السنة من حيث
كونها تشريعاً ، وغير تشريع !
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب
العالمين والصلاة والسلام على رسول الله سيّدنا محمد وعلى آله وأصحابه
تقسيم السنة إلى : سنة تشريعية وسنة غير تشريعية
!
[
السنة . . . ما صدر عن رسول الله r ، غير القرآن من قول ، أو فعل
، أو تقرير ، وهذا الذي صدر عنه : منه
ما لا يكون مصدراً للتشريع ، ومنه ما يكون مصدراً للتشريع
العام أو الخاصّ .
أ – ما لا يكون مصدراً للتشريع :
وهو ما صدر عن رسول الله r ، باعتباره بشراً وإنساناً
كالأكل والشرب ، والقيام والقعود ، والنوم والمشي ، واللبس ، والتزاور ، والمساومة
في البيع والشراء .
ومن هذا القبيل ما صدر عنه r وكان سبيله سبيل التجارب ، والعادة
الشخصية ، أو الاجتماعية ، كالذي ورد في شؤون الزراعة والطبّ
، أو كان سبيلُه التدبيرَ الإنسانيَّ في شؤون الحياة ، كتوزيع الجيوش
على المواقع الحربية ، وتنظيم الصفوف في الموقعة الواحدة ، واختيار أماكن النزول ،
وما إلى ذلك .
فكلُّ ما نقل من هذا ، ليس شرعاً يتعلَّق به طلب الفعل أو الترك
، وإنما هو من الشؤون البشرية ، التي ليس مسلكُ الرسول فيها تشريعاً ،
ولا مصدرَ تشريع .
ومع هذا ، فقد كان من الصحابة من يقتفي أثر الرسول r
ويحرص على متابعته في ذلك ، كعبد الله بن عمر رضي الله عنهما : فإنه كان يتتبع
مثلَ هذه الأفعال والتصرفات ، ويقتدي بالرسول فيها ، وهذا مسلكٌ عَليٌّ ، ومنهجٌ
سامٍ ، لا يقدر عليه إلا ذو حظٍّ عظيم .
ب – ما يكون مصدراً للتشريع العامِّ أو الخاصِّ :
فالتشريع العام : ما
يصدر عن الرسول r
، على وجه التبليغ بصفة أنه رسول ، كأن يبيِّنُ مجملاً في الكتاب ،
أو يخصِّص عامّاً ، أو يقيد مطلقاً ، أو يبين شأناً في العبادات ، أو الحلال
والحرام ، أو العقائد والأخلاق ، وما إلى ذلك .
فهذا تشريعٌ عامٌّ أبداً ، يجتنب المكلف ما كان منهيّاً عنه
ويفعل ما كان مأموراً به ، لا يتوقف في ذلك على شيء سوى العلم به ، والوصول إليه .
والتشريع الخاص نوعان : خاصٌّ بالذات ، وخاصٌّ بالوصف .
فالخاص بالذات :
أفعاله r
، أو تصرفاته ، التي دلَّ الدليل على أنها من خصوصياته ، كتزوجه
بأكثر من أربع ، وكون زوجاتِه أمَّهاتٍ
للمؤمنين ، لا يحلُّ لأحدٍ أن يتزوجهن
بعده ، وكشهادة خزيمة له وحده ، وكوصال
الصيام في رمضان ، وهذا القسم خاصٌّ بذات
الرسول r ، لا يشاركه فيه أحدٌ من الأمة ، ولا يقتدى به فيه .
والخاصُّ بالوصف : ما يصدر
عنه r بوصف الإمامة والرياسة
العامة ، مثل :
صرف أموال بيت المال في جهاتها ، وجمعها من محالِّها ، وتولية القضاة والولاة ،
وعقد المعاهدات ، فهذا ليس تشريعاً عامّاً ، بل هو خاصٌّ بمن اتَّصف
بالوصف الذي انبت عليه هذه التصرُّفات ؛ فلا يجوز الإقدام عليها لكلِّ
أحدٍ من تلقاء نفسه ، بحجة أن النبيّ r فعله أو طلبه .
ومن هذا النوع ما يصدر عنه r بوصف القضاء ، فإنه كما كان رسولاً ورئيساً عامّاً ، كان
قاضياً ، يفصل في الدعاوى والخصومات .
وما صدر عنه بهذا الوصف ليس تشريعاً عامّاً ؛ حتى يجوز
لأي إنسان أن يقدم عليه بناءً على قضائه ، بل على المكلف أن يتقيد في
ذلك بقضاء القاضي ، فمن كان له على آخر حقٌّ ، وجحده ، وله عليه بينة ، فليس
له أن يأخذه بنفسه ، بناءً على أن رسول الله r حكم بالبينة ، بل إنه يتقيد بحكم الحاكم
وعدم الاتِّفاق في بعض الوقائع والقضايا على
الجهة التي صدر عنها تصرف رسول الله r ، أو خفاء هذه الجهة ، قد أوقع
الفقهاء في خلافٍ في طبيعة الحكم .
من ذلك قول النبيّ r : (( من أحيا أرضاً
ميتة فهي له )). صحيح البخاري
فاختلف العلماء في الجهة
التي صدر عنها هذا الحديث ، فذهب أبو حنيفة إلى أنه صدر عنه
باعتبار إمامته ، فلا يكون حكماً عامّاً ، ولا
يجوز لأحد إحياء الأرض الموات التي ليس لأحد حقٌّ فيها إلا بإذن الإمام
.
وذهب الجمهور إلى أن ذلك صدر منه بطريق التبليغ
والفتوى ، فهو حكمٌ عامٌّ ، وعلى هذا : لكلِّ أحد أن
يحيي الأرض الموات ، وتكون له ، أذن الإمام ، أو لم يأذن .
ومن ذلك ما روي أنَّ رسول الله r ، قال لهند بنت عتبة رضي الله عنها – لما قالت
له : إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني وولدي ما يكفيني – : (( خذي من ماله
بالمعروف ، ما يكفيك ويكفي بنيك )) صحيح مسلم .
فأفاد هذا الحديث أنَّ رسول الله r أباح لهند أن تأخذَ من مال زوجها بدون علمه ،
وهذا قدر متفق عليه بين الفقهاء ، إلا أنهم اختلفوا في تكييف الواقعة
، واعتبارها من باب الفتوى أو القضاء .
فبعض الفقهاء – ومنهم
الإمام الشافعي – اعتبرها من قبيل الإفتاء ؛ فيجوز
لكلِّ امرأة أشبه حالُها حالَ هند أن تأخذ من مال زوجها بدون علمه وإذنه
ما يكفيها ويكفي بنيها بالمعروف ، ليس هذا فحسب بل قالوا أيضاً : يجوز لكلِّ
من ظفر بحقِّه أن يأخذه بغير علم خصمه ، وبعضهم ذهب إلى أن هذا
الإذن كان قضاءً منه r ؛ فلا يجوز لامرأة أخرى أن تأخذ
من مال زوجها مثلما أجيز لهند إلا بحكم الحاكم ، ولا يجوز
أيضاً لأحد أن يأخذ حقَّه من غريمه إلا بقضاء قاضٍ ]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق