زكاة الفطر نقدا ... !
قال الله تعالى (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهٌ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ))
وفي الصحيحين عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال:
« فَرَضَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ ، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ : عَلَى الْعَبْدِ ، وَالْحُرِّ ، وَالذَّكَرِ ، وَالْأُنْثَى ، وَالصَّغِيرِ ، وَالْكَبِيرِ ، مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ»
اتفاق العلماء على أن الأصل هو الإطعام في زكاة الفطر وفي فدية الصيام
لكن هل إذا كانت المصلحة للفقير أن نعطيه مالاً يجوز أم لا ؟
فحاجة الفقير اليوم ليس كحاجته في زمن النبوة لكثرة متطلبات الحياة والفتوى تتغير بتغير الزمان والأحوال والأعيان ... وهذا ليس تغييرا للحكم الشرعي بل نظر للمقصد الشرعي
فقد أجاز بعض العلماء النقد بدل الإطعام إذا كانت هناك مصلحة للفقير وهذا مشهور عن الإمام ابي حنيفة رحمه الله
معلوم أن الشارع في تشريعه الزكاة أو الكفارة بالتأكيد قد راعى مصلحة الفقير والمسكين
فمثلا لو أعطيت فقيرا " كيس طحين أو رز " قد اشتريته بعشرين ألف دينار وأنت تعلم أن هذا الفقير سيبيع الطحين وسيكون مبلغ البيع بخمسة عشر ألف دينار أقل من سعره الأصلي وسبب بيعه هو حاجته للمال !! فإذن إعطاءك الفقير العشرين ألف دينار تكون أفضل من إعطاءك الطحين للفقير ثم يبيعه بأقل من سعر الشراء .
وأنت أخي المسلم بإخراجك الطعام تكون في جانب الأمان ويمكن أن تبحث عمن يحتاج الطعام من المساكين أو الفقراء
وهؤلاء اليوم كثير
لكن لو أخرجت نقدا لفقير ترى حاجته لها فقد قال بجوازها علماء من المتقدمين والمتأخرين
قال ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (25/82):
"وَقد سُئِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عَمَّنْ أَخْرَجَ الْقِيمَةَ فِي الزَّكَاةِ؛ فَإِنَّهُ كَثِيرًا مَا يَكُونُ أَنْفَعَ لِلْفَقِيرِ: هَلْ هُوَ جَائِزٌ؟ أَمْ لَا؟
فَأَجَابَ:
وَأَمَّا إخْرَاجُ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ [ وشيخ الإسلام يعتبر زكاة الفطر من جنس الكفارات ] وَنَحْوِ ذَلِكَ.
فَالْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ وَأَحْمَد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ مَنَعَ الْقِيمَةَ فِي مَوَاضِعَ وَجَوَّزَهَا فِي مَوَاضِعَ ...
وَالْأَظْهَرُ فِي هَذَا: أَنَّ إخْرَاجَ الْقِيمَةِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَلَا مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ مَمْنُوعٌ مِنْهُ "
وقال رحمه الله "وَأَمَّا إخْرَاجُ الْقِيمَةِ لِلْحَاجَةِ أَوْ الْمَصْلَحَةِ أَوْ الْعَدْلِ فَلَا بَأْسَ بِهِ مثل أن يبيع ثمر بستانه أو زرعه بدراهم فهنا إخراج عشر الدراهم يجزئه ولا يكلف أن يشتري ثمرا أو حنطة إذ كان قد ساوى الفقراء بنفسه " وقد نص أحمد على جواز ذلك.
ومثل أن يكون المستحقون للزكاة طلبوا منه إعطاء القيمة لكونها أنفع فيعطيهم إياها "
وقال رحمه الله : ( و "صدقة الفطر " من "جنس الكفارات"
هذه معلقة بالبدن [ أي صدقة الفطر ]
وهذه معلقة بالبدن[ أي الكفارات كفدية الصيام واليمين ] بخلاف صدقة المال فإنها تجب بسبب المال من جنس ما أعطاه الله. ) الفتاوى ج٢٥/ ٦٩
ومع ان الأصل في الأموال ان تكون الزكاة من جنس المال نفسه إلا أنه إذا باع الفلاح الثمر وقبض المال فيجوز له ان يخرج زكاة ثمره نقودا كما ذكر ابن تيمية عن الامام احمد أعلاه وذكر انه فيه المقصد الشرعي وهو المواساة .
وقد قال الشيخ ابن باز رحمه الله : " ويجوز أيضا أن يخرج عن النقود عروضا من الأقمشة والأطعمة وغيرها ، إذا رأى المصلحة لأهل الزكاة في ذلك مع اعتبار القيمة ، مثل أن يكون الفقير مجنونا أو ضعيف العقل أو سفيها أو قاصرا ، فيخشى أن يتلاعب بالنقود ، وتكون المصلحة له في إعطائه طعاما أو لباسا ينتفع به من زكاة النقود بقدر القيمة الواجبة ، وهذا كله في أصح أقوال أهل العلم ". "مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (14/253).
وسئل رحمه الله عن شراء مواد غذائية منوعة وعينية كالبطانيات والملابس وصرفها للجهات الإسلامية الفقيرة من الزكاة ، خاصة في الحالات التي لا تتوفر فيها المواد الغذائية بأسعار معقولة في تلك البلدان .
فأجاب :" لا مانع من ذلك بعد التأكد من صرفها في المسلمين" مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (14/246) .
وسئلت الجنة الدائمة للإفتاء : نحب أن نستوضح من سماحتكم عن موضوع صرف مبالغ من الزكاة لشراء مواد غذائية منوعة وعينية كالبطانيات والملابس وصرفها لبعض الجهات الإسلامية الفقيرة مثل السودان وأفريقيا والمجاهدين الأفغان ، خاصة في الحالات التي لا تتوفر المواد الغذائية بأسعار معقولة في تلك البلدان ، أو تكاد تكون معدومة فيها كلية ، وإن توفرت فيها فهي بأسعار مضاعفة عن الأسعار التي تصلهم بها لو أرسلت عيناً.. نرجو إفادتنا جزاكم الله خيراً بما ترونه حيال ذلك .
فأجابت: " إذا كان الأمر كما ذكر فإنه لا حرج في ذلك ؛ مراعاة لمصلحة مستحقيها ". "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/433).
والبعض يعترض قائلا مادام جاز النقد هنا فلماذا لايجوز النقد بدل الاضحية والعقيقة ... الجواب :
الاضحية والعقيقة المقصد الشرعي فيها هو التقرب الى الله بالدم ( النحر ) وليس الطعام
ولذلك لايجزيء ان توزع لحما بدلا عن الاضحية ولو كان وزنه طن ... والاضحية سنة ابراهيم عليه الصلاة والسلام
( وفديناه بذبح عظيم )
اللهم تقبل منا وسددنا والهمنا رشدنا
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق