الأربعاء، 5 أبريل 2023

أسئلة حول العيد وزكاة الفطر يجيب عليها فضيلة الإمام يوسف القرضاوي

 أسئلة في الشريعة والحياة - حول العيد و#زكاة_الفطر


يجيب عليها فضيلة الإمام يوسف القرضاوي
س/ ما هي القيمة الاجتماعية لزكاة الفطر؟ وخصوصاً أن الكثير من الناس كان يسأل أنه مغترب ويريد أن ينفق الزكاة في بلاد أهله بدل البلد التي يعيش فيها، وما الحكمة من أنها مربوطة بمستوى المعيشة في البلد؟
ج/ النبي عليه الصلاة والسلام فرض صدقة الفطر على كل مسلم حر أو عبد ذكر أو أنثى صغير أو كبير حتى غني أو فقير، قال "أما غنيكم فيزكيه الله تعالى وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطى" يعني ممكن يعطي باليمين ويأخذ بالشمال لأنها تدرِّب المسلم على أن تكون يده في وقت من الأوقات يداً عليا وبدلا من أن يتعود الأخذ دائما، يعطي في وقت من الأوقات وكما قال الله تعالى في وصف المتقين (الذين ينفقون في السراء والضراء)، فمن الممكن أن ينفق الشخص وهو في غير سعة ليتعود الإعطاء ومن أجل هذا لا يشترط جمهور الفقهاء أن يكون من يدفع زكاة الفطر مالكاً للنصاب، بل بحسبه أن يكون مالكاً لقيمتها فضلاً عن قوت يوم العيد وليلته، وقيمتها قدَّرها الرسول عليه الصلاة والسلام بالأطعمة: صاعاً من تمر أو صاعاً من زبيب أو صاعاً من قمح أو صاعاً من شعير وذلك لسبب مهم أن النقود في ذلك الوقت كانت عزيزة عند العرب، نحن نعرف أن العرب لم تكن لهم عملة كانت النقود تأتيهم من فارس دراهم فضية وإمَّا من الروم البيزنطية دنانير ذهبية، إنما هم لم يضربوا العملة إلا في الدولة الإسلامية فكانت النقود عزيزة، وقد شهدت أنا هذا عندنا في الريف قديماً، كان الناس يتبايعون أحياناً فيعطي أحدهم القمح أو الذرة أو البيض ويشتري بالمقايضة، فلذلك الرسول عليه الصلاة والسلام فرضها في الأطعمة السائدة، ومن هنا ذهب جمهور العلماء أن الزكاة تكون من غالب قوت البلد، وأجاز أبو حنيفة أجاز أن نعطي قيمتها، نعطي قيمة الزكاة نقداً، وخصوصاً إذا كان ذلك أنفع للفقير ولا شك أنها في عصرنا أنفع للفقير لأن الرسول عليه الصلاة والسلام عندما فرض الأطعمة كانت أيسر على الدافع وأنفع للآخذ، لأن الدافع يعطي مما عنده حتى قال عليه الصلاة والسلام للأعراب وأهل البوادي بإخراج الأقِط أي اللبن المنزوع زبده فلم يكن عندهم لا تمر ولا زبيب فأمرهم بإخراج الأقِط، ومعناها التيسير على الإنسان بإخراج مما عنده
وهذا ينفع من يأخذه، فهذه الأشياء كلها تنفع المجتمع في ذاك العصر البسيط، الآن هذا ليس أيسر إذا قلنا يدفع الزبيب أو الشعير أو القمح ليس أيسر على الدافع ولا أنفع للآخذ، فلو تصورت بلداً مثل القاهرة فيها 12 مليون مسلم، فلو أمرتهم بإعطاء 12 مليون صاع لكل شخص فمن أين سيأتون بكل هذا؟ وماذا سيفعل الفقير بالقمح أو الشعير وما عاد الناس يطحنون أو يعجنون أو يخبزون، فهو يشتري من الفرن فكأنك تعطيه شيئا لا قيمة له وسيضطر إلى بيعه بأي ثمن وحتى التمر في الجزيرة العربية، فبعض الناس يعطون التمر، والإنسان حاجته تصل مثلا إلى 10 كيلو تمر ولو وصل إليه 200 كيلو فماذا سيفعل بكل ذلك، هو مضطر لأن يبيع هذا وقد يبيعه بنصف السعر وأحيانا لا يستطيع بيعه لعدم الحاجة إليه، وأحياناً يرده إلى المعطي ويقول له أنا لست محتاجاً إليه، فأنت تعطيه شيء لن ينتفع به، إنما إذا أعطيته النقود فيستطيع أن يشتري بها أي شيء حتى التمر إذا أراد، فلذلك نحن مع المذهب الذي يجيز إخراج القيمة، وهو مذهب عمر بن عبدالعزيز ومذهب سفيان الثوري وعدد من الأئمة قالوا بجواز دفع القيمة وهذا رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية، ما دام فيه مصلحة للفقير، وبعض الناس من السلفيين يقفون ضد هذا وبعضهم يقول من دفع صدقة الفطر نقداً فصدقته باطلة، كأنه يقول أن الإسلام يشرع الأشياء لغير حكمة، هذه كان لها حكمة والحكمة الآن ليست موجودة، فالحكمة الآن في إعطاء القيمة لينتفع بها الفقير ويشتري بها ما يحب، والأساس هو مصلحة الفقير.
القيمة طبعاً تقدَّر في كل بلد بحسب قيمة صاع الطعام كم يساوي، وفي بعض المذاهب أجازت نصف صاع من القمح مثل مذهب أبي حنيفة، فنرى كم يساوي الصاع حتى لو أخذنا بعض البلاد مثلاً التمر كم يساوي، وفي العادة في قطر نقدر القيمة بخمسة عشر ريالاً قطرياً، وأنا أقول من زاد فهو أحسن، خصوصاً الناس الموسرين فهذا أولى وأوفق، الحد الأدنى خمسة عشر ريالاً للفرد ، في بعض البلاد ممكن أن يكون أقل مثل اليمن أو بنجلاديش أو أفريقيا ممكن تصل قيمة الصاع إلى أقل من هذا.
س/ الرسول عليه الصلاة والسلام إضافة إلى أنه استخدم الأطعمة المنتشرة في ذلك الزمن، لعله حكمة أخرى أنه تثبيت الأصل الذي يقاس عليه، أي أنه ثبت القمح مثلاً أو التمر أو الشعير..
ج/ نعم لأن النقود قيمتها تتغير، يعني درهم أو درهمان أو ربع دينار، فقيمة الدرهم والدينار تتغير كثيراً، فالآن قدرها بشيء يشبع حاجة بشرية، ممكن أن نقدر قيمة الطعام، إنما لو قدرت بالنقد لتغيرت قيمة النقد كما نرى تغير قيمة العملات من وقت إلى آخر.
س/ أنت ذكرت أن بعض العلماء أصروا على أن تكون بالعين المنصوص، وعلى مدار التاريخ رأينا ظاهرة الحرفية في فهم النصوص..
ج/ هناك مدرستان موجودتان على مر التاريخ، مدرسة الظواهر ومدرسة المقاصد، المدرسة التي تأخذ بالمظاهر والمدرسة لتي تنظر إلى الفحوى، وقد ظهرتا في عصر النبي عليه الصلاة والسلام، ونحن نعرف القصة المشهورة قصة "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصلين العصر إلا في بني قريضة" واختلف الصحابة حينما كانوا يمشون يجدون الشمس توشك على الغروب فبعضهم قالوا أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يرد منا أن نضيع الوقت إنما أراد منا أن نسرع بالنهوض وصلوا في الطريق وقالوا نصليها في وقتها أفضل، وبعضهم قالوا لا الرسول قال "لا يصلين إلا في بني قريضة" فلا نصليها إلا في بني قريضة ولو وصلنا في منتصف الليل، فجماعة أخذوا بالفحوى وبالمقصود وجماعة أخذوا بالظاهر وبالحرفية والرسول أقر هذا وذاك، والمدرستان موجودتان حتى في شرح القانون فهناك المدرسة الحرفية ومدرسة الفحوى، هذه طبيعة الناس، ثم أن الناس منهم من هو أقرب إلى هذه المدرسة وأناس قريبون من المدرسة الأخرى.
س/ أريد أن أسأل سؤال يخص يوم العيد، في فرنسا هناك مسجدان رئيسيان وأحدهما أعلن عن يوم العيد يوم الجمعة وهناك آخر أعلن يوم السبت والفارق بين المسجدين لا يزيد على عشرين كيلومتر وهما المسجدان الرئيسيان في باريس، فما الحكم في ذلك؟
ج/ نحن في عصر المؤسسات والمنظمات وليس في عصر الأفراد، المسلمون في أوروبا كوَّنوا لهم مؤسسات ومن هذه المؤسسات المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث وهذا المجلس مكون من علماء معتبرين معظمهم في أوروبا وبعضهم من علماء الشرق العربي والإسلامي وهذا المجلس يجتمع مرتين في السنة في دورتين وقد قرر هذا المجلس أن الرؤية البصرية تعتمد في إثبات الهلال بشرط، هذا الشرط هو أن لا يقول الحساب الفلكي باستحالة الرؤية فإذا قال بذلك نأخذ في الحساب بالنفي لا في الإثبات، ولذلك الأخوة في اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا أصدروا بياناً أنه حسب الحساب الفلكي يوم العيد كان يوم السبت، وأنا أقول للأخوة في فرنسا أو في لندن أو في أمريكا أو أي بلد، يجب أن يتبعوا الهيئة الشرعية التي عندهم، أنا أعيب على الأخوة أن يكون في أمريكا أو في لوس أنجلوس ويتبع باكستان أو بنجلاديش أو قطر أو مصر، يا أخي أنتم في كل بلد تعتمد على نفسها، ولذلك نحن قلنا أن أهل البلد الواحد لا ينبغي أن يختلفوا فإذا لم يكن عند الأخوة هيئة يرجعون إليها فهم مقصرون في هذا، يجب أن يكون عندهم الهيئة التي يرجعون إليها ويأخذون برأيها ولا يتبعون المشرق في هذا.
س/ هل صلاة العيد سنة أم فرض على كل مسلم؟
ج/ هي سنة بالنسبة لكل شخص وفرض كفاية على عموم المسلمين، يعني لا يجوز أن تُعطَّل قرية أو ناحية من النواحي من صلاة العيد، كل أهل بلد يجب أن يصلوا العيد وكل حي من الأحياء يجب أن يصلوا العيد بحيث لا تتعطل هذه الشعيرة فهي فرض كفاية على المجموع وكل مسلم سنة عليه صلاة العيد، رجلاً كان أو امرأة، فحتى المرأة تصلى صلاة العيد، وصلاة العيد الأصل فيها الجماعة ولكن لو فرض أن الإنسان فاتته صلاة العيد ماذا يفعل؟ يجمع أهله في بيته ويصلى بهم العيد، ولا يضيع صلاة العيد.
س/ هل خطبة العيد لها خصوصية ولها أشياء معينة تتناول فيها أم أنها خطبة وعظية شأنها شأن خطبة الجمعة؟
ج/ هي لا تفترق عن خطبة الجمعة إلا أن خطبة الجمعة قبل الجمعة وخطبة العيد بعد صلاة العيد، وخطبة الجمعة فرض، وخطبة العيد سنة، وخطبة الجمعة هي خطبتان بالإجماع خطبة أولى وخطبة ثانية وبعض العلماء يقول أن العيد خطبتان أيضاً، ولكن الإمام ابن القيم قال: لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب خطبتين في العيد، فهي خطبة أشبه بخطبة العيد وحتى قال أنه لم يثبت أنه كان يبدأها بالتكبير فكل خطب النبي صلى الله عليه وسلم تبدأ بالحمد لله ولكن كان يكثر من التكبير في أثناء الخطبة لأنه كما قيل في بعض الآثار زيِّنوا أعيادكم بالتكبير، فالتكبير من شعائر العيد، عيد الفطر وعيد الأضحى، فنُزيِّن العيد بالتكبير حتى في أثناء الخطبة.
س/ هل التهنئة واجبة وما هي صيغة التهنئة التي يهنئ بها المسلم أخاه؟
ج/ نعم المسلم يهنئ أخاه بهذه المناسبة الطيبة وكان الصحابة والسلف يهنئ بعضهم بعضاً وكانوا يقولون: تقبَّل الله منا ومنكم، أنت تعرف خصوصاً عيد الفطر يأتي بعد الصيام فكأنه يدعو الله له بقبول صيامه وقيامه وحتى يكون ممن غُفِر ذنبه "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدم من ذنبه" .
أيضاً في عيد الأضحى الإنسان يكون قبل عيد الأضحى يوم الوقفة يصومه، وحتى التسعة أيام الحجة يُشرَع فيها الصيام ويُشرَع فيها التهليل والتكبير والتحميد والتسبيح في هذه الأيام التي هي الأفضل عند الله والعمل الصالح فيها أحب إلى الله من العمل الصالح فيما سواهن من الأيام وأفضلها اليوم التاسع الذي يعتبر أفضل أيام السنة على الإطلاق، يوم عرفة فعندما يأتي المسلم في عيد الأضحى أيضاً يقول له "تقبل الله منا ومنك" فهذا ما ورد عن السلف ولكن لم ترد صيغة معينة يُلزِم بها الشرع الإنسان، فيقول له: عيدك مبارك، عساكم من عواده، كل عام وأنتم بخير، كل سنة وأنت طيب، المهم بأي صيغة يوصل هذه التهنئة إلى إخوانه المسلمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق