ما الترك؟ وما أنواعه وماحكم ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم
الترك هو أن يترك النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً أو يتركه السلف الصالح من غير أن يأتي حديث أو أثر بالنهي عن ذلك الشيء المتروك يقتضي تحريمه أو تركه.اه(1).
أنواع الترك:
وهذا الترك يكون على أنواع متعددة:
1 أن يكون تركه لمانع طبعي أو نفور جبلي، ومثاله تركه صلى الله عليه وسلم أكل لحم الضب لما قدم له، وفي الحديث سئل: أحرام هو؟ فأجاب ب »لا« فدل على أن تركه لم يحرمه.
2 أن يكون تركه نسياناً له، كما ورد أنه صلى الله عليه وسلم سها في الصلاة فترك منها شيئاً، فسئل: هل حدث في الصلاة شيء؟ فقال: »إنما أنا بشر أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني«.
فهؤلاء الصحابة لما ترك شيئاً من الصلاة لم يستفيدوا من تركه حكماً، بل راجعوه،وأجابهم صلى الله عليه وسلم بما يدل على أن تركه لا يفيد حكماً أيضاً.
3 أن يكون تركه مخافة أن يفترض على الأمة: كتركه الجماعة في التراويح لما رأى اجتماع الصحابة عليها خوف أن تفترض عليهم.
4 أن يكون تركه خشية الفتنة: كتركه صلى الله عليه وسلم نقض البيت وبناءه على قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين. فتركه صلى الله عليه وسلم حفاظاً على قلوب الصحابة القريبي العهد بالإسلام من أهل مكة.
5 وقد يكون تركه لسبب خاص به لا يشاركه فيه غيره. كتركه أكل الثوم وما شابهه من كل ذي رائحة كريهة خوف إيذاء الملك وقت الوحي، ولم يقل أحد بتحريم أكل الثوم بتركه صلى الله عليه وسلم.
وقد يكون لغير ذلك من الأسباب. والله أعلم.
حكم ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم:
رأينا من خلال الأمثلة السابقة أن تركه صلى الله عليه وسلم للشيء لا يدل على تحريمه، فقد ترك أكل لحم الضب ثم قرر صلى الله عليه وسلم بأنه ليس بحرام، وترك شيئاً من الصلاة سهواً ثم عاد فأتمها، وترك الجماعة في التراويح مخافة افتراضها، ثم جمع الصحابة من بعده ولم ينقل عن أحد من الأمة إنكارها، وترك نقض الكعبة وبناءها على قواعد إبراهيم مع رغبته في ذلك مخافة تغير قلوب أصحابه، وترك أكل الثوم ولم يقل أحد من الأمة بتحريمه، فالترك على ذلك لا يفيد التحريم، فماذا يفيد إذن؟
يقول الشيخ عبدالله بن الصديق في حسن التفهم والدرك لمسألة الترك: والترك وحده إن لم يصحبه نص على أن المتروك محظور لا يكون حجة في ذلك (أي التحريم) بل غايته أن يفيد أن ترك ذلك الفعل مشروع، وأما أن ذلك الفعل المتروك يكون محظوراً فهذا لا يستفاد من الترك وحده، وإنما يستفاد من دليل يدل عليه(1). اه.
إذن فالترك لا يدل إلا على أن الفعل المتروك يجوز تركه اللهم إلا ما تركه سهواً أمّا حكم فعله فهذا شيء آخر، فقد يكون حراماً لا لمجرد الترك بل لدليل يدل على التحريم، كما قد يكون مباحاً أو مندوباً أو مكروهاً حسب الدليل. والله أعلم. وانظر في ذلك رسالة الشيخ الغماري فإنه أتى فيها بما لا مزيد عليه.
رأي ابن تيمية في الترك:
قسم ابن تيمية ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم قسمين: الأول: ما تركه مع وجود المقتضي لفعله في عهده صلى الله عليه وسلم، وهذا الترك يدل على أنه ليس بمصلحة ولا يجوز فعله. ويمثل لذلك بالأذان لصلاة العيدين حيث أحدثه بعض الأمراء، فمثل هذا الفعل تركه الرسول صلى الله عليه وسلم مع وجود ما يعتقد مقتضياً مما يمكن أن يستدل به من ابتدعه ككونه ذكر الله، ودعاء للخلق إلى عبادة الله، فيدخل في العمومات كقوله تعالى: اذكروا الله ذكراً كثيراً[الأحزاب:41] وقوله: ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً[فصلت:33] ويدخل أيضاً في القياس على صلاة الجمعة.
وهذه الأمور كانت موجودة على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما أمر بالأذان للجمعة، وصلى العيدين بلا أذان ولا إقامة، دل تركه على أن ترك الأذان هو السنة فليس لأحد أن يزيد في ذلك، بل الزيادة فيه كالزيادة في أعداد الصلوات وأعداد الركعات، أو زيادة أيام الصوم المفروضة أو شعائر الحج المطلوبة ونحو ذلك.
والثاني: ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم لعدم وجود ما يقتضيه، لحدوث المقتضي له بعد موته صلى الله عليه وسلم، ومثل هذا قد يكون مصلحة وقد يكون جائزاً.
ويمثل ابن تيمية لهذا النوع بجمع القرآن، فقد كان المانع من جمعه على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أن الوحي كان لا يزال ينزل فيغير الله ما يشاء ويحكم ما يريد، فلو جمع في مصحف واحد لتعسر أو لتعذر تغييره في كل وقت، فلما استقر القرآن واستقرت الشريعة بموته صلى الله عليه وسلم أمن الناس من زيادة القرآن ونقصه، وأمنوا من زيادة الإيجاب والتحريم.انتهى بتصرف.(1)
أقول: هذا كلام ليس بمحرر ولا محقق، فقد اشتبهت عليه هذه المسألة كما قال الشيخ عبدالله بن الصديق بمسألة السكوت في مقام البيان، صحيح أن الأذان في العيدين بدعة غير مشروعة، لكن لا لأن النبي صلى الله عليه وسلم تركه، وإنما لأنه صلى الله عليه وسلم بين في الحديث ما يعمل في العيدين ولم يذكر الأذان، فدل سكوته على أنه غير مشروع.
والقاعدة: أن السكوت في مقام البيان يفيد الحصر، وإلى هذه القاعدة تشير الأحاديث التي نهت عن السؤال ساعة البيان.
روى البزار عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »وما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئاً، ثم تلا: وما كان ربك نسياً«. قال البزار: إسناده صالح. وصححه الحاكم.
وروى الدارقطني عن أبي ثعلبة الخشني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: »إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدوداً فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم من غير نسيان فلا تبحثوا عنها«.
ففي هذين الحديثين إشارة واضحة إلى القاعدة المذكورة، وهي غير الترك الذي هو محل بحثنا في هذه الرسالة، فخلط إحداهما بالأخرى مما لا ينبغي.اه(1).
وقال الدكتور عزت عطية: وما قاله هؤلاء العلماء الأجلاء يمكن أن نصل إليه بغير ما استدلوا به، فالأذان مثلاً خاص بالصلاة المفروضة، فنقله إلى غيرها ليس له ما يبرره، والقياس لا يدخل في باب العبادات، وليس الأذان للعيدين مما سكت عنه الشرع، وإنما بين الشرع أحكام العيدين بما لم يترك زيادة لمستزيد، فأي زيادة على ذلك تغيير للدين بالزيادة.
أما جمع القرآن ونحوه فمن الأمور المصلحية. وقد اكتفى الرسول صلى الله عليه وسلم بجمعه في الصحف على عهده بالنسبة إلى مجموع الصحابة وتداوله بينهم، وإن قال بعض العلماء أو أغلبهم بجمع المصحف على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وهكذا ما يماثله(1).اه.
أقول: وقد ادعى بعضهم بناء على كلام ابن تيمية السابق أن الدعاء بعد الصلاة في جماعة بدعة لا ينبغي فعلها لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعلها مع وجود المقتضي لها.
وهذا الكلام مردود برد كلام ابن تيمية السابق، وعلى فرض صحة كلامه فهذا كلام مردود أيضاً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدعُ بجماعة بعد الصلاة لوجود مانع يمنع من ذلك، فإن بقاء النبي صلى الله عليه وسلم كان من أسبابه انتظار خروج النساء، والنساء كن يخرجن مباشرة بعد السلام حتى لا يحدث اختلاط بين الرجال والنساء، فإذا كان سيدعو بالجماعة بعد أذكاره فلن يخرج النساء انتظاراً لدعائه المستجاب، وخروجهن بعد الدعاء ربما كان سبباً لريبة ما، لأن الرجال قد فرغوا من الأذكار ومما يشغلهم عن النساء.
فترك صلى الله عليه وسلم الدعاء بالجماعة برغم ما فيه من المصلحة الواضحة خوفاً من مفسدة أعظم، ومعلوم في الشريعة أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وأن الحكم يدور مع العلة وجوداً وعدماً، فإن انتفت العلة كحال مساجدنا اليوم فيستحب الدعاء الجماعي لما فيه من الخير العظيم. والله أعلم.
هذا وإن السنة قد رصدت لنا بعض مواقف النبي صلى الله علي وسلم ممن فعل من الصحابة أمراً تركه النبي صلى الله عليه وسلم، فمن ذلك ما رواه البخاري في باب الجمع بين السورتين في الركعة من كتاب الصلاة عن أنس رضي الله عنه قال: كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء، وكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به افتتح بقل هو الله أحد حتى يفرغ منها ثم يقرأ سورة أخرى معها، وكان يصنع ذلك في كل ركعة، فكلمه أصحابه فقالوا: إنك تفتتح بهذه السورة ثم لا ترى أنها تجزئك حتى تقرأ أخرى، فإما أن تقرأ بها، وإما أن تدعها وتقرأ بأخرى، فقال: ما أنا بتاركها، إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت، وإن كرهتم تركتكم.
وكانوا يرون أنه من أفضلهم وكرهوا أن يؤمهم غيره، فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر، فقال:»يا فلان ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك؟ وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة؟«
فقال: إني أحبها. فقال: »حبك إياها أدخلك الجنة«.
فانظر أخي هداني الله وإياك إلى هذا الصحابي الذي فعل فعلاً تركه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله فأقره النبي صلى الله عليه وسلم بل وبشره بسببه بدخول الجنة. قال الحافظ في الفتح(1): ويومئ إلى أن فعله زيادة على فعل النبي صلى الله عليه وسلم فدل تبشيره بالجنة على الرضا بفعله، ونقل عن ابن المنير قوله: إن المقاصد تغير أحكام الفعل لأن الرجل لو قال: إن الحامل له على إعادته لها أنه لم يحفظ غيرها مثلاً لأمكن أن يأمره بحفظ غيرها، لكنه اعتل بحبها، فظهر صحة قصده فصوبه.
ثم انظر ما أشبه حال هذا الصحابي مع المنكرين عليه بحالنا مع المنكرين علينا في إقامة المولد الشريف الذي ما حملنا عليه إلا محبتنا لهذا النبي المعظم في أهل السموات والأرض، والذي أنقذنا الله به من الضلال والكفر والظلمات، فإن تركه النبي صلى الله عليه وسلم فلم يفعله فقد ترك ما فعله ذلك الصحابي ثم أقره على فعله وبشره بالجنة على ما حمله على ذلك الفعل، فلعل الله أن يجود علينا بفضله، ويدخلنا الجنة بحبنا لهذا النبي العظيم صلى الله عليه وسلم، إنه جواد كريم، وعندها فليمت المنكرون بغيظهم.
ولقد فعل الصحابة رضوان الله عليهم أشياء تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يفعلها، وفعل الصحابة من سنن الدين التي أمرنا باتباعها كما سنبين فيما بعد، فكان فعلهم دليلاً على جواز إحداث ما ترك في الصدر الأول، إن دعت إليه مصلحة أو حاجة، وكان مما يدخل تحت أصول الشريعة وقواعدها العامة، فمما فعله الصحابة من الأمور التي تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أ) الأذان الأول يوم الجمعة:
فقد أخرج البخاري وابن ماجه والترمذي وغيرهم عن السائب بن يزيد قال: كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، فلما كان عثمان وكثُر الناس زاد النداء الثالث على الزَّوراء.
ب) زيادة ابن عمر في التشهد:
فقد أخرج أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهد: »التحيات لله الصلوات الطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته قال ابن عمر: زدتُ فيها: (وبركاته) السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله قال ابن عمر: زدتُ فيها: (وحده لا شريك له) وأشهد أن محمداً عبده ورسوله«(1).
ج) تعدد صلاة العيد في مصر واحد:
فقد قال ابن تيمية في منهاج السنة(2): أحدث عليُّ بن أبي طالب في خلافته العيد الثاني بالجامع، فإن السُّنة المعروفة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان أنه لا يصلى في المصر إلا جمعة واحدة، ولا يصلى يوم النحر والفطر إلا عيد واحد، فلما كان عهده قيل له: إن بالبلد ضعفاء لا يستطيعون الخروج إلى المصلى فاستخلف عليهم رجلاً يصلي بالناس بالمسجد. انتهى.
فبهذه الأدلة وغيرها يتبين لنا أن ترك النبي صلى الله عليه وسلم ليس دليلاً على التحريم، وإلا لما فعل الصحابة هذه الأشياء التي تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.
فعل بعض العلماء أشياء تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم:
1 الإمام أحمد بن حنبل يجوز دعاء ختم القرآن الذي لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم:
قال ابن قدامة في المغني (1/802) ما نصه: »فصل في ختم القرآن«: قال الفضل بن زياد: سألت أبا عبدالله فقلت: أختم القرآن؛ أجعله في الوتر أو في التراويح؟ قال: اجعله في التراويح حتى يكون لنا دعاء بين اثنين. قلت: كيف أصنع؟ قال: إذا فرغت من آخر القرآن فارفع يديك قبل أن تركع وادع بنا ونحن في الصلاة وأطل القيام. قلت: بم أدعو؟ قال: بما شئت. قال: ففعلت بما أمرني وهو خلفي يدعو قائماً ويرفع يديه.
قال حنبل: سمعت أحمد يقول في ختم القرآن: إذا فرغت من قراءة: قل أعوذ برب الناس فارفع يديك في الدعاء قبل الركوع.
قلت: إلى أي شيء تذهب في هذا؟ قال: رأيت أهل مكة يفعلونه، وكان سفيان بن عيينة يفعله معهم بمكة. انتهى.
فهذا الفعل لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم بل تركه، ولو فعله لنقله الصحابة الكرام رضوان الله عليهم إلينا، وهم الحريصون على نقل هديه صلى الله عليه وسلم، فهذه بدعة حسنة فعلها الإمام أحمد، وأفتى بها، ومن قبله سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى في ناس من أهل مكةالمكرمة،دون أن يكون لهم بها دليل خاص من كتاب أو سنة يستندون إليه، وما ذلك إلا لفهمهم حقيقة الشريعة الغرّاء، والتي أقرّت القواعد والأصول العامة التي تندرج تحتها جزئيات كثيرة دون أن يكون لكل واحدة منها دليلٌ يخُصُّها بعينها.
فلماذا لا نطالب الإمام أحمد وسفيان بن عيينة رحمهما الله بدليل خاص بهذه المسألة، ولا ننكر عليهما فعلهما وفتواهما، ثم ننكر بعد ذلك على من يحتفل بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، ويحيي ليلة النصف من شعبان، ويدعو بعد الصلوات المكتوبة جماعة، مع أن هذه المسائل تندرج تحت أصول عامة في الشريعة الغراء، كمسألة الدعاء بعد ختم القرآن. وهذا من التناقض الذي لا ينبغي في مسائل العلم ولا في موازين الفقه والدين. اللهم ألهمنا الصواب واهدنا سبل الرشاد.
2 بدعة ابن تيمية في ذكر الله عزّ وجلّ:
جاء في كتاب: (الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية للحافظ عمر بن علي البزار): »وكان قد عرفت عادته؛ لا يكلمه أحد بغير ضرورة بعد صلاة الفجر فلا يزال في الذكر يسمع نفسه وربما يسمع ذكره من إلى جانبه، مع كونه في خلال ذلك يكثر في تقليب بصره نحو السماء. هكذا دأْبُه حتى ترتفع الشمس ويزول وقت النهي عن الصلاة.
وكنت مدة إقامتي بدمشق ملازمه جل النهار وكثيراً من الليل. وكان يدنيني منه حتى يجلسني إلى جانبه، وكنت أسمع ما يتلو وما يذكر حينئذ، فرأيته يقرأ الفاتحة ويكررها ويقطع ذلك الوقت كله أعني من الفجر إلى ارتفاع الشمس في تكرير تلاوتها.
ففكرت في ذلك؛ لمَ قد لزم هذه السورة دون غيرها؟ فبان لي والله أعلم أن قصده بذلك أن يجمع بتلاوتها حينئذ ما ورد في الأحاديث، وما ذكره العلماء: هل يستحب حينئذ تقديم الأذكار الواردة على تلاوة القرآن أو العكس؟ فرأى رضي الله عنه أن في الفاتحة وتكرارها حينئذ جمعاً بين القولين وتحصيلاً للفضيلتين، وهذا من قوة فطنته وثاقب بصيرته«.انتهى.
قلت: هذا الأمر محض ابتداع من ابن تيمية؛ حيث خصَّ ذكراً بعينه مبتَدَعاً من عنده، دون أن يَرِدَ عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه دليل. وجعله في وقت مخصوص لم يرد فيه نص أيضاً.
وهنا نتساءل وكلنا حيرة وعجب: لِمَ يُمْتَدَحُ ابن تيمية بمثل هذه البدع، ويعد ذلك من قوة فطنته وثاقب بصيرته؟!! ثم تُعد أوراد الصوفية التي اتخذوها لأنفسهم كما فعل ابن تيمية من بدعهم ومنكراتهم.
وأين أتباع ابن تيمية الذين يعدونه شيخ الإسلام من بدعته هذه؟!! وأين إنكارهم عليه عبادته التي اتخذها لنفسه ولم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحابة ولا التابعين؟!!
أم أن البدع في نظرهم تُنْكَرُ على أقوام وتُقَرُّ لأقوام؟!!! سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق