(حكم حلق اللحية، وتسويتها بالأخذ منها).
يقول السائل الكريم:
ما حكم تسوية حلق اللحية، وتسويتها بالأخذ منها؟
قلت: أولاً: مسألة حلق اللحية، محل خلاف بين العلماء
فرأي جمهورهم حرمة حلقها، وذهب قوم إلى كراهية ذلك.
قال: قال بعض المشايخ حرمة حلق اللحية مسألة مجمع عليها.
قلت: نقل ابن حزم، وابن القطان، وابن عابدين الإجماع على حرمة حلقها، لكنه إجماع منخرم كما سأوضحه بإذن الله تعالى.
قال: من الذين قالوا بكراهة حلقها؟
قلتُ: هو المعتمد عند الشافعية، ووجه عند الحنابلة،
وهو قول القاضي عياض من المالكية.
قال: تفضل علىَّ بذكر أدلة من قالوا بتحريم حلق اللحية:
قلت: لهم جملة من الاستدلالات:
أولاً: وردت جملة أحاديث صحيحة تأمر بإعفاء اللحية، والأصل في الأمر الوجوب.
ثانيًا: نقل عدد من أهل العلم الإجماع على وجوب إعفاءها وحرمة حلقها، مثل ابن حزم، وابن القطان، وابن عابدين.
ثالثًا: حلقها من قبيل التشبه بالنساء والمتشبه بالنساء ملعون.
رابعًا: إعفاءها من الفطرة، وحلقها أو قصها الشديد خروج عن الفطرة.
خامسًا: هي من سمت الأنبياء.
سادسًا: حلقها تغيير لخلق الله.
قال: وكيف أجابوا من قالوا بالكراهة عن هذه الأدلة:
قلت: لهم أجوبة على ذلك:
[1] قالوا: أما القول بورود جملة من الأحاديث التي تأمر بالإعفاء والأمر يقتضي الوجوب.
فأجيب عليهم بما حاصله:
أن الأمر بإعفاء اللحية مقترن بشيئين:
الأول: قص الشارب. والثاني: مخالفة المشركين.
ولم يأتي الأمر بها مطلقًا دون اقتران بشيء.
وبناءً عليه ما سبق: فإن كل حكم كانت علته: مخالفة المشركين، وعدم التشبه بهم، فإنه لا يصل إلى التحريم، غاية ما يقال فيه: أنه مكروه.
كذلك الأمر بقص الشارب مستحب، فكذلك اللحية.
ومسائل اللباس والهيئات الأمر فيها لا يرقى للوجوب.
[2] قالوا: الإجماعات المنقولة غير صحيحة، وكيف تكون صحيحة والمعتمد عند الشافعية ووجهة عند الحنابلة وبعض المالكية على القول بالكراهة.
[3] قالوا: قص اللحية أو حلقها ليس من باب التشبه بالنساء والعلة في أحاديث الأمر بإعفاء اللحية من باب مخالفة المشركين ولا تعلق لها بمخالفة النساء.
[4] قالوا: ما نُقِلَ من أحاديث تفيد أن إعفاء اللحية من سنن الفطرة؛ كلها لا تثبت وأولها ما أخرجه مسلم.
وعلى فرض ثبوتها: فليس معنى أنها من سنن الفطرة أنها واجبة.
[5] قالوا: كونها من سمت الأنبياء يفيد ندبها لا وجوبها.
[6] قالوا: أما كون حلقها من باب تغيير خلق الله، فهذا مرده لمسألة حكمها من الأصل هل هي واجبة أو مندوبة.
قال: يا شيخ، نعلم أن الأمر يفيد الوجوب إذا لم تأتي قرينة تصرفه إلى غير الوجوب فما القرينة عندهم هنا؟
قلت: قالوا: كون الأمر يُفيد الوجوب هذه عند الجمهور، أما عند غيرهم فمطلق الأمر يفيد الاستحباب لا الوجوب.
قال: ما القرينة التي صرفت الأمر من الوجوب إلى الندب؟
قلت: لهم جملة من القرائن:
[1] كون الأمر قد علل بمخالفة المشركين قرينة.
[2] تعلق الأمر بالعادات والآداب قرينة كذلك.
[3] دلالة الاقتران: بمعني أن اللحية ثد ذُكرت في حديث عشر من الفطرة...الحديث، فبهذا تكون قد اقترنت بأمور مستحبة فتكون مستحبة كذلك.
قلت: وإن كان دلالة الاقتران قد يُجاب عليها هنا بضعف الخبر.
قال: يا شيخ هل يمكنك أن تلخص لي ما سبق في كلمات قليلة؟
قلت: نعم، أقول وبالله التوفيق:
حلق اللحية (من غير ضرورة) هي من مسائل الخلاف بين العلماء فذهب أكثرهم لحرمة حلقها، وذهب قوم إلى كراهة ذلك، ولكل وجهته، وأنا مع القول باستحباب إعفاءها.
قال: جزاك الله خيرًا.
قلت: اللهم أمين يارب العالمين وإياكم.
قال: بقيت مسألة أخرى ألا وهي:
حكم تسوية اللحية والأخذ منها.
قلت: نعم، أقول وبالله التوفيق:
اختلف أهل العلم في حكم الأخذ من اللحية على جملة أقوال:
القول الأول: عدم جواز أخذ شيء من اللحية مطلقًا.
القول الثاني: يجوز أخذ ما زاد عن القبض في حج أو عمرة. وهو مذهب عبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وابن عباس.
وقد قال عطاء بن أبي رباح، قال: «كانوا يحبون أن يعفوا اللحية إلا في حج أو عمرة، وكان إبراهيم يأخذ من عارض لحيته».
القول الثالث: يجوز أخذ ما زاد عن القبض مطلقًا وهو مروي عن أبي هريرة.
القول الرابع: يجوز الأخذ منها مطلقًا: وبه قال القاسم بن محمد، والحسن، وابن سيرين، وطاوس، والنخعي، وقتادة، وغيرهم.
القول الخامس: يجوز أخذ ما شذ وتطاير وقبح.
قال ابن عبد البر: ابن عمر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أعفوا اللحى وهو أعلم بمعنى ما روى فكان المعنى عنده وعند جمهور العلماء الأخذ من اللحية ما تطاير.
والله أعلم.
وروي عن علي (رضي الله عنه):
أنه كان يأخذ من لحيته ما يلي وجهه.
قال ابن القاسم قال سمعت مالكا يقول لا بأس أن يؤخذ ما تطاير من اللحية وشذ قال فقيل لمالك فإذا طالت جدا فإن من اللحى ما تطول قال أرى أن يؤخذ منها وتقصر.
وهناك أقوال أخرى في المسألة، وفيما ذكرته كفاية.
فالحاصل أن الخلاف في المسألة سائغ وقريب وواسع.
قال: فهل هناك كتبت ألفت في أحكام اللحية تنصح بها؟
قلت: نعم، منها:
أولاً: كتاب اللحية. للشيخ المحدث عبد الله بن يوسف الجديع. عدد صفحاته (313).
ثانيًا: جامع أحكام اللحية، للشيخ على بن أحمد بن حسن الرازحي. قدم له الشيخ المحدث مقبل الوادعي.
طبعته دار الآثار. وعدد صفحاته (384).
ثالثًا: كتاب إفادة ذوي الأفهام بأن حلق اللحية مكروه وليس بحرام. تأليف الشيخ: عبد العزيز بن الصديق الغماري.
طبعته دار الآثار الإسلامية وعدد صفحاته (113).
رابعًا: اللحية للشيخ عبد الرحمن بن عبد المعطي.
بتقديم العلامة المحدث مصطفى العدوي.
طبعته المكتبة الإسلامية. عدد صفحاته (90).
قال: هل هذه الكتب متوفرة على الشبكة العنكبوتية؟
قلت: نعم، باستثناء الكتاب الأخير.
قال: هل هناك كتب أخرى ألفت في اللحية؟
قال: نعم، هناك كتب كثيرة جدًا.
قال: جزاك الله خيرًا يا شيخ.
قلت: اللهم أمين يارب العالمين وإياكم.
«رحم الله أمي وأمهات المسلمين».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق