كلام الإمام الشهيد حسن البنا التالي....
انتقاد المنار حول فتوى آيات الصفات و أحاديثهاالعدد 6 1939
جاءنا من حضرة الفاضل صاحب التوقيع الخطاب التالي ، ننشره مع رده فيما يلي :
حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ حسن البنا رئيس تحرير مجلة المنار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد فإن احتجاب المنار بموت صاحبه - عليه رحمة الله تعالى - كان من دواعي أسف المسلمين جميعًا ، بل حزنهم العميق ، ولم يكن ذلك طبعًا لأنها مجلة إسلامية فقط ، بل كان ذلك لما علمه قراء المنار من الميل مع الحق أينما كان ، وعدم المبالاة بكائن من كان في سبيل كلمة الحق وبيانها وإيضاحها ، ولا أظنك تجهل مواقف صاحب المنار - عليه رحمة الله - مع كثير من أخص أصدقائه ؛ فإنه لم يكن يعرف إلا الحق ولو أغضب الحق صديقه أو جميع الناس ، ولم نعهد فيه - رحمة الله عليه - مداهنة ولا محاباة ، وبذلك كان للمنار وصاحبه تلك المنزلة التي تعرفونها في نفوس جميع أهل الملة المحمدية .
فإذا كنتم تريدون السير بالمنار سيرته هذه فلا شك أنها - إن شاء الله تعالى - ستحيي حياتها الأولى ، وإلا فاسم المنار وحده لا يغني شيئًا .
لقد استفتاكم مستفت فيما شجر من الخلاف بين مجلتي الهدي النبوي والإسلام ، فماذا افتيتم ؟ إن رأي المنار في موضوع الخلاف بين المجلتين معروف مسطور في أعداد المنار السابقة ، فهل نفهم من فتواكم هذه أن المنار يتنكر لماضيه ، وينسى برنامجه ؟ لقد قلتم يا سيدي الأستاذ إن كلتا المجلتين على الحق ! ! ! ولا يعقل فيما نعلم أن يختلف اثنان على أمر واحد ينفيه أحدهما ويثبته الآخر ثم يقال أنهما جميعًا على الحق ! لا ، ليس هذا شأن المنار الذي عرفناه وبكيناه لما احتجب .
نرجو أن تصارحونا بالحق في أي الجانبين هو كما عودنا صاحب المنار ، إن كنتم تنصرون الحق لله وفي سبيل الله ، والسلام عليكم ورحمة الله .
قارئ
* * *
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على نبيه وآله وصحبه ومن والاه ، وبعد ، فعلى حضرة القارئ المحترم السلام ورحمة الله عليكم وبركاته ، وكنت أود أن يتكرم بإظهار اسمه حتى نتعارف في سبيل البحث عن الحقيقة ، ولعله - وفقنا الله وإياه - رأى في ستر اسمه معاونة على خدمة الحق للحق ، بدون نظر إلى الصلات الخاصة بين المتباحثين ، فنحن نحسن الظن ، ونشكر للأخ الفاضل خطابه ، مؤكدين دعوتنا الأولى بجميع إخواننا في انتقاد ما يرونه مستحقًّا للانتقاد في المنار ؛ حتى تتعاون الجهود على الوصول للحقيقة ، ويسرنا أن نعلن أننا ننتهز مثل هذه الفرصة لنسلك بالنقد الأدبي مسلكًا نبيلاً لا هجر فيه ، ولا إقذاف ، ولا تجهيل ، ولا تضليل ؛ ولتكمل به أنفسنا ، فإن الكمال لله وحده والعصمة لأنبيائه - صلوات الله وسلامه عليهم - ومن ادعى لنفسه الكمال أو ظن بها ذلك فهذا عين النقص ، ونسأل الله ألا يحرمنا من يبصرنا بعيوبنا ، ويحملنا على الصواب والسداد ، وإلى الكاتب وإلى حضرات القراء الفضلاء رأينا فيما ورد في هذا الخطاب :
( 1 ) نسب إلينا الأستاذ الكاتب أننا صرحنا بأن كلتا المجلتين على حق ، وبني على هذا أنه من غير المعقول أن يختلف اثنان على أمر واحد ينفيه أحدهما ويثبته الآخر ، ثم يقال أنهما جميعًا على الحق ؛ وحضرته لهذا يرجو أن نصارح بالحق في أي الجهتين هو ؟ ولا أدري من أين جاء حضرته بهذا التصريح الذي نسبه إلينا ، إن كان قد جاء به من تصريحنا بأن الفريقين في نظرنا أصدقاء لنا وممن يتصدون للدعوة إلى الخير ، فليس معني هذا تصويب رأي أحد منهما ولا كليهما في موضوع نزاع بعينه ، والذي صرحنا به في موضوع الخلاف أن كلا الفريقين غير محق ، وأن موضوع الخلاف من أساسه لا يصح أن يكون خلافًا ، وليس بلازم أن يكون كل مختلفين أحدهما محق والآخر مبطل ، بل قد يكونان مخطئين جميعًا هو ما صرحنا به بوضوح ، فإن فريقًا تغالى في التأويل ، وفريقًا تغالى في الجمود ، ورأى السلف في ذلك - وهو رأي المنار الذي يشير إليه حضرة الكاتب ، وهو رأينا الذي أوضحناه في مقالنا - أن مذهب السلف ترك الخوض في هذه المعاني ، مع اعتقاد تنزيه الله- تبارك وتعالى - عن أمثالها المنسوبة لخلقه وإمرارها كما جاءت ،وتفويض علم حقائقها إلى الله ، فمن فسر الاستواء بالاستيلاء فقد تورط في التأويل ، وألزم نفسه غير ما ألزمه الله به ، ومن فسره بالاستقرار فقد تورط في التشبيه ، وأوهم سامعه جواز نسبة صفات المخلوفين إلى الخالق .فإن قال ( هو استقرار يليق بجلاله ) فهو إذن لم يأتِ بشيء ، والأولى أن يقف عند النص ، والحق في هذا وأمثاله أن يقال استوى استواء يليق بجلاله ، مع اعتقادهم عدم المشابهة ، وتفويض الحقيقة إلى الله ، إلا أن تقوم قرينة لا تدفع تصرف اللفظ عن ظاهره ، فنقف عند حدود هذا الصرف ولا نتجاوزه كما ذهب إليه السلف في معية الحق - تبارك وتعالى - بعلمه لا بذاته .
تلك أمور فصلناها وقررناها ، ولمنا الفريقين على أنهما طرقا بحوثًا كهذه بمثل الأسلوب الذي خاضوا به ، فبها وبذلك حققنا رجاء الكاتب ، وصارحناه بأن الحق ليس في أحد الجانبين ، فأين القصور إذن ؟
( 2 ) هذا من حيث موضوع النزاع ورأي المنار فيه بالذات ، وأظن أن فيما نقلنا في باب التفسير في هذه المعاني كفاية ، ومن أراد الاستزادة زدناه ؛ حتى يعلم أن المنار لا يتنكر لماضيه في الحق ، ولا ينسى برنامجه من الصدع به ، ولا يناقض نفسه في الصواب ، وبقي بعد هذا أن نذكر حضرة الكاتب بعض ما فاته معرفته من برنامج المنار الذي سارت عليه في ماضيها ونريد أن نسير بها عليه في حاضرها : صرح صاحب المنار بقاعدة ، وأسماها قاعدة المنار الذهبية ، فقال : ( نتعاون فيما اتفقنا عليه ، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه ) ، فمواطن الخلاف يا سيدي يقدم فيها العذر على التجريح وسوء الظن ، وذلك ما سنسير عليه - إن شاء الله - .
وقد قضى صاحب المنار حياته وهو يصدع بالتحرر من الجمود ، وينعى على أهل التقليد الأعمى الذين يقدمون أقوال الناس التي لم يقم عليها دليل على الأدلة الواضحة بغير برهان بين أيديهم ، إلا أن هذا قول فلان وفلان ، فهل يريدنا حضرة الكاتب على هذا التقليد الذي نعاه صاحب المنار على أهله ؟ أم يريدنا متبعين للدليل والحق ، ندور معه كيفما دار وإن خالفنا صاحب المنار ؟ وأظن أن حضرة الكاتب يذكر أن الشافعي كان من خلصاء تلاميذ مالك - رضي الله عنهما - وكلاهما في جلالة قدره ورسوخه في علمه وتقواه لله بالمنزلة التي لا تتسامى إليها القوادح ، ومع هذا فلم يمنع هذا الشافعي أن يخالف مالكًا ، وأن يكون له رأيه ومذهبه .
فنحن مع المنار وصاحبه - عليه رحمة الله ورضوانه - في الأصول الأساسية التي لا خلاف فيها في منهاج الإصلاح العام وخطته ، وفيما وضح الحق فيه واستبان وجه عليه الدليل في الشئون التي فيها مجال للتفكير والنظر ، ولا يمنعنا هذا من أن نخالف صاحب المنار - رحمه الله - في الأمور التي لم يقم عليها الدليل أن ينبهنا لما فاتنا ، والله الموفق للصواب .
حسن البنا
انتقاد المنار حول فتوى آيات الصفات و أحاديثهاالعدد 6 1939
جاءنا من حضرة الفاضل صاحب التوقيع الخطاب التالي ، ننشره مع رده فيما يلي :
حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ حسن البنا رئيس تحرير مجلة المنار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد فإن احتجاب المنار بموت صاحبه - عليه رحمة الله تعالى - كان من دواعي أسف المسلمين جميعًا ، بل حزنهم العميق ، ولم يكن ذلك طبعًا لأنها مجلة إسلامية فقط ، بل كان ذلك لما علمه قراء المنار من الميل مع الحق أينما كان ، وعدم المبالاة بكائن من كان في سبيل كلمة الحق وبيانها وإيضاحها ، ولا أظنك تجهل مواقف صاحب المنار - عليه رحمة الله - مع كثير من أخص أصدقائه ؛ فإنه لم يكن يعرف إلا الحق ولو أغضب الحق صديقه أو جميع الناس ، ولم نعهد فيه - رحمة الله عليه - مداهنة ولا محاباة ، وبذلك كان للمنار وصاحبه تلك المنزلة التي تعرفونها في نفوس جميع أهل الملة المحمدية .
فإذا كنتم تريدون السير بالمنار سيرته هذه فلا شك أنها - إن شاء الله تعالى - ستحيي حياتها الأولى ، وإلا فاسم المنار وحده لا يغني شيئًا .
لقد استفتاكم مستفت فيما شجر من الخلاف بين مجلتي الهدي النبوي والإسلام ، فماذا افتيتم ؟ إن رأي المنار في موضوع الخلاف بين المجلتين معروف مسطور في أعداد المنار السابقة ، فهل نفهم من فتواكم هذه أن المنار يتنكر لماضيه ، وينسى برنامجه ؟ لقد قلتم يا سيدي الأستاذ إن كلتا المجلتين على الحق ! ! ! ولا يعقل فيما نعلم أن يختلف اثنان على أمر واحد ينفيه أحدهما ويثبته الآخر ثم يقال أنهما جميعًا على الحق ! لا ، ليس هذا شأن المنار الذي عرفناه وبكيناه لما احتجب .
نرجو أن تصارحونا بالحق في أي الجانبين هو كما عودنا صاحب المنار ، إن كنتم تنصرون الحق لله وفي سبيل الله ، والسلام عليكم ورحمة الله .
قارئ
* * *
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على نبيه وآله وصحبه ومن والاه ، وبعد ، فعلى حضرة القارئ المحترم السلام ورحمة الله عليكم وبركاته ، وكنت أود أن يتكرم بإظهار اسمه حتى نتعارف في سبيل البحث عن الحقيقة ، ولعله - وفقنا الله وإياه - رأى في ستر اسمه معاونة على خدمة الحق للحق ، بدون نظر إلى الصلات الخاصة بين المتباحثين ، فنحن نحسن الظن ، ونشكر للأخ الفاضل خطابه ، مؤكدين دعوتنا الأولى بجميع إخواننا في انتقاد ما يرونه مستحقًّا للانتقاد في المنار ؛ حتى تتعاون الجهود على الوصول للحقيقة ، ويسرنا أن نعلن أننا ننتهز مثل هذه الفرصة لنسلك بالنقد الأدبي مسلكًا نبيلاً لا هجر فيه ، ولا إقذاف ، ولا تجهيل ، ولا تضليل ؛ ولتكمل به أنفسنا ، فإن الكمال لله وحده والعصمة لأنبيائه - صلوات الله وسلامه عليهم - ومن ادعى لنفسه الكمال أو ظن بها ذلك فهذا عين النقص ، ونسأل الله ألا يحرمنا من يبصرنا بعيوبنا ، ويحملنا على الصواب والسداد ، وإلى الكاتب وإلى حضرات القراء الفضلاء رأينا فيما ورد في هذا الخطاب :
( 1 ) نسب إلينا الأستاذ الكاتب أننا صرحنا بأن كلتا المجلتين على حق ، وبني على هذا أنه من غير المعقول أن يختلف اثنان على أمر واحد ينفيه أحدهما ويثبته الآخر ، ثم يقال أنهما جميعًا على الحق ؛ وحضرته لهذا يرجو أن نصارح بالحق في أي الجهتين هو ؟ ولا أدري من أين جاء حضرته بهذا التصريح الذي نسبه إلينا ، إن كان قد جاء به من تصريحنا بأن الفريقين في نظرنا أصدقاء لنا وممن يتصدون للدعوة إلى الخير ، فليس معني هذا تصويب رأي أحد منهما ولا كليهما في موضوع نزاع بعينه ، والذي صرحنا به في موضوع الخلاف أن كلا الفريقين غير محق ، وأن موضوع الخلاف من أساسه لا يصح أن يكون خلافًا ، وليس بلازم أن يكون كل مختلفين أحدهما محق والآخر مبطل ، بل قد يكونان مخطئين جميعًا هو ما صرحنا به بوضوح ، فإن فريقًا تغالى في التأويل ، وفريقًا تغالى في الجمود ، ورأى السلف في ذلك - وهو رأي المنار الذي يشير إليه حضرة الكاتب ، وهو رأينا الذي أوضحناه في مقالنا - أن مذهب السلف ترك الخوض في هذه المعاني ، مع اعتقاد تنزيه الله- تبارك وتعالى - عن أمثالها المنسوبة لخلقه وإمرارها كما جاءت ،وتفويض علم حقائقها إلى الله ، فمن فسر الاستواء بالاستيلاء فقد تورط في التأويل ، وألزم نفسه غير ما ألزمه الله به ، ومن فسره بالاستقرار فقد تورط في التشبيه ، وأوهم سامعه جواز نسبة صفات المخلوفين إلى الخالق .فإن قال ( هو استقرار يليق بجلاله ) فهو إذن لم يأتِ بشيء ، والأولى أن يقف عند النص ، والحق في هذا وأمثاله أن يقال استوى استواء يليق بجلاله ، مع اعتقادهم عدم المشابهة ، وتفويض الحقيقة إلى الله ، إلا أن تقوم قرينة لا تدفع تصرف اللفظ عن ظاهره ، فنقف عند حدود هذا الصرف ولا نتجاوزه كما ذهب إليه السلف في معية الحق - تبارك وتعالى - بعلمه لا بذاته .
تلك أمور فصلناها وقررناها ، ولمنا الفريقين على أنهما طرقا بحوثًا كهذه بمثل الأسلوب الذي خاضوا به ، فبها وبذلك حققنا رجاء الكاتب ، وصارحناه بأن الحق ليس في أحد الجانبين ، فأين القصور إذن ؟
( 2 ) هذا من حيث موضوع النزاع ورأي المنار فيه بالذات ، وأظن أن فيما نقلنا في باب التفسير في هذه المعاني كفاية ، ومن أراد الاستزادة زدناه ؛ حتى يعلم أن المنار لا يتنكر لماضيه في الحق ، ولا ينسى برنامجه من الصدع به ، ولا يناقض نفسه في الصواب ، وبقي بعد هذا أن نذكر حضرة الكاتب بعض ما فاته معرفته من برنامج المنار الذي سارت عليه في ماضيها ونريد أن نسير بها عليه في حاضرها : صرح صاحب المنار بقاعدة ، وأسماها قاعدة المنار الذهبية ، فقال : ( نتعاون فيما اتفقنا عليه ، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه ) ، فمواطن الخلاف يا سيدي يقدم فيها العذر على التجريح وسوء الظن ، وذلك ما سنسير عليه - إن شاء الله - .
وقد قضى صاحب المنار حياته وهو يصدع بالتحرر من الجمود ، وينعى على أهل التقليد الأعمى الذين يقدمون أقوال الناس التي لم يقم عليها دليل على الأدلة الواضحة بغير برهان بين أيديهم ، إلا أن هذا قول فلان وفلان ، فهل يريدنا حضرة الكاتب على هذا التقليد الذي نعاه صاحب المنار على أهله ؟ أم يريدنا متبعين للدليل والحق ، ندور معه كيفما دار وإن خالفنا صاحب المنار ؟ وأظن أن حضرة الكاتب يذكر أن الشافعي كان من خلصاء تلاميذ مالك - رضي الله عنهما - وكلاهما في جلالة قدره ورسوخه في علمه وتقواه لله بالمنزلة التي لا تتسامى إليها القوادح ، ومع هذا فلم يمنع هذا الشافعي أن يخالف مالكًا ، وأن يكون له رأيه ومذهبه .
فنحن مع المنار وصاحبه - عليه رحمة الله ورضوانه - في الأصول الأساسية التي لا خلاف فيها في منهاج الإصلاح العام وخطته ، وفيما وضح الحق فيه واستبان وجه عليه الدليل في الشئون التي فيها مجال للتفكير والنظر ، ولا يمنعنا هذا من أن نخالف صاحب المنار - رحمه الله - في الأمور التي لم يقم عليها الدليل أن ينبهنا لما فاتنا ، والله الموفق للصواب .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق