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا فَإِنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِسُنَّةِ الخلفاء الراشدين إلا طريقتهم الموافقة لطريقته صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جِهَادِ الْأَعْدَاءِ وَتَقْوِيَةِ شَعَائِرِ الدِّينِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ الْحَدِيثَ عَامٌّ لِكُلِّ خَلِيفَةٍ رَاشِدٍ لَا يَخُصُّ الشَّيْخَيْنِ.
وَمَعْلُومٌ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ أَنَّهُ لَيْسَ لِخَلِيفَةٍ رَاشِدٍ أَنْ يُشَرِّعَ طَرِيقَةً غَيْرَ مَا كَانَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ثُمَّ هَذَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَفْسُهُ الْخَلِيفَةُ الرَّاشِدُ سَمَّى مَا رَآهُ مِنْ تَجْمِيعِ صَلَاتِهِ لَيَالِيَ رَمَضَانَ بِدْعَةً وَلَمْ يَقُلْ إِنَّهَا سُنَّةٌ فَتَأَمَّلْ ] ([40]) .
ومعلوم أن كثيرا من الأعمال لم يعملها النبيّ r ، بل عملها الخلفاء الراشدون بعده ، وهو r وصّى باتباع سنتهم مع سنته ، باعتبار أن الخلفاء الراشدين سائرون على منهجه الذي ربّاهم عليه ، فالسنة هي الطريقة والمنهج .
ترك النبيّ r للعمل وهو يحبه :
كان النبيّ r كثيراً ما يترك عملاً من الأعمال وهو يحبه ، ويود أن يعمله ولكن كانت هناك أسباب خاصة تمنعه من ذلك ، وهو r ليس كغيره حرا يفعل ما يشاء ، بل هو موضع القدوة ، ومحسوب عليه كل حركة ، وسكنة ، صلى الله عليه وسلم .
عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : إن كان رسول الله r ليدَع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيُفرض عليهم ([41]) .
قال الإمام النووي رحمه الله :
[ قَوْلُهَا لَيَدَعُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ ضَبَطْنَاهُ بِفَتْحِ الْيَاءِ أَيْ يَعْمَلَهُ وَفِيهِ بَيَانُ كَمَالِ شَفَقَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأْفَتِهِ بِأُمَّتِهِ وَفِيهِ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَضَتْ مَصَالِحُ قُدِّمَ أَهَمُّهَا ] ([42]) .
خشية أن يفرض عليهم :
وخشيته r ليست من فرض الله تعالى ذلك على الناس ، وإلا لو أراد الله تعالى ذلك لفرضه سواءً فعله r أو لم يفعله ، ولكن خشيته من أن الناس يفرضون ذلك عليهم بأنفسهم ، وذلك بحجة أن النبيّ القدوة r قد فعله ، وداوم عليه ، إذاً يجب عليهم أن يفعلوه أيضاً .
وقد أشار النبيّ r إلى ذلك بقوله : فيُفرض عليهم بالمبني للمجهول ، أو مبني لما لم يسمى فاعله ، فلم يقل r إن الله تبارك وتعالى يفرضه عليهم .
صلاة السنة بعد العصر :
ومن ذلك : عن عائشة رضي الله عنها أيضاً قالت :
( وَالَّذِي ذَهَبَ بِهِ مَا تَرَكَهُمَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ وَمَا لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى حَتَّى ثَقُلَ ، عَنِ الصَّلاَةِ ، وَكَانَ يُصَلِّي كَثِيرًا مِنْ صَلاَتِهِ قَاعِدًا - تَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيهِمَا ، وَلاَ يُصَلِّيهِمَا فِي الْمَسْجِدِ مَخَافَةَ أَنْ يُثَقِّلَ عَلَى أُمَّتِهِ ، وَكَانَ يُحِبُّ مَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ ) ([43]) .
فمن شفقته على أمته r ، ومن رحمته بهم لم يصل تلك الركعتان في المسجد ، وإلا لولا ذلك لصلاهما في المسجد .
تخفيف الصلاة مخافة إفتتان الأم ! :
ومن ذلك :
عَنْ أَبِي قَتَادَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( إِنِّي لأَقُومُ فِي الصَّلاَةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ ) ([44]) .
فهو r كان يودّ ، ويريد أن يطيل في الصلاة ، ولكن من رحمته وشفقته على الأم يترك ذلك .
ومنه : عن أنس بن مالك t قال :
(ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم من النبيّ صلى الله عليه و سلم وإن كانليسمع بكاء الصبي فيخفف مخافة أن تفتن أمه ) ([45]) .
فيخفف r ، مخافة على الأم ، لا أنه ليس في إطالة الصلاة أجر ، أو أفضلية .
عدم وجوب السواك رحمة بالناس ! :
ومنه : عن أبي هريرة t أن النبيّ r قال :
( لولا أن أشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة ) [46]
هو r يعلم أن في السواك أجر ، وفضل كبير ، ويودّ أن يوجبه على الناس ، مع كل صلاة ، ولكنه r ترك ذلك ، مخافة المشقة على أمته .
عدم تأخير صلاة العشاء رحمة بالامة ! :
ومنه : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :
( أعتم رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلة بالعشاء حتى رقد الناس واستيقظوا ورقدوا واستيقظوا فقام عمر بن الخطاب فقال الصلاة قال عطاء قال ابن عباس فخرج نبي الله صلى الله عليه و سلم كأني أنظر إليه الآن يقطر رأسه ماء واضعا يده على رأسه فقال ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يصلوها هكذا ) ([47]) .
وفي رواية لعائشة رضي الله عنها قالت :
( أَعْتَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ حَتَّى ذَهَبَ عَامَّةُ اللَّيْلِ، وَحَتَّى نَامَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى، فَقَالَ: «إِنَّهُ لَوَقْتُهَا لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي» وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: «لَوْلَا أَنْ يَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي» ) ([48]) .
إن الأصح ، والأحب إلى النبيّ r أن يصلي العشاء في هذا الوقت ، ولكنه r ترك ذلك من أجل أن لا يشق على أمته .
التخلف عن السرايا حبا للصحابة ! :
ومن ذلك أيضاً : عن أبي هريرة t قال : قال رسول الله r :
( لولا أن أشق على أمتي ما تخلفت عن سرية ولكن لا أجد حمولة ولا أجد ما أحملهم عليه ويشق علي أن يتخلفوا عني ولوددت أني قاتلت في سبيل الله فقتلت ثم أحييت ثم قتلت ثم أحييت ) ([49]) .
ترك r ذلك العمل الصالح ، شفقة على أمته ، فلولم يكن موضع القدوة r ، ولو كان حرّا في أن يعمل من الصالحات مايشاء ، لما ترك ذلك ، ولما ترك كثيرا من الأعمال الصالحة ، رحمة بأمته r
ترك إعادة بناء الكعبة خوفاً على الناس ! :
ومنه : عن عائشة رضي الله عنها أن النبيّ r قال لها : ( يا عائشة لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية لأمرت بالبيت فهدم فأدخلت فيه ما أخرج منه وألزقته بالأرض وجعلت له بابين بابا شرقيا وبابا غربيا فبلغت به أساس إبراهيم ) ([50]) .
الكعبة المشرفة التي يطوف حولها ملايين المسلمين ، قبلتهم ، ورمز العبودية والتوحيد ، تركها r على ما بناها المشركون ، على غير أساس ما بناها نبيّ الله ، وخليله ، إبراهيم عليه السلام .
وكان r يودّ أن يهدمها ، ويعيدها كما كان بناها خليل الرحمن ، إبراهيم عليه السلام . ولكن ترك ذلك مخافة على المسلمين أن تنكر قلوبهم .
حزنه r وندمه حباً للأمة ! :
ومنه : عن عائشة رضي الله عنها أيضاً أن رسول الله r خرج من عندها وهو قرير العين ثم رجع وهو كئيب فقال : دخلت الكعبة فأخاف أن أكون شَقَقْتُ على أمتي ([51]) .
وذكره الإمام بدر العيني رحمه الله فقال : [ قالت عائشة :
دخل عَليّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ حَزِين، فَقلت: يَا رَسُول الله! خرجت من عِنْدِي وَأَنت قرير الْعين طيب النَّفس، فَمَا بالك؟ فَقَالَ: إِنِّي دخلت الْكَعْبَة، وودت أَنِّي لم أكن فعلته إِنِّي أَخَاف أَن أكون قد أَتعبت أمتِي من بعدِي) قلت: الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ، وَالْحَاكِم وَصَححهُ، وَابْن خُزَيْمَة فِي (صَحِيحه) وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الدُّخُول فِي حجَّته ]([52]) .
ماذا نفهم من هذه الأحاديث ؟ :
في هذه الأحاديث الكثيرة المباركة ، وغيرها حِكَم ، وعِبَر كثيرة ، ولكن الذي يهمنا هنا في موضوعنا هو :
1 – كان النبيّ r يحب أن يعمل كثيراً من الأعمال الصالحة ، ولكنه r كان يتركها ، لا كرهاً لها ، ولا لأنها ليس فيها خير ، ولا لأنه صلى الله عليه وسلم ما كان يعرفها ، ولكنرحمة وشفقة على أمته أن يثقل عليهم ، ولولا ذلك لعملها ، ومن ذلك – كما ورد في الأحاديث التي عرضناها - :
أ – كان r أحياناً لا يصلي بعض النوافل في المسجد ، مخافة أن يُثَقِّل على أمته .
ب – كان r يحب أن يُطَوِّل في الصلاة ، ولكنه يترك ذلك ويتجوّز فيها كراهية أن يشق على الأمّ .
ج – كان r يحب أن تستعمل أمته كلهم السواك مع كل صلاة ، وكان يحب أن يوجبه عليهم ، ولكنه ترك ذلك من أجل أن لا يشق عليهم .
د – كان r يحب أن يؤخر صلاة العشاء إلى أن يذهب عامة الليل ، ويعتبرها r هو وقتها ، وكان يود أن يأمرهم فيصلوها هكذا ، ولكنه ترك ذلك ، وصلى معهم في الوقت المعلوم عندنا ، خشية أن يشق على أمته .
هـ - كان r يحب أن لا يتخلف عن سرية ، ولكنه ترك ذلك خشية أن يشق على أمته .
و – كان r يحب أن يهدم البيت الحرام ، الذي بنته قريش قبل البعثة ، على غير ما بناه نبيّ الله إبراهيم عليه السلام ، فيعيد بناءه على ما بناه نبيّ الله إبراهيم عليه السلام ، ولكنه ترك ذلك شفقة ورحمة بالناس أن يؤثر ذلك على إيمانهم ، وتعظيمهم للبيت .
ز – كان r يحب أن يدخل الكعبة الشريفة ، فيصلي فيها ، وقد فعل ذلك ، ثم تمنى أن لم يكن فعل ذلك ، وتركه خوفاً من أن يشق على أمته بذلك ، ويتعبهم .
2 – وفي هذه الأحاديث المباركة ردّ واضح على الذين يقولون للأعمال الصالحة : لو كان فيها خير لفعلها رسول الله r !
ومن فضل الله تعالى أن وصلتنا هذه الأحاديث المباركة ، وتحدث رسول الله r فيها بوضوح وصراحة ، أنه يحب أعمالاً صالحة ، ولكنه يتركها رحمة وشفقة على أمته ، وإلا لو كان r حراً في تصرفاته ، وأعماله لعملها !
وكم من أعمال ربما كان r يحبها ، وتركها ، ولم يتحدث عنها ، رحمة ، وشفقة !
أعمال عملها هو r ونهى عنها غيره :
وأحياناً كان r لا يستطيع إخفاء عمل من الأعمال الصالحة ، بل يظهر ذلك إضطراراً ، فكان الصحابة رضوان الله عليهم يُقلّدونه ، ويعملون مثله ، فينهاهم عنها ، فلا ينتهون ، فيوافقهم كنوع من العقوبة لهم إشفاقا عليهم ، ورحمة بهم ، لكي ينتهوا ، وذلك مثل صوم الوصال([53]) .
النهي عن صوم الوصال :
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال :
( نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الوصال قالوا إنك تواصل قال ( إني لست مثلكم إني أطعم وأسقى ) ([54]) .
عن أبي هريرة t قال :
[ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ عَنِ الْوِصَالِ فِى الصَّوْمِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ( وَأَيُّكُمْ مِثْلِى، إِنِّى أَبِيتُ يُطْعِمُنِى رَبِّى وَيَسْقِينِ) ، فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنِ الْوِصَالِ، وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا، ثُمَّ يَوْمًا، ثُمَّ رَأَوُا الْهِلالَ، فَقَالَ: (لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ) ، كَالتَّنْكِيلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا.
قال المهلب: لما نهاهم عليه السلام عن الوصال فلم ينتهوا، بين لهم أنه مخصوص بالقوة بقوله: (إنى لست كهيئتكم) ، لأن الله يطعمه ويسقيه، فأرادوا تحمل المشقة فى الاستنان به، والاقتداء به، فواصل بهم كالمنكل لهم على تركهم ما أمرهم به من الرخصة، فبان بهذا أن الوصال ليس بحرام، لأنه لو كان حرامًا ما واصل بهم، ولا أتى معهم الحرام الذى نهاهم عنه] ([55])
قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله :
[ قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ ما رواه بن عمر وأبو هريرة أبو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَعَائِشَةُ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ)
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ مِنْهُمْ قَائِلُونَ إِنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن الْوِصَالِ رِفْقًا لِأُمَّتِهِ وَرَحْمَةً بِهِمْ فَمَنْ قَدَرَ عَلَى الْوِصَالِ فَلَا حَرَجَ لِأَنَّهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَدَعُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ
وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَغَيْرُهُ جَمَاعَةٌ يُوَاصِلُونَ الْأَيَّام . . .
وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وإسحاق بن رَاهْوَيْهِ لَا يَكْرَهَانِ أَنْ يُوَاصِلَ الرَّجُلُ مِنْ سَحَرٍ إِلَى سَحَرٍ لَا غَيْرَ
وَمِنْ حُجَّةِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا أَيْضًا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا تُوَاصِلُوا فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ
قَالُوا فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ قَالَ إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنَّ لِي مُطْعِمًا يطعمني وساقيا يسقيني . . .
وَكَرِهَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْأَثَرِ الْوِصَالَ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ وَلِغَيْرِهِ وَلَمْ يُجِيزُوهُ لِأَحَدٍ
وَمِنْ حُجَّتِهِمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن الْوِصَالِ
وَأَنَّهُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ إِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَانْتَهُوا وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَخُذُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ .
وَحَقِيقَةُ النَّهْيِ الزَّجْرُ وَالْمَنْعُ
وَقَالُوا لَمَّا قَالَ لَهُمْ أَنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ أَعْلَمَهُمْ أَنَّ الْوِصَالَ لَهُ خَاصَّةً لَا لِغَيْرِهِ كَمَا خُصَّ بِسَائِرِ مَا خُصَّ r ] ([56]) .
تقبيل الصائم لزوجه :
وعن عائشة رضي الله عنها قالت :
( كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُنِي وَهُوَ صَائِمٌ، وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ، كَمَا كَانَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْلِكُ إِرْبَهُ؟ ) ([57]) .
لسنا مثل النبيّ r :
قال الإمام السيوطي رحمه الله :
[ قَالَ الْقُرْطُبِيّ هَذَا يدل على أَن مَذْهَب عَائِشَة منع الْقبْلَة مُطلقًا فِي حق غير النَّبِيصلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنَّهَا فهمت خصوصيته بِجَوَاز ذَلِك ويباشر وَهُوَ صَائِم قَالَ النَّوَوِيّ معنى الْمُبَاشرَة هُنَا اللَّمْس بِالْيَدِ وَهُوَ من التقاء البشرتين ] ([58]) .
وقال الإمام النووي رحمه الله :
[ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ هَذِهِ اللَّفْظَةُ تُرْوَى عَلَى وَجْهَيْنِ الْفَتْحِ وَالْكَسْرِ قَالَ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ حَاجَةُ النَّفْسِ وَوَطَرُهَا يُقَالُ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ إِرْبٌ وَأَرَبٌ وَإِرْبَةٌ وَمَأْرَبَةٌ أَيْ حَاجَةٌ قَالَ وَالْإِرْبُ أَيْضًا الْعُضْوُ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَى كَلَامِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهُ يَنْبَغِي لَكُمُ الِاحْتِرَازُ عَنِ الْقُبْلَةِ وَلَا تَتَوَهَّمُوا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَنَّكُمْ مِثْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اسْتِبَاحَتِهَا لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَفْسَهُ وَيَأْمَنُ الْوُقُوعَ فِي قُبْلَةٍ يَتَوَلَّدُ مِنْهَا إِنْزَالٌ أَوْ شَهْوَةٌ أَوْ هَيَجَانُ نَفْسٍ وَنَحْوُ ذَلِكَوَأَنْتُمْ لَا تَأْمَنُونَ ذَلِكَ فَطَرِيقُكُمُ الِانْكِفَافُ عَنْهَا ] ([59])
هل فِعل النبيّ r بموجب ؟ :
ولذلك [ ذهب الحنفية وغيرهم رحمهم الله تعالى إلى أن فعل النبيّ r لا يكون موجباً – أي واجباً – خلافاً لبعض أصحاب الشافعي ومالك رحمهم الله ، فإنهم قالوا : إن فعله r الذيليس بسهوٍ ولا طبعٍ ولا مخصوصٍ به موجبٌ .
إلا إذا كانت المواظبة على الفعل من غير ترك مع الإقتران بوعيدٍ فهو دليل الوجوب كما أفاده ابن الهمام في باب الإعتكاف واعتمده ابن نجيم .
بدليل المنع عن الوصال في الصيام ، حيث دلّ أن فعله r ليس بموجب .
وكذلك بدليل خلع نعليه r في الصلاة :
عن أبي سعيد الخدريّ t قال : بينما رسول الله r يصلي بأصحابه إذ خلع نعليهفوضعهما عن يساره فلما رأى ذلك القوم ألقَوا نعالهم فلما قضى رسول الله r صلاته قال : (( ما حملكم على إلقائكم نعالكم ؟ )) . قالوا : رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا . فقال رسول الله r ((إن جبريل r أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً )) . وقال (( إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذراً أو أذىً فليمسحه وليُصلِّ فيهما )) ([60]) .
فدلّ أن فعله r ليس بموجب وإلا لَزِم التناقض ، إذ كيف ينهاهم عن الواجب ، ويستغرب rمن فعلهم له ؟ !
فإن قال قائل : فماذا تقولون في قوله r : ( صلّوا كما رأيتموني أصلي ) [61] ، و ( خذوا عني مناسككم ) [62] ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق