كروية الأرض في القرآن الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على يد المرسلين وعلى آل بيته وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،
أما بعد:
في هذا الموضوع سنتحدث عن كروية الأرض في القرآن الكريم:
بفضل الله سبحانه وتعالى فإن في القرآن الكريم ما يدل على أن الأرض تشبه الكرة الى حد كبير وقد ورد هذا بقوله تعالى:
{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ ۖ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ۗ أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ(5) -الزمر}.
وكلمة يكور أصلها من كرة وهي على الشكل التالي:
كور = كَّوَرَ = يُكوّرُ = تَكويراً = مُكَوَرا = (كورةً) ومنها (كارا)
قال صاحب الكشاف: «والتكوير: اللف واللى. يقال: كار العمامة على رأسه وكوّرها.
وإليك السؤال هنا: وهو هل تستطيع تكوير المُكَعب؟؟؟!
والجواب لا طبعا، لأن المُكَعب يُكَعب،
كَعب = كَّعَبَ = يُكَعِبُ = تَكعيباً = مُكَعَبا
وإليك سؤالا آخرا وهو هل تستطيع تكوير الدائرة؟ والجواب لا طبعا لأننا لا نقول كور الدائرة ولكننا نقول دور الدائرة،
دائرة = دَوَرَ = يُدَوِرُ = تَدويراً = مُدورا ومنها (دارَ)
وكذلك المربع،
رَبَعَ = رّبَعَ = يرَّبَعَ = تَربيعا = مُرَّبعا
وكذلك المثلث والمخمس والمسدس والمسبع إلخ...
إذا كَّوَرَ = يُكوّرُ (كورةً) والسؤال هنا هو لماذا قالت العرب (كار العمامة على رأسه وكوّرها.) وكان بإمكانهم أن يقولوا دار العمامة ودورها!؟ لأن الرأس شكله أقرب ما يكون الى الشكل الكروي ويحتاج إلى كلمة من جذره الكروي وضف إلى ذلك أن لرؤوس الناس أشكال فمنها ما هو كروي مفلطح ومنها ما هو كروي الى حد ما.
كما أننا نستطيع أن نكور جميع أشكال الكرات مثل كرة القدم والكرة الأمريكية وشكل البيضة الكروي،
والجميل أن في كتاب الله تعالى سورة كاملة اسمها سورة التكوير اليس هذا ببرهان وأول آية فيها قوله تعالى:
( 1 ) إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ. //التكوير//.
وقال صاحب الكشاف : فى التكوير وجهان : أحدهما: أن يكون من كورت العمامة إذا لففتها. أى: يلف ضوء الشمس لفا فيذهب انبساطه وانتشاره في الآفاق، وهو عبارة عن إزالتها والذهاب بها ، لأنها ما دامت باقية، كان ضياؤها منبسطا غير ملفوف.
وقال الزجاج : لفت كما تلف العمامة ، يقال: كورت العمامة على رأسي، أكورها كورا وكورتها تكويرا ، إذا لففتها وأصل التكوير جمع بعض الشيء إلى بعض ، فمعناه: أن الشمس يجمع بعضها إلى بعض ثم تلف ، فإذا فعل بها ذلك ذهب ضوءها.
وقال ابن جرير والصواب من القول عندنا في ذلك أن التكوير جمع الشيء بعضه إلى بعض ومنه تكوير العمامة وهو لفها على الرأس وكتكوير الكاره ، وهي جمع الثياب بعضها إلى بعض فمعنى قوله ( كورت ) جمع بعضها إلى بعض ثم لفت فرمى بها ، وإذا فعل بها ذلك ذهب ضوءها .
وقال الإمام الطبري رحمه الله تعالى:
والتكوير في كلام العرب: جمع بعض الشيء إلى بعض، وذلك كتكوير العمامة، وهو لفها على الرأس، وكتكوير الكارة، وهي جمع الثياب بعضها إلى بعض، ولفها، وكذلك قوله: ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ) إنما معناه: جمع بعضها إلى بعض، ثم لفت فَرُمِي بها، وإذا فعل ذلك بها ذهب ضوءها فعلى التأويل الذي تأوّلناه وبيَّناه لكلا القولين اللَّذين ذكرت عن أهل التأويل وجه صحيح، وذلك أنها إذا كُوِّرت ورُمي بها، ذهب ضوءها.
إذا وعلى هذا فإن العلماء في القديم كان يعلمون أن الشمس جسم كروي وليست كما كان يزعم البعض بأنها قرص مستدير.
وفي الحديث الذي رواه البخاري:
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الشمس والقمر يكوران يوم القيامة"
وكما رأيت أخي القارئ فالقمر يكور يوم القيامة أيضا.
وعلى هذا فإن قوله تعالى: (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ) فيكون التكوير على شيء مكور مثل الكرة.
وهذه الآية لإثبات كروية الأرض.
وملاحظة هامة: لا ينفع أن يقال تدوير لأن التدوير خاص بحيث يمكنك تدوير الخيط على الكرة ولكن لا يمكن تكوير الخيط على الكرة لأن الخيط لا يغطي مساحة الكرة وحتى تستطيع تكوير الكرة وجب أن تكورها بما يناسب حجمها كما وصفت العرب تكوير الرأس بالعمامة فالعمامة تغطي كامل مساحة الرأس ولا يمكن تكوير الرأس بالخيط.
ثانيا:
احذر من أن يأتي إليك ملبس مشكك مكذب فيقول لك أن كورت ليست بهذا المعنى وإنما بعض المفسرين قالوا بأن كورت تعني غورت أو غارت! وهذا كلام باطل ولا يصح لماذا؟ لأن بعض المفسرين ظنوا أن كلمة (كورت) أصلها فارسي معرب كما أورد الإمام الطبري في تفسيره ولم يأخذ به:
وفسر { كورت } بمعنى غورت . رواهُ الطبري عن ابن جبير وقال : هي كلمة معربة عن الفارسية وأن أصلها بالفارسية كُور بِكْر ( بضم الكاف الأولى وسكون الراء الأخيرة ) وعلى ذلك عُدّت هذه الكلمة مما وقع في القرآن من المعرّب . وقد عدها ابن السبكي في نظمه الكلمات المعربة في القرآن. //انتهى//. وهذا تفسير لا يصح والقرآن الكريم لا يقبله
لأن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه:
{بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ(195) -الشعراء}.
وقال أيضا:
{قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ(28) -الزمر}.
وقال سبحانه:
{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ۖ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ ۗ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ۖ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ۚ أُولَٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ(44) -فصلت}.
وكلمة كورت كلمة عربية بلسان فصيح وأصلها من كرة وكار وتكوير ويكور تكويرا وتقال لجسم كروي مثل الرأس.
وعلى هذا فإن الأرض أشبه بما تكون الى الكروية والشمس كروية والقمر كروي.
--------------
ثالثا نأتي إلى آية كريمة فيها كرية الأرض:
-{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ(54) -الأعراف}.
وقال الحافظ ابن عاشور:
والغشي مستعار للإخفاء ، لأنّ النّهار يزيل أثر اللّيل واللّيل يزيل أثر النّهار. //انتهى//.
بمعنى أن الليل يأتي على النهار والنهار يزيل آثاره بالتدريج وبالعكس، ولو كانت الأرض مسطحة لرأينا النهار يأتي بشكل مفاجئ ويحل محل الليل بشكل مفاجئ.
ونختم بقوله تعالى:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق