الأحد، 17 مارس 2024

شيخ الاسلام ابن تيمية : نعم يجوز اخراج زكاة الفطر نقدا لحاجة او مصلحة راجحة .

 زكاة الفطر نقدا ؟!


إذا اردت الإختصار ...
ففي هذا المقال ستجد أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول بجواز النقد في زكاة الفطر لمصلحة الفقير كما هو جائز في زكاة المال حيث يجوز العدول عن جنس الزكاة وأعطاء القيمة للفقراء ... فمثل ابن تيمية لا حاجة لترهيبه ان تقول له هذا راي وهذا وحي ولابد من اتباع النص وتعظيم الوحي فالرجل لايزايد أحد على اتباعه وفقهه ومحبته للسنة واتباعها ... فمعلومة سيرته وحسن سريرته ولاحاجة لقول انه غير معصوم ! فنحن هنا ننقل رايه وترجيحه واجتهاده فقط.
وستجد ايضا ان الخلاف في زكاة الفطر نقدا وكعاما يمتد في التاريخ الى الإمام الحسن البصري وإلى عمر بن عبد العزيز
وليس هو قول علماء متأخرين عن القرون الأولى.
******* وهذا شيء من التفصيل :
زكاة الفطر ... شرعت زكاة الفطر تطهيرا للصائم من اللغو والرفث وهي طعمة للمساكين وقد شرع إخراجها قبل العيد لمعاني منها ما تخص الفقير من سد حاجته وجوعته وحتى لايفوته ما يسعده ويفرحه مع الناس في العيد .
فالشارع الحكيم نظر إلى جهة الصائم في إنفاقه وإلى جهة الفقير والمسكين في حاجته وإنتفاعه .
فمثلا في زكاة المال قال الله تعالى : " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها " فالصدقة هنا هي الزكاة
فلم يكن التطهير هنا ملازما للنقد عن زكاة المال
فيكون من لم يخرج نقدا عن زكاة ماله لم ينله التطهير !
فالتطهير يكون بالمال والسلع واللباس والطعام مادام تحصل به المواساة للفقير
فقد أجاز بعض العلماء إخراج شيئا من السلع في زكاة عروض التجارة أو يعطى طعاما او لباسا بدل النقد إذا كان الطعام واللباس أنفع للفقير من المال وخاصة لمن لايحسن التعامل مع المال
قال شيخ الإسلام رحمه الله :" يجوز إخراج زكاة العروض عرضاً " الاختيارات
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله : " ويجوز أيضا أن يخرج عن النقود عروضا من الأقمشة والأطعمة وغيرها ، إذا رأى المصلحة لأهل الزكاة في ذلك مع اعتبار القيمة ، مثل أن يكون الفقير مجنونا أو ضعيف العقل أو سفيها أو قاصرا ، فيخشى أن يتلاعب بالنقود ، وتكون المصلحة له في إعطائه طعاما أو لباسا ينتفع به من زكاة النقود بقدر القيمة الواجبة ، وهذا كله في أصح أقوال أهل العلم ".مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز (14/253) .
نأتي الآن إلى زكاة الفطر ... !
لاخلاف في أن إعطاء الطعام في زكاة الفطر هو الأصل وهو أبرأ للذمة لأجل موافقته النص .
إنما الخلاف هو في جواز إعطاء النقد بدل الطعام .
فمن قائل بالمنع مطلقا ومن قائل بالجواز مطلقا ومن قائل بجواز النقد بشرط حاجة الفقير للمال
فمن أجاز القيمة قد اجتهد في فهم النص وليس اجتهادا مقابل النص ومصادمته فهو رأى ان القيمة تنفع الفقير في شراء الطعام الذي يريده أو الأشياء التي يحتاجها فالمال أوسع في تلبية حاجات الفقير من الطعام.
والنبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الطعام في الزكاة لحاجة الناس عموما للطعام آنذاك ...
فقد يكون المال مما يتحقق به مصلحة الإطعام بالنسبة لشخص ما او عائلة في حال أو زمان ما
كما أنه ليس من المصلحة ولا من فقه النص اليوم أن نبعث بصاع شعير للفقير على اعتبار واعتماد العمل بالنص !
فمن هذا الذي ينتفع اليوم بالشعير في طعامه فيطحنه ويعحنه ؟!
لقد كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كما انهم يشترون حاجاتهم بالنقد.يشترون مايحتاجون بالطعام فالتمر والشعير مع أنهما طعام هما ايضا سلعة للتبادل وهما ايضا بمثابة الفلوس
ففي صحيح مسلم أن نبينا عليه الصلاة والسلام قال : "الذَّهَبُ بالذَّهَبِ، والْفِضَّةُ بالفِضَّةِ، والْبُرُّ بالبُرِّ، والشَّعِيرُ بالشَّعِيرِ، والتَّمْرُ بالتَّمْرِ، والْمِلْحُ بالمِلْحِ، مِثْلًا بمِثْلٍ، سَواءً بسَواءٍ، يَدًا بيَدٍ، فإذا اخْتَلَفَتْ هذِه الأصْنافُ، فَبِيعُوا كيفَ شِئْتُمْ، إذا كانَ يَدًا بيَدٍ"
فذكر اختلاف الأصناف من الأطعمة ...فكانوا يبيعون التمر بالشعير والبر بالتمر طعاما بطعام وهكذا في اللباس يبادل طعام بلباس
فكان المال أقل في المعاوضات من الطعام لقلة الفلوس يومذاك عند الناس .
والعلماء الذين أجازوا النقد لم يخف عليهم نصوص الإطعام
بل هي عندهم لكنهم قد فهموا منها ان دفع النقود لايخالف النص
ولذلك من قال من العلماء أن النقد يجوز اذا تتحقق فيه مصلحة للفقير أعظم من مصلحة الطعام كلامه قوي ووجيه
وهؤلاء علماء أهل اجتهاد
ومن أجاز النقد ليسوا أهل بدع وأهواء ياهؤلاء !!
بل هم من السلف وعلى اعتقاد السلف منهم الحسن البصري وعمر بن عبد العزيز فرويدا رويدا .... لاتستهزاوا بهذا القول
ولاتطعنوا بأهله.
والآن مع اختيار شيخ الإسلام :
قال الشيخ برهان الدين إبراهيم بن شمس الدين ابن قيم الجوزية رحمهم الله ذاكرا اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال ( أنه يجوز إخراج القيمة في زكاة المال و زكاة الفطر إذا كان أنفع للمساكين ؛ ...) ( اختيارات ابن تيمية ص 138)
فهذا العالم نسب لشيخ الإسلام انه يجيز دفع النقد عن زكاة الفطر إذا كان يحقق مصلحة للفقير
وقد اعترض البعض على هذا الإختيار فقال أنهم لم يجدوا تصريحا لشيخ الإسلام بهذا اللفظ في زكاة الفطر في كتبه وفتاويه وإنما قوله هذا في زكاة المال ...
فقد جاء في الفتاوى (6/ 44):
وسُئِل رحمه اللَّهُ عمَّن أَخْرَجَ الْقِيمَةَ فِي الزَّكَاةِ؛ فَإِنَّهُ كَثِيرًا مَا يَكُونُ أَنْفَعَ لِلْفَقِيرِ: هَلْ هُوَ جَائِزٌ؟ أَمْ لَا؟
فَأَجَابَ: وَأَمَّا إخْرَاجُ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَالْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ وَأَحْمَد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ مَنَعَ الْقِيمَةَ فِي مَوَاضِعَ وَجَوَّزَهَا فِي مَوَاضِعَ فَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ أَقَرَّ النَّصَّ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
وَالْأَظْهَرُ فِي هَذَا: أَنَّ إخْرَاجَ الْقِيمَةِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَلَا مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ مَمْنُوعٌ مِنْهُ ـ إلى أن قال ـ .. وَأَمَّا إخْرَاجُ الْقِيمَةِ لِلْحَاجَةِ أَوْ الْمَصْلَحَةِ أَوْ الْعَدْلِ فَلَا بَأْسَ بِهِ)
ثم مثّل رحمه الله للحاجة بقوله: ( .. وَمِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَحِقُّونَ لِلزَّكَاةِ طَلَبُوا مِنْهُ إعْطَاءَ الْقِيمَةِ لِكَوْنِهَا أَنْفَعَ فَيُعْطِيهِمْ .. ).
والجواب عن هذا الإعتراض : هو ان ابن تيمية رحمه الله ذكر في فتاواه أن زكاة الفطر من جنس الكفارات فيكون قوله ( وَأَمَّا إخْرَاجُ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ ... ) شاملا لزكاة الفطر
قال شيخ الإسلام: " وصدقة الفطر من جنس الكفارات هذه معلقة بالبدن وهذه معلقة بالبدن بخلاف صدقة المال فإنها تجب بسبب المال من جنس ما أعطاه الله. " الفتاوى ٢٥/ ٦٩
جاء في مصنف ابن أبي شيبة المتوفى عام ٢٣٥ هجرية رحمه الله تعالى باب ( إعطاء الدراهم في زكاة الفطر )
قال : حدثنا أبو أسامة عن بن عون قال سمعت كتاب عمر بن عبد العزيز يقرأ إلى عدي بالبصرة " يؤخذ من أهل الديوان من أعطياتهم عن كل إنسان نصف درهم."
وحدثنا وكيع عن قرة قال جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز في "صدقة الفطر نصف صاع عن كل إنسان أو قيمته نصف درهم "
[عمر بن عبد العزيز رحمه الله ولد في عام ٦١ - وتوفي في ١٠١ هجرية وتولى الحكم عام ٩٩ هجرية الى ١٠١ هجرية]
وحدثنا وكيع عن سفيان عن هشام عن الحسن قال: لا بأس أن تعطى الدراهم في صدقة الفطر .
[الحسن هذا هو الإمام الحسن البصري رحمه الله ولد عام ٢١ هجرية .. وتوفي في ١١٠ هجرية وقد حضر الجمعة مع عثمان رضي الله عنه وسمعه يخطب ولما توفي عثمان رضي الله عنه كان عمر الحسن ١٤ عام]
الكل يعرف الحسن البصري وعمر بن عبد العزيز الخليفة الأموي رحمهما الله
اكتفي بذكر هذين الإمامين ممن أجاز النقد في زكاة الفطر من باب التنبيه على زمن الإفتاء بجواز القيمة في زكاة الفطر فالخلاف فيها قديم والصحابة متوافرون .
اللهم اهدنا وسددنا والهمنا رشدنا و تقبل منا طاعاتنا
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق