بسم الله الرحمن الرحيم
التعريف بهم ونشأتهم:
في أواخر القرن الثاني الهجري قام في الأمة من يدعو إلى إلغاء السنة بالكلية ، وعدم الاعتداد بها في مصدرية التشريع نتيجة للشبهات التي خلفها الشيعة والخوارج والمعتزلة.
وقد ذكر الإمام الشافعي مناظرة جرت بينه وبين أحد أفراد هؤلاء ، وذلك في كتاب (جماع العلم ) المطبوع مع الأم (7/273.
في باب ( حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها.
وهذه الطائفة تنكر السنة وقد ناظرهم الشافعي ، « وتتلخص حجة هؤلاء في رد الأخبار كلها في قولهم :
1- إن القرآن حوى بين دفتيه تبيان كل شيء وتفصيل ما تحتاج إليه الأمة ما لا يدع مجالاً للسنة في دين الله عز وجل .
2- إذا جاءت الأخبار بأحكام جديدة لم ترد في القرآن كان ذلك معارضة من ظني الثبوت وهي الأخبار – لقطعية القرآن ولا يقوى الظنى على معارضة القطعي البتة ، وإن جاءت مؤكدة ومؤيدة لحكم القرآن كان الاتباع للقرآن لا للسنة ، وإن جاءت مبينة لما أجمله القرآن كان ذلك تبياناً للقطعي الذي يكفر منكر حرف منه بظني لا يكفر من أنكر ثبوته .
3- تروى السنة عن طريق رجال لا يرتفع احتمال الكذب وخيانة الذاكرة عنهم ، فالسنة على هذا كلها لا تعدو مرحلة الظن والوهم» . أفاده الأستاذ خادم بخش في كتابه ( القرآنيون ص 94).
وهذه الطائفة الذين ناظرهم الشافعي يذهب الدكتور مصطفى السباعي في كتابه( السنة ومكانتها في التشريع ) إلى أنهم معتزلة البصرة ، وخالفه الأستاذ خادم حسين بخش في كتابه ( القرآنيون ) (ص95) وذهب إلى أنهم الخوارج ، ولا أعرف ثمرة الخلاف ، فالمهم هو أن طائفة المبتدعة في القرن الثاني انكرت السنة ، وإن كان المرجح أنهم الخوارج .
ومن المعلوم أن هذا الاتجاه لإنكار السنة لم يكن منتشراً في الأقطار بل وجد عند بعض الأفراد ولا يشكل ظاهرة .
هذا وبعد القرن الثاني لا نرى في كتب التاريخ والعقائد ومن ألف في الفرق والمذاهب ظهور هذه الفرقة وهذا المذهب واستمر الوضع هكذا أحد عشر قرناً على وجه التقريب ، كما ذكره الأعظمي في ( دراسات في الحديث النبوي ) (ص26).
وفي القرن الثالث عشر الهجري ظهرت هذه الفتنة من جديد فكانت نشأتها في مصر وترعرعت وقويت في الهند.
«إن الدعوة إلى الاعتماد على القرآن دون السنة في التشريع الإسلامي بدأت تغزو الهند منذ نهاية القرن التاسع عشر ، على إثر انتشار الأفكار التي بثها أعضاء حركة أحمد خان ، غير أن مفعولها سرى بشكل واضح في بنجاب بأواسط الهند الموحدة ففي سنة 1900م نهض من تلك البقعة غلام أحمد القادياني وأدعى النبوة ، ومنها في عام 1902م بدأ غلام نبي المعروف بعبد الله جكرالوي مؤسس الحركة القرآنية نشاطه الهدام ، بإنكار السنة كلها متخذاً مسجداً بلاهور مقراً لحركته تلك ، وقد تزعم حركة القرآنيين في بداية الأمر شخصيتان : محب الحق عظيم أبادي في بهار – شرقي الهند – وعبد الله جكر الوي في لا هور في آن واحد من منبع متحد»
أفاده الأستاذ خادم بخش في كتابه ( القرآنيون ص 19-20)
وقال في ص ( 21-24) :
«ويمكننا القول في ضوء دراسة الظروف التي أدت إلى نشأة الحركة القرآنية بأن نشأتهم تعود إلى أسباب عديدة أهمها ما يلي :-
1- اتفقت المصادر التي بحثت عن نشأة القرآنيين وخروجهم إلى حيز الوجود ، أنهم الثمرة التي بذر بذورها أعضاء حركة أحمد خان.
2- الاستعمار بأساليبه المختلفة ومنها :
أ*- تشجيع أهل الإسلام على الجهل في العلوم الدينية والعصرية مما نتج عنه فقدان العلم الصحيح بين الأوساط الإسلامية.
ب*- شجعت الدولة المستعمرة جميع من يمد إليها العون حرصاً على بقائها في الهند بتقديم الأفكار والمقترحات ، ومن ثم منحها للأوسمة والمعونات لأولئك الأفراد ، وقد كان على رأس هؤلاء أحمد خان وأتباعه .
ج- استغلال الدولة تربية بعض الأفراد من المسلمين وشحن أفكارهم لصالحها، وكان على رأس هؤلاء غلام أحمد القادياني وعبد الله جكر الوي وأتباعها.
د- سياسة ( فرق تسد ) من ذلك إدخال بعض المعتقدات غير الإسلامية إلى الإسلام مما تسبب عنه تشطير الصف الإسلامي الموحد.
3- اغترار بعض الفئات الإسلامية بالنظريات العلمية و الأوروبية المنتشرة خلال النصف الأول من القرن العشرين ، وتفسير الحقائق الإسلامية على ضوءها ، والتوفيق بينها وبين الإسلام . وقد ترأس أتباع أحمد خان إيجاد هذا الانسجام، ثم تبعهم القرآنيون في هذا المسلك ، لوجود الصلة الروحية بين الفريقين.
4- ولعل السبب المباشر لنشأة القرآنيين بين المسلمين هو شعورهم بضرورة وحدة الصف الإسلامي ، والخلاص من الفرق المتعددة والمذاهب – من الحنفية والحنابلة والشافعية وجعلهم المسلمين تحت راية واحدة . وقد استغلت الدولة هذا الأمر وشجعت على المضي فيه».
ويقول العلامة المحدث حبيب الرحمن الأعظمي في كتابه ( نصرة الحديث ص 17) وهو يتحدث عن نشأتهم : " إن فتنة إنكار الحديث في الهند قد أثارها- ظاهرة الأمر – عبد الله الجكر الوي البنجابي ، لكن الحق أنه قد غرس بذرتها قبله بكثير طائفة الطبيعيين ، أما عبد الله الجكر الوي فإنه قد سقى تلك الشجرة الملعونة ، فنمت وازدهرت ، حتى رأى الناس – بوجه عام – أنه هو الذي أحدث هذه الفتنة.
ثم إن طائفة الطبيعيين ، لم تكن تبدي هذه العقيدة ، بطريق تكون أكثر شناعة ، ولكن الجكر الوي قد أظهر خرافاته ، ومعتقداته الباطلة ، دون احتشام واستحياء ، واتخذ لها أسلوباً فيه شيء كثير من الإلحاد والكفر والزندقة ، فلذلك كله نسبت إليه فتنة إنكار الحديث».
( أبرز دعاتهم ):
قبل أن نذكر دعاتهم يستحسن أن نذكر من ذهب إلى إنكار حجية السنة والاعتماد على القرآن وحده من الفرق الضالة ومن تبعهم على ذلك على مر العصور.
يقول الدكتور عبد الموجود محمد عبد اللطيف في كتابه ( السنة النبوية بين دعاة الفتنة وأدعياء العلم ص 88-89):
" إنكار حجية السنة اعتماداً على القرآن وحده :
إلى ذلك ذهب الخوارج ، والزنادقة ، وطائفة من غلاة مذهب الرافضة ، وتابعهم عليها أذيالهم في الأزمنة المتأخرة في القارة الهندية ... وكذا أذيالهم في مصر ...»
أبرز وأهم دعاتهم :
القرآنيون لهم دعاة في الهند ومصر وغيرهما من البلدان ، فأما دعاتهم في الهند فهم ما يلي :
1- عبد الله جكر الوي
2- أحمد الدين الأمر تسري .
3- أسلم جراجُبوري .
4- غلام أحمد برويز
ويوجد في الهند في الوقت الحاضر أربع فرق من القرآنيين هي امتداد لمدارس الأربعة المذكورين وبعض هذه الفرق تتلمذ دعاتها عليهم . وهي ما يلي :
1- الفرقة الأولى : ( فرقة أمة مسلم أهل الذكر والقرآن ( .
2- الفرقة الثانية ( فرقة أمة مسلمة(.
3- الفرقة الثالثة : ( فرقة طلوع إسلام(.
4- الفرقة الرابعة : ( فرقة تحريك إنسانيت(.
وقد فصل الباحث خادم حسين بخش في تراجم أهم دعاتهم وفرقهم من المتقدمين والمعاصرين في كتابه ( القرآنيون ص 25-64) فمن أراد التوسع فليراجعه.
وكذا ظهر إنكار السنة الكلي في مصر والاكتفاء بالقرآن وكان أبرز الدعاة ما يلي:
1- الطبيب محمد توفيق صدقي.
2- محمود أبو رية.
3- الطبيب أبو شادي أحمد زكي.
4- الدكتور إسماعيل أدهم.
5- محمد أبو زيد الدمنهوري.
وكما أن هناك دعاة إلى إنكار السنة كلها والأخذ بالقرآن ، كذلك هناك دعاة اجتهدوا في إنكار جزئيات من السنة وهم في مصر ويشاركهم بعض الدعاة في أغلب البلدان.
ودعاة إنكار السنة الجزئي أبرزهم في مصر هم :
1- محمد رشيد رضا .
2- أحمد أمين .
3- العقيد معمر القذافي.وهوفي ليبيا .
4- عبد الله عنان.
5- الشيخ محمود شلتوت.
6- أحمد فوزي.
7- الشيخ محمد بخيت المطيعي الحنفي.
8- عبد المتعال الصعيدي.
وقد فصل الباحث خادم حسين بخش في كتابه ( القرآنيون ص 153-202) في ذكر تراجم ومناهج دعاة إنكار السنة الكلي والجزئي ، لم أجد هذا في غيره من الكتب ، فمن أراد التوسع في معرفتهم فليراجع هذا الكتاب القيم.
) شبهاتهم حول السنة والرد عليهم):
الشبهة الأولى : القرآن يستغنى به عن السنة لأنه تكفل بذكر الأمور الدينية كلها بالشرح والتفصيل.
الرد عليهم : لا نزاع أن القرآن شمل أُصول الشريعة كلها ، ونص على بعض جزئياتها اليسيرة ، وأما ما ادعاه هؤلاء من تنصيصه على كل صغيرة وكبيرة فهو بهتان عليه لا يقره واقع القرآن ، يقول د مصطفى السباعي في كتابه ( السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ص 178) : « إن القرآن الكريم قد حوى أصول الدين وقواعد الأحكام العامة ، ونص على بعضها صراحة، وترك بعضها الآخر لرسوله صلى الله عليه وسلم فمنها ما أحكم فرضه بكتابه وبين كيف هو على لسان نبيه مثل عدد الصلاة والزكاة ووقتها وغير ذلك من فرائضه التي أنزل من كتابه».
ويقول خادم حسين بخش في كتابه ( القرآنيون ص 212) : «ولعل الذي أوقعهم في اللبس هو الفهم الخاطئ لقوله تعالى [ ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء].
ويقول عماد السيد الشربيني في كتابه ( السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام 1/193) : «إن أعداء السنة المطهرة فهموا أن المراد من الكتاب في قوله تعالى :
[ ما فرطنا في الكتاب من شيء] القرآن ، ولكن مجموع الآيات ابتداء ونهاية ، يفيد أن المراد بالكتاب هنا هو اللوح المحفوظ الذي حوى كل شيء »
الشبهة الثانية : السنة لو كانت حجة لتكفل الله بحفظها.
الرد عليهم : زعم أعداء السنة أن الله تعالى تكفل بحفظ القرآن دون السنة ، واحتجوا بقوله تعالى : [إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون].
الرد عليهم : إن رب العزة قد تكفل بحفظ ما صح من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والدليل من القرآن على حفظ السنة قوله تعالى : [ وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ] فليست كلمة الذكر في القرآن خاصة بالقرآن بل هي للسنة أيضاً، فيلزم من هذا أن يكون الله تكفل بحفظ السنة ، لأن حفظ المبين يستلزم حفظ البيان للترابط بينهما.
يقول الدكتور عبد الله المهدي عبد القادر في كتابه ( دفع الشبهات عن السنة النبوية ص 64): « سلمنا جدلاً أن " الذكر " هو القرآن ، إلا أن الآية تفيد حفظ الله سبحانه وتعالى السنة ، فإن حفظ المبين يقتضي حفظ المبين ، فمادامت السنة بيان القرآن ، فإن حفظ القرآن يقتضي حفظ السنة ، وإلا لبقي القرآن دون بيان فلا يكون قد حفظ ! »
الشبهة الثالثة : ( لو كانت السنة حجة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابتها، ولعمل الصحابة والتابعون من بعد على جمعها وتدوينها ، لما في ذلك من صيانتها من العبث والتبديل ، وفي صيانتها من ذلك وصولها للمسلمين مقطوعاً بصحتها.
الرد عليهم : قال د مصطفى السباعي في كتابه ( السنة ومكانتها في التشريع ص 81) : «إن عدم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابة السنة ونهيه عن ذلك كما ورد في بعض الأحاديث الصحيحة ، لا يدل على عدم حجيتها ، بل إن المصلحة حينئذ كانت تقتضي وبتضافر كتاب الصحابة – نظراً لقلتهم – على كتابة القرآن وتدوينه ، ويتضافر المسلمين على حفظ كتاب الله خشية من الضياع واختلاط شيء به ، وما ورد من النهي إنما كان عن كتابة الحديث وتدوينه رسمياً كالقرآن ، أما أن يكتب الكاتب لنفسه فقد ثبت وقوعه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم .
وليست حجية السنة مقصورة على الكتابة حتى يقال : لو كانت حجية السنة مقصودة للنبي لأمر بكتابتها ، فإن الحجية تثبت بأشياء كثيرة : منها التواتر ، ومنها نقل العدول الثقات ، ومنها الكتابة ، والقرآن نفسه لم يكن جمعه في عهد أبي بكر بناء على الرقاع المكتوبة فحسب ، بل لم يكتفوا بالكتابة حتى تواتر حفظ الصحابة لكل آية منه ... »
الشبهة الرابعة : السنة انتقدت متناً وسنداً ، وعلماء الحديث تكلموا في رجالها ومتونها، وما كان ذلك ودخله النقد وآراء الرجال لا يصلح ديناً.
الرد عليهم : مثل هذا الكلام لا يصدر إلا ممن يجهل تاريخ الإسلام لمقاومة حركة الوضع في السنة ، فقد كان الصحابة على نقاء من السيرة والسريرة فنقلوا الدين بأمانة وإخلاص ، وفي أخر عهد عثمان رضي الله عنه خرج إلى حيز الوجود جماعة يتكلمون باسم الإسلام ، ويدسون فيه ما ليس منه ، ثم مع مرور الزمن إزداد عدد هؤلاء وكثر خداعهم ، إذ لم يكن هناك ما يردعهم عن هذا المسلك ، كما أن الخلافات السياسية والكلامية كانت من العوامل الرئيسية في حركة الوضع، يقول الباحث خادم بخش في كتابه ( القرآنيون ص 234-235) : «ثم دخل هذه الساحة الزنادقة والقصاصون والمتعصبون للجنس والبلد فاستحلوا الكذب في الحديث، وقد قاوم العلماء هذه الحركة الوضعية ، ووضعوا الأسس العلمية لفحص الحديث ومعرفة الصحيح من السقيم ، ومن بين هذه الأسس المطالبة بالإسناد المتصل الخالي من العلة والشذوذ حتى ينتهي الأمر إلى صاحب المتن ، ومن بين تلك الأصول عرض الرواة على علم الجرح والتعديل ، والبحث عن ضبطهم ومخالفتهم لغيرهم من الرواة، ثم البحث عن مضمون الحديث وعرضه على الأصول الإسلامية ، وقد أدت حركة الوضع إلى نتائج إيجابية من تشييد صرح السنة وإيجاد العلوم والفنون لضبطها سنداً ومتناً ، فهل يزعم بعد هذا أن الأحاديث قد انتقدت ، وما أنتقد لا يسعنا إقحامه في الدين وإقامة الشعائر بمقتضاه ؟! فالنقد والفحص للسنة لم يكن إلا لإزالة ما لصق بها ما ليس من أصلها .
الشبهة الخامسة : السنة أخبار آحاد تفيد الظن وهو ليس حجة.
الرد عليهم : إن خبر الأحاد أمرنا القرآن بقبوله وجرى العمل عليه في شرع الله قال تعالى : [ واستشهدوا شهيدين من رجالكم ] ولم يشترط شهادة التواتر ، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم كتب الرسائل إلى كسرى والنجاشي والمقوقس ، وقام بإيصال تلك الرسائل أفراد معدودون من رسله ، على اعتبار قبول خبر الآحاد والاحتجاج به فقبل أولئك الملوك تلك الرسائل دون أن يقولوا للرسل إنكم أفراد آحاد ، لا يستفاد من خبركم الحجة واليقين.
وقد ذكر الإمام الشافعي في كتابه ( الرسالة ص 401) أدلة كثيرة على حجية خبر الآحاد منها :
1- حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « نضَّر الله عبداً سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها »
2- وحديث أم سلمة في الرجل الذي قبَّل امرأته وهو صائم فأرسل امرأته تسأل عن ذلك فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: « ألا أخبرتيها أني أفعل ذلك» قال الشافعي : «فيه دلالة على أن خبر أم سلمة عنه مما يجوز قبوله ، لأنه لا يأمرها بأن تخبر عن النبي إلا وفي خبرها ما تكون الحجة لمن أخبرته . وهكذا خبر امرأته إن كانت من أهل الصدق عنده» .
3- وحديث ابن عمر رضي الله عنه قال : «بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ أتاهم آت فقال: إن رسول الله قد أنزل عليه قرآن ، وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها " وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة. ولم يكن لهم أن يدعوا فرض الله في القبلة إلا بما تقوم عليهم الحجة ولم يلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم».
ويقول الدكتور عبد المهدى عبد الهادي في كتابه ( دفع الشبهات عن السنة النبوية) (ص51): «وهذه الشبهة مغالطة في وصف الأحاديث بأنها آحاد ، فهذا المصطلح لم يستعمله المحدثون وإنما أطلقه من أرادوا إبطال الأحكام ، ومن راجع كتب المصطلح لا يجد هذا المصطلح عند المتقدمين ، ومن راجع كتب الأصول لم يجد هذه الدعوى عن المتقدمين منهم أيضا»ً
الشبهة السادسة : السنة فيها الصحيح والموضوع بخلاف القرآن .
الرد عليهم : إن من قال السنة فيها الصحيح والموضوع وسكت ، أفاد أن صحيح السنة مختلط بموضوعها ، ولا يميز الغث من السمين وهذا تجن على الحقيقة ومجانبة للصواب ، ولو أن قائله أنصف لأكمل الكلام فقال : السنة فيها الصحيح والموضوع، والصحيح معلوم والموضوع معلوم.
يقول د. عبد المهدي عبد الهادي في كتابه ( دفع الشبهات عن السنة النبوية ص 46-49) : «إن السنة لها رجالها وعلماؤها ولقد بينوا حال كل حديث ، وحكموا على الصحيح بالصحة ، وعلى الحسن بالحسن ، وعلى الضعيف بالضعف ، وعلى الموضوع بالوضع. وألف بعضهم كتباً في ذلك ، إن وجود كتب جامعة للأحاديث المقبولة وكتب للأحاديث المردودة ظاهرة طيبة في شأن السنة النبوية فمن أراد الأحاديث المقبولة فلها كتبها الكثيرة، وذلك لمعرفتها والتحذير من روايتها».
فمن قال من أراد إنكار السنة بأن فيها الصحيح والموضوع أراد بهذا أن تمييز الصحيح من الموضوع لا يمكن بل هو مختلط بعضه مع بعض وهذا لا يصلح أن يكون تشريعاً ومصدراً في الإسلام فلهذا الخطر لابد من إنكارها والاكتفاء بالقران.
الشبهة السابعة : التأخر في تدوين السنة النبوية فالسنة لم تدون إلا في مطلع القرن الثاني الهجري.
الرد عليهم : قال عماد السيد الشربيني في كتابه ( السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام ص 346-353).
«استعراض الشبهة وأصحابها : روى البخاري في صحيحة تعليقاً قال وكتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم انظر «ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء ، ولا تقبل إلا حديث رسول الله صلى الله عليه سلم ولتفشوا العلم ، ولتجلسوا حتى يعلم من لا يعلم ، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سراً »
بهذه الرواية تعلق أعداء الإسلام من الرافضة ، والمستشرقين ، ودعاة اللادينية المتفرنجة فقالوا: إن السنة لم تدون إلا في مطلع القرن الثاني الهجري ، لأن أول من أمر بتدوينها هو الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ، وهو قد تولى الخلافة سنة 99هـ وتوفي سنة 101هـ. وهذه المدة الطويلة تكفي لأن يحصل فيها من التلاعب والفساد ما قد حصل.
والجواب ؛ بأدئ ذي بدء – نحن نجزم بصحة هذه الرواية التي صدرنا بها البحث ، وهي التي تفيد أن عمر بن عبد العزيز ، هو أول من أمر بتدوين السنة ، نجزم بصحتها لأنها وردت في أوثق مصادرنا ، وأصحها بعد كتابه تعالى ، وهو صحيح البخاري ، ولكننا نهدف من وراء هذا البحث إلى إثبات حقائق هامة وهي :
1- الحقيقة الأولى : أن الكثيرين خلطوا بين النهي عن كتابة السنة، وبين تدوينها حيث فهموا خطئاً أن التدوين هو الكتابة ، وعليه فإن السنة النبوية –ظلت محفوظة في الصدور لم تكتب إلا في نهاية القرن الأول الهجري في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز- رحمه الله –
ولو أن المعاصرين فهموا حقيقة الكتابة ، وحقيقة التدوين ، وأدركوا الفرق بينهما ، لما تعارضت النصوص في فهمهم ، ولما صح تشكيك أعداء الإسلام في السنة النبوية بدعوى تأخر تدوينها مدعين أنه دخلها الزيف ، لأن العلم الذي يظل قرناً دون تسجيل لابد وأن يعتبره يعتريه ويخله التحريف ، فإن الذهن يغفل والذاكرة تنسى ، أما القلم فهو حصن آمان لما يدون به.
الحقيقة الثانية : أن عمر بن عبد العزيز حينما أمر بتدوين السنة لم يبدأ ذلك من فراغ ، ولكنه اعتمد على أصول مكتوبة كانت تملأ أرجاء العالم الإسلامي كله من خلال روح علمية نشطة ، أشعلها الإسلام في أتباعه ، فأصبحوا يتقربون إلى الله بأن يزدادوا في كل يوم علماً ، وخير العلوم قطعاً ما كان متعلقاً بالقرآن والسنة.
إن القول بأن السنة قد بدأت كتابتها منذ عصر النبي صلى الله عليه وسلم إلى زمن تدوينها رسمياً أصبح حقيقة علمية مؤكدة ثبتت بالبراهين القطعية ، وتضافرت على إثبات هذه الحقيقة الساطعة أقوال جملة من الباحثين الثقات الأثبات».
وهناك شبهات كثيرة لدعاة إنكار السنة وقد رد عليها العلماء ، ودعاة إنكار السنة في الهند يحسن لطالب العلم أن يقرأ في الرد عليهم ممن عرفهم وجالسهم وهم علماء الحديث من الهند فهم أفضل من رد عليهم وذلك لمعرفتهم بهم على التفصيل.
فقد ألف الأستاذ خادم بخش ( القرآنيون وشبهاتهم حول السنة ) وألف العلامة حبيب الرحمن الأعظمي ( نصرة الحديث في الرد على منكري الحديث) وألف د. صلاح الدين مقبول ( زوابع في وجه السنة قديماً وحديثاً ).
وهناك دعاة لإنكار السنة قويت شوكتهم وتعددت شبهاتهم وقد اجتهدوا في الطعن في الحديث وحملته من الصحابة ومن بعدهم من أهل الحديث ، وأخبث وأشد هؤلاء الساقطين محمود أبو رية فقد ألف كتابه ( أضواء على السنة المحمدية) وكان من أفضل من رد عليه العلامة المحدث عبد الرحمن المعلمي في كتابه (الأنوار الكاشفة) وكذا الشيخ محمد أبو شهبة في كتابه ( دفاع عن السنة ).
هذا ونسأل الله الثبات على الإسلام والسنة ، وأن يعيذنا من مضلات الفتن .
وآخر دعوانا أن الحمد لله برب العالمين .
المـــراجــع
1- القرآنيون وشبهاتهم حول السنة .
تأليف : خادم حسين بخش ، الناشر مكتبة الصديق.
2- السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي .
تأليف : الدكتور مصطفى السباعي ، الناشر دار الوراق.
3-السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام مناقشتها والرد عليها.
تأليف : عماد السيد الشربيني ، الناشر دار اليقين – مصر
4- دفاع عن السنة ، تأليف : د. محمد أبو شهبة.
5- السنة النبوية بين دعاة الفتنة وأدعياء العلم.
تأليف د . عبد الموجود محمد عبد اللطيف ، الناشر مطبعة طيبة –مصر.
6-دفع الشبهات عن السنة النبوية . تأليف د. عبد المهدي عبد القادر عبد الهادي ، الناشر مكتبة الإيمان – مصر
7- زاوبع في وجه السنة ، تأليف د. صلاح الدين مقبول أحمد، الناشر مجمع البحوث العلمية الإسلامية – الهند
8- نصره الحديث في الرد على منكري الحديث ، تأليف حبيب الرحمن الأعظمي، الناشر دار رحاب طيبة – المدينة المنورة.
9- الأنوار الكاشفة لما في كتاب أضواء على السنة من الزلل والتضليل والمجازفة
تأليف الشيخ عبد الرحمن المعلمي ، الناشر المكتب الإسلامي – بيروت
10- دراسات في الحديث النبوي ، تأليف محمد الأعظمي ، ا لناشر مطابع الرياض.
التعريف بهم ونشأتهم:
في أواخر القرن الثاني الهجري قام في الأمة من يدعو إلى إلغاء السنة بالكلية ، وعدم الاعتداد بها في مصدرية التشريع نتيجة للشبهات التي خلفها الشيعة والخوارج والمعتزلة.
وقد ذكر الإمام الشافعي مناظرة جرت بينه وبين أحد أفراد هؤلاء ، وذلك في كتاب (جماع العلم ) المطبوع مع الأم (7/273.
في باب ( حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها.
وهذه الطائفة تنكر السنة وقد ناظرهم الشافعي ، « وتتلخص حجة هؤلاء في رد الأخبار كلها في قولهم :
1- إن القرآن حوى بين دفتيه تبيان كل شيء وتفصيل ما تحتاج إليه الأمة ما لا يدع مجالاً للسنة في دين الله عز وجل .
2- إذا جاءت الأخبار بأحكام جديدة لم ترد في القرآن كان ذلك معارضة من ظني الثبوت وهي الأخبار – لقطعية القرآن ولا يقوى الظنى على معارضة القطعي البتة ، وإن جاءت مؤكدة ومؤيدة لحكم القرآن كان الاتباع للقرآن لا للسنة ، وإن جاءت مبينة لما أجمله القرآن كان ذلك تبياناً للقطعي الذي يكفر منكر حرف منه بظني لا يكفر من أنكر ثبوته .
3- تروى السنة عن طريق رجال لا يرتفع احتمال الكذب وخيانة الذاكرة عنهم ، فالسنة على هذا كلها لا تعدو مرحلة الظن والوهم» . أفاده الأستاذ خادم بخش في كتابه ( القرآنيون ص 94).
وهذه الطائفة الذين ناظرهم الشافعي يذهب الدكتور مصطفى السباعي في كتابه( السنة ومكانتها في التشريع ) إلى أنهم معتزلة البصرة ، وخالفه الأستاذ خادم حسين بخش في كتابه ( القرآنيون ) (ص95) وذهب إلى أنهم الخوارج ، ولا أعرف ثمرة الخلاف ، فالمهم هو أن طائفة المبتدعة في القرن الثاني انكرت السنة ، وإن كان المرجح أنهم الخوارج .
ومن المعلوم أن هذا الاتجاه لإنكار السنة لم يكن منتشراً في الأقطار بل وجد عند بعض الأفراد ولا يشكل ظاهرة .
هذا وبعد القرن الثاني لا نرى في كتب التاريخ والعقائد ومن ألف في الفرق والمذاهب ظهور هذه الفرقة وهذا المذهب واستمر الوضع هكذا أحد عشر قرناً على وجه التقريب ، كما ذكره الأعظمي في ( دراسات في الحديث النبوي ) (ص26).
وفي القرن الثالث عشر الهجري ظهرت هذه الفتنة من جديد فكانت نشأتها في مصر وترعرعت وقويت في الهند.
«إن الدعوة إلى الاعتماد على القرآن دون السنة في التشريع الإسلامي بدأت تغزو الهند منذ نهاية القرن التاسع عشر ، على إثر انتشار الأفكار التي بثها أعضاء حركة أحمد خان ، غير أن مفعولها سرى بشكل واضح في بنجاب بأواسط الهند الموحدة ففي سنة 1900م نهض من تلك البقعة غلام أحمد القادياني وأدعى النبوة ، ومنها في عام 1902م بدأ غلام نبي المعروف بعبد الله جكرالوي مؤسس الحركة القرآنية نشاطه الهدام ، بإنكار السنة كلها متخذاً مسجداً بلاهور مقراً لحركته تلك ، وقد تزعم حركة القرآنيين في بداية الأمر شخصيتان : محب الحق عظيم أبادي في بهار – شرقي الهند – وعبد الله جكر الوي في لا هور في آن واحد من منبع متحد»
أفاده الأستاذ خادم بخش في كتابه ( القرآنيون ص 19-20)
وقال في ص ( 21-24) :
«ويمكننا القول في ضوء دراسة الظروف التي أدت إلى نشأة الحركة القرآنية بأن نشأتهم تعود إلى أسباب عديدة أهمها ما يلي :-
1- اتفقت المصادر التي بحثت عن نشأة القرآنيين وخروجهم إلى حيز الوجود ، أنهم الثمرة التي بذر بذورها أعضاء حركة أحمد خان.
2- الاستعمار بأساليبه المختلفة ومنها :
أ*- تشجيع أهل الإسلام على الجهل في العلوم الدينية والعصرية مما نتج عنه فقدان العلم الصحيح بين الأوساط الإسلامية.
ب*- شجعت الدولة المستعمرة جميع من يمد إليها العون حرصاً على بقائها في الهند بتقديم الأفكار والمقترحات ، ومن ثم منحها للأوسمة والمعونات لأولئك الأفراد ، وقد كان على رأس هؤلاء أحمد خان وأتباعه .
ج- استغلال الدولة تربية بعض الأفراد من المسلمين وشحن أفكارهم لصالحها، وكان على رأس هؤلاء غلام أحمد القادياني وعبد الله جكر الوي وأتباعها.
د- سياسة ( فرق تسد ) من ذلك إدخال بعض المعتقدات غير الإسلامية إلى الإسلام مما تسبب عنه تشطير الصف الإسلامي الموحد.
3- اغترار بعض الفئات الإسلامية بالنظريات العلمية و الأوروبية المنتشرة خلال النصف الأول من القرن العشرين ، وتفسير الحقائق الإسلامية على ضوءها ، والتوفيق بينها وبين الإسلام . وقد ترأس أتباع أحمد خان إيجاد هذا الانسجام، ثم تبعهم القرآنيون في هذا المسلك ، لوجود الصلة الروحية بين الفريقين.
4- ولعل السبب المباشر لنشأة القرآنيين بين المسلمين هو شعورهم بضرورة وحدة الصف الإسلامي ، والخلاص من الفرق المتعددة والمذاهب – من الحنفية والحنابلة والشافعية وجعلهم المسلمين تحت راية واحدة . وقد استغلت الدولة هذا الأمر وشجعت على المضي فيه».
ويقول العلامة المحدث حبيب الرحمن الأعظمي في كتابه ( نصرة الحديث ص 17) وهو يتحدث عن نشأتهم : " إن فتنة إنكار الحديث في الهند قد أثارها- ظاهرة الأمر – عبد الله الجكر الوي البنجابي ، لكن الحق أنه قد غرس بذرتها قبله بكثير طائفة الطبيعيين ، أما عبد الله الجكر الوي فإنه قد سقى تلك الشجرة الملعونة ، فنمت وازدهرت ، حتى رأى الناس – بوجه عام – أنه هو الذي أحدث هذه الفتنة.
ثم إن طائفة الطبيعيين ، لم تكن تبدي هذه العقيدة ، بطريق تكون أكثر شناعة ، ولكن الجكر الوي قد أظهر خرافاته ، ومعتقداته الباطلة ، دون احتشام واستحياء ، واتخذ لها أسلوباً فيه شيء كثير من الإلحاد والكفر والزندقة ، فلذلك كله نسبت إليه فتنة إنكار الحديث».
( أبرز دعاتهم ):
قبل أن نذكر دعاتهم يستحسن أن نذكر من ذهب إلى إنكار حجية السنة والاعتماد على القرآن وحده من الفرق الضالة ومن تبعهم على ذلك على مر العصور.
يقول الدكتور عبد الموجود محمد عبد اللطيف في كتابه ( السنة النبوية بين دعاة الفتنة وأدعياء العلم ص 88-89):
" إنكار حجية السنة اعتماداً على القرآن وحده :
إلى ذلك ذهب الخوارج ، والزنادقة ، وطائفة من غلاة مذهب الرافضة ، وتابعهم عليها أذيالهم في الأزمنة المتأخرة في القارة الهندية ... وكذا أذيالهم في مصر ...»
أبرز وأهم دعاتهم :
القرآنيون لهم دعاة في الهند ومصر وغيرهما من البلدان ، فأما دعاتهم في الهند فهم ما يلي :
1- عبد الله جكر الوي
2- أحمد الدين الأمر تسري .
3- أسلم جراجُبوري .
4- غلام أحمد برويز
ويوجد في الهند في الوقت الحاضر أربع فرق من القرآنيين هي امتداد لمدارس الأربعة المذكورين وبعض هذه الفرق تتلمذ دعاتها عليهم . وهي ما يلي :
1- الفرقة الأولى : ( فرقة أمة مسلم أهل الذكر والقرآن ( .
2- الفرقة الثانية ( فرقة أمة مسلمة(.
3- الفرقة الثالثة : ( فرقة طلوع إسلام(.
4- الفرقة الرابعة : ( فرقة تحريك إنسانيت(.
وقد فصل الباحث خادم حسين بخش في تراجم أهم دعاتهم وفرقهم من المتقدمين والمعاصرين في كتابه ( القرآنيون ص 25-64) فمن أراد التوسع فليراجعه.
وكذا ظهر إنكار السنة الكلي في مصر والاكتفاء بالقرآن وكان أبرز الدعاة ما يلي:
1- الطبيب محمد توفيق صدقي.
2- محمود أبو رية.
3- الطبيب أبو شادي أحمد زكي.
4- الدكتور إسماعيل أدهم.
5- محمد أبو زيد الدمنهوري.
وكما أن هناك دعاة إلى إنكار السنة كلها والأخذ بالقرآن ، كذلك هناك دعاة اجتهدوا في إنكار جزئيات من السنة وهم في مصر ويشاركهم بعض الدعاة في أغلب البلدان.
ودعاة إنكار السنة الجزئي أبرزهم في مصر هم :
1- محمد رشيد رضا .
2- أحمد أمين .
3- العقيد معمر القذافي.وهوفي ليبيا .
4- عبد الله عنان.
5- الشيخ محمود شلتوت.
6- أحمد فوزي.
7- الشيخ محمد بخيت المطيعي الحنفي.
8- عبد المتعال الصعيدي.
وقد فصل الباحث خادم حسين بخش في كتابه ( القرآنيون ص 153-202) في ذكر تراجم ومناهج دعاة إنكار السنة الكلي والجزئي ، لم أجد هذا في غيره من الكتب ، فمن أراد التوسع في معرفتهم فليراجع هذا الكتاب القيم.
) شبهاتهم حول السنة والرد عليهم):
الشبهة الأولى : القرآن يستغنى به عن السنة لأنه تكفل بذكر الأمور الدينية كلها بالشرح والتفصيل.
الرد عليهم : لا نزاع أن القرآن شمل أُصول الشريعة كلها ، ونص على بعض جزئياتها اليسيرة ، وأما ما ادعاه هؤلاء من تنصيصه على كل صغيرة وكبيرة فهو بهتان عليه لا يقره واقع القرآن ، يقول د مصطفى السباعي في كتابه ( السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ص 178) : « إن القرآن الكريم قد حوى أصول الدين وقواعد الأحكام العامة ، ونص على بعضها صراحة، وترك بعضها الآخر لرسوله صلى الله عليه وسلم فمنها ما أحكم فرضه بكتابه وبين كيف هو على لسان نبيه مثل عدد الصلاة والزكاة ووقتها وغير ذلك من فرائضه التي أنزل من كتابه».
ويقول خادم حسين بخش في كتابه ( القرآنيون ص 212) : «ولعل الذي أوقعهم في اللبس هو الفهم الخاطئ لقوله تعالى [ ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء].
ويقول عماد السيد الشربيني في كتابه ( السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام 1/193) : «إن أعداء السنة المطهرة فهموا أن المراد من الكتاب في قوله تعالى :
[ ما فرطنا في الكتاب من شيء] القرآن ، ولكن مجموع الآيات ابتداء ونهاية ، يفيد أن المراد بالكتاب هنا هو اللوح المحفوظ الذي حوى كل شيء »
الشبهة الثانية : السنة لو كانت حجة لتكفل الله بحفظها.
الرد عليهم : زعم أعداء السنة أن الله تعالى تكفل بحفظ القرآن دون السنة ، واحتجوا بقوله تعالى : [إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون].
الرد عليهم : إن رب العزة قد تكفل بحفظ ما صح من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والدليل من القرآن على حفظ السنة قوله تعالى : [ وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ] فليست كلمة الذكر في القرآن خاصة بالقرآن بل هي للسنة أيضاً، فيلزم من هذا أن يكون الله تكفل بحفظ السنة ، لأن حفظ المبين يستلزم حفظ البيان للترابط بينهما.
يقول الدكتور عبد الله المهدي عبد القادر في كتابه ( دفع الشبهات عن السنة النبوية ص 64): « سلمنا جدلاً أن " الذكر " هو القرآن ، إلا أن الآية تفيد حفظ الله سبحانه وتعالى السنة ، فإن حفظ المبين يقتضي حفظ المبين ، فمادامت السنة بيان القرآن ، فإن حفظ القرآن يقتضي حفظ السنة ، وإلا لبقي القرآن دون بيان فلا يكون قد حفظ ! »
الشبهة الثالثة : ( لو كانت السنة حجة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابتها، ولعمل الصحابة والتابعون من بعد على جمعها وتدوينها ، لما في ذلك من صيانتها من العبث والتبديل ، وفي صيانتها من ذلك وصولها للمسلمين مقطوعاً بصحتها.
الرد عليهم : قال د مصطفى السباعي في كتابه ( السنة ومكانتها في التشريع ص 81) : «إن عدم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابة السنة ونهيه عن ذلك كما ورد في بعض الأحاديث الصحيحة ، لا يدل على عدم حجيتها ، بل إن المصلحة حينئذ كانت تقتضي وبتضافر كتاب الصحابة – نظراً لقلتهم – على كتابة القرآن وتدوينه ، ويتضافر المسلمين على حفظ كتاب الله خشية من الضياع واختلاط شيء به ، وما ورد من النهي إنما كان عن كتابة الحديث وتدوينه رسمياً كالقرآن ، أما أن يكتب الكاتب لنفسه فقد ثبت وقوعه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم .
وليست حجية السنة مقصورة على الكتابة حتى يقال : لو كانت حجية السنة مقصودة للنبي لأمر بكتابتها ، فإن الحجية تثبت بأشياء كثيرة : منها التواتر ، ومنها نقل العدول الثقات ، ومنها الكتابة ، والقرآن نفسه لم يكن جمعه في عهد أبي بكر بناء على الرقاع المكتوبة فحسب ، بل لم يكتفوا بالكتابة حتى تواتر حفظ الصحابة لكل آية منه ... »
الشبهة الرابعة : السنة انتقدت متناً وسنداً ، وعلماء الحديث تكلموا في رجالها ومتونها، وما كان ذلك ودخله النقد وآراء الرجال لا يصلح ديناً.
الرد عليهم : مثل هذا الكلام لا يصدر إلا ممن يجهل تاريخ الإسلام لمقاومة حركة الوضع في السنة ، فقد كان الصحابة على نقاء من السيرة والسريرة فنقلوا الدين بأمانة وإخلاص ، وفي أخر عهد عثمان رضي الله عنه خرج إلى حيز الوجود جماعة يتكلمون باسم الإسلام ، ويدسون فيه ما ليس منه ، ثم مع مرور الزمن إزداد عدد هؤلاء وكثر خداعهم ، إذ لم يكن هناك ما يردعهم عن هذا المسلك ، كما أن الخلافات السياسية والكلامية كانت من العوامل الرئيسية في حركة الوضع، يقول الباحث خادم بخش في كتابه ( القرآنيون ص 234-235) : «ثم دخل هذه الساحة الزنادقة والقصاصون والمتعصبون للجنس والبلد فاستحلوا الكذب في الحديث، وقد قاوم العلماء هذه الحركة الوضعية ، ووضعوا الأسس العلمية لفحص الحديث ومعرفة الصحيح من السقيم ، ومن بين هذه الأسس المطالبة بالإسناد المتصل الخالي من العلة والشذوذ حتى ينتهي الأمر إلى صاحب المتن ، ومن بين تلك الأصول عرض الرواة على علم الجرح والتعديل ، والبحث عن ضبطهم ومخالفتهم لغيرهم من الرواة، ثم البحث عن مضمون الحديث وعرضه على الأصول الإسلامية ، وقد أدت حركة الوضع إلى نتائج إيجابية من تشييد صرح السنة وإيجاد العلوم والفنون لضبطها سنداً ومتناً ، فهل يزعم بعد هذا أن الأحاديث قد انتقدت ، وما أنتقد لا يسعنا إقحامه في الدين وإقامة الشعائر بمقتضاه ؟! فالنقد والفحص للسنة لم يكن إلا لإزالة ما لصق بها ما ليس من أصلها .
الشبهة الخامسة : السنة أخبار آحاد تفيد الظن وهو ليس حجة.
الرد عليهم : إن خبر الأحاد أمرنا القرآن بقبوله وجرى العمل عليه في شرع الله قال تعالى : [ واستشهدوا شهيدين من رجالكم ] ولم يشترط شهادة التواتر ، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم كتب الرسائل إلى كسرى والنجاشي والمقوقس ، وقام بإيصال تلك الرسائل أفراد معدودون من رسله ، على اعتبار قبول خبر الآحاد والاحتجاج به فقبل أولئك الملوك تلك الرسائل دون أن يقولوا للرسل إنكم أفراد آحاد ، لا يستفاد من خبركم الحجة واليقين.
وقد ذكر الإمام الشافعي في كتابه ( الرسالة ص 401) أدلة كثيرة على حجية خبر الآحاد منها :
1- حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « نضَّر الله عبداً سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها »
2- وحديث أم سلمة في الرجل الذي قبَّل امرأته وهو صائم فأرسل امرأته تسأل عن ذلك فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: « ألا أخبرتيها أني أفعل ذلك» قال الشافعي : «فيه دلالة على أن خبر أم سلمة عنه مما يجوز قبوله ، لأنه لا يأمرها بأن تخبر عن النبي إلا وفي خبرها ما تكون الحجة لمن أخبرته . وهكذا خبر امرأته إن كانت من أهل الصدق عنده» .
3- وحديث ابن عمر رضي الله عنه قال : «بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ أتاهم آت فقال: إن رسول الله قد أنزل عليه قرآن ، وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها " وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة. ولم يكن لهم أن يدعوا فرض الله في القبلة إلا بما تقوم عليهم الحجة ولم يلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم».
ويقول الدكتور عبد المهدى عبد الهادي في كتابه ( دفع الشبهات عن السنة النبوية) (ص51): «وهذه الشبهة مغالطة في وصف الأحاديث بأنها آحاد ، فهذا المصطلح لم يستعمله المحدثون وإنما أطلقه من أرادوا إبطال الأحكام ، ومن راجع كتب المصطلح لا يجد هذا المصطلح عند المتقدمين ، ومن راجع كتب الأصول لم يجد هذه الدعوى عن المتقدمين منهم أيضا»ً
الشبهة السادسة : السنة فيها الصحيح والموضوع بخلاف القرآن .
الرد عليهم : إن من قال السنة فيها الصحيح والموضوع وسكت ، أفاد أن صحيح السنة مختلط بموضوعها ، ولا يميز الغث من السمين وهذا تجن على الحقيقة ومجانبة للصواب ، ولو أن قائله أنصف لأكمل الكلام فقال : السنة فيها الصحيح والموضوع، والصحيح معلوم والموضوع معلوم.
يقول د. عبد المهدي عبد الهادي في كتابه ( دفع الشبهات عن السنة النبوية ص 46-49) : «إن السنة لها رجالها وعلماؤها ولقد بينوا حال كل حديث ، وحكموا على الصحيح بالصحة ، وعلى الحسن بالحسن ، وعلى الضعيف بالضعف ، وعلى الموضوع بالوضع. وألف بعضهم كتباً في ذلك ، إن وجود كتب جامعة للأحاديث المقبولة وكتب للأحاديث المردودة ظاهرة طيبة في شأن السنة النبوية فمن أراد الأحاديث المقبولة فلها كتبها الكثيرة، وذلك لمعرفتها والتحذير من روايتها».
فمن قال من أراد إنكار السنة بأن فيها الصحيح والموضوع أراد بهذا أن تمييز الصحيح من الموضوع لا يمكن بل هو مختلط بعضه مع بعض وهذا لا يصلح أن يكون تشريعاً ومصدراً في الإسلام فلهذا الخطر لابد من إنكارها والاكتفاء بالقران.
الشبهة السابعة : التأخر في تدوين السنة النبوية فالسنة لم تدون إلا في مطلع القرن الثاني الهجري.
الرد عليهم : قال عماد السيد الشربيني في كتابه ( السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام ص 346-353).
«استعراض الشبهة وأصحابها : روى البخاري في صحيحة تعليقاً قال وكتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم انظر «ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء ، ولا تقبل إلا حديث رسول الله صلى الله عليه سلم ولتفشوا العلم ، ولتجلسوا حتى يعلم من لا يعلم ، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سراً »
بهذه الرواية تعلق أعداء الإسلام من الرافضة ، والمستشرقين ، ودعاة اللادينية المتفرنجة فقالوا: إن السنة لم تدون إلا في مطلع القرن الثاني الهجري ، لأن أول من أمر بتدوينها هو الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ، وهو قد تولى الخلافة سنة 99هـ وتوفي سنة 101هـ. وهذه المدة الطويلة تكفي لأن يحصل فيها من التلاعب والفساد ما قد حصل.
والجواب ؛ بأدئ ذي بدء – نحن نجزم بصحة هذه الرواية التي صدرنا بها البحث ، وهي التي تفيد أن عمر بن عبد العزيز ، هو أول من أمر بتدوين السنة ، نجزم بصحتها لأنها وردت في أوثق مصادرنا ، وأصحها بعد كتابه تعالى ، وهو صحيح البخاري ، ولكننا نهدف من وراء هذا البحث إلى إثبات حقائق هامة وهي :
1- الحقيقة الأولى : أن الكثيرين خلطوا بين النهي عن كتابة السنة، وبين تدوينها حيث فهموا خطئاً أن التدوين هو الكتابة ، وعليه فإن السنة النبوية –ظلت محفوظة في الصدور لم تكتب إلا في نهاية القرن الأول الهجري في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز- رحمه الله –
ولو أن المعاصرين فهموا حقيقة الكتابة ، وحقيقة التدوين ، وأدركوا الفرق بينهما ، لما تعارضت النصوص في فهمهم ، ولما صح تشكيك أعداء الإسلام في السنة النبوية بدعوى تأخر تدوينها مدعين أنه دخلها الزيف ، لأن العلم الذي يظل قرناً دون تسجيل لابد وأن يعتبره يعتريه ويخله التحريف ، فإن الذهن يغفل والذاكرة تنسى ، أما القلم فهو حصن آمان لما يدون به.
الحقيقة الثانية : أن عمر بن عبد العزيز حينما أمر بتدوين السنة لم يبدأ ذلك من فراغ ، ولكنه اعتمد على أصول مكتوبة كانت تملأ أرجاء العالم الإسلامي كله من خلال روح علمية نشطة ، أشعلها الإسلام في أتباعه ، فأصبحوا يتقربون إلى الله بأن يزدادوا في كل يوم علماً ، وخير العلوم قطعاً ما كان متعلقاً بالقرآن والسنة.
إن القول بأن السنة قد بدأت كتابتها منذ عصر النبي صلى الله عليه وسلم إلى زمن تدوينها رسمياً أصبح حقيقة علمية مؤكدة ثبتت بالبراهين القطعية ، وتضافرت على إثبات هذه الحقيقة الساطعة أقوال جملة من الباحثين الثقات الأثبات».
وهناك شبهات كثيرة لدعاة إنكار السنة وقد رد عليها العلماء ، ودعاة إنكار السنة في الهند يحسن لطالب العلم أن يقرأ في الرد عليهم ممن عرفهم وجالسهم وهم علماء الحديث من الهند فهم أفضل من رد عليهم وذلك لمعرفتهم بهم على التفصيل.
فقد ألف الأستاذ خادم بخش ( القرآنيون وشبهاتهم حول السنة ) وألف العلامة حبيب الرحمن الأعظمي ( نصرة الحديث في الرد على منكري الحديث) وألف د. صلاح الدين مقبول ( زوابع في وجه السنة قديماً وحديثاً ).
وهناك دعاة لإنكار السنة قويت شوكتهم وتعددت شبهاتهم وقد اجتهدوا في الطعن في الحديث وحملته من الصحابة ومن بعدهم من أهل الحديث ، وأخبث وأشد هؤلاء الساقطين محمود أبو رية فقد ألف كتابه ( أضواء على السنة المحمدية) وكان من أفضل من رد عليه العلامة المحدث عبد الرحمن المعلمي في كتابه (الأنوار الكاشفة) وكذا الشيخ محمد أبو شهبة في كتابه ( دفاع عن السنة ).
هذا ونسأل الله الثبات على الإسلام والسنة ، وأن يعيذنا من مضلات الفتن .
وآخر دعوانا أن الحمد لله برب العالمين .
المـــراجــع
1- القرآنيون وشبهاتهم حول السنة .
تأليف : خادم حسين بخش ، الناشر مكتبة الصديق.
2- السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي .
تأليف : الدكتور مصطفى السباعي ، الناشر دار الوراق.
3-السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام مناقشتها والرد عليها.
تأليف : عماد السيد الشربيني ، الناشر دار اليقين – مصر
4- دفاع عن السنة ، تأليف : د. محمد أبو شهبة.
5- السنة النبوية بين دعاة الفتنة وأدعياء العلم.
تأليف د . عبد الموجود محمد عبد اللطيف ، الناشر مطبعة طيبة –مصر.
6-دفع الشبهات عن السنة النبوية . تأليف د. عبد المهدي عبد القادر عبد الهادي ، الناشر مكتبة الإيمان – مصر
7- زاوبع في وجه السنة ، تأليف د. صلاح الدين مقبول أحمد، الناشر مجمع البحوث العلمية الإسلامية – الهند
8- نصره الحديث في الرد على منكري الحديث ، تأليف حبيب الرحمن الأعظمي، الناشر دار رحاب طيبة – المدينة المنورة.
9- الأنوار الكاشفة لما في كتاب أضواء على السنة من الزلل والتضليل والمجازفة
تأليف الشيخ عبد الرحمن المعلمي ، الناشر المكتب الإسلامي – بيروت
10- دراسات في الحديث النبوي ، تأليف محمد الأعظمي ، ا لناشر مطابع الرياض.
__________________
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق